Thursday, May 17, 2007

قراءة في النقد الذاتي الجمهوري
مقال بقلم: علاء بيومي

الناشر:
الجزيرة نت، 17 مايو 2006

نص المقال

مرور ستة أشهر على هزيمة الحزب الجمهوري المدوية في انتخابات نوفمبر 2006 التشريعية تضعنا أمام كم وفير من المقالات والدراسات الساعية إلى الوقوف على الأسباب الحقيقية للحدث الكبير ومغزى تلك الأسباب بالنسبة لمستقبل الحزب الجمهوري وعلاقته بالحزب الديمقراطي في الفترة المقبلة

خسر الجمهوريون وفاز المحافظون

يكاد يجمع الكتاب المحافظين على أن هزيمة اليمين في الانتخابات الأخيرة هي هزيمة للحزب الجمهوري نفسه وسياساته وسياسات قادة الكونجرس والرئيس الأميركي، وأنها لا تمثل بأي حال من الأحوال هزيمة للتيار الأميركي المحافظ أو لليمين الأميركي

ويرى هؤلاء أن الإدارة الأميركية وقيادات الجمهوريين في الكونجرس خانت المبادئ اليمينية والمحافظة وتخلت عنها فتخلى عنها الناخبون المحافظون، وعلى رأس تلك المبادئ تخفيض الإنفاق الحكومي والحد من حجم الحكومة وسيطرتها والحفاظ على السمعة وحسن السير والسلوك، في المقابل وقعت الإدارة الأميركية والقيادات الجمهورية بالكونجرس فريسة الفضائح الأخلاقية والسياسية والإدارية حتى باتت كالمركب المشرف على الغرق والذي ينبغي على ركابه القفز منه هربا بحياتهم على أمل النجاة

وهناك من يرى أن بوش وقادة الكونجرس خانوا مبادئ ريجان والتي قامت على خفض الضرائب والعمل على تقليص حجم الحكومة وميزانيتها ودورها وبناء جيش أميركي قوي يحمي أميركا حول العالم، وهو رأي يذهب إليه دايفيد كين- رئيس لجنة العمل السياسية المحافظة والتي يعد مؤتمرها السنوي أحد أكبر تجمعات المحافظين السياسية السنوية بواشنطن – في أكثر من مقال له

ويدعي دايفيد كين أن ريجان حكم أميركا ثمانية سنوات ولكنه ظل خلال تلك السنوات على عهده في نقد للحكومة وسعيه لتقليص حجمها وكأنه ضدها وليس جزءا منها، وذلك علامة على انحياز ريجان لمبادئ المحافظين الحقيقة وعدم ارتماءه في أحضان السلطة مما مكنه من بناء تحالف شعبي وجماهيري قوي جذب إليه بعض أبناء الحزب الديمقراطي والذين بدءوا في التحول نحو اليمين منذ ذلك الحين، ويجب هنا الإشارة إلى أن أدبيات أميركية مختلفة تشير إلى أن عهد ريجان كان البداية الفعلية لتحول المحافظين الجدد من الحزب الديمقراطي إلى الحزب الجمهوري بعدما أعجبهم موقف ريجان المتشدد في عداءه للشيوعية

ويقول دايفيد كين وكتاب محافظين آخرين أن الإدارة الأميركية والرئيس بوش وقيادات الجمهوريين بالكونجرس - بداية من القيادات التي تمكنت من تحقيق ما سمي بثورة المحافظين في عام 1994 - حين تمكن الجمهوريون تحت قيادة نوت جينجريتش من استعادة السيطرة على مجلس النواب الأميركي لأول مرة منذ عقود – وقعوا سريعا فريسة للسلطة وللحفاظ على مقاعدهم ونسوا مبادئهم والناخبين الذين مكنوهم من الوصول إلى السلطة، كما أغرتهم قوتهم ودفعتهم إلى انتهاك وسوء استغلال السلطة مما استعدى هزيمتهم لكي يتخلص اليساريون واليمينيون منهم على حد سواء

كما يعزي أبناء هذا التيار أنفسهم بالقول بأن الحزب الديمقراطي لم ينجح في الانتخابات الأخيرة بسبب أفكار جديدة تبناها أو قيادات خلاقة قادته، وإنما نجح لأنه اكتفي بتقديم نفسه على أنه معارض لسياسة الجمهوريين، كما أنه حرص على تذكير الناخبين المحليين بما يدور في واشنطن على الساحتين الداخلية والخارجية وأن تصويتهم في الانتخابات المحلية سوف يؤثر على قضايا كبرى بواشنطن وعلى رأسها العراق، كما لجأ الديمقراطيون إلى مرشحين أقرب لليمين المحافظ عنه لليسار الليبرالي، فكثير من مرشحي الحزب الديمقراطي الجدد في الانتخابات الأخيرة قدموا أنفسهم إلى الناخبين كمرشحين محافظين على المستويات الاجتماعية والأخلاقية

ونظرا للأسباب السابق شرحها يرى كثير من الكتاب المحافظين أن الانتخابات الأخيرة كانت استفتاءا على سياسات الحزب الجمهوري لا على قيم ومبادئ اليمين الأميركي، وأن من خسر في تلك الانتخابات هم بوش وقيادات المحافظين في الكونجرس لا تلك المبادئ والتي مازالت مسيطرة، وأن الحل يكمن بالعودة إليها والتشبث بها، وأن عودة الجمهوريين لها سوف تضمن عودة الناخبين للحزب الجمهوري مجددا

مفاجئة الهزيمة ومعالم المستقبل

ولا يخفي بعض الكتاب تفاجئهم بحجم الهزيمة التي فاقت توقعاتهم، في حين يرى البعض منهم أن خسارة حزب رئيس يحكم لدورة ثانية في انتخابات الكونجرس ليس أمرا جديدا أو غير مألوف، كما يرى بعضهم أن الهزيمة أفادت اليمين الأميركي وحظوظه في الانتخابات المقبلة في 2008 لأسباب مختلفة على رأسها أنها جاءت نتيجة طبيعة لأخطاء بوش وقادة الكونجرس المتكررة والتي كان ينبغي وقفها وفضحها وعدم التستر عليها حتى يشفى اليمين الأميركي منها

كما يرى ويليام كريستول - محرر مجلة ذا ويكلي ستاندرد الأسبوعية أشهر مجلات المحافظين الجدد – في مقال نشره في مجلة تايم الأميركية في شهر مارس الماضي - أن هزيمة الجمهوريين في الانتخابات الأخيرة حملت أخبارا سارة عديدة للمحافظين الأميركيين يأتي على رأسها ما يلي

يرى كريستول أن الانتخابات مكنت الديمقراطيون من السيطرة على الكونجرس بمجلسيه، وبذلك أصبحوا شركاءا في السلطة وفي مواجهة مشاكل الإدارة الأميركية والكونجرس العديدة في الوقت الراهن، وعلى رأسها العراق، كما أن السيطرة على الكونجرس "صعبة" تقليديا كما يرى كريستول، وبهذا يضع كريستول المحافظين في موضع المتأهب لأخطاء الديمقراطيين وتعثراتهم وتقديمها كدليل على فشلهم في القيادة التي كانوا يتوقون إليها، وهو رأي براجماتي يلجأ إليه عدد غير قليل من الكتاب والساسة الأميركيين في مواجهة خصومهم في أوقات مختلفة

كما يرى كريستول أن الديمقراطيين لا يمتلكون قيادات قادرة على حشد تأييد الرأي العام الأميركي وخاصة تأييد ناخبي الوسط المعتدلين في انتخابات عام 2008، حيث يعتقد كريستول أن هيلاري كلينتون معروفة بمواقفها اليسارية الواضحة مما سيفقدها مساندة اليمنيين والمعتدلين، كما أن فرص باراك أوباما في الفوز بالرئاسة ضعيفة، وكذلك فرص جون إدواردز كما يعتقد كريستول

في المقابل يرى كريستول أن الجمهوريين يمتلكون مرشحي رئاسة ذوي قدرة على حشد تأييد اليمين والوسط في وقت واحد من أمثال جون ماكين السيناتور اليمين المحافظ المعروف بمواقفه الليبرالية، ورودي جولياني عمدة نيويورك السابق القادر أيضا على حشد أصوات اليسار، وهم قادة لا يمتلكهم الحزب الديمقراطي

كما يقول كريستول أن "أميركا ستظل في حرب حتى عام 2008" مشيرا إلى استمرارية "الحرب على الإرهاب" أو حرب العراق، مما سيدفع الناخبين الأميركيين إلى البحث عن قائد قوي وعن حزب قادر على الدفاع عن أمن أميركا القومي وهي قضايا تمثل مواضع قوة تقليدية وتفوق نسبي للجمهوريين

أما فيما يتعلق بحرب العراق فيبدي كريستول سعادته باستقالة رامسفيلد وبزيادة القوات الأميركي، وهما مطلبان طالب بهما كريستول بشدة في الماضي، ويرى في حدوثهما مصدرا للأمل للجمهوريين الذين مازالوا يعتقدون بأن النصر في العراق أمرا "محتملا"

قراءة في النقد الذاتي الجمهوري

وبدون شك تتميز الكتابات السابقة وغيرها من الكتابات اليمينية التي تناولت هزيمة الجمهوريين الأخيرة بقدر لا يستهان به من الدعائية والتسييس والبعد عن كشف الأسباب الحقيقية للأزمة مما يجعلها دليلا على الأزمة لا حل لها

فالواضح أن الكتابات السابقة تتغافل حقيقة هامة وهي أن سيطرة بوش على البيت الأبيض وقيادات الجمهوريين على الكونجرس لم تكن لتتحقق دون مساندة قواعد جماهيرية يمينية واسعة لكليهما، وهي حقيقة تبرزها كتابات كثيرة ليبرالية وأخرى محايدة كتبت قبل وبعد انتخابات نوفمبر 2006، وهي حجة تبدو بديهية أيضا وذلك لأن سيطرة الرئيس والحزب على البيت الأبيض والكونجرس بمجلسيه ما كانت لتتحقق دون ترسانة كبيرة من التبرعات السياسية ومراكز الأبحاث ووسائل الإعلام والقواعد الحزبية التي مكنت تلك القيادات وساندتها رغم أخطائها على مدى ست سنوات كاملة

وقد سمحت تلك الترسانة بمصادرها المختلفة لأن تشارك قيادات البيت الأبيض والكونجرس الجمهورية في أخطائهم بل وتسابقت بعضها في تبرير تلك الأخطاء وترويجها وعلى رأسها وسائل الإعلام اليمينية كقناة فوكس نيوز ومراكز أبحاث كمعهد أميركان إنتربرايز ومعهد هيرتيج فويندايشين، هذا ناهيك عن دور جماعات معينة في وضع وتبرير سياسات الإدارة على الساحتين الداخلية والخارجية كالمحافظين الجدد وفي تأييد تلك السياسات كالجماعات الإنجليكية المتدينة

وهذا يعني أن اليمين الأميركي في حاجة لمراجعة أكبر للذات، وأن تلك المراجعة في الغالب قائمة على الرغم من حرص القيادات الجمهورية على تجنب الحديث عنها على الملأ

كما من الواضح أن الحزب الجمهوري يعيش مرحلة مخاض صعبة وذلك بسبب بقاء الرئيس بوش في السلطة بأخطائه المتكررة وبتراجع شعبيته لمستويات غير مسبوقة في أوساط الجمهوريين والديمقراطيين إلى حد سواء بعدما تحول إلى رمز للمشكلة لا يريد أن يتوارى عن الأعين

كما يعيش الحزب الجمهوري مرحلة مخاض بحثا عن قيادات جديدة قادرة على توحيد الحزب وربما بحثا عن تحالفات جماهيرية جديدة وربما أفكار جديدة تعيد صياغة تحالفات وسياسات الجمهوريين، فأخطاء الفترة الأخيرة أكبر من أن يتم علاجها بأساليب دعائية سطحية

حظوظ الديمقراطيين وموقف المعنيين

هذا لا يعني أن السلطة مقدمة للديمقراطيين على طبق من ذهب، فالواضح أيضا أن الديمقراطيين مازالوا يبحثون عن قيادات أقوى، وعن أفكار جديدة تتعدى نقد الجمهوريين إلى تقديم حلولا حقيقية لمشاكل معقدة وعلى رأسها حرب العراق والتي تمثل خطرا محدقا على صورة أميركا وأمنها في حالة بقاء أميركا أو انسحابها من هناك

كما يجب على الديمقراطيين الانتباه لتبعات سنوات سيطرة الجمهوريين على السلطة على توجهات الشعب الأميركي ذاته والذي يخشى من تأثره بالدعاية اليمينية على مستويات هامة مثل موقفه من قضايا الهجرة والأقليات والحقوق والحريات المدنية والأمن القومي، خاصة في ذلك صعود وسائل الإعلام اليمينية الأميركية الكبير في السنوات الأخيرة، مما يتحتم على الديمقراطيين الحذر من أن يضطرهم سعيهم للسلطة ولإرضاء الناخبين لتبني مواقف خصومهم

أخيرا بالنسبة للمواطن الأميركي والمعنيين بسياسات أميركا المختلفة فليس أمامهم إلا مزيد من المعرفة والتعبئة، فقراءة أراء الكتاب والسياسيين الأميركيين والتي تغلب عليها الدعاية السياسية قد تدفع المواطن العادي بعيدا عن الحقيقة بدلا من تقريبه منها، وكبديل ينبغي عليه تسليح نفسه بمعرفة أدق بالسياسات الأميركية والمسيطرين عليها، وخاصة فيما يتعلق بالسياسات التي تمس حياته كقضايا التعليم والضرائب والرعاية الصحية والحقوق المدنية وحقوق الفقراء والأقليات

فوقوف المواطن الأميركي موقف المتفرج أملا في التغيير لن يعود عليه إلا بالخسارة، فالتعبئة والتنظيم ضروريان لمعرفة مسار السياسة الأميركية والتأثير عليها، وهي نصيحة تنطبق على المعنيين بسياسة أميركا الخارجية أيضا، فالساحة الأميركية كانت ومازالت مفتوحة أمام اللوبيات وجماعات المصالح، وليس هناك أسلوب للإصلاح أفضل من التدافع من أجل الإصلاح المنشود

أما بالنسبة للمستقبل فالسياسة الأميركية مليئة بمشاعر سلبية تجاه الجمهوريين وبتغييرات عديدة قادمة يصعب التنبؤ بها في الوقت الراهن خاصة في مواجهة سيل الكتابات الأميركية التي تسعى لتوصيف المستقبل إنطلاقا من مصالحها السياسية

-----

مقالات ذات صلة

المحافظون الجدد وصقور واشنطن باقون

أين أخطأ اليمين الأميركي؟

1 comment:

Anonymous said...

ما اجمل النقد الذاتى الذى تستطيع من خلاله الامم ان تبنى ذاتها ايضا ويا رييت نحن العرب ان نتعلم هذا النقد الذاتى ولا يكون بيننا وبينه خصومه حتى نجدد باستمرار اداءنا ونطوره ولكن يبدو ان مشكلتنا الرئيسيه عدم وجود روح الفريق فى اداء اى عمل ومحاولتنا المستمرة عن الغارس السوبر مان الذى يستطيع ان يفععل كل شىء والاخري يصفقون له ويهتفون بحياته