نظرة على عالم الحركات الثورية السورية المسلحة ومستقبلها!؟
قراءة في تقرير لضابط استخبارات أميركي
المعلومات القادمة من سوريا عن وضع ثوراتها وثوارها ونظامها والقوى
الموالية له كثيرة ومتفرقة للغاية إلى درجة عصية على الفهم وبناء الصورة الكلية
الواضحة، ولكن يبدو أن هناك من يتابع ويرصد جيدا، ويبحث عن توازنات القوى ومستقبل
الصراع.
ومن هنا تأتي التقرير الذي بين أيدينا والذي سنسعى لعرضه خلال هذا المقال، وهو
صادر منذ أيام قليلة عن مركز أبحاث أميركي يسمى "مركز دراسات الحرب" وهو
تابع - وفقا خلفية القائمين عليه - إلى المحافظين الجدد، ومقره العاصمة الأميركية
واشنطن.
التقرير من تأليف ضابط حالي في الجيش الأميركي عمل في الاستخبارات العسكرية خلال
الفترة من يونيو 2006 إلى سبتمبر 2011 وخدم في العراق وأفغانستان، ويدعى جوزيف
هوليداي.
التقرير بمثابة دعوة إلى صانع القرار الأميركي لإدراك حقيقة الموقف الذي وصلت إليه
الأوضاع في سوريا والتصرف بناء عليها، فهو يقول بوضوح أن المعارضة الثورية السورية
المسلحة باتت تتسلم كميات مستمرة من الأسلحة والمال وأنه بات لها قيادات وقدرات
محلية وتسيطر على مساحات واسعة وإنها قد تتحكم في الجزء الأكبر من سوريا قريبا إذا
استمر وصول المساعدات لها.
وأن على أميركا التصرف على هذا الأساس وأن تسعى لتحقيق هدف أساسي وهو التحكم في
تدفق المساعدات المالية والعسكرية للمعارضة المسلحة بما يضمن مركزية هذه المعارضة
وقدرتها على تحقيق الأمن في المناطق التي تسيطر عليها وتقديم بديل للنظام السوري
الذي بات عاجزا عن السيطرة على مساحات واسعة من الأراضي السورية وخاصة في شمال
ووسط سوريا ولم يعد أمامه سوى قذف المدن السورية بالمدافع والطائرات لأنه لم يعد قادرا
على التواجد على الأرض في المناطق التي تنشط فيها الحركات الثورية المسلحة ولم يعد
قادرا على بسط نفوذه وطرد الحركات الثورية من مناطق واسعة.
ويروي التقرير قصة عسكرة الثورة السورية، فهو يقول أن بوادر الحركات السورية
الثورية المسلحة بدأت في جسر الشغور في محافظة إدلب شمال سوريا في يونيو 2011،
ولكن قوات النظام السوري تمكنت من هزيمتها.
ويبدو أن نقطة التحول بدأت في شهري فبراير ومارس من العام الحالي، فبسبب
سياسة القمع والقتل العنيفة التي يتبعها النظام السوري والقوات الموالية له بدأت
الحركات الثورية السورية في التسلح لحماية أنفسها، وبدأت في التمركز داخل المدن
الثائرة للدفاع عنها مثل حمص وإدلب والزبداني والرستن وغيرها، وكان لحملة جيش
النظام السوري العنيفة لقمع بعض المدن السورية الثائرة في شهري فبراير ومارس أبلغ
الأثر في تحويل دفعة الصراع المسلح لصالح الجماعات الثورية المسلحة.
حيث مثلت حملة النظام السوري لقمع بابا عمرو في حمص نموذجا لذلك ونقطة تحول
أساسية، فبابا عمرو مركز هام للثوار وللحركات الثورية وخاصة لكتيبة الفاروق وهي من
أشهر كتائب المقاومة السورية المسلحة، ويبدو أن محاصرة قوات النظام لبابا عمر
لأسابيع وضربها بالأسلحة الثقيلة لمحاولة القضاء على الحركات الثورية المسلحة كان
نقطة تحول.
حيث اضطر الثوار المسلحون للانسحاب من بابا عمرو تحت شدة الحصار وقوة
النيران وسعة الدمار، ولكنهم تعلموا الدرس وتحولوا لما هو أخطر، حيث تحولت الحركات
السورية المسلحة من تكتيك التواجد داخل المدن لحماية المدنيين إلى تكتيك حرب
العصابات، وخلال هذه الفترة تضاعفت الحركات الثورية المسلحة وانتشرت في مساحات
واسعة في مناطق الأرياف في الوسط والشمال، حتى بات عددها يقدر بحوالي 40 ألف مقاتل
حاليا - وفقا للتقرير - وباتت تسيطر على مساحات يصفها التقرير بأنها "أمنة"
من الوسط والشمال خاصة في حمص وريفها وإدلب وحماة وريف حلب.
ويقول التقرير أن القوات الثورية المسلحة باتت أكثر قدرة إلى إلحاق خسائر
مؤلمة بالقوات الموالية للنظام السوري والتي مازلت تسيطر على بعض المدن الكبرى
ولكنها لم تعد قادرة على التحرك على الأرض أو السيطرة على الأرياف ولم يعد
بإمكانها سوى قذف المدن بالصواريخ والقذائف والطائرات.
ويقول أيضا أن القوات الثورية المسلحة ألحقت خسائر عديدة بقوات النظام
السوري وتفاقم عددها وباتت أكثر قدرة على شن هجمات على مواقع القوات السورية وقطع
طرق إمدادها، حتى أنه في أوائل شهر يونيو الحالي شن الثوار المسلحون حملة على مركز
لقوات النظام في كفر زيتا بحماه بلغ عدد القوات الثورية المشاركة فيها 500 مقاتلا،
ولكنهم لم يتمكنوا من اقتحام معسكر قوات النظام لأخطاء سنذكرها تباعا في التقرير.
إذا نود أن نوضح الآن كيف تسبب عنف النظام السوري في مضاعفة المقاومة
المسلحة له – كما يشير التقرير، فقذف المدن يؤدي لمزيد من العسكرة المضادة، وحملات
"الشبيحة" والقتل الطائفي - كما يشير التقرير - تؤدي لرغبات انتقامية،
وقمع المعارضة التي تحمي المدن يؤدي لتحولها لحرب عصابات، ويقول التقرير أن
تكتيكات حرب العصابات والحركات المتمردة كالكمائن والهجمات المفاجئة زادت بأكثر من
الضعف في الفترة من يناير إلى أبريل من العام الحالي، وأن "عدد جماعات
المعارضة المسلحة التي أسست في فبراير ومارس أكبر من الجماعات المسلحة التي شكلت
خلال الشهور العشرة الأولى من الاحتجاجات".
ويقول المؤلف أن استمرار وصول المساعدات المالية والأسلحة للثوار السوريين
خاصة من دول الخليج كالسعودية وقطر يعني مواصلة الثوار في سيطرتهم وقدراتهم مما قد
يمكنهم قريبا من السيطرة على مساحة أكبر من سوريا مقارنة بالمساحة التي يسيطر
عليها النظام والذي يسعى للحصول على مزيد من الإمدادات من إيران وروسيا – كما يقول
التقرير أيضا – لمواجهة الحركات الثورية المسلحة.
ويرى المؤلف أن النظام لن يتمكن من القضاء على الحركات الثورية هذا العام وفقا لموازين
القوى القائمة وغاية أهدافه المنظورة هو تحرير بعض مدن حمص التي تسيطر عليها
المعارض المسلحة وخاصة الرستن والقصير والتي تسبب صداعا شديدا للنظام بسبب قربها
من العاصمة ولأنها مفتاح المحافظات الشمالية مثل حلب وحماة وإدلب.
ولو استطاع النظام من السيطرة على الرستن والقصير وهي مراكز هامة للمقاومة المسلحة
في حمص سيتوجه لقمع مراكزها في حماة وإدلب بهدف حماية اللاذقية وحلب من امتداد
الثورة المسلحة إليهما، وتبقى اللاذقية وطرطوس قواعد هامة للنظام بسبب التواجد
العلوي الكبير هناك – كما يرى التقرير – كما أن سيطرة النظام مازالت قوية على دمشق
بسبب مراكز القوة الموالية له داخل العاصمة.
في المقابل يرى التقرير أن المعارضة المسلحة لن تتمكن أيضا من الزحف على دمشق وفقا
لموازين القوى الحالية، وأقصى أهدافها هو السيطرة على مناطق الأرياف في الشمال والوسط
وتضييق الخناق على النظام.
لذا يرى المؤلف أن الوضع الحالي يحتم ضرورة التدخل الأميركي للتواصل مع
المعارضة السورية المسلحة لضمان قدرتها على الحفاظ على أمن واستقرار المناطق
الكبيرة التي باتت تسيطر عليها.
ويقول المؤلف أن الحركات الثورية الأهم في سوريا هي الحركات الداخلية،
فالحركات المسلحة محلية وليست مفروضة من الخارج وتظهر وتتطور بشكل طبيعي وظهرت
عليها علامات النضج والقوة، وأن تعامل أميركا مع ثوار الخارج ومجالسهم لا يكفي.
فثوار الداخل هم الأهم والأقوى ولديهم مجالس ثورية محلية سياسية وعسكرية تابعة
لجماعات كبرى كالمجلس الوطني السوري والجيش السوري الحر، والمجالس العسكرية باتت
المراكز الحقيقية للثورة المسلحة وهي تتلقى دعم مالي وعسكري من ثوار الخارج ولكنها
تتحرك عسكريا بحرية واستقلال كبيرين.
ويقول المؤلف أن المجالس العسكرية المحلية تعاني من مشاكل فالمعارضة السورية
في الخارج ليست متحدة بما يكفي، فهناك الجيش السوري الحر بقيادة رياض الأسعد وهناك
المجلس العسكري الأعلى بقيادة مصطفى الشيخ، كما أن داخل المعارضة السورية هناك
نشاط كبير للإخوان المسلمين وخاصة في جهود الإغاثة وهناك أيضا دور لجماعات سلفية
وجماعات أخرى لا تنتمي للتيار الديني.
وفي بعض الحالات ظهر التنافس بين الجماعات الثورية المسلحة على الحصول على الموارد
خاصة الأسلحة، وعلى توزيع المهام القتالية، كما أن هناك عامل الخوف والشك في
الجماعات الثورية الجديدة والخوف من العملاء، وهناك أيضا اختلاف في الآراء حول
طبيعة المهام العسكرية ودور القوى الثورية المسلحة وما هو مقبول وغير مقبول من
ممارسات.
ويقول التقرير أن الحركات الثورية المسلحة تتمتع بقدرة جيدة على التنسيق بينها،
ولكنها لا تصل لحد الانضباط والتنظيم والمركزية، وكان هذا سبب فشل 500 من عناصر الحركات
الثورية لمعركة كفر زيتا في الهجوم على معسكر الجيش الموالي للنظام هناك والسيطرة
عليه، بالإضافة إلى ضعف التسليح المناسب.
لذا يؤكد التقرير في خلاصته الرئيسية على ضرورة التدخل الأميركي للتحكم في مسار
المساعدات المالية والعسكرية الموجهة لقوات المعارضة الثورية السورية المسلحة
لضمان ضمان قدر من المركزية والسيطرة حتى تتمكن تلك القوات من الحفاظ على استقرار
وأمن المناطق التي تسيطر عليها لأن معركة سقوط النظام السوري ستمتد وفقا للتقرير
لما بعد العام الحالي وسقوط النظام لن يكون سهلا ولا سريعا فهو سيتمسك لأخر لحظة
رغم الدمار التي تتعرض له بلاده مما قد يعرض سوريا نفسها للانهيار لو لم توحد قوات
المعارضة السورية المسلحة في الداخل بالأساس جهودها بشكل أكبر لضمان أمن واستقرار
البلاد ومنعها من الوقوع في الفوضى.
للإطلاع على النص الكامل للتقرير الأصلي يرجى زيارة الوصلة التالية:
علاء بيومي 24 فبراير 2012
1 comment:
تحياتى لكم .. فين الموضوعات الجديدة
Post a Comment