عقيدة جورج دبليو بوش
بقلم: علاء بيومي
الناشر: الجزيرة نت، 4 مايو 2004، حقوق الطبع والنشر محفوظة للناشر
نص العرض
يتناول كتاب "عقيدة جورج دبليو بوش" للكاتب الأمريكي ستيفن مانسفيلد - والصادر في عام 2004 - السيرة الذاتية للرئيس الأمريكي الحالي جورج دبليو بوش، وخاصة فيما يتعلق بدور الدين في التأثير على شخصيته ومسيرته السياسية، والآمال التي يعقدها عليه اليمين الأمريكي المتدين خاصة في فترة ما بعد أحداث سبتمبر 2001
الجذور الدينية لجورج دبليو بوش
يبدأ الكتاب بمحاولة للبحث عن جذور التدين في عائلة الرئيس الحالي، ويشير المؤلف إلى أن جد الرئيس برسكت بوش - الذي انضم لعضوية مجلس الشيوخ لمدة عشر سنوات خلال الخمسينات وأوائل الستينات - تميز بالتزامه الأخلاقي القوي إلى حد وصف أصدقائه له بأنه "رجل الوصايا العشر"
وقد أثار برسكت بوش عاصفة سياسية في عام 1963 عندما انتقد حاكم نيويورك نيلسون روكفلر - والذي كان مرشحا للرئاسة في ذلك الحين - لأنه طلق زوجته بعد 32 عاما من الزواج، وتزوج امرأة صغيرة طلقت حديثا من زوجها
أما بوش الأب فقد مر بتجربة دينية هامة خلال مشاركته في الحرب العالمية الثانية عندما أسقطت طائرته وهو في مهمة ضد اليابان وأنقذته غواصات أمريكية بمعجزة، كما أن بوش الأب صديق للداعية الأمريكي المعروف جيري فالويل والذي يعد أحد أشهر قادة اليمين الأمريكي المتدين
كما حافظت باربرا بوش – أم الرئيس الحالي – على اصطحاب عائلتها للكنيسة بشكل منتظم، كما حافظت على دعوة بيلي جرام – والذي يعد أشهر قادة اليمين الأمريكي المتدين –لزيارة عائلتها بشكل منتظم
ولكن بوش الأب حافظ دائما على ثقافة سياسية صارمة تنظر إلى الدين على أنه أمر "شخصي" لا يجب مناقشته في الحياة العامة مما وضع حاجزا بينه وبين قوى اليمين الأمريكي الصاعدة سياسيا والتي مالت بعيدا عن بوش الأب خلال حملته للفوز بفترة رئاسة ثانية في عام 1992 في مواجهة مرشح الحزب الديمقراطي بيل كلينتون "سريع الدموع" ومرشح اليمين الأمريكي بات ربرتسون – وهو داعية معروف ومؤسس منظمة التحالف المسيحي
وحدث مرة أن سئل صحفيون بوش الأب عما كان يفكر فيه حين أسقطت طائرته خلال الحرب العالمية الثانية فقال "أبي وأمي، وبلدنا، والله ... وعن الفصل بين الدين والدولة"، وهي إجابة لم ترض بالطبع الجماعات اليمينية المتدينة
ثقافة النفط ورعاة البقر
هاجر بوش الأب في بداية حياته إلى ولاية تكساس لبناء حياة مستقلة بعيدا عن والده السيناتور ورجل الأعمال الثري بنيويورك، ورزق بوش الأب بجورج دبليو في عام 1946 أي بعد نهاية الحرب العالمية الثانية بعام واحد والتي شهدت انفتاح أمريكا على العالم وتحولها إلى قوة عالمية كبري، وهي خاصية ميزت جيل جورج دبليو كجيل لم يعرف سوى "القوة والسيادة الأمريكية"
ويقول ستيفن مانسفيلد أن وفاة روبين أخت جورج دبليو وهي في عمر الثالثة بسبب مرض سرطان الدم تركت أثرا كبيرا على عائلته وعليه، وإذ دفعت الوفاة جورج دبليو – وهو حين ذاك في السابعة من عمره - إلى الميل إلى الفكاهة والمزيح رغبة منه في التخفيف عن والديه حتى أصبح فكاهي الأسرة
كما تميز جورج دبليو في وسط زملائه بكونه طفل شهير رياضي كثير الحديث والتهكم على زملائه ومغرور في بعض الأحيان
كما تأثر جورج دبليو كثيرا بفترة تربيته الأولى في مدينة ميدلاند بولاية تكساس والتي امتزجت فيها صناعة البترول بثقافة رعاة البقر
إذ مرت ميدلاند خلال فترة نشأة جورج دبليو بتحول كبير من مدينة رعاة بقر إلى مدينة بترول تدفق عليها آلاف العمال والمهاجرين للاستفادة من صناعة البترول الجديدة، ولذا تميزت الحياة بميدلاند بكونها حياة صعبة يملئها العمال وصراعات الشوارع، وبها اختلاط اجتماعي كبير، وأفضل ما يمثلها – كما يقول المؤلف - هو صورة راعي بقر يرتدي بذلة عمل رسمية يرتدي معها قبعة وحذاء راعي بقر ويركب سيارة لموزين فارهة
كما شارك بوش الأب في بعض لجان الكنيسة المحلية وقامت باربرا بوش بخبز أطعمة للكنيسة وبتعليم الأطفال في مدرسة الأحد التي حضرها جورج دبليو بشكل منتظم
سنوات الضياع
بعد ثراء بوش الأب انتقل إلى مدينة كبيرة بولاية تكساس وهي هيوستن، ومع الانتقال بدأت متاعب جورج دبليو والذي ارتبط دائما بميدلاند
إذ سرعان ما فشل جورج دبليو في التأهل لأفضل مدارس هيوستن، وبدأ في رفض النظم التعليمية الصارمة، كما واجه صعوبة الخروج مع عباءة والده الناجح وذائع الصيت، ودخل خلال مراهقته مرحلة تجارب ثقافية وأخلاقية مستمرة تواكبت مع فترة الستينات والتي شهدت ثورة ثقافية وأخلاقية عمت المجتمع الأمريكي
وبعد تخرج جورج دبليو من الجامعة فشل في الالتحاق بإحدى جامعات تكساس لدراسة القانون وبدأ في حياة مضطربة إلى حد أنه حدث - خلال زيارة عائلة بوش الأب لواشنطن - أن خرج جورج دبليو لاحتساء الخمر واصطحب أخيه الصغير مارفين وكان عمره في ذلك الوقت 15 عاما، وعندما عادا إلى المنزل طلب بوش الأب من جورج دبليو تفسيرا لما حدث، فطلب جورج دبليو من أبيه أن ينازله رجل لرجل
وبعد ذلك ترك جورج دبليو منزل الأسرة لدراسة المال والأعمال بجامعة هارفرد، وخلال تلك الفترة صدرت دراسات تؤكد أن أعلى الوظائف أجرا هي في مجال البترول فعاد جورج دبليو إلى تكساس بعد التخرج
وفي عام 1977 تعرف جورج دبليو على لورا وتزوجها، ووضع أصدقاء بوش ومعارفه آمال عريضة على لورا - التي كاتب تعمل كمكتبية - لتنظيم حياة جورج دبليو والذي كانت تعرف شقته بأنها "ملقى النفايات السامة"، إشارة إلى ما يحتسى فيها من خمور وغير ذلك
وبعد الزواج نشط جورج دبليو في كنيسة لورا، وبدأ في تدريس أحد الفصول الدراسية بمدرسة يوم الأحد والمشاركة في لجان الكنيسة التطوعية، وأعجب جورج دبليو بكنيسة لورا (Methodist) لأنها كانت أقل تركيزا على الرسميات والعبادات الروتينية مقارنة بكنيسة عائلته (Episcopal)
وفي سن الحادية والثلاثين قرر جورج دبليو ترشيح نفسه للكونجرس ضد الديمقراطي كينت هانس والذي صور جورج دبليو – خلال سباق الانتخابات - على أنه شخص غير أخلاقي وغير متدين، خاصة بعد أن نشر أصدقاء جورج دبليو إعلانا يدعو لحضور مظاهرة مساندة له توزع فيها بيرة مجانية
وخسر جورج دبليو الانتخابات، ولكنه "لم ينسى الدرس" كما يقول المؤلف
وعاد إلى مجال النفط وظل يحفر أبار خاوية حتى وصل لسن الأربعين تقريبا وهو في عداد الفاشلين، ثم بدأ تحول كبير يطرأ على حياته
ولادة بوش دبليو من جديد
يقول ستيفن مانسفيد أن التغير في شخصية بوش بدأ خلال اجتماع عقد عام 1984 في إحدى كنائس ميدلاند مع القس أرثر بليسيت والذي كان يجوب العالم حاملا الصليب للدعوة إلى المسيحية، وفي عام 2002 كان أرثر بليسيت قد حمل الصليب لمسافة 40 ألف ميل زار فيها 284 دولة يدعو الناس إلى المسيحية في الطرقات ويتقابل مع قادة العالم
وحضر الآلاف من أهالي ميدلاند محاضرة بليسيت، وبعد المحاضرة طلب جورج دبليو - ابن نائب الرئيس الأمريكي في ذلك الحين – لقاء بليسيت والذي قبل الدعوة
وخلال اللقاء سئل جورج دبليو بليسيت عن كيفية معرفة المسيح وإتباعه، وظهر لجورج دبليو خلال النقاش أنه غير متأكد من موقفه من المسيحية، ولكنه مع نهاية اللقاء شعر بالرغبة في التوبة وطلب من بليسيت الدعاء له
وفي عام 1985 التقى جورج بوش مع بيلي جرام خلال عطلة صيفية لعائلة بوش في ولاية ماين، وخلال اللقاء دار حديث مؤثر بين جورج دبليو وجرام، وبعد اللقاء شعر جورج دبليو بأن قلبه بدأ يتغير
وسرعان ما بدأ جورج دبليو في قراءة الإنجيل والصلاة يوميا، وفي المشاركة في حلقة لدراسة الإنجيل مع بعض أصدقائه، وتوقف عن شرب الخمور، وبدأ الجميع يرون تحولا في حياة بوش على نحو أكثر جدية
سنوات التحول
في تلك الفترة كان جورج دبليو مازال يعمل في مجال استكشاف النفط، واحتلت شركته أربوستو في عام 1983 المرتبة رقم 993 بين شركات إنتاج النفط بولاية تكساس
وفي عام 1984 اتحدت أربوستو مع شركة أخرى هي سبكتروم 7، ولكن الشركة الجديدة لم تسر بشكل جيد، وفي عام 1986 اشترت شركة هاركين انرجي شركة سبكتروم 7 وأعطت جورج دبليو راتبا قدره 120 ألف دولار سنويا، وأسهم بمقدار نصف مليون دولار، الأمر الذي دفع البعض إلى القول بأن هاركين انرجي سعت لتوظيف بوش من أجل اسمه لكونه أحد أبناء نائب الرئيس
وبعد استلام جورج دبليو للعمل بقليل فازت هاركين انرجي بعقد كبير في دولة البحرين، وأرسلت جورج دبليو هناك نظرا لعلاقاته السياسية الواسعة، وفي عام 1990 قام ببيع أسهمه والتي وصل ثمنها لحوالي 850 ألف دولار قبل شهرين فقط من خسارة هاركين انرجي لعشرين مليون دولار، وتم إجراء تحقيق للنظر فيما إذا كان بوش قد علم مسبقا بخسارة الشركة، وأثبتت التحقيقات براءة جورج دبليو، ولكن الهيئة الرسمية التي أجرت التحقيق كان يرأسها أحد المساعدين السابقين لبوش الأب
وفي عام 1988 انتقل جورج دبليو إلى واشنطن لمساعدة والده في حملته الرئاسية، وهناك اكتسب خبرة واسعة، وساعد أبيه في التواصل مع الجماعات المسيحية المتدينة لكونه أحد أعضائها، وذلك خلال فترة شهدت صراعا سياسيا كبيرا على اجتذاب أصوات اليمين الأمريكي المتدين الصاعدة سياسيا
وبعد فوز بوش الأب بفترة رئاسته الأولى عاد جورج دبليو إلى تكساس وقام بشراء وإدارة أعمال فريق بيسبول محلي معروف
وفي عام 1992 خسر بوش الأب حملته للفوز بالرئاسة الأمريكية لفترة ثانية أمام المرشح الديمقراطي بيل كلينتون، وسادت الأحزان أسرة بوش
وفي عام 1993 قرر جورج دبليو ومساعده كارل روف خوض انتخابات حاكم ولاية تكساس وهو قرار عارضه فيه الجميع خوفا من وقوع انتكاسة إضافية للأسرة، ولكن جورج دبليو أصر على خوض الانتخابات، والتي فاز فيها
ويقول المؤلف أن الدين لعب دورا كبيرا في تمييز حملة جورج دبليو عن منافسته الديمقراطية آن ريتشاردز والتي حاولت تصوير جورج دبليو على أنه شاب سليل عائلة ثرية ومستهتر، مما دفع جورج دبليو إلى إضفاء طابع ديني قوي على حملته في مواجهة انتقادات منافسته الديمقراطية
الله دعا جورج دبليو لترشيح نفسه رئيسا لأمريكا
يقول ستيفن مانسفيد أن فكرة ترشيح جورج دبليو لنفسه للرئاسة جاءته أول مرة خلال حضوره صلاة بإحدى كنائس تكساس، وكان القس مارك كرايج يتحدث – في تلك الصلاة - عن قصة موسى (عليه السلام) ويقول أن موسى "تردد بعض الشيء في قبول دعوة الله له لقيادة الناس"، في حين أن الناس في أشد الاشتياق لقيادة تمتلك رؤية وشجاعة أخلاقية
خلال الصلاة شعر جورج دبليو بأن الدعوة كانت موجهة إليه، وذلك قبل أن تلتفت إليه أمه الجالسة بجواره وتقول له أن القس "كان يتحدث لك"، وبعد فترة قصيرة اتصل جورج دبليو بالقس جيمس روبيسون وقال له "لقد سمعت الدعوة. أعتقد أن الله يريدني أن أرشح نفسي للرئاسة"
وقام روبيسون بتنظيم لقاء جمع جورج دبليو في 15 ابريل 1999 مع عدد كبير من قادة اليمين المسيحي وبدأ في تقديمه لهم، والذين امتحنوه وتأكدوا أنه "ولد مرة أخرى"، وأنه ليس مجرد سياسي يتحدث إليهم بلغة يفهموها، وإنما هو واحد منهم، وبعد ذلك بدأ جورج دبليو يتلقى دعم قادة اليمين المتدين واحدا تلو الأخر حتى حاز على مساندة بات روبرتسون، وبعد ذلك بدأ جورج دبليو في حصد تأييد اليمين الأمريكي على أوسع نطاق
ويقول المؤلف أن ميل المحافظين - مثل المتزوجين وزوار الكنائس - لجورج دبليو كان واضحا خلال انتخابات عام 2000 إذ أعطوه أصواتهم بنسبة كبيرة مقارنة بمنافسه آل جور الذي حصد أصوات الفئات الأكثر ليبرالية مثل السيدات العاملات والأفراد الذين لا يحضرون الكنائس
كما أشار ستيفن مانسفيد إلى أن التدين في إدارة جورج دبليو لم يقتصر عليه، فكونداليزا ريس – رئيسة مجلس الأمن القومي – على سبيل المثال - هي ابنة قس، وجون أشكروفت وزير العدل هو عضو نشط بجماعة دينية معروفة، وإندرو كارد كبير موظفي البيت الأبيض متزوج من سيدة دين، ووزير التجارة دون إيفانز كان زميل بوش في حلقة لدراسة الإنجيل بتكساس
كما تحرص إدارة جورج دبليو على الصلاة يوميا بالبيت الأبيض، ويحرص جورج دبليو نفسه على قراءة الإنجيل وتدارسه كل يوم، وعلى عدم ترك الصلاة حتى وهو مسافر على متن طائرته الخاصة
كما تميزت سياسته بطابع ديني واضح سواء في مجال التعبير عن عقائده الدينية بشكل علني، أو فيما يتعلق بوضع قوانين تسمح للجماعات الخيرية الدينية بالتنافس على المنح الحكومية المقدمة في مجالات عملها
كما أثرت عقيدة بوش – كما يرى ستيفن مانسفيد – على سياسته الخارجية خاصة فيما يتعلق بسياسة أمريكا تجاه إسرائيل، ويشير مانسفيلد هنا إلى انقسام اليمين المتدين الأمريكي بخصوص سياسة أمريكا نحو إسرائيل إذ ترى فئات منهم أن إسرائيل الحالية لا تعبر عن إسرائيل الموجدة في العهد القديم، بينما يرى آخرون أن إسرائيل الحالية هي وريثة إسرائيل القديمة والتي هي أرض الميعاد التي تمتد من الفرات إلى البحر المتوسط ومن سيناء إلى جنوب لبنان
11 سبتمبر وموقف جورج دبليو من الإسلام
يقول ستيفن مانسفيد أن عبارات جورج دبليو عن الإسلام، خاصة فيما يتعلق بوصفه للإسلام على إنه "دين سلام" - خلال زيارة جورج دبليو للمركز الإسلامي بواشنطن في 17/9/2001 - أثارت عاصفة من النقد في أوساط اليمين المتدين إلى حد قول أحد رجال الدين "يمكننا أن نتحمل 11/9 ولكن لا يمكننا أن نتحمل 17/9"
كما انتقد اليمين المتدين موقف جورج دبليو من المسلمين الأمريكيين بعد أن مدحهم والتقى مع قادتهم
كما وقف قادة اليمين المتدين موقفا أكثر تشددا تجاه الإسلام والمسلمين بعد أحداث سبتمبر عبر عنه فرانكلين جرام - الذي ألقى دعاء افتتاح حفل تنصيب جورج دبليو وهو أيضا ابن القس بيلي جرام – وذلك خلال مقابلة أجرتها معه قناة NBC الأمريكية في 16 نوفمبر 2001 إذ قال "لا أعتقد أن هذا (الإسلام) دين رائع ومسالم .. عندما تقرأ القرآن فإنه يدعو لقتل الكفار وغير المسلمين ... من قاموا بالطيران في أبنية ليسوا طائفة مسيحية (ما). الهجوم كان على بلدنا من قبل أعضاء بالديانة الإسلامية". كما وصف جيري فالويل الرسول محمد (صلى الله عليه وسلم) بأنه "إرهابي ... رجل عنف ورجل حرب". مما أضطر جورج دبليو إلى إعادة التأكيد على موقفه من الإسلام أكثر من مرة
مخاوف وآمال اليمين الأمريكي المتدين
في الخاتمة يرى ستيفن مانسفيد أن اليمين الأمريكي المتدين يواجه ثلاث تحديات أساسية في الفترة الراهنة، وهي
أولا: تحدي تقديم حلول أخلاقية لأكبر عدد من مشاكل المجتمع والسياسة بالولايات المتحدة
ثانيا: مواجهة أثر التغير السكاني بفعل الهجرات وتأثيره على خريطة الأديان في أمريكا
ثالثا: مواجهة التحدي العقائدي الخارجي الذي مثلته القاعدة بعد أحداث سبتمبر 2001
ويرى مانسفيلد أن الآباء المؤسسين لأمريكا كانوا متدينين لم ينادوا بالفاصل الراهن بين السياسة والدين في الولايات المتحدة، إذ قدم بعضهم دعم حكومي للحملات التبشيرية وسط الهنود الحمر، وقاموا بطبع الإنجيل على نفقة الدولة، كما استخدمت المباني الحكومية ككنائس يوم الأحد
ولكن بعد قرن واحد من تأسيس أمريكا بدأ يحدث تغييرا واسعا في اتجاه معاكس لسببين، أولهما موجات الهجرة بعد الحرب الأهلية الأمريكية والتي أتت بجماعات دينية متعددة، وثانيا قرارات المحكمة العليا الأمريكية والتي سعت لحماية العبيد المحررين من خلال تطبيق قوانين فصل الدين عن الدولة على مستوى الولايات الأمريكية المختلفة
ومع تغير القوانين تغيرت الثقافة السياسية الأمريكية، و حرص رجال السياسة على فصل معتقداتهم عن حياتهم العامة والعملية فور وصولهم إلى الحكم
وفي العقود الأخيرة ومنذ ولاية جيمي كارتر للحكم على وجه التحديد - والذي كان متدينا وحريصا على التدريس بالكنيسة خلال فترة رئاسته - بدأ يحدث تحولا في اتجاه ضخ التدين في الحياة السياسية الأمريكية، وتبع كارتر رونالد ريجان و بيل كلينتون إلى حد ما خاصة مع صعود قوى اليمين الأمريكي المتدين سياسيا
ومع مجيء جورج دبليو بوش إلى الحكم في أوائل عام 2001 عقد اليمين المتدين أمالا واسعة عليه زادت بعد أحداث سبتمبر 2001
الناشر: الجزيرة نت، 4 مايو 2004، حقوق الطبع والنشر محفوظة للناشر
نص العرض
يتناول كتاب "عقيدة جورج دبليو بوش" للكاتب الأمريكي ستيفن مانسفيلد - والصادر في عام 2004 - السيرة الذاتية للرئيس الأمريكي الحالي جورج دبليو بوش، وخاصة فيما يتعلق بدور الدين في التأثير على شخصيته ومسيرته السياسية، والآمال التي يعقدها عليه اليمين الأمريكي المتدين خاصة في فترة ما بعد أحداث سبتمبر 2001
الجذور الدينية لجورج دبليو بوش
يبدأ الكتاب بمحاولة للبحث عن جذور التدين في عائلة الرئيس الحالي، ويشير المؤلف إلى أن جد الرئيس برسكت بوش - الذي انضم لعضوية مجلس الشيوخ لمدة عشر سنوات خلال الخمسينات وأوائل الستينات - تميز بالتزامه الأخلاقي القوي إلى حد وصف أصدقائه له بأنه "رجل الوصايا العشر"
وقد أثار برسكت بوش عاصفة سياسية في عام 1963 عندما انتقد حاكم نيويورك نيلسون روكفلر - والذي كان مرشحا للرئاسة في ذلك الحين - لأنه طلق زوجته بعد 32 عاما من الزواج، وتزوج امرأة صغيرة طلقت حديثا من زوجها
أما بوش الأب فقد مر بتجربة دينية هامة خلال مشاركته في الحرب العالمية الثانية عندما أسقطت طائرته وهو في مهمة ضد اليابان وأنقذته غواصات أمريكية بمعجزة، كما أن بوش الأب صديق للداعية الأمريكي المعروف جيري فالويل والذي يعد أحد أشهر قادة اليمين الأمريكي المتدين
كما حافظت باربرا بوش – أم الرئيس الحالي – على اصطحاب عائلتها للكنيسة بشكل منتظم، كما حافظت على دعوة بيلي جرام – والذي يعد أشهر قادة اليمين الأمريكي المتدين –لزيارة عائلتها بشكل منتظم
ولكن بوش الأب حافظ دائما على ثقافة سياسية صارمة تنظر إلى الدين على أنه أمر "شخصي" لا يجب مناقشته في الحياة العامة مما وضع حاجزا بينه وبين قوى اليمين الأمريكي الصاعدة سياسيا والتي مالت بعيدا عن بوش الأب خلال حملته للفوز بفترة رئاسة ثانية في عام 1992 في مواجهة مرشح الحزب الديمقراطي بيل كلينتون "سريع الدموع" ومرشح اليمين الأمريكي بات ربرتسون – وهو داعية معروف ومؤسس منظمة التحالف المسيحي
وحدث مرة أن سئل صحفيون بوش الأب عما كان يفكر فيه حين أسقطت طائرته خلال الحرب العالمية الثانية فقال "أبي وأمي، وبلدنا، والله ... وعن الفصل بين الدين والدولة"، وهي إجابة لم ترض بالطبع الجماعات اليمينية المتدينة
ثقافة النفط ورعاة البقر
هاجر بوش الأب في بداية حياته إلى ولاية تكساس لبناء حياة مستقلة بعيدا عن والده السيناتور ورجل الأعمال الثري بنيويورك، ورزق بوش الأب بجورج دبليو في عام 1946 أي بعد نهاية الحرب العالمية الثانية بعام واحد والتي شهدت انفتاح أمريكا على العالم وتحولها إلى قوة عالمية كبري، وهي خاصية ميزت جيل جورج دبليو كجيل لم يعرف سوى "القوة والسيادة الأمريكية"
ويقول ستيفن مانسفيلد أن وفاة روبين أخت جورج دبليو وهي في عمر الثالثة بسبب مرض سرطان الدم تركت أثرا كبيرا على عائلته وعليه، وإذ دفعت الوفاة جورج دبليو – وهو حين ذاك في السابعة من عمره - إلى الميل إلى الفكاهة والمزيح رغبة منه في التخفيف عن والديه حتى أصبح فكاهي الأسرة
كما تميز جورج دبليو في وسط زملائه بكونه طفل شهير رياضي كثير الحديث والتهكم على زملائه ومغرور في بعض الأحيان
كما تأثر جورج دبليو كثيرا بفترة تربيته الأولى في مدينة ميدلاند بولاية تكساس والتي امتزجت فيها صناعة البترول بثقافة رعاة البقر
إذ مرت ميدلاند خلال فترة نشأة جورج دبليو بتحول كبير من مدينة رعاة بقر إلى مدينة بترول تدفق عليها آلاف العمال والمهاجرين للاستفادة من صناعة البترول الجديدة، ولذا تميزت الحياة بميدلاند بكونها حياة صعبة يملئها العمال وصراعات الشوارع، وبها اختلاط اجتماعي كبير، وأفضل ما يمثلها – كما يقول المؤلف - هو صورة راعي بقر يرتدي بذلة عمل رسمية يرتدي معها قبعة وحذاء راعي بقر ويركب سيارة لموزين فارهة
كما شارك بوش الأب في بعض لجان الكنيسة المحلية وقامت باربرا بوش بخبز أطعمة للكنيسة وبتعليم الأطفال في مدرسة الأحد التي حضرها جورج دبليو بشكل منتظم
سنوات الضياع
بعد ثراء بوش الأب انتقل إلى مدينة كبيرة بولاية تكساس وهي هيوستن، ومع الانتقال بدأت متاعب جورج دبليو والذي ارتبط دائما بميدلاند
إذ سرعان ما فشل جورج دبليو في التأهل لأفضل مدارس هيوستن، وبدأ في رفض النظم التعليمية الصارمة، كما واجه صعوبة الخروج مع عباءة والده الناجح وذائع الصيت، ودخل خلال مراهقته مرحلة تجارب ثقافية وأخلاقية مستمرة تواكبت مع فترة الستينات والتي شهدت ثورة ثقافية وأخلاقية عمت المجتمع الأمريكي
وبعد تخرج جورج دبليو من الجامعة فشل في الالتحاق بإحدى جامعات تكساس لدراسة القانون وبدأ في حياة مضطربة إلى حد أنه حدث - خلال زيارة عائلة بوش الأب لواشنطن - أن خرج جورج دبليو لاحتساء الخمر واصطحب أخيه الصغير مارفين وكان عمره في ذلك الوقت 15 عاما، وعندما عادا إلى المنزل طلب بوش الأب من جورج دبليو تفسيرا لما حدث، فطلب جورج دبليو من أبيه أن ينازله رجل لرجل
وبعد ذلك ترك جورج دبليو منزل الأسرة لدراسة المال والأعمال بجامعة هارفرد، وخلال تلك الفترة صدرت دراسات تؤكد أن أعلى الوظائف أجرا هي في مجال البترول فعاد جورج دبليو إلى تكساس بعد التخرج
وفي عام 1977 تعرف جورج دبليو على لورا وتزوجها، ووضع أصدقاء بوش ومعارفه آمال عريضة على لورا - التي كاتب تعمل كمكتبية - لتنظيم حياة جورج دبليو والذي كانت تعرف شقته بأنها "ملقى النفايات السامة"، إشارة إلى ما يحتسى فيها من خمور وغير ذلك
وبعد الزواج نشط جورج دبليو في كنيسة لورا، وبدأ في تدريس أحد الفصول الدراسية بمدرسة يوم الأحد والمشاركة في لجان الكنيسة التطوعية، وأعجب جورج دبليو بكنيسة لورا (Methodist) لأنها كانت أقل تركيزا على الرسميات والعبادات الروتينية مقارنة بكنيسة عائلته (Episcopal)
وفي سن الحادية والثلاثين قرر جورج دبليو ترشيح نفسه للكونجرس ضد الديمقراطي كينت هانس والذي صور جورج دبليو – خلال سباق الانتخابات - على أنه شخص غير أخلاقي وغير متدين، خاصة بعد أن نشر أصدقاء جورج دبليو إعلانا يدعو لحضور مظاهرة مساندة له توزع فيها بيرة مجانية
وخسر جورج دبليو الانتخابات، ولكنه "لم ينسى الدرس" كما يقول المؤلف
وعاد إلى مجال النفط وظل يحفر أبار خاوية حتى وصل لسن الأربعين تقريبا وهو في عداد الفاشلين، ثم بدأ تحول كبير يطرأ على حياته
ولادة بوش دبليو من جديد
يقول ستيفن مانسفيد أن التغير في شخصية بوش بدأ خلال اجتماع عقد عام 1984 في إحدى كنائس ميدلاند مع القس أرثر بليسيت والذي كان يجوب العالم حاملا الصليب للدعوة إلى المسيحية، وفي عام 2002 كان أرثر بليسيت قد حمل الصليب لمسافة 40 ألف ميل زار فيها 284 دولة يدعو الناس إلى المسيحية في الطرقات ويتقابل مع قادة العالم
وحضر الآلاف من أهالي ميدلاند محاضرة بليسيت، وبعد المحاضرة طلب جورج دبليو - ابن نائب الرئيس الأمريكي في ذلك الحين – لقاء بليسيت والذي قبل الدعوة
وخلال اللقاء سئل جورج دبليو بليسيت عن كيفية معرفة المسيح وإتباعه، وظهر لجورج دبليو خلال النقاش أنه غير متأكد من موقفه من المسيحية، ولكنه مع نهاية اللقاء شعر بالرغبة في التوبة وطلب من بليسيت الدعاء له
وفي عام 1985 التقى جورج بوش مع بيلي جرام خلال عطلة صيفية لعائلة بوش في ولاية ماين، وخلال اللقاء دار حديث مؤثر بين جورج دبليو وجرام، وبعد اللقاء شعر جورج دبليو بأن قلبه بدأ يتغير
وسرعان ما بدأ جورج دبليو في قراءة الإنجيل والصلاة يوميا، وفي المشاركة في حلقة لدراسة الإنجيل مع بعض أصدقائه، وتوقف عن شرب الخمور، وبدأ الجميع يرون تحولا في حياة بوش على نحو أكثر جدية
سنوات التحول
في تلك الفترة كان جورج دبليو مازال يعمل في مجال استكشاف النفط، واحتلت شركته أربوستو في عام 1983 المرتبة رقم 993 بين شركات إنتاج النفط بولاية تكساس
وفي عام 1984 اتحدت أربوستو مع شركة أخرى هي سبكتروم 7، ولكن الشركة الجديدة لم تسر بشكل جيد، وفي عام 1986 اشترت شركة هاركين انرجي شركة سبكتروم 7 وأعطت جورج دبليو راتبا قدره 120 ألف دولار سنويا، وأسهم بمقدار نصف مليون دولار، الأمر الذي دفع البعض إلى القول بأن هاركين انرجي سعت لتوظيف بوش من أجل اسمه لكونه أحد أبناء نائب الرئيس
وبعد استلام جورج دبليو للعمل بقليل فازت هاركين انرجي بعقد كبير في دولة البحرين، وأرسلت جورج دبليو هناك نظرا لعلاقاته السياسية الواسعة، وفي عام 1990 قام ببيع أسهمه والتي وصل ثمنها لحوالي 850 ألف دولار قبل شهرين فقط من خسارة هاركين انرجي لعشرين مليون دولار، وتم إجراء تحقيق للنظر فيما إذا كان بوش قد علم مسبقا بخسارة الشركة، وأثبتت التحقيقات براءة جورج دبليو، ولكن الهيئة الرسمية التي أجرت التحقيق كان يرأسها أحد المساعدين السابقين لبوش الأب
وفي عام 1988 انتقل جورج دبليو إلى واشنطن لمساعدة والده في حملته الرئاسية، وهناك اكتسب خبرة واسعة، وساعد أبيه في التواصل مع الجماعات المسيحية المتدينة لكونه أحد أعضائها، وذلك خلال فترة شهدت صراعا سياسيا كبيرا على اجتذاب أصوات اليمين الأمريكي المتدين الصاعدة سياسيا
وبعد فوز بوش الأب بفترة رئاسته الأولى عاد جورج دبليو إلى تكساس وقام بشراء وإدارة أعمال فريق بيسبول محلي معروف
وفي عام 1992 خسر بوش الأب حملته للفوز بالرئاسة الأمريكية لفترة ثانية أمام المرشح الديمقراطي بيل كلينتون، وسادت الأحزان أسرة بوش
وفي عام 1993 قرر جورج دبليو ومساعده كارل روف خوض انتخابات حاكم ولاية تكساس وهو قرار عارضه فيه الجميع خوفا من وقوع انتكاسة إضافية للأسرة، ولكن جورج دبليو أصر على خوض الانتخابات، والتي فاز فيها
ويقول المؤلف أن الدين لعب دورا كبيرا في تمييز حملة جورج دبليو عن منافسته الديمقراطية آن ريتشاردز والتي حاولت تصوير جورج دبليو على أنه شاب سليل عائلة ثرية ومستهتر، مما دفع جورج دبليو إلى إضفاء طابع ديني قوي على حملته في مواجهة انتقادات منافسته الديمقراطية
الله دعا جورج دبليو لترشيح نفسه رئيسا لأمريكا
يقول ستيفن مانسفيد أن فكرة ترشيح جورج دبليو لنفسه للرئاسة جاءته أول مرة خلال حضوره صلاة بإحدى كنائس تكساس، وكان القس مارك كرايج يتحدث – في تلك الصلاة - عن قصة موسى (عليه السلام) ويقول أن موسى "تردد بعض الشيء في قبول دعوة الله له لقيادة الناس"، في حين أن الناس في أشد الاشتياق لقيادة تمتلك رؤية وشجاعة أخلاقية
خلال الصلاة شعر جورج دبليو بأن الدعوة كانت موجهة إليه، وذلك قبل أن تلتفت إليه أمه الجالسة بجواره وتقول له أن القس "كان يتحدث لك"، وبعد فترة قصيرة اتصل جورج دبليو بالقس جيمس روبيسون وقال له "لقد سمعت الدعوة. أعتقد أن الله يريدني أن أرشح نفسي للرئاسة"
وقام روبيسون بتنظيم لقاء جمع جورج دبليو في 15 ابريل 1999 مع عدد كبير من قادة اليمين المسيحي وبدأ في تقديمه لهم، والذين امتحنوه وتأكدوا أنه "ولد مرة أخرى"، وأنه ليس مجرد سياسي يتحدث إليهم بلغة يفهموها، وإنما هو واحد منهم، وبعد ذلك بدأ جورج دبليو يتلقى دعم قادة اليمين المتدين واحدا تلو الأخر حتى حاز على مساندة بات روبرتسون، وبعد ذلك بدأ جورج دبليو في حصد تأييد اليمين الأمريكي على أوسع نطاق
ويقول المؤلف أن ميل المحافظين - مثل المتزوجين وزوار الكنائس - لجورج دبليو كان واضحا خلال انتخابات عام 2000 إذ أعطوه أصواتهم بنسبة كبيرة مقارنة بمنافسه آل جور الذي حصد أصوات الفئات الأكثر ليبرالية مثل السيدات العاملات والأفراد الذين لا يحضرون الكنائس
كما أشار ستيفن مانسفيد إلى أن التدين في إدارة جورج دبليو لم يقتصر عليه، فكونداليزا ريس – رئيسة مجلس الأمن القومي – على سبيل المثال - هي ابنة قس، وجون أشكروفت وزير العدل هو عضو نشط بجماعة دينية معروفة، وإندرو كارد كبير موظفي البيت الأبيض متزوج من سيدة دين، ووزير التجارة دون إيفانز كان زميل بوش في حلقة لدراسة الإنجيل بتكساس
كما تحرص إدارة جورج دبليو على الصلاة يوميا بالبيت الأبيض، ويحرص جورج دبليو نفسه على قراءة الإنجيل وتدارسه كل يوم، وعلى عدم ترك الصلاة حتى وهو مسافر على متن طائرته الخاصة
كما تميزت سياسته بطابع ديني واضح سواء في مجال التعبير عن عقائده الدينية بشكل علني، أو فيما يتعلق بوضع قوانين تسمح للجماعات الخيرية الدينية بالتنافس على المنح الحكومية المقدمة في مجالات عملها
كما أثرت عقيدة بوش – كما يرى ستيفن مانسفيد – على سياسته الخارجية خاصة فيما يتعلق بسياسة أمريكا تجاه إسرائيل، ويشير مانسفيلد هنا إلى انقسام اليمين المتدين الأمريكي بخصوص سياسة أمريكا نحو إسرائيل إذ ترى فئات منهم أن إسرائيل الحالية لا تعبر عن إسرائيل الموجدة في العهد القديم، بينما يرى آخرون أن إسرائيل الحالية هي وريثة إسرائيل القديمة والتي هي أرض الميعاد التي تمتد من الفرات إلى البحر المتوسط ومن سيناء إلى جنوب لبنان
11 سبتمبر وموقف جورج دبليو من الإسلام
يقول ستيفن مانسفيد أن عبارات جورج دبليو عن الإسلام، خاصة فيما يتعلق بوصفه للإسلام على إنه "دين سلام" - خلال زيارة جورج دبليو للمركز الإسلامي بواشنطن في 17/9/2001 - أثارت عاصفة من النقد في أوساط اليمين المتدين إلى حد قول أحد رجال الدين "يمكننا أن نتحمل 11/9 ولكن لا يمكننا أن نتحمل 17/9"
كما انتقد اليمين المتدين موقف جورج دبليو من المسلمين الأمريكيين بعد أن مدحهم والتقى مع قادتهم
كما وقف قادة اليمين المتدين موقفا أكثر تشددا تجاه الإسلام والمسلمين بعد أحداث سبتمبر عبر عنه فرانكلين جرام - الذي ألقى دعاء افتتاح حفل تنصيب جورج دبليو وهو أيضا ابن القس بيلي جرام – وذلك خلال مقابلة أجرتها معه قناة NBC الأمريكية في 16 نوفمبر 2001 إذ قال "لا أعتقد أن هذا (الإسلام) دين رائع ومسالم .. عندما تقرأ القرآن فإنه يدعو لقتل الكفار وغير المسلمين ... من قاموا بالطيران في أبنية ليسوا طائفة مسيحية (ما). الهجوم كان على بلدنا من قبل أعضاء بالديانة الإسلامية". كما وصف جيري فالويل الرسول محمد (صلى الله عليه وسلم) بأنه "إرهابي ... رجل عنف ورجل حرب". مما أضطر جورج دبليو إلى إعادة التأكيد على موقفه من الإسلام أكثر من مرة
مخاوف وآمال اليمين الأمريكي المتدين
في الخاتمة يرى ستيفن مانسفيد أن اليمين الأمريكي المتدين يواجه ثلاث تحديات أساسية في الفترة الراهنة، وهي
أولا: تحدي تقديم حلول أخلاقية لأكبر عدد من مشاكل المجتمع والسياسة بالولايات المتحدة
ثانيا: مواجهة أثر التغير السكاني بفعل الهجرات وتأثيره على خريطة الأديان في أمريكا
ثالثا: مواجهة التحدي العقائدي الخارجي الذي مثلته القاعدة بعد أحداث سبتمبر 2001
ويرى مانسفيلد أن الآباء المؤسسين لأمريكا كانوا متدينين لم ينادوا بالفاصل الراهن بين السياسة والدين في الولايات المتحدة، إذ قدم بعضهم دعم حكومي للحملات التبشيرية وسط الهنود الحمر، وقاموا بطبع الإنجيل على نفقة الدولة، كما استخدمت المباني الحكومية ككنائس يوم الأحد
ولكن بعد قرن واحد من تأسيس أمريكا بدأ يحدث تغييرا واسعا في اتجاه معاكس لسببين، أولهما موجات الهجرة بعد الحرب الأهلية الأمريكية والتي أتت بجماعات دينية متعددة، وثانيا قرارات المحكمة العليا الأمريكية والتي سعت لحماية العبيد المحررين من خلال تطبيق قوانين فصل الدين عن الدولة على مستوى الولايات الأمريكية المختلفة
ومع تغير القوانين تغيرت الثقافة السياسية الأمريكية، و حرص رجال السياسة على فصل معتقداتهم عن حياتهم العامة والعملية فور وصولهم إلى الحكم
وفي العقود الأخيرة ومنذ ولاية جيمي كارتر للحكم على وجه التحديد - والذي كان متدينا وحريصا على التدريس بالكنيسة خلال فترة رئاسته - بدأ يحدث تحولا في اتجاه ضخ التدين في الحياة السياسية الأمريكية، وتبع كارتر رونالد ريجان و بيل كلينتون إلى حد ما خاصة مع صعود قوى اليمين الأمريكي المتدين سياسيا
ومع مجيء جورج دبليو بوش إلى الحكم في أوائل عام 2001 عقد اليمين المتدين أمالا واسعة عليه زادت بعد أحداث سبتمبر 2001