Wednesday, April 20, 2011

القنوط الأميركي من اليمن ونظامه

قراءة في أحدث تقارير خدمة أبحاث الكونجرس عن اليمن الصادر في 22 مارس 2011
تحت عنوان "اليمن: خلفية والعلاقات الأميركية"


بقلم: علاء بيومي

نص المقال:

أحدث تقارير "خدمة أبحاث الكونجرس" بخصوص اليمن وموقف أميركا تجاه ما يجري هناك يكشف – من وجهة نظري - عن حالة مقلقة مما يمكن وصفه "بالقنوط" الأميركي من اليمن وأزمته الراهنة ونظامه الحكم.

سبب القنوط الأميركي – كما يتضح من التقرير الصادر في 22 مارس الماضي - هو نظرة أميركا بشكل عام لليمن وعلاقتها به في الوقت الحاضر، وهي نظرة ذات جذور عميقة بشكل يصعب تغييره في المستقبل المنظور.

علاقة أمنية

التقرير المكتوب من وجهة نظر أميركية يرى أن مصالح أميركا الإستراتيجية في اليمن قليلة، فلا توجد مصالح اقتصادية أو عسكرية كبيرة لأميركا في اليمن، فالتعاون العسكري محدود، وسلاح اليمن روسي وصيني بالأساس، كما يفتقر اليمن للثروات الاقتصادية التي يتمتع بها جيرانه الخليجيون – حلفاء أميركا.

ويزيد الأمر تعقيدا ضعف العلاقات السياسية بين أميركا ونظام علي عبد الله صالح، حيث يشير التقرير إلى أن دعم صالح لغزو صدام حسين للكويت أضر بعلاقات اليمن بدول الخليج وأميركا خلال التسعينيات مما أضعف العلاقات السياسية بين اليمن وأميركا لدرجة كبيرة.

ولم تعد اليمن إلى الأجندة السياسية الأميركية إلا في عام 2000 وبسبب حادثة الهجوم على السفينة الحربية الأميركية "كول" قرب سواحل اليمن، ثم تعاونت أميركا واليمن بعد أحداث سبتمبر 2001 فيما يعرف بالحرب على الإرهاب.

وهذا يعني أن اليمن عادت إلى الأجندة السياسية الأميركية لأسباب أمنية بالأساس، وأن قضايا الأمن – وعلى رأسها القاعدة - هي المحفز الرئيسي لعلاقة أميركا باليمن في الوقت الراهن.

لذا تزايد هذا التحالف بعد نشاط القاعدة في اليمن وتهديدها للأراضي الأميركية منذ عام 2009، لذا ضاعفت أميركا مساعداتها لليمن، ولكن تلك المساعدات (290 مليون دولار إجمالي مساعدات عسكرية واقتصادية في عام 2010) تبقى أقل كثيرا من التي تحصل عليها دول عربية حليفة لأميركا في المنطقة وعلى رأسها مصر والأردن والسلطة الوطنية الفلسطينية.

أزمة ثقة

المشكلة هنا أنه حتى تعاون أميركا مع اليمن ضد القاعدة تواجهه تحديات كبيرة، فمنذ البداية ترى أميركا – وفقا للتقرير – أن خطر القاعدة باليمن أقل كثيرا من خطره في دول أخرى تشغل أميركا حاليا أكثر، وعلى رأس تلك الدول بلدان كأفغانستان وباكستان والعراق، وهذا يعني احتلال اليمن أولوية متأخرة على قائمة مواجهات أميركا ضد القاعدة.

ثانيا: يقول التقرير أن هناك انقسام وسط الأميركيين حول درجة خطورة القاعدة في اليمن، حيث يخشى البعض من أن يكون اهتمام أميركا بالقاعدة في اليمن مجرد "تسرع" سرعان ما يخفو، وأن تظل سياسة أميركا نحو اليمن متذبذبة دون وعي كافي.

ويرى هؤلاء أن القاعدة في اليمن تجد دعما محليا بسبب تقاليد القبائل اليمنية التي تحض على إيواء وحماية أبنائها وجيرانها إذا لجئوا إليها، وأن هذا لا يعني بالضرورة أن اليمنيين يدعمون القاعدة، كما يرى أصحاب هذا التوجه أن القبائل اليمنية تتمتع بقدر كبير من البرجماتية وأنها سوف تلفظ القاعدة إذا مثلت عبئا عليها أو حاولت التدخل في شئونها، ويرى هؤلاء أن على أميركا التعامل مع القاعدة في اليمن بهدوء وتريث وعلى مدى طويل.

ثالثا: هناك شعور – يتكرر عبر التقرير - بضعف الثقة في الحكومة اليمنية، وذلك إلى درجة اعتقاد كثير من المحللين الأميركيين – كما يقول التقرير – بأن "الرئيس صالح دعم شعار "الحرب على الإرهاب" من أجل أن يجذب أميركا بالقرب من اليمن وأن يحصل على أكبر قدر ممكن من الدعم العسكري والاستخباراتي".

وتعود عدم الثقة هذه لأسباب عديدة تمثل أحد أهم خلاصات التقرير، والذي يقول أن الحكومة اليمنية عبرت بشكل مستمر عن مواقف معارضة لأميركا، وأنها دعمت إسلاميين مسلحين – وخاصة العرب الأفغان – بشكل متكرر، ومازالت تحمي بعضهم، وأنها تعاني من عدم الشفافية والفساد، وتعاني أيضا من السلطوية والديكتاتورية.

بمعني أخر يسود اعتقاد لدى المسئولين الأميركيين – وفقا للتقرير – بصعوبة مساعدة اليمن وبغياب شريك يمني رسمي يمكن الاعتماد عليه، وهنا يقول التقرير أن "الولايات المتحدة دخلت في شراكة مع الرئيس صالح وقواته الأمنية لعدم وجود بدائل أخرى ذات مصداقية في الوقت الراهن".

رابعا: يعطي التقرير انطباعا هاما وخطيرا بقنوط أميركا أمام مشاكل اليمن الكبيرة، فأميركا كما ذكرنا في السابق لا ترى أن لديها مصالح اقتصادية أو عسكرية كبيرة في اليمن، بل ترى على النقيض أن اليمن عبئ ومليء بالمشكلات المتدهور والمرشحة للانفجار.

وهنا يظهر مصطلح الدولة الفاشلة، ويطل برأسه على مساحات واسعة للتقرير.

مشاكل اليمن

إذ يرصد التقرير مشاكل اليمن العديدة والصعبة للغاية، وعلى رأسها نشاط القاعدة المتزايد على أراضيها، والحرب مع الحوثيين، والحراك الجنوبي الهادف إلى تحقيق أكبر قدر من الحكم الذاتي أو الانفصال.

ويفرد التقرير مساحات واسعة للحديث عن المشكلات السابقة، ويعطي الاهتمام الأكبر للقاعدة في اليمن، حيث يهتم بتاريخها وقاداتها وقدراتها المحتملة.

وفي كل مناسبة يؤكد التقرير على التحديات الراهنة التي تواجه اليمن على كل جبهة من الجبهات السابقة، وكيف أن كل جبهة مازالت مرشحة لمزيد من التدهور، فالقاعدة – وفقا للتقرير – تحتوي على خلية دولية تخطط لهجمات خارجية بهدوء، والحوثيون في صعدة يشعرون بالتهميش وبأن الدولة لم تحقق مطالبهم، والحراك الجنوبي يشعر أيضا بظلم النظام والشمال وبالتهميش.

ويقول التقرير أن المشاكل السابقة على رغم من أهميتها تبدو أقل أهمية إذا قورنت بمشاكل اليمن الاقتصادية، وعلى رأسها تراجع عائدات النفط بشكل مستمر وتوقع نضوبه، وتكاليف الدعم (على سبيل المثال يستهلك دعم المحروقات 11% من الدخل القومي) والوظائف الحكومية التي ترهق الميزانية (35% من الاستهلاك الداخلي يذهب لمرتبات موظفي القطاع العام)، وشح المياه (يبلغ عجز مياه الشرب مليار متر مربع سنويا) وارتفاع تكاليف توفير مزيد منه في المستقبل.

أضف إلى ذلك القات وما يترتب عليه من مشاكل اقتصادية واجتماعية وتنموية، حيث يهدر فرص يمنية عديدة للتقدم والتنمية لكونه يلتهم باستمرار دخول وأوقات اليمنيين، وهنا يشير التقرير إلى أن زراعة القات تستهلك 40% من مصادر المياه التي تذهب للزراعة، وإلى أنه يستهلك 10-30% من دخول اليمنيين وحوالي 90% من أوقات فراغهم.

كما ينتقد التقرير الرئيس اليمني لوضعه عدد كبير من أفراد عائلته في مناصب حكومية كبيرة، حيث يشير إلى تقدير مؤسسة أميركية يقول أن صالح وضع 34 من أقربائه في مناصب حكومية وعسكرية رفيعة.

وهنا يبدو – من التقرير – أن أميركا تخشى من تحول اليمن لدولة فاشلة على غرار الصومال وما قد يترتب على ذلك من تحديات أمنية دولية لأميركا (بسبب القاعدة) ولدول الخليج (بسبب القاعدة والنازحين)، وربما للعالم (بسبب مخاوف من انتشار أعمال القرصنة وتهريب الأسلحة وتهديد حركة نقل النفط عبر باب المندب).

وبهذا يتحول اليمن من شريك استراتيجي لأميركا – كحال بعض دول الخليج – إلى دولة عبئ تهرب منها أميركا على غرار الصومال وغيرها من الدول التي تعاني من مشاكل صعبة ولا تتمتع بمزايا إستراتيجية.

الموقف من صالح

نتيجة لما سبق تبدو أميركا قانطة من اليمن، وتفضل التعاون معه على ثلاثة مستويات أساسية، أولها التعاون القريب مع اليمن في مكافحة القاعدة، من خلال التعاون الاستخباراتي وتقديم مساعدات عسكرية (تبدو محدودة) لليمن، وتعاون الطرفين في القضاء على قادة القاعدة.

على مستوى ثاني تريد أميركا تقديم بعض المساعدات الاقتصادية لليمن على المستوى الطويل والمتوسط لدعم التنمية.

على مستوى ثالث تريد أميركا التعاون مع حلفائها في الخليج وفي أوربا لدعم اليمين، وهنا تظهر الرغبة الأميركية في عدم تحمل عبئ اليمن وحدها، وكيف أنها تبحث عن تعاون دولي في اليمن، وربما تفضل تقليص دورها لصالح دور دولي وإقليمي قوي.

فأميركا تشعر – كما يظهر التقرير – بوجود رفض شعبي لمزيد من التوغل والدور الأميركي، كما أن أميركا نفسها ترى أن لديها أولويات أخرى وأن مصالحها الإستراتيجية في اليمن – فيما عدا قضايا الأمن – ضعيفة، كما تشعر الحكومة الأميركية "بمحدودية معرفتها بالوضع السياسي الداخلي في اليمن".

لذا – وبناء على ما سبق – تفضل أميركا تشجيع دور إقليمي لدول الخليج وعلى رأسهم السعودية في اليمن على أن تأخذ أميركا مقعد خلفي وراء تلك الدول في الجوانب غير الأمنية.

كما تبدو أميركا منفتحة على يمن بلا علي عبد الله صالح، وهنا يقول التقرير أن استمرار الوضع السياسي القائم في اليمن أو تدهوره سوف يدفع إدارة أوباما للشعور "بالخوف من غياب شريك يمني قادر على التحرك في فترة وجيزة إذا تم كشف تهديد إرهابي".

ويتحدث التقرير نفسه – عند تناوله للأزمة السياسية الحالية – عن ثلاثة قيادات يرى أنها مرشحة (بشكل محتمل) لقيادة اليمن بعد صالح، وعلى رأسها صادق الأحمر، وحميد الأحمر، وعلى محسن، ويبدي التقرير بعض الشكوك الأميركية نحو محسن بسبب علاقته بالإسلاميين (كما يقول التقرير)، ويذكر التقرير أيضا أن عائلة الأحمر تتمتع "بقبول السعودية، ولكن بعض شباب المتظاهرين يعارضون ترشيح حميد الأحمر ويبحثون عن قيادات جديدة.

وبهذا تبقى أميركا منفتحة على مرحلة ما بعد صالح وعلى البدائل السياسية المقترحة، ولكنها تبدو أيضا قانطة من مشاكل اليمن وخائفة من المستقبل ومن أي تحدي قد يعرض البلاد لمزيد من عدم الاستقرار أو قد يفاقم مشكلاته في الوقت الراهن.

وهنا يقول التقرير أن "قادة الدول الغربية والسعودية يخشون من أن تخلي (صالح) عن السلطة أو الإطاحة به سوف يترك فراغ سلطة ويهدد التعاون ضد القاعدة في شبه الجزيرة العربية ... وفي جميع الاحتمالات سوف يواجه أي رئيس يمني مستقبلي تحديات اجتماعية واقتصادية طاغية والتي سوف تحد من فعالية أحسن الحكومات نية".

في النهاية لا ننسى أن نؤكد على أننا لا ندعم وجهة نظر التقرير بالضرورة، وأن التقرير يعبر بالأساس عن وجهة نظر أميركية، وأننا حرصنا على عرضه بأكبر قدر من الموضوعية لأهميته ولإجلاء مضمونه للمعنيين بالقضية اليمنية.

يمكن نشر المقال مع الإشارة إلى مصدره: www.alaabayoumi.com

----

للإطلاع على النص الكامل للتقرير، يرجى زيارة: http://www.fas.org/sgp/crs/mideast/RL34170.pdf

Thursday, April 14, 2011

أميركا بين التعاطف مع الحقوق السياسية لشيعة البحرين والخوف من صعودهم

قراءة في أحدث تقارير خدمة دراسات الكونجرس الصادر في 21 مارس 2011 تحت عنوان "البحرين: الإصلاح والأمن والسياسة الأميركية"

مقال بقلم: علاء بيومي

يمكن نشر المقال مع الإشارة إلى مصدره

www.alaabayoumi.com

نص المقال:

تقرير قصير (19 صفحة) ولكنه يكشف عن معضلة تواجهها أميركا في التعامل مع الاضطرابات السياسية التي شهدتها البحرين مؤخرا، معضلة مفادها أن الولايات المتحدة تتعاطف مع الحقوق السياسية لشيعة البحرين وتريد الدفع في اتجاه منحهم مزيد من تلك الحقوق، ولكنها تخشى في نفس الوقت من صعودهم السياسي لاعتبارات أمنية بالأساس تتعلق بتخوف أميركا من تقارب شيعة البحرين من إيران وقضائهم على الوجود العسكري الهام لأميركا بالبحرين في حالة تمكنهم من السلطة.

لشرح تلك المعضلة يتعرض التقرير - بقدرة بحثية مميزة كعادة تقارير خدمة أبحاث الكونجرس الأميركي التي تعد لأعضاء الكونجرس بالأساس - لمعضلة البحرين نفسه، وهي معضلة مركبة يصعب حلها بسهولة وذلك لتداخل أسباب متعددة ومعقدة تاريخية وجيوستراتيجية وديمغرافية.

معضلة البحرين

على الجانب التاريخي يشير التقرير إلى سيطرة ما اسماهم "بمستعمرين فارسين" على البحرين في القرن الثامن عشر حتى جاء آل خليفة (حكام البحرين حتى الآن) من شبه الجزيرة العربية وسيطروا على البحرين لتبدأ فصول قصة البحرين المعاصرة وعنوانها أقلية سنية تحكم أغلبية شيعية (حوالي 70% وفقا للتقديرات الأميركية) وسط صراع عملاق سني (السعودية) وأخر شيعي (إيران) وتحت حماية دولية (بريطانية ثم أميركية).

وهذا يقودنا إلى البعد الجيوستراتيجي للأزمة، فالبحرين دولة صغيرة من حيث المساحة والسكان (503 ألف نسمة)، والميزانية (6 بليون دولار سنويا يقابلها 11 بليون دولار من الديون المتراكمة)، وحجم القوات المسلحة (13 ألف جندي بقوات الدفاع البحرينية و1200 عنصر من قوات حرس الحدود).

وهي محاطة بعملاقين، أحدهما شيعي صاحب مطالب تاريخية في البحرين ولا يتواني بعض قياداته السياسية والإعلامية عن وصف البحرين بأنها المحافظة الإيرانية رقم 14، وعملاق ثاني سني يخشى صعود شيعة البحرين خوفا من تقوية شيعة السعودية (يقدرهم التقرير بحوالي 10% من سكان السعودية).

حتى أن نسخة سابقة من التقرير صدرت في 10 مارس الماضي تحدثت عن مخاوف أو "توقعات باحتمال تدخل السعودية لمنع سيطرة حكومة شيعية على السلطة في البحرين" على أثر الاضطرابات الأخيرة.

أما التقرير الحالي الصادر في 21 مارس فيقول أن دعوة البحرين لتدخل قوات الخليج لمساعدتها في مواجهة الإضرابات جاءت "مخالفة لنصائح إدارة أوباما".

ويقول التقرير أن التنافس الإيراني السعودي على النفوذ في البحرين دفع البحرين دوما للاعتماد على حماية طرف ثالث دولي قوي يوازن الجارين الإقليميين، وبهذا اعتمدت البحرين على حماية بريطانية ثم أميركية.

هنا يقول التقرير مباشرة "أن البحرين – في مقابل ضمانات أمنية أميركية ضمنية – قدمت دعم محوري لمصالح أميركا باستضافة مقر البحرية الأميركية في الخليج لأكثر من 60 عاما وبتقديم مرافق وعدد قليل من الجنود (للمشاركة) في جهود أميركا الحربية في العراق وأفغانستان".

ولتعقيد الأوضاع الجيوستراتيجية للبحرين أكثر يقول التقرير "بالنسبة للقضايا الإقليمية كالصراع العربي الإسرائيلي مالت البحرين لإعطاء السعودية أو قوى إقليمية أخرى القيادة في صياغة العروض أو تمثيل موقف دول الخليج الجماعي".

كما يقول "لدرجة كبيرة - ولكي تحافظ البحرين على جيرانها الأقوياء تحت الرقابة - ربطت البحرين من فترة طويلة أمنها بأمن الولايات المتحدة، وقد استفادت جهود أميركا لمواجهة التهديدات في العراق وإيران وأفغانستان من وصولها للمرافق البحرينية".

وتوضع الفقرات السابقة مدى تعقد التنافس الجيوستراتيجي بين القوى الإقليمية والدولية بالبحرين ومدى تعقد الوضع الإستراتيجي هناك.

أغلبية شيعية

البعد الثالث - وهو الأكثر تشابكا وتعقيدا وحراكا - هو البعد البشري أو الديمغرافي، وهو ناتج عن حكم أقلية سنية لأغلبية كبيرة (حوالي 70%) شيعية، واستئثار الأقلية بمميزات كبيرة تفوق حجمها بالنسبة لعدد السكان كما يبرز التقرير.

على المستوى الاقتصادي يمتدح التقرير البحرين لقدرتها على تنويع اقتصادها رغم ندرة مواردها النفطية بتوجهها نحو قطاع الخدمات المالية (25% من الدخل) وبعض الصناعات، ويقول أن هذا أدى إلى قيام طبقة عاملة ووسطى نشطة، ولكنه يعود ويقول أن الطبقتين السابقتين تتكونان "في الجانب الأكبر من الأغلبية الشيعية والذي يشعرون بالحسد (أو الغيرة) على "طبقة الملكية (المالكة)" وغالبيتها سنية".

وعلى المستوى الأمني يقول التقرير أن "قوات الدفاع البحرينية والشرطة يقوهما سنة بحرينيون، وهؤلاء يدعمون فرقهم بنسب غير معروفة من المجندين السنة من دول مجاورة كباكستان واليمن والأردن، والعراق، ودول وأخرى"، كما يقول أن "الشيعة ممنوعون بشكل عام من الخدمة في القوات الأمنية".

على المستوى السياسي يشير التقرير إلى تحسن الأوضاع السياسية في البحرين في ظل حكم ملك البحرين الحالي حمد بن عيسى آل خليفة مقارنة بوالده الشيخ عيسى بعد إصلاحات سياسية أدخلها الملك حمد منذ توليه الحكم في عام 1999 بعد أن شهدت البحرين فترة من الاضطرابات السياسية في البحرين في منتصف التسعينيات.

وقد تضمنت إصلاحات الملك حمد صياغة وثيقة دستورية جديدة (ميثاق العمل الوطني لعام 2002)، وعقد انتخابات برلمانية دورية كل أربع سنوات، وتعيين وزراء شيعة، وإتباع مبدأ الإصلاح السياسي والحوار بشكل عام.

ولكن يبدو أن تلك الإصلاحات لم ترتق لتوقعات الأغلبية الشيعية لأسباب مختلفة.

إذا يقول التقرير أن انفتاح الملك النسبي وولي عهده قابله تشاؤم بعض كبار أعضاء العائلة المالكة من جدوى تلك الإصلاحات، وعلى رأسهم رئيس الوزراء البحريني (عم الملك) ووزراء آخرون.

ثانيا: الإصلاحات السياسية لم تعط الأغلبية الشيعية سلطة صناعة القرار أو حتى الأغلبية في البرلمان البحريني، فالبرلمان مقسم لمجلس نواب منتخب ومجلس شورى معين يتمتعان بنفس العدد من المقاعد، وقد طالب الشيعة بزيادة عدد مقاعد مجلس النواب المنتخب ولكن ذلك لم يحدث.

كما فشل الشيعة في الحصول على أغلبية مقاعد مجلس النواب البحريني في الانتخابات البرلمانية الثلاثة التي عقدت حتى الآن منذ عام 2002 على الرغم من كونهم أغلبية سكانية، وهو أمر دفع بعضهم لمقاطعة تلك الانتخابات.

وهنا يقول شيعة البحرين أن الدوائر الانتخابية تقسم بشكل يحرمهم من تحقيق الأغلبية، كما يشتكون من حملات اعتقال تطال بعض قياداتهم وزيادة وتيرة التوتر الطائفي والسياسي قبل كل انتخابات، كما يشتكون أيضا من اعتداءات مختلفة على حقوقهم السياسية.

وهنا يبرز التقرير انقسام شيعة البحرين إلى جماعات بعضها أكثر انخراطا في العملية السياسية كجمعية الوفاق وبعضها أكثر تشددا وتشاؤما من جدوى المشاركة السياسية ضمن النظام السياسي الحالي كجمعية حق، وهنا يرصد التقرير فشل جمعية الوفاق من الفوز بأغلبية مقاعد مجلس النواب البحريني في الانتخابات الأخيرة (2006 و2010) وإلى أن نواب الجمعية وعددهم 18 انسحبوا من البرلمان البحريني بعض الصدامات المسلحة التي تخللت الاضطرابات الأخيرة.

ويلاحظ هنا أن الأحزاب السياسية ممنوعة قانونيا في البحرين لذا ينظم البحرينيون أنفسهم وفقا لجمعيات لا أحزاب.

ويقول التقرير أن الإسلاميين السنة تعرضوا لخسائر متزايدة في الانتخابات النيابية الأخيرة (2010) بسبب ميل الناخب البحريني لانتخاب نواب غير مؤلدجين معنيين بالملف الاقتصادي بالأساس وبالتنمية وبإيجاد حلول لمشاكل البحرين الاقتصادية.

مصالح أميركا

في مقابل الرؤية السابقة تقف أميركا موقف مزدوج فهي تشجع حصول الشيعة على مزيد من الحقوق السياسية ولكن تخشى وصولهم للسلطة، ولكي نفهم حقيقة هذا الموقف والذي سوف نشرحه بالتفصيل فيما بعد يجب التوقف عن قضية أساسية وهي مصالح أميركا في البحرين.

وهنا يجب الإشارة إلى مركزية الأمن، أو إلى "مركزية" القضايا الأمنية في العلاقات البحرينية الأميركية كما يؤكد التقرير نفسه في أكثر من مناسبة.

فالبحرين تتمتع بضمانات أمنية "ضمنية" كما يشير التقرير، في مقابل ذلك تحصل أميركا على عدة مزايا، أولها قاعدة عسكرية للأسطول الخامس الأميركي، وهي قاعدة شغلتها قوات أميركية مختلفة على مدى أكثر من 63 سنة، وهي مقامة على مساحة 100 فدان ويقيم فيها 2300 جندي من جنود البحرية الأميركية، كما ترسى بعض السفن العسكرية الصغيرة هناك، وبدأت أميركا في مايو السابق مشروع بتكلفة نصف مليار دولار لتوسيع الميناء لاستقبال سفن أكبر، وينتهي المشروع مع حلول عام 2015، وهذا يؤشر لاستثمار أميركا المستقبلي في تلك القاعدة.

لذا استضافت البحرين قوات أميركية خلال حرب تحرير الكويت (1991) وشاركت في الحرب، كما استضافت قوات وقدمت تسهيلات في حربي العراق وأفغانستان، وتمثل القاعدة البحرية نقطة تنسيق بين سفن حربية أميركية مشاركة في حربي العراق وأفغانستان.

وفي المقابل أيضا حصلت البحرين على مزايا عسكرية لا بأس بها، فقد حصلت على بعض المساعدات العسكرية المادية، وأهم منذ ذلك حصلت على تدريب لقواتها بما يرفع من قدراتها لمشاركة القوات الأميركية في عملياتها العسكرية، مما ساعد على تأهيل 45% من القوات البحرينية تقريبا – كما يشير التقرير - للقتال بجوار القوات الأميركية.

كما صنفت أميركا البحرين أيضا "كحليف استراتيجي خارج الناتو" مما يؤهلها للحصول على أسلحة متطورة.

ويقول التقرير أن أميركا تحتاج البحرين وقواعدها العسكرية هناك لمواجهة إيران وللقيام بدورها الاستراتيجي في الخليج.

وهنا يشير التقرير إلى توتر العلاقات بين البحرين وإيران لأسباب تاريخية شرحناها في التقرير وبسبب اتهام البحرين لإيران المتكرر بدعم الحركات السياسية الشيعية داخل البحرين وتصريحات بعض المسئولين والصحفيين الإيرانيين ضد البحرين، في المقابل سعت البحرين لفتح علاقات اقتصادية أفضل مع إيران، وإلى تبني خطاب أكثر مهادنة تجاه إيران مقارنة بأميركا.

الموقف الأميركي

بناء على ما سبق يقول التقرير أن أميركا في مواجهة الاضطرابات الأخيرة في البحرين وضعت في اعتبارها التطورات الأخيرة في المنطقة العربية وخاصة في "مصر" وموقف أميركا منها، و"مصالح أميركا الحيوية في المنطقة"، وفضلت مطالبة الحكومة البحرينية بعدم استخدام "العنف" ضد المتظاهرين، ولم تطالب "بنهاية نظام" آل خليفة، ودعت جميع الإطراف لاستفادة من دعوة ولي العهد البحريني للحوار، وهو موقف أصرت عليه الإدارة الأميركية رغم معارضتها تدخل قوات عسكرية خليجية في البحرين حتى لا يتطور النزاع الداخلي إلى صراع إقليمي.

وإن كان التقرير يعبر عن مخاوف البعض من أن "قمع المظاهرات (بعد تدخل القوات الخليجية) قد أنهى فرص التوصل لتسوية سليمة من خلال المفاوضات، وأن قد يوسع الصراع إلى منطقة الخليج الأكبر".

ويقول التقرير أن" المسئولين الأميركيين يخشون من أنه في حالة اعتلاء نظام يقوده الشيعة السلطة، فأن نفوذ إيران سوف يزيد إلى درجة أنها قد تنجح في إقناع البحرين بمطالبة أميركا إخلاء منشئات البحرين العسكرية"، وهنا تبرز مخاوف أميركا ومصالحها الأكثر أهمية.

وفي النهاية يرى التقرير أن إدارة أوباما تدعم نوع من الحلول الوسطية والتي تعطي الشيعة مزيد من الحقوق السياسية، مثل تغيير الدستور للسماح بانتخاب رئيس الوزراء من قبل مجلس نواب يمتلك صلاحيات أقوى، أو إعطاء الشيعة مزيد من المواقع الوزارية الهامة خاصة الحقائب الاقتصادية، أو إعادة رسم الدوائر للسماح بالشيعة للحصول على أغلبية مقاعد مجلس النواب البحريني.

ويتضح هنا أن أميركا – كما يوضح التقرير على الأقل – عينها على مصالحها الإستراتيجية التي تخشى من الأغلبية الشيعية عليها، ولا تمانع من إرضاء الشيعة سياسيا ما لم يؤثر ذلك على تلك المصالح.

وفي الخاتمة لا يسعنا إلا أن نذكر القارئ بأننا قد لا نتفق بالضرورة مع الموقف الأميركي، وإنما حرصنا على عرض التقرير الحالي بأكبر قدر من الموضوعية كبداية لفهم موقف أميركا تجاه التطورات الأخيرة بالمنطقة.

---

للإطلاع على النص الكامل للتقرير، يرجى زيارة الموقع التالي:

http://www.fas.org/sgp/crs/mideast/95-1013.pdf