Friday, May 25, 2012

أجراس خطر عالية في سماء الثورة والثوار في مصر


النتائج الأولية لانتخابات الرئاسة المصرية تكشف عن خمسة أجراس خطر عالية تدوي الآن في سماء الثورة والثوار في مصر، وهي:

الجرس الأول: التيار الوطني منقسم بوضوح بين ثلاثة تيارات، وهم الإخوان، والتيار المتدين غير الإخواني، والتيار المدني، ولا أحد منهم قادر على الفوز والسيطرة بمفرده.

الجرس الثاني: هناك تيار غير ثوري واضح ومتبلور قد يصل لثلث الناخبين، والحل ليس الهجوم على هذا التيار، فهم مصريون، ويجب الوصول إليهم، وهؤلاء يسيطر عليهم الخوف من الثورة والتغيير أو من التيار الديني أو  لا يستطيعون العيش خارج دولة العسكر، وبعضهم يدور في فلك الفساد والحزب الوطني البائد.

الجرس الثالث: شعبية التيار الوطني الأكبر (الإخوان المسلمون) في تراجع رغم أنهم مازالوا الأقوى، ومن لا يصدق هذا الأمر عليه أن يقارن بين نسبة الأصوات التي حصل الإخوان عليها في انتخابات مجلس الشعب (42%)، وأعلى نسبة قد يحصلون عليها في انتخابات الرئاسة، والتي قد تكشف عن خسارتهم ربع الأصوات التي حصلوا عليها في الماضي وربما أكثر.

الجرس الرابع: التيار الوطني غير الإخواني أكثر انقساما من الإخوان أنفسهم ، وهو منقسم جديا بين تيار ديني وتيار مدني، وكل منهما أصغر من التيار الإخواني وحلفاءه، وبات من الصعب التعويل على أي من التيارين السابقين في القيادة بسبب انقسامه الشديد وغياب حلول جادة لهذا الانقسام في الأفق.

الجرس الخامس: التيار الوطني منقسم بشدة على نفسه بفعل الانتخابات، والتي ستترك عداوات في الصدور، ولا يوجد شراكة حقيقية بين أبناءه وخاصة بين التيار الديني والمدني داخله، والتحالف بينهما ضروري إذا كانوا راغبين في إيجاد بديل مقنع لغالبية المصريين.

والشراكة ليست كلمات ولكن مشروع جاد لاقتسام السلطة، والعقول التي عجزت عن الشراكة منذ الثورة يصعب تصور شفائها بعد كل هذه الصراعات.

ولا حل في الأفق الثوري حتى الآن، فالانقسام والتحزب كلمتهما هي السائدة، وهذا يترك الثورة والثوار في مصر مقسمين أمام مراكز قوى الثورة المضادة العائدة بقوة في البلاد.

فهل سيتدارك الوطنيون المصريون أخطائهم وتضطرهم الأزمة على التوحد!؟ تجارب الماضي توضح أن الانقسام والتحزب والانغلاق سمات سائدة والتخلص منها صعب، فكل فريق بما لديه فرحون، والأسابيع القادمة مصيرية وصعبة، والأوضاع في مصر لم تعد تتحمل مزيد من الصراعات ولا الأزمات، وربنا يستر، والله أعلم.

علاء بيومي 25 مايو 2012 

Monday, May 21, 2012

مذكرات عبد المنعم أبو الفتوح ... هل تحتوي على ما يدينه!؟


أتاحت لي الظروف قراءة النص الكامل لمذكرات الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح المرشح المستقل للرئاسة في مصر، والمنشورة بعنوان "عبد المنعم أبو الفتوح: شاهد على تاريخ الحركة الإسلامية في مصر" بتحرير الراحل الباحث القدير الشاب حسام تمام وتقديم المستشار طارق البشري.

ورغم إني قرأت مذكرات أبو الفتوح من الغلاف إلى الغلاف منذ أسابيع، وقرأت أيضا عددا لا بأس به من مقالات أبو الفتوح وكتاب أخر للأستاذ حسام تمام عن جماعة الإخوان المسلمين يخص فيه أبو الفتوح بجزء هام وإيجابي من نصوصه، إلا أني تحرجت كثيرا في إبداء رأي كامل عن أبو الفتوح سواء ما يتعلق بأفكاره أو حملته الانتخابية لسبب أساسي هو أن المذكرات ليست كافية بأي حال من الأحوال للحكم على الرجل خاصة وإنها إيجابية للغاية، لدرجة أنك تشعر أن محررها - الراحل الشاب حسام تمام - كان متيما بشخصية عبد المنعم أبو الفتوح  إلى حد كبير.

فقد كان تمام يرى في أبو الفتوح الجناح الأكثر انفتاحا وديمقراطية وحداثة في الإخوان، بل كان يرى أن أبو الفتوح هو مستقبل الإخوان المشرق تقريبا، ولهذا تحرجت من التعبير عن رأيي بخصوص أبو الفتوح لأني لم أعتقد أني أملك معرفة كافية به، ولأني أيضا شعرت بأن أكثر ما قرأت عن أبو الفتوح كان بقلمه أو بقلم محبيه، وحقيقة كلاهما إيجابي للغاية، ويجعلك تتردد في الكتابة عن أبو الفتوح خوفا من الوقوع في فخ الدعاية له بغير قصد.

ولكني قررت اليوم التعليق فقط على مذكرات أبو الفتوح لما رأيت أن البعض يحاول استخدامها لتشويه الرجل، لدرجة أنهم وقعوا في "سقطة" ما يمكن تسميته "فوبيا الإخوان والسلفيين"، مع أن الإخوان والسلفيين يمثلون حاليا أول وثاني أكبر حزبين في مصر.

ونحن إذ نرحب بالنقد العميق والصادق لجميع المرشحين – بما فيهم أبو الفتوح – بما فيه خيرهم وخير مصر والمصريين، إلا إننا نرفض كراهية أي مرشح بناء على خلفيته.

أعود لمذكرات أبو الفتوح، وأقول أن من الصعب أن يأخذها أي شخص كدليل إدانة على أبو الفتوح إلا إذا كان سيء النية أو مصاب بفوبيا الإخوان والسلفيين.

وذلك لأن أكثر ما يلفت نظرك في مذكرات أبو الفتوح هو قدرته الكبيرة على نقد الذات وإنكارها في آن واحد، فهو لا ينسب لنفسه إنجازات بقدر ما ينتقد نفسه ويراجعها، لدرجة إني شعرت وأنا أقرأ الكتاب بأن الراحل القدير حسام تمام أهدى أبو الفتوح كتاب دعاية من الطراز الأول، خاصة وأنك من النادر أن ترى مرشح في بلادنا يخوض حملة انتخابية وسيرته الذاتية تباع في الأسواق.

ونظرا أيضا لأنك عندما تقرأ سيرة ذاتيه مليئة بالنقد الذاتي تكون أكثر استعداد للتعاطف مع صاحبها أكثر من قراءة سيرة ذاتية عادية أو مليئة بالزهو الإعجاب بالذات.

كما شعرت في الوقت نفسه بأن الكتاب يمكن أن يساء استخدامه من قبل خصوم أبو الفتوح في حالة إذا ما تم تجزئة أفكاره ونزعها عن سياقها، وذلك لأن أبو الفتوح يمارس – عبر الكتاب - قدرا كبيرا من النقد الذاتي يندر العثور عليه في سير أخرى، ويمكن بسهول انتزاع بعض عبارات وأجزاء الكتاب عن سياقها واستخدامها ضد الرجل دون النظر لموقفه الشامل والحقيقي منها.

فأبو الفتوح يرى في مذكراته أنه بدأ مسيرته مع الحركات الدينية في مصر من باب التدين التقليدي المنتشر في أوساط بسطاء مصر وفلاحيها في نهاية الستينيات.

ولكن هزيمة 1967 وظروف السبعينيات ومرحلة الشباب دفعت جيله للبحث عن أيدلوجية بديلة وكانت فترة صعود للإسلام أو الإسلام السياسي كأيدلوجية بتشجيع من حكومة السادات نفسها وهو أمر لا ينكره أبو الفتوح.

ويصف أبو الفتوح أكثر من مرة كيف عانت أفكاره من التشدد في هذه الفترة، وهو في ذلك يمارس نقدا ذاتيا جميلا كان يجب أن يحسب له لا يحسب عليه، لأن أبو الفتوح في الكتاب نفسه يلوم نفسه بوضوح على تشدد أيام الشباب لدرجة أنه يقول أن ما جذبه للإخوان في منتصف السبعينيات كانوا رجال التنظيم الخاص لأنهم كانوا أكثر تشددا من عمر التلمساني، وهو الرجل الذي يكن له أبو الفتوح حبا كبيرا، ويبدو الأقرب لقلب أبو الفتوح والأكثر تأثيرا على شخصيته ومسيرته بعد سنوات الشباب "التشدد" الأولى.

وهنا يقول أبو الفتوح أنه لو تعرف على التلمساني أولا لرفض الانضمام للإخوان لأنه التلمساني كان صبورا متسامحا هادئا إلى حد كبير، وهي خصال لم يكن أبو الفتوح الشاب "الثائر" يبحث عنها في فترة عنفوان الشباب، حيث يرى أبو الفتوح أنه كان سلفي التوجه في هذه الفترة.

ولكن أبو الفتوح فضل عن قناعة ذاتية أن ينتقل من السلفية إلى الإخوانية، وأن يتبنى النزعة التلمسانية داخل الإخوان كما يظهر بوضوح من كتابه، وهنا يسترسل أبو الفتوح في وصف خصال التلمساني التي أثرت فيه كثيرا والتي كانت تحضه على الوسطية والاعتدال، كما يظهر أيضا أن أبو الفتوح اقتنع دوما بفكرة مركزية وهي رفض العنف والتدرج في التغيير، لذا قرر التحول نحو المنهج الإخواني التلمساني، بعيدا عن عنف الجماعات الإسلامية في صعيد مصر، كما رفض أيضا الالتزام بخط التيار السلفي كما فعلت مدرسة الإسكندرية.

وهنا يظهر في الكتاب خاصية هامة أخرى إيجابية تحسب لعبد المنعم أبو الفتوح، فهو رجل يتحرك بناء على قناعاته والتي لا تمنعه من تغيير رأيه لو ثبت له حقيقة أفضل، فقد ترك الإسلام التقليدي إلى السلفية في أوائل فترة التدين، وسرعان ما ترك السلفية إلى الإخوان في منتصف السبعينيات، ويبدو كما يظهر من كتاباته وما كتب عنه أنه مال لجناح الإخوان الأكثر انفتاحا بعد ذلك، حتى وصل لمرحلة ترك الإخوان وخوض الانتخابات الرئاسية مستقلا كما يحدث حاليا.

وتدل مقالاته المنشورة على موقعه والتي تهتم بمواقفه الحديثة بداية من غزو العراق (2003) على رجل يبحث عن أفكار جديدة وعن التقريب بين الاتجاهات وعن تيار سياسي إسلامي حديث يأخذ بأساليب العصر ويتمسك بتراثه، ولا أكون مبالغا لو قلت أن بعض مقالاته تعد نموذجا لفكر وسطي جميل مفيد للغاية لمصر ولتجربة التيارات الدينية فيها، فالرجل يبدو في أفضل حالاته عندما يتحدث عن الوسطية السياسية وعن الجمع بين التيارات المختلفة.   

وبالطبع هذا ليس تأييدا منا لحملة أبو الفتوح الانتخابية ولا دعاية منا لصالحه أو ضده، فالإعجاب بأفكار شخص ما لا يكفي لدعم حملته الانتخابية، والتي لا تعنينا الآن بقدر ما تعنينا محاولة الدفاع عن قدر من القيم الإيجابية في الحياة السياسية المصرية، فمن المؤسف أن يحول البعض مذكرات أبو الفتوح التي تحسب له لما تتضمن من نقد للذات وصراحة واستقلالية ورغبة في التطوير إلى دليل إدانة للرجل من خلال نزع أفكاره وتصريحاته عن سياقها.

كما إننا نرفض وبشدة نزعة بعض أبناء التيار المدني في مصر لمعارضة شخص ما أو جماعة بعينها بسبب خلفيتها الإخوانية أو السلفية، وكنا نعتقد أن دروس العام الماضي السياسية الصعبة في مصر قد شفت قلوب المصريين من "فوبيا" الأخر السلفي أو الإخواني أو الليبرالي أو اليساري، ولكن للأسف الفوبيا المرضية مازالت تحرق قلوب البعض بما في ذلك عدد من إخواننا الصحفيين والمثقفين والأكاديميين، لذا رأينا التنبيه والتحذير، وفقنا الله جميعا لما فيه خير، والله أعلم.

علاء بيومي - 21 مايو 2012  
تحديات فوز الإخوان بالرئاسة في مصر … هل من مخرج!؟

لا أحد ينكر على الإخوان حقهم في الاستفادة من قوتهم السياسية وتنظيمهم وولاء أعضائهم وتحويل كل ما سبق إلى أصوات - في أكثر انتخابات حرة عرفتها مصر منذ عقود على الرغم مما قد يعتريها من عيوب - وتحويل تلك الأصوات إلى سلطة سياسية من خلال البرلمان أو الحكومة والرئاسة ليطبق من خلالها الإخوان برنامجهم فإذا نجحوا كان لصالح مصر، وإذا أخطئوا تحملوا تبعات أخطائهم.

لكن وعلى الرغم مما سبق، نعتقد أن إصرار الإخوان على الدفع بمرشح رئاسي ومنافسة هذا المرشح على منصب الرئاسة بقوة - على نحو ما يجري حاليا -  يمثل مفاجأة غير سارة لكثير من المتابعين لما يمثله من تحديات هائلة للجماعة نفسها قبل مصر والمصريين.

التحدي الأول: تهميش الأغلبية

فوز مرشح الإخوان للرئاسة الدكتور محمد مرسي يعني أولا احتكار الإخوان السلطتين التشريعية والتنفيذية في حين أن وزنهم السياسي يدور حول 40% تقريبا من المصريين، وذلك وفقا لنتائج انتخابات مجلس الشعب المصري، وهي الانتخابات الأكثر جدية حتى الآن وربما تكون الأكثر تعبيرا عن وزن القوى السياسية في مصر. 


وهذا يعني احتكار أقلية لسلطات الحكم الرئيسية وتحويل الأغلبية أو بقية الشعب من سلفيين وليبراليين ويساريين وأقباط إلى مواقع المعارضة السياسية باقتدار خلال السنوات القليلة القادمة.


وقد يكون هذا الوضع عاديا في حالة الديمقراطيات المستقرة، ولكنه ليس عاديا ولا مستحبا في حالة بلد مثل مصر للأسباب التالية:

أولا: أن مصر في حالة ثورة بما تفرضه من رفض شديد للوضع القائم والنخب السياسية المختلفة وللأجيال المسيطرة ولسيطرة أي تيار بعينه على مقادير السياسة في مصر، وقد يفسر هذا تشبيه بعض المتابعين غير العادل حزب الحرية والعدالة التابع للإخوان المسلمين بالحزب الوطني الحاكم، وهي مقارنة ظالمة بالطبع ولكنها تعبر في باطنها عن مخاوف فريق من المصريين من سيطرة أي تيار بعينه.

والوضع الطبيعي في بلد يمر بثورة هو إشراك أكبر عدد من القوى السياسية في صناعة مصيره حتى تتحمل كل القوى أو غالبيتها المسئولية وتطمئن على وضعها في النظام الجديد ولا تتحول لمعارضة قلقة تسميت في الدفاع عن مصالحها منطلقة من الخوف على مصالحها وحاضرها ومستقبلها أكثر من أي شيء أخر.

وللأسف فشل الأخوان حتى هذه اللحظة في اختبار التوافق السياسي وإن كانوا لا يتحملون المسئولية الكاملة عن هذا الفشل، ففي معركة تأسيسية الدستور فشل الإخوان في التوافق، وتحالفهم في الانتخابات التشريعية لم يشمل الأغلبية ولا الأحزاب الكبرى، ويخوض مرشحهم للرئاسة د. محمد مرسي الانتخابات بلا مشروع واضح للتوافق السياسي، فلا نعرف مثلا إذا كان سيعين رئيس وزراء من تيار مختلف أو سيقسم وزارته على التيارات المختلفة وبأي نسبة.

لذا الواضح حتى الآن أن الأخوان ينافسون على جميع مقاعد السلطة التنفيذية بعد أن سيطروا على السلطة التشريعية إلى حد كبير.  

ثانيا: في حالة فوز الإخوان بالسلطة التنفيذية وحدهم سيكون حتما عليهم مواجهة قوى النظام السابق في مختلف مؤسسات الدولة وحدهم، وهو أمر سيمثل عبئ هائل على الإخوان من الناحية التنظيمية لافتقار أي تيار سياسي بمصر حاليا للحجم كافي من الكفاءات لإحلال قوى النظام القديم داخل مؤسسات الدولة المختلفة خاصة وأن نظام مبارك حرص على عزل مختلف القوى السياسية عن الحكم وتقاليده ومؤسساته وخبرته.

كما أنه سيمثل عبئ سياسي هائل لأن غالبية الشعب سوف تكون في موضع المعارضة وربما الاستياء من سيطرة فصيل واحد على الحكم، وربما ستتصيد بعض القوى السياسية المتشاحنة الأخطاء للإخوان، ونظرا لصعوبة الفترة الانتقالية وبقاء غالبية قوى النظام القديم في مواقعها داخل مؤسسات الدولة، لن تمر المرحلة الانتقالية بسهولة، وسيخطئ الإخوان كما أخطئوا في البرلمان، وسيتعرضون لانتقادات، ولكن في هذه الحالة سوف يكون الأخوان في موضع مثالي ليتم تحويلهم من قبل القوى السياسي المختلفة لشماعة تتحمل مختلف الأخطاء وتبعاتها، القديم منها والجديد.

كما سيواجه الأخوان عبئا إعلاميا هائلا، والمعروف أن الإخوان يشتكون دائما من تحامل الإعلام المصري عليهم، وأن كثير من مؤسسات الإعلامية المصرية الحكومية والمستقلة مازالت أسيرة فكريا وتنظيما للنظام السابق، وإن إعلام الإخوان والقوى السياسية الجديد في طور التكوين، وبذلك يتعاظم التحدي الإعلامي أمام الإخوان في حالة إنفرادهم بالسلطة.

ثالثا: لا يخفى على أحد العيوب التي تشوب العملية الانتخابية في مصر والتي تتمثل في عدم مراقبة أهم مصدرين للقوة السياسية في مصر حاليا، وهما المال والدين، فقواعد العملية الانتخابية تضع سقف للتبرعات المالية وتحظر قيام الأحزاب على أساس ديني وتحظر استخدام المؤسسات الدينية في الدعاية، وهي قواعد لم تحترم بشكل كبير منذ استفتاء مارس 2011 وحتى الآن.

ويمكن الإشارة في هذا الخصوص إلى وضع جماعة الإخوان المسلمين نفسها والتي لم تسجل نفسها قانونيا حتى الآن وتبدو علاقتها بالحزب متداخلة للغاية، وهذا يوضح إلى أن المنافسة بين القوى السياسية المصرية لم تكن عادلة ولا واضحة في بعض أهم جوانبها.


وإن كان هذا لا يقلل بأي حال من الأحوال من قوة الإخوان التنظيمية والسياسية وتماسكهم الأيدلوجي والداخلي وعدد القيادات الهائل التي يمتلكها التيار، وهي عوامل لا ينكرها أحد، ولكن يبقى السؤال يدور حول سبل الاستخدام الأمثل لها، وإذا كان من الأفضل الدفع بها في مغامرة أو مقامرة للسيطرة على أهم مناصب السلطة السياسية في مصر حاليا، أو التدرج في معركة صعودها السياسي الحاسمة للجماعة ولمصر والمصريين خاصة في هذه الفترة الحرجة.


التحدي الثاني: إرث الجماعة

وهذا يقودنا إلى الحديث عن التحدي الثاني الرئيسي لفوز الجماعة بالرئاسة في الوقت الراهن وهو التحدي المرتبط بعلاقة الحزب والجماعة، وهي العلاقة التي تعرضت لضربة قاسمة من الجماعة نفسها، والتي ضربت بعرض الحائط إدعاءات الفصل بين الطرفين مؤخرا باختيار الجماعة لمرشح الإخوان للرئاسة على الرغم من أن الجماعة سبق لها منذ عام تقريبا اختيار قادة الحزب.

وبهذا أصبح من المستحيل حاليا على أفضل وأذكي كاتب وقائد في أوساط الجماعة أن يشرح للمصريين والعالم طبيعة العلاقة بين الحزب والجماعة وحدود الفصل بينهما ومن منهما يحكم مصر وإلى من يدين بالولاء في حالة فوز الإخوان بالرئاسة.

وقد يكون هذا الفصل غير هاما في عيون أتباع الجماعة ومحبيها والمتعاطفين معها وربما فريق كبير من المصريين الذين لم يتعودوا قواعد الممارسة الديمقراطية السلمية.

ولكن الأصل في الديمقراطية المساواة بين أصوات الناخبين بمعني أن لكل مواطن صوت وأن قيمة الأصوات متساوية بغض النظر عن مصدرها، فصوت مرشد جماعة الإخوان المسلمين له نفس قيمة صوت أي مواطن مصري عادي أو أي عضو جديد في الجماعة لا يمتلك حق التصويت على اختيار ولو حتى رئيس شعبته.

يرتبط بهذا الحق قضية أهم، وهي أن لا سلطة بدون انتخابات ينظمها الدستور وفقا لقواعد معينة، وهذا يعني أن على الجماعة إذا أرادت الحصول على قدر من السلطة السياسية أن تشكل حزبا كما فعلت، وأن تخوض به الانتخابات كما فعلت، وأن تترك لمسئوليه الرسميين والمنتخبين حرية صناعة قراراهم السياسي كما لم تفعل.

فانتخاب الشعب المصري لحزب الحرية والعدالة يعني أنه أعطى صوته لكيان يختلف عن جماعة الإخوان المسلمين، وأن هذا الكيان بات يمتلك شرعية قانونية وسياسية لا تمتلكها الجماعة، وأن تعدي الجماعة على ذلك الكيان من خلال اختيار قياداته وصناعة قراراته الهامة، يعني عدم احترام الجماعة للقواعد القانونية والسياسية المنظمة للعملية السياسية في مصر.

وبهذا أصبحنا أمام حالة تنتهك فيها أكبر جماعة سياسية في مصر قواعد اللعبة السياسية وتضربها في مقتل، هذا على الجانب القانوني، أما على الجانب السياسي فالمشكلة أكبر بكثير، لأنها تقود إلى خلط قاتل في عقول المصريين والمتابعين الأجانب بين الحزب والجماعة وقياداتهما، حتى بات يصعب فهم من يصنع القرار، ومن سيحكم مصر في حالة فوز د. محمد مرسي.

وبالطبع هذه الفروق ليست هامة لأعضاء الجماعة ومحبيها والمتعاطفين معها حيث يرى البعض أن الجماعة أهم وأبقى وأفضل من الحزب، فالجماعة هي الأصل والحزب هو الصورة، ومن ثم لا يفهم هؤلاء لماذا يشغل البعض أنفسهم بتقوية الصورة على حساب الأصل.

ولكن القضية ترتبط بعوامل كثيرة، على رأسها أن الشعب يريد أن يعرف بالضبط من يحكمه!؟ وكيف وصل إلى السلطة!؟ وكيف يمكن حسابه!؟ هذا على المستوى الداخلي.

أما على المستوى الخارج فللجماعة تاريخ وصورة معينة وإرث في عيون المتابعين من الأصدقاء والخصوم حول العالم، كما أن لها علاقاتها المتشعبة خارج حدود مصر، والأولى هو تجنيب المصريين كل هذا الإرث والتاريخ والعلاقات والصراعات بالفصل بين الحزب والجماعة، لأن الدمج بينهما يعني أن على المصريين تحمل أخطاء وعلاقات الحزب والجماعة في الداخل والخارج معا.


وقد يمكن تبرير تحمل المصريين لأخطاء الحزب وقادته بحكم أن المصريين انتخبوهم، ولكن يصعب تبرير تحمل أخطاء الجماعة بكل مسئوليها ونخبها تاريخها وعلاقاتها والشعب لم ينتخبها الشعب أصلا.


منطق الإخوان

وقد تطرح الأسباب السابقة سؤالا هاما، وهو لماذا تصر الجماعة على خوض الانتخابات الرئاسية رغم كل ما سبق!؟ والواضح هنا أن الجماعة تبني قراراتها بناء على الاعتبارات التالية:

أولا: الجماعة حصلت على السلطة الخطأ، فالجماعة ترى أنها الأقوى في مصر حاليا، والأولى بتحمل المسئولية والقيادة، ولكن الخطة الانتقالية التي وافقت عليها الجماعة والقوى السياسية الأخرى انتهت بمنح الجماعة سلطة البرلمان والتي تقتصر على التشريع ومراقبة الحكومة، وهي بالطبع سلطة هامة، ولكنها بطيئة لن تسعف الجماعة في عملية تطبيق برنامجها والوفاء بوعودها أمام ناخبيها.

وبهذا وجدت الجماعة بعض خوض معارك انتخابات مجلسي الشعب والشورى الطويلة والمرهقة أنها بلا سلطة كافية لتحقيق برنامجها وأنها تولت السلطة الخطأ أو الجناح الأضعف من السلطة الحاكمة في مصر، وأن من سيفوز بالرئاسة وتشكيل الحكومة سوف يتولى تطبيق السياسات وسوف يكون الأقرب للناس والأقدر على علاج مشاكلهم، وبهذا أصبحت الجماعة أمام مأزق إستراتيجي، فإما أن تكتفي بالجناح الأضعف من السلطة، وأما أن تنافس على كل السلطة، ويبدو أن الجماعة فضلت الخيار الثاني.

ثانيا: الجماعة مازلت تشعر بقدر كبير من القلق والخوف تجاه المستقبل وعدم الاطمئنان لقواعد اللعبة الراهنة في مصر،  فهي لا تطمئن للمجلس العسكري بسبب علاقته الوثيقة بالنظام القديم وبسبب إدارته الضبابية والانفرادية لشئون البلاد وأخطاءه في الحكم، كما أنها لا تطمئن لمختلف القوى السياسية المصرية الراهنة في مصر والتي أظهرت قدرا من النضج السياسي يقل في عيون الكثيرين عما أظهرته الجماعة نفسها.

ثالثا: الجماعة ترى أنها الأقوى بمراحل مقارنة بأي طرف سياسي أخر، فالجماعة تمتلك تنظيما سياسيا هو الأقوى، وتمتلك أكبر عدد من القيادات الجماهيرية، والخبرة الأكبر على صعيد خوض الانتخابات، كما تمتلك أيضا شبكة هائلة من المؤسسات الدعوية والخيرية، والاسم الأكبر بين المنظمات السياسية القائمة.

وبالطبع تتفوق حملة الجماعة الرئاسية على حملة أي مرشح فردي، بحكم أن الجماعة تخوض حملتها بفريق كامل قديم وصاحب تجربة، أما الآخرون فهم يخوضون حملتهم ويبنون فريقهم في آن واحد.

رابعا: النقد الذي تعرضت له قيادات الأخوان بسبب أخطاء الجماعة منذ الثورة وفي البرلمان وفي أسلوب اختيارها لمرشحها الرئاسي ربما أشعر بعض قادتها بأنهم يخوضون معركتهم الأخيرة، وأن التراجع لم يعد خيارا بعد الآن، وأن الجيل الراهن من القيادات يخوض معركة مصيرية، وأن الفشل في معركة الرئاسة سوف يمثل ضربة قاسمة لجيل بأكمله خاصة بعد انسحاب عدد من قيادات الجماعة وشبابها من الجماعة منذ الثورة لاختلافهم مع سلوكها السياسي.

وتمثل حملة د. أبو الفتوح التحدي الأهم للجماعة على هذا الصعيد، فالرجل يخرج من رحم الجماعة الأهم ومن مركز قيادتها ليعلن على الجميع وخاصة شبابها أن الجماعة تسير في اتجاه خطأ، وإنها ربما تسير عكس اتجاه التاريخ.

هل من مخرج!؟

ويبقى السؤال ماذا بعد!؟ وهل يمكن أن تفوز الجماعة بالرئاسة وتتجنب مصر التحديات السابقة!؟

أعتقد أن الجماعة فوتت على نفسها ومصر فرصة تحقيق ذلك إلى حد كبير حتى الآن، فالجماعة تخوض الانتخابات تحت شعار الجماعة وبرنامجها بالأساس، وبلا التزامات واضحة لإشراك الآخرين في السلطة، وكأن قضية اقتسام السلطة ليست من أولويات الجماعة، خاصة وأن الجماعة سبق وتخلت عن التزامها بعدم الدفع بمرشح رئاسي، كما أنها لم تهتم بشعارات الوحدة التي رفعها مرشحون آخرون مثل عبد المنعم أبو الفتوح وحمدين صباحي.

كما أن اقتسام السلطة ليست شعارا فضفاضا، فهو يعني أن تتخلى الجماعة لتيارات أخرى عن مناصب سياسية رئيسية أو أحد المقاعد الأساسية وربما مقعدين من مقاعد السلطة السياسية الثلاث، وهما رئاسة البرلمان ورئاسة الحكومة ورئاسة الجمهورية.


وحتى الآن لم تعلن الجماعة عن التزامها بالتنازل على أي من تلك المقاعد، وهذا يعني أن القيادة الحالية للجماعة تقودها وتقود مصر إلى مواجهة صعبة بين الجماعة وقوى النظام القديم وغالبية القوى السياسية الوطنية التي لا تمتلك موقعا حقيقيا أو مناسبا في النظام الجديد، والتي سترى أنه تم إقصائها من جماعة بالغت في ممارسة قوتها وبسط نفوذها، ولم تترك مساحة كافية للآخرين.


كما قد يشعر بعض المصريين بالخوف من سيطرة أي تيار على إعادة بناء مصر في الفترة الراهنة، فالبعض قد يرى أن مصلحته أن تقتسم القوى السياسية المصرية السلطة اقتساما جادا لكي تراقب بعضها بعضا، وتمنع أي منها من الانفراد بالسلطة وإعادة تشكيل البلاد على صورته مهما كان.

ونحن شخصيا لا نتمنى أن نكون من المنحازين لفئة على أخرى في الصراعات الراهنة أو الآتية، فنحن نرى أن مصر في أمس الحاجة لأصوات وطنية تراعي مصالح الجميع، ولكننا نرى أن المواجهة السابقة ليست في مصلحة مصر أو الجماعة، وأن الجماعة كقوة مصرية وطنية أصيلة يجب الحفاظ عليها دينيا وسياسيا ومؤسساتيا وخيريا وعلى مختلف المستويات، كما ينبغي بالمثل الحفاظ على مختلف القوى الوطنية المصرية وتقويتها.

ولهذا نرى أن قادة الجماعة تأخروا كثيرا في الإعلان عن رؤيتهم لمشاركة الآخرين في حكم مصر، وأن هذا التأخير يضر بهم وبمصر والمصريين، وأن مساعيهم الراهنة تحتوي على قدر كبير من المغامرة التي لا تصب في صالح أحد، وأنهم سيتحملون مع القوى السياسية الأخرى فشلهم في بناء التوافق السياسي وتبعاته السلبية على مصر والمصريين في هذه المرحلة الحرجة، والله أعلم.

علاء بيومي – 21 مايو 2012 

Sunday, May 20, 2012


مغامرة الانتخابات الرئاسية المصرية وكيفية الخروج منها بسلام!

للأسف مازالت أعتقد أن الانتخابات الرئاسية المصرية المقرر عقدها داخل مصر خلال أقل من أسبوع - وعلى الرغم مما تحمله من أهمية تاريخية ومصيرية – تمثل كما هو الحال في الانتخابات التشريعية امتداد لمرحلة انتقالية معيبة تحشد المصريين في المسار الخطأ وتقودهم جميعا إلى عملية مغامرة جماعية سياسية كبرى أو قفز جماعي إلى المجهول السياسي.

والسبب بسيط وهو أن مختلف القوى السياسية المصرية الكبيرة منها والصغيرة غير مستعدة لتولي السلطة حاليا وتفتقر للخبرات والكفاءات اللازمة والكافية لتولي السلطة ولمواجهة قوى النظام القديم في مختلف مؤسسات الدولة بسبب سنوات التجريف السياسي التي مارسها نظام مبارك.

وكان الأولى بتلك القوى بدلا من منافسة بعضها على الكراسي في معارك طاحنة يخرج منها المنتصر والمهزوم أن تتوحد حول اتفاق لاقتسام السلطة فيما بينها يجعل لكل منها دور - ولو بسيط -  في إدارة شئون البلاد، حتى لا تتحول بعض الأطراف إلى معارضة شرسة لقوى سياسية هشة وغير مستعدة لتولي السلطة، وبهذا يتحول الوضع السياسي في مصر لصراع مرضي بين أطراف ضعيفة وعاجزة عن القيادة وحدها أو تقديم بديل.

ولكن لسبب غير معلوم يسئل عنه المجلس العسكري أولا ثم القوى السياسية الوطنية انساق الجميع وراء مسار انتقالي معيب وضع القوى السياسية المصرية الضعيفة في مواجهة بعضها البعض.

وللأسف دار بين القوى السياسية صراعات ايدلوجية وسياسية وجماهيرية طاحنة في استفتاء مارس 2011، تكررت في انتخابات مجلسي الشعب والشورى، ويبدو أن الصراعات نفسها تتكرر ولو بمعدلات أقل في انتخابات الرئاسة الراهنة.

وسبب اعتقادي بفتور حدة التناحر السياسي هذه المرة هو حالة القنوط التي أصابت عدد لا بأس به من المصريين بسبب أخطاء المجلس العسكري والقوى السياسية منذ الثورة وسوء إدارتهما للفترة الانتقالية.

فالقوى السياسية انساقت وراء سيناريو الفترة الانتقالية المعيب وحشدت ملايين المصريين في معركتي تعديلات الدستور وانتخابات مجلسي الشعب والشورى، ليفاجئ الناخبون بعد ذلك بالقوى السياسية الفائزة تقول لهم أن البرلمان ناقص الصلاحيات، وبفشل القوى السياسية في صياغة الدستور بشكل سريع رغم استخدامه كقضية انتخابية مركزية، هذا إضافة إلى ضعف مستوى عدد لا بأس به من النواب الجدد.

وبهذا بدأ الشعب يدرك أنه تم استخدامه في عملية مغامرة أو مقامرة سياسية كبرى، فالقوى السياسية الخائفة حشدت الجماهير في معارك سياسية هائلة لم تحقق سوى منح تلك القوى سوى مزيد من أوراق الضغط أو اللعب في أيديها.

ومازالت بعض القوى الرئيسية ترفض حتى تسجيل أنفسها بشكل قانوني أو الفصل بينها وبين أحزابها، فهي باختصار تشعر بأن المقامرة لم تنته بعد، وأنها لا تعرف ما قد يحدث لها، ولا تثق في قواعد اللعبة القائمة ولا في مختلف اللاعبين، وتفضل الاحتفاظ بجميع الأوراق في يديها كما هي خوفا من انقلاب القواعد فجأة.

لذا تفضل الجماعة السياسية الأكبر في مصر حاليا – الإخوان المسلمون - أن تسيطر على الحزب والبرلمان والحكومة والرئاسة في نفس الوقت حتى لو كان ذلك يعني أن غالبية القوى السياسية لن تسيطر على شيء في المقابل وستتحول لموقع المعارضة للجماعة وسياساتها، وحتى لو لم تمتلك الجماعة الكفاءات اللازمة لقيادة كل تلك المؤسسات مرة واحدة واضطرت وحدها مواجهة قوى النظام القديم.

وعلى المنوال نفسه تسير مختلف القوى السياسية فهناك قوى تؤيد بعض رموز النظام السابق في الانتخابات الرئاسية خوفا من قوى التيار الديني، وهناك قوى تحتمي بالمجلس العسكري، حتى قوى التيار الديني منقسمة، لدرجة أن أكبر حزب سلفي – النور - أعلن أن من بين أسباب دعمه للدكتور عبد المنعم أبو الفتوح في انتخابات الرئاسة خوفه من تمركز السلطات في يد جماعة الإخوان المسلمين.

وفي ظل لعبة القمار السياسي الكبرى الجارية حاليا في مصر يخوض 13 مرشحا الانتخابات الرئاسية وغالبيتهم أو أهمهم - فيما عدا الدكتور محمد مرسي مرشح الإخوان - لا يمتلكون حزبا معينا، وبالطبع يصعب تصور كيف يمكن أن يحكم هؤلاء المرشحون مصر في الأول من يوليو  وليس لديهم حتى الآن مؤسسات يمكنهم الاعتماد عليهم في إمدادهم بعدد كافي من القيادات لحكم البلاد وتحقيق القطيعة المطلوبة مع النظام السابق أو حتى الانتقال السلس للسلطة.

هذا يعني أن في حالة فوز أي منهم سوف تطول عملية انتقال السلطة ذاتها، وقد تصل لشهور وربما سنوات، لأن المرشح ببساطة لا يمتلك فريق عمل كافي، وأن عملية الإحلال والتبديل ستتم ببطء شديد وسط مواجهة قوية من قوى النظام القديم المسيطرة على مؤسسات  الدولة والقوى الوطنية المهزومة في الانتخابات والتي لا تجد لأنفسها دورا في النظام الجديد. 

أما في حالة فوز الدكتور محمد مرسي فسوف نكون في حالة انفراد الإخوان - الذين يمثلون حوالي 40% من أصوات المصريين - بالسلطتين التنفيذية والتشريعية، وهذا يعني أن غالبية الشعب سوف تكون في موضع المعارضة.

ويبدو أن القوى السياسية المقامرة تعيش حالة عدم ثقة كبيرة في بعضها، وتفضل الاحتكام لصناديق الاقتراع في حسم خلافاتها لأنها عاجزة عن التعامل مع تلك الخلافات بنضج، وتبقى المشكلة في أن صناديق الانتخابات لا تكفي لتحقيق مطالب الثورة والمصريين، لأنها تصعد بقوى سياسية غير مستعدة لتولي السلطة، وبدون نقاش أو استعداد كافي، وبدون خطة واضحة لمشاركة الآخرين في السلطة في هذه المرحلة الهامة. 

أما الشعارات المرفوعة في الحملات الانتخابية على غرار الوحدة والجماعة والخبرة وبرامج الإصلاح والنهضة وغيرها فتبقى شعارات لأنها لم تأخذ حقها من النقاش وتغطي على حقيقة افتقار مختلف القوى السياسية للكفاءات اللازمة لتطبيق شعاراتها أو برامجها الوليدة.

فحتى جماعة كالإخوان وهي الجماعة السياسية الأكبر في مصر حاليا تقول أن إعدادها للمسودة الأولى لمشروع النهضة استغرق عاما كاملا وأنها مازالت في حاجة إلى تعديله بعد طرحه على أكبر عدد من المتخصصين، وبالطبع لم ينل المشروع حقه الكافي من النقاش لأنه لم يطرح للنقاش إلا من أسبوعين تقريبا وفي ظروف الانتخابات الرئاسية المزدحمة للغاية. 

وللأسف لم يعد أمام المصريين بدائل كثيرة، فعدم المشاركة في مسرحية الانتخابات الرئاسية ترسل رسالة سلبية للعالم مفادها عدم استقرار الأوضاع في مصر وتعثر العملية الانتقالية، وسوف يكون ذلك تأثيرات سلبية على الاقتصاد المصري المتعطش للاستثمارات الأجنبية وتدفق السائحين، كما أنها قد تسمح بصعود قوى مساندة للنظام السابق.

يبقى أن المشاركة نفسها هي ضرب من المقامرة حتى لو فاز أحد مرشحي القوى الوطنية، فالفوز لن يحسم عملية انتقال السلطة والتي أمامها مشوار طويل.

لذا أعتقد أن الحل يكمن في أن نخلط المشاركة بضغط شعبي يطالب جميع القوى السياسية بترتيب أوراقها واحترام قواعد اللعبة وإعلانها وإشراك أكبر عدد من الفاعلين السياسيين فيها والتوقف فورا عن لعبة الفائز والمهزوم، والبحث عن صيغة لاقتسام السلطة ولو حتى ضمن فريق يمثل 60% من القوى السياسية المعبرة عن المصريين.

وحقيقة لا أدري إذا كانت القوى السياسية سوف تستجيب لتلك الرسائل أم لا، فحتى الآن تطغى مخاوف القوى السياسية على قدرتها على التفكير الاستراتيجي بعيد المدى، وقد يتطلب الأمر ضغطا شعبيا كبيرا على الجميع حتى تنتهي المقامرة السياسية، فالشعب في النهاية هو صاحب المقدرات التي تقامر بها القوى السياسية، وهو من ثار وضحى، وهو من يمتلك حق وضع قواعد اللعبة لحماية نفسه ومصالحه.

لذا أعتقد أن على الشعب مطالبة جميع القوى السياسية بالوصول إلى صيغة مقبولة لاقتسام السلطة بين أكبر عدد منها وتهدئة الجميع وإشراكهم في بناء مصر الجديدة على اساس من الكفاءة والتنظيم والتعبير عن أصوات الناس وحجم القوى السياسية الحقيقي على الأرض قدر الإمكان، وتجنيب البلاد تكلفة الصراعات السياسية الجارية والمتوقعة، والله أعلم. 

علاء بيومي – 20 مايو 2012

Thursday, May 03, 2012

مصر وسيناريوهات الحرب الأهلية السياسية الباردة



السيناريوهات التالية قائمة ومحتملة للغاية وهي الأقرب للحدوث في مصر، فتعالوا معا نفكر في أفضلها وإلى أين ستقود مصر. 



السيناريو الأول: فوز الإخوان بالحكومة والرئاسة بالإضافة إلى البرلمان كما يريدون حاليا بحكم أنهم الفصيل الأكبر في مصر حاليا وأن من حقهم الصعود السياسي والتربع على مؤسسات الحكم مادام قد جاءوا عبر صناديق الاقتراع.



السيناريو الثاني: فوز الإخوان بالحكومة والبرلمان وذهاب الرئاسة إلى عبد المنعم أبو الفتوح والذي يبدو أقرب مرشحي التيار الديني للرئاسة، وفي هذه الحالة سنكون أمام سيطرة كاملة لتيار ديني (وربما إخواني بحكم انتماء أبو الفتوح فكريا للإخوان حتى لو ترك الجماعة تنظيميا) متصارع داخليا على مؤسسات السلطة الثلاثة الأهم، ولن يكون للتيار المدني أو العلماني في مصر وهو ثلث الشعب تقريبا أو ربعه دور مناسب في السلطة على مدى السنوات الأربعة المقبلة.



السيناريو الثالث: فوز الإخوان بالحكومة والبرلمان وذهاب الرئاسة إلى عمرو موسى أوفر مرشحي التيار الليبرالي حظا كما يبدو حاليا، وهنا سيتقسم الأخوان مع موسى الحكم ويبقى الصراع بينه وبينهم من ناحية وبينه وبين من يرون أنه يمثل النظام القديم على جانب أخر.



السيناريو الرابع: آلا يفوز الإخوان بالحكومة أو الرئاسة وتذهب الرئاسة والحكومة لتيار الرئيس سواء كان موسى أو أبو الفتوح أو أي شخصية أخرى، وهنا أصبح لدينا انقسام في السلطة بين التيار الديني المتصارع داخليا والمهيمن على البرلمان والناقم على منهم انتزعوا منه الرئاسة والحكومة، وخصومه في الرئاسة والحكومة.



في رأيكم أي هذه السيناريوهات أفضل لمصر!؟ رأيي المتواضع أن السيناريوهات الأربعة كارثية ولن تفيد مصر في هذه المرحلة الحرجة من تاريخها، بل ستقودها إلى سيناريو حرب أهلية باردة ضمنية أو معلنة، لسبب أساسي هو أن التيار الديني يمتلك الأصوات في حين أن القوى العلمانية تتحكم في مؤسسات الدولة منذ عقود، وأن صراعا بين الطرفين قادم لا محالة وفي حالة عدم الاستعداد له بصيغة توافقية جادة تقتسم السلطة بين أفضل التيارات الدينية والعلمانية في مصر.

وأرجو آلا يقول لي أحد أن القوى السياسية المصرية قادرة على التعالي على خلافاتها واقتسام السلطة عبر صناديق الاقتراع، فالواضح القوى السياسية في مصر والدولة السلطوية بشكل عام تعاني من عقود من عدم الثقة والريبة المتبادلة والعجز عن بناء التوافق السياسي، وأن الصراع هو السمة الأغلب لعلاقتها حتى لو تم عبر صناديق الاقتراع، فالصراع لا التوافق كان ومازال السمة الأبرز للعلاقة بين القوى السياسية المصرية منذ الثورة، وليس هناك سبب يجعلنا نعتقد أن العكس ممكن، بل أننا نتوقع أن يزداد الصراع مع تزايد المنافسة.



وبسبب هذا التعارض في المصالح ستعيش مصر سنوات من الحرب الأهلية الباردة داخليا يتمزق فيها المجتمع ومؤسسات الدولة بين النخب الجماهيرية الصاعدة قليلة الخبرة والدراية بمؤسسات الحكم والدولة، وبين النخب المتحكمة ضعيفة التمثيل الجماهيري ولكنها تمتلك مفاتيح الدولة وتسيطر على المؤسسات السيادية كالمؤسسات الأمنية المختلفة (الجيش والشرطة والمخابرات) والبيروقراطية والشركات الاقتصادية الكبرى.

ولا يخفى على أحد التحديات الداخلية الصعبة التي تواجه المصريين وعلى رأسها مشاكل الاقتصاد والأمن والتعليم والبنية التحتية المتهالكة، وهي صراعات تحتاج لتعاون فوري لا صراع يدوم لسنوات.

وقد يقول قائل وما هو ذنب الإخوان إذن، ألم يأتوا عبر صناديق الاقتراع، أليس من حقهم الحكم والسيطرة على كل مؤسسات الدولة لو اقتضى الأمر ذلك وتم بطريقة ديمقراطية، وهو سؤال لا يخلو من وجاهة وجدية ومنطق.


ولكنه يغفل جوانب هامة من الصورة، فمصر لا تمتلك تقاليد أو مؤسسات ديمقراطية راسخة، بمعني أن مصر تمر بحالة إعادة بناء وتحتاج شراكة الجميع وتضافر جهودهم، وهناك شكوك عميقة بين جميع القوى السياسية، وخوف من سيطرة فصيل سياسي واحد مهما كان، حتى أن هناك نسبة لا يستهان بها من الشارع المصري والقوى الثورية لا تثق في أي تيار سياسي مصري على ما يبدو.


كما أن التيارات الدينية لا تخلو من عيوب تضرب الديمقراطية في مقتل وخاصة فيما يتعلق بازدواجيتها فهي جماعات وأحزاب في آن واحد، وهو أمر يتنافى ويتعارض مع أبسط قواعد الديمقراطية التي تقوم على مبدأ المساواة والانتخاب المباشر.

وبالطبع لا يرى أنصار التيار الديني هذه العيوب ولا يهتمون بها أصلا إن رأوها، وقد لا يعتبرونها عيوبا أصلا، وهذا مفهوم، فالتيار المدني في مصر أيضا لا يرى حجم الخسائر التي لحقت به وحالة الضعف والانقسام التي يعيشها وكيف أصبح أحيانا "عبئا" على المصريين والذين كان يتمنون – أو على الأقل بعضهم - أن تكون مختلف تياراتهم السياسية في حالة أفضل وأكثر قدرة على المنافسة بما فيه صالح البلاد.



إذن ما الحل!؟ الحل مطروح منذ بداية الثورة ولم يتحقق حتى الآن، الحل هو شراكة بين التيار الديني والمدني، أو بالأحرى شراكة واعية ناضجة بين عقلاء التيارين، شراكة تقوم على البحث عن أفضل الشركاء وأكبرهم واقتسام السلطة معهم الآن طواعية قبل أن تفرض علينا غدا تحت نيران العسكر أو الحرب الأهلية السياسية.



ومازلت أعتقد أن هذه الشراكة هي المخرج من الأزمة، وأنه يجب توزيع المؤسسات الثلاثة في مصر على القوى السياسية المختلفة كما حدث في بلد كتونس، لذا أقترح أن يتبنى الإخوان – وهم الفصيل الأقوى جماهيريا والأكثر تنظيما والذي يمتلك شرعية سيطرته على البرلمان في الوقت الحالي - مبدأ الصعود التدريجي، وأن يقتسموا السلطة مع شريك رئاسي يحترمهم ويحترمونه ومع رئيس حكومة مشهود له بالكفاءة والحيادية والرؤية البعيدة القادرة على بناء مصر ديمقراطية يتنافس فيها الجميع على قدم المساواة.



أتمنى أن تدرك القوى السياسية الحاجة لأن تنظم صفوفها طواعية قبل أن يفرض عليها ذلك في وقت متأخر أو بعض ضياع الفرصة وإهدار كثير من موارد البلاد، وآلا يبقى الحال على ما هو عليه في مصر من هشاشة وخطة انتقالية مليئة بالعيوب ولا تنتج سوى بدائل ضعيف، فمصر لن تحصل من الخطة الانتقالية إلا على مؤسسات (برلمان وحكومة ورئاسة) ناقصة الصلاحيات.

كما ندعو الله آلا يأتي اليوم الذي نقول فيه أن المصريين أضاعوا على أنفسهم فرصة عظيمة لإعادة بناء بلدهم لأن كل فريق كانوا بما لديهم فرحون.



والله أعلم.



علاء بيومي 3 مايو 2012

Wednesday, May 02, 2012

اقتراح للخروج من الأزمة المصرية ... "السبع" هو الحل

ماذا عن تحالف "السبع" كمخرج محتمل لأزمة مصر الحالية!؟ والسبع هو اختصار للحروف الأولى من إسماء سعد الكتاتني ومحمد البرادعي وعبد المنعم ابو الفتوح.

تحالف "السبع" سوف يمنح الإخوان البرلمان وهو المؤسسة الأهم في أي نظام ديمقراطي، ومن خلال التشريعات يمكن أن يضمنوا تطبيق برنامج النهضة كما يريدون.

أما الضلع الثاني فهو عبد المنعم أبو الفتوح في الرئاسة فهو نصف إخواني نصف ليبرالي شبابي مدني، وبهذا يحصل الإخوان والتيار الديني على نص السلطة تقريبا، ويحصل التيار المدني على النصف الأخر.

أبو الفتوح قد يكون رمزا وطنيا كبيرا، ولكن خبرته الإدارية والسياسية قد لا تكون كذلك، وهو في النهاية في حاجة لماكينة الإخوان ولإداري قوي.

وهنا يأتي دور الضلع الثالث وهو محمد البرادعي  والذي قد يكون أفضل إداري تمتلكه مصر حاليا واقلهم تحزبا وأفضل رموز التيار المدني الليبرالي وواحد من الرموز القليلة القادرة على الضغط على المجلس العسكري وبيروقراطية مبارك والقوى الدولية.
دور البرادعي البيروقراطي في الحكومة سوف يمنحه القدرة على تطبيق برامج إصلاح قوية لا إيدلوجية وقد ينطبق أكثر مع شخصيته الإدارية كما يقول المقربون منه.

وبهذا ينتظر الإخوان قليلا على مشروعهم السياسي، ويضمنون صيغة جيدة لاقتسام السلطة مع الثلث الليبرالي في البلاد، ويقللون مخاوف من يخشون سيطرتهم على السلطة ومن يترددون في دعمهم ودعم أبو الفتوح.

لا أعرف إذا كانت فرصة اقتسام السلطة في مصر مازالت قائمة، ولكني أعتقد إنها الحل المنطقي الذي يجمع عليه الجميع ولم يتحقق حتى الآن، وأعتقد أن تيارات مصر المختلفة وعلى رأسها التيارين الديني والمدني في حاجة لوجود ممثلين لها في السلطة، والبلد في حاجة أن تتوحد، والله أعلم!؟

هل نزول الانتخابات المقبلة بتحالف "السبع" هو الحل!؟ ما رأيكم!؟