Saturday, May 22, 2010


في نقد الخطاب العربي الراهن

عرض بقلم: علاء بيومي

يمكن نشر المقال مع الإشارة إلى مصدره

www.alaabayoumi.com

نص المقال

كتاب يستحق القراءة والنقاش لدفاعه بقوة عن فكر بات أقلية في عالمنا العربي وهو الفكر الماركسي، وكذلك لمهاجمته بشراسة وذكاء إيديولوجيات كبرى مهيمنة سياسيا وجماهيريا، وهي الإسلام السياسي والقومية العربية والرأسمالية الغربية

الكتاب يقول أن الرأسمالية تتطور وتتلون باستمرار لكي تحقق هدفها وهو استغلال الشعوب والطبقات الفقيرة وامتصاص ثرواتهم وكنزها في جيوب أثرياء الدول الرأسمالية وجيوب أتباعهم بالدول الفقيرة، وللأسف يقف الإسلاميون والقوميون والرأسماليون واليساريون العرب موقفا سلبيا عاجزا عن مقاومة استغلال الرأسمالية الغربية التي تتكيف باستمرار بما يضمن لها كنز مزيد من الثروات

أخطاء المفكرين العرب

اليساريون العرب فقدوا ثقتهم في أنفسهم وبعضهم لا يفهم الماركسية وأفكار الماركسيين الكبار أنفسهم، ولا يفهمون حاجة الماركسية للتطور بما يستجيب لتطورات العصر ويتمكن من مواجهة صور الرأسمالية المتجددة

أما الرأسماليون العرب فهم أتباع الرأسمالية الغربية يعتقد بعضهم أنهم باتوا رأسماليين مؤمنين حقا بالرأسمالية الغربية وما ترفعه من شعارات كالليبرالية والديمقراطية والمجتمع المدني وهي مفاهيم تطورت في الغرب وفقا لظروف الغرب ذاته، ولها عيوب كثيرة لا تحمي فقراء الغرب أنفسهم

الرأسماليون العرب – كما يراهم سمير أمين مؤلف الكتاب - هم "رأسماليون صغار" يتوهمون الشراكة مع الرأسمالية الغربية في الوقت الذي يستغلون فيه من قبل رأسمالية الغرب كغيرهم من أبناء مجتمعاتهم الفقيرة، وهم يحسبون أنهم شركاء للرأسماليين الكبار متساويين معهم

أما الإسلاميون والقوميون العرب فلهم النصيب الأكبر من نقد الكتاب، فهم مسيطرون حاليا – على المستوى الخطابي والشعبي على الأقل - ولكنهم لا يسيطرون بوعي، بل أنهم غافلون في معظم الأحيان عن حقيقة الصراع، فهم مشغولون بالثقافة والخصوصية والأفكار المثالية والشعارات الأيديولوجية التي ليس لها انعكاس قوي على أرض الواقع، فهي أفكار تشغلهم عن الصراع الأساسي مع الرأسمالية الغربية وهو صراع على الاقتصاد وعلى لقمة العيش وعلى التكنولوجيا والمعرفة بالأساس

فالإسلاميون والقوميون العرب مشغولون بماض لم يدرسوه دراسة عميقة، وأبرز دليل على ذلك هو أن إنتاجهم الثقافي أو الفكري عن الإسلام أو عن التاريخ أو الأدب أضعف بكثير من إنتاج أجدادهم، فكتاباتهم الحالية ما هو إلا محاولات لفهم أو إعادة صياغة وتلخيص بعض الكتابات القديمة

وهدفهم الأساسي هو أثبات أن لهم خصوصية ثقافية ودينية يجب احترامها من قبل الغرب، وذلك مع أن المعركة الأساسية مع الغرب الرأسمالي ليست معركة ثقافية أو فكرية أو حضارية بالأساس، بل أن أميركا والغرب يرحبان كثيرا بالتركيز على البعد الثقافي والديني دون سواهما، لأن في ذلك إشغال للعرب وللمسلمين عن حقيقة الصراع مع الرأسمالية الغربية

لذا يرى مؤلف الكتاب أن الإسلاميين العرب بالأساس يحققون أهداف أميركا بشكل أو بأخر، بعلم أو بدون علم، فهو أداة في أيادي أميركا لشغل الشعوب عن المعركة الحقيقية

المعركة الحقيقية مع الرأسمالية

المعركة الكبرى هي إذن معركة داخلية ضد الطبقات المسيطرة على الثروة في البلدان الفقيرة، وضد حلفائهم الكبار في الخارج، فالهدف هو بناء مجتمع ديمقراطي يراعي مصالح الطبقات الشعبية الفقيرة من عمال وفلاحين وموظفين وبرجوازية صغيرة وكل من يبيعون جهدهم كل يوم نظير أجر يتقاضونهم ولا يمكنهم من تحقيق الاستقلال عن رأس المال المسيطر، والذي يزداد هيمنة وتركيزا يوما بعد يوم على الرغم من دعاوي العولمة

فلو حكمت الطبقات الشعبية بالديمقراطية وبشكل تدريجي لتمكنت من تحقيق الاستقلال الوطني ولتمكنت بالتدريج من مواجهة الرأسمالية الغربية وفك الارتباط معها، كما يرى سمير أمين

الأهداف السابقة – كما يراها المؤلف – صعبة بعيدة المنال، ولا تتحقق إلا بالتدريج وعلى مدى زمني طويل، فهي تحتاج إلى الوعي أولا

تحتاج الوعي بحقيقة الرأسمالية الغربية وبأنها أداة تدمير لا هدم، وبأن كنز الثروات يتناقض مع إطلاق الإبداع والطاقات، وبأن الكثيرين منا مستغلون من قبل الرأسمالية حتى ولو كانوا لا يدركون ذلك

كما تحتاج الوعي بخطاب الرأسمالية الغربية وأكاذيبه، فالديمقراطية والمجتمع المدني والحريات الأميركية تدور جميعها في فلك الرأسمالية المسيطرة وتتعامل معها وكأنها شيء عادي وربما أمر إيجابي يستحق الدعم والنشر عبر العالم على الرغم من استغلالها المستمر لشعوب العالم الفقيرة، حتى بات فقراء أميركا شركاء لأثريائها في استغلال الشعوب الفقيرة

فمن يتحدثون عن المجتمع المدني والديمقراطية والحرية في أميركا على سبيل المثال يقبلون الرأسمالية كأمر واقع ولا يعارضونها بل يشجعونها في كثير من الأحيان ويعتبرونها شيئا إيجابيا يجب نشره، وذلك على الرغم من تبعات الرأسمالية السلبية على المجتمع والسياسة في أميركا وحول العالم

هناك أيضا حاجة إلى فهم الذات ونقدها وفهم معني الاشتراكية والماركسية وتطويرهما، فهما ليسا قوالب صماء، بل هم أفكار تحتاج لتطوير مستمر، فالرأسمالية ذاتها تتطور وتتغير باستمرار ولا يمكن مقاومتها إلا من خلال فكر يتطور وفقا لدواعي الزمان والمكان

كما يحتاج العرب لفكر واعي يسعون من خلال إلى تطبيق الديمقراطية والاستقلال والاشتراكية والوحدة العربية - التي لا يعارضها المؤلف - بل ويرحب بها - كخطوة ضرورية على سبيل فك الارتباط مع الغرب

فالمؤلف يأمل ألا تكرر أخطاء الناصرية والستينيات، حيث أعتقد ناصر والقوميون العرب أن الحديث الاحتفالي عن الوحدة والاشتراكية والعدالة الاجتماعية هو إنجاز في حد ذاته، وبدل من نقد الذات سعيا لتنقيتها من العيوب ودفعها إلى التقدم، احتفل ناصر والقوميون العرب كثيرا بالماضي وبالشعارات وبإنجازاتهم الهامة - والتي لا ينكرها المؤلف وإن كان يؤكد على محدوديتها وفشلها في مواجهة الرأسمالية

فللأسف عجز ناصر عن مواجهة جذور الرأسمالية وعجز عن نشر الوعي وعن نقد الذات وعن تحقيق الديمقراطية، بل عزل الشعب وعزل الرأسمالية لفترة، لذا ظل الشعب صامتا وظل الرأسماليون صامتون خلال عهده، وبعد وفاة ناصر عاد الرأسماليون إلى مواقعهم في القيادة والسيطرة والتحكم مجددا، وبقى الشعب صامتا

أزمة الإسلام السياسي

أكثر من ذلك ارتدت فئات كبيرة من الشعب إلى الأصولية، ووجد ضالته في الإسلام السياسي والذي لا يختلف كثيرا عن أفكار أصولية وجدت لدى شعوب أخرى حول العالم – كما يرى المؤلف

كما أن الإسلام السياسي لا يختلف كثيرا عن الفكر القومي ذاته في أصوليته، فقد مال القوميون العرب – خلال فترة صعودهم في الستينيات - إلى الأصولية في أفكارهم وفي تمجيدهم للذات القومية وفي رفضهم للقراءة التاريخية ورفضهم لنقد الذات

لذا سيطر الإسلام السياسي بدعم من الغرب في بعض الأحيان، فالغرب أراد مواجهة الماركسية والاشتراكية التي فشل الاتحاد السوفيتي في تطبيقها بسبب بعده عن الديمقراطية، لذا دعم الغرب الإسلام السياسي كما يرى المؤلف

وهنا يوضح سمير أمين أنه لا يعارض الدين في حد ذاته، لأن من حق الشعوب الإيمان والتدين، كما أن ماركس – كما يعتقد أمين - لم يعارض الدين بل أكد على أهميته وتأثيره على الناس وخطورته إذا أسيئ استخدامه

أما مشكلة سمير أمين الرئيسية فهي مع الإسلام السياسي في صورته الراهنة، حيث يرى أن الإسلام السياسي هو ظاهرة سياسية بالأساس، فهو ليس ظاهرة دينية تتعلق بالعبادة أو بالعلاقة مع الخالق، بل هو ظاهرة تتعلق بمحاولة بعض الجماعات استخدام الدين كوسيلة سياسية، لذا يرى المؤلف أنه يجب محاربتهم على مستوى الفكر السياسي ذاته من خلال كشف أفكارهم وحلولهم الضعيفة – كما يرى أمين – لمشاكل المجتمع

فالإسلاميون والقوميون العرب الراهنون يدورون في فلك الرأسمالية بل أنهم رأسماليون "صغار" بعلم أو بدون علم، فخطابهم السياسي الرئيس لا يتعارض مع الرأسمالية بل يرحب بها

خطاب الإسلام السياسي يركز على مفاهيم كالفقر والإحسان والعدالة الاجتماعية، بمعنى أخر يطالب الرأسمالية بالعطف على الفقراء والإحسان عليهم ومعاملتهم بعدالة، وهي أفكار يصعب تحويلها إلى أرقام وسياسات، كما أنها تتعامل مع تبعات الفقر لا أسبابه

فأسباب الفقر هي المشكلة، والرأسمالية وقيمها وطبيعتها وأفكارها هي سبب الفقر، وبدل من مواجهة الرأسمالية يدور الإسلاميون في فلكها ويبررونها بخطاب لا يفهمها ولا يحاربها

لذا يرى المؤلف أن التحدي الرئيسي أمام الإسلاميين هو القدرة على فك الارتباط مع الرأسمالية العالمية المسيطرة؟ فالعالم يتطور وأدوات الإنتاج تتغير، وتقدم وسائل الاتصال سمح بانتشار غير مسبوق للمعرفة والتكنولوجيا بما سمح لبعض الدول لمقاومة الرأسمالية - إلى حد ما - دون أن تفلح في فك الارتباط معها كليا

وهذا يعني أن هناك فرصة، وأن طريق مقاومة الرأسمالية يمكن بدايته، ولكن هل أعد الإسلاميون أنفسهم لذلك، أم أنهم مشغولون بالثقافة والخصوصية الثقافية

وللأسف – يرى أمين – أن الإسلاميين والقوميين العرب لا يفهمون الواقع ولا يتعاملون معه ولا يقدمون حلولا لمواجهة مشكلاته، فشغلهم الشاغل هو العودة إلى الماضي وإثبات خصوصيتهم مع أن التاريخ نفسه يثبت أن الثقافة العربية والإسلامية تطورت عبر التاريخ وأن أمم أخرى كثيرة نعرفها أو لا نعرفها أسهمت في حضارتنا وثقافتنا وتشاركنا كثيرا من القيم حاليا، وهذا يعني أن الاهتمام المبالغ فيه بالخصوصية والثقافة غير مبرر، فلا نحن أنقياء ثقافيا - كما يحلو للبعض التخيل – ولا الخصوصية قادرة على فك الارتباط مع الرأسمالية الغربية ومن ثم حماية ثقافتنا

لذا يرى أن التركيز المبالغ فيه على الثقافة هو نوع من العنصرية الغربية المعكوسة، فالنقاء الثقافي غير وارد، والعرب والمسلمون الذين يتصورون أن ثقافتهم نقية بشكل كامل هم ضحايا للعنصرية الغربية يحاولون محاربتها بمرض أخطر وهو العنصرية العربية

لذا يرى سمير أمين أن بعض الإسلاميين والقوميين العرب يعانون من "الثقافاوية" وهو مرض نخبوي يصيب النخب الثقافية فيجعلها تعتقد أن الشعوب تؤمن بأفكارها، ويجعلهم يركزون بشكل مبالغ فيه على الثقافة، ويجعلهم غير قادرين على قراءة الواقع، فهم يحلقون في أفكار مثالية غير حقيقية، بمعنى أخر نخب تؤمن بأيدلوجية بالمعني السلبي للكلمة: أيدلوجية قائمة على أفكار غير حقيقية تخدع وتضلل أكثر ما تخدم وتفيد

تطور الرأسمالية

كتاب "في نقد الخطاب العربي الراهن" لسمير أمين صغير الحجم (142 صفحة من القطع الصغير) ولكنه فكري من الطراز الأول، يتعرض بالنقد والتحليل للخطاب العربي الراهن بعشرات الحجج المركبة التي لا تخلو منها صفحة من صفحات الكتاب

الكتاب يتكون من أربعة فصول يتناول أولها الرأسمالية وتطورها، ويقول أن الخطاب الذي يقول أن الرأسمالية هي أفضل أسلوب لإدارة المجتمع لأنها تحقق التقدم وتدعم الديمقراطية من فتح الأسواق هو خطاب خيالي واهم لأن الرأسمالية قائمة على التراكم وعلى مزيد من التراكم وهو فكر أثبت التاريخ قوته المدمرة وكيف خنق الإبداع لدى شعوب عديدة وحولها إلى شعوب تابعة لا أكثر

كما أن الرأسمالية الغربية تزاوجت منذ فترة مع القوميات الغربية، وباتت الدول الغربية تابعة للرأسمالية وخادمة لها، كما فشلت الصيغ المختلفة من الرأسمالية في الحد من خطرها ونموها المستمر، فحتى العولمة لم تؤدي إلى التقليل من تركيز الثروات

كما أن الرأسمالية تعيش حاليا بعض أكثر فتراتها هيمنة خاصة بعد سقوط الإتحاد السوفيتي الذي فشل في تطبيق الديمقراطية، وبعد سقوط نظم الاستقلال الوطني التي فشلت في نقد الذات وتطويرها

لذا لا يتوقع سمير أمين أن تتمكن الرأسمالية من إصلاح نفسها، فالحل هو بديل خارجي، فمسار الرأسمالية يسير دوما نحو السيطرة التي تدفع البشر أحيانا إلى الثورة والبحث عن بديل أخر

وليس أدل على فشل الرأسمالية حضاريا من إنتاجها للسلاح النووي وتراكمها له ومن استغلالها للبيئة أسوأ استغلال

أخطاء الفكر القومي

الفصل الثاني يتناول الفكر القومي ويتهمه بالأصولية والمثالية الفارغة في كثير من الأحيان، فالقوميون يبالغون في الحديث عن الروابط التاريخية واللغوية المشتركة بين العرب، وكأن هذه الروابط - والتي يشك سمير أمين في حقيقتها - كافية لتحقيق الوحدة العربية إن وجدت

وهنا يرى أمين أن على القوميين العرب العودة إلى التاريخ ليروا أن شعوب أخرى أسهمت في ثقافتهم وأن الثقافة وحدها لا تكفي للوحدة، ويطالبهم أيضا بالنظر إلى الواقع العربي المعاصر، فالعرب مقسمون بين "أنماط إنتاج" عديدة ومختلفة، فكيف يمكن أن تطالبهم بالوحدة والاقتصاد يقسمهم، هذا إضافة إلى سيطرة الرأسمالية على قطاعات واسعة من مجتمعاتهم، ومن شأن الرأسمالية ربط العرب بالغرب مقسمين أكثر من توحيدهم في مواجهتها

لذا يأمل أمين من القوميين العرب أن يتخلوا عن خطابهم الثقافي المثالي النخبوي الذي يبالغ في تمجيد العرب إلى درجات عنصرية في بعض الأحيان

كما يطالبهم بالانتباه إلى أنهم أنعشوا الفكر "الأصولي" بسبب خطابهم المطلق، وأنهم ساهموا في صعود الإسلام السياسي، وأنهم يتجاهلون نقد الذات، ويتصورون أن وصلهم إلى الحكم يكفي لتحقيق الوحدة العربية بلا إعداد لها أو فهم للواقع

هزيمة الإسلام السياسي

في الفصل الثالث يشن سمير أمين هجوما لاذعا على الإسلام السياسي بالقول أنه ظاهرة سياسية حديثة بالأساس، فهو ينفصل عن الدين بحكمه كونه ظاهرة سياسية تسعى لاستغلال الدين لأهداف سياسية، كما أنه ينفصل عن الظواهر الإسلامية التي عرفتها المجتمعات الإسلامية في العصور الأولى

فالإسلام السياسي ظاهرة حديثة ساهم الاستعمار نفسه في صعودها أحيانا ولا يعارض التحالف معها، وهنا يضرب أمين مثالين، أولهما بباكستان حيث يرى أن الاستعمار أجج النعرة الدينية في الهند لتمزيقها مما ساعد في صعود باكستان، أما المثال الثاني فهو السعودية والتي تعد الحليفة الأولى لأميركا الرأسمالية في المنطقة على الرغم من الطبيعة الدينية المحافظة للمملكة

لذا يرى أمين أن الإسلام السياسي العربي صعد مؤخرا على أنقاض اليسار في المنطقة وتبنى كثيرا من عيوبه وعلى رأسها رفض التحليل التاريخي وتخيل النقاء والخصوصية المطلقة مع أن التاريخ يثبت أن الحضارات المختلفة استفادت من بعضها بعضا

ويرى أمين أن تركيز الإسلام السياسي المستمر على الخصوصية يخدم واشنطن والغرب في كونه يشغل الناس على الصراع الحقيقي من أجل الديمقراطية والاشتراكية، لذا يرفض أمين التحالف المتنامي بين اليسار الغربي والإسلام السياسي، فهو تحالف يركز على حماية الخصوصيات السياسية للأقليات المسلمة في الغرب بدلا من محاولة دمج تلك الأقليات والعمل معها على مواجهة الرأسمالية الغربية

وهنا يرى أمين أن هزيمة الإسلام السياسي ضرورة لتحرير الفكر الديني والسياسي، فالدين سوف يتحرر من الاستغلال السياسي، والسياسة سوف تتحرر من أفكار الإسلاميين المطلقة ومن رفضهم للنقاش، ومن ثم يسير المجتمع نحو العلمانية ثم الديمقراطية ثم الاشتراكية

خاتمة

يختتم سمير أمين كتابه بالدعوة إلى تنقية الفكر الماركسي وتطويره، فالماركسيون في حاجة إلى تطوير فكرهم وإلى نشر الوعي بمخاطر الرأسمالية المتجددة علي الطبقات الشعبية الفقيرة

فالمفاهيم الماركسية لا تعني العمال وفقراء المدن فقط، بل تعني أيضا الفلاحين والموظفين وصغار البرجوازية والطبقات الوسطى وكل من يبيعون جهدهم في مقابل أجر لا يغنيهم عن العمل ولا يمكنهم من فك الارتباط برأس المال المسيطر

بقى لنا أن نشير إلى بعض عيوب الكتاب وعلى رأسها لغته الصعبة أحيانا بسبب استخدام المؤلف عددا ملحوظا من المصطلحات الأجنبية المكتوبة بحروف عربية والتي تنتمي ربما للأدبيات الماركسية ولكنها تشكل تحدي كبير أمام القارئ غير الواعي بمعاني تلك المصطلحات

ثانيا: أنفق المؤلف جزءا كبيرا من كتابه في نقد كتابات أخرى قومية وإسلامية رأي أنها تعبر عن الفكر الخاطئ الذي يجب نقده، ونسى أن القارئ يحتاج إلى حجج واضحة وسلسلة، فكان أولى بالمؤلف أن يركز على الأفكار والحجج الرئيسة التي يحاول إيصالها للقارئ بدلا من تشتيت انتباهه بين كتابات مختلفة يرفضها المؤلف

ثالثا: تركيز المؤلف على نقد كتابات معينة ومحدودة تجعلك تتساءل حول إمكانية وقوعه في خطأ التعميم خاصة وأنه يتعامل مع تيارات أيدلوجية واسعة ومتنوعة في داخلها، فهل هناك مساحة اختلاف وتنوع داخل تلك التيارات؟ وهل أمامها مساحة للتطوير؟ أم أنها كتب عليها الفشل بلا أمل

رابعا: صغر الكتاب ميزة وعيب، فالكتاب لا يمثل عبئا في قراءة إلا بسبب لغته الصعبة أحيانا، ولكن القارئ قد يشعر أحيانا بأن سمير أمين في حاجة إلى تفصيل أفكاره بشكل أوضح خاصة وأنه يتعامل مع إيديولوجيات كبرى سائدة

لذلك قد يشعر القارئ بعد الانتهاء من الكتاب أنه انتهى من مقدمه صعبة نسبيا ينقد فيها سمير أمين الخطاب العربي الراهن، وأنه يحتاج لكتاب سلس مبسط يفصل فيه أمين نقده السابق بتمهل وبأسلوب يضمن الوصول إلى أكبر عدد من القراء

أخيرا بقى لنا أن نشيد بالمؤلف وإسهاماته في مجال الاقتصاد السياسي والتي تشهد بها كتابات عربية وغربية على حد سواء، كما نود التأكيد على أن عرضنا السابق لا يعني بالضرورة قبولنا بكل ما فيه، وإنما هو محاولة لتوجيه النظر "بأكبر قدر من الأمانة البحثية" نحو أفكار الكتاب الهامة إثراء للحوار ودعوة للتفكير

---

معلومات الكتاب

عنوان الكتاب: في نقد الخطاب العربي الراهن
مؤلف الكتاب: سمير أمين
الناشر: دار العين للنشر، القاهرة
تاريخ النشر: الطبعة الأولى، 2010
عدد الصفحات: 142 صفحة