Monday, March 24, 2008

الشرق الأوسط الجديد
عرض بقلم: علاء بيومي

الناشر:
الجزيرة نت، مارس 2008، حقوق الطبع والنشر محفوظة للناشر

نص العرض

يتميز التقرير الراهن الصادر عن مركز كارنيجي لأبحاث السلام الدولي بواشنطن بمزايا هامة ترشحه لأن يكون موضع جدل سياسي أميركي وعربي على حد سواء، فالتقرير يقدم تلخيصا متميزا وشاملا لسياسات الإدارة الأميركية تجاه الشرق الأوسط في عهد الرئيس جورج دبليو بوش، تلخيص يتحلى بقدر كبير من الحرفية والتي تجمع بين الاختصار والدقة وطرح أفكار كبرى وجريئة في آن واحد

ولا ينسى التقرير أن يجمع بين تلخيص واقع المنطقة المرتبط بالسياسات الأميركية وتقديم توصيات سياسية للساسة الأميركيين، وتكتسب توصيات التقرير أهمية إضافية لأنها تتميز بقدر كبير من سعة الطرح ووضوح الرؤية التي لا تخلو من واقعية مثيرة للجدل – كما سنوضح فيما بعد، وذلك في وقت تبحث فيه الولايات المتحدة عموما والساسة الديمقراطيين خصوصا عن رؤى سياسية بديلة لسياسة الرئيس جورج دبليو بوش الكارثية بالمنطقة

استراتيجية بوش الصدامية

ويدور التقرير بشكل مركزي حول رفضه لسياسات الرئيس بوش والتي جمعت بين مقاومات فشل خطيرة وعديدة يتناولها التقرير بشكل مفصل بين صفحاته، فالتقرير ينطلق من مساعي بوش لإنشاء شرق أوسط جديد بداية من عام 2002 وهي مساعي توجت بحرب العراق وبسياسة تغيير النظم ونشر الديمقراطية التي تبنتها إدارة بوش وبحرب إسرائيل على لبنان في صيف عام 2006 والتي وصفتها وزيرة الخارجية الأميركية كونداليزا رايس بأنها بمثابة أوجاع المخاض السابقة لميلاد الشرق الأوسط الجديد

ويقول مؤلفو التقرير أن نبوءة بوش صدقت وفشلت في آن واحد، وذلك لأن الشرق الأوسط اليوم أصبح مختلفا إلى حد كبير عن الشرق الأوسط في بداية عهد بوش، مما يعني أن بوش نجح نسبيا في تحقيق هدفه، ولكن الشرق الأوسط الجديد أسوأ بكثير من الشرق الأوسط القديم بفعل سياسات بوش كما يوضح مؤلفو التقرير

وهنا يمتلك التقرير جرأة ملحوظة في نقد سياسات بوش، حيث يقول أن سياسات بوش والتي قادت لتدهور الشرق الأوسط تميزت بقدر كبير من الأخطاء الملفتة للنظر، فالرئيس وإدارته لم يمتلكوا - في كثير من الأحيان - معرفة كافية بما يدور بالشرق الأوسط أو بالبلدان التي يسعون للتعامل معها، مما أدى لارتكابهم أخطاء جسيمة في التعامل مع دولة كالعراق

كما أن الإدارة تتفنن في إطلاق إستراتيجيات تسميها بالكبيرة وتعطيها أسماء رنانة ولكنها لا تحتوي على مضمون حقيقي أو حتى رؤية واضحة لسبل تحقيق أهدافها كما هو الحال في إستراتجيات نشر الديمقراطية بالشرق الأوسط، والتي شهدت خروج بوش على الملأ في أكثر من مناسبة لإعلان مبادرات وإستراتيجيات ومبادئ رنانة لا تسفر عن شيء في النهاية مما أدى إلى إحراج أميركا ومسانديها على حد سواء

أضف إلى ذلك إلى أن الإدارة جرأت على تبني سياسات متخبطة وقصيرة النظر، ففي العراق على سبيل المثال تبدو أميركا في كثير من الأحيان – كما يذكر التقرير – فاقدة البوصلة فتارة تؤيد الدولة المركزية وتارة تدعم جماعات الصحوة المحلية وتدعم تسليحها وهما هدفان متعارضان على المدى البعيد

أما الثابت في الإستراتيجية الأميركية خلال عهد بوش تجاه الشرق الأوسط فهو أسوأ أبعادها آلا وهو التشدد والسعي للمواجهة والصدامية وتجاهل الحوار والدبلوماسية في التعامل مع دول المنطقة، حيث يشير التقرير إلى أن دول مثل إيران وسوريا - والتي تشهد علاقاتها بواشنطن توترا شديدا وخلافا كبيرا في الفترة الحالية - عرضت على إدارة بوش التعاون معها بأشكال مختلفة في الفترة الحالية لأحداث 11-9 وحرب العراق، ولكن الإدارة الأميركية رفضت عروض التعاون وفضلت الصدامية وإستراتيجية الهجوم المتواصل والذي وصل إلى المناداة بإسقاط النظم والتهديد المستمر بالحرب

ثلاثة محاور وثلاثة مشكلات

سياسة بوش السابقة وعوامل أخرى تعاني منها المنطقة كغياب الديمقراطية وسيطرة نظم سلطوية يسيطر عليها الرغبة في البقاء وإضعاف المعارضة والمجتمع المدني وغياب القوي العلمانية الليبرالية ذات النفوذ والتي ترغب واشنطن في التعاون معها ساهمت جميعا في دخول المنطقة في أوضاع مستشكلة وشرق أوسط جديد أكثر سوءا من القديم تسيطر عليه ثلاثة محاور من الصراع، وهي المحور الإيراني-العراقي، والمحور السوري-البناني، والمحور الفلسطيني-الإسرائيلي، بالإضافة إلى ثلاثة مشكلات وهي غياب الحريات وتراجع الديمقراطية، والطائفية، وأسلحة الدمار الشامل

ويرى التقرير أن المحور الإيراني العراقي هو الأكثر تهديدا للأمن الأميركي نظرا للتوغل الأميركي الراهن في العراق، ويشير مؤلفو التقرير إلى أن اتفاقية وقف الحرب العراقية-الإيرانية حرصت على ضمان توازن القوى بين الطرفين، كما أن أميركا تدخلت في الحرب وعبر التسعينات لكي تضمن أن توازن إيران العراق والعكس، ولكن هذا التوازن الهام انهار عندما غزت أميركا العراق مما أدي لانهيار التوازن الإقليمي في الخليج بشكل صارخ لصالح إيران والتي باتت تشكل تهديدا كبيرا لدول الخليج ولمصالح أميركا هناك

ويأسف التقرير من أن أميركا حولت العراق لدولة "فاشلة" يستعصى على أهلها إصلاحها على المدى المنظور، ويأسف أيضا من أن "العراقيين أنفسهم وأميركا لا يمتلكون في اللحظة الراهنة خطة لإعادة العراق من حالة الانهيار" التي يعيشها، كما يأسف لعدم الوضوح الرؤية الأميركية في التعامل مع الجماعات العراقية المتضاربة المصالح، ولأن السياسات الأميركية في العراق قصيرة النظر والمدى والمفعول

ويقول التقرير أن إيران تعاونت مع أميركا ضد القاعدة في أفغانستان وعرضت على أميركا التعاون بعد سقوط صدام حسين، ورد دونالد رامسفيلد وزير الدفاع الأميركي السابق متنبئا بأن سقوط نظام صدام حسين سوف يعجل بثورة الإيرانيين على الحكومة الإسلامية، وهو موقف يوضح جهل إدارة بوش بحقائق ما يجري بدول الشرق الأوسط، وميلها غير المبرر للصدام، وتفضيلها للأيدلوجية على البرجماتية في حين أن إيران بدت أحيانا قادرة على تغليب مصالحها على أيدلوجيتها

وعلى صعيد المحور اللبناني-السوري ينتقد التقرير القيادات السياسية اللبنانية بشكل عام مشيرا إلى أن غالبية القوى السياسية اللبنانية الموجودة حاليا غيرت مواقفها السياسية الحالية في السابق وتحالفت مع أعدائها الحاليين في الماضي مما يجعل الوضع في لبنان "أكثر تعقيدا" من الصورة التي تحاول إدارة بوش رسمها له

كما يشير التقرير إلى سوريا على أنها دولة تسعى إلى أن تضمن لنفسها لعب دور إقليمي ما في الشرق الأوسط، وأن نفوذها بلبنان جزء من هذا الدور، وهو نفوذ يصعب التخلص منه على المستوى القريب، ويقول التقرير أن سوريا عرضت التعاون على أميركا بعد غزو العراق وأن أميركا سبق لها واعتمدت على سوريا في الحفاظ على استقرار لبنان في التسعينات

أما بخصوص المحور الفلسطيني-الإسرائيلي، فيقول التقرير أن هناك شبه إجماع دولي اليوم على حل الدوليتين وعلى غالبية تفاصيل الحل المنتظر، ولكن الإدارة الأميركية وسياساتها الداعمة لإسرائيل ساهمت في "تدمير قابلية نجاح" حل الدولتين، ويقول التقرير أن بوش كان "جريئا" في أطروحاته الخاصة بإحلال السلام حيث تحدث بوضوح عن ضرورة قيام دولة فلسطينية، وتحدث عن ضرورة تناول قضايا الحل النهائي بعد مؤتمر أنابوليس، ولكن المشكلة هي أن رؤى بوش الجريئة لم تتبعها سياسة حقيقية لتحقيق السلام، وأن سياسة بوش تجاه السلام "لم تكن فقط متقطعة ولكنها كانت أيضا قصيرة النظر ومتضاربة أحيانا"، كما ظهر أحيانا في الصراع بين حمائم وصقور بوش بخصوص سبل إحلال السلام، وذلك لدرجة أن الإدارة كانت ترسل مبعوثيها الدبلوماسيين للشرق الأوسط حاملين أفكار مهادنة نسبيا وفور وصول هؤلاء للمنطقة ينصب عليهم غضب صقور الإدارة بواشنطن، ويقول التقرير أن بوش جعل مع القضية الفلسطينية الإسرائيلية مهمة "مستحيلة" لوارثيه خاصة بعض إصابة الدول العربية بالإحباط من مبادرات بوش

الديمقراطية: النفط في مواجهة إسرائيل

أما فيما يتعلق بأجندة نشر الديمقراطية فيشير التقرير بجراءة وواقعية لا تخلو من برجماتية إلى أن مصالح أميركا في الشرق الأوسط تتعارض مع القيم الأميركية على المستوى المنظور، وذلك لأن مصالح أميركا الأساسية في المنطقة متضاربة، ويحدد التقرير مصالح أميركا في المنطقة بأمرين أساسيين وهما الحفاظ على أمن إسرائيل والحفاظ على تدفق نفط الشرق الأوسط، ويقول أنهما هدفين "متعارضين" في معرض حديثه عن مساعي أميركا لنشر الديمقراطية في الشرق الأوسط

ويقول التقرير أن مصالح أميركا تدفعها للتعاون مع قوى الاستقرار في المنطقة وهي الدول الكبيرة الحليفة لأميركا وعلى رأسها مصر والسعودية، ويقول أن مساعي أميركا القوية لنشر الديمقراطية عبر العالم في أوائل التسعينات، وهي الفترة التالية لتفكك الإتحاد السوفيتي، مرت مر الكرام على الشرق الأوسط، كما يقول أن إدارة بوش وجدت نفسها مضطرة للتخلي عن أجندة نشر الديمقراطية بعد أخطائها في العراق والتي فرضت عليها طلب المساعدة من الدول العربية الكبرى والتي أذاقتها الإدارة انتقادات لاذعة وضغوط مختلفة بدعاوى الديمقراطية

كما يقول التقرير أن أميركا تريد التعاون مع أحزاب علمانية ليبرالية في الشرق الأوسط ولا تميل للتعامل مع الإسلاميين وهم القوى الرئيسية الموجودة بين الجماهير العربية، ويعني ذلك أن أميركا يجب أن تنظر إلى مشروعها لنشر الديمقراطية كمشروع يطبق على المدى البعيد

البحث عن توازن قوى إقليمي

التقرير المكون من حوالي أربعين صفحة يحتوى في ثلثه الأخير على عدد هام من التوصيات السياسية الجريئة لمستقبل السياسة الأميركية بالشرق الأوسط، ومن أهم تلك التوصيات دعوة الولايات المتحدة للتخلي عن سياسة اليد الثقيلة والطويلة في التعاون مع المنطقة بسبب رفض الشعوب العربية لتلك السياسة، والعمل علي بناء توازن قوى إقليمي يضمن مصالح أميركا ويعادل القوى الإقليمية المختلفة بالشرق الأوسط دون تدخل أميركي مباشر

كما يطالب التقرير أميركا بشكل عام بتغليب الدبلوماسية على المواجهة والمصالح عن الأيدلوجية والتخلي عن سياسة الصدامية التي تخصصت فيها إدارة بوش

وينصح التقرير العرب بأن يتحلوا بقدر من الواقعية في التعامل مع أميركا خاصة في ملف الديمقراطية وأن يدركوا أن القيم والمصالح الأميركية قد لا يتلاقيان أحيانا، ويطالب أميركا بالتخلي عن سياساتها الصاخبة والسعي لفهم حقيقة ما يجري بالدول العربية والعمل في صمت لنشر الديمقراطية على المدى البعيد

وينصح التقرير أميركا بإتباع منهجا يمزج الدبلوماسية والاحتواء في التعامل مع إيران والإعتماد على قوى إقليمية لمواجهتها، كما ينصح بالسماح لسوريا بلعب الدور الإقليمي المحدود الذي تنشده بالمنطقة والعمل معها لإيجاد حل للأزمة اللبنانية وتحقيق استقرار لبنان

كما يطالب التقرير أميركا بالعودة لحكومة الوحدة الوطنية في فلسطين، وأن أقصى ما يمكن الوصول إليه هو نوع من "السلام البارد" بين العرب وإسرائيل القائم على حل الدولتين وذلك على نظير السلام بين مصر وإسرائيل حاليا، كما يرى التقرير أن إحداث تقدم حقيقي في عجلة السلام قد يعطي العرب حافزا لإشراكهم في عملية السلام وفي احتواء حماس والضغط عليها للقبول بحل الدولتين كما حدث في أوائل التسعينات حين لم تتمكن حماس من الوقوف ضد الأحداث التي قادت لاتفاقيات أوسلو

Wednesday, March 12, 2008

قارة الرب: المسيحية والإسلام وأزمة أوربا الدينية
عرض بقلم: علاء بيومي

الناشر: الجزيرة نت، حقوق الطبع والنشر محفوظة للناشر


نص العرض

الكتاب الراهن من تأليف فيليب جينكينز أستاذ التاريخ والأديان بجامعة بنسلفانيا الأميركية وهو أكاديمي متخصص في دراسة تطور الديانة المسيحية في ظل التغيرات الاجتماعية والسياسية الدولية التي تواجهها خاصة في القارة الأوربية

ويبدو جينكينز عبر الكتاب مهموما بمستقبل المسيحية ومصالحها في القارة الأوربية مع التركيز على علاقتها بالإسلام والأقليات المسلمة بأوربا والتي يقدر جينكينز عددها بحوالي 15 مليون نسمة، فالكتاب مكتوب من وجهة نظر مسيحية مخلصة تحاول الدفاع عن مصالح المسيحية دون الوقوع في فخ التشدد مثل الكتاب اليمينيين المتشددين والذي يصورون الإسلام والمسلمين على أنهم خطر قائم ودائم، أو في فخ التفريط والذي يتعاطف مع الإسلام وينسى المسيحية ويدافع عن مسلمي أوربا ويهاجم المسيحيين المتدينين ويتغاضى عن مشاعر الجماهير الأوربية والتي كانت ومازالت تشعر بهويتها المسيحية كما يرى الكاتب

ويبدو المؤلف بجانب اهتمامه بمستقبل المسيحية معنيا بشرح أفكاره للقارئ الأميركي على وجه الخصوص فالكتاب معني بالعلاقة بين أوربا وأميركا ودور الإسلام في تلك العلاقة، كما يوجه المؤلف حديثه بشكل متكرر لوسائل الإعلام الغربية والتي يرى أنها تجهل حقيقة العلاقة السابقة

أوربا مسلمة في مواجهة أميركا مساندة لإسرائيل

ويبدأ فيليب جينكينز الكتاب بالحديث عن أسوأ المخاوف أو السيناريوهات التي يرددها الكتاب الغربيون المتشددون في يمينيتهم أو المتشددون في الدفاع عن إسرائيل، إذ يدق هؤلاء أجراس الخطر من الوجود الإسلامي في أوربا، محذرين من أن زيادة أعداد المسلمين في أوربا هي بمثابة إعادة احتلال لأوربا المسيحية من قبل المسلمين مثلما احتل المسلمون الشرق الأوسط بعد ظهور الإسلام وطردوا المسيحية من مهدها ببلاد الشرق الأوسط، فلجأت المسيحية لأوربا، واليوم يأتي المسلمون لينتقموا من ضياع الأندلس من خلال أسلمة أوربا عن طريق المهاجرين المسلمين القادمين من شمال إفريقيا وتركيا وشبه القارة الهندية والذي لا يملون الهجرة ولا الإنجاب ولا التشدد الديني والأصولية واستغلال تسامح أوربا العلمانية معهم - أوربا التي نست هويتها المسيحية فنست نفسها، وبذلك سوف يصبح المهاجرون المسلمون عن قريب متحكمين في المجتمعات الأوربية التي تعيشون فيها، وربما يفرضون على الأوربيين البيض المسيحيين دفع الجزية لهم

ومع تدين أميركا أو بقائها متدينة تدافع عن التراث المسيحي-اليهودي المشترك يرى أصحاب الرأي المتشدد السابق أن أوربا المسلمة المستعربة أو "أوريبيا" أو "أوربا-العربية" كما يسمونها ستصطدم بأمريكا المسيحية المساندة لإسرائيل خاصة فيما يتعلق بسياسة أميركا تجاه إسرائيل، وذلك لأن "أوريبيا" بدأت بالفعل تتعاطف مع العرب ضد إسرائيل

وبهذا يؤكد جينكينز على اختلاط الديني بالسياسي بالدولي في العلاقة بين الإسلام والمسيحية في الفترة الحالية، حيث تسعى بعض الأقليات المتطرفة في عصر "الحرب على الإرهاب" في تعبئة مخاوف المجتمعات الغربية من الإسلام والمسلمين مستخدمة أرخص الأكاذيب

أزمة المسيحية الأوربية

في الفصل الثاني من الكتاب يتناول جينكينز أوضاع المسيحية الأوربية ليوضح المخاطر التي تتعرض لها وكيف أن تلك المخاطر تعمق مشاعر الخوف السابقة وإن كانت لا تبررها

وهنا يستشهد جينكينز بعدد كبير من الإحصاءات التي توضح التهديدات الموجهة للمسيحية كديانة بأوربا، وهي إحصاءات توضح أن مستوى التدين المسيحي بأوربا عند أدنى مستوياته، وأن الكنائس باتت خاوية، ولا يعمل بها سوى قساوسة عجائز بعد أن عزف شباب أوربا عن الالتحاق بالمعاهد الدينية، هذا إضافة إلى سوء سمعة الكنيسة والقساوسة بعض الفضائح الكبرى العديدة التي لحقت ببعض منهم

كما تشير إحصاءات المؤلف إلى أن الأوربيين المسيحيين يرفضون الإنجاب لأسباب كثيرة تتعلق بعمل المرأة وتطور المجتمعات الأوربية الصناعي والحداثي وانتشار الفلسفات العلمانية الفردية مما يعني هرم الأوربيين المسيحيين البيض وقلة الشباب والأطفال بينهم، وتحول المهاجرون المسلمون إلى مصدر هام لتجدد المجتمعات الأوربية، كما أن غياب الأطفال في الأسر المسيحية يقلل من تدينها لأن الأطفال هم جزء أساسي من حركة التدين بالمجتمعات كما يرى جينكينز، فالأسرة التي لديها أطفال قد لا تكون متدينة ولكنها قد تحرص على الذهاب بأطفالها للكنيسة لضمان تزويدهم بالحد الأدنى من المعرفة والهوية الدينية، ولكن في ظل غياب الأطفال يصعب الوصول إلى الحد الأدنى السابق

أما الحياة العامة والسياسية بأوربا فهي تمثل مشكلة أكبر لأن السياسيين والإعلاميين الأوربيين طلقوا الدين، وباتوا ينظرون إليه نظرة رجعية ترفض حتى الإشارة إلى الدين أو إلى الله في الخطب الدينية كما يفعل السياسيون الأميركيون بشكل متكرر

ويشير جينكينز إشارة عابرة إلى اليهودية بأوربا وكيف أصابها ما أصاب المسيحية من تراجع في التدين بسبب قوى العلمانية والزواج المختلط، كما أن أعداد يهود أوربا لا تتعدى 1.5 نسمة مقارنة بخمسة عشر مليون مهاجر مسلم بأوربا

الإسلام كمحفز لعودة المسيحية

العوامل السلبية السابقة لم تعن بالنسبة لجينكينز نهاية المسيحية، إذ يتحدث في الفصلين الثالث والرابع والفصلين الأخيرين من الكتاب عن صورة مختلفة للمسيحية تبشر بعودة المسيحية الأوربية في ثوب جديد، فهو يرى أن التشاؤم بخصوص مستقبل المسيحية يرتبط إلى حد ما بموقف الإعلام والساسة الأوربيين منها، فوسائل الإعلام لا تغطي أخبار المسيحية الأوربية الإيجابية، كما أن الساسة يعانون من التطرف في علمانيتهم ومن انعزالهم عن الجماهير

حيث يرى جينكينز أن المسيحي الأوربي مازال يشعر بقدر من الانتماء للمسيحية الأوربية، مشيرا على سبيل المثال لرفض الأوربيين لانضمام تركيا للإتحاد الأوربي خوفا من أن تتحول تركيا المسلمة لأكبر دولة أوربية (من حيث عدد السكان)، وأن يتحول المسلمون إلى أقلية كبيرة نسبيا (16%) من الأوربيين في حال انضمام تركيا للإتحاد الأوربي فحين أن نسبة المسلمين بالقارة الأوربية حاليا هي 4.6% فقط، فانضمام تركيا للإتحاد الأوربي سوف يؤثر بلا شك على هوية أوربا الدينية وهو أمر يخشاه الأوربي العادي كما يرصده المؤلف ولا ينكره

بل أن جينكينز ينكر على الساسة الأوربيين موقفهم الرافض للاعتراف بدور المسيحية في الحياة العامة الأوربية، في الوقت الذي يدافع فيه هؤلاء الساسة عن الإسلام والمهاجرين والأقليات تحت شعار التعددية، وينسى هؤلاء الساسة الجذور المسيحية للأيدلوجيات والأفكار الأوربية بما في ذلك فكرة التعددية ذاتها، وأن وجود المسيحية والهوية المسيحية ضمانة لتلك الأفكار، فأمة بلا هوية تعني النسبية المطلقة وإمكانية الاعتراف بأية أفكار هدامة، فلابد لأوربا لمرجعية دينية

ويقول جينكينز أن مشكلة المسيحية في أوربا ليس ضعفها بقدر ترهلها، فالمسيحية في أوربا ينظر إليها على أنها الديانة الأم والتي ينتمي إليها أغلب الشعب خاصة وأن الدول الأوربية أكثر تجانسا دينيا على المستوى الفردي مقارنة بأميركا، كما أن الكنائس الوطنية لعبت دورا هاما في تاريخ ونشأة وتطور الدول الأوربية، لذا لا تجدد بعض الدول الأوربية غضاضة في تمويل الكنيسة والمدارس الدينية، ولكنها في نفس الوقت ترفض الحديث عن الدين في الحياة العامة والسياسية، مما يجعل النموذج الأوربي على نقيض نظيره الأميركي في هذا الجانب بوضوح

ويرى المؤلف أن المسيحية الأوربية بدورها ومكانتها السابقتين ترهلت وباتت ينظر إليها على أنها دين الأغلبية، لذا يرى أن التحديات الراهنة التي تتعرض لها المسيحية ومن بينها انتشار الإسلام والمسلمين بأوربا وتدين المهاجرين المسلمين من شأنه أن يشعر المسيحيين الأوربيين بالخطر المحدق بهم وبأنهم باتوا أقلية في مجتمعاتهم

ويرى جينكينز أن الشعور بمشاعر الأقلية والخطر والتراجع أفضل للمسيحية الأوربية من الشعور بمشاعر الأغلبية المترهلة، فشعور الأوربيين بأن المسيحية باتت ديانة الأقلية سوف يشجعهم للانضمام إليها والتكاتف حولها، وهو أمر بدأ في الحدوث بالفعل، حيث يرى جينكينز أن السنوات الأخيرة بدأت تشهد حركات إحيائية أوربية عديدة تبدأ في العادة في جماعات مسيحية أصولية صغيرة جدا، ثم تتطور وتترابط

أضف إلى ذلك دور المهاجرين المسيحيين الأسيويين واللاتينيين والأفارقة الوافدين إلى أوربا، وهم مهاجرون أكثر تدينا وأكثر حماسة للدفاع عن المسيحية ونشرها، كما يشير جينكينز إلى انتشار المسيحية في دول أوربا الشرقية، وهي دول تتجاهلها وسائل الإعلام الغربية عند حديثها عن تراجع المسيحية في أوربا، وينسى هؤلاء أن دول أوربا الشرقية مسيحية يندر وجود المهاجرين والأقليات المسلمة فيها فيما عدا بلدان وأقاليم صغيرة كالبوسنة وجد في الإسلام لأسباب تاريخية، وأن إضافة مسيحي أوربا الشرقية إلى مسيحي أوربا الغربية يعني أن المسيحية في أوربا ليست ضعيفة كما يصورها البعض

مصير المسلمين في أوربا!؟

كما يحذر جينكينز من أن الحديث عن انتشار الإسلام في أوربا هو أمر مبالغ فيه، فوسائل الإعلام تشير إلى وجود 15 مليون مسلم في أوربا، وكأن كل هؤلاء المهاجرين متدينون أو ملتزمون بالمبادئ الإسلامية، في الوقت نفسه تستخدم وسائل الإعلام الأوربية والغربية مصطلح "المسيحية" للإشارة إلى المسيحيين المتدينين فقط، وهذا يعني أن المقارنة غير عادلة

حيث يرفض جينكينز النظر إلى مسلمي أوربا على أنهم كيان واحد متدين متحد، في المقابل يشير إلى العديد من المشاكل التي يواجهها المهاجرون المسلمون في أوربا وعلى رأسها البطالة والفقر والتشدد الديني وإمكانية وقوع أحدث إرهابية يقوم بها مسلمون متشددون

حيث يفرد جينكينز نصف كتابه تقريبا للحديث عن أوضاع المسلمين في أوربا والمشاكل العديدة التي يعانون منها، وكيف تحولوا في بعض الدول إلى "جيتو" معزول يعاني من الفقر والبطالة والجرائم والتمييز، مما جعلهم طبقة اقتصادية وإثنية معزولة وملئ بهم سجون بعض الدول الأوربية

وهنا يؤكد جينكينز أنه يرفض التمييز الذي يتعرض له المسلمون في أوربا أو اتهام الإسلام بالمسئولية عن مشاكلهم، فهو يرى أن المشاكل السابقة اقتصادية وسياسية بالأساس ويطالب وسائل الإعلام الغربية بعدم الزج بالإسلام عند تغطية مشاكل الأقليات المسلمة بأوربا

ولكن جينكينز يعود ويحذر من خطر مشاركة مسلمين في أنشطة إرهابية، ويقول أن من يقومون بتلك الأعمال هم قلة محدودة جدا وسط مسلمي أوربا، ولكنهم يعبرون عن وجود مشكلة في أوساط المسلمين الأوربيين، مشكلة تعود لوجود أفكار وجماعات أصولية متشددة، وإلى صعوبة التعاون المشترك بين المجتمعات الأوربية والمنظمات المسلمة الأوربية المعتدلة، حيث يشير إلى أن البحث في تاريخ بعض أشهر القيادات المسلمة الأوربية التي توصف بالمعتدلة يكشف عن دعم تلك القيادات في وقت أو أخر لأفكار أو جماعات تصنف اليوم بأنها إرهابية

كما يرى جينكينز أن الإسلام الأوربي لم يواجه بعد قوى التغيرات والأيدلوجيات المجتمعية الأوربية الرهيبة كالعلمانية والتحديث وعمل المرأة والأفكار الخاصة بالجنس والأسرة على وجه الخصوص، فبعض المهاجرين المسلمين بأوربا اليوم هم أشبه بمجموعة بشرية أوربية توقف بها الزمن منذ جيل أو جيلين ثم عادوا إلى الحياة مرة أخرى ليجدوا الدنيا قد تغيرت بشكل كبير، وما علينا سوى أن ننتظر لجيل أو جيلين أضافيين حتى يلحق مسلمو أوربا بالركب ويواجهوا التحديات التي تواجهها المسيحية الأوربية اليوم

God's Continent: Christianity, Islam, and Europe's Religious Crisis, by
Philip Jenkins, Oxford University Press, USA, 2007.

Tuesday, March 04, 2008

أنصار لإسرائيل يحثون بوش على التخلي عن أمال السلام
بقلم: علاء بيومي

الناشر:
الجزيرة نت، حقوق الطبع والنشر محفوظة للناشر

نص العرض

منذ انعقاد مؤتمر أنابوليس في نوفمبر الماضي وزيارة الرئيس الأميركي جورج دبليو بوش للمنطقة في منتصف شهر يناير المنصرم كتب معلقون وقادة سياسيون أميركيون معرفون بمساندتهم القوية لبوش ولإسرائيل يحثونه على التخلي عن أحلام إحلال السلام بالشرق الأوسط في العام الأخير من رئاسته

وينتمي هؤلاء القادة لجماعات رئيسية في التحالف المساند لبوش ولإسرائيل، ويأتي على رأسهم المحافظون الجدد والبروتسنانت التبشيريين (المسيحيون الصهاينة) ولوبي إسرائيل

المحافظون الجدد

حيث كتب جون بولتون – أحد أهم قادة المحافظين الجدد وسفير أميركا السابق لدى الأمم المتحدة – مقالا بعنوان "اترك دفعة سلام الشرق الأوسط" يحذر فيه بوش من أن سعيه لحل الصراع العربي-الإسرائيلي سوف "يعيق" جهوده لمواجهة إيران، وذلك لغياب القيادات الإسرائيلية والفلسطينية القادرة على إدراك السلام - كما يرى بولتون - مما يعرض جهود بوش لفشل كبير يضعف من قدرة الرئيس على تحقيق أهداف سياسية هامة نحو العراق وإيران وسوريا، وهي قضايا من الأفضل التركيز عليها كما يرى بولتون

ويتفق دايفيد فروم – كاتب خطابات بوش سابقا – مع بولتون في صعوبة تحقيق السلام حيث يصف مهمة بوش "بالمستحيلة"، ويقول أن بوش يحرص دائما في خطاباته على أن يعطي نفسه مساحة من "حرية الحركة" باستخدام عبارات مشروطة تؤكد "إمكانية" تحقيق السلام إذا ما التزم الفلسطينيون برؤيته

ولكن فروم يقول أن حرية حركة بوش فيما يتعلق بسياسته نحو عملية السلام بدأت تضيق في الظروف الحالية بسبب الزخم الإعلامي والسياسي الكبير المصاحب لأنابوليس وزيارة بوش الأخيرة للشرق الأوسط

ويحذر فروم من أن بوش سوف يدرك أن الفلسطينيين غير راغبين في السلام "الكامل والحقيقي" الذي تريده إسرائيل لأن الفلسطينيين يرفضون "يهودية" دولة إسرائيل، كما سيدرك أن أن العرب يربطون مساندتهم للتحرك ضد إيران بخطة تحقيق السلام بالشرق الأوسط وليس العكس كما يأمل بوش

أما الكاتب المتطرف دانيال بايبس فيذكر بوش بأنه أحد مسانديه ولكنه للأسف يعارض "أماله" الخاصة بسلام الشرق الأوسط، ويقول بايبس أنه ساند رؤية بوش الخاصة بالصراع العربي-الإسرائيلي القائمة على رفض بوش "دبلوماسية عملية السلام" واستبدلها برؤية جديدة تتضمن اتفاقية الطريق وعزل الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات

ولكن بايبس يعود ويقول أنه يؤيد رؤية بوش ولكن يعارض أسلوب تطبيقها، وذلك لأن إقامة دولة فلسطينية لن يقلل "كراهية الصهيونية" لدى الفلسطينيين والعرب، بل أن قيام تلك الدولة سوف يزيد من الرغبة المحمومة في "إزالة الدولة اليهودية"

لوبي إسرائيل والبروتستانت التبشيريين

المحافظون الجدد ليسوا منفردين في موقفهم السابق إذا كتب بعض أهم قادة لوبي إسرائيل يحثون بوش على التخلي عن عملية السلام الراهنة والتي وصفها موتيمر زكرمان – محرر مجلة يو إس نيوز آند ورلد ريبورت – بأنها "بعيدة المنال"، مؤكدا على أن مبدأ الأرض مقابل السلام "ليس كافيا في حد ذاته"، وعلى أن السلام يبدو حاليا أكثر بعدا مقارنة بأيام بيل كلينتون، وعلى وجود "خلاف أصولي حول فرضيات قيام دولتين" بسبب الخلاف حول القدس ويهودية دولة إسرائيل والتي تعني رفض حق العودة

لذا يطالب زكرمان بخفض التوقعات وبأن تتم المفاوضات بعيدا عن الأضواء السياسية والإعلامية، وأن تركز المفاوضات على قضايا إجرائية يمكن للجانبين تنفيذها

والمعروف أن زكرمان رئيس سابق لمؤتمر رؤساء المنظمات اليهودية الأميركية الكبرى وهو تجمع تنسيقي يضم في عضويته 50 أكبر منظمة يهودية في الولايات المتحدة بما في ذلك لجنة الشؤون العامة اليهودية الأميركية (الإيباك) وهي أهم منظمات لوبي إسرائيل

أما فيما يتعلق البروتستانت التبشيريين المعروفين باسم "المسيحيين الصهاينة" وبمساندتهم القوية لبوش ولإسرائيل فقد كتب بعضهم يصف جهود بوش الأخيرة بأنها "خيانة" و"مؤامرة لتقسيم القدس" وهو أمر يرفضه المسيحيين الصهاينة بشكل مطلق والذين يؤمنون بأن الصراع بين العرب وإسرائيل ضرورة لتحقيق تنبؤاتهم الدينية الخاصة فيما يتعلق بتصورهم لظروف نهاية الزمان وعودة المسيح (عليه السلام) الثانية، ولكن بعضهم يقول أن الوصول لاتفاقية سلام - تبدو مؤقتة في نظرهم - لا يعارض رؤاهم السابقة والتي تربط بين عودة المسيح ومرور الشرق الأوسط بمرحلة حروب طاحنة بين إسرائيل وأعدائها، وذلك وفقا لمقال تحليلي نشرته وكالة إنتر برس سيرفيس عن الموضوع