قضايا الناخب المسلم الأمريكي في انتخابات 2004
مقال بقلم: علاء بيومي
الناشر: جريدة الرياض، 2 نوفمبر 2004
نص المقال
حسمت أربعة قضايا أساسية وجهة الصوت المسلم الأمريكي في انتخابات 2004 ودفعته في مسار مساندة المرشح الديمقراطي للرئاسة جون كيري كما أعلن تحالف يضم أكبر منظمات المسلمين الأمريكيين السياسية في الحادي والعشرين من أكتوبر الحالي
القضايا الأربعة هي نفس القضايا التي شغلت قمة أولويات مسلمي أمريكا منذ بداية عقد التسعينات من القرن العشرين تقريبا وهي قضية الدفاع عن حقوق وحريات المسلمين المدنية، وقضية مكافحة ما تتعرض له صورة الإسلام والمسلمين من تشويه في الولايات المتحدة، وقضية تشجيع مشاركة المسلمين في السياسة الأمريكية، وقضية تحسين سياسة أمريكا تجاه العالمين العربي والإسلامي
هذه القضايا الأربعة الكبرى بدت مسيطرة على اهتمام مسلمي أمريكا ومنظماتهم خلال العقد الأخير من القرن العشرين، وما تغير في الفترة الحالية وخاصة منذ أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001 هو تغيير ترتيب أولوية هذه القضايا مقارنة ببعضها داخل أجندة المسلمين الأمريكيين، إذ بات واضحا أن أحداث سبتمبر دفعت المسلمين الأمريكيين إلى إعطاء قضاياهم الداخلية مزيدا من الاهتمام نظرا لما باتوا يتعرضون له من ضغوط متزايدة تهدد استقرارهم الداخلي وقدرتهم على الدفاع عن مصالحهم المختلفة
وقد أشار استطلاع عن توجهات مسلمي أمريكا الداخلية أصدره مركز أبحاث مسلم أمريكي تابع لجامعة جورج تاون الأمريكية في منتصف شهر أكتوبر 2004 إلى أن 44 % من الناخبين المسلمين الأمريكيين أصبحوا يعتبرون القضايا الداخلية هي العامل الأكثر تأثيرا على أصواتهم، مقارنة بنسبة 34 % يرون أن القضايا الخارجية هي العامل الأهم بالنسبة لهم، وعندما سئل المشاركون في الاستطلاع عن أهم التحديات التي تواجه المسلمين الأمريكيين في الفترة الحالية جاءت قضية الحقوق المدنية في المرتبة الأولى بنسبة 28 % من أصوات المشاركين في الاستطلاع، تلتها قضية العنصرية بنسبة 24 %، ثم قضية المشاركة في التيار العام الأمريكي بنسبة 11 %، وحلت قضايا السياسة الخارجية رابعة بنسبة 8 %
وقد بدا للمسلمين الأمريكيين – كما سنوضح في بقية هذا المقال – أن انتخاب المرشح الديمقراطي جون كيري رئيسا للولايات المتحدة هو الاختيار الأفضل لهم ولقضاياهم الأربعة السابقة للأسباب التالية
أولا: فيما يتعلق بقضايا الحقوق المدنية وهي أكثر قضايا مسلمي أمريكا أهمية في الفترة الراهنة فرصيد إدارة الرئيس جورج دبليو بوش لم يدع لدى المسلمين الأمريكيين شك في كونه ليس مرشحهم المفضل، فقد سنت إدارة بوش عدد من القوانين والسياسات والممارسات التي أضرت ضررا بالغا بحقوق وحريات مسلمي أمريكا
فبالنسبة للقوانين ألفت إدارة بوش قانون باتريوت آكت (قانون مكافحة الإرهاب لعام 2001) والذي رأت العديد من جماعات الحقوق المدنية أنه يتضمن انتهاكات واضحة للحريات الأمريكية خاصة فيما يتعلق بإضعاف رقابة القضاء على السلطة التنفيذية والسماح بمراقبة المشتبه فيهم والتجسس عليهم دون توافر أدلة كافية تثبت إدانتهم بجرم ارتكبوه
وعلى مستوى السياسات أقرت إدارة بوش عدد من السياسات الخطيرة مثل فرض التسجيل الإجباري على المهاجرين المسلمين، وتعقيد سياسات الهجرة، والتحقيق مع آلاف المهاجرين والمواطنين المسلمين والعرب، هذا إضافة إلى اعتقال حوالي خمسة آلاف مسلم وعربي في أعقاب أحداث سبتمبر دون توجيه تهم لهم
وقد أدت هذه القوانين والسياسات لممارسات تمييزية عديدة في حق مسلمي أمريكا مثل استهدفهم في المطارات والمبالغة في تفتيشهم واعتقال البعض منهم لفترات غير محددة دون توجيه تهم إليهم ودون السماح لهم بتوكيل محامين للدفاع عنهم وبدون حتى توفير معلومات عنهم لجماعات الحقوق المدنية أو حتى لأسرهم
ولذا أكدت حملة جون كيري في خطاب بعثت به للمسلمين الأمريكيين على أن كيري ينوي "إنهاء عهد جون أشكروفت" وهو وزير العدل الأمريكي الحالي والذي سنت القوانين والسياسات السابقة تحت إشرافه، كما تعهد كيري في حالة فوزه بأن يقوم بتعديل قانون باتريوت آكت وخاصة فيما يتعلق بحماية خصوصية الأفراد والحد من قدرة السلطات الأمنية على الحصول على معلومات الأفراد الشخصية دون توافر دليل كافي يستدعي ذلك، كما تعهد كيري بأن يشدد قوانين مكافحة التمييز العنصري وقوانين مكافحة جرائم الكراهية، وأن يدافع عن الحرية الدينية خاصة في أماكن العمل
كما تعهد كيري بزيادة رقابة الكونجرس على السياسات الأمنية التي أقرت منذ أحداث سبتمبر لتحديد أثرها على الحريات المدنية، كما أيد مبدأ إنهاء استخدام الأدلة السرية ضد المهاجرين والمواطنين على حد سواء، كما تعهد أيضا بأن يبطل سياسات الهجرة التي أقرتها إدارة بوش وفرضت أعباء مبالغ فيها على المهاجرين
أما بوش فقد سئل خلال المناظرة التلفزيونية الثانية عن تبعات قوانين مكافحة الإرهاب السلبية على الحقوق المدنية خلال عهده، فرد بالنفي ورفض الاعتراف بتعرض الحقوق المدنية بالولايات المتحدة لتراجع، ويحسب لبوش أنه يدين استخدام سلطات تنفيذ القانون للتصنيف العنصري في عملها، كما أنه أدلى بتصريحات إيجابية عن الإسلام والمسلمين الأمريكيين في أعقاب أحداث سبتمبر ساهمت في الحد من ردة فعل المجتمع الأمريكي السلبية ضد مسلمي أمريكا
ولكن من الواضح أن مواقف بوش الإيجابية في ساحة الحقوق المدنية لا تتناسب مع التبعات السلبية العديدة التي تركتها مواقف إدارته على حقوق وحريات مسلمي أمريكا خلال السنوات الأربعة الأخيرة
ثانيا: فيما يتعلق بمكافحة تشويه صورة الإسلام ومكافحة العنصرية ضد المسلمين في الولايات المتحدة، يمكن القول أن جزء كبير من جهود المسلمين على هذا الصعيد تتوجه للعمل على المستوي المحلي مع أكبر عدد من المواطنين الأمريكيين، فقد أثبت نتائج استطلاع أجراه مجلس العلاقات الإسلامية الأمريكية (كير) لتوجهات الرأي العام الأمريكي تجاه الإسلام والمسلمين وأصدره في أوائل شهر أكتوبر الحالي أن علاقات المواطن الأمريكي المباشرة بأصدقاء ومعارف مسلمين تمثل أحدى أقوى العوامل المؤثرة إيجابيا على رؤاه للإسلام وللمسلمين
وهذا لا يقلل من قدرة القيادات السياسية الكبرى كالرئيس وأعضاء الكونجرس وحكام الولايات على توجيه الرأي العام الأمريكي، ويحسب لبوش النداء الذي وجهه إلى المجتمع الأمريكي في السابع عشر من سبتمبر 2001 والذي طالب فيه المجتمع الأمريكي بالتفرقة بين مرتكبي أحداث سبتمبر الإرهابية من الإسلام والمسلمين من ناحية أخرى، موضحا أن الإرهابيين لا يمثلون الإسلام
ويضعف كفة بوش على هذا الصعيد حقيقة أن كبار المسيئين للإسلام والمسلمين خلال فترة حكمه كانوا من أبناء حزبه وإدارته مثل وزير العدل الأمريكي جون أشكروفت، والنائب توم دلاي زعيم الأغلبية الجمهورية بمجلس النواب، والجنرال وليام بويكين أو من خلفيات يمينية مسيحية معروفة - ومقربة إلي بوش في بعض الأحيان - مثل بات روبرتسون وفرانكلين جرام وجيري فالويل
في المقابل لم يمثل السياسيون الليبراليون وأصحاب التوجهات الليبرالية مصدرا واضحا لتشويه صورة الإسلام والمسلمين كما هو حال اليمين الأمريكي، إذ أشار استطلاع لتوجهات الشعب الأمريكي نحو الإسلام والمسلمين أصدرته كير في أوائل شهر أكتوبر الحالي إلى أن المنتمين إلى التيار الأمريكي اليميني المحافظ أكثر استعدادا للاعتقاد في صور سلبية عن الإسلام والمسلمين مقارنة بالمنتمين إلى التيار الليبرالي
ويعني هذا أن فوز جون كيري سوف يعني إضعاف الثقل السياسي لبعض قادة اليمين الأمريكي المسيئين للإسلام
ثالثا: فيما يتعلق بتشجيع مشاركة المسلمين الأمريكية في العملية السياسية الأمريكية، يجب هنا الإشارة إلى أن مواقف بعض قيادات اليمين الأمريكي المتعصبة ضد الإسلام والمسلمين وسياسات الإدارة الأمريكية الراهنة أدت إلى ما يشبه بهجرة جماعية للمسلمين الأمريكيين بعيدا عن الحزب الجمهوري، إذ أظهر استطلاع جامعة جورج تاون أن 50 % من المسلمين الأمريكيين أصبحوا ينظرون إلى الحزب الديمقراطي على أنه حزبهم المفضل في مقابل 12 % من المسلمين الأمريكيين مازالوا يشعرون بالانتماء إلى الحزب الجمهوري، هذا إضافة إلى انخفاض نسبة مؤيدي بوش في أوساط المسلمين الأمريكيين إلى 7 % أو أقل، بل أن نصف المسلمين الجمهوريين – كما يشير الاستطلاع – يؤيدون جون كيري
وقد انعكست هذه التوجهات على مشاركة المسلمين في الحملات الرئاسية، إذ شارك المسلمون والعرب الأمريكيون بحوالي ثمانين مندوبا في المؤتمر العام للحزب الديمقراطي، بينما لم يتعدى عددهم في المؤتمر العام للحزب الجمهوري نصف هذا الرقم، كما أن هناك مشاركة ملحوظة لبعض النشطاء المسلمين في حملة جون كيري نفسه هذا إضافة إلى التأييد التي تحظى به الحملة في أوساط المسلمين الأمريكيين والذي يتعدى نسبة 60 %، ويعني ذلك أن فوز كيري والحزب الديمقراطي في الانتخابات سوف يفتح الباب أمام مزيد من المسلمين الأمريكيين للمشاركة السياسية الفعالة، في حين أن فوز بوش سوف يعني زيادة شعور المسلمين السياسية بصعوبة المشاركة في مؤسسات صنع القرار وبأنهم مرفوضون من هذه المؤسسات
رابعا: فيما يتعلق بتحسين سياسة أمريكا تجاه العالمين العربي والإسلامي، تبدو مواقف كيري قريبة من بوش على هذا الصعيد أكثر منها فيما يتعلق بالقضايا الداخلية، فقد تبنى كيري العديد من السياسات التي أقرها بوش وعلى رأسها السعي لتغيير السلطة الوطنية الفلسطينية وعدم التعامل معها، بل أن كيري زايد على سياسة بوش تجاه عدد من الدول المسلمة والعربية وهي سوريا وإيران والسعودية
ويحسب لكيري هنا أمران أولهما رغبته في العمل مع القوى الدولية والإقليمية المعنية بقضايا الشرق الأوسط والتحالف معها، وهو أمر سوف يفرض عليه الاستماع للرؤية العربية نظرا لما يمتلكه العرب من تأثير ونفوذ وتعاطف في الأوساط الأوربية والدولية الأخرى، وذلك مقارنة ببوش الذي تبنى مبدأ العمل الانفرادي مفضلا عدم الإنصات لأحد في غزوه للعراق وفي تهميشه للقضية الفلسطينية، ولو استمع بوش لحلفاء أمريكا لأتاح لنفسه فرصة أكبر لمعرفة مكانة القضية الفلسطينية لدى المسلمين والعرب ولمعرفة العواقب الوخيمة لغزوه العراق
الأمر الثاني هو أن فوز كيري سوف يعني تراجع نفوذ المحافظين الجدد والقوي اليمينية المتشددة التي تمثل قواعد بوش الجماهيرية والتي تتميز رؤاها تجاه المسلمين والعرب بتعصب قائم على أبعاد دينية متشددة يصعب تغييرها – كما في حالة اليمين المسيحي المتشدد – أو على إيدلوجيات برجماتية شديدة الغرور وعدم المبالاة بالرأي العام العالمي – كما هو في حالة المحافظين الجدد
وفي حالة فوز كيري بالانتخابات فأن ذلك سوف يقوي شوكة النخب اليسارية والليبرالية والتي يأتي منها غالبية كبار السياسيين المساندين للمسلمين والعرب وقضاياهم الداخلية والخارجية في الكونجرس وفي الولايات والسلطات المحلية وفي المجتمع المدني.
وللأسباب السابقة مجتمعة يبدو جون كيري المرشح الأقرب لقضايا المسلمين الأمريكيين الرئيسية، ويبدو تصويتهم له أمرا أكثر منطقية
الناشر: جريدة الرياض، 2 نوفمبر 2004
نص المقال
حسمت أربعة قضايا أساسية وجهة الصوت المسلم الأمريكي في انتخابات 2004 ودفعته في مسار مساندة المرشح الديمقراطي للرئاسة جون كيري كما أعلن تحالف يضم أكبر منظمات المسلمين الأمريكيين السياسية في الحادي والعشرين من أكتوبر الحالي
القضايا الأربعة هي نفس القضايا التي شغلت قمة أولويات مسلمي أمريكا منذ بداية عقد التسعينات من القرن العشرين تقريبا وهي قضية الدفاع عن حقوق وحريات المسلمين المدنية، وقضية مكافحة ما تتعرض له صورة الإسلام والمسلمين من تشويه في الولايات المتحدة، وقضية تشجيع مشاركة المسلمين في السياسة الأمريكية، وقضية تحسين سياسة أمريكا تجاه العالمين العربي والإسلامي
هذه القضايا الأربعة الكبرى بدت مسيطرة على اهتمام مسلمي أمريكا ومنظماتهم خلال العقد الأخير من القرن العشرين، وما تغير في الفترة الحالية وخاصة منذ أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001 هو تغيير ترتيب أولوية هذه القضايا مقارنة ببعضها داخل أجندة المسلمين الأمريكيين، إذ بات واضحا أن أحداث سبتمبر دفعت المسلمين الأمريكيين إلى إعطاء قضاياهم الداخلية مزيدا من الاهتمام نظرا لما باتوا يتعرضون له من ضغوط متزايدة تهدد استقرارهم الداخلي وقدرتهم على الدفاع عن مصالحهم المختلفة
وقد أشار استطلاع عن توجهات مسلمي أمريكا الداخلية أصدره مركز أبحاث مسلم أمريكي تابع لجامعة جورج تاون الأمريكية في منتصف شهر أكتوبر 2004 إلى أن 44 % من الناخبين المسلمين الأمريكيين أصبحوا يعتبرون القضايا الداخلية هي العامل الأكثر تأثيرا على أصواتهم، مقارنة بنسبة 34 % يرون أن القضايا الخارجية هي العامل الأهم بالنسبة لهم، وعندما سئل المشاركون في الاستطلاع عن أهم التحديات التي تواجه المسلمين الأمريكيين في الفترة الحالية جاءت قضية الحقوق المدنية في المرتبة الأولى بنسبة 28 % من أصوات المشاركين في الاستطلاع، تلتها قضية العنصرية بنسبة 24 %، ثم قضية المشاركة في التيار العام الأمريكي بنسبة 11 %، وحلت قضايا السياسة الخارجية رابعة بنسبة 8 %
وقد بدا للمسلمين الأمريكيين – كما سنوضح في بقية هذا المقال – أن انتخاب المرشح الديمقراطي جون كيري رئيسا للولايات المتحدة هو الاختيار الأفضل لهم ولقضاياهم الأربعة السابقة للأسباب التالية
أولا: فيما يتعلق بقضايا الحقوق المدنية وهي أكثر قضايا مسلمي أمريكا أهمية في الفترة الراهنة فرصيد إدارة الرئيس جورج دبليو بوش لم يدع لدى المسلمين الأمريكيين شك في كونه ليس مرشحهم المفضل، فقد سنت إدارة بوش عدد من القوانين والسياسات والممارسات التي أضرت ضررا بالغا بحقوق وحريات مسلمي أمريكا
فبالنسبة للقوانين ألفت إدارة بوش قانون باتريوت آكت (قانون مكافحة الإرهاب لعام 2001) والذي رأت العديد من جماعات الحقوق المدنية أنه يتضمن انتهاكات واضحة للحريات الأمريكية خاصة فيما يتعلق بإضعاف رقابة القضاء على السلطة التنفيذية والسماح بمراقبة المشتبه فيهم والتجسس عليهم دون توافر أدلة كافية تثبت إدانتهم بجرم ارتكبوه
وعلى مستوى السياسات أقرت إدارة بوش عدد من السياسات الخطيرة مثل فرض التسجيل الإجباري على المهاجرين المسلمين، وتعقيد سياسات الهجرة، والتحقيق مع آلاف المهاجرين والمواطنين المسلمين والعرب، هذا إضافة إلى اعتقال حوالي خمسة آلاف مسلم وعربي في أعقاب أحداث سبتمبر دون توجيه تهم لهم
وقد أدت هذه القوانين والسياسات لممارسات تمييزية عديدة في حق مسلمي أمريكا مثل استهدفهم في المطارات والمبالغة في تفتيشهم واعتقال البعض منهم لفترات غير محددة دون توجيه تهم إليهم ودون السماح لهم بتوكيل محامين للدفاع عنهم وبدون حتى توفير معلومات عنهم لجماعات الحقوق المدنية أو حتى لأسرهم
ولذا أكدت حملة جون كيري في خطاب بعثت به للمسلمين الأمريكيين على أن كيري ينوي "إنهاء عهد جون أشكروفت" وهو وزير العدل الأمريكي الحالي والذي سنت القوانين والسياسات السابقة تحت إشرافه، كما تعهد كيري في حالة فوزه بأن يقوم بتعديل قانون باتريوت آكت وخاصة فيما يتعلق بحماية خصوصية الأفراد والحد من قدرة السلطات الأمنية على الحصول على معلومات الأفراد الشخصية دون توافر دليل كافي يستدعي ذلك، كما تعهد كيري بأن يشدد قوانين مكافحة التمييز العنصري وقوانين مكافحة جرائم الكراهية، وأن يدافع عن الحرية الدينية خاصة في أماكن العمل
كما تعهد كيري بزيادة رقابة الكونجرس على السياسات الأمنية التي أقرت منذ أحداث سبتمبر لتحديد أثرها على الحريات المدنية، كما أيد مبدأ إنهاء استخدام الأدلة السرية ضد المهاجرين والمواطنين على حد سواء، كما تعهد أيضا بأن يبطل سياسات الهجرة التي أقرتها إدارة بوش وفرضت أعباء مبالغ فيها على المهاجرين
أما بوش فقد سئل خلال المناظرة التلفزيونية الثانية عن تبعات قوانين مكافحة الإرهاب السلبية على الحقوق المدنية خلال عهده، فرد بالنفي ورفض الاعتراف بتعرض الحقوق المدنية بالولايات المتحدة لتراجع، ويحسب لبوش أنه يدين استخدام سلطات تنفيذ القانون للتصنيف العنصري في عملها، كما أنه أدلى بتصريحات إيجابية عن الإسلام والمسلمين الأمريكيين في أعقاب أحداث سبتمبر ساهمت في الحد من ردة فعل المجتمع الأمريكي السلبية ضد مسلمي أمريكا
ولكن من الواضح أن مواقف بوش الإيجابية في ساحة الحقوق المدنية لا تتناسب مع التبعات السلبية العديدة التي تركتها مواقف إدارته على حقوق وحريات مسلمي أمريكا خلال السنوات الأربعة الأخيرة
ثانيا: فيما يتعلق بمكافحة تشويه صورة الإسلام ومكافحة العنصرية ضد المسلمين في الولايات المتحدة، يمكن القول أن جزء كبير من جهود المسلمين على هذا الصعيد تتوجه للعمل على المستوي المحلي مع أكبر عدد من المواطنين الأمريكيين، فقد أثبت نتائج استطلاع أجراه مجلس العلاقات الإسلامية الأمريكية (كير) لتوجهات الرأي العام الأمريكي تجاه الإسلام والمسلمين وأصدره في أوائل شهر أكتوبر الحالي أن علاقات المواطن الأمريكي المباشرة بأصدقاء ومعارف مسلمين تمثل أحدى أقوى العوامل المؤثرة إيجابيا على رؤاه للإسلام وللمسلمين
وهذا لا يقلل من قدرة القيادات السياسية الكبرى كالرئيس وأعضاء الكونجرس وحكام الولايات على توجيه الرأي العام الأمريكي، ويحسب لبوش النداء الذي وجهه إلى المجتمع الأمريكي في السابع عشر من سبتمبر 2001 والذي طالب فيه المجتمع الأمريكي بالتفرقة بين مرتكبي أحداث سبتمبر الإرهابية من الإسلام والمسلمين من ناحية أخرى، موضحا أن الإرهابيين لا يمثلون الإسلام
ويضعف كفة بوش على هذا الصعيد حقيقة أن كبار المسيئين للإسلام والمسلمين خلال فترة حكمه كانوا من أبناء حزبه وإدارته مثل وزير العدل الأمريكي جون أشكروفت، والنائب توم دلاي زعيم الأغلبية الجمهورية بمجلس النواب، والجنرال وليام بويكين أو من خلفيات يمينية مسيحية معروفة - ومقربة إلي بوش في بعض الأحيان - مثل بات روبرتسون وفرانكلين جرام وجيري فالويل
في المقابل لم يمثل السياسيون الليبراليون وأصحاب التوجهات الليبرالية مصدرا واضحا لتشويه صورة الإسلام والمسلمين كما هو حال اليمين الأمريكي، إذ أشار استطلاع لتوجهات الشعب الأمريكي نحو الإسلام والمسلمين أصدرته كير في أوائل شهر أكتوبر الحالي إلى أن المنتمين إلى التيار الأمريكي اليميني المحافظ أكثر استعدادا للاعتقاد في صور سلبية عن الإسلام والمسلمين مقارنة بالمنتمين إلى التيار الليبرالي
ويعني هذا أن فوز جون كيري سوف يعني إضعاف الثقل السياسي لبعض قادة اليمين الأمريكي المسيئين للإسلام
ثالثا: فيما يتعلق بتشجيع مشاركة المسلمين الأمريكية في العملية السياسية الأمريكية، يجب هنا الإشارة إلى أن مواقف بعض قيادات اليمين الأمريكي المتعصبة ضد الإسلام والمسلمين وسياسات الإدارة الأمريكية الراهنة أدت إلى ما يشبه بهجرة جماعية للمسلمين الأمريكيين بعيدا عن الحزب الجمهوري، إذ أظهر استطلاع جامعة جورج تاون أن 50 % من المسلمين الأمريكيين أصبحوا ينظرون إلى الحزب الديمقراطي على أنه حزبهم المفضل في مقابل 12 % من المسلمين الأمريكيين مازالوا يشعرون بالانتماء إلى الحزب الجمهوري، هذا إضافة إلى انخفاض نسبة مؤيدي بوش في أوساط المسلمين الأمريكيين إلى 7 % أو أقل، بل أن نصف المسلمين الجمهوريين – كما يشير الاستطلاع – يؤيدون جون كيري
وقد انعكست هذه التوجهات على مشاركة المسلمين في الحملات الرئاسية، إذ شارك المسلمون والعرب الأمريكيون بحوالي ثمانين مندوبا في المؤتمر العام للحزب الديمقراطي، بينما لم يتعدى عددهم في المؤتمر العام للحزب الجمهوري نصف هذا الرقم، كما أن هناك مشاركة ملحوظة لبعض النشطاء المسلمين في حملة جون كيري نفسه هذا إضافة إلى التأييد التي تحظى به الحملة في أوساط المسلمين الأمريكيين والذي يتعدى نسبة 60 %، ويعني ذلك أن فوز كيري والحزب الديمقراطي في الانتخابات سوف يفتح الباب أمام مزيد من المسلمين الأمريكيين للمشاركة السياسية الفعالة، في حين أن فوز بوش سوف يعني زيادة شعور المسلمين السياسية بصعوبة المشاركة في مؤسسات صنع القرار وبأنهم مرفوضون من هذه المؤسسات
رابعا: فيما يتعلق بتحسين سياسة أمريكا تجاه العالمين العربي والإسلامي، تبدو مواقف كيري قريبة من بوش على هذا الصعيد أكثر منها فيما يتعلق بالقضايا الداخلية، فقد تبنى كيري العديد من السياسات التي أقرها بوش وعلى رأسها السعي لتغيير السلطة الوطنية الفلسطينية وعدم التعامل معها، بل أن كيري زايد على سياسة بوش تجاه عدد من الدول المسلمة والعربية وهي سوريا وإيران والسعودية
ويحسب لكيري هنا أمران أولهما رغبته في العمل مع القوى الدولية والإقليمية المعنية بقضايا الشرق الأوسط والتحالف معها، وهو أمر سوف يفرض عليه الاستماع للرؤية العربية نظرا لما يمتلكه العرب من تأثير ونفوذ وتعاطف في الأوساط الأوربية والدولية الأخرى، وذلك مقارنة ببوش الذي تبنى مبدأ العمل الانفرادي مفضلا عدم الإنصات لأحد في غزوه للعراق وفي تهميشه للقضية الفلسطينية، ولو استمع بوش لحلفاء أمريكا لأتاح لنفسه فرصة أكبر لمعرفة مكانة القضية الفلسطينية لدى المسلمين والعرب ولمعرفة العواقب الوخيمة لغزوه العراق
الأمر الثاني هو أن فوز كيري سوف يعني تراجع نفوذ المحافظين الجدد والقوي اليمينية المتشددة التي تمثل قواعد بوش الجماهيرية والتي تتميز رؤاها تجاه المسلمين والعرب بتعصب قائم على أبعاد دينية متشددة يصعب تغييرها – كما في حالة اليمين المسيحي المتشدد – أو على إيدلوجيات برجماتية شديدة الغرور وعدم المبالاة بالرأي العام العالمي – كما هو في حالة المحافظين الجدد
وفي حالة فوز كيري بالانتخابات فأن ذلك سوف يقوي شوكة النخب اليسارية والليبرالية والتي يأتي منها غالبية كبار السياسيين المساندين للمسلمين والعرب وقضاياهم الداخلية والخارجية في الكونجرس وفي الولايات والسلطات المحلية وفي المجتمع المدني.
وللأسباب السابقة مجتمعة يبدو جون كيري المرشح الأقرب لقضايا المسلمين الأمريكيين الرئيسية، ويبدو تصويتهم له أمرا أكثر منطقية
No comments:
Post a Comment