Monday, May 21, 2012

مذكرات عبد المنعم أبو الفتوح ... هل تحتوي على ما يدينه!؟


أتاحت لي الظروف قراءة النص الكامل لمذكرات الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح المرشح المستقل للرئاسة في مصر، والمنشورة بعنوان "عبد المنعم أبو الفتوح: شاهد على تاريخ الحركة الإسلامية في مصر" بتحرير الراحل الباحث القدير الشاب حسام تمام وتقديم المستشار طارق البشري.

ورغم إني قرأت مذكرات أبو الفتوح من الغلاف إلى الغلاف منذ أسابيع، وقرأت أيضا عددا لا بأس به من مقالات أبو الفتوح وكتاب أخر للأستاذ حسام تمام عن جماعة الإخوان المسلمين يخص فيه أبو الفتوح بجزء هام وإيجابي من نصوصه، إلا أني تحرجت كثيرا في إبداء رأي كامل عن أبو الفتوح سواء ما يتعلق بأفكاره أو حملته الانتخابية لسبب أساسي هو أن المذكرات ليست كافية بأي حال من الأحوال للحكم على الرجل خاصة وإنها إيجابية للغاية، لدرجة أنك تشعر أن محررها - الراحل الشاب حسام تمام - كان متيما بشخصية عبد المنعم أبو الفتوح  إلى حد كبير.

فقد كان تمام يرى في أبو الفتوح الجناح الأكثر انفتاحا وديمقراطية وحداثة في الإخوان، بل كان يرى أن أبو الفتوح هو مستقبل الإخوان المشرق تقريبا، ولهذا تحرجت من التعبير عن رأيي بخصوص أبو الفتوح لأني لم أعتقد أني أملك معرفة كافية به، ولأني أيضا شعرت بأن أكثر ما قرأت عن أبو الفتوح كان بقلمه أو بقلم محبيه، وحقيقة كلاهما إيجابي للغاية، ويجعلك تتردد في الكتابة عن أبو الفتوح خوفا من الوقوع في فخ الدعاية له بغير قصد.

ولكني قررت اليوم التعليق فقط على مذكرات أبو الفتوح لما رأيت أن البعض يحاول استخدامها لتشويه الرجل، لدرجة أنهم وقعوا في "سقطة" ما يمكن تسميته "فوبيا الإخوان والسلفيين"، مع أن الإخوان والسلفيين يمثلون حاليا أول وثاني أكبر حزبين في مصر.

ونحن إذ نرحب بالنقد العميق والصادق لجميع المرشحين – بما فيهم أبو الفتوح – بما فيه خيرهم وخير مصر والمصريين، إلا إننا نرفض كراهية أي مرشح بناء على خلفيته.

أعود لمذكرات أبو الفتوح، وأقول أن من الصعب أن يأخذها أي شخص كدليل إدانة على أبو الفتوح إلا إذا كان سيء النية أو مصاب بفوبيا الإخوان والسلفيين.

وذلك لأن أكثر ما يلفت نظرك في مذكرات أبو الفتوح هو قدرته الكبيرة على نقد الذات وإنكارها في آن واحد، فهو لا ينسب لنفسه إنجازات بقدر ما ينتقد نفسه ويراجعها، لدرجة إني شعرت وأنا أقرأ الكتاب بأن الراحل القدير حسام تمام أهدى أبو الفتوح كتاب دعاية من الطراز الأول، خاصة وأنك من النادر أن ترى مرشح في بلادنا يخوض حملة انتخابية وسيرته الذاتية تباع في الأسواق.

ونظرا أيضا لأنك عندما تقرأ سيرة ذاتيه مليئة بالنقد الذاتي تكون أكثر استعداد للتعاطف مع صاحبها أكثر من قراءة سيرة ذاتية عادية أو مليئة بالزهو الإعجاب بالذات.

كما شعرت في الوقت نفسه بأن الكتاب يمكن أن يساء استخدامه من قبل خصوم أبو الفتوح في حالة إذا ما تم تجزئة أفكاره ونزعها عن سياقها، وذلك لأن أبو الفتوح يمارس – عبر الكتاب - قدرا كبيرا من النقد الذاتي يندر العثور عليه في سير أخرى، ويمكن بسهول انتزاع بعض عبارات وأجزاء الكتاب عن سياقها واستخدامها ضد الرجل دون النظر لموقفه الشامل والحقيقي منها.

فأبو الفتوح يرى في مذكراته أنه بدأ مسيرته مع الحركات الدينية في مصر من باب التدين التقليدي المنتشر في أوساط بسطاء مصر وفلاحيها في نهاية الستينيات.

ولكن هزيمة 1967 وظروف السبعينيات ومرحلة الشباب دفعت جيله للبحث عن أيدلوجية بديلة وكانت فترة صعود للإسلام أو الإسلام السياسي كأيدلوجية بتشجيع من حكومة السادات نفسها وهو أمر لا ينكره أبو الفتوح.

ويصف أبو الفتوح أكثر من مرة كيف عانت أفكاره من التشدد في هذه الفترة، وهو في ذلك يمارس نقدا ذاتيا جميلا كان يجب أن يحسب له لا يحسب عليه، لأن أبو الفتوح في الكتاب نفسه يلوم نفسه بوضوح على تشدد أيام الشباب لدرجة أنه يقول أن ما جذبه للإخوان في منتصف السبعينيات كانوا رجال التنظيم الخاص لأنهم كانوا أكثر تشددا من عمر التلمساني، وهو الرجل الذي يكن له أبو الفتوح حبا كبيرا، ويبدو الأقرب لقلب أبو الفتوح والأكثر تأثيرا على شخصيته ومسيرته بعد سنوات الشباب "التشدد" الأولى.

وهنا يقول أبو الفتوح أنه لو تعرف على التلمساني أولا لرفض الانضمام للإخوان لأنه التلمساني كان صبورا متسامحا هادئا إلى حد كبير، وهي خصال لم يكن أبو الفتوح الشاب "الثائر" يبحث عنها في فترة عنفوان الشباب، حيث يرى أبو الفتوح أنه كان سلفي التوجه في هذه الفترة.

ولكن أبو الفتوح فضل عن قناعة ذاتية أن ينتقل من السلفية إلى الإخوانية، وأن يتبنى النزعة التلمسانية داخل الإخوان كما يظهر بوضوح من كتابه، وهنا يسترسل أبو الفتوح في وصف خصال التلمساني التي أثرت فيه كثيرا والتي كانت تحضه على الوسطية والاعتدال، كما يظهر أيضا أن أبو الفتوح اقتنع دوما بفكرة مركزية وهي رفض العنف والتدرج في التغيير، لذا قرر التحول نحو المنهج الإخواني التلمساني، بعيدا عن عنف الجماعات الإسلامية في صعيد مصر، كما رفض أيضا الالتزام بخط التيار السلفي كما فعلت مدرسة الإسكندرية.

وهنا يظهر في الكتاب خاصية هامة أخرى إيجابية تحسب لعبد المنعم أبو الفتوح، فهو رجل يتحرك بناء على قناعاته والتي لا تمنعه من تغيير رأيه لو ثبت له حقيقة أفضل، فقد ترك الإسلام التقليدي إلى السلفية في أوائل فترة التدين، وسرعان ما ترك السلفية إلى الإخوان في منتصف السبعينيات، ويبدو كما يظهر من كتاباته وما كتب عنه أنه مال لجناح الإخوان الأكثر انفتاحا بعد ذلك، حتى وصل لمرحلة ترك الإخوان وخوض الانتخابات الرئاسية مستقلا كما يحدث حاليا.

وتدل مقالاته المنشورة على موقعه والتي تهتم بمواقفه الحديثة بداية من غزو العراق (2003) على رجل يبحث عن أفكار جديدة وعن التقريب بين الاتجاهات وعن تيار سياسي إسلامي حديث يأخذ بأساليب العصر ويتمسك بتراثه، ولا أكون مبالغا لو قلت أن بعض مقالاته تعد نموذجا لفكر وسطي جميل مفيد للغاية لمصر ولتجربة التيارات الدينية فيها، فالرجل يبدو في أفضل حالاته عندما يتحدث عن الوسطية السياسية وعن الجمع بين التيارات المختلفة.   

وبالطبع هذا ليس تأييدا منا لحملة أبو الفتوح الانتخابية ولا دعاية منا لصالحه أو ضده، فالإعجاب بأفكار شخص ما لا يكفي لدعم حملته الانتخابية، والتي لا تعنينا الآن بقدر ما تعنينا محاولة الدفاع عن قدر من القيم الإيجابية في الحياة السياسية المصرية، فمن المؤسف أن يحول البعض مذكرات أبو الفتوح التي تحسب له لما تتضمن من نقد للذات وصراحة واستقلالية ورغبة في التطوير إلى دليل إدانة للرجل من خلال نزع أفكاره وتصريحاته عن سياقها.

كما إننا نرفض وبشدة نزعة بعض أبناء التيار المدني في مصر لمعارضة شخص ما أو جماعة بعينها بسبب خلفيتها الإخوانية أو السلفية، وكنا نعتقد أن دروس العام الماضي السياسية الصعبة في مصر قد شفت قلوب المصريين من "فوبيا" الأخر السلفي أو الإخواني أو الليبرالي أو اليساري، ولكن للأسف الفوبيا المرضية مازالت تحرق قلوب البعض بما في ذلك عدد من إخواننا الصحفيين والمثقفين والأكاديميين، لذا رأينا التنبيه والتحذير، وفقنا الله جميعا لما فيه خير، والله أعلم.

علاء بيومي - 21 مايو 2012  

4 comments:

فاتنة شاكر said...

السؤال التقليدي من ستنتخب ..؟ لست مصرية ولكني مهتمة بأحوال مصر .. كما كمن اتوقع قراءة تحليلية نوعا ما للمذكرات

Alaa Bayoumi said...

شكرا على التعليق والسؤال، وأفضل الإحتفاظ بالإجابة لنفسي، تحياتي

Müllentsorgung said...

شكراً لكم ع الموضوعات المتنوعة ... موفقين :)

Kellerentrümpelung Wien said...

شكراً جزيلاً ع المجهود ... :)