Wednesday, May 30, 2007

سلطة الكونجرس في الحد من العمليات العسكرية الأميركية في العراق
عرض بقلم: علاء بيومي

الناشر:
الجزيرة نت، 30 مايو 2006، حقوق الطبع والنشر محفوظة للناشر

نص العرض

التقرير الراهن صادر عن خدمة أبحاث الكونجرس وهي مركز أبحاث تابع للكونجرس الأميركي يعمل على توفير الأبحاث العملية التي يحتاجها أعضاء الكونجرس في بناء قراراتهم المختلفة، ولا يوفر المركز أبحاثه للجمهور الأميركي بشكل مباشر، بل يتم توفيرها عن طريق أطراف ثالثة تقوم بنشر تقارير المركز الهامة، مثل الخارجية الأميركية على سبيل المثال

ويدافع مسئولو المركز عن قرار عدم توفير أبحاثة بشكل مباشر للرأي العام الأميركي بالإشارة إلى رغبة المركز في تقديم النصيحة الخالصة لأعضاء الكونجرس ورفضه أن تستخدم أبحاثه في الصراع السياسي الدائر بين الكونجرس والإدارة الأميركية وأنصارهما

ويأتي التقرير الحالي الصادر في الرابع والعشرين من أبريل الماضي ليسلط الضوء على قضية هامة في الفترة الحالية، وهي مساعي الكونجرس لوضع قيود على العمليات العسكرية الأميركية بالعراق تماشيا مع رغبة نسبة كبيرة من الشعب الأميركي والنواب الديمقراطيين والجمهوريين الذين باتوا يرون في حرب العراق عبئا ضخما سياسيا واقتصاديا على عاتق أميركا

ويسعى التقرير للإجابة على سؤال على قدر كبير من التخصص والصعوبة وهو مدى الصلاحيات التي يمنحها الدستور الأميركي للكونجرس للحد من العمليات العسكرية الأميركية في العراق، وهو سؤال قانوني بالأساس تتطلب الإجابة عليه التعرض للدستور الأميركي، وللسوابق التاريخية المحددة للعلاقة بين الكونجرس والرئيس في قضايا الحرب وسلطاتها، مما يجعل قراءة التقرير مهمة شاقة لغير القانونيين ولمن لا يمتلكون معرفة مناسبة بتاريخ أميركا ونظامها السياسي وبتوزيع السلطات بين المؤسسات الأميركية المختلفة

القائد الأعلى للقوات المسلحة

خلاصة التقرير هي أن قدرة الكونجرس الأميركي على الحد من العمليات العسكرية الأميركية في العراق ليست قضية سياسية فقط، ولكنها قضية دستورية إلى حد كبير تتعلق بنصوص الدستور الأميركي وبرؤيته لطبيعة العلاقة بين الكونجرس والرئيس خلال فترات الحروب، وهي خلاصة يجب شرحها للمعنيين بتلك القضية خلال الوقت الراهن حتى لا يبالغوا في تضخيم قدرة الأغلبية الديمقراطية بالكونجرس على الحد من العمليات العسكرية الأميركية في العراق في الوقت الراهن

فالدستور الأميركي – كما يرى التقرير – يقسم سلطات الحرب بين الكونجرس والرئيس بشكل متشابك مركب يهدف إلى فرض الرقابة المتبادلة بين المؤسستين، ومنع إنفراد أحدهما بالسلطة خاصة في قضية هامة مثل قضية الحرب

فالرئيس وفقا للدستور هو القائد الأعلى للقوات المسلحة الأميركية، والموكل بقيادة القوات المسلحة الأميركية في أوقات الحرب والسلم، وهو أيضا مخول سلطة حماية أميركا ضد أي هجوم مفاجئ دون العودة للكونجرس، فلا يعقل أن يذهب الرئيس للكونجرس ليطلب تصريحا بمواجهة هجوم وشيك أو قائم على الولايات المتحدة

ولكن ينبغي على الرئيس العودة خلال فترة قصيرة للكونجرس لطلب موافقته على مثل تلك العمليات مادام الكونجرس منعقدا، كما ينبغي على الرئيس طلب موافقة الكونجرس قبل شن حرب ما، فالكونجرس يمتلك سلطة إعلان الحرب وتمويلها، بينما يمتلك الرئيس سلطة تنفيذ الحرب وحماية أميركا في حالات الضرورة

إذ يحرص الدستور على عدم تقييد يد الرئيس الأميركي – القائد الأعلى للقوات المسلحة الأميركية – خلال فترات الحروب، فلا يعقل مرة أخرى أن يطلب الرئيس موافقة الكونجرس قبل أن يعطي الأوامر بتحريك كل جندي من الجنود الأميركيين بالعراق أو قبل شن كل عملية عسكرية صغيرة أو كبيرة هناك، فالرئيس هو المسئول عن وضع إستراتيجية الحرب وتنفيذها

سلطات الكونجرس

ولكن سلطات الرئيس السابقة لا تعني أن يد الرئيس غير مقيدة في إدارة الحرب وإطالتها لأمد مفتوح، فالكونجرس له حق إعلان الحرب والتأثير على مسارها من خلال أداة هامة جدا، وهي التمويل فتمويل الحرب هو من مسئوليات الكونجرس الذي يجب أن يوافق على أي إعتمادات مالية للحكومة بما في ذلك الإعتمادات المالية المخصصة للقوات المسلحة الأميركية، وإذا وافق الكونجرس على بنود ميزانية محددة، وخصص تمويلا لكل بند من تلك البنود بما في ذلك العمليات العسكرية، لا يحق للرئيس أن يعيد تخصيص المواد الموزعة في الميزانية، ويتحتم عليه أن يدير عملياته العسكرية وفقا للموارد المخصصة من قبل الكونجرس لتلك العمليات فقط سواء قلت أو كبرت، مما قد يعني نهاية الحرب إذا ما توقف الكونجرس على تمويلها

كما يحق للكونجرس أيضا إبطال قرار إعلان الحرب، مما يعني نهاية تفويض الرئيس بخوض الحرب، ولكن التقرير يؤكد أن لغة القانون تختلف عن لغة السياسية وعن اللغة الجمهور، وهي حقيقة تطل بشكل متكرر عبر التقرير، حيث يرى مؤلفو التقرير أن إنهاء تفويض الرئيس لا يعني وقف الحرب وسحب القوات، إذ يمكن للقوات الأميركية أن تستمر في حرب بعد إلغاء تفويض الحرب لسببين على الأقل، أولهما وجود إعتمادات مالية للعمليات العسكرية، حيث يرى بعض القانونيين أن وجود إعتمادات مالية لتمويل القوات يعني تفويض ضمني للقوات بأن تستمر في عملياتها العسكرية، أما السبب الثاني فهو أن وقف الحرب لا يتم بشكل لحظي مفاجئ قد يعرض القوات الأميركية أو الإستراتيجية الأميركية لمخاطر ضخمة، إذا يمكن للرئيس أن يستمر في حرب بدأها بعد إبطال الكونجرس لقرار تفويض سلطات الحرب مادام مرتبط بمصالح معينة للجنود مثل المساعدة على ترحيل القوات من أرض المعركة أو حماية قوات باقية هناك

وهذا يعني أن قدرة الرئيس على وقف تمويل الحرب أهم عمليا من قدرته على إبطال تصريح خوضها، كما يقول التقرير – في لافتة قانونية مثيرة – أن السلبية أفضل من الإيجابية فيما يتعلق بقدرة الكونجرس على وقف تمويل الحرب، حيث يشير مؤلفو التقرير إلى أن أعضاء الكونجرس قد يحاولون وقف الحرب من خلال تقديم تشريعات مالية أو بنود قانونية تطالب بذلك مثل وضع سقف زمني لسحب الجنود أو وضع شروط على طرق إنفاق الإعتمادات المالية المخصصة للعمليات العسكرية، وهي مبادرات إيجابية تعبر عن رغبة أعضاء الكونجرس في وضع حدا لاستمرار العمليات العسكرية، ولكنها من وجهة نظر القانون تشريعات تخضع لمسار أي تشريع أخر يحق للرئيس رفضه "فيتو" بعد موافقة الكونجرس عليه، كما أنها قد تعد تدخلا في سلطات الرئيس كقائد أعلى للقوات المسلحة، فقد ينادي بعض محامي الرئيس بأن وضع شروط على التمويل هو تقييد ليد الرئيس في قيادة القوات الأميركية مما يعد أمرا غير دستوريا، وإن كان مؤلفو التقرير يرون أن وضع قيود على سبل إنفاق الإعتمادات المالية للقوات المسلحة الأميركية هو أمر يقع ضمن اختصاصات الكونجرس وسلطاته

أما الطريقة الأكثر فعالية – من وجهة نظر التقرير – في طريقة سلبية تقوم على رفض تمرير إعتمادات مالية جديدة للقوات الأميركية والتصويت ضدها، فبدون تعاون الكونجرس لن يتمكن الرئيس من تقديم إعتمادات مالية أو تمريرها


إعلان السلام وموقف القضاء

وتوضيحا لموقف الكونجرس من قضية سلطات الحرب، يشير التقرير إلى أن الكونجرس يضع سلطة إعلان الحرب في يد الكونجرس بشكل واضح، ولكنه يجعل سلطة إنهاء الحرب أو "إعلان السلام" مسئولية مشتركة بين الرئيس والكونجرس، فقد يتم إعلان إنهاء الحرب من خلال تشريع يمرره الكونجرس ويوافق عليه الرئيس، أو من خلال معاهدة يوقعها الرئيس مع طرف أجنبي يعلن فيها السلام ويصدق عليها الكونجرس، أو من خلال إعلان رئاسي، وفي جميع الحالات السابقة يقف الدستور موقفا غامضا أو مرننا تجاه قضية إعلان السلام، وقد يعود ذلك لرغبة واضعي الدستور الأميركية – الآباء المؤسسين – لعدم تقييد يد الرئيس في قضايا الحرب والسلام وفي عدم تركها مطلقة

وينعكس الأمر نفسه على موقف السلطة القضائية من القضية ذاتها، فالسلطة القضائية لديها القدرة على تفسير العلاقة الدستورية بين الرئيس والكونجرس والفصل في دستورية تصرفات أي منهما، ولكنها تتردد – كما يظهر في السوابق التاريخية – في التدخل في الصراع الدائر بين الرئيس والكونجرس فيما يتعلق بسلطات الحرب، فلو قام الكونجرس بوضع قيود على تمويل العمليات العسكرية لسبب عسكري أو سياسي ما – على سبيل المثال، وقام الرئيس بقيادة القوات العسكرية في عمليات رأي أعضاء الكونجرس أنها تتناقض مع تشريعهم فلجئوا إلى القضاء لتحديد قانونية تصرفات الرئيس العسكرية لسعى القضاة للتملص من الأمر برمته، ولرفضوا التدخل فيه، حيث يرى القضاة تاريخيا أن تلك القضايا عملية سياسية بعيدة عن تخصصهم، والذي يركز على تحديد العلاقة الدستورية بين الرئيس والكونجرس، فهم ليسوا عسكريون وليسوا على دراية بالاستراتيجيات العسكرية وبسير العمليات العسكرية الأميركية، ومن ثم كان حري بهم عدم التدخل في مثل تلك القضايا

الكونجرس والعراق

يوضح التقرير أن قرار إنهاء حرب ما من خلال إبطال تصريح خوضها أو وقف تمويلها هو قرار بطئ يستغرق تنفيذه فترة طويلة قد تقدر بسنوات، كما ظهر في حالة فيتنام، حيث يشير التقرير إلى أن الكونجرس وافق على وقف تمويل الحرب في فيتنام بعد عامين من موافقته على إبطال تصريح الحرب، وأن وقف تمويل الحرب لم يضع نهاية فورية للعمليات العسكرية هناك

وهو أمر يجب توقعه بالنسبة للعراق، فالواضح – كما تشير خلاصة التقرير – أن الكونجرس سوف يلجأ لوقف العمليات العسكرية الأميركية في العراق تدريجيا من خلال رفض تمويل تلك العمليات، ثم وضع قيودا على الإعتمادات التي سوف يوافق عليها، وقد يلجأ تدريجيا لإبطال تفويض الرئيس وبوقف الإعتمادات المالية عن الحرب كلية

ولعل خلاصة التقرير ترشدنا إلى أن قرار إبطال تفويض الرئيس هو أمر له أهمية سياسية كبيرة خاصة وأن الوصول إليه سيمثل تتويجا لمعارضة غالبية الشعب الأميركي للحرب، ولكن نقض تفويض الحرب لا يعني إنهاء العمليات العسكرية الأميركية في العراق مادامت الإعتمادات المالية مستمرة، لذا من الأفضل أن يلجأ الكونجرس لخفض تلك الإعتمادات، وهو ما سيحدث بالتدريج خوفا من أن يؤدي الخفض السريع للتمويل لإلحاق خسائر عسكرية بالقوات الأميركية بالعراق، أو بتصوير الأمر - سياسيا في واشنطن - على أنه موقف سلبي يتخلي فيه الكونجرس الأميركي عن القوات الأميركية

وفي الغالب سوف يلجأ الكونجرس إلى حزمة مشتركة من القوانين القائمة على الخفض التدريجي لتمويل القوات الأميركية في العراق، ووضع شروط على سبل استخدام الإعتمادات المالية من قبل القوات الأميركية في العراق، على أن يقود الأمر تدريجيا لسحب القوات الأميركية من العراق، وهو ما قد يستغرق سنوات، خاصة ما إذا لجأ الساسة الأميركيون لوقف العمليات العسكرية الأميركية بالعراق مع الحفاظ على وجود عسكري أميركي هناك لفترة أطول

-----

مقالات ذات صلة

هل العراق فيتنام أخرى؟


حالة إنكار

No comments: