Tuesday, April 24, 2007

هل العراق فيتنام أخرى؟



عرض بقلم: علاء بيومي

الناشر:
الجزيرة نت، 24 أبريل 2006، حقوق الطبع والنشر محفوظة للناشر

نص العرض

مقارنة الأميركيين بين حربي العراق وفيتنام قديمة تعود إلى حرب تحرير الكويت في أوائل التسعينيات والتي دفعت بعض المحللين الأميركيين إلى التساؤل حول تبعات تلك الحرب على أميركا وعلى نظرتها إلى دور جيشها وقدرته على خوض الحروب الخارجية، وحول ما إذا كانت مشاركة القوات الأميركية في حرب تحرير الكويت ستؤدي إلى عقدة جديدة على غرار عقدة فيتنام، وبالطبع زادت تلك المقارنة لأسباب واضحة خلال عهد الرئيس الأميركي الحالي جورج دبليو بوش ومنذ اتضاح عزمه غزو العراق، والذي وقع في مارس 2003

الكتاب الراهن يوضح أن المقارنة العلمية بين العراق وفيتنام صعبة نظرا لتعدد جوانب المقارنة بين حدثين كبيرين متعددي الجوانب على غرار حرب فيتنام واحتلال العراق، ويعود ذلك إلى حد كبير إلى صعوبة الوعي الدقيق بتفاصيل الصراعين العديدة والمتشعبة، حيث يظهر من الكتاب أن مؤلفه - والذي ألف عدد من الدراسات عن حرب فيتنام - قليل المعرفة بتفاصيل حرب العراق وبالجماعات العراقية والتي يكتفي لتقسيمها إلى سنة وأكراد وشيعة دون الخوض في التفاصيل مما يوضح الصعوبة التي يواجهها بعض الخبراء الأميركيين في التعامل مع حرب العراق والتي تدار في أرض بعيدة ذات ثقافة مغايرة عن الثقافة الأميركية الشائعة، وهي أوصاف يرددها مؤلف الكتاب في أكثر من مناسبة حيث يرى أن أحد أوجه التشابه بين حربي فيتنام والعراق هو أنهما دارتا على أراضي بعيدة ذات ثقافات أجنبية مغايرة تحت ستار من الشعارات والمبادئ الأميركية التي قد لا تعكس بالضرورة مصالح الأمن القومي الأميركي المباشرة

كما يؤكد أن بعد المسافة واختلاف اللغة وغربة الثقافة وتردي الأوضاع في العراق على غرار ما حدث في فيتنام لابد وأن تفقد الأميركيين صبرهم على الحرب شكل مضطرد مما يضع مؤيدي الحرب في وضع بالغ الصعوبة داخليا على الأقل

مستقبل العراق

صعوبة إجراء المقارنة لا تقلل من أهمية الكتاب الصادر عن مطابع بابليك أفاريز الأميركية والتي تتميز بنشر دراسات جادة تتناول أهم القضايا السيارة التي تشغل الرأي العام الأميركي، هذا إضافة إلى أن مؤلف الكتاب ويدعى روبرت بيرجهام تحمل عناء عقد المقارنة بين حربي فيتنام والعراق في جوانب هامة عديدة نأمل أن نوضحها لقارئ العرض الحالي

أما أهم مضامين الكتاب - من وجهة نظرنا - والذي يبدو ضمنيا بعض الشيء - فهو تنبؤ المؤلف بمستقبل العراق اعتمادا على خبرة حرب فيتنام، أو بالأحرى مستقبل السياسة الأميركية في العراق على غرار ما آلت إليه سياسة أميركا في فيتنام، وهي نبوءة يبنيها المؤلف بهدوء وتدريج عبر صفحات كتابه ولا يصل إليها بوضوح إلا في صفحات الكتاب الأخيرة، حيث يخصص المؤلف فصول كتابه الخمسة لمقارنة الحربين في جوانب مختلفة بداية من أسبابهما المعلنة، وحجم القوات المشاركة فيها، والأطراف المعنية بهما، وأسباب النجاح أو الفشل، لذا لا يتحدث المؤلف عن تبعات الحربين ومستقبل السياسة الأميركية تجاههما إلا في نهاية كتابه، وهي خلاصة مهمة قد لا يصل إليها من يقتصر في قراءته للكتاب على فصوله الأولى

وبهذه الخصوص يرى روبرت بيرجهام أن الحكومة الأميركية بعدما تيقنت من فشلها في فيتنام وعجزها عن تحقيق نصر حسام في حربها هناك - والتي دخلت في دوامة من الفشل على ساحات مختلفة - وضعت أمامها هدفا برجماتيا يقوم على محاولة التوصل إلى خطة انسحاب تحفظ ماء الوجه الأميركي حتى ولو لم تضع حلا حقيقا لصراع فيتنام وتحمي حلفاء أميركا في فيتنام الجنوبية، فبعدما تبين للإدارات الأميركية فشلها في فيتنام أصبح هدفها الرئيسي هو البحث عن مخرج مرضي من الصراع حتى وأن لم يكن مخرج حقيقي، وعندما خرجت أميركا من فيتنام وتدهورت الأوضاع هناك أكثر فأكثر لم يفكر الأميركيون في العودة إلى هناك مرة أخرى - بغض النظر عما حدث لحلفائهم في فيتنام الجنوبية - بعد ذلك بعدما أصبح الصراع عالي التكلفة بالنسبة لهم على المستويات الاقتصادية والسياسية

وهنا يرسل المؤلف رسالة تحذير هامة تتعلق بمستقبل العراق، فهو يتـنبأ بزيادة معارضة الشعب الأميركي للحرب وزيادة معارضة الكونجرس وانقلابهما على الرئيس، كما يتحدث عن تعقد الموقف في العراق في ظل تشعب الصراعات العرقية والمذهبية، هذا إضافة إلى إدراك الإدارة الأميركية لفشل مشروع بناء الديمقراطية في العراق لأساب مختلفة، وهنا يرى المؤلف أنه إدارة جورج دبليو بوش قد تسعى - على غرار ما حدث في فيتنام - إلى البحث عن مخرج سريع من العراق يقوم على مساعدة الحكومة العراقية لمرة أخيرة في إعادة الأمن للعراق، ثم تحميلها مسؤولية تحسين الأوضاع هناك، والانتظار لأقرب تحسن نسبي للأوضاع للانسحاب بنية عدم العودة للعراق مرة أخرى حتى ولو تدهورت الأوضاع هناك ووقع العراق في حرب أهلية عميقة أو انهارت الحكومة العراقية المساندة للولايات المتحدة

ولو حدث ذلك لاكتملت عقدة العراق على غرار عقدة فيتنام – كما يتوقع المؤلف، ولقادت عقدة العراق إلى موجة جديدة من العزلة في أوساط الشعب الأميركي، ولقامت خبرة العراق بإعادة تعليم الأميركيين دروس حرب فيتنام القاسية مرة أخرى

أوجه الاختلاف

الحديث السابق لا يعني أن روبرت بيرجهام لم يعثر على أوجه اختلاف بين العراق وفيتنام، إذ يرصد الكتاب اختلافات واضحة بين الصراعين

حيث يرصد الفصل الثاني على سبيل المثال عددا كبيرا من الاختلافات العسكرية بين الحربين، حيث يقول بيرجهام أن فيتنام بدأت كحرب مرتدين ثم تصاعدت إلى حرب تقليدية، في حين أن العراق بدأ حرب تقليدية ثم تدهور إلى حرب عصابات

كما استهلكت فيتنام موارد عسكرية أكبر على مختلف الأصعدة، حيث وصل عدد الجنود الأميركيين المشاركين في الحرب إلى 543 ألف جندي في عام 1969، هذا إضافة إلى القوات الحليفة لأميركا في فيتنام والتي بلغ عددها 100 ألف سنويا، أما قوات فيتنام الشمالية المعادية لأميركا فقد بلغت أكثر من مليون مقاتل يعاونها حوالي 200 ألف مهندس عسكري من الصين

ويقول المؤلف أن إجمالي عدد القوات المتصارعة في فيتنام سنويا قدرت بحوالي 3.2 مليون محارب سنويا مما يفوق بكثير القوات المتصارعة في العراق، وهنا يقول بيرجهام أن عدد من يسميهم "بالمرتدين العراقيين" يصل إلى 20 ألف مرتد فقط وفقا لتقديرات يرى أنها الأكثر مصداقية

كما أن عدد القوات الأجنبية التي تسللت للعراق لمساعدة "المرتدين العراقيين" لا تقترب من عدد المهندسين العسكريين الصينيين الذين ساعدوا فيتنام الشمالية، كما يرى أن مساندة حلفاء المرتدين العراقيين الخارجيين لا تقارن بمساعدة دول الإتحاد السوفيتي والصين لفيتنام الشمالية خلال الحرب

هذا إضافة إلى طول مدة الحرب الجوية وكثافة القصف الجوي في فيتنام، حيث أدت العمليات العسكرية في فيتنام إلى مصرع 3.2 مليون محارب ومدني فيتنامي، هذا إضافة إلى مصرع 58 ألف جندي أميركي وجرح 150 ألفا، وهنا يشير المؤلف إلى أن القوات الأميركية المقاتلة في العراق تكبدت 2300 قتيلا منذ بداية الحرب وحتى فبراير 2006، في حين أن القوات الأميركية المشاركة في حرب فيتنام تكبدت خلال فترة موازية في بداية حرب فيتنام 17754 قتيلا

هناك فارق أخر يتعلق بطبيعة القوات المعادية لأميركا في فيتنام الشمالية والتي تميزت بالتوحد النسبي خلف الحزب الشيوعي ذو القيادة المركزية، والتي كانت قيادة معروفة رفعت شعارات وطنية تحررية رنانة وأصبحت قيادات معروفة عالميا حيث دأب المتظاهرون ضد الحرب في واشنطن على رفع صور قائد فيتنام الشمالية، في المقابل يرى روبرت بيرجهام أن المرتدين العراقيين غير موحدين أو معروفين، وأن أهدافهم غير معلنة بشكل كافي، كما أنهم لا يمتلكون الثقل السياسي الدولي الذي تمتع به قادة فيتنام الشمالية

الكونجرس والشعارات الرنانة

إذا عدنا مرة أخرى لأوجه الشبه ينبغي الإشارة إلى خلاصة الفصل الأول من الكتاب الذي يتناول طريقة دخول أميركا الحربين مؤكدا على التشابه بين الحاليتين، حيث دخلت أميركا الحربين – كما يوضح الكتاب – بناءا على معلومات استخباراتية مغلوطة استخدمت من قبل السياسيين لتبرير رغبتهم في الحرب والتي غطتها مبادئ رنانة حول رسالة أميركا النبيلة ورغبتها في بناء العراق أو فيتنام، وفي كلا الحالتين غيرت الحكومة الأميركية مبررات دخولها الحرب مع تغير الظروف، ففي بداية حرب فيتنام تحدثت الحكومة الأميركية عن خوفها من وقوع فيتنام الجنوبية في يد الشيوعيين، وأن ذلك سوف يقود - وفقا لنظرية الدينمو التي تبنتها الإدارة الأميركية - إلى وقوع مزيد من الدول المحيطة بفيتنام في قبضة الشيوعية، وبعد خسائر أميركا المتكررة هناك بدأت الحكومة تتحدث عن نظريات أو مبررات أخرى مثل حماية مصداقية أميركا وقدرتها على الدفاع عن أصدقائها

وفي العراق تحدثت الإدارة الأميركية عن أسلحة الدمار الشامل، وعندما فشلت في العثور عليها تحدثت عن رغبتها في نشر الديمقراطية في الشرق الأوسط

ويشير المؤلف إلى أن الكونجرس الأميركي وقف في بداية الحربين موقفا مخزيا عاجزا عن تحدي سلطة الرئيس بل أنه انحاز في بداية الحربين للإدارة وشعارات الحرب والوطنية الرنانة، مؤكدا على أنه "كان ينبغي على البيت الأبيض والكونجرس مناقشة قرارات حربي فيتنام والعراق بشكل أكثر قوة

من المسئول عن أخطاء العراق

يعرض المؤلف في الفصل الثالث نظريته الخاصة بأسباب فشل الإدارة الأميركية في العراق والتي يلخصها في سببين رئيسيين أولهما سوء التخطيط لمرحلة بناء العراق، حيث يلوم روبرت بيرجهام وزارة الخارجية الأميركية على ذلك مؤكدا أنها كانت المسئولة عن الإعداد لفترة ما بعد الحرب وأنها أساءت الإعداد وأن الأحوال لم تتحسن إلا لما تولت وزارة الدفاع المسئولية مستشهدا بتصريحات ريتشارد بيرل أحد أبرز صقور المحافظين الجدد، وهنا يختلف المؤلف مع كتابات أميركية عديدة ترى أن العكس هو الصحيح وأن وزارة الدفاع هي المسئولة عن أخطاء العراق

أما التفسير الثاني فهو يتعلق بتركيز أميركا على إحلال الديمقراطية في العراق على حساب توفير الخدمات الأساسية للمواطن العراقي، وهنا يرى المؤلف أن أخطاء الإدارة الأميركية المتكررة في فترة ما بعد الحرب أدت لعجز الحكومة العراقية المتحالفة مع القوات الأميركية شبه الكامل عن توفير الخدمات الأساسية للمواطن العراقي بشكل دفعه لعدم الثقة فيها أو في القوات الأميركية التي بات ينظر إليها كقوات غازية

ويشير المؤلف بشكل سريع إلى اعتقاده أن شعور الفيتناميين بالوحدة وبانتمائهم لأمة واحدة أكبر بكثير منه في حالة العراقيين، وبصفة عامة يمكن القول أن حديث المؤلف عن طبيعة الشعب العراقي وما يدور داخل العراق يتميز بدرجة من التعميم والسطحية بشكل يكشف عن ضعف معرفة المؤلف بالوضع داخل العراق وعن الصعوبة التي يواجهها بعض الكتاب الأميركيين في الإلمام بحقيقة ما يجري هناك