حالة العلاقات المصرية الأميركية: قراءة في أحدث تقارير خدمة أبحاث الكونجرس عن مصر والصادر في 13 سبتمبر 2012
التقرير الصادر خلال أزمة الفيلم المسيء يحاول الوقوف على أحدث تطورات العلاقات المصرية الأميركية ليرفعها إلى أعضاء الكونجرس الأميركي.
لذا يمثل كعادة تقارير خدمة أبحاث الكونجرس – وهي الذراع البحثي للكونجرس
الأميركي - تلخيصا جيدا لنظرة أميركا لمصر كما يمكن أن يقتنع بصانع القرار
الأميركي.
التقرير كالعادة يعود للتاريخ ليفسر الواقع ويرصد أهم المواقف والأرقام.
كامب دايفيد والمساعدات
كامب دايفيد والمساعدات
ولكي نفهم موقف إدارة أوباما الراهن من مصر، نذكر القارئ سريعا بأن الفصل الراهن
للعلاقات المصرية الأميركية كتب في عام 1979، حيث وقعت اتفاقية كامب دايفيد بين
مصر وإسرائيل، وبات الحفاظ عليها ركيزة العلاقات المصرية الأمريكية.
فمنذ عام 1979 بدأت أمريكا في منح مصر مساعدات عسكرية واقتصادية ضخمة حتى
بلغ مجموع ما قدمته أميركا لمصر من مساعدات منذ 1948 وحتى 2011 حوالي 71.6 مليار
دولار أمريكي، معظمها تم منحه بعد 1979.
ويذهب معظم هذه المساعدات في صورة مساعدات للجيش المصري بلغ مجموعها خلال الفترة
ذاتها 40.5 مليار دولار أميركي، ومازالت أميركا تقدم لمصر 1.3 مليار دولار من
المساعدات العسكرية كل عام.
ويقول التقرير مخاطبا أعضاء الكونجرس أن المساعدات العسكرية الأميركية لمصر قد
تمثل حوالي ثلث ميزانية القوات المسلحة المصرية وينفق جزء كبير منها على التسليح،
وأن هذا الإنفاق يمثل جزء كبير (قد يصل لـ 80% ) من إنفاق مصر على التسليح - كما
يتوقع التقرير.
أما المساعدات الاقتصادية فهي أقل، حيث بلغ مجموعها خلال الفترة نفسها (1948-2011)
حوالي 31 مليار دولار فقط، وتقدم أميركا لمصر حاليا 250 مليون دولار أمريكي سنويا
فقط في صورة مساعدات اقتصادية.
فمنذ عام 1998 بدأت أميركا في تخفيض مساعداتها الاقتصادية لمصر بحجة تخفيض الإنفاق
على المساعدات الخارجية، وقامت بتخفيض نسبي للمساعدات الاقتصادية لإسرائيل ولكنها زادت
المساعدات العسكرية لها.
حتى وصل مجموع ما ستحصل عليه إسرائيل من مساعدات من أميركا هذا العام حوالي 3
مليار دولار في حين لن تحصل مصر سوى عن 1.55 مليار دولار فقط.
بين بوش وأوباما
بين بوش وأوباما
وكان بوش قد خفض المساعدات الاقتصادية لنظام مبارك لحوالي 200 مليون دولار فقط،
وكان أيضا يصر على تقديم بعضها في صورة مساعدات لمنظمات مجتمع مدني تعمل في مجالات
الديمقراطية وحقوق الإنسان بدون العودة للحكومة المصرية وفقا لأجندة نشر
الديمقراطية بالشرق الأوسط التي تبناها.
يعني كان بوش يصر على أن تنفق أميركا جزء من المساعدات الاقتصادية المقدمة لمصر في
صورة مساعدات تقدم مباشرة لمنظمات مصرية تعمل في مجال نشر الديمقراطية وحقوق
الإنسان والمجتمع المدني دون المرور على الحكومة المصرية والحصول على موافقة منها
رغم معارضة نظام مبارك.
ويقول التقرير أن مع صعود أوباما للحكم قرر التراجع عن أجندة الديمقراطية ورفع
المساعدات الاقتصادية لتصل إلى 250 مليون دولار وذلك رغبة منه في تهدئة الأمور مع
دول الشرق الأوسط بعد سنوات بوش العاصفة.
كما أصبحت المساعدات تقدم تباعا أو تقليديا لهدفين أولهما كامب دايفيد وهو الأهم
وثانيهما نشر الديمقراطية وحقوق الإنسان، وتحولت هذه الأهداف إلى شروط فرضت من
الكونجرس مؤخرا على الإدارة الأميركية ثم على مصر، حيث يطالب الكونجرس الإدارة
الأميركية بالتأكد من التزام مصر بتحقيق الهدفين السابقين قبل صرف المساعدات.
ثورة يناير
ثورة يناير
ويقول التقرير – ما معناه - أن أميركا تريد الحفاظ على مصر من أجل كامب دايفيد،
لذا حرصت على تقديم المساعدات في موعدها منذ الثورة رغم عدم الاستقرار السياسي
الذي عاشته مصر في ظل حكم العسكر.
كما حرصت أميركا على تقديم حزمة مساعدات لمصر في مايو 2011 من أجل دعم مصر وصناع
القرار الجدد وضمان الاستقرار في مصر، ومع صعود القوى المدنية وخاصة انتخاب الرئيس
المدني حرصت أميركا على التعامل "بتوازن" بين القوى المدنية وبين
العسكر، حيث يقول التقرير:
"المسئولون الأميركيون تعاملوا بحذر مع الحكومة المصرية الجديدة وحاولوا
موازنة مصالح الحفاظ على علاقات قريبة من الجيش مع الحاجة للاعتراف بشرعية القادة
المدنيين المنتخبين مثل الرئيس مرسي".
وهذا يوضح مركزية الجيش المصري والعلاقات العسكرية في العلاقات المصرية الأميركية،
فالعلاقات تبدو عسكرية في مقامها الأول.
ولكن يبدو أيضا أن أميركا أيضا ترددت في تقديم المساعدات التي وعدت بها مصر في
مايو 2011 ضمن حزمة من المساعدات التي وعدت بها بلدان الربيع العربي حتى صعود
حكومة مدنية منتخبة، وهنا يقول التقرير أن "تجميع مرسي السلطة في إدارته ...
على حساب الجيش هو تطور كان يصعب تصوره منذ شهور قليلة".
ومع تجمع السلطات في يد المدنيين بدأت أميركا في تقديم مساعداتها الموعودة والتي
تتضمن إعفاء مصر من حوالي مليار دولار من القروض غير المسددة، والعمل على تخصيص
صندوق لدعم رجال الأعمال المصريين وتعميق العلاقات الاقتصادية بين البلدين دعما
لتحول مصر نحو الديمقراطية وحكم المدنيين والاستقرار.
واستمرت أميركا في مراقبة التطورات في مصر عن كثب، ، وفي مراقبة مواقف المسئولين
المصريين تجاه أميركا، حيث دأب المسئولون الأميركيون على القول أنهم
"يحكمون" على السياسة المصرية والساسة المصريين الجدد "وفقا
للأفعال لا الكلمات".
لذا يحتوي التقرير تلخيصا ببعض أهم التطورات السياسية في مصر مثل كتابة الدستور
والموقف من حرية الإعلام والتيارات الدينية والوضع الاقتصادي وأزمة السيولة وقرض
صندوق النقد، وغيرها من القضايا السياسية والاقتصادية الرئيسية في مصر حاليا.
كما حرصت إدارة أوباما على التعاون والتنسيق مع إدارة مرسي في عدة قضايا مثل
"الدعم الاقتصادي وأمن سيناء"، ولكنها كانت أيضا ترصد بعض الظواهر
المقلقة لها مثل "التعبير أكثر عن العداء لأميركا، سياسات إسلامية راديكالية،
الكراهية لإسرائيل، والطائفة"، كما يسميها التقرير.
المستقبل وأزمة الفيلم المسيئ
المستقبل وأزمة الفيلم المسيئ
ويقول التقرير أيضا أن الاعتداء على السفارة الأميركية خلال وجود وفد اقتصادي
أميركي في القاهرة لزيادة الاستثمار بين البلدين "قد يكون نذير تنافر في
العلاقات المصرية الأميركية لسنوات قادمة".
ويقول أن أوباما ربما شعر "بالإحباط" من "رد مصر
الباهت" على حادثة الاعتداء على السفارة مما دفعه للقول بأنه لا يعتبر مصر
حليفا أو عدوا.
ولكن يعود التقرير ويقول التالي عن المستقبل:
"إذا أخنا بعين الاعتبار ظاهرة العداء لأميركا المتفشية والمتخللة للسياسات
المصرية في اللحظة الراهنة والخشية العامة من نوايا الإخوان المسلمين في مصر، قد
يطالب بعض المشرعين بتخفيضات في المساعدات لمصر في المستقبل، ولكن وفقا لأحد
التقارير، بعض المسئولين الأميركيين والإسرائيليين "سعوا للتأكيد على أعضاء
الكونجرس بخصوص ضرورة استمرار المساعدات رغم التحفظات الخاصة بصعود الإخوان
المسلمين. كانت حجتهم أن نسب البطالة العالية والمستمرة وخاصة وسط النساء والشباب
يمكن أن تقوض حكومة مرسي مما يسبب مزيد من عدم الاستقرار في مصر وما ورائها".
وبهذا تتضح بعض جوانب الصورة فمركزية المصالح الإسرائيلية في نظر الإدارة
الأميركية تجاه مصر يجعل من استمرار المساعدات ضرورة حفاظا على كامب دايفيد
والعلاقات العسكرية المصرية الأميركية أولا، وحفاظا أيضا على استقرار مصر، فأميركا
لا تريد أن تعاني مصر من مزيد من عدم الاستقرار أو البطالة أو الفقر مما قد يصل
لمستويات خطيرة تسبب تهديدا للمنطقة وخاصة إسرائيل.
وهنا يبدو كيف دارت العلاقات المصرية الأميركية حول محور إسرائيل لأكثر من ثلاثة
عقود، ويكاد الحديث عن طبيعة أخرى للعلاقات وعن رؤى مصرية وأميركية أخرى يندر أو
ينعدم – كما يظهر من التقرير على الأقل، لذا يبقى السؤال حول رؤية مصر لمصالحها مع
أميركا وكيفية إعادة صياغتها تحت حكم المدنيين.
فمن الواضح أن الاعتماد العسكري والاقتصادي المصري على أميركا سيستمر لفترة، لذا
يجب علينا أن نسأل أنفسنا إذا كنا راضين عن العلاقات في صورتها الحالية!؟ وإذا كنا
نرغب في صياغة العلاقات مع أميركا وهي الدولة العظمى الأهم حاليا في العالم في
اتجاه أخر يضمن مصالح الشعب المصري القريبة والبعيدة!؟ وكيف!؟
هل سيتبنى المسئولون المصريون الجدد رؤية
مختلفة لعلاقتهم مع أميركا تضمن تعظيم مصالحهم!؟ وكيف سيعلمون على تحقيقها في ظل
هيمنة المنظور الإسرائيلي على تلك العلاقات داخل واشنطن!؟ والله أعلم.
علاء بيومي
3 comments:
لماذا نضخم موضوع السفارة ، الاحتجاجات كانت أقل اذا قورن باليمن والسودان وتونس لماذا هذا التهويل المقصود أنظر الى مظاهرات سيدن أو بروكسل واسلام أباد وكشمير كانت مثل أو أكثر حدة من القاهرة الرئيس أوباما خرج يشكر رئيس اليمن رغم اقتحام السفارة وتدمير السيارات والشبابيك واضرام النيران ثم يتحفظ على مصر ويقول انها لا حليفة ولا عدوة أما ليبيا فرغم اغتيال السفير ورجال المخابرات الثلاثة الا أنه قال ان مظاهرات ليبيا كانت عفوية
يعطيك العافية
nice topic, well done
Post a Comment