Thursday, February 28, 2008

أحلام أوباما والجيل الأميركي المفقود
مقال بقلم: علاء بيومي

الناشر: الجزيرة نت، 20 فبراير 2008

نص المقال

سر الصراع الشرس والطويل بين باراك أوباما وهيلاري كلينتون على الفوز بترشيح الحزب الديمقراطي في الانتخابات الرئاسية الأميركية المقبلة هو أنه يجري بين كيانات أكبر من أوباما وهيلاري بكثير، فهو صراع بين النخب الحاكمة للحزب الديمقراطي من ناحية وللولايات المتحدة الأميركية من ناحية أخرى، بل هو صراع بين الأجيال الأميركية شاء القدر أن يجري داخل أروقة الحزب الديمقراطي في العام الحالي

صراع أجيال

جذور الصراع الحالي تعود إلى الفترة التالية للحرب العالمية الثانية والتي شهدت خروج أميركا للعالم كقوة عظمى منتصرة ذات إمكانات غير مسبوقة من حيث القوى الاقتصادية والعسكرية، فترة ولد فيها جيل جديد يحكم أميركا حاليا ويمثله سياسيون مثل هيلاري كلينتون (ولدت في عام 1947) وزوجها بيل كلينتون (ولد في عام 1946) وجورج دبليو بوش (ولد في عام 1946)

جيل عرف أميركا في أوج قوتها وهيبتها الدولية ومواردها التي لا تنضب، وسرعان ما انشغل داخليا بصراعات طاحنة كثورة الحقوق المدنية وثورة الشباب الأخلاقية وحرب فيتنام وتبعاتها الكارثية

وهي صراعات قسمت الجيل السابق لفريقين متناحرين لا يتقابلان، يسار جديد توجه للحزب الديمقراطي تقوده الحركات النسوية والنخب الليبرالية المتحررة أخلاقيا والجماعات المعادية للحروب، ويمين ارتمي في حضن أثرياء الجنوب والرافضين لميراث ثورة الحقوق المدنية والمساندين للتشدد العسكري والجماعات المسيحية المتدينة متصاعدة النفوذ

وبدخول السبعينات دخلت أميركا داخليا مرحلة الحروب الثقافية التي شهدت انقساما حزبيا حادا بين الطرفين السابقين وصعودا متناميا في قوي اليمين الأميركي والتي دانت لها السيطرة منذ عام 1980، فبعد أن شهدت فترة ما بين الحربين صعودا مستمرا للحزب الديمقراطي واليسار الأميركي وصل قمته في فترة الستينات الصاخبة بدأ الجمهوريون في تنظيم أنفسهم وتحالفهم الجديد والذي ساهم في عودتهم للسلطة مع ريجان في عام 1980

ويقول البعض أن تأثير ريجان على السياسة الأميركية كان طاغيا إذا استطاع توسيع خيمة الجمهوريين وتحالفاتهم الجماهيرية بتقوية تحالفهم مع الجماعات المتدينة وبتشدده على ساحة السياسة الخارجية مما ساهم في اجتذاب صقور الديمقراطيين والليبراليين كالمحافظين الجدد

ومنذ عام 1980 لم يحكم أميركا رئيس ديمقراطي سوى بيل كلينتون، والذي حكم أميركا لثمانية سنوات فشل بعدها في الدفع بنائبه آل جور لسدة الحكم، ويقول البعض أن حكم كلينتون لم يكن سوى تأكيد لسيطرة الجمهوريين، ففي عام 1994 وبعد تولي كلينتون الرئاسة بعامين فقط منى الديمقراطيون بهزيمة ساحقة في مجلس النواب أدت إلى وقوعه تحت سيطرة الجمهوريين بنسبة كبيرة (فارق 25 مقعدا) عن الديمقراطيين، كما مال كلينتون كرئيس لليمين بتركيزه على قضايا مثل الحد من الإنفاق الحكومي وتشجيع التجارة الدولية وتنشيط دور أميركا في التدخل العسكري في حل الصراعات الدولية عبر العالم

ولذلك يري البعض أن الكلينتونية هي صورة انهزامية للمد الليبرالي، صورة يعترف فيها الديمقراطيون بسيطرة الجمهوريين الساحقة على مجريات السياسية الأميركية وبأن ليس أمامهم سوى المهادنة والميل لليمين قليلا أو لما يسمى بيمين الوسط لعلهم يتمكنون من الفوز بأصوات المعتدلين الجمهوريين وتقديم الأجندة الديمقراطية الليبرالية على استحياء بعض سنتيمترات إلى الأمام

ويرى الكثيرون أن هيلاري وريثة الكلينتونية الشرعية خاصة وأن خطابها تعتليه مسحات واضحة من التشدد خاصة على الساحة الخارجية، كما أن خطابها الداخلي ليبرالي متحزب بشكل واضح ومستعد بشراسة لمهاجمة الجمهوريين وإذاقتهم مرارة الهزيمة السياسية وتلقينهم أحد دروس فترة الحروب الثقافية، وهي حرب تشبه حرب الخنادق، والتي تعتمد بالأساس على إستراتيجية الكر والفر وإلحاق أكبر قدر من الخسائر بالعدو قبل العودة للتخندق من جديد وبأقصى سرعة

عصر الحروب المفتوحة

ولكن البعض يرى أن إستراتيجية هيلاري والتي تعكس عقلية جيل ما بعد الحرب العالمية الثانية والمؤمنين بالكلينتونية في الحزب الديمقراطي لم تعد صالحة للفترة الحالية، بل أنها باتت معزولة عن حقيقة التحولات الكبرى التي تعصف بالحزبين الجمهوري والديمقراطي والسياسية الأميركية حاليا

حيث يرى هؤلاء أن أخطاء جورج دبليو بوش الكارثية خاصة في العراق أدخلت السياسة الأميركية في عصر جديد من الصراعات السياسية يمكن تسميته بعصر الحرب المفتوحة

فعلى مدى سنوات حكمه دافع بوش بقوة عن أجندة النخب الحاكمة للحزب الجمهوري وهي أجندة تقوم على خدمة أثرياء الجنوب والبروتستانت التبشيريين والجماهير اليمينية الأكثر تشددا من خلال إفساح المجال أمام شركات الطاقة الأميركية للعمل بلا قيود، وخفض الضرائب على الأثرياء، والتشدد العسكري على الساحة الخارجية، والميل لليمين الأخلاقي والديني على الساحة الداخلية

ويقول البعض أن الأخطاء الكبرى التي ارتكبها بوش في إدارة أميركا وحرب العراق أضرت ضررا بالغا بأجندة النخب السابقة والتي بات ينظر إليها على أنها نخب غير أمينة ولا تتمتع بالكفاءة اللازمة ناهيك عن المصداقية لقيادة أميركا

ونتيجة لذلك بات على تلك النخب أن تفسح المجال لفئتين، أولهما فئة النخب الاقتصادية والثقافية الجديدة المتصاعدة منذ أوائل التسعينات وخاصة أثرياء قطاع التكنولوجيا والخدمات المالية وصناعة الترفية، وهي نخب تنتمي لعصر ما بعد التصنيع أو ما بعد الحداثة وتحمل أفكار وتطلعات مختلفة إلى حد كبير عن أثرياء الجنوب والطاقة المسيطرين على الحزب الجمهوري

فنخب التكنولوجيا والترفيه والخدمات المالية نخب ثرية باتت تتمتع بنفوذ مالي وسياسي كبير يسعى أوباما وهيلاري وجون ماكين لحصده، نخب تميل أكثر لليسار، كما أنها أيضا تؤمن بأفكار جديدة فهي أقل تشددا من الناحية الحزبية، فهي أكثر إيمانا بقضايا كالبيئة وتحسين التعليم والحالة العامة للاقتصاد الأميركي وصورة أميركا عبر العالم وأكثر انجذابا للخطاب السياسي الأكثر رقيا وذكاء كخطاب أوباما

أما الفئة الثانية فهي الفئة التي تعرف بالجيل الأميركي المفقود وهم الجيل الأميركي الذي ولد بين عامي 1961 و1976 كما يحدده البعض، وهو جيل لم يعش صراعات الستينات، كما أنه ترعرع في ظرف أقل ثراء من جيل ما بعد الحرب العالمية الثانية، حيث واجه الجيل الأميركي المفقود مشاكل ارتفاع تكاليف الرعاية الصحية وتردي المدارس الحكومية وانشغال الساسة الأميركيين بالصراعات الحزبية والسياسية

لذا لا يرى هذا الجيل أنه ممثل سياسيا، كما يرفض سياسات جيل هيلاري وبيل كلينتون وجورج بوش والتي يرى أنها سياسات حزبية مؤلدجة تهمل قضاياه

ويقول البعض أن هذا الجيل ظل ضائعا مهملا ومنعزلا حتى دفعته أحداث 11-9 للمشاركة، ونظرا لعدم حزبيته مال لبوش واليمين في البداية ثم شعر بتطرفه فعاد وانقلب على اليمين ومال بشكل أكبر لليسار، وبات يبحث عن ممثل له في الانتخابات القادمة مستفيدا من قوته المتصاعدة، والتي تعود لإتقانه استخدام الإنترنت وأدوات الاتصال الحديثة مقارنة بالجيل القديم، وهي تقنيات باتت ذات قدرة كبيرة على جمع التبرعات وحشد تأييد الرأي العام في الانتخابات

الملهم المنتظر

ويرى المتابعون أن صعود النخب الجديدة وأخطاء إدارة بوش والتي أدت لهزيمة الجمهوريين الساحقة في انتخابات عام 2006 جعلت ساحة السياسة الأميركية مفتوحة على مصراعيها قابلة لصعود قيادات وأفكار جديدة تعيد تعريف القوى الحاكمة لأميركا

ويلوم الكثيرون على الديمقراطيين عدم استغلالهم الكافي لعصر الحروب السياسية المفتوحة حتى الآن حيث يرى هؤلاء أن الساسة الديمقراطيين مازالوا يعيشون بعقلية حروب الخنادق والكر والفر والتي أدت إلى هزيمتهم في انتخابات عام 2004 حين حاول جون كيري مواجهة جورج دبليو بوش بأجندة باهتة لا هي ليبرالية منفتحة ولا يمينية متشددة مما أدى لهزيمته

كما يرى هؤلاء أن انتصار الديمقراطيين في انتخابات عام 2006 لم يكن نتيجة لأفكار جديدة أو قيادات متميزة قدموها فغالبية الأميركيين تجهل أسماء قيادات الديمقراطيين في الكونجرس، وحتى باراك أوباما ذاته لا يمتلك الصيت الكافي لدى الشعب الأميركي، ولعل هذا سبب تفوق هيلاري عليه في بعض جولات السباق فهي أشهر منه على المستوى الأميركي

لذا لم ينتخب الأميركيون الديمقراطيين في عام 2006 بقدر ما أرادوا إسقاط الجمهوريين، مما يترك انتخابات العام الحالي مفتوحة أمام جميع الاحتمالات

وفي ظل هذا السياق يصور البعض أوباما على أن المنقذ المنتظر والرجل القادر على قيادة الحزب الجمهوري في ساحة الحروب المفتوحة وإلحاق هزيمة ضخمة بالجمهوريين تعيد تعريف حدودهم السياسة وتعيد بناء القواعد الجماهيرية للحزب الديمقراطي

ويرى هؤلاء أن هيلاري سوف تعجز عن القيام بتلك المهمة بحكم أنها معروفة بحزبيتها وحدتها الكفيلة بتوحيد الجمهوريين ضدها

أحلام أوباما

أما أوباما فهو مختلف كثيرا، فهو معروف بخطابه الذي يركز على الوحدة ويرفض الانقسام، وبحديثه الخلاق الجذاب القادر على إقناع الكثيرين، وبتوجهاته السياسية الليبرالية على الساحة الخارجية مقارنة يهيلاري التي أيدت حرب العراق وتميل للتشدد مما يجعل أوباما أكثر قدرة على جذب أصوات الجماعات الرافضة للحرب، كما أن أوباما يميل لليمين وللتوجهات المحافظة على الساحة الداخلية مقارنة بهيلاري فأوباما أكثر تدينا ومحافظة منها مما يجعله أكثر قدرة على اجتذاب أصوات المتدينين والجمهوريين المعتدلين

كما أن أوباما المولود في عام 1961 ينتمي للجيل الأميركي المفقود الذي مازال يبحث عن أحد يمثله، ولو تم انتخابه من قبل الديمقراطيين فسوف يساعد الحزب الديمقراطي على الفوز بأصوات هذا الجيل في الانتخابات الرئاسية، وسوف يكون في حالة فوزه بالرئاسة الأميركية في نوفمبر المقبل أول رئيس أميركي ينتمي لهذا الجيل ويعبر عن قضاياه بعد سيطرة جيل ما بعد الحرب العالمية الثانية على السياسة الأميركية منذ عام 1992

كما أن أوباما يخوض الانتخابات بإستراتيجية جديدة تميزه عن هاورد دين الذي هزمه جون كيري في انتخابات عام 2004، وذلك لأن دين – الذي حقق نجاحا كبيرا قبل هزيمته - قدم نفسه على أنه صوت من لا صوت لهم في الحزب الديمقراطي كما أستطاع بناء حركة سياسية باتت مؤثرة في الحزب الديمقراطي وهو نفس الشيء الذي يفعله أوباما حاليا فهو يجذب إليه أصوات جديدة لم تصوت من قبل، ولكن أوباما حرص على آلا يقع في أخطاء هاورد دين والذي بالغ في يساريته بشكل قلص قواعده الجماهيرية، أما أوباما فيحرص على تقديم نفسه كرجل يحلم بتوحيد أميركا وتخطي الفوارق السياسية والعنصرية

ولكن هناك من يخشى على أوباما وأحلامه، فالنخب الصاعدة في أفق الحزب الديمقراطي نخب ثرية قد لا تهتم بأجندة الطبقات الفقيرة والمتوسطة، كما أن أوباما قليل الخبرة ولا يمتلك سوى خطابه الرائع وأحلامه بتخطي الفوارق الاقتصادية والعنصرية والسياسية في أميركا، وهناك من يخشى من أن تستغل القوى الرافضة للتغيير في أميركا خطاب أوباما وأحلامه كدليل في حل ذاتها على تخطي تلك الفوارق دون إعطاء أوباما فرصة للتغيير الحقيقي، فلكي يحقق أوباما أحلامه عليه مواجهة النخب التقليدية المسيطرة على الحزب الديمقراطي والحزب الجمهوري بنخبه وآلته السياسية والإعلامية الطاحنة والتي لن تتواري عن القضاء على أحلام أوباما والجيل الأميركي المفقود
----

مقالات ذات صلة

ترويض باراك أوباما

Saturday, February 23, 2008

مساندو إسرائيل بأميركا يقرون بفشل سياسة العقاب الجماعي
مقال بقلم: علاء بيومي

الناشر:
الجزيرة نت، 20 فبراير 2008

نص المقال

أجمع مساندون لإسرائيل بأميركا على أن هدم الحدود بين غزة ومصر في أواخر شهر يناير الماضي أدى لخلط الأوراق السياسية الإسرائيلية الخاصة بالقطاع، وذلك لأن "إسقاط الجدار" الفاصل بين غزة ومصر كان بمثابة إعلان لفشل "سياسة العقاب الجماعي" التي تمارسها إسرائيل بدعم من بعض المسئولين الأميركيين تجاه أهالي القطاع لإرغامهم على الثورة ضد حماس

ورغم الإجماع السابق انقسم مساندو إسرائيل تجاه مستقبل السياسة الإسرائيلية في غزة، حيث رأى فريق منهم أن سياسة الحصار "فشلت" وأن الوقت حان لكي تسعى إسرائيل "للتفاهم" مع حماس مباشرة أو عن طريق أطرف ثالثة، أما الفريق الثاني فلم يجد أمامه حل سواء المطالبة "بإعطاء غزة لمصر" مقابل ما تحصل عليه مصر من مساعدات سنوية من أميركا

الفريق الأول عبرت عنه بوضوح مجلة فوروارد اليهودية الأميركية والتي كتبت تتساءل عن فائدة المفاوضات دون أن يتم إكمالها، وعن فائدة الجدران والحدود في حالة العجز عن حراستها، وعن فائدة مهاجمة الخصم إذا كانت المهاجمة لا تؤدي سوى إلى دفع الخصم إلى الرد

تساؤلات فوروارد كانت ترمي إلى فشل إسرائيل في إتباع سياسة ناجحة مع غزة، فالجميع بات يعرف كما ترى المجلة أن "غلق إسرائيل لحدود غزة فعل غبي"، وأن "غياب بديل بناء ليس مبررا لاختيار بدائل هدامة"

وتقول المجلة أن حصار غزة كان يهدف إلى واحد من أهداف ثلاثة ثبت فشلها، الهدف الأول هو تجويع أهل غزة لإرغامهم على الثورة ضد حماس، وهو هدف ثبت فشل لأن الحصار رفع "الروح القتالية" لأهالي غزة كما تنبأت دراسات عديدة لردود أفعال السكان المدنيين في حالة إخضاعهم لحملات قصف مكثفة أو محاولات إذلال

الهدف الثاني هو اعتقاد بعض المسئولين الإسرائيليين أن الحل الوحيد لوقف صواريخ القسام هو "غزو كامل وقصير لغزة"، وأن تجويع الفلسطينيين سوف يؤدي لإطلاق مزيد من صواريخ القسام والتي سوف تزيد من "دعم" الإسرائيليين "لإعادة احتلال غزة"، وهي نظرية فشلت كما ترى المجلة اليهودية الأميركية لأنها لا تبالي بأرواح "آلاف الغزاويين ومئات الإسرائيليين" الذين سوف يقعون ضحايا لمثل هذا الغزو، هذا إضافة إلى تأثير الحصار "غير الإنساني" على صورة إسرائيل في الداخل والخارج

أما الهدف الثالث فهو أن "الرأي العام الإسرائيلي يطالب بفعل" شيئا ما للرد على صواريخ القسام، حتى ولو كان الرد مجرد رد فعل عكس انتقامي، وهو هدف بطبيعته قاصر النظر لا يصلح على المدى الطويل

لذا تقول المجلة أن "الحصار، مثل العديد من الجهود السابقة له، فشل"، وتتساءل حول ما إذا كانت إسرائيل "ملزمة" بتكرار "الجهود الدموية التي أنهكتها وشوهت صورتها في الماضي"، في المقابل طالب المجلة اليهودية واسعة الانتشار قادة إسرائيل "بالتخلي عن السياسات القديمة والسعي للتفاهم مع حماس مباشرة أو من خلال أطراف ثالثة" مؤكدة على أنه لم يعد هناك "سببا وجيها" لعدم تجربة هذا الطريق

على خلاف الموقف السابق طالب فريق أخر من الكتاب الأكثر تشددا يتزعمهم دانيال بايبس – أحد أكثر مساندي إسرائيل تطرفا – بالرد على "خرق" الفلسطينيين للحدود التي تفصل قطاع غزة عن مصر "بإعطاء غزة لمصر"

حيث كتب بايبس في الثلاثين من يناير الماضي يقول "أن التطورات الأخيرة في غزة تبرز الحاجة لتغيير في السياسات الغربية" تجاه القطاع، ومضى بايبس يقول أن القطاع كان مسئولية مصرية حتى عام 1967 حين قام قادة إسرائيل "بالسيطرة" على غزة لأسباب "دفاعية" و"بتردد"، وأن الغزاويين كانوا بشكل عام خاضعين "لحكم" إسرائيل حتى اندلاع الانتفاضة في عام 1987، والتي دفعت إسرائيل "لتحميل" القطاع لياسر عرفات وفقا لاتفاقات أوسلو

ويقول بايبس أن اتفاقات أوسلو كانت تهدف إلى جلب الاستقرار لغزة وتحويلها لبلد مزدهر ولكن القادة الفلسطينيين فشلوا في ذلك مما دفع إيهود أولمرت مؤخرا لمحاولة "عزل" غزة يقوده "الأمل بأن تدفع الظروف الاقتصادية القاسية الغزاويين للثورة على حماس"، ويقول بايبس أن "الضغط" نجح في "تقليص" شعبية حماس، ولكنه لم يتمكن من وقف الصواريخ مما أدى لتصعيد سياسات الحصار كغلق الحدود وتقليص إمدادات الوقود للقطاع، وهي إجراءات وصفها الكاتب المتطرف "بالمناسبة" على الرغم من أنها لم تعجب وسائل الإعلام

ويقول بايبس أن التصعيد من قبل إسرائيل وحماس قاد إلى حادث "خرق" الحدود بين غزة ومصر والذي يمثل "فرصة" للدول الغربية لكي تعلن نهاية تجربة "الحكم الذاتي" بغزة وإعادة وضع غزة إلى ما قبل عام 1967 والضغط على مصر للمساعدة من خلال "إعطاء غزة مزيد من الأرضي أو حتى ضمها كمقاطعة"

ويقول الكاتب المتطرف مبررا اقتراحه بأن الغزاويين يتحدثون نفس لغة أهالي سيناء وتربطهم علاقات صلة معهم أكثر مما تربطهم بأهل الضفة الغربية، كما أن أصول حماس تعود لجماعة الأخوان المسلمين المصرية، ويقول أن حدوث ذلك سوف يعود بعدد كبير من الفوائد مثل وقف إطلاق الصواريخ، وفضح سطحية الوطنية الفلسطينية وكسر حالة الجمود والمقاطعة العربية-الإسرائيلية، كما أن قيام مصر بضم غزة قد يبرر المساعدات (1.8 بليون دولار) التي تحصل عليها مصر سنويا من أميركا

المثير هنا أن أفكار بايبس السابقة تلقفتها ورددتها صحف أميركية يمينية مثل نيويورك صن تايمز وكتاب مساندون لإسرائيل في مقالات حرصت على إغفال الجانب الإنساني لمعاناة الفلسطينيين بغزة وعلى تجاهل حقيقة الاحتلال الإسرائيلي للقطاع وعلى لوم الفلسطينيين أنفسهم على تدهور ظروف القطاع

Sunday, February 17, 2008

نورمان بودهوريتز وإستراتيجية بوش والحمل الإسرائيلي
مقال بقلم: علاء بيومي

الناشر:
الجزيرة نت، فبراير 2008

نص المقال

مؤتمر أنابوليس وزيارة بوش للمنطقة والهجمة الإسرائيلية الشرسة على قطاع غزة تحثنا على قراءة كتابات وأفكار نورمان بودهوريتز أحد أهم مؤسسي تيار المحافظين الجدد لما يتميز به من شجاعة في الاعتراف بأفكار سياسية يمينية يصعب العثور عليها في مكان أخر خاصة فيما يتعلق بالشرق الأوسط

أسد المحافظين الجدد

حياة وأفكار نورمان بودهويتز يرى فيهما البعض تأريخا لتطور تيار المحافظين الجدد فكريا وسياسيا، فبودهوريتز هو ابن لبان يهودي هاجر لأميركا هربا من اضطهاد أوربا لليهود، وتمكن في الثلاثينات من عمره رئاسة تحرير مجلة كومنتاري الصادرة عن اللجنة اليهودية الأميركية، وهي إحدى أكبر المنظمات اليهودية الأميركية، وكان هدف المجلة هو السعي لإيجاد قناة ثقافية يهودية أميركية تربط يهود أميركا فكريا بعضهم البعض وبمثقفي المجتمع الأميركي، ومن ثم تقود عملية اندماج اليهود المهاجرين في مجتمعهم الجدد

كما لم يخيب كومنتاري الآمال المعقودة عليه وعلى جيله من المثقفين اليهود الأميركيين فقد تحولت كومنتاري في أوائل الستينات وتحت قياده إلى منبر يستقطب كبار المفكرين اليساريين بأميركا، ولكن بمرور الوقت بدأ بودهوريتز يشعر بمشكلة مع اليسار الأميركي الجديد خاصة مع شعوره القوي بالحاجة للدفاع عن إسرائيل بعد حرب عام 1967، وشعوره بخطر صعود اليسار السياسي الأميركي الجديد في الستينات، وبأن ذلك اليسار الجديد بات معاديا لإسرائيل ولأميركا وقيمها التقليدية إلى حد كبير، وأن محاربة هذا اليسار ضرورة أولية لكي يتمكن بودهوريتز من تحقيق أهدافه السياسية الأخرى

لذا تحولت كومنتاري ومعها بودهوريتز تدريجيا نحو اليمين، ولم يكن تحولهما صامتا أو خافتا بل كان ثائرا غاضبا كعادة بودهوريتز والذي يتميز في كتاباته بعدم تردده في كيل النقد لخصومه الفكريين لدرجة أقلقت أصدقائه قبل أعدائه، حيث يؤكد بودهوريتز في مذكراته على أن طموحه يمثل بالنسبة له شهوة عارمة يصعب التحكم فيه تفوق "الشهوة الجنسية" وفقا لتعبيره، ورغبته في الظهور والشهرة والثناء لا تشبع، وأن معاركه الفكرية كالمعارك الحربية لا تنتهي إلا بسفك دماء خصومه والقضاء عليهم، ولعل ذلك ما دفع بعض الصحفيين بتلقيبه "بأسد المحافظين الجدد"

حروب بودهوريتز

وتقوم حروب بودهوريتز على إستراتيجية فكرية يكررها باستمرار، إستراتيجية تقوم على الشعور بوجود عدو خارجي خطير يهدد الولايات المتحدة ويحتاج لحرب عالمية ضده، لذا يسمى بودهوريتز الحرب الباردة بالحرب العالمية الثالثة، وينادي في كتاب جديد نشره في عام 2007 بأن أميركا تخوض من 11-9 الحرب العالمية الرابعة ضد ما يسميه "بالإسلام الفاشي"، وفي الحالتين يرى بودهوريتز أن أعداء أميركا دوليين أصحاب أجندة دولية ورغبة في الدمار العالمي وهزيمة أميركا وإسرائيل، كما يرى أن أميركا ليس أمامها بديل سوى حشد كل قواها لمحاربة العدو الخارجي في حرب لا هوداه فيها، فحروب بودهوريتز لا تعترف إلا بالهجوم المستمر لإجبار العدو على التراجع والانهيار في أقرب فرصة

ويعود تلك الأفكار إلى إيمان بودهوريتز أن القوى العالمية الكبرى تهاونت في مقاومة النازية خلال فترة ما بين الحربين العالميتين مما ساعد هتلر على شراء مزيد من الوقت لناء جيشه وارتكاب ما ارتكبه خلال الحربين العالميتين الأولى والثانية من جرائم

لذا انتقد بودهوريتز كارتر بسبب مساعيه للحوار مع السوفيت ومهادنته لهم مما سمح بسقوط أفغانستان في يد السوفيت، كما انتقد بودهوريتز رئيس الوزراء السابق بنيامين نتانياهو على مهادنة عرفات والاستمرار في "عملية السلام" التي يعارضها بودهوريتز

الدفاع عن بوش والحرب العالمية الرابعة

وتشير الكتابات الصحفية أن بودهوريتز لم يلتق بوش إلا مرات قليلة جدا، وهذا يعني أن نفوذ بودهورتيز لدى بوش وعلاقته بإدارته تتخطى العلاقات المباشرة لتصل إلى ما غير ذلك، فعديد من أهم رموز المحافظين الجدد هم من أصدقاء وتلاميذ وإتباع بودهوريتز، ويكفي هنا الإشارة إلى أن إليوت إبرامز نائب مستشار الأمن القومي الأميركي هو زوج لإحدى بنات بودهوريتز

ويكن بودهوريتز قدرا كبيرا من الاحترام لبوش وسياساته ويدافع عنهما باستمرار، وذلك لأن بوش كما يرى بودهوريتز أول رئيس أميركي خلال فترة الحرب العالمية الرابعة، حيث يحلو لبودهوريتز تشبيه بوش بالرئيس الأميركي السابق هاري ترومان، والذي حكم أميركا في الفترة من 1945 إلى 1953، ليكون أول رئيس يحكم أميركا في الفترة التالية لنهاية الحرب العالمية الثانية وبداية الحرب الباردة والتي يطلق عليها بودهوريتز الحرب العالمية الثالثة، ويشيد بودهوريتز بعظمة ترومان لأنه أعد أميركا لخوض الحرب الباردة

ولكنه يقول أن أميركا لم تنتصر في الحرب الباردة إلا بعد ثلاثة عقود من ولاية ترومان، وأن استعداد ترومان للحرب العالمية الثالثة لا يقارن باستعداد بوش للحرب العالمية الرابعة، وهنا يشيد بودهوريتز بالتغييرات التي أدخلها بوش على سياسة أميركا في بداية الحرب العالمية الرابعة والتي بدأت في 11 سبتمبر 2001، ويطلق على تلك التغييرات في العادة اسم "عقيدة بوش" والتي تقوم على النظر للحرب على الإرهاب على أنها حرب عالمية تستغرق أجيالا وتتطلب مواجهة الجماعات الإرهابية والدول المساندة لها بشكل استباقي إجهاضي عسكري أحيانا والسعي لنشر الديمقراطية عبر العام كخير وسيلة لهزيمة الدكتاتوريات والتي تمثل السبب الأساسي لصعود الإرهاب كما يرى بودهوريتز

ويرى بودهوريتز أن أفكار بوش السابقة عبقرية وأنها تمثل نقلة نوعية في السياسة الخارجية الأميركية، وأن بوش لم يكتف بتقليد سابقيه، بل قام بإجراء تعديلات كبيرة على السياسة الخارجية الأميركية سوف يتبعها من يأتي بعده

ويقول بودهوريتز أن التحديات التي يواجهها تطبيق عقيدة بوش عبر العالم خاصة في العراق لا يجب أن تقلق مسانديه للأسباب التالية، أولا أن أي سياسية بها تكتيكات وبها إستراتيجية عامة، وأن مساندي بوش قد يختلفوا معه في بعض التحركات التكتيكية، ولكن ذلك لا يجب أن يدفعهم إلى الخلاف معهم لأنهم لا يدركون إستراتيجيته العامة الشاملة والتي سوف تقود للنجاح في النهاية

وثانيا: لأن أعداء أميركا عبر العالم وخاصة الدول الديكتاتورية سوف تسعى لإفشال إستراتيجية بوش وسياساته خوفا على مصالحهم، وهو شيء متوقع يجب أن ينتبه له مساندي بوش ولا يقلقهم

ثالثا: أن أي سياسة معرضة للاختلاف حولها النابع من الاختلاف الطبيعي في وجهات النظر، وأن الخلاف مع بوش في بعض سياساته في العراق مثل سياسة عزل البعثيين بعد غزو العراق هو خلال طبيعي نابع من اختلاف وجهات النظر وليس خلافا جوهريا يفترض الصواب أو الخطأ المطلقين

لا وجود لعملية السلام الفلسطينية الإسرائيلية

أما أحد أهم أسباب إعجاب بودهوريتز ببوش فهو موقف الأخير من عملية السلام الفلسطينية الإسرائيلية، وذلك لأنه بودهوريتز - وهو من المعارضين المتشددين لأوسلو - يرى أن لا سلام يمكن تحقيقه بين العرب وإسرائيل خلال هذه الفترة عن طريق المفاوضات، وذلك لإيمانه بأن المسلمين والعرب يكرهون إسرائيل ولا يريدون بقاءها ويريدون التخلص منها في أقرب فرصة، وأن اتفاقاتهم معها ليست إلا هدنة يشتري بها العرب الوقت والدعم للاستعداد لإزالة إسرائيل، ولتشويه صورة إسرائيل من خلال إرسال الفلسطينيون أطفالهم للموت أمام كاميرات الإعلام، وحمل المصابين لكاميرات التلفزيون لتصوريهم

ويرى بودهويتز أن لا يوجد اختلاف بين ياسر عرفات ومحمود عباس أو أحمد قريع فالأخيرين هم من رجال عرفات وساندو سياساته لسنوات، وأن تضليل الإسرائيليين بإقناعهم بالتعايش مع اليهود في سلام هو بمثابة وضع الحمل مع الأسد، وأن لابد وأن يأتي يوم لينقض فيه الأسد الفلسطيني على الحمل الإسرائيلي الذي لا يريد سوى السلام والبقاء على أرض أجداده

ويشير بودهوريتز أكثر من مرة في مقالاته إلى ابنته الإسرائيلية والتي تعيش في إسرائيل منذ أكثر من ربع قرن أكثر تشددا منه، وإلى ابنها الذي يخدم في الجيش الإسرائيلي أكثر تشددا من كليهما، وأن اليهود المتدينين الذي يخدمون في الجيش الأميركي أكثر تشددا منهم جميعا

ويقول أن أحلام رابين بالسلام كانت واهية، وأن تخيلات بيريز أوهي منها، وأن الحل يكمن في إسرائيل قوية على حدود آمنة لا تلتزم بحدود عام 1967 الواهية

ويقول أنه وجد ضالته في شارون ومن خلفه بوش، لذا دعا بودهوريتز ابنته للثقة في شارون وفي خطته للانسحاب الأحادي من غزة وفي حائط الفصل الذي يبنيه، خاصة وأن بوش من وراءه

إسهام بوش

ويرى بودهوريتز أن عظمة بوش وتأثيره على مسار الصراع الفلسطيني الإسرائيلي هو قدرته على تغيير السياق العام الذي يجري فيه الصراع والمفاوضات، حيث رفض بوش كما يرى بودهوريتز أن يحذو حذو سابقيه في المساواة بين الفلسطينيين والإسرائيليين في المسئولية عن العنف حيث دأبت إدارة بيل كلينتون على مطالبة الفلسطينيين والإسرائيليين بوقف دوامة العنف ولومهما معا على استمرارها، ولكن بوش – كما يشيد بودهوريتز – تخلى عن ذلك، وحمل الفلسطينيين مسئولية وقف العنف وطالبهم بتغيير قيادتهم وتبني قيادة ترفض "العنف والإرهاب" بشكل مطلق قبل بداية المفاوضات

وبهذا غير بوش مسار الصراع العربي الإسرائيلي بوضعه المسئولية كاملة على الفلسطينيين، ولما طرحت "خارطة الطريق" وفكرة "اللجنة الرباعية" وهي مبادرات يكرهها بودهوريتز لأنها تأتي من وزارة الخارجية الأميركية والأمم المتحدة والتي يرى أنها كيانات معادية لإسرائيل، حرص بوش على آلا تفرض تلك الكيانات سقف زمني معين على إسرائيل

هذا إضافة إلى سعي بوش لنشر الديمقراطية بالشرق الأوسط، وهي مبادرة يساندها بودهوريتز بكل طاقته ويدافع عنها، حيث يرى أن العرب ومسانديهم يروجون لمقولة أسطورية تقول أن إحلال السلام بين العرب والإسرائيليين هو حجر الأساس لبناء السلام والاستقرار ومكافحة العداء لأميركا في الشرق الأوسط، وهي مقولة يرفضها بودهوريتز والذي يرى أن الشرق الأوسط منطقة غير مستقرة لأسباب كثيرة على رأسها وجود الديكتاتوريات، وعادة ما يضرب بودهوريتز المثل بحروب المنطقة خلال العقود الأخيرة، حيث يقول أن الشرق الأوسط شهد منذ تأسيس إسرائيل عدد كبير من الحروب، وأن كثير من تلك الحروب والصراعات لا يرتبط بإسرائيل، وأنه بعضها - مثل الحرب العراقية الإيرانية - أوقع ضحايا أكثر من الذي أوقعتهم جميع حروب العرب مع إسرائيل

لذا يرى أن عملية السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين بشكلها الراهن لن تؤدي للسلام ولن تؤدي لاستقرار الشرق الأوسط، بل ستضع الحمل مع الأسد ليس أكثر، وأنه لا حل أمام إسرائيل سوى تقوية نفسها لمواجهة كراهية العرب لها والتي يؤكدها إعلانهم "الجهاد" ضدها بشكل متكرر، وأن تستمر إسرائيل في بناء قوتها حتى تحدث المفاجأة التاريخية ويقتنع العرب بإسرائيل، فالسلام بين العرب وإسرائيل يتوقف لدى بودهوريتز على عامل واحد وهو تغير موقف العرب وقلوبهم إيجابيا تجاه إسرائيل

وفي الخاتمة نؤكد على أننا حرصنا على عرض أفكار بودهوريتز بأكبر قدر من الأمانة العلمية بغض النظر على موقفنا منها، أما التعليق فنتركه للقارئ
----
مقالات ذات صلة

Sunday, February 10, 2008

ماكين في مواجهة دروس البروتستانت التبشيريين القاسية
مقال بقلم: علاء بيومي

الناشر:
الجزيرة نت، 10 فبراير 2008

نص المقال

فوز مايك هاكابي على جون ماكين في ولايتي كنساس ولويزيانا في الانتخابات التمهيدية التي جرت في التاسع من فبراير الجاري هو بمثابة رسالة قوية يوجها البروتستانت التبشيريون (US Evangelicals) لجون ماكين مفادها أنهم عازمون على تلقينه درسا سياسيا قاسيا يقضي بضرورة الانصياع لهم لو كان راغبا في الفوز بدعمهم في نوفمبر المقبل

فوز هاكابي الأخير يأتي في أول انتخابات تمهيدية تعقد بعد "الثلاثاء الكبير" والذي شهد تقدم ماكين تقدما صريحا على منافسيه مما دفع أقربهم – حاكم ولاية ماستشوتس السابق مت رومني – لإعلان انسحابه من السباق الانتخابي

انسحاب رومني دفعته أسباب شخصية وسياسية واضحة، فالرجل فضل حفظ ماء وجهه بعد أن شعر بصعوبة الفوز بترشيح الحزب

والمعروف أن والد رومني – حاكم مشيجان السابق جورج رومني – سعى هو الأخر لفوز بترشيح الجمهوريين للرئاسة في الستينيات – وفشل، وأن رومني ينتمي للطائفة المسيحية المورمانية، وهي طائفة لا تحظى باعتراف كافي من قبل التيارات المسيحية الرئيسية بأميركا

ويبدو أن رومني المعروف بتدينه أراد أن يحقق بعض الاعتراف السياسي بدور أبناء طائفته في المجتمع الأميركي من خلال حملته السياسية مستخدما ثروته الشخصية الضخمة التي أنفق منها بسخاء على حملته، ولما تيقن من صعوبة الفوز بترشيح الجمهوريين – وهو أمر كان مشكوك فيه منذ البداية – فضل الانسحاب وهو الرجل الثاني في السباق

انسحاب رومني وضع ماكين في مواجهة مباشرة مع قواعد الحزب الجمهوري الأكثر تشددا والتزاما أيدلوجيا وهم المسيحيون المتدينون أو البروتستانت التبشيريين والذين ساعد تحالفهم التدريجي مع الحزب الجمهوري منذ أوائل السبعينات في تصاعد نفوذ الحزب الجمهوري وسيطرته على البيت الأبيض والكونجرس بمجلسيه تدريجيا حتى وصل إلى قمته في انتخابات عامي 2002 و2004

ويقول المتابعون أن البروتستانت التبشيريين يمثلون ثلث القواعد الجماهيرية الجمهورية وهي نسبة لا يستهان بها، ويبدو أن وجود رومني كان بمثابة حائط صد هاما بينهم وبين ماكين، فرومني أكثر محافظة من ماكين ولكنه أكثر ليبرالية من مرشح البروتستانت التبشيريين المفضل مايك هاكابي

حيث استطاع رومني خلال فترة وجوده في السباق الانتخابي اقتسام صوت المسيحيين المتدينين مع هاكابي، ولعل هذا سر تشاحنهما وتلاسنهما خلال الحملة الانتخابية، واستمر ذلك حتى انسحب رومني والذي اجتذب الأصوات الأكثر اعتدالا وسط البروتستانت التبشيريين

بعد انسحاب رومني رفض هاكابي الانسحاب من السباق الانتخابي مؤكدا على رغبته في البقاء للنهاية وتوحيد أصوات المسيحيين التبشيريين حوله

وفي هذا السياق جاء فوز هاكابي في ولايتي كنساس ولويزيانا في التاسع من فبراير ليؤكد خطورة دور هاكابي وأن البروتستانت التبشيريين عازمين على تلقين ماكين درسا سياسيا قاسيا من خلال دعمهم لهاكابي مفاده استعدادهم لإحراج ماكين سياسيا بتفضيل مرشح مغمور ولا يمتلك دعما ماليا كافيا – وهو هاكابي حاكم ولاية أركنسو السابق – على ماكين الذي يعد أحد أشهر الشخصيات السياسية الأميركية على الإطلاق والمنحدر من عائلة عسكرية معروفة وسجين الحرب السابق

وهذه ليست أول مرة يوجه فيها البروتستانت التبشيريون الرسالة السابقة لماكين فقد سبق وفضلوا عليه حاكم ولاية تكساس قليل الخبرة والحنكة السياسية – جورج دبليو بوش – في انتخابات عام 2000 الرئاسية

والمعروف أن ماكين محافظ على المستوى الديني والأخلاقي ولكن علاقته بقادة تيار البروتسانت التبشيريين ليست إيجابية حيث سبق وأن وصفهم بعدم التسامح، كما أن ماكين معروف بشخصيته المستقلة واستعداده لمخالفة توجهات الحزب في قضايا هاما الضرائب والهجرة

ويعاني ماكين حتى الآن من رفض بعض أشهر الشخصيات الإعلامية المحافظة له من أمثال آن كالتر ورش ليمبو وشون هانيتي حتى أن بعضهم صرح قائلا بأنه على استعداد لتأييد هيلاري كلينتون ضد ماكين لو تطلب الأمر

المثير هنا أن المواجهة بين ماكين وقواعد الحزب الجمهوري الأكثر تدينا ومحافظة تأتي في وقت يكاد يجمع فيه الجمهوريون على ترشيح ماكين والذي يحظى بدعم نخب الحزب السياسية باعتباره المرشح الأكثر خبرة والأكثر اعتدالا مما قد يمكنه من الفوز بأصوات أكبر عدد من الناخبين المستقلين ومن ثم هزيمة الديمقراطيين في الانتخابات الرئاسية المقبلة

كما أن ماكين فاز بقدر من الأصوات الجمهورية يصعب وربما يستحيل على هاكابي تعويضه فيما تبقى من الانتخابات التمهيدية الجمهورية، وهذا يعني أن تأييد البروتستانت التبشيريين لهاكابي حاليا يهدف إلى الضغط على ماكين للاعتراف بسطوتهم والخضوع لهم من خلال تغيير مواقفه السياسية تجاههم وتجاه قضاياهم أو من خلال اختيار هاكابي – أو شخص مثله يحظى بمباركة البروتستانت التبشيريين – أو نائبا له في الانتخابات الرئاسية المقبلة

ما يقلق الجمهوريون من هذه المواجهة هو أنها قد تكون مؤشرا على خطر أكبر قادم في نوفمبر المقبل وهو انقسام الحزب على نفسه ومن ثم هزيمة ماكين والجمهوريين في الانتخابات المقبلة خاصة في حالة عجز ماكين على تعلم درس البروتستانت التبشيريين السياسي القاسي

Wednesday, February 06, 2008

من لا يحب جون ماكين؟
مقال: بقلم علاء بيومي

الناشر:
الجزيرة نت، 5 فبراير 2008

نص المقال

سؤال يجب أن يوجه للجمهوريين أنفسهم فهم الذي عارضوا ماكين لسنوات وفضلوا عليه جورج دبليو بوش في انتخابات عام 2000 الرئاسية على الرغم من قدرات ماكين الشخصية والسياسية، والآن عادوا ليتحدوا من حوله على استحياء بعد أن بات في السبعين من عمره على أمل أن يحميهم من هزيمة يخشونها في الانتخابات الرئاسية المقبلة (نوفمبر 2008)، ولسانهم حالهم يقول: كنا نتمنى آلا نلجأ لجون ماكين

سؤال يحمل مفارقة تتطلب البحث في شخصية جون ماكين وعلاقة بحزبه الجمهوري وقياداته خاصة بعد أن أصبح ماكين أهم المتنافسين على ترشيح الحزب الجمهوري في الانتخابات التمهيدية الراهنة وأوفرهم حظوظا للفوز بهذا الترشيح

محارب من سلالة محاربين

خلفية جون ماكين الشخصية تجعله بطلا في عيون الكثير من الأميركيين كما هو الحال بالفعل، فماكين المولود في عام 1936 ينحدر من عائلة شغلت مناصب رفيعة بالبحرية الأميركية، فوالده قائد عسكري كبير قاد القوات الأميركية في بعض فترات حرب فيتنام، وجده قائد معروف، وماكين نفسه طيار سابق بالبحرية الأمريكية وأستاذ بكلياتها، رفض الاستمرار في التدريس وفضل الحرب، حيث شارك في حرب فيتنام، وتعرض لأكثر من مخاطرة كادت أن تودي بحياته، ونجا منها بأعاجيب باتت تدرس لطلبة البحرية الأميركية لتدريبهم على التعامل من الأزمات

ولكن ذلك لم يحمي ماكين من الوقوع في الأسر لخمس سنوات ونصف لدى قوات كوريا الشمالية والتي أذاقته مختلف أنواع التعذيب خاصة بعدما علمت أنه ابن قائد العمليات العسكرية الأميركية ضدهم وبعدما رفض إفراجهم عنهم خوفا من أن يستغلوا ذلك كوسيلة للدعاية عنهم، فلما رفض حيلتهم تشددوا في تعذيبه، حتى حاول الانتحار وذكر فيما بعد أن تعذيبهم له أوصله في لحظات لنقطة الانهيار

ورغم التعذيب والظروف القاسية خرج ماكين من الحرب برؤى سياسية عميقة ناقدة لواشنطن، حيث شعر بالشفقة على الفيتناميين من الأسلحة الفتاكة التي كان تلقيها عليهم الطائرات الأميركية، كما شعر في أكثر من مناسبة أن السياسيين الأميركيين بواشنطن كانوا لا يدركون ما يحدث على أرض الواقع ومع ذلك يتحكمون في مسار الحرب عن بعد حتى أنهم قيدوا أيدي قيادات الجيش الأميركي فلم يتركوا لهم حرة القضاء على العدو بالشكل الذي يرونه مناسبا ولا هم أعادوهم لأميركا وكفوهم وجنودهم شرور الحرب

وخلال سنوات وقوعه في الأسر تحول ماكين لبطل قومي خاصة في ظل معاناته وبسبب أسرته العريقة المشهورة، لذا لم يتعجب كثيرون من أن تلقى سيرة ماكين الذاتية نجاحا كبير وتساعده في حملته الانتخابية خلال عام 2000، حتى أن هوليود حولت سيرة ماكين الذاتية لأحد أفلامها

ساعد في ذلك طبيعة شخصية ماكين نفسها، فهو شخص واثق من نفسه حاد الطباع إلى حد ما، فضل الرياضات العنيفة كالملاكمة والمصارعة في أيام شبابه، وصاحب الحسناوت، وتزوج من عائلات ثرية، وعرف بمزاجه المتقلب ولسانه السليط والذي تطاول به على الرؤساء وزملائه بمجلس الشيوخ الأميركي وقادة اليمين المسيحي المتدين

وعرف فوق كل ذلك بشخصيته المستقلة واستعداده لمخالفة جميع أعضاء حزبه في مجلس الشيوخ إذا تطلب الأمر، وهو ما حديث مع ماكين في أكثر مناسبة

نائب جون كيري

الخصائص السابقة جعلت من ماكين أحد أشهر الساسة الأميركيين على الإطلاق وأكثرهم نفوذا، كما أكسبته احترام الكثير من الديمقراطيين والمستقلين، حتى يشاع أن ماكين كان اختيار السيناتور الديمقراطي جون كيري الأول كنائب له في انتخابات عام 2004 الرئاسية في مواجهة جورج بوش وديك تشيني، ولما رفض ماكين عرض كيري تحول الأخير إلى جون إدواردز

وفي تلك الفترة خرج ماكين للجماهير ليعلن مساندته لجورج دبليو بوش ولسياساته مما رفع أسهم ماكين عالية في أوساط الحزب الجمهوري وساهم أيضا في حشد الدعم خلف حملة جورج دبليو بوش الرئاسية (2004)

ولكن العوامل السابقة والتي جعلت من ماكين بطلا قوميا أميركا وأحد أشهر الساسة الأميركيين على الإطلاق لم تشفع لماكين لدى أبناء حزبه وخاصة القيادات المتدينة والأكثر محافظة في أوساط الحزب الجمهوري

فماكين معروف بمواقفه المحافظة دينيا والداعمة للتجارة الحرة وللحد من الإنفاق الحكومي والحد من برامج الرفاهية وهي جميعها مواقف جمهورية هامة

ولكن ماكين في نفس الوقت يحمل كثير من الأفكار المستقلة عن أبناء حزبه، كما يمتلك إصرارا وقدرة على معارضة الحزب وقيادة مشاريع سياسية ناجحة داخل مجلس الشيوخ ضد إرادة غالبية الجمهوريين

فماكين شارك مع السيناتور الليبرالي المعروف راسل فاينجولد في وضع وتمرير قوانين تحد من سيطرة المال على الانتخابات الأميركية في أوائل عام 2001، وهو تشريع أغضب قادة الحزب الجمهوري المعروف بأنه حزب الأثرياء

كما عارض ماكين سوء إدارة الرئيس جورج دبليو بوش ووزير الدفاع الأميركي السابق دونالد رامسفيلد لحرب العراق في أكثر من مناسبة، وعارض معسكر جوانتانامو واستخدام القوات الأميركية للتعذيب في استجواب المعتقلين، وهي مواقف أثارت حفيظة الجمهوريين ضده خاصة وأن ماكين يمتلك مصداقية كبيرة لدى الشعب الأميركي فيما يتعلق بهذه القضايا لكونه سجين حرب سابق، وجرأته في معارضة الجمهوريين بخصوص قضايا كالتعذيب كانت بمثابة صفعات سياسية قوية للجمهوريين

كما عرف ماكين بمواقفه الداعمة للحد من استخدام الأسلحة الصغيرة، ولمساندته تشريعات تسمح للمهاجرين غير الشرعيين بالحصول على الجنسية الأميركية بشروط كحل لمشكلة الهجرة غير الشرعية بأميركا، كما يطالب بجهود أميركية أكبر على ساحة حماية البيئة ومواجهة مخاطر الاحتباس الحراري وهي جهود عارضتها إدارة بوش لفترة طويلة

وهذا يعني أن فوز ماكين بالرئاسة الأميركية سوف يعني وصول رئيس جمهوري للحكم يمتلك أجندة بها العديد من البنود الليبرالية التي تتعارض مع أجندة الحزب، وهو أمر أكسب ماكين عداء غلاة المحافظين والذين مازلوا يقفون ضده حتى الآن، وذلك من أمثال ثلاثي الإعلام اليميني المحافظ المعروف شون هانيتي وآن كالتر ورش ليمبو وهم من أشهر الكتاب والمذيعين والذي مازالوا يجاهرون برفض جون ماكين ممثلا لهم حتى يومنا هذا

أكثر من ذلك عرف ماكين بعلاقته العدائية وانتقاداته العلنية اللاذعة لبعض أكبر قيادات قوى اليمين المسيحي المتدين في أميركا (البروتستانت التبشيريين) من أمثال القس الراحل جيري فالويل، والقس بات روبتسون، حيث وصفهم ماكين بعدم التسامح

ويقول البعض أن علاقة ماكين السلبية بقادة اليمين المسيحي المتدين الذي ارتمى بوش في أحضانهم وتحدث إليهم بلغتهم على أنه واحد منهم كانت القشة التي قسمت ظهر البعير وساهمت في فوز بوش وهزيمة ماكين في انتخابات عام 2000 بعد أن كان ماكين متقدما على بوش في أوائل الانتخابات بحكم أن الولايات التي شهدت انتخابات تمهيدية في بداية السباق الرئاسي كانت ليبرالية إلى حد ما وسمحت بتصويت الليبراليين والمستقلين لصالح ماكين، ولكن مع مضي عجلة الانتخابات التمهيدية إلى الأمام ودخول الانتخابات مراحلها المتقدمة واحتكام الجمهوريين لولايات الوسط والجنوب والتي تعرف أغلبيات جمهورية أكثر تدينا ومحافظة مال البروتستانت التبشيريون لبوش فمالت كافته وفاز بالانتخابات وفشل ماكين وكان عمره في ذلك الوقت في أوائل السينات

إعادة اكتشاف جون ماكين

أما الآن وبعد ثمانية سنوات كاملة وبعد أن بات جون ماكين عجوزا في الحادية والسبعين من عمره، يرى البعض أن الجمهوريين أعادوا اكتشاف ماكين، وأن ماكين أعاد اكتشافهم، وأن الطرفين دخلا معا في زواج كاثوليكي خلال موسم الانتخابات الحالي تمليها الضرورة

فالخسائر التي مني بها الجمهوريون في انتخابات عام 2006 التشريعية، وتراجع شعبيتهم وشعبية رئيسهم وتردى الأوضاع في العراق، وضعف الاقتصاد الأميركي وقدرته على خلق وظائف جديدة على مدى السنوات الأخيرة، جعلت الأميركيين ينظرون للجمهوريين على أنهم حزب متشدد تحركه الأيدلوجية لا الوقائع، حزب يرفض الإنصات لصوت الحقيقة مفضلا الاستجابة لقواعده الجماهيرية المتشددة ولقادته المؤلدجين

هذه الصورة المقلقة للجمهوريين وامتلاك الديمقراطيين لمرشحين ليبراليين على غرار بارك أوباما قادرين على جذب أصوات الناخبين المستقلين من الحزبين دفعت الجمهوريون للبحث عن شخصية جمهورية قادرة على مواجهة أوباما والمد الديمقراطي الليبرالي، شخصية قوية ترضى غرورهم السياسي خاصة على الساحة الخارجية، ومستقلة تمكنهم من الفوز بأربع سنوات إضافية في البيت الأبيض

ويبدو أن ماكين المصمم على أن يصبح رئيسا لأميركا رغم تقدمه في العمر لم يتردد في قبول الفرصة، حيث بادر ماكين من جانبه لإعادة تقديم نفسه للناخبين الجمهوريين مبتدأ بإصلاح علاقته مع قادة اليمين المسيحي المتدين

كما تمكن ماكين من الحصول على دعم المحافظين الجدد حيث يضم بين مستشاريه بعض أهم قادتهم مثل ويليام كريستول وماكس باوت وروبرت كاجين، حيث بات ماكين يمثل بالنسبة لهم بطلا يتغنون باسمه بعد موقفه الداعم لزيادة القوات الأميركية بالعراق

ومن المفيد هنا الإشارة إلى أن بعض أشد المحافظين الجدد تشددا في مساندة إسرائيل مثل مارتن كرايمر ودانيال بايبس ونورمان بدوهوريتز دعموا رودي جولياني والذي خرج من السباق الرئاسة مؤخرا، أما الثلاثي كريستول وباوت وكاجين فقد وجدوا ضالتهم في جون ماكين، وذلك لأنهم كان من أشد المعارضين لوزير الدفاع الأميركي السابق دونالد رامسفيلد خلال فترة تدهور الأوضاع في العراق والتي سبقت انتخابات عام 2006 وأدت لهزيمة الجمهورية ولاستقالة رامسفيلد

حيث رأى هؤلاء أن إصرار رامسفيلد على تحقيق النصر بالعراق بأقل عدد من الجنود الأميركيين ورفضه إرسال مزيد من القوات هناك هو سبب رئيسي لتدهور الأوضاع الأمنية بالعراق، وقد وجود هؤلاء تأييدا ودعما قويا من ماكين والذي وقفا مدافعا عن سياسة زيادة القوات ورفض الانسحاب من العراق أو التفكير في خفض القوات هناك، وهي مواقف لم تكن مقبولة سياسيا في ذلك الحين، ومع ذلك ساندها ماكين حتى تحققت، ومع تحسن الأوضاع الأمنية في العراق نسبيا خلال الشهور الأخيرة رأي المحافظون الجدد أن مطالبتهم بزيادة عدد القوات الأميركية كانت في محلها وتحول ماكين بطلا لهم

أضف إلى ذلك مواقف ماكين الداعمة لإسرائيل والتي تحمل الفلسطينيين عبء توقف عملية السلام، وتطالبهم بوقف العنف كشرط للاستمرار في المفاوضات، كما يقف ماكين موقفا متشددا ضد إيران حيث يرى أنه لن يسمح لإيران بامتلاك أسلحة بامتلاك أسلحة نووية حتى لو أضطر لمهاجمتها عسكريا

ولكن مواقف ماكين المتشددة السابقة قد لا تكون كافية لحصد رضا قواعد الحزب الجماهيرية المتحفظة والمتشددة والتي يبدو أن مرغمة على الاستمرار في دعم ماكين خلال الانتخابات التمهيدية المقبلة انطلاقا من قاعدة أفضل الشرين، ولكن بعضهم مثل كالتر وهانيتي وليمبو ما زالوا يحذرون من خطورة التضحية بالأيدلوجية والمبادئ من أجل الوصول إلى سدة الحكم، فهل يضطر الجمهوريين لكي يحافظوا على كرسي الرئاسة أن ينتخبوا رئيسيا ينتقدهم علينا وينظر إليهم سلبيا في مرات عديدة؟ سؤال لن يجب عليه سوى الجمهوريون أنفسهم

-----

مقالات ذات صلة

صعود وسقوط مايك هاكابي

هيلاري كلينتون ... سيدة القصر الحديدية ترويض أوباما

مِتْ رومني: هل يأتي بجديد؟

جولياني: بوش المعدل

جون إدواردز بين إعلاء القيم الليبرالية وتجاهل معاناة الفلسطينيين

Tuesday, February 05, 2008

Arabs Heed Obama's Call for Change

By: Alaa Bayoumi

Aljazeera.net, Feb 5, 2008

If it were not for Barack Obama, many Arabs would not even bother to follow the results of the US presidential race on Super Tuesday.

Such gloomy views could be attributed to Arabs' negative attitudes toward governments and politics in general.

Arabs have been living under authoritarian governments, many of them US allies, for decades.

And the US's traditional support for Israel's illegal occupation of Palestinian land, coupled with the war on Iraq, has meant Arab mistrust of the US has dipped to new lows in recent years.

Against this backdrop, it is easy to see why many Arabs will not be following the latest news from the US presidential primary elections.

'Offensive' rhetoric

Many do not see any serious differences between the Republican and Democratic candidates who are taking part in the race.

Republican candidates have been broadly supportive of the Bush administration's foreign policies toward Iraq and Israel and often use rhetoric about Islam and terrorism that many Arabs find offensive.

Mike Huckabee, the former Arkansas governor, has spoken at length about the theological nature of the "war of terrorism."

Rudy Giuliani, who dropped out of the race last week, also alienated many in the Middle East by appointing pro-Israeli advisors such as Norman Podhoretz and Martin Kramer, who are well known for their rejection of the Israeli-Palestinian peace process.

Disappointing Democrats

Leading Democratic candidates have, in may ways, been even more disappointing for Arabs.

John Edwards, who has presented himself domestically as a champion for the rights of the poor, adopted a hawkish stance on the Israel-Palestinian conflict by backing the illegal separation barrier, Israel's unilateral withdrawal from Gaza and its reluctance to engage Palestinians in serious peace negotiations.

Senator Hillary Clinton has also been a big disappointment.

As First Lady, she was known, and lauded, for her support of the establishment on an independent Palestinian state.

However, since she decided to run for the US senate her position on the Middle East has changed.

Clinton, like Edwards, backed pro-Israeli positions on the status of Jerusalem and has also taken a hawkish position on US military action against Iran.

The Obama factor

However, many Arabs look at Obama differently.

This could be because of his distant Islamic and African roots or because of the fact that he is an African-American.

Many Arabs are all too familiar with the discrimination and inequality that Africans-Americans have traditionally suffered in America.

Consequently, they may believe that an African-American president is more capable of understanding their grievances when it comes to the negative impact that US foreign policy has on their lives.

However, Obama's foreign policy positions are still unclear to many Arabs hoping to a see a different kind of US president.

Obama's focus on change and hope in his rhetoric may resonate in the Arab world and, accordingly, some Arabs will be watching him on Super Tuesday.

Ultimately, ordinary Arabs cannot follow the details of the American presidential election and the specific policies of each candidate.

They only see the big picture on the ground in Gaza, Iraq, and Lebanon.

Nonetheless, a victory for Obama on Tuesday may give Arabs some justification to follow the US's long presidential race until November with some enthusiasm.

Sunday, February 03, 2008

صعود وسقوط مايك هاكابي
مقال بقلم: علاء بيومي

الناشر:
الجزيرة نت، 2 فبراير 2008، حقوق الطبع والنشر محفوظة للناشر

نص المقال

التعرف على شخصية مايك هاكابي –أحد المتنافسين على تمثيل الحزب الجمهوري في انتخابات الرئاسة الأميركية المقبلة - مفيد رغم حظوظه الضعيفة في الفوز بترشيح الجمهوريين، إذ ترتبط أهمية هاكابي السياسية بعلاقته الوثيقة بقوى البروتستانت التبشيريين السياسية واسعة النفوذ بأميركا

ولكونه يمثل –كما يرى كثيرون– جيلا جديدا من قيادات اليمين الأميركي المسيحي المتدين تتميز بقدر من التسامح والفكر الجديد الأمر الذي ساهم في صعود نجم هاكابي، ولكنه في نفس الوقت يروج لأفكار غاية في التشدد خاصة على صعيد السياسة الخارجية لدرجة تدعو للسخرية المخلوطة بالأسى والحسرة وتتنبأ بسقوطه عاجلا أو آجلا

رجل مسيحي متدين
هاكابي يعد مرشحا مثاليا لقوى اليمين المسيحي المتدينة بالولايات المتحدة والتي تعرف اختصارا باسم "البروتستانت التبشيريين". فهو قس سابق وخريج جامعة دينية، ومدافع صادق عن قضايا اليمين المسيحي المتدين على المستوى الأخلاقي وعلى رأسها قضيتا منع الإجهاض وحظر زواج الشواذ. فسجله ومواقفه الداعمة لتلك القضايا واضحة على عكس مرشح مثل مت رومني والذي يحاول خطب ود البروتستانت التبشيريين في الانتخابات الحالية، ولكنه يمتلك سجلا مختلطا بين دعم ورفض الإجهاض

كما أن صاحبنا يتحدث عن الدين والتدين وحاجة أميركا لهما بجراءة وصراحة يحسد عليها، ويؤكد على رفضه نظرية التطور وإيمانه بوجود خالق للكون وبدور الدين والإنجيل في حياة الأمة والمواطن الأميركي

وقد عمل هاكابي بداية حياته بمنظمات اليمين المسيحي بإحدى منظمات جيمس روبنسون، وهو أحد قيادات تيار البروتستانت التبشيريين وأحد مهندسي صعود التيار السياسي والإعلامي منذ سبعينيات القرن العشرين. ويقول روبنسون عن هاكابي إن "معتقداته تشكل شخصيته، وشخصيته سوف تشكل سياساته، وحياته كلها صيغت وفقا للقيم الأخلاقية الأصيلة" وهو أمر يجعل هاكابي يتفوق في نظر البروتستانت التبشيريين على مرشح مثل جون ماكين الذي سبق له وانتقد بعض أكبر قادة التيار السابق مثل القس الراحل جيري فالويل الذي وصفه ماكين بعدم التسامح

جيل جديد من قادة البروتستانت الإنجليكيين
ولكن العوامل السابقة مجتمعة لم تشفع لهاكابي لدى قادة البروتستانت التبشيريين حيث تشير تقارير مختلفة إلى تردد قادة التيار في دعم هاكابي لدرجة حيرته شخصيا، فهو الشخص الأكثر انتماء لهم وتعبيرا عن قضاياهم.
ويرجع البعض أسباب هذا التردد إلى أن هاكابي يمثل جيلا جديدا من قادة اليمين المسيحي المتدين بأميركا بشكل لا يرضي قادة التيار، وإن كان يغري شبابه وجيله الجديد

ويشير هؤلاء إلى أن قيادة تيار البروتستانت التبشيريين السياسي تمر بالفترة الحالية بمرحلة إحلال وتجديد لأسباب طبيعة وأخر سياسية. فغالبية قادة التيار أصابهم الهرم وبعضهم قضى نحبه مثل جيري فالويل، والكثيرون منهم تقدموا في العمر وباتوا عاجزين عن لعب دور سياسي. كما أنهم باتوا يمثلون جيلا قديما تقليديا ينتمي لعهد ولى، جيل غريب إلى حد كبير عن أجيال البروتستانت الشابة والتي نشأت في عصر الإنترنت وملت الإنصات إلى أفكار كبار قادة التيار التي باتت تقليدية

وهنا تأتي أهمية هاكابي المولود عام 1955 والذي يتميز بلباقة الحديث وخفة الظل والقدرة على عزف الموسيقى، فالرجل يحلو له الحديث عن ماضيه مع البدانة وكيف تخلص من وزنه الزائد عن طريق ممارسة الرياضة حتى أنه ألف كتابا عن إنقاص الوزن، كما أنه ينتهز الفرصة لعزف الموسيقى مع الفرق المحلية بالمدن التي يزورها كوسيلة مجانية للدعاية عن حملته الانتخابية

وهي خصائص شخصية تجعل الرجل مرشحا جذابا لدى شباب البروتستانت التبشيريين، أضف إلى ذلك طبيعة الأفكار التي يطرحها عن الدين خلال حملته السياسية، فهاكابي مرشح متدين يؤمن بدور الدين في الحياة العامة والسياسية ولا يتردد في الدفاع عنه، ولكنه في نفس الوقت يحاول القيام بذلك بأسلوب غير مباشر

فهو يتحدث عن الدين كمصدر للقيم والأخلاق، ويتفادى المبالغة في الحديث عن قضايا اليمين المسيحي التقليدية مثل رفضهم الإجهاض وحقوق الشواذ، ويفضل التركيز على قضايا الاقتصاد والعرق والبيئة حيث يرى أن دور الدين الأهم هو في الدفاع عن حقوق الفقراء والمهاجرين ورفض العنصرية وحماية البيئة، وهي أفكار تزيد من جاذبيته في عيون الجيل الجديد من البروتستانت التبشيريين

وينطلق في ذلك من خلفيته الشخصية فهو ينحدر من أسرة فقيرة حيث عمل أبوه رجل إطفاء، وترعرع هاكابي فقيرا في نفس مدينة الرئيس السابق بيل كلينتون وتدعى مدينة الأمل بولاية أركنساس، وهو أمر يدفع العديد من وسائل الإعلام إلى المقارنة بينهما بسبب انتمائهما لنفس المدينة وإجادتهما العزف على الأدوات الموسيقية وخلفيتهما المتواضعة

وتمكن هاكابي باجتهاده من خوض مجال العمل السياسي حتى صار حاكما لأركنساس فترتين ركز خلالهما على إصلاح البنية التحتية بالولاية من طرق ومدارس وجامعات. وهي خاصية إضافية تميزه عن قادة تيار البروتستانت التبشيريين المنحدرين من أصول دينية، فغالبيتهم رجال دين تحولوا للسياسة بين عشية وضحاها. أما هاكابي فقد تحول للسياسة تدريجيا من خلال اختبار جاد وهو تولي مسؤولية ولاية كاملة، لذا يقدم نفسه على أنه صاحب أطول خبرة تنفيذية وسط مرشحي الرئاسة الجمهوريين الحاليين. فمرشح مثل جون ماكين هو مجرد سناتور اعتاد على التشريع لكنه يفتقد خبرة الإدارة التنفيذية التي يكتسبها حكام الولايات والتي تمثل إعدادا هاما لحكم أميركا

تهديد التحالف الجمهوري
العوامل السابقة دفعت بعض شباب البروتستانت التبشيريين إلى مساندة هاكابي من خلال إنشاء مواقع إلكترونية مساندة له جذبت آلاف الناخبين البروتستانت التبشيريين، وهو الأمر الذي جذب الأضواء إلى هاكابي ومكنه من احتلال المركز الأول بين المرشحين الجمهوريين بالانتخابات التمهيدية التي عقدت بولاية أيوا في الثالث من يناير/ كانون الثاني الماضي. كما تمكن الرجل منذ ذلك الحين من احتلال أماكن متقدمة وسط المرشحين الجمهوريين بسباق الانتخابات الحالي رغم ضعف الإمكانات المادية لحملته الانتخابية والتي تقدر بحوالي مليوني دولار فقط مقارنة بـ53 مليونا جمعها المليونير مت رومني وثلاثين مليونا لرودي جولياني و28 مليونا لجون ماكين، ومع ذلك تمكن هاكابي من صناعة اسم لنفسه ومن الفوز بنسب لا يستهان بها من أصوات الجمهوريين مما سلط مزيدا من الأضواء السياسية عليه

لذا وصف ويليام كريستول -أحد أهم قادة تيار المحافظين الجدد ومحرر مجلة ذا ويكلي ستاندار- هاكابي بأنه قاد أفضل حملة انتخابات جمهورية حتى الآن، مشيدا بقدراته السياسية وذلك رغم أن كريستول من مؤيدي جون ماكين

ولكن أزمة هاكابي الأساسية مع قادة تيار البروتستانت التبشيريين بصفة خاصة والجمهوريين بصفة عامة، تكمن في أجندته الاقتصادية

فالرجل بنجاحاته السابقة يمثل تهديدا للتحالف القائم بين البروتستانت التبشيريين والحزب الجمهوري منذ سبعينيات القرن العشرين، وهو تحالف قائم على دعم قادة البروتستانت التبشيريين للرأسمالية ولأجندة الجمهوري التي تميل للأثرياء بدعمها لخفض الضرائب وقوى الاقتصاد الحر والرأسمالية التي ترفض أجندة اليسار الأميركية المنادية بحقوق العمال والفقراء

ولكن هاكابي المنحدر من أصول فقيرة ينتقد بشكل معتاد السياسيين بواشنطن والرأسماليين في وول ستريت، ويرى أنهما معا مسؤولان عن معاناة المواطن. ويرى أن الدين يجب أن ينحاز أكثر لحقوق الفقراء والمستضعفين، وهي أفكار تجذب عددا لا يستهان بهم من البروتستانت التبشيريين المقدرة أعدادهم بحوالي خمسين مليون مواطن ثلثهم من الفقراء كما تشير بعض التقارير، مما يعني أن انتشار دعوة هاكابي وسط هؤلاء قد يهدد بتفكك تحالف الجمهوريين مع البروتستانت التبشيريين وهو أمر ترفضه قيادات الجمهوري العلمانية والمتدينة

تشدد مضحك مبك
أفكار هاكابي السابقة والتي تبدو متحررة مرنة ليبرالية إلى حد ما، لم تمنعه من الحديث عن عدد آخر من الأفكار التي تثير السخرية لما تحتويه من تناقض بين عناوينها الليبرالية المنفتحة ومضامينها المتعصبة

ففي الساحة الداخلية -على سبيل المثال- يرفض هاكابي حرمان أبناء المهاجرين غير الشرعيين من الحصول على الخدمات الحكومية المدعومة من قبل الدولة، ويرى أن حرمانهم من تلك الخدمات بمثابة عقاب لهم على جرم لم يرتكبوه. كما يطالب بإصلاح نظام الهجرة الذي يسهل على أصحاب الأعمال الحصول على العمالة الأجنبية التي يحتاجونها، ولكنه يطالب في نفس الوقت بمواقف متشددة كإغلاق الحدود مع الجنوب إغلاقا كاملا للحيلولة دون قدوم المهاجرين غير الشرعيين. كما يعارض القوانين المتعلقة بالحد الأدنى للأجور للعمال الأجانب، ويرى ضرورة السماح باستقدامهم قانونيا لملء الوظائف البسيطة بأجور زهيدة

ولعل الأفكار السابقة لا تقارن في تناقضاتها بأفكاره على ساحة السياسة الخارجية، فهو على السبيل المثال يبدو ليبراليا في المطالبة بزيادة المساعدات لدول العالم وذلك لإيجاد فرص عمل وحياة كريمة للشعوب الأجنبية انطلاقا من القيم الدينية التي يؤمن بها، ورغبة منه في حماية تلك الشعوب من الوقوع ضحايا للتطرف أو الدكتاتوريات.
على الجانب الأخر يرفض هاكابي أن تتخلى إسرائيل -التي زارها تسع مرات- عن الأراضي الفلسطينية أو السورية المحتلة حماية لأمنها قائلا إنه يجب منح الفلسطينيين دولة، ويمكن أن تقوم هذه الدولة في مصر أو السعودية "فالدول العربية بها أراض شاسعة وإسرائيل في حاجة للأراضي التي احتلتها لحماية أمنها"

كما يدعو مواطنيه لفهم حقيقة الحرب التي تحاربها أميركا الآن ضد من يسميهم "الإسلاميين الإرهابيين أو الراديكاليين" وهو يستخدم تلك المصطلحات بشكل متكرر وبإهمال يدعوان إلى القلق العميق، ويقول إن الحرب السابقة "عقائدية" بالأساس يشنها الإرهابيون للقضاء على أميركا والأميركيين بشكل كامل "لأن أميركا تحب الحياة وهم يحبون الموت"

ومن المثير هنا أن هاكابي لا يتحدث عن السياسة الخارجية بشكل كاف، ويشير الكثيرون إلى ضعف معرفته بها. ولما طلبت منه مجلة "الشؤون الخارجية" الأميركية المعروفة الكتابة عن رؤيته للسياسة الخارجية كتب مقالة هي أشبه بخطبة عصماء، فهو يقول مثلا إن باكستان تحصل على مساعدات كثيرة من أميركا وإن تلك المساعدات يجب أن تعطي أميركا الحق في مهاجمة "الإرهابيين" الموجودين على أرض باكستان عسكريا في أي وقت وبالصورة التي تراها أميركا مناسبة

كما أنه يتحدث عن العراق وعن رغبته في التعاون مع "مجالس الصحوة" السنية هناك كنموذج للقوى الإسلامية المعتدلة التي يرفضها ولكنه يقبل التعامل معها ومع مثيلاتها عبر العالم انطلاقا من قاعدة أفضل الشرين، وهو في ذلك يتحدث بأسلوب يشعر القارئ بأنه (هاكابي) لا يدري الكثير عن العراق أو العالم الإسلامي أو حتى عن السياسة الخارجية الأميركية وتبعاتها

----

مقالات ذات صلة