Wednesday, May 30, 2007

الجيل القادم من قيادات اليمين الأميركي
بقلم: علاء بيومي
الناشر: يمكن نشر المقال التالي مع الاشارة إلى مصدره

نص المقال

في الخامس عشر من مايو رحل عن عالمنا جيري فاويل أحد أشهر قيادات الإنجليكيين الأميركيين التي لعبت دورا محوريا في صعود نجم اليمين المسيحي المتدين سياسيا في الولايات المتحدة وخارجها منذ سبعينات القرن الماضي، وقد تارك فالويل خلفه سيرة ذاتية طويلة مليئة بالإنجازات على الساحة الأمريكية والدولية والإساءات المختلفة بما في ذلك موقفه المصر على الإساءة للإسلام والمسلمين بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001

وبعد ذلك بيومين قدم بول ولفويتز استقالته من رئاسة البنك الدولي بعد فضيحة محاباته لصديقته الشخصية، والتي شغلت الرأي العام الدولي والذي عرف ولفويتز كنائب لوزير الدفاع الأميركي السابق وكأحد أهم المسئولين عن الغزو الأميركي للعراق

وفاة فالويل واستقالة ولفويتز تفتحان ملف جديد متجدد، وهو قضية تغير قيادات اليمين الأميركي، والتي تمر حاليا بمرحلة مخاض صعبة بحثا عن شخصيات وأفكار وسياسات جديدة بعدما تحول الجيل الراهن من القيادات اليمينية الأميركية خلال السنوات الأخيرة لعبئ سياسي وإعلامي وجماهيري على اليمين الأميركي بصفة خاصة والأميركيين بصفة عامة لأسباب مختلفة

القيادات الدينية

فعلى المستوي الديني واجهت وتواجه القيادات الإنجليكية الكبرى من أمثال جيري فالويل وبات روبرتسون وويليام جرام انتقادات واسعة لأسباب مختلفة مثل مواقفها المتشددة تجاه الأديان الأخرى والأقليات، والثروات الهائلة التي كونتها خلال سنوات عملها الديني والإعلامي، هذا إضافة إلى انتماءها عمريا وفكريا لجيل قديم يختلف كثيرا عن الأجيال الجديدة التي ولدت منذ سبعينات القرن الماضي

المثير هنا أن بعض أقرب رموز الجيل الثاني من قيادات اليمين المسيحي التي تربت على أيادي جيل فالويل وربرتسون يواجهون بدورهم صعوبات وهزائم مختلفة، ولعل رالف ريد يمثل نموذجا لتلك القيادات، فريد المولود في عام 1964، والذي مر في سنوات دراسته الجامعية بفترة تدين قربته من بات روبتسون، حيث عرض عليه الأخير العمل مع في قيادة منظمة التحالف المسيحي – أحدى أشهر منظمات اليمين الأميركي المتدين السياسية على الأطلاق، وكان ذلك في نهاية الثمانينات وريد مازال في العشرينات من عمره، مما جعله في ذلك الحين وجه اليمين الأميركي المتدين السياسي وصوته بالإعلام بشبابه وعنفوانه وبإصراره السياسي

ولكن ريد خسر في العام الماضي في إنتخابات حاكم ولاية جورجيا الأميركية – وهي أحدى ولايات الجنوب التي حولها ريد ورفاقه من قيادات اليمين الأميركي المتدين لمعقل قوي للجمهوريين ولليمين الأميركي، ولم يخسر ريد الإنتخابات بسبب منافسة الديمقراطيين له فحسب، وإنما خسر بعدما انقلب الجمهوريون أنفسهم عليه، والذين رأوا فيه رمزا لجيل إنقضت صلاحيته السياسية والإعلامية على الرغم من شبابه، وذلك لما عرف عن ريد من شراسة مع خصومه، وانتهازية سياسية، ولارتباطه بفضائح جيل من القيادات اليمينية الأميركية الشابة من أمثال جاك إبراهوموف

وإبراهوموف – وهو يهودي الديانة – كان أحد أبرز القيادات اليمينية الشابة التي أنتجها اليمين الأميركي في سنوات صعوده في أوائل الثمانينات بعد الخسائر الواسعة التي مني بها ذلك التيار في الستينات، فقد تولى إبراهموف قيادة إتحاد الطلاب الجمهوريين في أوائل الثمانينات واكتشف ريد وعينه معه ثم ترك له قيادة إتحاد الطلاب، وبرمور الوقت تحول إبراهوموف لناشط سياسي معروف، وفتح شركة علاقات عامة ولوبي إمتلكت علاقات واسعة بقيادات الجمهوريين بما في ذلك قيادات الإدارة الأميركية الراهنة، وفي العام الماضي ملئت فضائح إبراهوموف السياسية الفضاء الأميركي بعدما أدين في قضايا فساد سياسي ارتبطت بأسماء سياسيين وأعضاء كونجرس جمهوريين كبار وأثرت على مستقبل وسمعة عدد كبير منهم

القيادات السياسية والمحافظين الجدد

مصير قيادات اليمين الأميريكي المتدينة من أمثال رالف ريد لم يختلف كثيرا عن مصير عدد كبير من قيادات المحافظين السياسية والتي مكنت الجمهوريين من السيطرة على الكونجرس بداية من عام 1994، وعلى رأس تلك القيادات الثلاثي المعروف نوت جينجريتش وتوم ديلاي ورتشارد آرمي، وقد تولى ثلاثتهم قيادة الجمهوريين بمجلس النواب الأميركي على فترات مختلفة منذ عام 1994، وعرف عن كل منهم نفوذه الشخصي الواسع وشراسته في التعامل مع المعارضين لهم بالكونجرس بغض النظر عن انتمائهم الحزبي حتى أخضعوا النواب الجمهوريين والديمقراطيين لسلطتهم على حد سواء

كما تمكن الثلاثة من تدشين سيطرة الجمهوريين على الكونجرس وتوطيد علاقته بقوي اليمين المسيحي المتدينة والمتصهينة، كما أحكموا قبضة اليمين الأميركي الحديدية على الجنوب وعلى ولايات الغرب والوسط، وساهموا في صعود نجم الجمهوريين وسيطرتهم على الكونجرس بمجلسية وكذلك البيت الأبيض، ومع ذلك خسر الثلاثة مناصبهم القيادية تباعا، وبات ينظر إليهم اليوم كمسئولين عن حالة التشدد التي نالت اليمين الأميركي وأدت إلى خسارته في إنتخابات نوفمبر 2006 التشريعية الأخيرة، وكسياسيين غرتهم السلطة ودفعتهم للتخلي عن مبادئهم

ولا يختلف ذلك عن تركة عدد لايستهان به من قيادات إدارة بوش من أمثال دونالد رامسفيلد الذي أصبح ينظر إليه كرمز لتعثر أميركا في العراق، وكارل روف الذي فشلت ماكينته الإنتخابية في مساعدة الجمهوريين في الانتخابات الأخيرة، وكذلك قيادات المحافظين الجدد من أمثال دوجلاس فيث وريتشارد بيرل وجون بولتون وبول ولفويتز، هذا إضافة إلى تراجع شعبية بوش ونائبه تشيني لمستويات غير مسبوقة

الهزيمة بداية الصعود

الواضح هنا أن الهزائم الواسعة للجيل الراهن من قيادات اليمين الأميركي تعني أن اليمين الأميركي في حاجة لجيل جديد من القيادات القادرة على إعادة صياغة أجندته في السنوات المقبلة، وهو ما يثير التساؤل حول طبيعة تلك القيادات الجديدة وهل يمكن التنبؤ بها وبأجندتها

ويري بعض المعنيين بتاريخ اليمين الأميركي أن صعوده الكبير في أوائل التسعينات يعود إلى هزيمته الواسعة في الستينات وخاصة في عام 1964، وهو العام الذي شهد خسارة السيناتور باري جولدواتر مرشح الحزب الجمهوري للرئاسة الأميركية بفارق كبير أمام المرشح الديمقراطي لبندون جونسون، ويقول هؤلاء أن السينات لم تكن عقد الجمهوريين فهي عقد صعود قوي اليسار الأميركي الجديد بأجندته المنادية بالحقوق المدنية وبحقوق الأقليات والمستضعفين وبتدخل الحكومة من خلال تشريع القوانين وبرامج الرفاهية لمساعدة تلك الجماعات المستضعفة تاريخيا، ويرى هؤلاء أن الأجندة السابقة والتي طغت على عقد الستينات لم تخف جولدواتر، والذي فضل عدم مهادنتها وخاض الإنتخابات بأجندة يمينية أصولية متشددة رافضة لأجندة اليسار الأميركي الجديد مما أدى إلى هزيمته هزيمة ساحقة، ولكن هزيمته هذه – كما يرى عدد لا يستهان به من المتابعين - كانت شرارة انطلاق قوى اليمين الأميركي الجديد، والتي تمكنت السيطرة في أوائل التسعينات معتمدة إلى حد كبير على أفكار جولدواتر

ويثير التحليل السابق سؤالا هاما حول ما إذا كانت هزيمة الجمهوريين الراهنة تحمل في طياتها أسباب صعود الجيل الجمهوري القادم، والذي قد لا يكون بعيد زمنيا عنا، وهنا يجب الإشارة إلى الملاحظات الهامة التالية

أولا: أن هزيمة الجمهوريين في الفترة الحالية تعود إلى حد كبير إلى فساد قيادتهم أكثر منه إلى تمكن الحزب الديمقراطي من تقديم أجندة أو قيادات أو أفكار جديدة

ثانيا: أن المجتمع الأميركي بصفة خاصة والمجتمعات الغربية بصفة عامة مرت في السنوات الأخيرة بمرحلة تحول واسعة نحو اليمين على المستويات الجماهيرية لأسباب ثقافية وإقتصادية وسياسية مختلفة يأتي على رأسها التحول في أساليب الإنتاج وقوي العولمة والهجرات، وصعود جيل جديد من القيادات اليمينة المتعصبة الديماغوغية، والتي لم تترد في إستغلال التحولات الصعبة التي تمر بها المجتمعات الغربية في تعبئة الجماهير الغربية ضد الأقليات والمهاجرين والأجانب

ثالثا: يعقد بعض الجمهوريين الأميركيين آمالا واسعة في إستعادة السلطة على عدد من القيادات الجمهورية المعتدلة والتي تمكنت من البقاء في وجه عاصفة العراق وسلسلة فشل الجمهوريين الأخيرة، والتي توجت بهزيمتهم في انتخابات 2006، وعلى رأس تلك القيادات السيناتور الأميركي المعروف جون ماكين أحد أبرز المتنافسين على زعامة الحزب الجمهوري في إنتخابات الرئاسة الأميركية المقبلة - نوفمبر 2008

وهذا يعني أن اليمين الأميركي مازال يمتلك بعض القيادات الأقل تشددا، والتي ستخوض انتخابات الرئاسة الأمريكية المقبلة بعد عام ونصف، وهي فترة هامة سوف تعد مختبرا حقيقا للوقوف على حقيقة ومدى الهزيمة التي لحقت باليمين الأميركي وبالجيل الراهن من قياداته، والتي سوف تسعى لتضميد جراحها وإعادة تنظيم صفوفها إستعدادا للإنتخابات المقبلة على أمل إنقاذ ما يكمن إنقاذه

أين نحن من الجيل اليميني القادم

هذا لا يقلل من الخسائر الكبيرة التي مني بها الجيل الراهن من القيادات اليمينية وحاجتها لدماء جديدة، بل لجيل جديد من القيادات، بعد أن استشرت هزائم الجيل الراهن لحد يصعب تداركه، والمقلق في كل ما سبق أمرين أولهما أن صعود اليمين في السنوات الأخيرة والظروف التي مرت بها الولايات المتحدة دفعا عدد لا يستهان به من الأميركيين إلى التحرك يمينا على المستويات السياسية والاجتماعية والثقافية، وإلى تبني أجندات متشددة على تلك المستويات، وأن اليسار الأميركي مازال بفتقد للقوة وللعنفوان وللقيادات القادرة على إعادة الجماهير الأميركية للوسط في ظل موجة التحول لليمين التي تسيطر على المجتمعات الغربية، فقيادات اليسار الأميركي الحالية مازلت تفتقر لثورة يسارية قدرة على تغيير مسار المجتمع الأميركي على غرار ما حدث في الستينيات

أما السبب الثاني للقلق فهو أن الجيل الراهن من القيادات اليمينية أضر بعلاقة الشعب الأميركي بالعالم الإسلامي وبالمسلمين بدرجة مقلقة في ظل تركيز المحافظين الجدد والإنجليكيين المتصهينين وبعض الجماعات اليمينية المتعصبة غير المسبوق على الإسلام وعلى العالم الإسلامي وسعيهم لتصويرهما على أنهما عدو أميركا والغرب الجديد، وهو أمر يجعلنا معنيين بدرجة كبيرة بتتبع مايدور في أوساط المجتمع الأميركي من جدل بخصوص علاقته بالإسلام والمسلمين بصفة عامة، وبالمخاض الدائر باليمين الأميركي بصفة خاصة، والذي من شأنه أن يقود إلى ولادة الجيل القادم من القيادات الجمهورية، فتتبع هذه القيادات وموقفها من أميركا والعالم بات ضرورة ليس فقط للأميركيين ولكن للمسلمين والعرب وللعديد من شعوب العالم، فهل أعددننا أنفسنا للجيل القادم من قيادات اليمين الأميركي
سلطة الكونجرس في الحد من العمليات العسكرية الأميركية في العراق
عرض بقلم: علاء بيومي

الناشر:
الجزيرة نت، 30 مايو 2006، حقوق الطبع والنشر محفوظة للناشر

نص العرض

التقرير الراهن صادر عن خدمة أبحاث الكونجرس وهي مركز أبحاث تابع للكونجرس الأميركي يعمل على توفير الأبحاث العملية التي يحتاجها أعضاء الكونجرس في بناء قراراتهم المختلفة، ولا يوفر المركز أبحاثه للجمهور الأميركي بشكل مباشر، بل يتم توفيرها عن طريق أطراف ثالثة تقوم بنشر تقارير المركز الهامة، مثل الخارجية الأميركية على سبيل المثال

ويدافع مسئولو المركز عن قرار عدم توفير أبحاثة بشكل مباشر للرأي العام الأميركي بالإشارة إلى رغبة المركز في تقديم النصيحة الخالصة لأعضاء الكونجرس ورفضه أن تستخدم أبحاثه في الصراع السياسي الدائر بين الكونجرس والإدارة الأميركية وأنصارهما

ويأتي التقرير الحالي الصادر في الرابع والعشرين من أبريل الماضي ليسلط الضوء على قضية هامة في الفترة الحالية، وهي مساعي الكونجرس لوضع قيود على العمليات العسكرية الأميركية بالعراق تماشيا مع رغبة نسبة كبيرة من الشعب الأميركي والنواب الديمقراطيين والجمهوريين الذين باتوا يرون في حرب العراق عبئا ضخما سياسيا واقتصاديا على عاتق أميركا

ويسعى التقرير للإجابة على سؤال على قدر كبير من التخصص والصعوبة وهو مدى الصلاحيات التي يمنحها الدستور الأميركي للكونجرس للحد من العمليات العسكرية الأميركية في العراق، وهو سؤال قانوني بالأساس تتطلب الإجابة عليه التعرض للدستور الأميركي، وللسوابق التاريخية المحددة للعلاقة بين الكونجرس والرئيس في قضايا الحرب وسلطاتها، مما يجعل قراءة التقرير مهمة شاقة لغير القانونيين ولمن لا يمتلكون معرفة مناسبة بتاريخ أميركا ونظامها السياسي وبتوزيع السلطات بين المؤسسات الأميركية المختلفة

القائد الأعلى للقوات المسلحة

خلاصة التقرير هي أن قدرة الكونجرس الأميركي على الحد من العمليات العسكرية الأميركية في العراق ليست قضية سياسية فقط، ولكنها قضية دستورية إلى حد كبير تتعلق بنصوص الدستور الأميركي وبرؤيته لطبيعة العلاقة بين الكونجرس والرئيس خلال فترات الحروب، وهي خلاصة يجب شرحها للمعنيين بتلك القضية خلال الوقت الراهن حتى لا يبالغوا في تضخيم قدرة الأغلبية الديمقراطية بالكونجرس على الحد من العمليات العسكرية الأميركية في العراق في الوقت الراهن

فالدستور الأميركي – كما يرى التقرير – يقسم سلطات الحرب بين الكونجرس والرئيس بشكل متشابك مركب يهدف إلى فرض الرقابة المتبادلة بين المؤسستين، ومنع إنفراد أحدهما بالسلطة خاصة في قضية هامة مثل قضية الحرب

فالرئيس وفقا للدستور هو القائد الأعلى للقوات المسلحة الأميركية، والموكل بقيادة القوات المسلحة الأميركية في أوقات الحرب والسلم، وهو أيضا مخول سلطة حماية أميركا ضد أي هجوم مفاجئ دون العودة للكونجرس، فلا يعقل أن يذهب الرئيس للكونجرس ليطلب تصريحا بمواجهة هجوم وشيك أو قائم على الولايات المتحدة

ولكن ينبغي على الرئيس العودة خلال فترة قصيرة للكونجرس لطلب موافقته على مثل تلك العمليات مادام الكونجرس منعقدا، كما ينبغي على الرئيس طلب موافقة الكونجرس قبل شن حرب ما، فالكونجرس يمتلك سلطة إعلان الحرب وتمويلها، بينما يمتلك الرئيس سلطة تنفيذ الحرب وحماية أميركا في حالات الضرورة

إذ يحرص الدستور على عدم تقييد يد الرئيس الأميركي – القائد الأعلى للقوات المسلحة الأميركية – خلال فترات الحروب، فلا يعقل مرة أخرى أن يطلب الرئيس موافقة الكونجرس قبل أن يعطي الأوامر بتحريك كل جندي من الجنود الأميركيين بالعراق أو قبل شن كل عملية عسكرية صغيرة أو كبيرة هناك، فالرئيس هو المسئول عن وضع إستراتيجية الحرب وتنفيذها

سلطات الكونجرس

ولكن سلطات الرئيس السابقة لا تعني أن يد الرئيس غير مقيدة في إدارة الحرب وإطالتها لأمد مفتوح، فالكونجرس له حق إعلان الحرب والتأثير على مسارها من خلال أداة هامة جدا، وهي التمويل فتمويل الحرب هو من مسئوليات الكونجرس الذي يجب أن يوافق على أي إعتمادات مالية للحكومة بما في ذلك الإعتمادات المالية المخصصة للقوات المسلحة الأميركية، وإذا وافق الكونجرس على بنود ميزانية محددة، وخصص تمويلا لكل بند من تلك البنود بما في ذلك العمليات العسكرية، لا يحق للرئيس أن يعيد تخصيص المواد الموزعة في الميزانية، ويتحتم عليه أن يدير عملياته العسكرية وفقا للموارد المخصصة من قبل الكونجرس لتلك العمليات فقط سواء قلت أو كبرت، مما قد يعني نهاية الحرب إذا ما توقف الكونجرس على تمويلها

كما يحق للكونجرس أيضا إبطال قرار إعلان الحرب، مما يعني نهاية تفويض الرئيس بخوض الحرب، ولكن التقرير يؤكد أن لغة القانون تختلف عن لغة السياسية وعن اللغة الجمهور، وهي حقيقة تطل بشكل متكرر عبر التقرير، حيث يرى مؤلفو التقرير أن إنهاء تفويض الرئيس لا يعني وقف الحرب وسحب القوات، إذ يمكن للقوات الأميركية أن تستمر في حرب بعد إلغاء تفويض الحرب لسببين على الأقل، أولهما وجود إعتمادات مالية للعمليات العسكرية، حيث يرى بعض القانونيين أن وجود إعتمادات مالية لتمويل القوات يعني تفويض ضمني للقوات بأن تستمر في عملياتها العسكرية، أما السبب الثاني فهو أن وقف الحرب لا يتم بشكل لحظي مفاجئ قد يعرض القوات الأميركية أو الإستراتيجية الأميركية لمخاطر ضخمة، إذا يمكن للرئيس أن يستمر في حرب بدأها بعد إبطال الكونجرس لقرار تفويض سلطات الحرب مادام مرتبط بمصالح معينة للجنود مثل المساعدة على ترحيل القوات من أرض المعركة أو حماية قوات باقية هناك

وهذا يعني أن قدرة الرئيس على وقف تمويل الحرب أهم عمليا من قدرته على إبطال تصريح خوضها، كما يقول التقرير – في لافتة قانونية مثيرة – أن السلبية أفضل من الإيجابية فيما يتعلق بقدرة الكونجرس على وقف تمويل الحرب، حيث يشير مؤلفو التقرير إلى أن أعضاء الكونجرس قد يحاولون وقف الحرب من خلال تقديم تشريعات مالية أو بنود قانونية تطالب بذلك مثل وضع سقف زمني لسحب الجنود أو وضع شروط على طرق إنفاق الإعتمادات المالية المخصصة للعمليات العسكرية، وهي مبادرات إيجابية تعبر عن رغبة أعضاء الكونجرس في وضع حدا لاستمرار العمليات العسكرية، ولكنها من وجهة نظر القانون تشريعات تخضع لمسار أي تشريع أخر يحق للرئيس رفضه "فيتو" بعد موافقة الكونجرس عليه، كما أنها قد تعد تدخلا في سلطات الرئيس كقائد أعلى للقوات المسلحة، فقد ينادي بعض محامي الرئيس بأن وضع شروط على التمويل هو تقييد ليد الرئيس في قيادة القوات الأميركية مما يعد أمرا غير دستوريا، وإن كان مؤلفو التقرير يرون أن وضع قيود على سبل إنفاق الإعتمادات المالية للقوات المسلحة الأميركية هو أمر يقع ضمن اختصاصات الكونجرس وسلطاته

أما الطريقة الأكثر فعالية – من وجهة نظر التقرير – في طريقة سلبية تقوم على رفض تمرير إعتمادات مالية جديدة للقوات الأميركية والتصويت ضدها، فبدون تعاون الكونجرس لن يتمكن الرئيس من تقديم إعتمادات مالية أو تمريرها


إعلان السلام وموقف القضاء

وتوضيحا لموقف الكونجرس من قضية سلطات الحرب، يشير التقرير إلى أن الكونجرس يضع سلطة إعلان الحرب في يد الكونجرس بشكل واضح، ولكنه يجعل سلطة إنهاء الحرب أو "إعلان السلام" مسئولية مشتركة بين الرئيس والكونجرس، فقد يتم إعلان إنهاء الحرب من خلال تشريع يمرره الكونجرس ويوافق عليه الرئيس، أو من خلال معاهدة يوقعها الرئيس مع طرف أجنبي يعلن فيها السلام ويصدق عليها الكونجرس، أو من خلال إعلان رئاسي، وفي جميع الحالات السابقة يقف الدستور موقفا غامضا أو مرننا تجاه قضية إعلان السلام، وقد يعود ذلك لرغبة واضعي الدستور الأميركية – الآباء المؤسسين – لعدم تقييد يد الرئيس في قضايا الحرب والسلام وفي عدم تركها مطلقة

وينعكس الأمر نفسه على موقف السلطة القضائية من القضية ذاتها، فالسلطة القضائية لديها القدرة على تفسير العلاقة الدستورية بين الرئيس والكونجرس والفصل في دستورية تصرفات أي منهما، ولكنها تتردد – كما يظهر في السوابق التاريخية – في التدخل في الصراع الدائر بين الرئيس والكونجرس فيما يتعلق بسلطات الحرب، فلو قام الكونجرس بوضع قيود على تمويل العمليات العسكرية لسبب عسكري أو سياسي ما – على سبيل المثال، وقام الرئيس بقيادة القوات العسكرية في عمليات رأي أعضاء الكونجرس أنها تتناقض مع تشريعهم فلجئوا إلى القضاء لتحديد قانونية تصرفات الرئيس العسكرية لسعى القضاة للتملص من الأمر برمته، ولرفضوا التدخل فيه، حيث يرى القضاة تاريخيا أن تلك القضايا عملية سياسية بعيدة عن تخصصهم، والذي يركز على تحديد العلاقة الدستورية بين الرئيس والكونجرس، فهم ليسوا عسكريون وليسوا على دراية بالاستراتيجيات العسكرية وبسير العمليات العسكرية الأميركية، ومن ثم كان حري بهم عدم التدخل في مثل تلك القضايا

الكونجرس والعراق

يوضح التقرير أن قرار إنهاء حرب ما من خلال إبطال تصريح خوضها أو وقف تمويلها هو قرار بطئ يستغرق تنفيذه فترة طويلة قد تقدر بسنوات، كما ظهر في حالة فيتنام، حيث يشير التقرير إلى أن الكونجرس وافق على وقف تمويل الحرب في فيتنام بعد عامين من موافقته على إبطال تصريح الحرب، وأن وقف تمويل الحرب لم يضع نهاية فورية للعمليات العسكرية هناك

وهو أمر يجب توقعه بالنسبة للعراق، فالواضح – كما تشير خلاصة التقرير – أن الكونجرس سوف يلجأ لوقف العمليات العسكرية الأميركية في العراق تدريجيا من خلال رفض تمويل تلك العمليات، ثم وضع قيودا على الإعتمادات التي سوف يوافق عليها، وقد يلجأ تدريجيا لإبطال تفويض الرئيس وبوقف الإعتمادات المالية عن الحرب كلية

ولعل خلاصة التقرير ترشدنا إلى أن قرار إبطال تفويض الرئيس هو أمر له أهمية سياسية كبيرة خاصة وأن الوصول إليه سيمثل تتويجا لمعارضة غالبية الشعب الأميركي للحرب، ولكن نقض تفويض الحرب لا يعني إنهاء العمليات العسكرية الأميركية في العراق مادامت الإعتمادات المالية مستمرة، لذا من الأفضل أن يلجأ الكونجرس لخفض تلك الإعتمادات، وهو ما سيحدث بالتدريج خوفا من أن يؤدي الخفض السريع للتمويل لإلحاق خسائر عسكرية بالقوات الأميركية بالعراق، أو بتصوير الأمر - سياسيا في واشنطن - على أنه موقف سلبي يتخلي فيه الكونجرس الأميركي عن القوات الأميركية

وفي الغالب سوف يلجأ الكونجرس إلى حزمة مشتركة من القوانين القائمة على الخفض التدريجي لتمويل القوات الأميركية في العراق، ووضع شروط على سبل استخدام الإعتمادات المالية من قبل القوات الأميركية في العراق، على أن يقود الأمر تدريجيا لسحب القوات الأميركية من العراق، وهو ما قد يستغرق سنوات، خاصة ما إذا لجأ الساسة الأميركيون لوقف العمليات العسكرية الأميركية بالعراق مع الحفاظ على وجود عسكري أميركي هناك لفترة أطول

-----

مقالات ذات صلة

هل العراق فيتنام أخرى؟


حالة إنكار

Thursday, May 17, 2007

قراءة في النقد الذاتي الجمهوري
مقال بقلم: علاء بيومي

الناشر:
الجزيرة نت، 17 مايو 2006

نص المقال

مرور ستة أشهر على هزيمة الحزب الجمهوري المدوية في انتخابات نوفمبر 2006 التشريعية تضعنا أمام كم وفير من المقالات والدراسات الساعية إلى الوقوف على الأسباب الحقيقية للحدث الكبير ومغزى تلك الأسباب بالنسبة لمستقبل الحزب الجمهوري وعلاقته بالحزب الديمقراطي في الفترة المقبلة

خسر الجمهوريون وفاز المحافظون

يكاد يجمع الكتاب المحافظين على أن هزيمة اليمين في الانتخابات الأخيرة هي هزيمة للحزب الجمهوري نفسه وسياساته وسياسات قادة الكونجرس والرئيس الأميركي، وأنها لا تمثل بأي حال من الأحوال هزيمة للتيار الأميركي المحافظ أو لليمين الأميركي

ويرى هؤلاء أن الإدارة الأميركية وقيادات الجمهوريين في الكونجرس خانت المبادئ اليمينية والمحافظة وتخلت عنها فتخلى عنها الناخبون المحافظون، وعلى رأس تلك المبادئ تخفيض الإنفاق الحكومي والحد من حجم الحكومة وسيطرتها والحفاظ على السمعة وحسن السير والسلوك، في المقابل وقعت الإدارة الأميركية والقيادات الجمهورية بالكونجرس فريسة الفضائح الأخلاقية والسياسية والإدارية حتى باتت كالمركب المشرف على الغرق والذي ينبغي على ركابه القفز منه هربا بحياتهم على أمل النجاة

وهناك من يرى أن بوش وقادة الكونجرس خانوا مبادئ ريجان والتي قامت على خفض الضرائب والعمل على تقليص حجم الحكومة وميزانيتها ودورها وبناء جيش أميركي قوي يحمي أميركا حول العالم، وهو رأي يذهب إليه دايفيد كين- رئيس لجنة العمل السياسية المحافظة والتي يعد مؤتمرها السنوي أحد أكبر تجمعات المحافظين السياسية السنوية بواشنطن – في أكثر من مقال له

ويدعي دايفيد كين أن ريجان حكم أميركا ثمانية سنوات ولكنه ظل خلال تلك السنوات على عهده في نقد للحكومة وسعيه لتقليص حجمها وكأنه ضدها وليس جزءا منها، وذلك علامة على انحياز ريجان لمبادئ المحافظين الحقيقة وعدم ارتماءه في أحضان السلطة مما مكنه من بناء تحالف شعبي وجماهيري قوي جذب إليه بعض أبناء الحزب الديمقراطي والذين بدءوا في التحول نحو اليمين منذ ذلك الحين، ويجب هنا الإشارة إلى أن أدبيات أميركية مختلفة تشير إلى أن عهد ريجان كان البداية الفعلية لتحول المحافظين الجدد من الحزب الديمقراطي إلى الحزب الجمهوري بعدما أعجبهم موقف ريجان المتشدد في عداءه للشيوعية

ويقول دايفيد كين وكتاب محافظين آخرين أن الإدارة الأميركية والرئيس بوش وقيادات الجمهوريين بالكونجرس - بداية من القيادات التي تمكنت من تحقيق ما سمي بثورة المحافظين في عام 1994 - حين تمكن الجمهوريون تحت قيادة نوت جينجريتش من استعادة السيطرة على مجلس النواب الأميركي لأول مرة منذ عقود – وقعوا سريعا فريسة للسلطة وللحفاظ على مقاعدهم ونسوا مبادئهم والناخبين الذين مكنوهم من الوصول إلى السلطة، كما أغرتهم قوتهم ودفعتهم إلى انتهاك وسوء استغلال السلطة مما استعدى هزيمتهم لكي يتخلص اليساريون واليمينيون منهم على حد سواء

كما يعزي أبناء هذا التيار أنفسهم بالقول بأن الحزب الديمقراطي لم ينجح في الانتخابات الأخيرة بسبب أفكار جديدة تبناها أو قيادات خلاقة قادته، وإنما نجح لأنه اكتفي بتقديم نفسه على أنه معارض لسياسة الجمهوريين، كما أنه حرص على تذكير الناخبين المحليين بما يدور في واشنطن على الساحتين الداخلية والخارجية وأن تصويتهم في الانتخابات المحلية سوف يؤثر على قضايا كبرى بواشنطن وعلى رأسها العراق، كما لجأ الديمقراطيون إلى مرشحين أقرب لليمين المحافظ عنه لليسار الليبرالي، فكثير من مرشحي الحزب الديمقراطي الجدد في الانتخابات الأخيرة قدموا أنفسهم إلى الناخبين كمرشحين محافظين على المستويات الاجتماعية والأخلاقية

ونظرا للأسباب السابق شرحها يرى كثير من الكتاب المحافظين أن الانتخابات الأخيرة كانت استفتاءا على سياسات الحزب الجمهوري لا على قيم ومبادئ اليمين الأميركي، وأن من خسر في تلك الانتخابات هم بوش وقيادات المحافظين في الكونجرس لا تلك المبادئ والتي مازالت مسيطرة، وأن الحل يكمن بالعودة إليها والتشبث بها، وأن عودة الجمهوريين لها سوف تضمن عودة الناخبين للحزب الجمهوري مجددا

مفاجئة الهزيمة ومعالم المستقبل

ولا يخفي بعض الكتاب تفاجئهم بحجم الهزيمة التي فاقت توقعاتهم، في حين يرى البعض منهم أن خسارة حزب رئيس يحكم لدورة ثانية في انتخابات الكونجرس ليس أمرا جديدا أو غير مألوف، كما يرى بعضهم أن الهزيمة أفادت اليمين الأميركي وحظوظه في الانتخابات المقبلة في 2008 لأسباب مختلفة على رأسها أنها جاءت نتيجة طبيعة لأخطاء بوش وقادة الكونجرس المتكررة والتي كان ينبغي وقفها وفضحها وعدم التستر عليها حتى يشفى اليمين الأميركي منها

كما يرى ويليام كريستول - محرر مجلة ذا ويكلي ستاندرد الأسبوعية أشهر مجلات المحافظين الجدد – في مقال نشره في مجلة تايم الأميركية في شهر مارس الماضي - أن هزيمة الجمهوريين في الانتخابات الأخيرة حملت أخبارا سارة عديدة للمحافظين الأميركيين يأتي على رأسها ما يلي

يرى كريستول أن الانتخابات مكنت الديمقراطيون من السيطرة على الكونجرس بمجلسيه، وبذلك أصبحوا شركاءا في السلطة وفي مواجهة مشاكل الإدارة الأميركية والكونجرس العديدة في الوقت الراهن، وعلى رأسها العراق، كما أن السيطرة على الكونجرس "صعبة" تقليديا كما يرى كريستول، وبهذا يضع كريستول المحافظين في موضع المتأهب لأخطاء الديمقراطيين وتعثراتهم وتقديمها كدليل على فشلهم في القيادة التي كانوا يتوقون إليها، وهو رأي براجماتي يلجأ إليه عدد غير قليل من الكتاب والساسة الأميركيين في مواجهة خصومهم في أوقات مختلفة

كما يرى كريستول أن الديمقراطيين لا يمتلكون قيادات قادرة على حشد تأييد الرأي العام الأميركي وخاصة تأييد ناخبي الوسط المعتدلين في انتخابات عام 2008، حيث يعتقد كريستول أن هيلاري كلينتون معروفة بمواقفها اليسارية الواضحة مما سيفقدها مساندة اليمنيين والمعتدلين، كما أن فرص باراك أوباما في الفوز بالرئاسة ضعيفة، وكذلك فرص جون إدواردز كما يعتقد كريستول

في المقابل يرى كريستول أن الجمهوريين يمتلكون مرشحي رئاسة ذوي قدرة على حشد تأييد اليمين والوسط في وقت واحد من أمثال جون ماكين السيناتور اليمين المحافظ المعروف بمواقفه الليبرالية، ورودي جولياني عمدة نيويورك السابق القادر أيضا على حشد أصوات اليسار، وهم قادة لا يمتلكهم الحزب الديمقراطي

كما يقول كريستول أن "أميركا ستظل في حرب حتى عام 2008" مشيرا إلى استمرارية "الحرب على الإرهاب" أو حرب العراق، مما سيدفع الناخبين الأميركيين إلى البحث عن قائد قوي وعن حزب قادر على الدفاع عن أمن أميركا القومي وهي قضايا تمثل مواضع قوة تقليدية وتفوق نسبي للجمهوريين

أما فيما يتعلق بحرب العراق فيبدي كريستول سعادته باستقالة رامسفيلد وبزيادة القوات الأميركي، وهما مطلبان طالب بهما كريستول بشدة في الماضي، ويرى في حدوثهما مصدرا للأمل للجمهوريين الذين مازالوا يعتقدون بأن النصر في العراق أمرا "محتملا"

قراءة في النقد الذاتي الجمهوري

وبدون شك تتميز الكتابات السابقة وغيرها من الكتابات اليمينية التي تناولت هزيمة الجمهوريين الأخيرة بقدر لا يستهان به من الدعائية والتسييس والبعد عن كشف الأسباب الحقيقية للأزمة مما يجعلها دليلا على الأزمة لا حل لها

فالواضح أن الكتابات السابقة تتغافل حقيقة هامة وهي أن سيطرة بوش على البيت الأبيض وقيادات الجمهوريين على الكونجرس لم تكن لتتحقق دون مساندة قواعد جماهيرية يمينية واسعة لكليهما، وهي حقيقة تبرزها كتابات كثيرة ليبرالية وأخرى محايدة كتبت قبل وبعد انتخابات نوفمبر 2006، وهي حجة تبدو بديهية أيضا وذلك لأن سيطرة الرئيس والحزب على البيت الأبيض والكونجرس بمجلسيه ما كانت لتتحقق دون ترسانة كبيرة من التبرعات السياسية ومراكز الأبحاث ووسائل الإعلام والقواعد الحزبية التي مكنت تلك القيادات وساندتها رغم أخطائها على مدى ست سنوات كاملة

وقد سمحت تلك الترسانة بمصادرها المختلفة لأن تشارك قيادات البيت الأبيض والكونجرس الجمهورية في أخطائهم بل وتسابقت بعضها في تبرير تلك الأخطاء وترويجها وعلى رأسها وسائل الإعلام اليمينية كقناة فوكس نيوز ومراكز أبحاث كمعهد أميركان إنتربرايز ومعهد هيرتيج فويندايشين، هذا ناهيك عن دور جماعات معينة في وضع وتبرير سياسات الإدارة على الساحتين الداخلية والخارجية كالمحافظين الجدد وفي تأييد تلك السياسات كالجماعات الإنجليكية المتدينة

وهذا يعني أن اليمين الأميركي في حاجة لمراجعة أكبر للذات، وأن تلك المراجعة في الغالب قائمة على الرغم من حرص القيادات الجمهورية على تجنب الحديث عنها على الملأ

كما من الواضح أن الحزب الجمهوري يعيش مرحلة مخاض صعبة وذلك بسبب بقاء الرئيس بوش في السلطة بأخطائه المتكررة وبتراجع شعبيته لمستويات غير مسبوقة في أوساط الجمهوريين والديمقراطيين إلى حد سواء بعدما تحول إلى رمز للمشكلة لا يريد أن يتوارى عن الأعين

كما يعيش الحزب الجمهوري مرحلة مخاض بحثا عن قيادات جديدة قادرة على توحيد الحزب وربما بحثا عن تحالفات جماهيرية جديدة وربما أفكار جديدة تعيد صياغة تحالفات وسياسات الجمهوريين، فأخطاء الفترة الأخيرة أكبر من أن يتم علاجها بأساليب دعائية سطحية

حظوظ الديمقراطيين وموقف المعنيين

هذا لا يعني أن السلطة مقدمة للديمقراطيين على طبق من ذهب، فالواضح أيضا أن الديمقراطيين مازالوا يبحثون عن قيادات أقوى، وعن أفكار جديدة تتعدى نقد الجمهوريين إلى تقديم حلولا حقيقية لمشاكل معقدة وعلى رأسها حرب العراق والتي تمثل خطرا محدقا على صورة أميركا وأمنها في حالة بقاء أميركا أو انسحابها من هناك

كما يجب على الديمقراطيين الانتباه لتبعات سنوات سيطرة الجمهوريين على السلطة على توجهات الشعب الأميركي ذاته والذي يخشى من تأثره بالدعاية اليمينية على مستويات هامة مثل موقفه من قضايا الهجرة والأقليات والحقوق والحريات المدنية والأمن القومي، خاصة في ذلك صعود وسائل الإعلام اليمينية الأميركية الكبير في السنوات الأخيرة، مما يتحتم على الديمقراطيين الحذر من أن يضطرهم سعيهم للسلطة ولإرضاء الناخبين لتبني مواقف خصومهم

أخيرا بالنسبة للمواطن الأميركي والمعنيين بسياسات أميركا المختلفة فليس أمامهم إلا مزيد من المعرفة والتعبئة، فقراءة أراء الكتاب والسياسيين الأميركيين والتي تغلب عليها الدعاية السياسية قد تدفع المواطن العادي بعيدا عن الحقيقة بدلا من تقريبه منها، وكبديل ينبغي عليه تسليح نفسه بمعرفة أدق بالسياسات الأميركية والمسيطرين عليها، وخاصة فيما يتعلق بالسياسات التي تمس حياته كقضايا التعليم والضرائب والرعاية الصحية والحقوق المدنية وحقوق الفقراء والأقليات

فوقوف المواطن الأميركي موقف المتفرج أملا في التغيير لن يعود عليه إلا بالخسارة، فالتعبئة والتنظيم ضروريان لمعرفة مسار السياسة الأميركية والتأثير عليها، وهي نصيحة تنطبق على المعنيين بسياسة أميركا الخارجية أيضا، فالساحة الأميركية كانت ومازالت مفتوحة أمام اللوبيات وجماعات المصالح، وليس هناك أسلوب للإصلاح أفضل من التدافع من أجل الإصلاح المنشود

أما بالنسبة للمستقبل فالسياسة الأميركية مليئة بمشاعر سلبية تجاه الجمهوريين وبتغييرات عديدة قادمة يصعب التنبؤ بها في الوقت الراهن خاصة في مواجهة سيل الكتابات الأميركية التي تسعى لتوصيف المستقبل إنطلاقا من مصالحها السياسية

-----

مقالات ذات صلة

المحافظون الجدد وصقور واشنطن باقون

أين أخطأ اليمين الأميركي؟