تحول المسلمين الأمريكيين نحو اليسار ونحو الداخل: مظاهر وأسباب
مقال بقلم: علاء بيومي
الناشر: صحيفة الحياة اللندنية، 3 ديسمبر 2004، ص 15
نص المقال
بعيدا عن انتخابات الرئاسة الأمريكية كشفت أحدث الدراسات الخاصة بتوجهات مسلمي أمريكا السياسية عن وقوع ثلاثة تحولات سياسية هامة في أوساطهم، التحول الأول هو توجههم الواضح نحو مزيد من الاهتمام بقضايا الداخل، والتحول الثاني هو تقاربهم المتزايد من اليسار الأمريكي، أما التحول الثالث فهو حسمهم لقضية المشاركة السياسية في صالح مزيد من المشاركة
فيما يتعلق بالاهتمام بقضايا الداخل دأب بعض المحللين على الإشارة إلى مسلمي أمريكا على أنهم مجموعة من المهاجرين الجدد المشغولين بقضايا أوطانهم الأصلية وشئون السياسية الخارجية والمغيبين عن شئون بلدهم الجديد والقضايا التي تشغل المواطن الأمريكي
وقد سئل استطلاع لأراء مسلمي أمريكا السياسية - أجراه مؤخرا مركز أبحاث مسلم أمريكي تابع لجامعة جورج تاون الأمريكية - المشاركين فيه عن القضايا الأكثر تأثيرا على أصواتهم، وردا على السؤال ذكر 44 % من الناخبين المسلمين الأمريكيين أن القضايا الداخلية هي العامل الأكثر تأثيرا على أصواتهم، مقارنة بنسبة 34 % من الناخبين رأوا أن القضايا الخارجية هي العامل الأهم بالنسبة لهم، وعندما سئل المشاركون في الاستطلاع عن أهم التحديات التي تواجه المسلمين الأمريكيين في الفترة الحالية جاءت قضية الحقوق المدنية في المرتبة الأولى بنسبة 28 % من أصوات المشاركين في الاستطلاع، تلتها قضية العنصرية بنسبة 24 %، ثم قضية المشاركة في التيار العام الأمريكي بنسبة 11 %، أما قضايا السياسة الخارجية فقد حلت رابعة بنسبة 8 % فقط، وتشير هذه الإحصاءات بوضوح إلى وجود تيار عام في أوساط المسلمين الأمريكيين ينادي بمزيد من الاهتمام بشئون الداخل
التحول الثاني دفع بالمسلمين الأمريكيين بعيدا عن اليمين الأمريكي ونحو مزيد من التقارب مع اليسار، ومن المعروف أن نسبة لا يستهان بها من المسلمين الأمريكيين أيدوا الحزب الجمهوري واليمين الأمريكي بشكل تلقائي وتقليدي بسبب أجندة اليمين الأمريكي المحافظة أخلاقيا واجتماعيا، وقد ظهر هذا التوجه واضحا في عام 2000 حين عبر ربع المسلمين الأمريكيين تقريبا عن تأييدهم للحزب الجمهوري كما ساند غالبية المسلمين الأمريكيين ومنظماتهم المرشح الجمهوري للرئاسة جورج دبليو بوش في انتخابات عام 2000 الرئاسية
على النقيض أظهرت الاستطلاعات الحديثة تأييد غالبية المسلمين الأمريكيين (أكثر من 70 %) للمرشح الديمقراطي جون كيري، بل كشفت الاستطلاعات عن تحول المسلمين بعيدا عن الحزب الجمهوري نفسه، إذ عبر 50 % من المسلمين الأمريكيين عن انتمائهم للحزب الديمقراطي، بينما تراجعت نسبة المسلمين الأمريكيين الذين يشعرون بالانتماء إلى الحزب الجمهوري إلى 12 %، كما ظهر هذا التقارب واضحا على صعيد المنظمات المسلمة الأمريكية التي أنفقت جزءا كبيرا من نشاطها في الأعوام الأربعة السابقة في توثيق علاقتها مع عدد من المنظمات المحسوبة على اليسار الأمريكي وعلى رأسها جماعات الحقوق المدنية ومنظمات الأقليات الأفارقة والأمريكيين من الأصل اللاتيني وجماعات السلام الأمريكية
التحول الثالث دفع بمسلمي أمريكا نحو مزيد من المشاركة في الحياة السياسية الأمريكية، فعلى مدى عقد التسعينات أنفقت المنظمات المسلمة الأمريكية جزءا لا يستهان من مواردها لتوعية المسلمين الأمريكيين بأهمية المشاركة السياسية ولإزالة العوائق الثقافية والفكرية المختلفة التي تحول بين المسلمين وبين النشاط السياسي، فعلى سبيل المثال كان بعض الفئات المسلمة الأمريكية تعتقد أن المشاركة في الحياة السياسية بالمجتمع الأمريكي هي أمر غير مجدي أو غير محبب من قبل الدين الإسلام، وبعد وقوع أحداث سبتمبر 2001 توقع بعض المراقبين أن تدفع الضغوط التي تلتها المسلمين الأمريكيين نحو مزيد من العزلة والعزوف عن المشاركة
ولكن نشاط المسلمين الأمريكيين غير المسبوق في انتخابات عام 2004 اثبت عدم صحة النظرية السابقة، إذ أشارت الاستطلاعات إلى إن نسبة الراغبين في المشاركة السياسية في أوساط مسلمي أمريكا قبيل الانتخابات بلغت 93 %، كما أن نسبة العازمين على التصويت بين الناخبين المسلمين تبلغ 95 % وهي بدون شك نسب مرتفعة
كما بذلت منظمات المسلمين الأمريكيين جهودا ملحوظة لتسجيل أكبر عدد من الناخبين المسلمين الأمريكيين في السجلات الانتخابية الأمريكية على مدى العامين السابقين، كما قامت بعض المنظمات بنشاط كبير لحث آلاف الناخبين المسلمين الأمريكيين بولايتي أوهايو وفلوريدا – الهامتين في الانتخابات السابقة – على الخروج للتصويت، وشكلت عشرة من أكبر منظمات المسلمين الأمريكيين السياسية والمعنية بالشئون العامة تحالفا أعلن في الحادي والعشرين من أكتوبر الماضي تأييده لمرشح الديمقراطي للرئاسة جون كيري
ويجب هنا الإشارة إلى أن مسلمي أمريكا لم يترجموا بعد رغبتهم العارمة في المشاركة السياسية إلى المستوى المطلوب من المشاركة السياسية المؤسساتية، ونعني بذلك أن مسلمي أمريكا مازالوا يفضلون المشاركة في الحياة السياسية خارج الأطر المؤسساتية، فهم – كما تشير الدراسات - يهتمون بالشئون السياسية (بنسبة تفوق 90%)، وينشطون في مجال الكتابة إلى السياسيين والإعلام (54%)، وحضور المظاهرات السياسية (46%)، ولكن – على الجانب الأخر – تبدو مشاركتهم في المؤسسات السياسية منخفضة كما يظهر في بعض النواحي مثل التبرع بأموالهم وأوقاتهم للمرشحين السياسيين (35%) والمشاركة النشطة في الأحزاب السياسية (24%) أضف إلى ذلك قلة عدد منظماتهم النشطة في المجال السياسي بشكل لا يتناسب بأي حال من الأحوال مع أعدادهم ومستواهم التعليمي، إذ تشير الدراسات إلى أن للمسلمين الأمريكيين أكثر من 60 منظمة معنية بالشئون السياسية والعامة، ولكن أكثر من 90% من هذه المنظمات هي منظمات صغيرة ذات تأثير محدود
بقى لنا أن نشير إلى أربعة أسباب رئيسية نعتقد أنها وقفت وراء هذه التحولات الهامة
السبب الأول هو تأثير المسلمين الأفارقة الأمريكيين على توجهات مسلمي أمريكا بشكل عام، فمن المعروف أن ثلث المسلمين الأمريكيين هم من الأفارقة الأمريكيين، ومعروف عن الأفارقة الأمريكيين ميلهم للحزب الديمقراطي ولليسار الأمريكي، كما أنهم أكثر اهتماما بقضايا الداخل مقارنة بالمسلمين المهاجرين لكون الأفارقة الأمريكيين هم من أهل البلاد الأصليين كما يأتي غالبيتهم من أوساط متوسطة وفقيرة، لذا يبدو الأفارقة الأمريكيون أكثر اهتمام بتركيز مواردهم للعمل على قضايا الداخل، وإذ أضفنا إلى هذه الملحوظة حقيقة هامة وهي الزيادة التدريجية لأبناء الجيل الثاني من المسلمين الأمريكيين واستقرار المهاجرين المسلمين التدريجي في الولايات المتحدة لتمكنا من تفسير بعض أسباب توجه مسلمي أمريكا نحو قضايا الداخل ونحو اليسار أيضا
السبب الثاني هو تبعات أحداث سبتمبر الخطيرة على حقوق المسلمين الأمريكيين المدينة، سواء فيما يتعلق بالقوانين التي تم سنها – مثل قانون باتريوت آكت لمكافحة الإرهاب لعام 2001، والإجراءات الأمنية التي اتخذت مثل اعتقال آلاف المسلمين والعرب المهاجرين بدون أدلة، والتمييز المستمر ضد المسلمين والعرب من قبل سلطات تنفيذ القانون، وبدون شك دفعت هذه العوامل المسلمين الأمريكيين نحو الشعور بأهمية التركيز على قضايا الداخل وأهمية زيادة نشاطهم السياسي دفاعا عن حقوقهم
العامل الثالث هو ردة فعل المجتمع الأمريكي نفسه تجاه المسلمين والعرب منذ أحداث سبتمبر، إذ يمكن القول أن تحول المسلمين الأمريكيين نحو اليسار هو في جزء كبير منه نوع من التأييد المتبادل لجماعات أمريكية ساندت مسلمي أمريكا بوضوح خلال السنوات الثلاثة الأخيرة، وقد أتي معظم هؤلاء الحلفاء - كجماعات الحقوق المدنية وجماعات السلام والجماعات المنادية بحقوق الأقليات – من خلفيات يسارية وليبرالية أمريكية واضحة
في المقابل وقف اليمين الأمريكي موقف المنكر – والمساند في بعض الأحيان – لما تعرض له المسلمون الأمريكيون وقضاياهم من تمييز وما تعرضت له صورتهم من تشويه خلال السنوات الثلاثة الأخيرة، إذ أشار استطلاع لتوجهات الشعب الأمريكي نحو الإسلام والمسلمين أصدره مجلس العلاقات الإسلامية الأمريكية (كير) في أوائل شهر أكتوبر الحالي إلى أن المنتمين إلى التيار الأمريكي اليميني المحافظ أكثر استعدادا للاعتقاد في صور سلبية عن الإسلام والمسلمين مقارنة بالمنتمين إلى التيار الليبرالي، كما أدلت بعض قيادات اليمين المسيحي الأمريكي الدينية – مثل بات روبرتسون وفرانكلين جرام وجيري فالويل- وبعض قياداته السياسية والرسمية - مثل الجنرال وليام بويكين ووزير العدل الأمريكي جون أشكروفت والنائب الجمهوري توم دلاي – بدلوها في موجة التعصب والكراهية والتشويه التي تعرض لها الإسلام والمسلمون منذ أحداث سبتمبر
العامل الرابع والأخير الذي نود الإشارة إليه هو دور المسلمين الأمريكيين أنفسهم ومنظماتهم في الإسراع بعجلة تحولهم الداخلي، ويبدو هنا أن المسلمين الأمريكيين مروا بكثير من التحولات السياسية منذ مطلع التسعينات والذي شهد نشأة منظماتهم السياسية، فمنذ ذلك الحين والمسلمين الأمريكيين يتوجهون أكثر فأكثر نحو المشاركة السياسية ونحو مزيد من الاهتمام بقضايا الداخل، ونحو مزيد من التقارب مع القوي السياسية المختلفة بالولايات المتحدة، وفي عام 2004 بات واضحا أن المسلمين الأمريكيين أصبحوا جماعة ذات خصائص جديدة تختلف بشكل واضح عن كثير من الصور النمطية التي كانت شائعة عنهم في الماضي والتي حاولت تصويرهم على أنهم جماعات مهاجرة ضعيفة الصلة بواقعها الجديد، وقد كتبنا مقالنا هذا بغرض توضيح بعض مظاهر هذا التغيير وكذلك رصد بعض خصائص صورة المسلمين الأمريكيين السياسية الراهنة
الناشر: صحيفة الحياة اللندنية، 3 ديسمبر 2004، ص 15
نص المقال
بعيدا عن انتخابات الرئاسة الأمريكية كشفت أحدث الدراسات الخاصة بتوجهات مسلمي أمريكا السياسية عن وقوع ثلاثة تحولات سياسية هامة في أوساطهم، التحول الأول هو توجههم الواضح نحو مزيد من الاهتمام بقضايا الداخل، والتحول الثاني هو تقاربهم المتزايد من اليسار الأمريكي، أما التحول الثالث فهو حسمهم لقضية المشاركة السياسية في صالح مزيد من المشاركة
فيما يتعلق بالاهتمام بقضايا الداخل دأب بعض المحللين على الإشارة إلى مسلمي أمريكا على أنهم مجموعة من المهاجرين الجدد المشغولين بقضايا أوطانهم الأصلية وشئون السياسية الخارجية والمغيبين عن شئون بلدهم الجديد والقضايا التي تشغل المواطن الأمريكي
وقد سئل استطلاع لأراء مسلمي أمريكا السياسية - أجراه مؤخرا مركز أبحاث مسلم أمريكي تابع لجامعة جورج تاون الأمريكية - المشاركين فيه عن القضايا الأكثر تأثيرا على أصواتهم، وردا على السؤال ذكر 44 % من الناخبين المسلمين الأمريكيين أن القضايا الداخلية هي العامل الأكثر تأثيرا على أصواتهم، مقارنة بنسبة 34 % من الناخبين رأوا أن القضايا الخارجية هي العامل الأهم بالنسبة لهم، وعندما سئل المشاركون في الاستطلاع عن أهم التحديات التي تواجه المسلمين الأمريكيين في الفترة الحالية جاءت قضية الحقوق المدنية في المرتبة الأولى بنسبة 28 % من أصوات المشاركين في الاستطلاع، تلتها قضية العنصرية بنسبة 24 %، ثم قضية المشاركة في التيار العام الأمريكي بنسبة 11 %، أما قضايا السياسة الخارجية فقد حلت رابعة بنسبة 8 % فقط، وتشير هذه الإحصاءات بوضوح إلى وجود تيار عام في أوساط المسلمين الأمريكيين ينادي بمزيد من الاهتمام بشئون الداخل
التحول الثاني دفع بالمسلمين الأمريكيين بعيدا عن اليمين الأمريكي ونحو مزيد من التقارب مع اليسار، ومن المعروف أن نسبة لا يستهان بها من المسلمين الأمريكيين أيدوا الحزب الجمهوري واليمين الأمريكي بشكل تلقائي وتقليدي بسبب أجندة اليمين الأمريكي المحافظة أخلاقيا واجتماعيا، وقد ظهر هذا التوجه واضحا في عام 2000 حين عبر ربع المسلمين الأمريكيين تقريبا عن تأييدهم للحزب الجمهوري كما ساند غالبية المسلمين الأمريكيين ومنظماتهم المرشح الجمهوري للرئاسة جورج دبليو بوش في انتخابات عام 2000 الرئاسية
على النقيض أظهرت الاستطلاعات الحديثة تأييد غالبية المسلمين الأمريكيين (أكثر من 70 %) للمرشح الديمقراطي جون كيري، بل كشفت الاستطلاعات عن تحول المسلمين بعيدا عن الحزب الجمهوري نفسه، إذ عبر 50 % من المسلمين الأمريكيين عن انتمائهم للحزب الديمقراطي، بينما تراجعت نسبة المسلمين الأمريكيين الذين يشعرون بالانتماء إلى الحزب الجمهوري إلى 12 %، كما ظهر هذا التقارب واضحا على صعيد المنظمات المسلمة الأمريكية التي أنفقت جزءا كبيرا من نشاطها في الأعوام الأربعة السابقة في توثيق علاقتها مع عدد من المنظمات المحسوبة على اليسار الأمريكي وعلى رأسها جماعات الحقوق المدنية ومنظمات الأقليات الأفارقة والأمريكيين من الأصل اللاتيني وجماعات السلام الأمريكية
التحول الثالث دفع بمسلمي أمريكا نحو مزيد من المشاركة في الحياة السياسية الأمريكية، فعلى مدى عقد التسعينات أنفقت المنظمات المسلمة الأمريكية جزءا لا يستهان من مواردها لتوعية المسلمين الأمريكيين بأهمية المشاركة السياسية ولإزالة العوائق الثقافية والفكرية المختلفة التي تحول بين المسلمين وبين النشاط السياسي، فعلى سبيل المثال كان بعض الفئات المسلمة الأمريكية تعتقد أن المشاركة في الحياة السياسية بالمجتمع الأمريكي هي أمر غير مجدي أو غير محبب من قبل الدين الإسلام، وبعد وقوع أحداث سبتمبر 2001 توقع بعض المراقبين أن تدفع الضغوط التي تلتها المسلمين الأمريكيين نحو مزيد من العزلة والعزوف عن المشاركة
ولكن نشاط المسلمين الأمريكيين غير المسبوق في انتخابات عام 2004 اثبت عدم صحة النظرية السابقة، إذ أشارت الاستطلاعات إلى إن نسبة الراغبين في المشاركة السياسية في أوساط مسلمي أمريكا قبيل الانتخابات بلغت 93 %، كما أن نسبة العازمين على التصويت بين الناخبين المسلمين تبلغ 95 % وهي بدون شك نسب مرتفعة
كما بذلت منظمات المسلمين الأمريكيين جهودا ملحوظة لتسجيل أكبر عدد من الناخبين المسلمين الأمريكيين في السجلات الانتخابية الأمريكية على مدى العامين السابقين، كما قامت بعض المنظمات بنشاط كبير لحث آلاف الناخبين المسلمين الأمريكيين بولايتي أوهايو وفلوريدا – الهامتين في الانتخابات السابقة – على الخروج للتصويت، وشكلت عشرة من أكبر منظمات المسلمين الأمريكيين السياسية والمعنية بالشئون العامة تحالفا أعلن في الحادي والعشرين من أكتوبر الماضي تأييده لمرشح الديمقراطي للرئاسة جون كيري
ويجب هنا الإشارة إلى أن مسلمي أمريكا لم يترجموا بعد رغبتهم العارمة في المشاركة السياسية إلى المستوى المطلوب من المشاركة السياسية المؤسساتية، ونعني بذلك أن مسلمي أمريكا مازالوا يفضلون المشاركة في الحياة السياسية خارج الأطر المؤسساتية، فهم – كما تشير الدراسات - يهتمون بالشئون السياسية (بنسبة تفوق 90%)، وينشطون في مجال الكتابة إلى السياسيين والإعلام (54%)، وحضور المظاهرات السياسية (46%)، ولكن – على الجانب الأخر – تبدو مشاركتهم في المؤسسات السياسية منخفضة كما يظهر في بعض النواحي مثل التبرع بأموالهم وأوقاتهم للمرشحين السياسيين (35%) والمشاركة النشطة في الأحزاب السياسية (24%) أضف إلى ذلك قلة عدد منظماتهم النشطة في المجال السياسي بشكل لا يتناسب بأي حال من الأحوال مع أعدادهم ومستواهم التعليمي، إذ تشير الدراسات إلى أن للمسلمين الأمريكيين أكثر من 60 منظمة معنية بالشئون السياسية والعامة، ولكن أكثر من 90% من هذه المنظمات هي منظمات صغيرة ذات تأثير محدود
بقى لنا أن نشير إلى أربعة أسباب رئيسية نعتقد أنها وقفت وراء هذه التحولات الهامة
السبب الأول هو تأثير المسلمين الأفارقة الأمريكيين على توجهات مسلمي أمريكا بشكل عام، فمن المعروف أن ثلث المسلمين الأمريكيين هم من الأفارقة الأمريكيين، ومعروف عن الأفارقة الأمريكيين ميلهم للحزب الديمقراطي ولليسار الأمريكي، كما أنهم أكثر اهتماما بقضايا الداخل مقارنة بالمسلمين المهاجرين لكون الأفارقة الأمريكيين هم من أهل البلاد الأصليين كما يأتي غالبيتهم من أوساط متوسطة وفقيرة، لذا يبدو الأفارقة الأمريكيون أكثر اهتمام بتركيز مواردهم للعمل على قضايا الداخل، وإذ أضفنا إلى هذه الملحوظة حقيقة هامة وهي الزيادة التدريجية لأبناء الجيل الثاني من المسلمين الأمريكيين واستقرار المهاجرين المسلمين التدريجي في الولايات المتحدة لتمكنا من تفسير بعض أسباب توجه مسلمي أمريكا نحو قضايا الداخل ونحو اليسار أيضا
السبب الثاني هو تبعات أحداث سبتمبر الخطيرة على حقوق المسلمين الأمريكيين المدينة، سواء فيما يتعلق بالقوانين التي تم سنها – مثل قانون باتريوت آكت لمكافحة الإرهاب لعام 2001، والإجراءات الأمنية التي اتخذت مثل اعتقال آلاف المسلمين والعرب المهاجرين بدون أدلة، والتمييز المستمر ضد المسلمين والعرب من قبل سلطات تنفيذ القانون، وبدون شك دفعت هذه العوامل المسلمين الأمريكيين نحو الشعور بأهمية التركيز على قضايا الداخل وأهمية زيادة نشاطهم السياسي دفاعا عن حقوقهم
العامل الثالث هو ردة فعل المجتمع الأمريكي نفسه تجاه المسلمين والعرب منذ أحداث سبتمبر، إذ يمكن القول أن تحول المسلمين الأمريكيين نحو اليسار هو في جزء كبير منه نوع من التأييد المتبادل لجماعات أمريكية ساندت مسلمي أمريكا بوضوح خلال السنوات الثلاثة الأخيرة، وقد أتي معظم هؤلاء الحلفاء - كجماعات الحقوق المدنية وجماعات السلام والجماعات المنادية بحقوق الأقليات – من خلفيات يسارية وليبرالية أمريكية واضحة
في المقابل وقف اليمين الأمريكي موقف المنكر – والمساند في بعض الأحيان – لما تعرض له المسلمون الأمريكيون وقضاياهم من تمييز وما تعرضت له صورتهم من تشويه خلال السنوات الثلاثة الأخيرة، إذ أشار استطلاع لتوجهات الشعب الأمريكي نحو الإسلام والمسلمين أصدره مجلس العلاقات الإسلامية الأمريكية (كير) في أوائل شهر أكتوبر الحالي إلى أن المنتمين إلى التيار الأمريكي اليميني المحافظ أكثر استعدادا للاعتقاد في صور سلبية عن الإسلام والمسلمين مقارنة بالمنتمين إلى التيار الليبرالي، كما أدلت بعض قيادات اليمين المسيحي الأمريكي الدينية – مثل بات روبرتسون وفرانكلين جرام وجيري فالويل- وبعض قياداته السياسية والرسمية - مثل الجنرال وليام بويكين ووزير العدل الأمريكي جون أشكروفت والنائب الجمهوري توم دلاي – بدلوها في موجة التعصب والكراهية والتشويه التي تعرض لها الإسلام والمسلمون منذ أحداث سبتمبر
العامل الرابع والأخير الذي نود الإشارة إليه هو دور المسلمين الأمريكيين أنفسهم ومنظماتهم في الإسراع بعجلة تحولهم الداخلي، ويبدو هنا أن المسلمين الأمريكيين مروا بكثير من التحولات السياسية منذ مطلع التسعينات والذي شهد نشأة منظماتهم السياسية، فمنذ ذلك الحين والمسلمين الأمريكيين يتوجهون أكثر فأكثر نحو المشاركة السياسية ونحو مزيد من الاهتمام بقضايا الداخل، ونحو مزيد من التقارب مع القوي السياسية المختلفة بالولايات المتحدة، وفي عام 2004 بات واضحا أن المسلمين الأمريكيين أصبحوا جماعة ذات خصائص جديدة تختلف بشكل واضح عن كثير من الصور النمطية التي كانت شائعة عنهم في الماضي والتي حاولت تصويرهم على أنهم جماعات مهاجرة ضعيفة الصلة بواقعها الجديد، وقد كتبنا مقالنا هذا بغرض توضيح بعض مظاهر هذا التغيير وكذلك رصد بعض خصائص صورة المسلمين الأمريكيين السياسية الراهنة
No comments:
Post a Comment