الصوت المسلم الأمريكي فيما وراء تأييد كيري ومعارضة بوش
مقال بقلم: علاء بيومي
الناشر: الجزيرة نت، 28 أكتوبر 2004
نص المقال
إعلان كبرى منظمات المسلمين الأمريكيين في الحادي والعشرين من أكتوبر 2004 تأييدهم لمرشح الحزب الديمقراطي للرئاسة جون كيري هو أمر في حقيقته أكبر من مجرد قرار لتأييد كيري أو لمعارضة جورج دبليو بوش، فالقرار في مضمونه الحقيقي يتضمن العديد من الدلالات الهامة
أولا القرار هو علامة واضحة على أن الغالبية العظمي من المسلمين الأمريكيين ومنظماتهم باتت أكثر تحفزا للنشاط السياسي دفاعا عن حقوقهم وحرياتهم ورغبة في تغيير أوضاعهم للأفضل، وأن تبعات أحداث سبتمبر 2001 السلبية الخطيرة على أوضاعهم لم تدفعهم إلى العزلة أو إلى التقوقع بل أنهم نجحوا في الحفاظ على مستويات مشاركتهم السياسية إن لم يكونوا قد زادوها بالفعل كما تشير مؤشرات عديدة
إذ تشير أحدث الاستطلاعات الخاصة بتوجهات المسلمين الأمريكيين نحو المشاركة السياسية إلى إن نسبة الراغبين في المشاركة السياسية في أوساطهم بلغت 93 %، كما أن نسبة العازمين على التصويت بين الناخبين المسلمين المسجلين في السجلات الانتخابية الأمريكية تبلغ 95 % وهي بدون شك نسب مرتفعة
وعلى صعيد منظمات المسلمين الأمريكيين السياسية، دخل المسلمون الأمريكيون انتخابات عام 2000 بتحالف مكون من أربعة مؤسسات سياسية، أما انتخابات عام 2004 فقد دخولها بتحالف يتشكل من عشرة مؤسسات كبرى على الأقل بما فيها مؤسسات دينية واتحادات طلاب ومنظمات تمثل المسلمين الأفارقة الأمريكيين، هذا إضافة إلى النمو الواضح الذي طرأ على بعض هذه المؤسسات وعلى رأسها مجلس العلاقات الإسلامية الأمريكية (كير) والذي يعد أكبر منظمات الحقوق المدنية المسلمة الأمريكية والذي تضاعفت عدد فروعه في أرجاء الولايات المتحدة وكندا أربعة مرات خلال السنوات الثلاثة الماضية لتصل إلى 29 مكتبا
ثانيا: القرار يعكس أن الفترة الأخيرة دفعت المسلمين الأمريكيين إلى مزيد من الواقعية السياسية والتي تقتضي عدة أشياء، أولها إدراك أن الحياة السياسية ليست مثالية وأن المسلمين الأمريكيين كأي جماعة أمريكية أخرى يستحيل أن يجدوا المرشح الذي يرضي جميع مطالبها، ولذا فالعبرة هي بالمشاركة وبالتواجد داخل العملية السياسية، واستخدام ما يتوافر لدي المسلمين الأمريكيين من أصوات وأموال ومنظمات وقدرة على التفاوض وصناعة النفوذ للتأثير على السياسية الأمريكية من داخلها وليس من خارجها
ولذا أكد قرار تحالف المنظمة المسلمة الأمريكية على أنه تأييدهم جون كيري هو عبارة عن "اتفاق جزئي" و"مشروط" مع كيري على أمل أن يتيح هذا القرار لمسلمي أمريكا في حالة فوز كيري فرصة "العمل معه" لمعالجة قضايا الحقوق المدنية والعدالة الاجتماعية وسيادة الدستور والقانون وغيرها من القضايا الهامة من المسلمين والليبراليين بالولايات المتحدة
ومن منطلق الواقعية ذاته قدمت المنظمات المسلمة الأمريكية الشكر للمرشح المستقل رالف نادر والذي بذل كثير من الجهد لاجتذاب أصوات مسلمي أمريكا والتقرب من قضاياهم، ولكنه في الوقت نفسه لا يمتلك فرصة حقيقية للفوز بالرئاسة الأمريكية، ويكفي أن نشير هنا أن كثير من المسلمين الأمريكيين أيدوا دينيس كوزينتش (عضو مجلس النواب الأمريكي عن ولاية أوهايو) خلال تنافسه في أوائل العام الحالي على الفوز بترشيح الحزب الديمقراطي له في انتخابات الرئاسة الأمريكية، وكان كوزينتش وما زال هو الأقرب بالفعل من قضايا المسلمين الأمريكيين مقارنة بجون كيري أو بغيره من المتنافسين الديمقراطيين، ولكن كوزينتش لم يتمكن من الفوز بترشيح الحزب الديمقراطي، ومع انتهاء الانتخابات داخل الحزب الديمقراطي انتهى تأثير كوزينتش كمرشح رئاسي وإن بقى تأثيره كعضو كونجرس مساند للمسلمين الأمريكيين وقضاياهم يرحب المسلمون الأمريكيون بالعمل معه
ثالثا: تأييد المسلمين الأمريكيين لجون كيري هو في حقيقته تأييد لقطاعات واسعة وحلفاء كبار داخل المجتمع الأمريكي ساندوا مسلمي أمريكا بوضوح خلال السنوات الثلاثة الأخيرة، وقد أتي معظم هؤلاء الحلفاء - كجماعات الحقوق المدنية وجماعات السلام والجماعات المنادية بحقوق الأقليات – من خلفيات يسارية وليبرالية أمريكية واضحة
في المقابل وقف اليمين الأمريكي موقف المنكر – والمساند في بعض الأحيان – لما تعرض له المسلمون الأمريكيون وقضاياهم من تمييز وما تعرضت له صورتهم من تشويه خلال السنوات الثلاثة الأخيرة
إذ أشار استطلاع لتوجهات الشعب الأمريكي نحو الإسلام والمسلمين أصدرته كير في أوائل شهر أكتوبر الحالي إلى أن المنتمين إلى التيار الأمريكي اليميني المحافظ أكثر استعدادا للاعتقاد في صور سلبية عن الإسلام والمسلمين مقارنة بالمنتمين إلى التيار الليبرالي
أكثر من ذلك أدلت بعض قيادات اليمين المسيحي الأمريكي الدينية – مثل بات روبرتسون وفرانكلين جرام وجيري فالويل- وبعض قياداته السياسية والرسمية - مثل الجنرال وليام بويكين ووزير العدل الأمريكي جون أشكروفت والنائب الجمهوري توم دلاي – بدلوها في موجة التعصب والكراهية والتشويه التي تعرض لها الإسلام والمسلمون منذ أحداث سبتمبر
ويكفي هنا أن نشير إلى الحملة التي قادتها بعض المنظمات المسلمة الأمريكية في أوائل عام 2002 لمواجهة وزير العدل الأمريكي جون أشكروفت، وذلك بعد أن نشر كال توماس – وهو صحفي أمريكي معروف - في 7 ديسمبر 2001 - مقابلة أجراها مع أشكروفت على صفحات موقع صحفي إلكتروني أمريكي نسب فيها إلى أشكروفت القول بأن "الإسلام هو دين يطالبك فيه الرب أن ترسل ولدك ليموت من أجله، أما المسيحية فهي عقيدة يرسل فيها الرب ولده ليموت من أجلك"، وكررت المنظمات في أكثر من مناسبة مطالبتها لأشكروفت بأن يصدر بيانا صريحا يوضح موقفه من التصريحات المسيئة، ولكن مثل هذا البيان لم يصدر
وكان الرد الطبيعي على ذلك من قبل المسلمين الأمريكيين هو أن يتحولوا بعيدا عن اليمين الرافض لهم – على الرغم من مساندتهم له على صعيد القضايا الأخلاقية والاجتماعية – نحو اليسار الأمريكي المرحب بهم، وقد أبرز استطلاع أصدره مركز أبحاث مسلم أمريكي تابع لجامعة جورج تاون الأمريكية في منتصف شهر أكتوبر الحالي أن 50 % من المسلمين الأمريكيين أصبحوا ينظرون إلى الحزب الديمقراطي على أنه حزبهم المفضل في مقابل 12 % من المسلمين الأمريكيين مازالوا يشعرون بالانتماء إلى الحزب الجمهوري، هذا إضافة إلى انخفاض نسبة مؤيدي بوش في أوساط المسلمين الأمريكيين إلى 7 % أو أقل، بل أن نصف المسلمين الجمهوريين – كما يشير الاستطلاع – يؤيدون جون كيري
رابعا: أظهرت استطلاعات الرأي المختلفة التي أجرتها المنظمات المسلمة الأمريكية حقيقتين هامتين أولهما التحول الواضح في أوساط المسلمين الأمريكيين (أكثر من 60 % منذ مطلع الصيف الحالي) نحو تأييد المرشح الديمقراطي للرئاسة وبعيدا عن تأييد جورج دبليو بوش، أما الحقيقة الثانية فهي تأثر المسلمين الأمريكيين (69 % منهم على الأقل) بمواقف منظماتهم الكبرى وحاجتهم لموقف قوي وواضح من قبل هذه المنظمات يوحد طاقاتهم ويوجه الأقلية المترددة في أوساطهم
وقد صار واضحا أن وحدة المسلمين الأمريكيين وقدرتهم على التصويت ككتلة واحدة لصالح المرشح الأكثر تمثيلا لقضاياهم - وهي الممارسة التي بدؤها في انتخابات عام 2000 – باتت تشكل واحدة من أهم معالم خصائصهم ونفوذهم السياسي في الفترة الحالية، فالمسلمون الأمريكيون – كما تشير الاستطلاعات - أصبحوا أكثر رغبة في الوحدة السياسية، كما أن الدوائر السياسية والإعلامية الأمريكية أصحبت تتوقع هذه الوحدة وتترقبها كما ظهر في تغطية العديد من وسائل الإعلام الأمريكية لمواقف المسلمين السياسية خلال موسم الانتخابات الحالي
وبدون شك لعبت الحقيقتين السابقتين دورا كبيرا في التأثير على قرار المنظمات المسلمة الأمريكية والذي جاء ليعكس ويقوي ويوحد توجهات الغالبية العظمي من المسلمين الأمريكيين
خامسا: مواقف جون كيري نحو قضايا المسلمين الأمريكيين خاصة على مستوى القضايا الداخلية على الرغم مما يعتريها من ضبابية مازالت أكثر قربا من مطالب المسلمين الأمريكيين لو قورنت بمواقف جورج دبليو بوش
فقد أشار الاستطلاع الذي أجرته جامعة جورج تاون إلى أن 44 % من الناخبين المسلمين الأمريكيين يعتبرون القضايا الداخلية هي العامل الأكثر تأثيرا على أصواتهم، مقارنة بنسبة 34 % يرون أن القضايا الخارجية هي العامل الأهم بالنسبة لهم، وعندما سئل المشاركون في الاستطلاع عن أهم التحديات التي تواجه المسلمين الأمريكيين في الفترة الحالية جاءت قضية الحقوق المدنية في المرتبة الأولى بنسبة 28 % من أصوات المشاركين في الاستطلاع، تلتها قضية العنصرية بنسبة 24 %، ثم قضية المشاركة في التيار العام الأمريكي بنسبة 11 %، وحلت قضايا السياسة الخارجية رابعة بنسبة 8 % فقط
وعندما سئل جورج بوش في المناظرة التلفزيونية الثانية عن تبعات قوانين مكافحة الإرهاب السلبية على الحقوق المدنية، رد بوش بالنفي ورفض الاعتراف بتعرض الحقوق المدنية بالولايات المتحدة لتراجع، في المقابل تعهد كيري في مناسبات مختلفة بمراجعة بعض بنود قانون الوطنية (الصادر في عام 2001 لمكافحة الإرهاب) وبتقوية إشراف الكونجرس على البرامج الأمنية التي وضعت منذ 11/9 وبوقف استخدام الأدلة السرية ضد المهاجرين والمواطنين على حد سواء
كما بذلت حملة جون كيري جهودا واضحة في الوصول إلى المسلمين الأمريكيين وإلى قادتهم ولجذب أصواتهم وشارك في هذه الجهود سياسيون مخضرمون على رأسهم السيناتور إدوارد كيندي المعروف بمواقفه الإيجابية نحو المسلمين الأمريكيين
ولذا بدا جون كيري أكثر قربا إلى قضايا المسلمين الأمريكيين الداخلية على الأقل
أخيرا بقى لنا أن نشير إلى أن أي قرار سياسي لا يخلو من مخاطرة، فقد يفوز بوش أو يفوز كيري ولا يفي بتعهداته كما فعل بوش في عام 2000، ولكن المخاطرة هي جزء لا يتجزأ من القرار السياسي ومن القيادة السياسية، وما يقلل من تبعات المخاطرة هو أن يقوم أي قرار سياسي على دعائم مختلفة وعلى نظرة واسعة للأمور وهو الأمر الذي حاولنا شرحه وتبيانه خلال هذا المقال، فقرار المسلمين الأمريكيين تأييد جون كيري في الثاني من نوفمبر القادم يتخطى مساندة كيري ومعارضة بوش إلى العديد من الأهداف الهامة التي يرجى تحقيقها من وراء توحيد أصوات الناخبين المسلمين الأمريكيين في الثاني من نوفمبر 2004
الناشر: الجزيرة نت، 28 أكتوبر 2004
نص المقال
إعلان كبرى منظمات المسلمين الأمريكيين في الحادي والعشرين من أكتوبر 2004 تأييدهم لمرشح الحزب الديمقراطي للرئاسة جون كيري هو أمر في حقيقته أكبر من مجرد قرار لتأييد كيري أو لمعارضة جورج دبليو بوش، فالقرار في مضمونه الحقيقي يتضمن العديد من الدلالات الهامة
أولا القرار هو علامة واضحة على أن الغالبية العظمي من المسلمين الأمريكيين ومنظماتهم باتت أكثر تحفزا للنشاط السياسي دفاعا عن حقوقهم وحرياتهم ورغبة في تغيير أوضاعهم للأفضل، وأن تبعات أحداث سبتمبر 2001 السلبية الخطيرة على أوضاعهم لم تدفعهم إلى العزلة أو إلى التقوقع بل أنهم نجحوا في الحفاظ على مستويات مشاركتهم السياسية إن لم يكونوا قد زادوها بالفعل كما تشير مؤشرات عديدة
إذ تشير أحدث الاستطلاعات الخاصة بتوجهات المسلمين الأمريكيين نحو المشاركة السياسية إلى إن نسبة الراغبين في المشاركة السياسية في أوساطهم بلغت 93 %، كما أن نسبة العازمين على التصويت بين الناخبين المسلمين المسجلين في السجلات الانتخابية الأمريكية تبلغ 95 % وهي بدون شك نسب مرتفعة
وعلى صعيد منظمات المسلمين الأمريكيين السياسية، دخل المسلمون الأمريكيون انتخابات عام 2000 بتحالف مكون من أربعة مؤسسات سياسية، أما انتخابات عام 2004 فقد دخولها بتحالف يتشكل من عشرة مؤسسات كبرى على الأقل بما فيها مؤسسات دينية واتحادات طلاب ومنظمات تمثل المسلمين الأفارقة الأمريكيين، هذا إضافة إلى النمو الواضح الذي طرأ على بعض هذه المؤسسات وعلى رأسها مجلس العلاقات الإسلامية الأمريكية (كير) والذي يعد أكبر منظمات الحقوق المدنية المسلمة الأمريكية والذي تضاعفت عدد فروعه في أرجاء الولايات المتحدة وكندا أربعة مرات خلال السنوات الثلاثة الماضية لتصل إلى 29 مكتبا
ثانيا: القرار يعكس أن الفترة الأخيرة دفعت المسلمين الأمريكيين إلى مزيد من الواقعية السياسية والتي تقتضي عدة أشياء، أولها إدراك أن الحياة السياسية ليست مثالية وأن المسلمين الأمريكيين كأي جماعة أمريكية أخرى يستحيل أن يجدوا المرشح الذي يرضي جميع مطالبها، ولذا فالعبرة هي بالمشاركة وبالتواجد داخل العملية السياسية، واستخدام ما يتوافر لدي المسلمين الأمريكيين من أصوات وأموال ومنظمات وقدرة على التفاوض وصناعة النفوذ للتأثير على السياسية الأمريكية من داخلها وليس من خارجها
ولذا أكد قرار تحالف المنظمة المسلمة الأمريكية على أنه تأييدهم جون كيري هو عبارة عن "اتفاق جزئي" و"مشروط" مع كيري على أمل أن يتيح هذا القرار لمسلمي أمريكا في حالة فوز كيري فرصة "العمل معه" لمعالجة قضايا الحقوق المدنية والعدالة الاجتماعية وسيادة الدستور والقانون وغيرها من القضايا الهامة من المسلمين والليبراليين بالولايات المتحدة
ومن منطلق الواقعية ذاته قدمت المنظمات المسلمة الأمريكية الشكر للمرشح المستقل رالف نادر والذي بذل كثير من الجهد لاجتذاب أصوات مسلمي أمريكا والتقرب من قضاياهم، ولكنه في الوقت نفسه لا يمتلك فرصة حقيقية للفوز بالرئاسة الأمريكية، ويكفي أن نشير هنا أن كثير من المسلمين الأمريكيين أيدوا دينيس كوزينتش (عضو مجلس النواب الأمريكي عن ولاية أوهايو) خلال تنافسه في أوائل العام الحالي على الفوز بترشيح الحزب الديمقراطي له في انتخابات الرئاسة الأمريكية، وكان كوزينتش وما زال هو الأقرب بالفعل من قضايا المسلمين الأمريكيين مقارنة بجون كيري أو بغيره من المتنافسين الديمقراطيين، ولكن كوزينتش لم يتمكن من الفوز بترشيح الحزب الديمقراطي، ومع انتهاء الانتخابات داخل الحزب الديمقراطي انتهى تأثير كوزينتش كمرشح رئاسي وإن بقى تأثيره كعضو كونجرس مساند للمسلمين الأمريكيين وقضاياهم يرحب المسلمون الأمريكيون بالعمل معه
ثالثا: تأييد المسلمين الأمريكيين لجون كيري هو في حقيقته تأييد لقطاعات واسعة وحلفاء كبار داخل المجتمع الأمريكي ساندوا مسلمي أمريكا بوضوح خلال السنوات الثلاثة الأخيرة، وقد أتي معظم هؤلاء الحلفاء - كجماعات الحقوق المدنية وجماعات السلام والجماعات المنادية بحقوق الأقليات – من خلفيات يسارية وليبرالية أمريكية واضحة
في المقابل وقف اليمين الأمريكي موقف المنكر – والمساند في بعض الأحيان – لما تعرض له المسلمون الأمريكيون وقضاياهم من تمييز وما تعرضت له صورتهم من تشويه خلال السنوات الثلاثة الأخيرة
إذ أشار استطلاع لتوجهات الشعب الأمريكي نحو الإسلام والمسلمين أصدرته كير في أوائل شهر أكتوبر الحالي إلى أن المنتمين إلى التيار الأمريكي اليميني المحافظ أكثر استعدادا للاعتقاد في صور سلبية عن الإسلام والمسلمين مقارنة بالمنتمين إلى التيار الليبرالي
أكثر من ذلك أدلت بعض قيادات اليمين المسيحي الأمريكي الدينية – مثل بات روبرتسون وفرانكلين جرام وجيري فالويل- وبعض قياداته السياسية والرسمية - مثل الجنرال وليام بويكين ووزير العدل الأمريكي جون أشكروفت والنائب الجمهوري توم دلاي – بدلوها في موجة التعصب والكراهية والتشويه التي تعرض لها الإسلام والمسلمون منذ أحداث سبتمبر
ويكفي هنا أن نشير إلى الحملة التي قادتها بعض المنظمات المسلمة الأمريكية في أوائل عام 2002 لمواجهة وزير العدل الأمريكي جون أشكروفت، وذلك بعد أن نشر كال توماس – وهو صحفي أمريكي معروف - في 7 ديسمبر 2001 - مقابلة أجراها مع أشكروفت على صفحات موقع صحفي إلكتروني أمريكي نسب فيها إلى أشكروفت القول بأن "الإسلام هو دين يطالبك فيه الرب أن ترسل ولدك ليموت من أجله، أما المسيحية فهي عقيدة يرسل فيها الرب ولده ليموت من أجلك"، وكررت المنظمات في أكثر من مناسبة مطالبتها لأشكروفت بأن يصدر بيانا صريحا يوضح موقفه من التصريحات المسيئة، ولكن مثل هذا البيان لم يصدر
وكان الرد الطبيعي على ذلك من قبل المسلمين الأمريكيين هو أن يتحولوا بعيدا عن اليمين الرافض لهم – على الرغم من مساندتهم له على صعيد القضايا الأخلاقية والاجتماعية – نحو اليسار الأمريكي المرحب بهم، وقد أبرز استطلاع أصدره مركز أبحاث مسلم أمريكي تابع لجامعة جورج تاون الأمريكية في منتصف شهر أكتوبر الحالي أن 50 % من المسلمين الأمريكيين أصبحوا ينظرون إلى الحزب الديمقراطي على أنه حزبهم المفضل في مقابل 12 % من المسلمين الأمريكيين مازالوا يشعرون بالانتماء إلى الحزب الجمهوري، هذا إضافة إلى انخفاض نسبة مؤيدي بوش في أوساط المسلمين الأمريكيين إلى 7 % أو أقل، بل أن نصف المسلمين الجمهوريين – كما يشير الاستطلاع – يؤيدون جون كيري
رابعا: أظهرت استطلاعات الرأي المختلفة التي أجرتها المنظمات المسلمة الأمريكية حقيقتين هامتين أولهما التحول الواضح في أوساط المسلمين الأمريكيين (أكثر من 60 % منذ مطلع الصيف الحالي) نحو تأييد المرشح الديمقراطي للرئاسة وبعيدا عن تأييد جورج دبليو بوش، أما الحقيقة الثانية فهي تأثر المسلمين الأمريكيين (69 % منهم على الأقل) بمواقف منظماتهم الكبرى وحاجتهم لموقف قوي وواضح من قبل هذه المنظمات يوحد طاقاتهم ويوجه الأقلية المترددة في أوساطهم
وقد صار واضحا أن وحدة المسلمين الأمريكيين وقدرتهم على التصويت ككتلة واحدة لصالح المرشح الأكثر تمثيلا لقضاياهم - وهي الممارسة التي بدؤها في انتخابات عام 2000 – باتت تشكل واحدة من أهم معالم خصائصهم ونفوذهم السياسي في الفترة الحالية، فالمسلمون الأمريكيون – كما تشير الاستطلاعات - أصبحوا أكثر رغبة في الوحدة السياسية، كما أن الدوائر السياسية والإعلامية الأمريكية أصحبت تتوقع هذه الوحدة وتترقبها كما ظهر في تغطية العديد من وسائل الإعلام الأمريكية لمواقف المسلمين السياسية خلال موسم الانتخابات الحالي
وبدون شك لعبت الحقيقتين السابقتين دورا كبيرا في التأثير على قرار المنظمات المسلمة الأمريكية والذي جاء ليعكس ويقوي ويوحد توجهات الغالبية العظمي من المسلمين الأمريكيين
خامسا: مواقف جون كيري نحو قضايا المسلمين الأمريكيين خاصة على مستوى القضايا الداخلية على الرغم مما يعتريها من ضبابية مازالت أكثر قربا من مطالب المسلمين الأمريكيين لو قورنت بمواقف جورج دبليو بوش
فقد أشار الاستطلاع الذي أجرته جامعة جورج تاون إلى أن 44 % من الناخبين المسلمين الأمريكيين يعتبرون القضايا الداخلية هي العامل الأكثر تأثيرا على أصواتهم، مقارنة بنسبة 34 % يرون أن القضايا الخارجية هي العامل الأهم بالنسبة لهم، وعندما سئل المشاركون في الاستطلاع عن أهم التحديات التي تواجه المسلمين الأمريكيين في الفترة الحالية جاءت قضية الحقوق المدنية في المرتبة الأولى بنسبة 28 % من أصوات المشاركين في الاستطلاع، تلتها قضية العنصرية بنسبة 24 %، ثم قضية المشاركة في التيار العام الأمريكي بنسبة 11 %، وحلت قضايا السياسة الخارجية رابعة بنسبة 8 % فقط
وعندما سئل جورج بوش في المناظرة التلفزيونية الثانية عن تبعات قوانين مكافحة الإرهاب السلبية على الحقوق المدنية، رد بوش بالنفي ورفض الاعتراف بتعرض الحقوق المدنية بالولايات المتحدة لتراجع، في المقابل تعهد كيري في مناسبات مختلفة بمراجعة بعض بنود قانون الوطنية (الصادر في عام 2001 لمكافحة الإرهاب) وبتقوية إشراف الكونجرس على البرامج الأمنية التي وضعت منذ 11/9 وبوقف استخدام الأدلة السرية ضد المهاجرين والمواطنين على حد سواء
كما بذلت حملة جون كيري جهودا واضحة في الوصول إلى المسلمين الأمريكيين وإلى قادتهم ولجذب أصواتهم وشارك في هذه الجهود سياسيون مخضرمون على رأسهم السيناتور إدوارد كيندي المعروف بمواقفه الإيجابية نحو المسلمين الأمريكيين
ولذا بدا جون كيري أكثر قربا إلى قضايا المسلمين الأمريكيين الداخلية على الأقل
أخيرا بقى لنا أن نشير إلى أن أي قرار سياسي لا يخلو من مخاطرة، فقد يفوز بوش أو يفوز كيري ولا يفي بتعهداته كما فعل بوش في عام 2000، ولكن المخاطرة هي جزء لا يتجزأ من القرار السياسي ومن القيادة السياسية، وما يقلل من تبعات المخاطرة هو أن يقوم أي قرار سياسي على دعائم مختلفة وعلى نظرة واسعة للأمور وهو الأمر الذي حاولنا شرحه وتبيانه خلال هذا المقال، فقرار المسلمين الأمريكيين تأييد جون كيري في الثاني من نوفمبر القادم يتخطى مساندة كيري ومعارضة بوش إلى العديد من الأهداف الهامة التي يرجى تحقيقها من وراء توحيد أصوات الناخبين المسلمين الأمريكيين في الثاني من نوفمبر 2004
No comments:
Post a Comment