Thursday, January 25, 2007

الدول الفاشلة: سوء استغلال السلطة والهجوم على الديمقراطية


عرض بقلم: علاء بيومي

الناشر:
الجزيرة نت، 25 يناير 2006، حقوق الطبع والنشر محفوزة للناشر

نص العرض

الكتاب الراهن لا يبدأ بإطروحة واضحة يسعى المؤلف للبرهنة عليها بتسلسل منطقي عبر فصوله، في المقابل يجمع الكتاب ما يبدو أنه عدد من المقالات الطويلة التي كتبها مؤلفه نعوم تشومسكي عن السياسة الخارجية الأميركية مؤخرا، لذا يتضمن كل فصل من فصول الكتاب استطرادات طويلة يطلق فيها تشومسكي العنان لقلمه ليتناول حججا وأفكارا مختلفة تدعم أطروحة كل فصل بصفة خاصة وفكرة الكتاب بصفة عامة

ولا يجد تشومسكي صعوبة في البرهنة على إطرواحاته من خلال الإستعانة بعدد لا يحصى من الإقتباسات لكتاب ومفكرين أميركيين ودولييين متنوعين، كما يتميز تشومسكي بقدرته على العودة إلى التاريخ للحديث عن جذور السياسة الخارجية الأميركية الراهنة، كما يبحث عن جذور سياسة أميركا في توزان القوى الداخلي بالنظام السياسي الأميركي نفسه، ويعود تشومسكي بشكل متكرر لسياسة أميركا تجاه دول أميركا اللاتينية لمقارنتها بسياسة أميركا تجاه دول الشرق الأوسط، حيث يوضح تشومسكي أن سجل أميركا الطويل في التدخل السلبي في شئون دول أميركا اللاتينية يعد مختبرا قويا لنوايا أميركا الدولية الراهنة

دول فاشلة

يسعى تشومسكي خلال كتابه على البرهنة على إطروحة عنوان الكتاب المتعلقة بالدول الفاشلة، والمقصود هنا هو مصطلح الدول الفاشلة الذي أطلقته الإدارة الأميركية في عهد الرئيس الأميركي بيل كلينتون لوصف بعض الدول التي بات فشلها في لعب وظائفها الرئيسية يمثل تهديدا للأمن الدولي، ويتناول تشومسكي في أماكن مختلفة من كتابه شروط وعلامات الدول الفاشلة مثل عدم القدرة على حماية مواطنيها وغياب الديمقراطية وتهديد الدولة للأمن الدولي ليثبت أن تلك العلامات تتوافر في الولايات المتحدة

وهنا يظهر النقد الشديد الذي يحمله الكتاب لسياسات الحكومة الأميركية حيث يسعى تشومسكي في أكثر من مناسبة بكتابه إلى المقارنة بين سياسات الحكومة الأميركية وسياسات الدول والجماعات التي تعاديها أميركا مثل العراق في عهد صدام حسين وإيران وصربيا في عهد سلوبودان ملوسيفيتش وحركة حماس لكي يثبت أن أميركا تمارس نفس السياسات التي تهاجم تلك الدول والجماعات لممارساتها، بل ويسعى تشومسكي إلى البرهنة على أن أميركا تمثل خطرا على الأمن الدولي والسلام العالمي أكثر من تلك الدول

ويرى تشومسكي في نهاية الفصل الثاني أن أميركا بسياساتها الحالية تصنع حرب آرمجند "حرب نهاية العالم" بيديها، وذلك بسبب سياسات أميركا الإنفرادية والتي تسعى إلى تحقيق الأمن المطلق لأميركا على حساب أمن دول أخرى عديدة مما سيدفع تلك الدول إلى حماية نفسها من أميركا من خلال زيادة التسلح والسعى لإمتلاك أسلحة الدمار مما سيقود العالم تدريجيا إلى مواجههة نووية بشكل مقصود أو عن طريق الخطأ

أصل السياسات الأميركية

فكرة الكتاب الرئيسية تدور حول كون أميركا دولة إمبراطورية ورثت الإمبراطوريات الكبرى السابقة بسياساتها التوسعية الإستغلالية والتي تتخفى تحت غطاء من الشعارات البراقة التي تتحدث عن المبادئ والقيم، ويعبر تشومسكي عن تلك الفكرة بوضوح في خاتمة الكتاب حين يقول أن: "أميركا تتشابه إلى حد كبير مع الدول القوية الأخرى، إنها تتبع المصالح الإستراتيجية والإقتصادية الخاصة بقطاعات مسيطرة داخل الشعب الداخلي على أن يصاحبها خطاب مزدهر عن الإلتزام بالقيم

وأصل المشكلة في سياسات الدول الإمبراطورية – كما يذكر تشومسكي في العبارة السابقة – هو أن الدول الإمبراطورية لا تطبق الديمقراطية والمساواة تطبيقا حقيقيا في الداخل، فالدولة الأمبراطورية هي في حقيقتها آداة في يد النخب الثرية لحمايتها من الأغلبية الفقيرة داخل الأمبراطورية ذاتها

فالدولة الأميركية كما يصورها تشومسكي – في الفصل الخامس والأخير من كتابه – هي آداة في يد رجال الأعمال والأثرياء لحماية مصالحهم من الأغلبية الأميركية الفقيرة من خلال سن القوانين التي تنظم استغلال الأثرياء لثروات الشعب ومن خلال بناء نظام سياسي يضمن عدم ثورة أغلبية الشعب ضد الأقلية الثرية

وهنا يرى تشومسكي أن غالبية الأميركيين غير راضيين عن ممارسات الحكومة الأميركية على الصعيدين الداخلي والخارجي، وأن مشكلتهم تكمن في أنهم مغيبين عما يحدث وأنهم يتعرضون لحملات دعاية سياسية مستمرة تخوفهم من العدو على الساحة الخارجية وتضعف مشاركتهم السياسة على الساحة الداخلية

ويرى تشومسكي أن الأسلوب الذي تدار به الحملات السياسية الأميركية والذي هو أشبه بأسلوب الدعاية للمنتجات الإستهلاكية يعامل المواطن على أنه مستهلك يجب خداعه عن طريق إقناعة بمزايا المنتج الهامشية دون توعيته بمضمون المنتج الحقيقي ومدى حاجته له، كما تمتلئ واشنطن بجماعات الضغط واللوبي التي يستأجرها الأثرياء لضمان سن قوانين تخدم مصالحهم وتعيد توزيع الثورة بما يفيدهم، هذا إضافة إلى تحالف النخب الثرية مع بعض الجماعات المتشددة التي تخدم أجندتها ومن هذا المنطلق تحالف الجمهوريين مع الجماعات المسيحية المتشددة التي باتت تسيطر على 36% من لجان الحزب الجمهوري بالولايات

أما على ساحة السياسة الخارجية فتكون وظيفة الدول الإمبراطورية فتح أسواق وثروات العالم أمام نخبها الثرية لإستغلالها، وهنا يشير تشومسكي – في أماكن متفرقة من كتابه – إلى أن النخب الفكرية والإقتصادية الأميركية ترى أن من حقها الطبيعي آلا تتقيد أميركا بأي قوانين أو معاهدات دولية تحد من قدرتها على التحرك لحماية مصالحها، فأميركا بالنسبة لهم – كما يوضح تشومسكي – دول خارج القانون، فهي تصنع القانون وتطبقه وتضمن إلتزام الدول الأخرى به ولكنها لا تخضع له كما أنها تستثني نفسها بشكل إنتقائي من الخضوع لأي قواعد أو قوانين من شئنها الحد من مصالحها كما تراها هي، ولعل هذا يمثل أكبر مفارقات سياسات الدول الأمبراطورية كما يظهر في الحال الأميركة وفقا للكتاب الراهن

إسطورة الأمن

يخصص تشومسكي الفصل من كتابه ليبرهن على أن أميركا مثل أي دولة فاشلة أخرى غير معنية بحماية أمن مواطنيها، وهي القضية التي أصبحت شعارا رئيسيا ترفعه الإدارة الأميركية عند الحديث عن سياستها الخارجية منذ أحداث الحادي عشر من سبتمبر، وهنا يرى تشومسكي أن شعار الأمن الذي رفعته الإدارة الأميركية بعد 11/9 هو إسطورة كبيرة لأسباب مختلفة منها أن أميركا حمت في الماضي إرهابيين عتاة مارسوا الإرهاب في أميركا اللاتينية لأن ممارساتهم توافقت مع المصالح الأميركية، كما أن سياسات أميركا الراهنة تجعل العالم ينظر إليها كأكبر تهديد للسلام والأمن العالمي، هذا إضافة إلى أن السياسة العسكرية الأميركية وما تقوم عليه من برامج تسلح فائقة وإنتشار كبير عبر العالم وإمتلاك لأسلحة الدمار الشامل إضافة إلى مبدأ الحرب الإستباقية من شأنها الدفع بالعالم إلى سباق تسلح قد لا ينتهي إلا بحرب دمار شامل

ويقول تشومسكي أن كذب إسطورة الأمن الأميركية ظهر واضحا في العراق وهو خطر أمني كبير صنعته أميركا بأيديها، حيث يصف تشومسكي حرب العراق بأنها هدية لبن لادن، ويقول أن الحرب صنعت جيلا جديدا من الإرهابيين، جيلا لم يكن موجودا في السابق

ويؤكد تشومسكي أن سبب حرب العراق الحقيقي هو التحكم في مصادر النفط بما يخدم أهداف المنافسة الصناعية والإقتصادية الأميركية وأن هذا الهدف في حد ذاته يبرهن أن أميركا ليست مشغولة بحماية أمن مواطنيها كما تدعي

إسطورة نشر الديمقراطية

بالنسبة لسياسة أميركا تجاه الشرق الأوسط فيتناولها تشومسكي بتركيز في الفصلين الثالث والرابع من كتابه، حيث يرى أن أميركا ورثت من الإمبراطورية البريطانية سياستها القائمة على الحد من إستقلال الدول الصغيرة لضمان خضوع تلك الدول لمصالح الإمبراطورية، فإستقلال الدول هو بمثابة فيروس تسعى الدول الإمبراطورية للقضايا على الدول المصابة به ولإحتواءه وضمان عدم إنتشاره لما يمثله من خطر على مصالح الإمبراطوريات، ويكون ذلك من خلال دعم النظم الديكتاتورية الخاضعة للمصالح الرأسمالية، وشغل الرأي العام الأميركي بأعداء خارجيين جدد بين الحين والأخر، ودعم الإنقلاب ضد النظم الديمقراطية التي لا ترضى عنها أميركا كما هو الحال في نظام هيجو شافيز في فنزويلا

وكذلك التحالف مع الدول غير الديمقراطية على حساب الدول الديمقراطية إذا تطلب الأمر كما ظهر في الوصف الذي أطلقه وزير الدفاع الأميركي المستقيل مؤخرا دونالد رامسفيلد على دول أوربا الشرقية التي تحالفت مع أميركا في حربها على العراق في ظل معارضة دول أوربا الغربية الأكثر ديمقراطية على الحرب، حيث وصف رامسفيلد دول أوربا الشرقية بأوربا الجديدة ناصحا أميركا بالتوجه نحوها والتعاون معها مع أن تلك الدول أقل ديمقراطية بمراحل من دول أوربا الغربية

ويقول تشومسكي أن نشر الديمقراطية في العراق وفي الشرق الأوسط هو شعار رفعته الإدارة الأميركية بعد أن فشلت في العثور على أسلحة الدمار الشامل في العراق والذي كان يمثل السبب الرئيسي الذي شنت أميركا من أجله الحرب، كما يقول أن الديمقراطية العراقية سوف تتوقف عند حدود المصالح الأميركية، وهنا يشير إلى خوف أميركا وإسرائيل وحلفائها العرب من صعود النفوذ الإيراني في العراق والنفوذ الشيعي في المنطقة في حالة صعود القوى الشيعية الموالية لإيران بالعراق، ويقول تشومسكي أن الخوف السابق سوف يدفع أميركا إلى عدم الإنسحاب من العراق إلا بعد ضمان قيام حكومة عراقية عميلة تحقق أهداف أميركا وحلفائها في المنطقة

أما فيما يتعلق بنشر الديمقراطية في بلدان العالم العربي الأخرى فيؤكد تشومسكي أن أميركا سوف تنشر الديمقراطية إذا توافقت مع مصالحها، وسوف تتواقف عن نشر الديمقراطية عن حدود مصالحها، لذا سوف تسعى أميركا لنشر ديمقراطية محدودة لتجنب التغيير الراديكالي، كما ستعارض أميركا قوى الديمقراطية في العالم العربي كقنوات الإعلام العربية الجديدة إذا تعارضت مع مصالحها وستسعى إلى السيطرة عليها على الرغم من أن وجودها يعد ضمانة هامة لنشر الديمقراطية في العالم العربي

أما فيما يتعلق بعملية السلام بالشرق الأوسط فيرى تشومسكي أن أميركا وإسرائيل هما العقبة الحقيقية أمام عملية السلام مؤكدا أن "عرفات لم يكن "العقبة الرئيسية" أما تحقيق دولة فلسطينية، ولكن تلك العقبة هي أميركا وإسرائيل"، كما يقول أن "أميركا تستمر في منع الحل الديبلوماسي" لصراع الشرق الأوسط، وهنا يرى تشومسكي أن مساندة أميركا لإسرائيل وسياسات إسرائيل ذاتها وموقفها من عملية السلام هما العقبات الحقيقية أمام عملية السلام وليس الفلسطينيين كما تصورهم أميركا وحليفتها إسرائيل أمام الرأي العام الغربي

المستقبل

في خاتمة الكتاب يرى تشومسكي أن سياسات الحكومة الأميركية سوف تسعى إلى توحد العالم ضدها، كما يظهر في إحياء التوجهات اليسارية المعادية لأميركا بين دول أميركا اللاتينية، وسعي القوى الكبرى الصاعدة الصين والهند إلى الإستقلال عن النفوذ الأميركي، وسعى دول الشرق الأوسط والدول المعارضة لأمريكا إلى التوحد ضد تلك القوى الصاعدة، أما أمل تشومسكي فهو أن تحدث حالة صحوة داخل المجتمع الأميركي ذاته يندفع خلالها المواطن الأميركي لإصلاح الديمقراطية الأميركية أولا ومن ثم السياسة الخارجية الأميركية

Friday, January 12, 2007

إسلاموفوبيا أحزاب اليمين الراديكالي الأوربية الجديدة


مقال بقلم: علاء بيومي

الناشر:
الحياة، 19 نوفمبر 2006، حقوق الطبع والنشر محفوظة للناشر

نص المقال

فهم الأسباب الحقيقية الكامنة وراء نمو ظاهرة العداء للإسلام والمسلمين (الإسلاموفوبيا) في عدد من المجتمعات الغربية بشكل عام والأوربية بشكل خاص خلال السنوات الأخيرة ضرورة لا بد منها لتطوير خطاب إسلامي قادر على التعامل مع الظاهرة الخطيرة وعلاجها

ففهم المشكلة مقدمة ضرورية لحلها، والتوصيف الخاطئ للداء قد يضعف مفعول الدواء أو يبطله كلية

لذا رأينا أن نتعرض في هذا المقال لأحد أهم أسباب صعود ظاهرة الإسلاموفوبيا في الغرب خلال السنوات الأخيرة والذي يتعلق بصعود الأحزاب الأوربية اليمينية الراديكالية الجديدة

والواضح هنا أن المعنيين بتتبع ظاهرة الإسلاموفوبيا ومواجهتها عادة ما يرصدون مجموعة مختلفة من الأسباب الرئيسية المحتملة لهذه الظاهرة ومنها أحداث الحادي عشر من سبتمبر والممارسات المتطرفة لبعض الجماعات التي ترفع شعار الإسلام، والبيئة الدولية الراهنة وما تشهده من صراعات مختلفة تضع العالم الإسلامي في قلبها، وتحيز بعض الأوربيين الثقافي والتاريخي الدفين ضد الإسلام والمسلمين

المقال الحالي لا يهمل أهمية الأسباب السابقة الهامة، ولكنه يفضل التركيز على سبب إضافي لا يقل أهمية يتعلق بالتحولات السياسية والاجتماعية الرئيسية التي تمر بها المجتمعات الغربية والأوربية ذاتها، بحكم أن هذه التحولات عميقة وداخلية ومعاصرة وقادرة على التأثير على حياة أعداد غفيرة من أبناء المجتمعات الغربية على مستويات مختلفة، ومن ثم تصبح هذه التحولات ونتائجها أولى بالاعتبار

والذي نقصده هنا بهذه التحولات هي ظاهرة صعود أحزاب اليمين الراديكالي الجديد بالدول الأوربية والغربية، وهنا يرصد كتاب "اليمين الراديكالي: الناخبون والأحزاب في السوق الانتخابي" الصادر عن مطابع جامعة كامبريدج الأمريكية في عام 2005 لبيبا نوريس أستاذة العلوم السياسية بجامعة هارفرد الأمريكية 43 حزبا يمينيا راديكاليا في 39 دولة ديمقراطية عبر العالم، بما في ذلك بعض أكبر الدول الأوربية مثل فرنسا وإيطاليا وألمانيا وبلجيكا وهولندا وسويسرا

ويشير الكتاب إلى أن الأحزاب اليمينية الراديكالية تكاد تكون قد تلاشت من البلدان الغربية في الفترة التالية للحرب العالمية الثانية بسبب الويلات التي تعرضت لها البلدان الأوربية على أيادي تلك الأحزاب خلال الحربين العالميتين الأولى والثانية، ولكن مع مطلع عقد السبعينات من القرن العشرين بدأت تلك الأحزاب في العودة والظهور على الساحة السياسية الأوربية والغربية لأسباب مختلفة، وخلال عقد الثمانينات ازدادت الأحزاب اليمينية الراديكالية قوة، حتى تمكنت خلال السنوات الأخيرة من تحقيق مكاسب كبيرة في الانتخابات التشريعية ببعض البلدان

فخلال الفترة من عام 2000 إلى عام 2004 تمكنت الأحزاب الراديكالية من الحصول على نسبة 10% من أصوات الناخبين بالنمسا، و13.6% ببلجيكا، و25.5 % بكندا، و12.6% بالدانمرك، و13.2% بفرنسا، و16.3% بإيطاليا، و10.4% بنيوزيلندا، و14.5% بالنرويج، و29.5% بسويسرا

وتشير مؤلفة الكتاب بيبا نوريس إلى أن صعود هذه الأحزاب بالدول الأوربية ارتبطت بمجموعة مختلفة ومعقدة من العوامل مثل قوانين الدول الأوربية الخاصة بالأحزاب وبتمويل الانتخابات وبتمثيل الأحزاب في البرلمان، والتحديات الاجتماعية والاقتصادية التي مرت بها تلك الدول خلال العقود الثلاثة الأخيرة، وفشل الأحزاب اليسارية واليمينية المعتدلة في التعامل مع تلك التحديات بالجدية اللازمة، وتطوير الأحزاب اليمينية الراديكالية الجديدة لقيادات كاريزمية ومؤسسات حزبية جديدة ساعدتها على تحقيق إنجازات غير مسبوقة

خطاب وبرامج الأحزاب اليمينية الراديكالية الجديدة تميزا بثلاثة خصائص أساسية كما تشير دراسة نشرتها مجلة "جورنال أوف بوليتيكال إيدولوجيز" أو جريدة الأيدلوجيات السياسية البريطانية - في عددها الصادر في أكتوبر 2004 - تحت عنوان "ضد التيار: إيديولوجية اليمين الراديكالي الشعوبي المعاصر"

الخصائص الثلاثة هي قبول أحزاب اليمين الراديكالية الجديد بقواعد العملية الديمقراطية القائمة على الانتخابات الحرة وتمثيل فئات الشعب المختلفة بالنظام السياسي القائم، حيث ترى هذه الأحزاب أن الديمقراطية الحقيقية لابد وأن تضمن تمثيل جميع فئات الشعب بغض النظر عن رؤى تلك الجماعات مادامت ملتزمة بالعملية الديمقراطية السلمية

وهنا تقدم أحزاب اليمين الراديكالي الجديدة أنفسها على أنها أحزاب قائمة على تقديم رؤى المواطن الأوربي العادي البسيط بما تحمله من مخاوف بخصوص المستقبل والأجانب ومصير المجتمعات الغربية نفسها في مواجهة التحديات التي تمر بها، وذلك في مقابل النخب السياسة السائدة والتي تنظر إلى تلك القضايا نظرة استعلائية قائمة على الرفض والإنكار كما يرى اليمينيون الراديكاليون الجدد

الخاصية الثانية هو إعلان الأحزاب اليمينية الراديكالية الجديدة عن إيمانها بالمساواة بين البشر والأعراق المختلفة بما ينفي عنها صفة العنصرية بتعريفها التقليدي، ولكن الأحزاب نفسها ترفع - في نفس الوقت - شعار الاختلاف بين الثقافات والتنوع وحق كل أمة وثقافة في الحفاظ على نفسها وهويتها ضد قوى الذوبان المختلفة، وهنا يرفع اليمينيون الراديكاليون الجدد شعار حقهم في الحفاظ على هوياتهم وعلى إنجازات أجدادهم من خلال الحد من الهجرة الرافضة للاندماج أو هجرة الجماعات القادمة من ثقافات مختلفة اختلافا كليا عن الثقافة الغربية الأوربية بشكل يستحيل معه صهر أبناء تلك الثقافات في المجتمعات الأوربية المضيفة

وهنا يأتي دور الإسلام والذي تصوره بعض تلك الأحزاب على أنه مجموعة محدودة وجامدة من المعتقدات التي تتنافي مع الثقافة الغربية وتقف معها موقف النقيض في قضايا محورية هامة يأتي على رأسها الديمقراطية وحقوق الإنسان وحقوق المرأة والحقوق الدينية ومبادئ الفردية والعقلانية

أما الخاصية الثالثة فهي سعي تلك الأحزاب لاستخدام مؤسسات الدولة كأداة لتحقيق رؤيتها السياسية القائمة على غلق الأبواب أمام الأجانب حفاظا على الهوية والثقافة الوطنية، حيث تنادي تلك الجماعات بضرورة الحفاظ على مقاليد الحكم والدولة والاقتصاد في أيادي أصحاب الثقافة الأصلية لضمان سيطرتهم وتحكمهم في مسار أممهم وحماية إنجازات أجدادهم

وبهذا ترفع الأحزاب اليمينية الراديكالية الجديدة شعار المساواة العنصرية مع الأخر والاختلاف الثقافي معه بحكم أن ثقافة الآخر – كما تراها تلك الأحزاب – هي ثقافة بدائية متدنية لا ترتقي لمستوى الثقافات الغربية الأوربية المتقدمة، ومن ثم تضع تلك الجماعات الشعوب الأوربية الأصيلة في موضع الوصاية على المهاجرين الجدد لضمان صهر هؤلاء المهاجرين في الثقافة الأصلية الأم، كما ترحب تلك الجماعات بتقسيم العالم وفقا لحدود ثقافية وحضارية كبرى مختلفة ومتصادمة تماشيا مع رؤيتها القائمة على الاختلاف والتمايز الثقافي

فهم الأبعاد السابقة لظاهرة الإسلاموفوبيا يتطلب نظرة جديدة لأسلوب التعامل معها تقوم على ركائز ثلاثة هامة، الركيزة الأولى هي إدراك الأبعاد الداخلية لظاهرة الإسلاموفوبيا وفهم أن هذه الظاهرة تعكس في جزء منها تطورات هامة تمر بها المجتمعات الغربية وبدون الوعي بهذه التطورات لن نتمكن من مواجهة هذه الظاهرة الخطيرة

ثانيا: مواجهة الإسلاموفوبيا لابد وأن تتم على مستويين أحدهما سياسي مادي والأخر خطابي معنوي، فعلى المستوى السياسي المادي هناك حاجة لتقوية نفوذ الأقليات المسلمة الأوربية بحكم أنهم مواطنين يستحقون التعبير عن مصالحهم وتمثيلها مثلهم مثل الجماعات التي تعبر عنها الأحزاب اليمينية الراديكالية، كما يجب أيضا تقوية التحالفات السياسية التي تربط الأقليات المسلمة والجماعات الليبرالية واليمينية المعتدلة المنفتحة على قضايا مسلمي أوربا والغرب

ثالثا: فيما يتعلق بالخطاب المسلم المنتظر لمواجهة الإسلاموفوبيا فإن فهم خطاب اليمين الراديكالي الجديد – كما قدمناه في هذا المقال – يفرض على الخطاب المسلم القادر على مواجهته أن يتحلى بعدد من الخصائص التالية وعلى رأسها القدرة على فهم الخلفية الثقافية المتعددة للشعوب الغربية ومواجهة أساطير الأحزاب اليمينية الراديكالية التي تحاول تصوير الشعوب الغربية كمجموعات مغلفة وصماء من البشر والثقافات

هناك أيضا حاجة لتوعية المواطن الغربي بشكل عام بطبيعة الإسلام كدين كبير يمثل حضارة عظيمة تحتوي على تيارات فكرية وثقافية متعددة ومتنوعة

كما ينبغي توعية المواطن الغربي بموقف الإسلام الإيجابي تجاه القضايا الحساسة والتي يعزف عليها اليمين الراديكالي الجديد بشكل مستمر كقضايا الديمقراطية وحقوق الإنسان ووضع المرأة وحقوق الأقليات والحريات الدينية

أخيرا هناك حاجة قوية وملحة لرصد الانتهاكات التي يتعرض لها مسلمو أوربا والدول الغربية وكذلك رصد محاولات عزلهم وتهميشهم على المستوى السياسي فالواضح هنا أن اليمين الراديكالي الجديد يتبنى أجندة مزدوجة تقوم على غلق أبواب الاندماج والمشاركة السياسية أمام الأقليات بصفة عامة واتهام الأقليات بعدم القدرة على الاندماج في الوقت نفسها، وهي بدون شك أجندة متطرفة ظالمة ينبغي كشفها أمام المواطن الغربي العادي

-----

مقالات ذات صلة

صعود الإسلاموفوبيا بالمجتمعات الغربية: قراءة في أهم المظاهر والأسباب

النخب الغربية وإعاقة اندماج مسلمي الغرب

صورة الإسلام في أميركا بعد خمس سنوات على 11/9

سبل مكافحة الإسلاموفوبيا في البيئة الأمريكية