أين أخطأ اليمين؟
عرض بقلم: علاء بيومي – مدير الشؤون العربية بكير
الناشر: الجزيرة نت، 19 ديسمبر 2004، حقوق الطبع والنشر محفوظة للناشر
نص العرض
يعبر باتريك بوكانان وكتابه عن نوع من الصراع الدائر داخل الولايات المتحدة والذي يندر الحديث عنه في الأوساط المسلمة والعربية وهو الصراع داخل الحزب الجمهوري وفي أوساط المحافظين الأمريكيين بين المحافظين الجدد وبين ما يمكن تسميتهم بالمحافظين التقليديين.
ويحتوى الكتاب على عدد من الأفكار الهامة المتعلقة برؤية المحافظين التقليديين – الذين يمثلهم بوكانان – لدور أمريكا في العالم ولعلاقتها بالعالم الإسلامي ولأجندة المحافظين الحقيقية
دور أمريكا في العالم وعقيدة بوش الأمنية
يبدأ بوكانان كتابه بتحذير أمريكا من المصير الذي آلت إليه الإمبراطوريات الكبرى في العالم، ويصف بوكانان العصر الحديث بأنه عصر انهيار الإمبراطوريات مثل الإمبراطورية البريطانية والاتحاد السوفيتي، ويقول أن الإمبراطوريات السابقة انهارت بسبب إفراطها في الحروب الخارجية التي أنهكتها
لذا يرى بوكانان أن على أمريكا أن تتجنب مصير الإمبراطوريات السابقة بتجنب الحروب، مؤكدا على أن سياسة أمريكا الخارجية قامت منذ نشأتها على مبدأ تجنب الحروب وعدم خوضها إلا إذ فرضت عليها، إذ يرى أن أمريكا لم تدخل الحرب العالمية الثانية إلا بعد أن هاجمتها اليابان عسكريا، كما تجنبت أمريكا الحرب مع الإتحاد السوفيتي على مدى سنوات الحرب الباردة
لذا ينتقد بوكانان سياسة أمريكا الخارجية منذ نهاية الحرب الباردة ويصفها بأنها قائمة على "غرور القوة وتهميش الحلفاء وشن الحروب الإمبريالية"، كما يرى أن سياسات أمريكا أدت إلى إطلاق حرب الحضارات التي كانت تسعى نظريا لتجنبها، كما قامت أمريكا بنشر قواتها في بقاع كثيرة جدا من العالم بشكل قد يهددها بالإفلاس العسكري في حالة نشوب حرب جديدة في ظل انخراط أمريكا الحالي في حرب العراق والتي يرى بوكانان أنها قد تمثل بداية تراجع الإمبراطورية الأمريكية
كما يوجه بوكانان العديد من الانتقادات لعقيدة بوش الأمنية التي يصفها بأنها "إمبريالية" و"يوتوبية"، ويرى أن سياسات جورج دبليو بوش "دفعت حدود الإمبراطورية (الأمريكية) بعيد جدا عن الحدود التي تركها بوش الأب وكلينتون" وينتقد إصرار بوش على وصف الحرب على الإرهاب من خلال عبارات دينية وأخلاقية، ويقول أن لغة بوش الدينية قسمت العالم كما تناست أن المبادئ والأخلاق نسبية تختلف باختلاف الثقافات وباختلاف مصالح أمريكا، ويضرب بوكانان مثلا بإتحاد أمريكا مع السوفيت في الحرب العالمية الثانية كدليل على نسبية القيم الأمريكية، وفي السياق نفسه يرفض بوكانان حديث بوش عن مبدأ أن أمريكا تحارب من أجل العدالة مؤكدا على أن أمريكا تحارب من أجل مصالحها وأهدافها الوطنية بالأساس، وينطلق بوكانان في رؤيته هذه من مبدأ أساسي من مبادئ المحافظين وهو الرغبة في الحد من تدخل أمريكا في شئون الشعوب الأجنبية بأكبر قدر ممكن ورفض أن تلعب أمريكا دور شرطي العالم
لذا ينتقد بوكانان التهديدات غير المسبوقة التي وجهتها إدارة بوش ضد الدول التي أسمتها بمحور الشر والتي لم تهاجم أمريكا، وينتقد سياسية الحروب الإجهاضية، ويرى أن إدارة بوش تناست أن العديد من الدول العربية والمسلمة ساندت أمريكا خلال الحرب الباردة وساعدتها على هزيمة السوفيت، كما يؤكد على اعتقاده بأن نظم حكم الشعوب الأجنبية هي أمر خاص بالشعوب الأجنبية وحدها وإن محاولة بوش فرض القيم الأمريكية على العالم الإسلامي سوف يدفع أمريكا إلى "حروب لا نهاية لها" مع العالم الإسلامي، ويقول أن "التدخل لا يمثل حلا لمشاكل أمريكا في الشرق الأوسط. التدخل هو المشكلة"
تأثير المحافظين الجدد على سياسات بوش
يرى بوكانان أن الأفكار التي تحدث بها جورج دبليو بوش بعد توليه الرئاسة ليست أفكاره فقد عبر بوش عندما كان مرشحا للرئاسة في عام 2000 عن أفكار محافظة تقليدية مخالفة إلى حد كبير للأفكار التي سادت إدارته، إذ انتقد بوش سياسات كلينتون الخارجية التدخلية معلنا رفضه للعب أمريكا دور شرطي العالم
ويرى بوكانان أن مصدر هذه الأفكار هم المحافظون الجدد الذين يصفهم بأنهم "مختطفو السياسة الخارجية الأمريكية"، وعنهم يقول بوكانان أنهم حركة ليس لها جذور شعبية نشأت خوفا من التهديد الذي يشكله الإتحاد السوفيتي لأمريكا وإسرائيل، لذا هي حركة معنية بالسياسية الخارجية بالأساس تقوم على عدة أعمدة رئيسة على قمتها دعم إسرائيل ومبدأ شن الحروب في أجل نشر الديمقراطية في العالمين العربي والإسلامي، كما يلخص بوكانان أجندة المحافظين الجدد في فكرة واحدة وهي شن "صراع لا نهائية له وحرب إذا تطلب الأمر لفرض الديمقراطية العلمانية والثورة الاجتماعية على العالم الإسلامي"
ويقول بوكانان أن إيديولوجية وأفكار المحافظين الجدد تنطلق من مبدأ أساسي وهو تطابق مصالح أمريكا مع مصالح إسرائيل، ويشير إلى أن المحافظين الجدد طالبوا في الأيام التالية لأحداث سبتمبر بمهاجمة عدد كبير من الدول المسلمة والعربية ردا على أحداث سبتمبر، وهنا ينتقد بوكانان المحافظين الجدد ويشكك في نواياهم، ويتساءل لماذا ينبغي على أمريكا محاربة دول لم تهاجمها، ويعبر عن اعتقاده صراحة بأن المحافظين الجديد يدفعون أمريكا إلى محاربة "أعداء إسرائيل" وليس إلى حرب للدفاع عن أمريكا وحماية مصالحها، كما يشير إلى دور المحافظين الجدد الرئيسي في دفع أمريكا إلى حرب العراق والتي يصفها بأنها "أكبر خطأ إستراتيجي خلال أربعين عاما، خطأ أكثر تكلفة من فيتنام"
هل الإسلام هو العدو؟
يفرد بوكانان فصلا كاملا في كتابه للحديث عن علاقة أمريكا بالإسلام، وهو فصل يشوبه قدر ملحوظ من التردد
إذ يبدأ بوكانان بالحديث عن الإسلام وأركانه، ويقول أن الإسلام لا يعترف بالفصل بين الدين الدولة، ويبدي تأييده لنظرة المستشرق البريطاني برنارد لويس للإسلام والذي يروج لفكرة أن المسلمين ينظرون إلى المسيحيين على أنهم منافسيهم الأساسيين بسبب تشابه الديانة الإسلامية بالمسيحية
كما يتحدث بوكانان عن غزو المسلمين في أوائل عصور الإسلام للبلاد الأوربية ويقول أن الغزو الإسلامي كاد أن يقضي على المسيحية، ويصف الحروب الصليبية بأنها كانت محاولة لاستعادة الأراضي التي حصل عليها المسلمون من المسيحيين، ويتساءل "لو احتلت مكة من قبل جيش من الكفار، هل لن يبرر المسلمون لأنفسهم إعلان الجهاد لتحرير مدينتهم المقدسة؟ هل سيشعر المسلمين المتدينين بالعار من هذه الحرب أو يعتذرون على شنها؟"
ولكن في الوقت نفسه يرفض بوكانان فكرة لوم تراجع المسلمين على الإسلام، ويقول أن المشكلة ليست في العقيدة الإسلامية "كيف يمكن أن يكون الإسلام هو سبب الانهيار بعد أن كان الإسلام هو العقيدة التي دعمت أكثر الحضارات والثقافات تطورا على سطح الكرة الأرضية لمدة ألف عام؟"، ويعود ليتبنى نظريات برنارد لويس ويقول أن مشكلة المسلمين – كما يوصفها لويس – هي أنهم لم يبحثوا داخل أنفسهم عن المشكلة واكتفوا بلوم الغرب
ثم يعود بوكانان ليرفض إجابة الرئيس بوش على سؤال "لماذا يكرهوننا؟"، ويقول "نحن مكروهون لما نفعله"، مشيرا إلى عدد من مشاكل سياسة أمريكا تجاه العالمين العربي والإسلامي، وعلى رأسها عدم صدق الدعاوي الأمريكية لنشر الديمقراطية في الشرق الأوسط، ووجود القوات الأمريكية في الخليج وثقافة أمريكا الإباحية (الخمور والمخدرات والإجهاض والأفلام الإباحية) وازدواجية المعايير الأمريكية في التعامل مع إسرائيل، وغزو العراق وإذلاله
ويرفض بوكانان فكرة استعداء الإسلام ويقول أن عدو الإسلام اليوم ليس المسيحية ولكنه ثقافة أمريكا العلمانية والفردية والاستهلاكية والعبثية، كما يشير إلى أن الإسلام هو أسرع الأديان انتشارا في أوربا وإلى أن مسلمي أمريكا على الرغم من صغر عددهم "ينمون بثقة ويكسبون معتنقين للإسلام"، كما يؤكد على أنه لا يمكن لدولة (أمريكا) أن تهزم عقيدة (الإسلام) فهزيمة عقيدة تحتاج لعقيدة أخرى، ويقول أنه لم تنجح أي إمبراطورية عالمية على مدى التاريخ في هزيمة الإسلام وأن قوة الغرب العسكرية لا تعني أنه قادر على الفوز في حرب الحضارات لأن السوفيت انهاروا رغم ترسانتهم العسكرية
كما يري بوكانان أن الإرهاب ليس عدو ولكنه أسلوب وسلاح ويقول أن دول (ضاربا المثال بإسرائيل في بداية عهدها والحلفاء في الحرب العالمية الثانية) ونظم وثورات استخدمت الإرهاب أسلوبا لها خلال بعض الفترات التاريخية، ونجحت في النهاية بسبب قدرتها على إقناع الرأي العام بوجهة نظرها، لذا يرى أن الحرب على الإرهاب هي حرب على عقول وقلوب الجماهير، وأنه ينبغي على أمريكا أن تقنع العرب والمسلمين بمواقفها إذا كانت راغبة في الفوز بالحرب على الإرهاب وهنا يقول بوكانان "مشكلتنا في هذه المنطقة الكبيرة هي أن عشرات الملايين من العرب والمسلمين توصلوا لنتيجة مفادها أنهم يريدوننا أن نخرج"
أجندة المحافظين الحقيقية
في خاتمة كتابه بعود بوكانان ليركز على فكرته الأساسية وهي أن سيطرة المحافظين الجدد على مؤسسات التيار المحافظ الأمريكي شغلت المحافظين عن مصالحهم الحقيقة وعلى رأسها رفض تحول أمريكا إلى إمبراطورية، ومواجهة التردي الثقافي والأخلاقي في المجتمع الأمريكي، والحد من تضخم مؤسسات ونفقات الحكومة الأمريكية، ومواجهة تزايد عجز الميزانية الأمريكية والعجز التجاري الدولي وتراجع قيمة الدولار وصعود القوة الدولية الجديدة وعلى رأسها الصين، والحد من المهاجرين
ويقول بوكانان أن المحافظين الجدد لا يتعاملون مع قضايا هذه الأجندة لأنهم لا يتبنون في أحيان كثيرا أجندة مناقضة لها إلى حد كبير لكونهم لا ينتمون عقائديا إلى التيار المحافظ كما يراه بوكانان، كما أن المحافظين الجدد مشغولين بدفع أمريكا إلى شن حرب لإعادة تشكيل العالم الإسلامي، وهنا يعيد بوكانان التأكيد على أهمية الحد من التدخل الأمريكي في شئون العالمين العربي والإسلامي ويقول أن "سيطرة أمريكا على الشرق الأوسط ليست حلا للإرهاب. إنها سبب للإرهاب ... لقد هوجمنا بسبب وجودنا الإمبريالي في أراضي مكة والمدينة المقدسة، وبسبب اعتقاد أعدائنا بأننا نقتل الشعب العراقي بالعقوبات المفروضة عليه ونستعد للهجوم عليه مرة ثانية، وبسبب مساندتنا غير المشروطة لنظام شارون الليكودي"
كما يقول بوكانان أن "الإرهاب هو عرض للمرض، الإرهاب ليس المرض نفسه"، وينادي بسحب القوات الأمريكية من الشرق الأوسط إذا كانت غير مرغوب في وجودها، ويطالب بعدم التدخل في شئون العالم الإسلامي وأن يترك العالم الإسلامي "ليشكل مصيره بنفسه"، كما يؤكد على فشل إسرائيل وأن "إسرائيل في أزمة وجودية" وعلى خوف السياسيين الأمريكيين من انتقاد إسرائيل أكثر من خوف الإسرائيليين أنفسهم من انتقاد بلدهم، ويقول أن "شارون وعد بالسلام والأمن ... ولكنه قدم الحرب والكراهية"، كما يؤكد على أن "أمريكا تحتاج لسياسة شرق أوسطية صنعت في أمريكا وليس في تل أبيب أو في الإيباك"، وعلى أن "أمريكا تخلت عن دورها "كوسيط عادل"، ويقول أن "الرئيس لم يعد يجلس على رأس طاولة المفاوضات، ولكن أصبح يجلس خلف شارون مباشرة. قد يخدم ذلك المصالح السياسية الخاصة بالرئيس وحزبه، ولكن ذلك لا يخدم مصالح أمريكا"
الناشر: الجزيرة نت، 19 ديسمبر 2004، حقوق الطبع والنشر محفوظة للناشر
نص العرض
يعبر باتريك بوكانان وكتابه عن نوع من الصراع الدائر داخل الولايات المتحدة والذي يندر الحديث عنه في الأوساط المسلمة والعربية وهو الصراع داخل الحزب الجمهوري وفي أوساط المحافظين الأمريكيين بين المحافظين الجدد وبين ما يمكن تسميتهم بالمحافظين التقليديين.
ويحتوى الكتاب على عدد من الأفكار الهامة المتعلقة برؤية المحافظين التقليديين – الذين يمثلهم بوكانان – لدور أمريكا في العالم ولعلاقتها بالعالم الإسلامي ولأجندة المحافظين الحقيقية
دور أمريكا في العالم وعقيدة بوش الأمنية
يبدأ بوكانان كتابه بتحذير أمريكا من المصير الذي آلت إليه الإمبراطوريات الكبرى في العالم، ويصف بوكانان العصر الحديث بأنه عصر انهيار الإمبراطوريات مثل الإمبراطورية البريطانية والاتحاد السوفيتي، ويقول أن الإمبراطوريات السابقة انهارت بسبب إفراطها في الحروب الخارجية التي أنهكتها
لذا يرى بوكانان أن على أمريكا أن تتجنب مصير الإمبراطوريات السابقة بتجنب الحروب، مؤكدا على أن سياسة أمريكا الخارجية قامت منذ نشأتها على مبدأ تجنب الحروب وعدم خوضها إلا إذ فرضت عليها، إذ يرى أن أمريكا لم تدخل الحرب العالمية الثانية إلا بعد أن هاجمتها اليابان عسكريا، كما تجنبت أمريكا الحرب مع الإتحاد السوفيتي على مدى سنوات الحرب الباردة
لذا ينتقد بوكانان سياسة أمريكا الخارجية منذ نهاية الحرب الباردة ويصفها بأنها قائمة على "غرور القوة وتهميش الحلفاء وشن الحروب الإمبريالية"، كما يرى أن سياسات أمريكا أدت إلى إطلاق حرب الحضارات التي كانت تسعى نظريا لتجنبها، كما قامت أمريكا بنشر قواتها في بقاع كثيرة جدا من العالم بشكل قد يهددها بالإفلاس العسكري في حالة نشوب حرب جديدة في ظل انخراط أمريكا الحالي في حرب العراق والتي يرى بوكانان أنها قد تمثل بداية تراجع الإمبراطورية الأمريكية
كما يوجه بوكانان العديد من الانتقادات لعقيدة بوش الأمنية التي يصفها بأنها "إمبريالية" و"يوتوبية"، ويرى أن سياسات جورج دبليو بوش "دفعت حدود الإمبراطورية (الأمريكية) بعيد جدا عن الحدود التي تركها بوش الأب وكلينتون" وينتقد إصرار بوش على وصف الحرب على الإرهاب من خلال عبارات دينية وأخلاقية، ويقول أن لغة بوش الدينية قسمت العالم كما تناست أن المبادئ والأخلاق نسبية تختلف باختلاف الثقافات وباختلاف مصالح أمريكا، ويضرب بوكانان مثلا بإتحاد أمريكا مع السوفيت في الحرب العالمية الثانية كدليل على نسبية القيم الأمريكية، وفي السياق نفسه يرفض بوكانان حديث بوش عن مبدأ أن أمريكا تحارب من أجل العدالة مؤكدا على أن أمريكا تحارب من أجل مصالحها وأهدافها الوطنية بالأساس، وينطلق بوكانان في رؤيته هذه من مبدأ أساسي من مبادئ المحافظين وهو الرغبة في الحد من تدخل أمريكا في شئون الشعوب الأجنبية بأكبر قدر ممكن ورفض أن تلعب أمريكا دور شرطي العالم
لذا ينتقد بوكانان التهديدات غير المسبوقة التي وجهتها إدارة بوش ضد الدول التي أسمتها بمحور الشر والتي لم تهاجم أمريكا، وينتقد سياسية الحروب الإجهاضية، ويرى أن إدارة بوش تناست أن العديد من الدول العربية والمسلمة ساندت أمريكا خلال الحرب الباردة وساعدتها على هزيمة السوفيت، كما يؤكد على اعتقاده بأن نظم حكم الشعوب الأجنبية هي أمر خاص بالشعوب الأجنبية وحدها وإن محاولة بوش فرض القيم الأمريكية على العالم الإسلامي سوف يدفع أمريكا إلى "حروب لا نهاية لها" مع العالم الإسلامي، ويقول أن "التدخل لا يمثل حلا لمشاكل أمريكا في الشرق الأوسط. التدخل هو المشكلة"
تأثير المحافظين الجدد على سياسات بوش
يرى بوكانان أن الأفكار التي تحدث بها جورج دبليو بوش بعد توليه الرئاسة ليست أفكاره فقد عبر بوش عندما كان مرشحا للرئاسة في عام 2000 عن أفكار محافظة تقليدية مخالفة إلى حد كبير للأفكار التي سادت إدارته، إذ انتقد بوش سياسات كلينتون الخارجية التدخلية معلنا رفضه للعب أمريكا دور شرطي العالم
ويرى بوكانان أن مصدر هذه الأفكار هم المحافظون الجدد الذين يصفهم بأنهم "مختطفو السياسة الخارجية الأمريكية"، وعنهم يقول بوكانان أنهم حركة ليس لها جذور شعبية نشأت خوفا من التهديد الذي يشكله الإتحاد السوفيتي لأمريكا وإسرائيل، لذا هي حركة معنية بالسياسية الخارجية بالأساس تقوم على عدة أعمدة رئيسة على قمتها دعم إسرائيل ومبدأ شن الحروب في أجل نشر الديمقراطية في العالمين العربي والإسلامي، كما يلخص بوكانان أجندة المحافظين الجدد في فكرة واحدة وهي شن "صراع لا نهائية له وحرب إذا تطلب الأمر لفرض الديمقراطية العلمانية والثورة الاجتماعية على العالم الإسلامي"
ويقول بوكانان أن إيديولوجية وأفكار المحافظين الجدد تنطلق من مبدأ أساسي وهو تطابق مصالح أمريكا مع مصالح إسرائيل، ويشير إلى أن المحافظين الجدد طالبوا في الأيام التالية لأحداث سبتمبر بمهاجمة عدد كبير من الدول المسلمة والعربية ردا على أحداث سبتمبر، وهنا ينتقد بوكانان المحافظين الجدد ويشكك في نواياهم، ويتساءل لماذا ينبغي على أمريكا محاربة دول لم تهاجمها، ويعبر عن اعتقاده صراحة بأن المحافظين الجديد يدفعون أمريكا إلى محاربة "أعداء إسرائيل" وليس إلى حرب للدفاع عن أمريكا وحماية مصالحها، كما يشير إلى دور المحافظين الجدد الرئيسي في دفع أمريكا إلى حرب العراق والتي يصفها بأنها "أكبر خطأ إستراتيجي خلال أربعين عاما، خطأ أكثر تكلفة من فيتنام"
هل الإسلام هو العدو؟
يفرد بوكانان فصلا كاملا في كتابه للحديث عن علاقة أمريكا بالإسلام، وهو فصل يشوبه قدر ملحوظ من التردد
إذ يبدأ بوكانان بالحديث عن الإسلام وأركانه، ويقول أن الإسلام لا يعترف بالفصل بين الدين الدولة، ويبدي تأييده لنظرة المستشرق البريطاني برنارد لويس للإسلام والذي يروج لفكرة أن المسلمين ينظرون إلى المسيحيين على أنهم منافسيهم الأساسيين بسبب تشابه الديانة الإسلامية بالمسيحية
كما يتحدث بوكانان عن غزو المسلمين في أوائل عصور الإسلام للبلاد الأوربية ويقول أن الغزو الإسلامي كاد أن يقضي على المسيحية، ويصف الحروب الصليبية بأنها كانت محاولة لاستعادة الأراضي التي حصل عليها المسلمون من المسيحيين، ويتساءل "لو احتلت مكة من قبل جيش من الكفار، هل لن يبرر المسلمون لأنفسهم إعلان الجهاد لتحرير مدينتهم المقدسة؟ هل سيشعر المسلمين المتدينين بالعار من هذه الحرب أو يعتذرون على شنها؟"
ولكن في الوقت نفسه يرفض بوكانان فكرة لوم تراجع المسلمين على الإسلام، ويقول أن المشكلة ليست في العقيدة الإسلامية "كيف يمكن أن يكون الإسلام هو سبب الانهيار بعد أن كان الإسلام هو العقيدة التي دعمت أكثر الحضارات والثقافات تطورا على سطح الكرة الأرضية لمدة ألف عام؟"، ويعود ليتبنى نظريات برنارد لويس ويقول أن مشكلة المسلمين – كما يوصفها لويس – هي أنهم لم يبحثوا داخل أنفسهم عن المشكلة واكتفوا بلوم الغرب
ثم يعود بوكانان ليرفض إجابة الرئيس بوش على سؤال "لماذا يكرهوننا؟"، ويقول "نحن مكروهون لما نفعله"، مشيرا إلى عدد من مشاكل سياسة أمريكا تجاه العالمين العربي والإسلامي، وعلى رأسها عدم صدق الدعاوي الأمريكية لنشر الديمقراطية في الشرق الأوسط، ووجود القوات الأمريكية في الخليج وثقافة أمريكا الإباحية (الخمور والمخدرات والإجهاض والأفلام الإباحية) وازدواجية المعايير الأمريكية في التعامل مع إسرائيل، وغزو العراق وإذلاله
ويرفض بوكانان فكرة استعداء الإسلام ويقول أن عدو الإسلام اليوم ليس المسيحية ولكنه ثقافة أمريكا العلمانية والفردية والاستهلاكية والعبثية، كما يشير إلى أن الإسلام هو أسرع الأديان انتشارا في أوربا وإلى أن مسلمي أمريكا على الرغم من صغر عددهم "ينمون بثقة ويكسبون معتنقين للإسلام"، كما يؤكد على أنه لا يمكن لدولة (أمريكا) أن تهزم عقيدة (الإسلام) فهزيمة عقيدة تحتاج لعقيدة أخرى، ويقول أنه لم تنجح أي إمبراطورية عالمية على مدى التاريخ في هزيمة الإسلام وأن قوة الغرب العسكرية لا تعني أنه قادر على الفوز في حرب الحضارات لأن السوفيت انهاروا رغم ترسانتهم العسكرية
كما يري بوكانان أن الإرهاب ليس عدو ولكنه أسلوب وسلاح ويقول أن دول (ضاربا المثال بإسرائيل في بداية عهدها والحلفاء في الحرب العالمية الثانية) ونظم وثورات استخدمت الإرهاب أسلوبا لها خلال بعض الفترات التاريخية، ونجحت في النهاية بسبب قدرتها على إقناع الرأي العام بوجهة نظرها، لذا يرى أن الحرب على الإرهاب هي حرب على عقول وقلوب الجماهير، وأنه ينبغي على أمريكا أن تقنع العرب والمسلمين بمواقفها إذا كانت راغبة في الفوز بالحرب على الإرهاب وهنا يقول بوكانان "مشكلتنا في هذه المنطقة الكبيرة هي أن عشرات الملايين من العرب والمسلمين توصلوا لنتيجة مفادها أنهم يريدوننا أن نخرج"
أجندة المحافظين الحقيقية
في خاتمة كتابه بعود بوكانان ليركز على فكرته الأساسية وهي أن سيطرة المحافظين الجدد على مؤسسات التيار المحافظ الأمريكي شغلت المحافظين عن مصالحهم الحقيقة وعلى رأسها رفض تحول أمريكا إلى إمبراطورية، ومواجهة التردي الثقافي والأخلاقي في المجتمع الأمريكي، والحد من تضخم مؤسسات ونفقات الحكومة الأمريكية، ومواجهة تزايد عجز الميزانية الأمريكية والعجز التجاري الدولي وتراجع قيمة الدولار وصعود القوة الدولية الجديدة وعلى رأسها الصين، والحد من المهاجرين
ويقول بوكانان أن المحافظين الجدد لا يتعاملون مع قضايا هذه الأجندة لأنهم لا يتبنون في أحيان كثيرا أجندة مناقضة لها إلى حد كبير لكونهم لا ينتمون عقائديا إلى التيار المحافظ كما يراه بوكانان، كما أن المحافظين الجدد مشغولين بدفع أمريكا إلى شن حرب لإعادة تشكيل العالم الإسلامي، وهنا يعيد بوكانان التأكيد على أهمية الحد من التدخل الأمريكي في شئون العالمين العربي والإسلامي ويقول أن "سيطرة أمريكا على الشرق الأوسط ليست حلا للإرهاب. إنها سبب للإرهاب ... لقد هوجمنا بسبب وجودنا الإمبريالي في أراضي مكة والمدينة المقدسة، وبسبب اعتقاد أعدائنا بأننا نقتل الشعب العراقي بالعقوبات المفروضة عليه ونستعد للهجوم عليه مرة ثانية، وبسبب مساندتنا غير المشروطة لنظام شارون الليكودي"
كما يقول بوكانان أن "الإرهاب هو عرض للمرض، الإرهاب ليس المرض نفسه"، وينادي بسحب القوات الأمريكية من الشرق الأوسط إذا كانت غير مرغوب في وجودها، ويطالب بعدم التدخل في شئون العالم الإسلامي وأن يترك العالم الإسلامي "ليشكل مصيره بنفسه"، كما يؤكد على فشل إسرائيل وأن "إسرائيل في أزمة وجودية" وعلى خوف السياسيين الأمريكيين من انتقاد إسرائيل أكثر من خوف الإسرائيليين أنفسهم من انتقاد بلدهم، ويقول أن "شارون وعد بالسلام والأمن ... ولكنه قدم الحرب والكراهية"، كما يؤكد على أن "أمريكا تحتاج لسياسة شرق أوسطية صنعت في أمريكا وليس في تل أبيب أو في الإيباك"، وعلى أن "أمريكا تخلت عن دورها "كوسيط عادل"، ويقول أن "الرئيس لم يعد يجلس على رأس طاولة المفاوضات، ولكن أصبح يجلس خلف شارون مباشرة. قد يخدم ذلك المصالح السياسية الخاصة بالرئيس وحزبه، ولكن ذلك لا يخدم مصالح أمريكا"