Thursday, October 29, 2009

مسلمو أميركا والصراع مع لوبيات واشنطن الاستئصالية
بقلم: علاء بيومي

يمكن نشر المقال مع الإشارة إلى مصدره
www.alaabayoumi.com

نص المقال

الحملة التي شنها بعض أعضاء الكونجرس اليمينيين في أوائل الشهر الحالي على مجلس العلاقات الإسلامية الأميركية (كير) بتهمة أن المجلس يعمل على "زرع" متدربين مسلمين في لجان ومكاتب أعضاء الكونجرس "للتجسس عليهم" تستحق وقفة جادة من الجميع

الحملة تأتي بعد عشرين عاما تقريبا من جهود المسلمين الأميركيين لتنظيم أنفسهم على الصعيد السياسي والإعلامي عبر أميركا وخاصة في العاصمة واشنطن مركز القرار الأميركي السياسي والإعلامي

حيث تشير الدراسات المختلفة المتعلقة بتطور المسلمين الأميركيين السياسي أن أقلية نشطة سياسيا منهم رأت في نهاية الثمانينيات أن الوقت بات مناسبا لتفعيل جهود مسلمي أميركا على المستوى السياسي بعدما أنفقوا عقودا في أميركا في بناء مؤسساتهم الدينية والثقافية كالمساجد والمدارس الإسلامية والجمعيات الخيرية

لذا توجهت أقلية طموحة منهم إلى السياسة وقاموا ببناء عدة منظمات برز منها المجلس الإسلامي الأميركي ومجلس العلاقات الإسلامية الأميركية ومجلس الشئون العامة الإسلامية والاتحاد الإسلامي الأميركي والجمعية الإسلامية الأميركية

تبنت هذه المنظمات في غالبيتها أساليب العمل السياسي والإعلامي المعروفة في واشنطن والتي يتبعها الجميع والتي تقوم على تنظيم وتوحيد جهود المسلمين السياسية والإعلامية من الأسفل إلى أعلى - أي من المدن والقرى الأميركية وصولا إلى واشنطن

وبالطبع بعد أحدث 11/9 زادت الضغوط على مسلمي أميركا بشكل عام وعلى منظماتهم النشطة سياسيا بوجه خاص، وتم وضعهم جميعا تحت مجهر كبير، وتم استهداف منظماتهم المختلفة وعلى رأسها المنظمات الإغاثة ذات العلاقة المباشر مع دول العالم الإسلامي

وبالفعل أغلقت عدد من أكبر منظماتهم الإغاثة وقلت التبرعات بسبب الخوف وزادت حالات التمييز بشكل يفوق قدرات الأقلية المسلمة الأميركية ومنظماتها الحقوقية الناشئة وتعالت الحملة الإعلامية والسياسية ضدهم خاصة مع سيطرة تحالف المحافظين الجدد والمسيحيين الصهاينة واليمينيين المتشددين على مراكز هامة بدوائر صنع القرار السياسي والإعلامي بواشنطن خلال سنوات حكم جورج دبليو بوش

ولا نقول هنا أن مسلمي أميركا مثاليون منزهون عن الخطأ، فمنظمات مسلمي أميركا ظلت وسوف تظل لفترة منظمات جيل مؤسس، بناها مسلمون مهاجرون وأفارقة وبيض أسلموا، وهم جميعا طليعة أجيال المسلمين الأميركيين الأولى في أميركا، وبالطبع يعاني هؤلاء بشكل عام من جميع عيوب الأجيال المؤسسة في أي مجتمع، وعلى رأس تلك العيوب قلة الخبرة التنظيمية والسياسية، فالأجيال المؤسسة تأتي غالبا من المجتمع المدني ولا تأتي من منظمات السياسة والإعلام والحكم بواشنطن كحال قيادات اللوبيات الأميركية الأكثر رسوخا وتأثيرا

عموما المنظمات المسلمة الأميركية كانت تعمل على نشر أفكارها في أوساط الشباب وعلى البحث عن قيادات أصغر بينهم وعلى توطين مؤسساتها ورسالتها

كانت تبحث أيضا عن بناء جسور أفضل بين أميركا والعالم الإسلامي وعلى نشر ثقافة السلام والحوار والتعاطف بين المسلمين والأميركيين

ولكن للأسف لم تهتم لوبيات واشنطن المعادية والمتشددة لتلك المنظمات بكل ما سبق ولم ترد أن تمنح منظمات المسلمين الأميركيين الفرصة للتعلم وتطور نفسها، وذلك لسبب أساسي لا يتعلق بطبيعة تلك المنظمات وجوهرها وإنما يتعلق ببعض أهدافها الرامية إلى التأثير على سياسة أميركا تجاه الشرق الأوسط هذا إضافة إلى طبيعتها كمنظمات مسلمة تريد توعية الأميركيين بصورة الإسلام الحقيقية، وهو أمر لم يعجب المنظمات اليمينية المتشددة والتي رأت في ذلك تهديدا لنقاء القيم الأميركية التقليدية وجزء من حملة اليسار الأميركي لتحويل أميركا بعيدا عن تراثها التاريخي التقليدي كما يعرفه اليمين المتشدد

لذا بقت القيادات المسلمة دائما متهمة، ظلت دائما في عيون اللوبيات المعادية كلوبي إسرائيل وجماعات اليمين المتشددة والمسيحيين الصهاينة مدانة إلى الأبد حتى لو ثبتت براءتها

فهدف لوبيات واشنطن المعادية والاستئصالية دار دائما حول اتهام تلك قيادات مسلمي أميركا ومنظماتهم بالانتماء إلى أيدلوجية إسلامية سياسية معادية لأميركا، ثم بالانتماء لمنظمات الإسلامي السياسي الأجنبية المعروفة خارج أميركا، ثم بدعم ومساندة منظمات مسلمة تضعها أميركا على قائمة المنظمات الإرهابية، وهكذا تدريجيا حتى تتهم تلك المنظمات وقادتها بدعم القاعدة العدو اللدود لأميركا منذ 11/9

وبالطبع لا ترضى اللوبيات عن أحد، وتصنف الجميع في خانة واحدة، ولا تفرق بين أيدلوجيا وأخرى، وبين قائد مسلم أميركي وأخر، كما لا تفرق في نظرتها لجماعات الإسلام السياسي المختلفة عبر العالم العربي والإسلامي

فمع صعود أي قيادة مسلمة أميركية جديدة سياسيا أو إعلاميا يتم البحث عن خلفيها وعن المنظمات التي عملت بها وعن الصور التي ظهروا فيها في الإعلام وعن المظاهرات التي شاركوا فيها حيث تعثر اللوبيات على شبهة ولو بعيدة تضع هذا السياسي المسلم في قفص الاتهام والذي ينمو بلا حدود أو التوقف

عمليه الاتهام وإلصاق التهم هذه أو تشويه السمعة تتم بدرجة عالية من الحرفية والذكاء، كما يقوم عليها عدد كبير للغاية من المنظمات والصحفيين المتشددين والمتعاطفين مع اللوبيات

فلو شاركت في ندوة تسبقك اللوبيات إلى الندوة وترسل إلى منظميها اتهامات تشوه سمعتك، ثم تنشر الاتهامات الكاذبة نفسها في الصحف اليمينية وعلى الموقع الإلكترونية والمدونات التي لا تحصى، ولو شاركت في فعالية سياسية بواشنطن ترسل الاتهامات مرة أخرى إلى السياسي الراعي للقاء وتتصاعد الاتهامات شيئا فشيئا حتى تصير جبلا يصعب تخطيه، وهذا ما يسمى أحيانا في وسائل الإعلام الأميركية "باغتيال الشخصية"

كير هي أحد أهم المنظمات السياسية والإعلامية للمسلمين في واشنطن، ومنذ نشأتها في عام 1994 وهي محل ضغط وهدف لكبار محترفي اغتيال الشخصيات السياسية المسلمة

فنجاح المنظمة على الصعيد السياسي والإعلامي زاد من أعدائها، وقد سجلت أكبر وسائل الإعلام الأميركية سجل نجاحات كير على مدى سنوات عمرها الخمسة عشر، كما أني قرأت من المقالات التي كتبت لمهاجمة كير المئات وربما الآلاف على مدى السنوات العشر الماضية، وكنت أتوقع أن تنحسر تلك المقالات والاتهامات مع صعود الديمقراطيين إلى الحكم ومع تولي باراك أوباما الرئاسة

ولكن يبدو أن ميراث بوش ثقيل، وأن الليبراليين لا يدافعون بشكل كافي عن تلك المنظمات، وأن لوبيات واشنطن الاستقصائية لن تختفي بين عشية وضحاها، وأن الحملات تستمر وربما تتزايد، لذا أسفت لسماع اتهامات أعضاء الكونجرس لكير بزرع متدربين مسلمين بمكاتب أعضاء الكونجرس للتجسس عليهم

فكان من المفترض أن يرحب هؤلاء بالمتدربين المسلمين لأن وجودهم بالكونجرس سوف يسرع عجلة اندماج المسلمين الأميركيين في المجتمع الأميركي ومن ثم يحول دون العزلة أو التشدد إن وجدا في أوساط المسلمين الأميركيين

فأنت تسمع دائما أن أميركا تريد الحوار مع المسلمين وتريد دمج مسلمي أميركا وتريد كسر أي عزلة يعانون منهم وتريد مكافحة التشدد إن وجد، وأن أقصر طريق لتحقيق كل ما سبق – من وجهة نظر أميركا نفسها - هو المشاركة على كافة الأصعدة

ولكن يبدو أنها مشاركة مقننة، فلوبيات واشنطن الاستئصالية الاستبعادية تمارس لعبة مزدوجة وحقيرة، فهي تريد أن تعزل المخالفين لهم وتستبعدهم وتستأصلهم وتريد في نفس الوقت أن تتهمهم بالعزلة، تريد أن تلومهم على عدم المشاركة وتتهم في نفس الوقت بالخطر والتشدد وبأنهم طابور خامس إذا شاركوا

وبهذا تقضي تلك اللوبيات المنافقة على فرص الحوار والتعاون والسلام، فهي تريد أن تسيطر على واشنطن، وأن يسود بواشنطن صوت واحد فقط هو صوتها

الإيجابي في الأمر هو أن كير وجدت دعما من أعضاء كونجرس آخرين حيث كتب تجمع لأعضاء كونجرس من أصول أفريقية ولاتينية أميركية ومن خلفيات ليبرالية بيانا للدفاع عن كير في وجه معارضيها، ونحن نأمل أن تساعد جهودهم في دعم كير وغيرها من المنظمات السياسية الأميركية الأخرى

ولكن نبقى متشائمين لسببين، أولهما جهود لوبيات واشنطن الاستئصالية المتشددة التي لا تتوقف، وثانيهما موقف العالم العربي والإسلامي البعيد كثيرا عما يدور بواشنطن، فالعالم العربي يبدو مكتفيا إلى حد كبير بالتعامل مع أميركا من الخارج فقط وعلى مستوى نخبوي رسمي ومن بعيد

العالم العربي يبدو مشغولا بمشاكله الداخلية والصراعات بين جماعاته المختلفة بعضها بعضا، وبين تلك الجماعات والنظم الحاكمة لها، وكنا نأمل أن يعرف العالم الإسلامي في السنوات الأخيرة جهد أكثر وعيا بما يدور بواشنطن وبما يمكن فعله لمواجهة اللوبيات المعادية لهم في واشنطن وداخل واشنطن نفسها، ولكن أملنا هذا يبدو في الوقت الحالي ضعيفا فاترا

أخيرا نختم مقالاتنا هذه بأمر إيجابي وهو تزايد وعي الأميركيين بقضايانا وتعاطفهم معنا، وهو أمر يبدو باديا في تزايد التعاطف مع قضايا العالم العربي والإسلامي في أوساط الليبراليين والأقليات والمهاجرين والشباب والمتعلمين والجامعات بأميركا، ولعلنا نتمكن من حصد مزيد من دعمهم بقليل من الجهد والتنظيم الإضافي

لذا نعود نطالب مسلمي أميركا أنفسهم بمزيد من الجهد والمؤسسات والإصلاح، فأعداد منظماتهم مازالت قليلة، وقياداتهم محدودة، ونفوذهم السياسي قليل لا يتناسب مع إمكاناتهم البشرية، لذا نطالبهم بمزيد من الإصلاح والتطوير والتنظيم، فالتغيير يبدأ دائما من الداخل، ولعل السنوات القليلة المقبلة تشهد مفاجئات سارة

Saturday, October 24, 2009

Can Muslim Brotherhood endure rift?

By Alaa Bayoumi, AlJazeera.Net, 24 Oct 2009.

A dispute within the leadership of Egypt's largest Islamist opposition group went public over the weekend, opening a heated national debate about the ability of political groups to tolerate internal dissent and disagreement.

On October 19, Mohamed Habib, the deputy guide of the Muslim Brotherhood, said that he had been asked by Mohammed Mahdi Akef, the group's 81-year-old supreme guide, to take on many of the leadership responsibilities until 2010.

In January, the opposition group is expected to hold elect a new supreme guide.

Akef's decision is unprecedented in the group's 80-year history and it came after a heated dispute between Akef and members of the Guidance Bureau - the group's highest ruling body.

Last week, Akef, who announced months ago that he will not run for a second term in January, wanted bureau members to approve the appointment of Esam el-Erian, a senior and outspoken member of the group, to the ruling body.

The 55-year-old el-Erian is widely known for his political and media activism on behalf of the group, and is often described by the press as a relatively younger and reformist leader, who wants to take the group into a different direction that is more open toward women, Coptic Christians and other political groups.

Walkout

Akef's decision to appoint el-Erian was met with strong opposition by the rest of the Guidance Bureau members. In response, Akef walked out in order to avoid further clashes. Shortly afterwards, news about the rift was leaked to the Egyptian press who reported that Akef had resigned.

The resignation was initially denied by his group, but they eventually admitted Akef had "delegated most of his powers" to his deputy, Mohamed Habib, until a new leader is elected in January. The rift could not have come at a worse time for the group.

The group says hundreds of its members, including top leaders, are in Egyptian jails following a government crackdown on the Brotherhood after it won 20 per cent of seats in Egypt's 2005 parliamentary vote.

Observers believe the split will only serve to further weaken a leadership already under pressure.

In addition, Egypt is gearing up for both parliamentary elections in 2010 and a presidential poll in 2011, and how stable - or united - the Brotherhood is will likely affect opposition hopes to dent the ruling party's hold on the country.

Internal power struggle

The two elections will test the ability of the Muslim Brotherhood to hold its share in parliament and to lead the country's political groups in opposition to the likely presidential successor - Gamal Mubarak, the current Egyptian president's son.

Moreover, the incident has raised fears that the Brotherhood is experiencing a much deeper rift between two camps separated by age and political ideology. One camp has, to date, been led by an ageing elite born in the first half of the 20th century who witnessed the crackdown on the group by the Nasserite government in 1954.

Many members of the group were jailed and some of the most prominent leaders were sentenced to death. The old guard, observers say, tend to be more conservative at both religious and political levels - preferring to focus on religious and charitable work while avoiding open political activism.

In contrast, when the group resurfaced in the 1970s, it filled its ranks with a much younger grassroots base that tends to be more politically savvy and more open to working with other minority and political groups. The Brotherhood's old guard is accused of blocking the rise of younger, reformist leaders within the organisations leadership.

'Zero sum' game

Akef is the Brotherhood's seventh supreme guide and is regarded as a balanced leader and buffer between conservatives and reformists.

The clash over el-Erian's appointment has deepened fears the rift between both camps is growing at a time when the organisation most needs a unified front to face the government crackdown and difficult political challenges ahead.

"The way the Muslim Brotherhood group manages internal disagreement shows ... the low level of the group's flexibility in dealing with those who disagree with it. The competition between the group wings seems to be a "zero sum" game," writes Khalil al-Anani, an analyst at Egypt's Al-Siyassa Al-Dawliya magazine.

"Therefore, very often the conservatives will insist on punishing the reformists organisationally, politically, and morally and under the claim of keeping the cohesiveness of the group."

However, Arab analysts and experts have interpreted the split differently with some saying the it is a sign of strength that shows the group is a democratic organisation that cultivates debate.

They note the group has survived internal disagreements before and proved itself able to remain united as the most disciplined opposition group in Egypt - despite periodic government crackdowns.

"We cannot say that the latest incident will hurt the unity of the group or weaken its solidarity. The Muslim Brotherhood has gone through much more harsh turmoil and it came out without any structural collapse or split... there is not, as widely reported, a conflict between... the conservatives and the reformists inside the group.

"Such disagreement cannot lead to wide cracks or major splits inside the group because the reformists have not become an influential trend yet," says Alaa Al-Nadi, a researcher on the Islamist movement.

Capitalising on rift

Supporters suggest that the widespread attention given by independent and government-owned media in Egypt to the latest Brotherhood dispute simply underlines the government's interest in publicising the dispute in order to tarnish the image of group in the eyes of ordinary Egyptians.

They complain that the media coverage of the dispute within the Muslim Brotherhood ignores that fact that most of Egypt's political opposition parties are weak, divided, dominated by individual founders and often split after the death of their founders.

"Most Egyptian parties suffer internal disagreements and divisions and nobody is talking about them... I suspect that the [government] security agencies that have publicised the news about the resignation [of Akef] wanted to give the impression that there is a crack in the structure of the group that could lead to its split," says Fahmy Howeidy, a prominent Islamist Egyptian columnist for Egypt's independent Al-Shorouk newspaper.

Even the ruling National Democratic Party is widely seen as a fragmented political group that only maintains the appearance of unity because it is led by the president and counts most of the ruling elite among its members.

The secretive nature of the Muslim brotherhood makes it difficult for the media and outside observers to truly know what is going inside the group or understand the size of the current rift between its competing factions.

However, it is clear that the Muslim Brotherhood is facing a serious challenge that they need to overcome as soon as possible in order to save their image and to get there act together before the upcoming parliament election next year.

It is also clear that Egyptians are less tolerant of any political group that lacks internal transparency and tolerance of dissent.

Wednesday, October 14, 2009


موقع المياه في الصراع العربي الإسرائيلي من منظور مستقبلي

عرض بقلم: علاء بيومي

يمكن نشر المقال مع الإشارة إلى مصدره
www.alaabayoumi.com

نص العرض

الدراسة التي بين أيدينا قصيرة تتناول موضوع هام وتحتوي على معلومات مفيدة ويعيبها بعض القصور في منهج المؤلف كما سنوضح تباعا

الدراسة صادرة عن الدار العربية للعلوم ومركز الجزيرة للدراسات ضمن سلسلة أوراق الجزيرة، وهذا يعني أننا أمام دراسة قصيرة نسبيا (115 صفحة تقريبا) مما يجعلها قراءة سهلة ينتهي منها القارئ سريعا فلا يشعر بالإرهاق إلا لاحتوائها على قدر كبير للغاية من الأرقام الخاصة بتوزيع المياه بين العرب وإسرائيل والمنتشرة عبر الدراسة بشكل مرهق أحيانا

موضوع الدراسة على أعلى قدر من الأهمية، وهو كما يوضحه العنوان "موقع المياه في الصراع العربي الإسرائيلي"، حيث يؤكد المؤلف - الباحث حسام شحادة عبر صفحات دراسته - على طبيعة المياه كقضية أمن قومي وكبعد جغرافي للصراع العربي الإسرائيلي لا يمكن إغفاله

طبيعة المشكلة

توضح الدراسة اهتمام الحركة الصهيونية بمياه الشرق الأوسط قبل قيام دولة إسرائيل مستفيدة في ذلك من الدراسات والمشاريع التي أعدها الاستعمار الأوربي بهذا الخصوص

ويوضح المؤلف أن قادة الحركة الصهيونية كانوا مدركين منذ البداية لأهمية السيطرة على موارد كافية من المياه كضرورة لقيام دولة إسرائيل، لذا رسموا دوما تصورات لإسرائيل "كبرى" تسيطر على موارد مياه عديدة بالمنطقة، وبهذا رسمت الموارد المائية حدود دولة إسرائيل في تصورات مؤسسي إسرائيل كما يوضح المؤلف، فالحدود ليست مسألة سياسية فحسب بل هي قضية موارد مائية جغرافية توفر لدولة إسرائيل أمنا مائيا وغذائيا

ومع قيام دولة إسرائيل بدأت مساعيها للسيطرة على مصادر المياه في أراضي فلسطين 48 ثم في فلسطين 67 وفي الأراضي المحتلة بالجولان والأردن

وكانت الفكرة أو الإستراتيجية الإسرائيلية تقوم دوما على بناء المستوطنات بالقرب من مصادر المياه الهامة أو فوق خزانات المياه الجوفية أو تحويل مياه الأنهار من خلال السدود والمشاريع أو معارضة إقامة مشاريع وطنية عربية على الأنهار - كنهر الوزاني في لبنان

كما يقول شحادة أن أطماع إسرائيل في مياه العرب امتدت إلى ما وراء الأنهار والآبار والمياه الجوفية التي تحيط بها، فهي تريد شراء المياه من تركيا وتألب دول حوض النيل على مصر وتريد دعمها في بناء السدود، كما تريد أن تتحول إلى مورد رئيس لمياه الشرب في الشرق الأوسط من خلال بيع المياه المحلاة أو تلك التي تم الاستيلاء عليها من العرب مرة أخرى للعرب، وهنا يشير المؤلف إلى أن 12% من سكان الضفة وغزة يحصلون حاليا على المياه من شركات إسرائيلية

المستقبل

وبالطبع تتعمق المشكلة كلما نظرنا إلى المستقبل وإلى البعد الجغرافي أو المائي للصراع كما يسميه المؤلف، فالعالم العربي يشكل 10.2% من مساحة العالم و5% من عدد سكانه، ولكنه لا يملك سوى 0.5% من مصادر المياه المتجددة في العالم

كما تقع منابع الأنهار العربية الكبرى كالنيل والفرات ودجلة خارج الوطن العربي كما يبرز المؤلف، وتعاني الدول العربية المحيطة بإسرائيل من أزمات مياه حالية أو قادمة في المستقبل المنظور

فالفلسطينيون "عطشى" كما يقول شحادة لأن إسرائيل تسيطر على مواردهم المائية وتميز ضدهم في الحصول عليها، وسكان الأردن يتضاعفون على الرغم من معاناتهم "نقصا شديدا في المياه"، ولبنان يعاني من العجز المائي ولا يستطيع الاستفادة بشكل كامل من أنهاره (كنهر الوزاني) خوفا من إسرائيل، وسوريا تواجه عجز مائي في مياه الشرب بقدر بمليار متر مكعب سنويا كما أنها في حاجة إلى مزيد من المياه للتوسع الزراعي والصناعي في الوقت الذي تسيطر في إسرائيل على هضبة الجولان، والتي تحتوي على 3% من المياه التي تسقط فوق سوريا و14% من المخزون المائي السوري

أما مصر فهي مقدمة على عجز مائي كبير مع تزايد عدد سكانها وتراجع مواردها المائية تدريجيا، هذا بالإضافة إلى إسرائيل التي تعاني حاليا من عجز مائي يقدر بمليار متر مكعب سنويا

هكذا ينظر حسام شحادة مؤلف الدراسة إلى المستقبل، لذلك يؤكد على أن إسرائيل ترفض الاكتفاء بالمياه الواقعة ضمن حدودها، وترفض اقتسام المياه التي سيطرت عليها، وتريد الإدارة المشتركة لها، كما تحلم بالدخول مع العرب والأتراك في مشاريع مائية مشتركة تقدم فيها التكنولوجيا وتساعدها على الاستمرار في السيطرة على المياه بالمنطقة

بنية الدراسة

تبدأ الدراسة بالتأكيد على ندرة المعلومات المتعلقة بمصادر المياه خاصة تلك الواقعة ضمن الأراضي الفلسطينية وذلك لسبب رئيس - يبرز عبر الدراسة - وهو التضليل الإسرائيلي، فإسرائيل لا تريد أن تكشف عن مصادر المياه التي سيطرت عليها من العرب، كما لا تريد أن تكشف حجم المياه التي تمتلكها، فهدفها هو أن تظهر دائما فقيرة مائيا وآلا تكشف عن حجم ما تسيطر عليه وتستغله من مياه عربية

ورغم ذلك يحاول المؤلف تتبع المصادر المتاحة عن مصادر المياه بالأراضي الفلسطينية من أجل رسم صورة إحصائية لحجم الموارد المتاحة ومصادرها (من أمطار وأنهار ومياه جوفية)، ثم يعود إلى التاريخ في الفصل الثاني من الكتاب ليتحدث عن مطامع إسرائيل والحركة الصهيونية في مياه العرب

ثم يرسم في الفصل الثالث صورة إحصائية لاستهلاك إسرائيل من المياه سنويا، ثم يتناول في الفصل الرابع استهلاك المواطن الفلسطيني للمياه مشير إلى أنه يعادل خمس استهلاك الفرد الإسرائيلي

كما يبرز شحادة في الفصل نفسه سياسات إسرائيل في نهب الموارد المائية في الأراضي المحتلة عام 1967 ويأتي على رأسها مصادرة تلك المياه ومنع مشاريع المياه الفلسطينية دون تصاريح إسرائيلية مسبقة ووضع سقوف على الاستهلاك الفلسطيني، وحفر المشاريع المائية لتحويل المياه بعيدا عن الأراضي الفلسطينية

هذا إضافة إلى تدمير مئات الآبار وخزانات المياه وشبكات الري وخطوط المياه في حروب وهجمات إسرائيل العسكرية ضد الأراضي الفلسطينية

حتى جدار الفصل الإسرائيلي يلتهم مياه العرب، فهو يمر فوق "أرض تختزن أفضل آبار المياه في الضفة" كما تقول الدراسة، كما أنه سيلتهم "75% من موارد المياه هناك" كما يقول التقرير وفقا لإحصاءات صادرة عن مركز الإحصاء الفلسطيني

يتناول الفصل الخامس أطماع إسرائيل في مياه الدول العربية كالأردن وسوريا ولبنان ومصر وكذلك في نهر الأردن، كما يتناول الفصل السادس ملف المياه في مفاوضات مدريد وكيف أنه اعتبر أحد الملفات الرئيسية ومع ذلك لم يراوح مكانه بسبب مطامع إسرائيل ونظرتها الإستراتيجية للمياه وضرورة السيطرة عليها، كما يرى المؤلف

أما الفصل السابع والأخير فيؤكد على تنامي عجز المياه في المنطقة مما يرشح القضية لتفجير الصراعات خاصة في ظل سياسات القوة والسيطرة الإسرائيلية

نقد وتقييم

أحد عيوب الكتاب الواضحة والمحيرة من وجهة نظرنا هي غياب الخرائط، وهو أمر يبدو بسيطا، ولكنه هام من وجهة نظرنا في دراسة من هذا النوع تتعلق بالجغرافيا، فالدراسة تتعامل مع مصادر المياه بخمسة دول أو أكثر - من أنهار وآبار ومياه جوفية - وتذخر بمئات الأرقام والعديد من الجداول الإحصائية، ومع ذلك تفتقر لخريطة واحدة توضح الأنهار والجداول التي يتحدث عنها المؤلف، وهو نقص يترك القارئ في حيرة شديدة وإرهاق ذهني كبير وهو يتنقل بين دول مختلفة وأنهار عدة خاصة في حالة إذا لم يكن من أهل البلاد التي يتحدث عنها القارئ

وبسبب غياب الخرائط قد يشعر القارئ بالعجز عن تتبع المعلومات التي يوفرها الكتاب عن المصادر المائية المختلفة أو بتكرار تلك المعلومات وتشتتها

ثانيا: لا تتحدث الدراسة عن المستقبل بشكل يستحق ذكره في العنوان، فالدراسة تتعامل مع التاريخ في جزئها الأكبر (الفصول الستة الأولى)، ولا تتعامل مع المستقبل إلا في الفصل الأخير وربما الخاتمة، وهو تعامل مبدئي يركز على شح المياه المستقبلي أكثر منه على السياسات المتعلقة بالتعامل مع العجز المتزايد وما قد تقود إليه من صراع أو سلام

ثالثا: يغلب على الدراسة البعد المسحي الإحصائي في مقابل البعد السياسي التحليلي، فالدراسة صغيرة الحجم ومع ذلك تتعامل مع فترة زمنية طويلة للغاية ومع عدد كبير من البلدان والموارد المائية والمشاريع الإسرائيلية العديدة للسيطرة على تلك الموارد، لذا تشعر أحيانا بأن المؤلف أرهق نفسه – ومن ثم قارئه - في جمع الإحصاءات وفي ذكر المشاريع الإسرائيلية المختلفة وأنه كان في حاجة للتركيز على دولة واحدة أو فكرة رئيسية مع إيفائها حقها من الدراسة والتحليل والخرائط الجغرافية والسياسات العربية والإسرائيلية والدولية تجاهها

وعلى ذكر الموقف الدولي، فهو يبدو غائبا من الدراسة، كما تبدو السياسات العربية ذاتها غائبة إلى حد كبير، فالدراسة لا تفصل كثيرا في موقف العرب من عجزهم المائي وخططهم للتعامل معه في المستقبل

رابعا: تشعر أحيانا بأن الكاتب لا يراعي الترتيب الزمني لبعض أفكاره، فعلى سبيل المثال يتحدث المؤلف في نهاية الفصل الخامس من الكتاب عن "أطماع إسرائيل في مياه الفرات" وفي معرض حديثه يرصد مصادر مختلفة تتحدث عن أوجه التعاون بين تركيا وإسرائيل في هذا المجال بعضها يعود لأعوام 1995 و1997 و1990 دون ترتيب أو تحديث وبشكل يترك القارئ في حيرة من أمره حول مستوى هذا التعاون الآن

في النهاية يجب التأكيد على فائدة الدراسة الأساسية، وهي طبيعتها المسحية لعدد كبير من المعلومات المتعلقة بإشكالية المياه في الصراع العربي الإسرائيلي مما يجعلها مصدرا إضافي يسهل العودة إليه للباحث المهتم في ظل قصر عدد صفحاتها، ولعلها تكون بداية لدراسة أكثر تعمقا وتفصيلا

----

معلومات الكتاب

موقع المياه في الصراع العربي الإسرائيلي من منظور مستقبلي، حسام شحادة، الدار العربية للعلوم ناشرون ومركز الجزيرة للدراسات، سلسلة أوراق الجزيرة، 2009

Friday, October 09, 2009

هل يستحق أوباما نوبل السلام؟
بقلم: علاء بيومي
يمكن نشر المقال مع الإشارة إلى مصدره
www.alaabayoumi.com

نص المقال

نعم يستحق الرئيس الأميركي باراك أوباما نوبل السلام، يستحقها ليس فقط تعاطفا معه ولكن أيضا إشفاقا عليه! فالتغيير الذي أحدثه في سياسة أميركا خلال أقل من عام كبير حتى ولو كان على مستوى الخطاب فقط، فما أحدثه هو تغيير هائل لرئيس صغير السن لم تنقض على ولايته لأكبر دول العالم سوى تسعة أشهر

من لا يرى هذا التغيير عليه أنه يقارن أوباما بالرئيس الأميركي السابق جورج دبليو بوش أو بمنافسه في الانتخابات الرئاسية الأميركية جون ماكين أو حتى بهيلاري كلينتون

صحيح أن أوباما غير سياسة أميركا لأن الظروف حوله تغيرت بعد الأزمة الإقتصادية الدولية التي بدأت في أميركا نفسها وبعد هزيمة أميركا في العراق وفشلها في أفغانستان وتنامي تحدي إيران، وأن جون ماكين كان سيضطر لتغيير سياسة أميركا لو فاز في الرئاسة الأميركية في نوفمبر الماضي

ولكن الأسباب السابقة لم تكن لتدفع شخص مثل جون ماكين أو هيلاري كلينتون لتغيير سياسة أميركا بالشكل الذي أحدثه أوباما

ماكين كان يدعو لتحالف دولي ضد الديكتاتوريات وللتشدد ضد إيران وسوريا وروسيا وربما الصين، ماكين لم يكن ليخاطب العالم الإسلامي كما خاطبه أوباما، ولم يكن ليغير صورة أميركا كما فعل الرئيس الشاب ولم يكن ليركز على سلام الشرق الأوسط ما فعل باراك

أوباما غير سياسة أميركا لأنه شخص مختلف لم ينشأ داخل المؤسسة السياسية الأميركية التقليدية ولا ينتمي للخلفية العرقية والثقافية التي تنتمي له غالبية النخبة السياسية الأميركية

أوباما غير سياسة أميركا لأنه انتهز ضيق غالبية الأميركيين بما يحدث ورأى في نفسه ووكاريزميته القدرة على التغيير

أوباما رأى أن الأميركيين وكثير من شعوب العالم أمنوا به وأن الفرصة مواتية للبناء على تلك الثقة

المشكلة أن التحدي الأكبر الذي يواجهه أوباما هو تحدي داخل واشنطن نفسها، وهذا سبب الإشفاق عليه

فالواضح أن النخبة السياسية المحيطة بأوباما لا تؤمن بالتغيير بالشكل الذي يؤمن به ولا بنفس المقدار ولا بنفس الدرجة، وهذا سبب الإشفاق على أوباما

ومن لا يرى ذلك فعليه أن يقرأ مقال نشرته صحيفة هارتس الإسرائيلية اليوم (9 أكتوبر 2009) عن ضيق بعض النخب الديمقراطية الأميركية بالضغط الذي يتعرض له أوباما داخل واشنطن من قبل إسرائيل بسبب موقفه من عمليه السلام

فإسرائيل تريد أن تعلم الرئيس الشاب درسا قاسيا في تكلفة الضغط عليها حتى لو كان بالخطاب فقط من خلال العمل داخل مؤسسته ذاتها وبلدته (واشنطن)، وبالطبع الإسرائيليون يعتمدون في ذلك على حلفائهم هناك، وكأنهم يريدون أن يقولوا لأوباما نحن نعرف واشنطن أكثر منك ونسيطر عليها كما لا تتصور، وفي ضغطنا عليك تحدذير لك ولأي رئيس قادم قد يحذو حذوك

وبالطبع تعرف إسرائيل أنها يمكنها العثور على العديد من الحلفاء داخل واشنطن، فالنظام السياسي الأميركي لم يستطع انتاج أوباما أخر، أو حتى عدة مستشارين أو وزراء يمكن أن يستعين بهم أوباما في الدفع بسياسة التغيير التي ينشدها

أعرف أن سياسات أوباما تجاه العالم العربي والإسلامي لم ولن ترتق لطموحات الشعوب العربية والإسلامية، ولكنهم يدركون أنه لن يوجد رئيس أميركي في المستقبل المنظور قادر على تحقيق ما يريدونه، فهم عاجزون عن تحقيق ذلك في بلدانهم ذاتها، وهذا وحده سبب كافي كي لا ننتظر كل شيء من أوباما

في النهاية لا نعرف إذا كان تقدير العالم لأوباما سوف يدعمه لممارسة مزيد من الضغط على إسرائيل أو على النخب السياسية الأميركية المحيطة به أو لتنفيذ مزيد من التغييرات الداخلية والخارجية، ولكنها نعلم أنها رسالة تأييد من كثيرن حول العالم له

مبروك لأوباما على جائزة يستحقها تقديرا له وإشفاقا عليه ودعما له

--
علاء بيومي – مؤلف كتاب "صعود باراك أوباما ومستقبل السياسة الخارجية الأميركية الصادر عن مركز الجزيرة للدراسات، نوفمبر 2008،
http://www.aljazeera.net/NR/exeres/779484D1-B435-44A5-85FB-635C2CE7FA26.htm

Tuesday, October 06, 2009

لماذا يحارب أوباما وحده!؟
بقلم: علاء بيومي

يمكن نشر المقال مع الإشارة إلى مصدره
www.alaabayoumi.com

نص المقال

استوقفني مقال لأستاذ قانون أميركي يدعى ستانلي فيش نشرته جريدة إنترناشيونال هيلارد تربيون في نهاية الشهر الماضي يتعجب فيه من إستراتيجية الرئيس الأميركي الحالي باراك أوباما السياسية والإعلامية والتي يظهر فيها وكأنه يحارب وحده لتطبيق سياسات إدارته الحالية

فالرجل أفرط في وضع مصداقيته على المحك في أكثر من قضية سياسية صعبة ومهلكة (سياسيا) إذا صح التعبير

فعلى سبيل المثال تدخل أوباما في قضية الشرق الأوسط ورفع صوته عاليا مطالبا بوقف كامل عن بناء المستوطنات الإسرائيلية واستمر في ترديد الطلب نفسه ومن خلفه بعض كبار مساعديه لعدة أشهر حتى تراجع مؤخرا، وبدا وكأن أوباما نفسه - أي الرئيس الأميركي - هو من تعرض للخسارة والفشل في إقناع الإسرائيليين وليس مبعوثه الخاص للشرق الأوسط جورج ميتشل على سبيل المثال

وعلى المنوال نفسه تصدر أوباما لقضايا مثل إصلاح النظامين المالي والاقتصادي الأميركي بعد الأزمة الأخيرة، وتصدى لقضية إصلاح النظام الصحي، وهي القضية التي فشل فيها من قبل بيل كلينتون وزوجته هيلاري عندما كانا يحتلان البيت الأبيض في التسعينيات، ولا أعلم أن كان لدى الأمريكيين أملا في إيجاد حل لهذه المشكلة في الأمل المنظور

وتصدى أوباما لإستراتيجية حرب أفغانستان، وظهر مؤخرا على الإعلام الأمريكي وخلال أحد أيام الأحد للدفاع عن سياسته الخاصة بإصلاح النظام الصحي في جميع شبكات التلفزيون الأميركية الكبرى تقريبا فيما عدا فوكس نيوز اليمينية مما جعل البعض يتعجب من إفراط أوباما في الظهور الإعلامي والتساؤل حول جدوى هذا الإفراط في عرض الرئيس مما قد يجعله سلعة تغرق الأسواق يمل المشاهد منها ومن ثم يضعف الطلب عليه وييقل من قيمته

وأخيرا ذهب أوباما إلى كوبنهاجن الأسبوع الماضي لدعم ملف شيكاغو لاستضافة دورة الألعاب الأولمبية (2016) على الرغم من الصعوبات الاقتصادية التي تواجهها أميركا ومدينة شيكاغو في الوقت الراهن، وقلة الميزانية التي رصدتها المدينة للإنفاق على الألعاب الأولمبية في ظل أزمتها الاقتصادية، وعاد خالي الوفاض لدرجة أن كبير مستشاريه دايفيد أكسلرود - وهو الرجل المسئول عن صناعة صورة أوباما - خرج إلى الإعلام ليؤكد أن خسارة شيكاغو في سباق استضافة المونديال لا تعد فشلا لأوباما أو لزوجته أو رفضا لهما

وبالطبع يدرك أكسلرود أن وسائل الإعلام اليمينية في أميركا لن ترحم أوباما ولن تتسامح مع عودته الفاشلة من كوبنهاجن كما لم تتسامح مع أي من سياساته من قبل، فسوف تصور فشل كوبنهاجن كفشل لأوباما نفسه وكعلامة على رئيس أفرط في استخدام - أو في تصور - قدراته الشخصية وكاريزميته وقدرته على إقناع الآخرين، وفي اعتقاده بأن خطابه البراق قادر على حل مشكلات واقعية عويصة ناتجة عن مشكلات اقتصادية واسعة كمشاكل شياغو أو مشكلات سياسية وتاريخية معقدة ومركبة كمشكلة الشرق الأوسط، وهي اتهامات تعمق اتهام قديم لأوباما بالسذاجة وبالمثالية وبالخطاب البراق الذي لا يدرك الواقع ولا يتعامل معه

فحتى دينيس روس مستشار أوباما لشئون الشرق الأوسط – والرجل الذي قال عنه أوباما أنه يستمد نصائحه الخاص بالشرق الأوسط منه - يدور كتابه الأخير (والذي مازلنا نقرأ في بداياته) حول خطر مثالية الليبراليين الأميركيين وتصورهم بأنه الصراع العربي الإسرائيلي هو جوهر مشاكل الشرق الأوسط وأن حله ممكن سريعا وسوف يقود لحل مشاكل المنطقة وأن الانفتاح على نظم كسوريا أو كإيران كافي وحده لتغيير سلوكها

بمعني أخر يبدو أن هناك أصوات متعالية من داخل الحزبين الليبرالي والجمهوري تقول لأوباما أنك مثالي أكثر من اللازم وساذج وعليك التحلي بقدر من الواقعية والخباثة إذا صح التعبير

المثير هنا - كما يشير ستانلي فيش – هو أن أوباما لا يفتقد للمساعدين الكبار، بل على العكس، أوباما أحاط نفسه بعدد من أشهر السياسيين الأميركيين، فلديه هيلاري كلينتون وجوزيف بايدن في قضايا السياسة الخارجية ولديه مستشارين كبار في المجال الاقتصادي من ورثة عهد كلينتون ومن ألمع خبراء وأساتذة الاقتصاد في أميركا، والكونجرس الأميركي عامر بالقيادات الديمقراطية المسيطرة عليه حاليا والتي قادت الديمقراطيين خلال انتخابات 2006، ولكن ورغم كل ذلك يبدو أوباما وكأنه وضع نفسه منفردا في فوهة البندقية يطلق نفسه تكرار في كل قضية كبرى تتبناها إدارته، أو يطلقه الديمقراطيون في كل قضية إذا شاءوا، وكأنه الرصاصة الأولى أو الوحيدة للديمقراطيين

وهو أمر يثير التساؤل، ويدفع المرء إلى أعادة تنظيم أفكاره حول أوباما وشخصيته وأسلوبه في الحكم والذي يتعارض بوضوح مع شخصية الرئيس السابق له - جورج دبليو بوش – والذي توارى دائما خلف مساعديه الكبار مثل ديك تشيني ودونالد رامسفيلد وحتى كونداليزا رايس

ولتفسير تلك المفارقة يجب الإشارة إلى أن أوباما فاز بأغلبية واضحة في انتخابات الرئاسة الأميركية الأخيرة والتي جرت في ظروف استثنائية وتاريخية، ظروف انهيار عسكري واقتصادي واضح لأمريكا، وقد أجمع الخبراء الأميركيون على أن انتصار أوباما الكاسح عن منافسه القوي للغاية جون ماكين هو مؤشر واضح من قبل الأميركيين بأنهم يثقون في أوباما ويريدونه أن يقود ويحكم

ثانيا: رأى البعض أن أميركا على مفترق طرق هام، فالبلد يمر بأزمة، وصفها البعض بأنه أزمة كبرى لليبرالية الأميركية

فالليبرالية في أميركا في تراجع منذ أواخر الستينيات، واليمين في تصاعد ومعه ازدادت الفجوة بين الفقراء والأثرياء، وتردت البنية التحتية الأميركية، وتراجعت الخدمات الحكومية وعجزت أميركا عن تبني برامج الإصلاح الاقتصادي والصحي وتبنت سياسات خارجية عسكرية مكلفة للغاية، لذا رأى البعض أن الانهيارات الأخيرة والتي تبلورت بوضوح خلال انتخابات 2008 والتي خاضتها أميركا في ظل أزمة اقتصادية عالمية بدأت داخل أمريكا نفسها، وفي ظل خسائر حربية على جبهتين هما أفغانستان والعراق، تعني أن اللحظة مواتية أمام أوباما لإحياء الليبرالية الأميركية من خلال سياسات "عهد جديد" سياسات تعيد لليبرالية الأميركية روحها، سياسات تكبح جماع من عسكروا الرأسمالية الأميركية وأطالوا أنيابها في الداخل والخارج، وتعيد بناء ما هدمته سياسات اليمين على المستويين الأميركي والدولي

ثالثا: يبدو هنا أن أوباما حاول فعلا طرح بعض الأفكار الجريئة على صعيد بناء علاقة جديدة مع العالم الإسلامي وإصلاح النظام الاقتصادي الأميركي وإصلاح نظام الرعاية الصحية الأميركي وتحويل عجلة الحرب الأميركي من العراق إلى أفغانستان

ولكن ورغم كل ما سبق لم يقنع أوباما المتشائمين بالتخلي عن تشاؤمهم فقد رأى البعض منذ البداية، ومن خلال قراءة أسماء مساعدي أوباما أن غالبيتهم من الوجوه القديمة التي لم تعرف يوما بمهادنتها أو بانتمائها لتيار الحمائم على غرار هيلاري كلينتون وكبير موظفي البيت الأبيض في عهد أوباما رام إيمانويل

كما حذر البعض - من أمثال بول كروجمان أستاذ الاقتصاد الأميركي المرموق والفائز بجائزة نوبل 2008 - أوباما من أن النظام الأميركي نفسه لن يسمح له بالتغيير، وكان ذلك في معرض حديث كروجمان عن سياسات إصلاح النظام الصحي، حيث تعجب كروجمان في مقال نشر له مؤخرا من أن معارضي إصلاحات أوباما ينحدرون من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار، ورأى الرجل أن المفارقة السياسية السابقة لا يفسرها إلا سطوة اللوبيات والتي وضعت أعضاء الكونجرس تحت سيطرتها وطوعتهم لخدمة مصالحها، وبهذا بدت حملات أوباما السياسية البطولية وكأنها درب من دروب الانتحار السياسي، فالرجل يحارب وحده، ومساعديه وأبناء حزبه يتوارون خلفه لسبب غير مفهوم، فهل طغى عليهم بكاريزميته المشهودة؟ أم أنهم تركوه ليحارب ويموت سياسيا وحده؟ والجميع يدرك أن النجاح فيما يصنعه صعب إن لم يكن مستحيلا

ولعل إشفاق البعض على أوباما وهو ما دفع الرئيس جيمي كارتر مؤخرا إلى اتهام بعض معارضي أوباما بالعنصرية وبأنهم يعرضون أوباما ليس لسياساته، ولكن لأنهم لن يقبلوا طواعية بالانصياع خلف قيادة رجل أبيض

هناك أيضا حديث لم ينته بعد عن تراجع نفوذ أميركا وسلطتها حول العالم وقدرتها الاقتصادية داخليا فالبلد يمتلك أكبر عجز تجاري في العالم ويستدين من الصين بكميات مهولة ويعاني من مستويات بطالة تاريخية ومستقبل اقتصادي غامض، كما أن الجيش الأميركي وهو مصدر القوة السياسية الأميركية يعاني من المهانة العسكرية يوميا في العراق والتي فشل فيها وفي أفغانستان والتي يفشل فيها حتى الآن، وبهذا تبدو دعامتا الإستراتيجية الأميركية الرئيسيتان (الجيش والاقتصادي) في تردي غير مسبوق، وتدهور دفع بعض كبار مراكز الدراسات الإستراتيجية الأميركية إلى الحديث عن دخولنا بالفعل عالم ما بعد القطبية الأحادية

وهكذا تبدو أميركا المرهقة بالأعباء الاقتصادية والعسكرية غير قادرة على فرض أجدتها الداخلية أو الخارجية

أضف إلى ذلك أن دراسة أوباما نفسه ومواقفه خلال حملته الانتخابية توضح منذ البداية أنه ليس بالمثالية التي يتصورها البعض فيه، فالرجل قنط من العراق ويريد تركها في أسرع وقت دون تعويضه عن ما ارتكب في حقه من جرائم، كما أن لا ينفتح على الآخرين إلا بحساب وبمعايير مزدوجة تفرق بين الدول والجماعات وبين العلمانيين والمتدينين، كما أنه طوى ملف الديمقراطية ودعم أميركا لها خلف ظهره، وفضل التعامل مع النظم الديكاتورية توافقا مع مصالح أميركا، هذا ناهيك عن مساعديه وفشله في العثور على وجوه جديدة تمثل التغيير الذي يتحدث عنه، هذا يعني أن الفكرية الأوباماوية حملت منذ ولادتها بذور متناقضة وبعض أسباب فشلها

هذا يعني أننا أمام مشروع أوباومي للتغيير شارف على معرفة حدوده، وأن الشهور الثلاثة المقبلة سوف تكون مفصلية، فسوف نعرف مدى تقبل الكونجرس الأميركي والمعارضة الجمهورية لخطط الإصلاح الصحي والاقتصادي وحرب أفغانستان، ومدى قدرة الاقتصاد على التعافي وقدرة أوباما على فرض أجندته في القضايا السابقة

وفي اعتقادي أن كلام كروجمان صحيح وأن النظام السياسي الأميركي نفسه لن يسمح لأوباما بالتغيير وأن سرعان ما سيدرك أوباما حدوده وهي نتيجة غير سارة لكثير ممن تمنوا التغيير، كما أخشى من أن مساعدي أوباما الديمقراطيين المحنكين سياسيا يدركون هذا من البداية وأنهم تركوه يحارب وحده مدركين أن مصيره الفشل والذي يقد يعفيهم أنفسهم من تحمل مسئولية طالما ظهر أوباما في المقدمة يحارب وحده