Tuesday, December 27, 2011

دعوة بحثية أميركية لمنح السلفيين فرصة ودمجهم سياسيا



صعود التيار السلفي في السياسة المصرية مثل مفاجأة للعالم، وبات محل اهتمام واستفسار الكثيرين، ومن هذا المنطلق أصدر معهد كارنيجي للأبحاث – ومقره العاصمة الأميركية واشنطن - دراسة عنهم بعد ظهور نتائج الجولة الأولى من انتخابات مجلس الشعب المصري.

أهم ما ورد في الدراسة هو أمران، أولهما محاولة لفهم التيار وقادته ومواقفه السياسية، وثانيهما محاولة لترشيد موقف القوى السياسية الغربية من التيار.

ولنبدأ من القضية الثانية لأهميتها، فالتقرير يقول أن صعود التيارات الدينية وخاصة السلفية في السياسية المصرية قوبل "بعدم ارتياح" من قبل العلمانيين المصريين والحكومات الغربية.

وهنا يرى أن أمام المعارضين للتيار طريقان، إما محاولة "تهميش" التيار، أو منحه فرصة والسعي لدمجه في العملية السياسية، ومنذ بداية التقرير المختصر يقف مؤلفه – الباحث الأميركي ناثان براون - مع المذهب الثاني إذا يقول أن "السعي للتهميش" ..... "لابد وأن تثبت عدم حكمته، لأن العملية الديمقراطية، والمشاركة السياسية، والمحاسبة الانتخابية سوف تستمر في إضفاء طابع وسطي على روئ السلفيين وسياستهم على المدى البعيد، كما أن الانقلاب على مكاسبهم الانتخابية سوف يعكس التوجه السابق ويزيد من قوة هذه الجماعات بوضعهم مرة أخرى في مقعد المعارضة".

بمعنى أخر قرر مؤلف التقرير اتخاذ موقف عقلاني أو ربما برجماتي من التيار، ورأى ضرورة فهمهم، وأن الانقلاب عليهم أو على نتائج العملية الديمقراطية في مصر مستحيل، وسوف يصب في صالح التيار السلفي والتيارات الدينية، لأن عملية الديمقراطية انطلقت والسلفيين فازوا بنسبة كبيرة من الأصوات، كما أن الانقلاب عليهم سوف يظهرهم بمظهر الضحية وسوف يقوي الدعم الجماهيري لي ويدفعهم للتشدد، ويعود بهم مرة أخرى إلى المعارضة وإلى حرية إطلاق الأفكار والمبادئ بدون وزنها سياسيا.

ومن هنا ينطلق المؤلف في محاولة لفهم التيار، ويبرز خلال دراسته القصيرة كيف تطور التيار سريعا خلال الفترة القصيرة الماضية من خلال الحركة على مسارات هامة مثل تركيز التيار سياسيا وبنائه تنظيميا وضبط خطابه السياسي.

ويرصد المؤلف كيف سعى ممثلو التيار إلى ضبط خطابهم والتحرك نحو الوسط فيما يتعلق بقضايا مثل حقوق المرأة والعلاقات الدولية.

ويبذل المؤلف - في بداية تقريره - جهدا يحسب له - في محاولة تعريف التيار وشرح مواقفه، وتبرز عبر صفحات التقرير طبيعة التيار غير المركزية وكيف يتمحور حول عدد من علماء الدين المنتمين للتوجه السلفي، وكيف أن لامركزية التيار صبت في صالحه وضده في آن واحد.

فعدم مركزية التيار ساعدت على انتشاره وإضفاء طبع من الحرية والبعد عن السلطة في عيون أتباعه مما قربهم منه، ولكن عدم المركزية تسبب مشكلة دائمة للتيار بسبب تصريحات بعض المنتسبين إليه، لذا يبدو في كثير من الأحيان أن مواقف التيار هي عبارة عن عدد من التصريحات والتصريحات المضادة لقادة منتسبين إليه.  

ويقول أيضا أن التيار السلفي يعاني من مشاكل أخرى داخلية مثل عدم نضجه السياسي وتسرع بعض أتباعه من الشباب الذين يحاولون أحيانا أخذ الأمور بقوة وبأيديهم مما يظهرهم بشكل سلبي ويؤدي لتفاقم المشاكل التي يسعون لحلها، في حين أن تريث شباب السلفيين وقادتهم والتحكم في خطابهم وفي سلوكهم الجماعي في الشارع، وترك الأمور تأخذ مسارها الطبيعي وتقديم الأدوات السياسية والقانونية على التظاهر أو الحلول الغاضبة قد يصب في النهاية في صالحهم.

ويقول أيضا أن السلفيين يواجهون هجوما إعلاميا شرسا ويعانون من عدم فهم الأخرين لهم بما في ذلك وسائل الإعلام العربية والأجنبية التي تخطئ أحيانا في تغطية أخبارهم وفي التسرع في اتهامهم بالمسئولية عن الأحداث هذا ناهيك عن تنافسهم مع تيارات دينية وسياسية مختلفة داخل مصر.

عموما الدراسة تعبر عن وجهة نظر مؤلفها بالأساس، ولا يجب تضخيم تبعاتها وسحبها على موقف مركز كارنيجي بشكل عام أو على موقف الإدارة الأميركية، لكنها على صغر حجمها مفيدة على مستويين، أولهما أنها تعبر عن تيار غربي يحاول فهم السلفيين والجماعات الدينية في مصر والعالم العربي بشكل موضوعي وبرجماتي قدر الإمكان، ويحاول أن يمنحهم فرصة، وذلك في مقابل تيارات غربية أخرى يمينية متشددة ترفض هذا التوجه وتثير الفزع من تلك التيارات.

ثانيا: هذا يعني أن على التيارات السلفية عبئ فهم من يسعون للتواصل معها فهمها عميقا، ورفض أي رؤى داخلية تنظر للخارج نظرة سلبية مطلقة، وأن يسعى قادة التيار السلفي لبناء الجسور بينهم وبين القوى المعتدلة والمنفتحة في الداخل والخارج على حد سواء، والله أعلم.

بقلم: علاء بيومي

يمكن نشر المقال مع الإشارة إلى مصدره


Monday, December 05, 2011

Is Alexandria deciding the future of Muslim political religious groups in the Middle East today!?


By: Alaa Bayoumi

The first district in Alexandria is witnessing today a run off battle between Abdel-Moneim El-Shahat, from the Salafi AlNour Party, and Hosni Dewidar, from the Freedom and Justice Party, the political arm of the Muslim Brotherhood in Egypt.

This could look like another run off between two candidates in the first round of the Egyptian parliamentary elections, where 52 individual seats are still up from grab. But, it is not. And, if we look carefully we will find an election battle watched by many Egyptians, Arabs, and those interested in the future of Muslim political religious groups in the Middle East.  

The Salafi candidate, Abdel-Moneim El-Shahat last week raised hackles when he accused the late Egyptian writer Naguib Mahfouz, a Nobel prize winner, of "inciting promiscuity, prostitution and atheism." He is a religious scholar and one of the top leaders of the Salafi movement in Egypt, who came second after the Muslim Brotherhood.

Like many of the Salafi candidates, El-Shahat has little political history, and is hardly known to Egyptians and the world alike. He comes from a clear religious scholarship background and he has been leading a tough political religious rhetoric since the revolution.

But, he is being confronting by a heavy weight Muslim Brotherhood candidate, Hosni Dewidar. And, this is not the only confrontations between Salafis and the MB’s FJParty today. the FJParty is competing over 47 seats and according to some reports AlNour is competing over 25. This means in about 20 seats that MB will have to confront and defeat Salafi candidates.  

Here is an Arabic online video being circulated to tell Egyptian voters why they should chose Dewidar over El-Shahat.


The FJParty candidates come mainly from professional backgrounds, Physicians, Engineers, and lawyers. They also have a history in political activism as leaders of labor unions and former parliament members. They emphasize a more moderate version of Muslim political religious groups and activism in Egypt. And, they made it clear after their victory in the first round of Egyptian elections that they will not impose Islamic values.

Today, the Muslim political religious groups are confronting each other in very important and breathtaking political battles, throughout the country, that Egyptians and the world are watching for. It is a battle between two versions of Muslim political religious groups and their future in Egypt and may be in the region as both groups have many political sympathizers throughout the Middle East. 

Friday, December 02, 2011

الصراع على تشكيل صورة مصر الجديدة الدولية

في اعتقادي أن صراعا محموما يجري حاليا في دوائر السياسية والإعلام الغربية لفهم ما يجري في الشرق الأوسط وخاصة مصر وصياغته لصالح أطراف بعينها.


فمن المعروف أن دوائر الإعلام والسياسة الغربية منقسمة إلى جناحين على الأقل، أحدهما ليبرالي منفتح على الأخر، والثاني يميني متوجس منه.

ومن المعروف أيضا أن مصر هي الدولة الأكبر في العالم العربي وأن ثورتها هي الأهم بالمنطقة وأنها تحتل عناوين وسائل الإعلام الكبرى الرئيسية حول العالم وأنها مهد حركة الإخوان المسلمين والتيار السياسي المتدين بالعالم العربي، وأنها الحليف الأكبر لأميركا والغرب في المنطقة.

وأن مصر كانت ومازالت عرضة لهجوم مستمر من تيارات يمينية متشددة كدوائر الإسلاموفوبيا ودوائر لوبي إسرائيل ودوائر عسكرة السياسة الخارجية والنزعات اليمينية بالدول الغربية، وهي قوى غير راضية بالمرة عما يجري في مصر حاليا من ديمقراطية وصعود للتيارات المتدينة، وتنتهز الفرصة للانقضاض عليها، وتواجه تحديا هائلا من القوى الليبرالية الغربية التي باتت مقتنعة بمنح الديمقراطية والتيارات الدينية في بلادنا فرصة إثبات نفسها، وهي فرصة لا تتمنى اللوبيات المعادية أن تطول أو تمتد عن عدة شهور أو أسابيع قليلة إذا أمكن.

كل هذه العوامل مجتمعة تعني أن ما يجري في مصر يهم العالم كثيرا، وأن الصراع عليها وعلى صورتها كبير ولن يكون سهلا بأي حال من الأحوال.

وفي اعتقادي أيضا أن الفترة الحالية غير مسبوقة وأنها تمثل فرصا وتحديات هائلة أمام صورة ومصالح مصر الدولية، وأن القوى السياسية المصرية الفائزة في الانتخابات تقع على عاتقها مسئولية كبرى للدفاع عن صورة مصر الجديدة التي دفعت بتلك القوى للصفوف الأمامية ووضعت ثقتها فيها.

وأتمنى من تلك القوى إدراك حجم التحدي والطرق الصحيحة للتعامل معه وتحويله إلى فرص عديدة وهذا ممكن، وفيما يلي بعض النصائح المتواضعة على هذا الصعيد.

أولا: يجب إدراك أن صورة مصر الدولية تصنع في الداخل أولا قبل الخارج، وأن الأضواء الإعلامية الهائلة المسلطة على مصر حاليا لا تدع كبيرة ولا صغيرة إلا نقلتها، وأن الرسالة الإعلامية الصحيحة هي التي تبدأ من حقائق على أرض الواقع، وهي التي يجب عليها دائما الاعتراف بما يجري في الواقع بكل صراحة ودقة وموضوعية.

ثانيا: أن ما يدور على أرض مصر من صراعات سياسية يخدم صورة مصر الدولية بشكل كبير لو تعلمنا كيف نتعامل معه في عصر الديمقراطية، فالصراع الدائر يرسل صورة مفادها أن مصر دولة حية، بها ديمقراطية، وحراك ديمقراطي وشعبي وجماعات متنافسة، وملايين تصوت وديمقراطية ناشئة غير مثالية ولكنها تتعلم.

هذا يعني أن علينا دائما الاعتراف بانقساماتنا والاحتفال بها وعكسها بواقعية وإيجابية في خطابنا أمام العالم، فالعالم يدرك جيدا ما يجري على أرض مصر، وليس هناك سبب أو إمكانية لإخفائه، كما أنه أمر طبيعي في أي دولة من العالم، وهو سمة من سمات الديمقراطية التي لا تعرف الحزب الواحد، أو الرأي الواحد، أو وسائل الإعلام الرسمية الموجهة من الدولة.


ثالثا: أن السلبية والانفلات الخطابي وخاصة من الأطراف الفائزة من الانتخابات هو ما يجب أن نخشى منه، بمعنى أن الاختلاف الداخلي سوف يظل إيجابيا لو تعاملنا معه بخطاب إيجابي هادئ داخليا وخارجيا، أما الغضب وانفلات الأعصاب والخطاب فسوف يحولون الفرصة إلى نقمة.

هذا يعني أن على القوى الفائزة في الانتخابات عدم الانجرار وراء ما تتعرض له من انتقادات من الأطراف الأخرى الداخلية، بل على العكس عليها أن تقر بها وتتقبلها وتحتفل بها كجزء من الديمقراطية، وأن تعكس ذلك للعالم في خطاب إيجابي راضي فتكسب احترام الداخل والخارج معا.

رابعا: أن مصر في حاجة ملحة لموازنة وتغيير الخطاب السائد بين قواها الداخلية والذي يتمحور حاليا حول الخلاف العلماني الديني بكل عناصره التي تلهي مصر والمصريون والعالم عن مشاكل مصر الحقيقية، وحقيقة ينبغي على القوى الفائزة في الانتخابات أن تنتج فورا برامج مدروسة وإيجابية عن السياسة المصرية المستقبلية تجاه القضايا المعيشية الرئيسية من اقتصاد وتعليم وصحة وسياسة خارجية تطرح على المصريين والعالم فتشغلهم جميعا.

وللأسف نحن لا نرى جهدا كافيا على هذا الصعيد، فحتى لو كانت هذه البرامج موجودة فهي لا تترجم ولا تنشر ولا توزع ولا تحظى بالدعاية الكافية.

خامسا وأخيرا: لا يجب أبدا أن ننسى دور الدعاية والعلاقات العامة والجزء المتعلق بمراقبة الخطاب المتعلق بمصر في الخارج والرد عليه وبناء علاقات دبلوماسية وإعلامية متنامية وكفيلة بتغييره، وهو جهد سياسي وإعلامي وبحثي بامتياز يجب أن يتضاعف في الفترة المقبلة، والله أعلم.

بقلم: علاء بيومي

يمكن نشر المقال مع الإشارة إلى مصدره:


Thursday, December 01, 2011

ماذا حدث للإسكندرية؟

كنا في الماضي نسمع أن الإسكندرية - عروس البحر الأبيض المتوسط - هي مدينة الجاليات الأجنبية كاليونان والإيطاليين (الخواجات) والتجارة الرائجة والشواطئ الواسعة والمصايف والتي يقصدها المصريون كل عام للاستجمام والراحة والمرح، فماذا الذي جعلها مدينة الإخوان المسلمين والسلفيين باقتدار؟

إذ تشير النتائج الأولية لانتخابات مجلس الشعب المصري إلى أن 65% من أبناء الإسكندرية صوتوا للإخوان والسلفيين.


أنصار التيار الديني لن يروا في الأمر إلا انتصارا لقيمهم ومبادئهم وتيارهم وجهدهم الأرض خلال سنوات طويلة وفي ظروف صعبة تحت قمع نظام مبارك.


أما خصومهم فسوف يرون في الأمر دليلا جديدا على تفشي التيار السياسي المتدين في أوساط المصريين وقدرة هذا التيار على السيطرة على عقول الناس من خلال خطابه الذي يخلط الدين بالسياسة.


أما بالنسبة لي كباحث سياسي ولكثيرين غيري فالسؤال قد يحتاج لوقفه وإجابة دقيقة؟ 


فلو افترضنا أن هناك تناقضا واضحا بين الصورتين (الإسكندرية كمدينة الجاليات الأجنبية والمصايف والإسكندرية كمعقل للإخوان والسلفيين)، فإن الأمر يحتاج وقفة ودراسة دقيقة للصورتين وكيف تحولت الإسكندرية من صورة إلى أخرى.

وفي اعتقادي أن الإجابة (والتي لم أبحثها جيدا حتى الآن) سوف تقترب من التالي:

فسوف نجد أن الصورة الأولى التي ترتبط بالإسكندرية في الخمسينيات والستينيات من القرن العشرين، وهي صورة نمطية وبعيدة للغاية عن الواقع، بل هي سبب المشكلة.

فالمدينة مر عليها ستون عاما وأكثر، هاجر خلالها الأجانب بعد الثورة وتغير نشاطها الاقتصادي أكثر من مرة في ظل اشتراكية ناصر وانفتاح السادات ورجال أعمال مبارك.

هذا يعني أن مصانع وشركات فتحت وأغلقت، ومدن شيدت، وأفواج من السكان هاجروا من الإسكندرية وإليها.

ومدينة عاشت كل ظروف مصر ومرت بسنوات حكم مبارك العجاف والتي لم يجد فيها أبناء الإسكندرية مؤسسات مدينة (كأحزاب أو نقابات) يعودون إليها، ولم يجدوا من يحتضنهم سوى الأسرة والمؤسسات الدينية من مساجد وكنائس على حد سواء.

وربما يذكرنا أحدهم بأن مصر كلها هجرت الإسكندرية، فهي لم تعد عروس البحر الأبيض المتوسط، وأن أبناء الطبقات العليا والثرية في مصر باتوا يفضلون عليها مارينا وأخواتها بالساحل الشمال، وتركوا شواطئ الإسكندرية لأبناء الطبقات الفقيرة والمتوسطة.

لذا قد يصرخ أحدهم قائلا: أفيقوا، وانظروا جيدا لأهل الإسكندرية وحاولوا فهمهم ولا تفرضون خيالاتكم علينا، بالله عليكم.

وبالنسبة لي فهذا يسمى في العمل السياسي بالخريطة الانتخابية، بمعنى أننا في مصر ندير السياسة في أحيان كثيرة بناء على أمانينا أو أفكار أيدلوجية نتمسك بها بشكل غير منطقي، وأن في بلدان أخرى أكثر تمرسا في العمل السياسي والديمقراطية يمتلك السياسيون والمعنيون بالسياسة شيء يسمى خرائط انتخابية تساعدهم على رسم طريقهم السياسي والانتقال من نقطة إلى أخرى.

فأنت لكي تعرف كيف تصوت مدينة ما عليك أن تعرف دخول أبنائها وخلفياتهم الثقافية والاجتماعية والطبقية، وعليك أيضا أن تعرف طبيعة النشاط الاقتصادي بالمدينة وأهم المؤسسات التي تقوم على رعايتهم.

معرفة العوامل السابقة سوف تقلل المفاجئة وسوف تساعدنا على التوقع بقدر الإمكان، وعلى أن نكون صورة صحيحة لتوجهات المصريين التصويتية، وهي الصورة التي ظلت غائبة عنا خلال عقود الاستبداد، وهي نفس الصورة بدأنا معرفتها لأول مرة خلال الأيام الأخيرة بفضل الثورة والثوار والانتخابات.

لذا أقول في النهاية أن علينا أن نفهم جيدا ماذا حدث للإسكندرية؟ وماذا حدث لمصر والمصريين؟ وأن نتوقف عن فرض أرائنا المسبقة والغير قائمة على قراءة دقيقة للواقع على بلادنا وشعبها الكبير الرائع.

ولا أنسى أن أهنئ كل من فاز في الإسكندرية، والذين نم نقصد التقليل من مكانتهم وأحقيتهم في هذا الفوز بأي حال، فلم نقصد من هذا المقال سوف استخدام الإسكندرية - وما حدث فيها - مثالا للشرح والتوضيح.

وأتمنى لمن لم يحالفهم الحظ حظا أوفر في المرات القادمة، ولا أنسى بالطبع شكر أهل الإسكندرية ومصر جميعا.

والله أعلم.

بقلم: علاء بيومي

يمكن نشر المقال مع الإشارة إلى مصدره www.alaabayoumi.com




Sunday, November 27, 2011

خطورة انقسام الثوار المصريين

بقلم: علاء بيومي

مصر الآن في حاجة لقيادة سياسية ديمقراطية قادرة على التعامل مع اختلافات المصريين  المتزايدة بإيجابية وتحويلها لفرصة لا نقمة.

فمصر لم تعد منقسمة بين الثوار والفلول فقط، فالثوار منقسمون على أنفسهم بوضوح، وأعتقد أن كثير من المصريين باتوا خلال الأيام الأخيرة في حيرة من أمرهم، لأن معسكر الثوار منقسم بين التحرير والانتخابات.

وأعتقد أيضا أن كثير من المصريين يحترمون المعسكرين كثيرا ويتمون لو يتحد الطرفان ويتوصلا بهدوء إلى حل وسط.

فغالبية المصريين تقدر الثوار، فمن لا يحترم الدماء التي أسيلت ويتعاطف معها!؟  من لا يحترم الشباب ورفضهم المهادنة!؟ ومن يقف ضد نقل السلطة السياسية الكاملة وفي أسرع وقت لحكومة مدنية من العسكر!؟

كما أن غالبية المصريين مع الهدوء والاستقرار وعودة الحياة إلى طبيعتها واختيار ممثلي الشعب من خلال انتخابات حرة وهادئة، فمن لا يريد أن يرسل أطفاله إلى مدارسه في هدوء كل صباح!؟ ومن لا يريد عودة الاستثمار والبناء والتعمير إلى مصر!؟ ومن لا يريد أن يعرف من يمثلونه في ظل هذا الكم الهائل من الصراع على القيادة السياسية منذ الثورة!؟

إذن نحن أمام خيارين ثوريين وليس خيارا واحدا، كما أن الاختيار صعب، وهذا يفتح الباب للانتهازيين وأصحاب المصالح الخاصة.

فهناك أطراف قد ترى الانتخابات تصب في غير صالحها لو عقدت الأن أو بعد شهر أو في أي وقت، وهناك أيضا فئات ترى في الصراع الدائر بين الثورة فرصة لإضعاف طرف وتقوية أخر.

هناك أيضا فئات كبيرة تشعر بالعزلة السياسية، وللنظر مثلا لنتائج استطلاع للرأي أجراء مركز دعم المعلومات واتخاذ القرار التابع لمجلس الوزراء المصري في شهر مايو الماضي عن المشاركة السياسية لدى المصريين.

الاستطلاع وجد أن 82% من المصريين يتابعون الأخبار السياسية، ومع ذلك وجد أن 12% فقط هم من سبق لهم المشاركة في مظاهرة أو اعتصام، و6% حضروا ندوات سياسية خلال العام الماضي. أما نسبة من ينتمون لإحدى الحركات السياسية القائمة فهي لم تتعد 2 % فقط.

هذا يعني أن لدينا نسبة كبيرة من المصريين لا تشارك في الحركات والجماعات السياسية وتشعر بالاغتراب عنها، وقد يشرح هذه سبب انقسامات المصريين والثوار، حيث يبدو أن المصريين يفضلون المشاركة في المظاهرات على الانتماء لحزب أو حركة سياسية، فهم يشعرون بالاغتراب السياسي وعدم الثقة في الجماعات القائمة بسبب سنوات الديكتاتورية.

هذا يعني أيضا أن مزيد من الانقسام السياسي بين الثوار لن يفيد أي منهم فسيساهم في زيادة عزلة واغتراب الغالبية العظمي العازفة عن المشاركة.

لذا أقول أن يجب علينا التعامل مع انقسامات الثورة من منطلق مختلف وإيجابي وحذر، علينا أولا الاعتراف بها، والنظر إليها كشيء إيجابي هو من طبيعة الأمور، والتوقف عن خطاب التخوين، فالمعارضة المصرية معروفة وهي لم تولد خلال العام الماضي أو في عقد أو عقدين، بل هي جهد مستمر ساهم فيه وطنيون كثيرون، فهناك من زرع ثورة الثورة ولكن القدر لم يمهله لقطفها.

إذن حافظوا على ثورتكم من خلال خطاب أفضل، ومن خلال التفاوض بعيد عن الميادين وشاشات التلفاز، ومن خلال الاعتراف بالطرف الأخر وبأنه يمثل الثورة حتى لو لم يقف بجواري داخل الميدان أو خارجه، فلا أجد أخطر على الثورة والثوار من انقسام الثوار أنفسهم، حتى بات الأمر محل قلق وانشغال الكثيرين، والله أعلم. 

The Revolutionary Camps in Egypt

By: Alaa Bayoumi

Many inside Egypt and around the world find it easy to divide Egyptians today into two camps; those who are pro the revolution and those who are against it. But, the more challenging and divisive fault lines are those within the revolutionary camp itself.

For years, it was not difficult to unite Egyptians against the Mubarak elite. Actually, the political movement that ousted Mubarak last February finds its roots in older groups and movements, such as the Human rights organizations and movement and the Islamist groups, which have been challenging  the Mubarak regime for decades.

These groups and many others fought the Mubarak regime at many fronts and paved the way for the new youth groups and the successful uprising.

But, they often failed to unite or to offer a comprehensive roadmap for change in the country. After all, they did not expect the regime to fall and they worked under huge political pressures and difficult circumstances.

This is partly why the ongoing revolution is a headless one an many say. It is a large body of opposition groups that are anti-Mubarak and his loyalists in the military, business, economic, and cultural spheres.

These groups are not only divided by political ideology, but they are also divided by religious, social and economic classes, and age.

Ideologically, Egypt has liberal, leftist, Islamist and centrist groups. Religiously, the country has a large Muslim majority  and a 10 percent strong Christian Coptic minority. The two sides have been growing increasingly religious since the 1960s and find it difficult to work with each other. Economically, the gap between the rich and the poor has never been wider. And, the youth led revolution has clearly exposed a generational divide throughout the country and its various institutions.

The  opposition is also divided between organized groups such as the Muslim Brotherhood and the older political parties, like the liberal Al-Wafd and the leftist Al- Tajamou and the newly more loose youth coalitions, such as April 6th and the many youth revolutionary councils established since the revolution.

Last events have also exposed another division between two visions for the future of Egypt, an idealistic full change now camp versus a realistic gradual change group.

Both groups are equally patriotic and revolutionary. They both want a full rapture with the Mubarak regime and a new System loyal to the people as soon as possible. They both have deep roots inside the Egyptian collective national identity and psyche and can appeal to many Egyptians at Tahrir Square and around the country.

The idealists want full change now led by youth and new leaders who can speak to the country and the alienated masses. They want leaders who can rise above narrow political ideologies and interests. They  are presented by the youth in Tahrir and by the alienated activists throughout Egypt who want to contribute to the political process and can contribute by they distrust all political groups.

A poll published last June by the Information and Decision Support Center affiliated with the Egyptian cabinet found out that 82 percent of Egyptian adults follow political news. But, it found out that only 12 percent have participated in political rallies, 6 percent have attended political seminars, 2 percent have joined a political movement, and only 1 percent who are members of an existing political party.  

This low participation levels are the result of the Mubarak years during which political participation was discouraged and penalized. They also show a high level of political alienation and disenchantment.

On the other hand, the realistic camp in Egypt find its roots in the country’s religiously and politically conservative culture. Egypt is also under severe economic pressures crushing the aspirations of the middle and lower classes. Surveys conducted since the revolution show that the number one priority of Egyptians are improving economy and returning security to the streets.

The realists are not only represented by the Islamist groups, such as the Muslim Brotherhood, who refused to call on its members to join that last Tahrir protests despite increasing internal and external political pressures . Many patriotic Egyptians around the country could be part of such camp.

They basically want a gradual and tidy solution for their problems. Years and hardships taught them to be patient and accommodating. They think free and fair elections are the first step to get out of a mess that they did not create.

A serious challenge for democracy in Egypt today is to how accommodate the two camps. Political extremism or opportunism could push some to play the two camps against each other. Opportunists will  try to portray one camp as more patriotic and revolutionary and to portrays the other as defeatists and selfish.  But, this will only hurt the two sides and will further alienate the country’s silent majority and weakens the fragile political consensus.

What Egypt needs today is political leadership that can speak to the various camps of the Egyptian revolutionaries, unite them, and keep moving forward without falling into anarchy or pessimism.  Egypt needs a leadership that can recognize the diversity within the revolutionary camp, respect it, and challenge into a positive direction.

Wednesday, November 23, 2011

تقديرا للإخوان

مرة أخرى أعتقد أن بعض شباب التحرير والثوار يقعون في خطأ إستراتيجي يتعلق بعلاقتهم مع الإخوان ولا يضعون الجماعة - الغير منزهة عن الخطأ – حق موضعها ومكانتها الصحيحة.


ولنبدأ من أميركا، فعندما ينتخب أوباما أو بوش فهم ليسا فردين يختار بينهما الشعب، بل أن الشعب يختار في كل انتخابات بين تنظيمات سياسية كبرى، وهذه هي الفكرة الغائبة عن بعض الثوار المصريين. 

بوش أو أوباما يعبران عن رجال أعمال وعن سياسيين كثر وعن قيادات جماهيرية وشعبية عبر الولايات المتحدة، وعن مؤسسات أحزابها بقدراتها التنظيمية وعن ملايين الناخبين.


هذا يعني أن الديمقراطية تحتاج لركائز، والركائز تحتاج تنظيمات أو حركات ومنظمات سياسية كبرى. 

الإخوان مثلا فازوا بنسبة كبيرة من مقاعد النقابات المهنية التي أجريت مؤخرا، فهل سئلنا أنفسنا لماذا؟ ولماذا لم تظهر قوة حقيقية تنافسيهم – في حدود علمي – من الثوار أو التيارات العلمانية.

الإخوان لا يخلون من عيوب، ولكنهم تنظيم سياسي حقيقي وهذا هو إسهامهم لمصر والمصريين والذي يجب فهمه جيدا وتقديره والتمسك به والاحتكام إليه ومطالبة الآخرين بالالتزام به ومحاسبة الإخوان على أساسه.


ففي حدود علمي عن الإخوان - مما قرأت وسمعت عنهم - أنهم منظمون اجتماعيا وسياسيا وماليا وهي قضايا هامة للغاية يجب التوقف عندها كثيرا.

فالجماعة دعوية تربط أعضائها برباط ديني قد نختلف أو نتفق بخصوص طبيعته ومغزاه، ولكنهم يعرفون بعضهم ويتزاورون ولديهم برامج ثقافية واجتماعية تزيد من تماسكهم.

أفهم أيضا أنهم يتبرعون بجزء من دخلهم بشكل منتظم للجماعة وهذا يعني مصدر دخل هام للغاية وإيجابي يندر وجوده في الأحزاب الأخرى التي تعاني من الشخصنة وسيطرة بعض رجال الأعمال.


الإخوان أيضا لديهم خبرة سياسية طويلة وتنظيم سياسي مجرب على الرغم من أنهم عملوا في ظروف صعبة قد تضعف قدرتهم وقدرة أي جماعة سياسية مصرية أخرى على الوصول إلى الموقف السياسي الأفضل. 

هذا ما يقدمه الإخوان لمصر والمصريين، تنظيم سياسي حقيقي متماسك سياسيا وماليا وثقافيا، لذا عندما أسمع بعض المثقفين أو النشطاء الجماهيريين ينتقدونهم في وسائل الإعلام، أسئل نفسي أحيانا: هل تجوز المقارنة؟ بمعني أن من يريد أن ينتقد الإخوان فعليه أن يقدم لنا بديلا أو تنظيم مشابه؟


فالإخوان ليسوا فقط نشطاء جماهيريين أو مثقفين أو كتاب أو صحفيين أو مفكرين أو رجال أعمال معنيين بقضايا الوطن، الإخوان فصيل سياسي يجمع كل ما سبق بين أعضائه، وهو ما نفتقده في مصر. 

لذا أقول أتمنى أن يفهم الشباب أن على التحرير التوحد والتماسك وتحويل أبنائه الراعين الأحرار وكل مؤيديه وهم كثر إلى فصيل سياسي يتمتع بتماسك التمويل والحركة السياسية ينافس الإخوان وأي قوى أخرى منافسة شريفة قوية لمصلحة مصر. 

أما أن ننظر للتحرير على أنه مجال للتغيير الجذري فهذه مثالية لن تتحق، وللأسف سمعت البعض يقول أنهم منذ أن تركوا التحرير في فبراير الماضي انعزلوا عن السياسة والحركة السياسية وإنهم لم يعودوا إلا بعد أن عاد التحرير مرة أخرى خلال الأيام الأخيرة. 


هذا هو جوهر المشكلة، المشكلة في ضعف تنظيمنا السياسي، المشكلة في عدم الثقة وفي الميل للعمل كأفراد وليس كجماعات، المشكلة في ثقافة الفريدة وضعف الإدراك العميق لأهمية العمل السياسي والجماعي المنظم. 

لذا يجب على المصريين والثوار تقدير الإخوان وإنزالهم منزلتهم الحقيقية العادلة دون مبالغة أو تقليل، ومنافستهم بفصائل سياسية أخرى حقيقية أقوى بما فيه صالح مصر. 

وحتى ذلك الحين أعتقد أن الحل هو بمزيد من التقارب بين شباب الثوار والإخوان وأمثالهم وبين المزاوجة بين التحرير والانتخابات كمنهج عمل سياسي لمصر، والله أعلم.

بقلم: علاء بيومي



Monday, November 21, 2011


Who to blame in Egypt!?

By: Alaa Bayoumi

1)      SCAF, which had more powers than any other government in decades, as it has the power of the parliament and president together, but still failed in reforming security agencies, stopping economic loss, and building political consensus and a roadmap for democratic transition.

2)      Mubarak loyalists, who are still in top business, media, and bureaucratic circles throughout the country.

3)      The opposition groups:

a.       The Youth, who are very divided, has no clear plan for the country, and have a total change only perspective and loosely political rhetoric that does not shy form using very foul language, against all political groups and leaders in the country, on social media where youth leaders are active.

b.      The Muslim Brotherhood, who is seen as dominated by an old conservative leadership that failed to attract and unite their own youth activists and who suffers from  “my own group first” kind of mentality.

c.       The seculars, who are very divided and seem to center around individuals not groups or parties. They also have among their top leaders some known pro Mubarak businessmen and loyalists. Some of them have further alienated the people by trying to keep military in power or to ask military to hand over power to some secular leaders like ElBaradei without elections.

d.      Copts who seem to suffer from an isolationist minority syndrome enforced over the last 4 decades and who acted since the revolution as an active religious minority group launching severe rejectionist attacks on Egyptian Islamists.

e.      Salafis, the far right Islamist groups, whose leaders have been adopting hardline rhetoric isolated from reality and that tends to easily divide Egyptians between good and evil

f.        The society in general is under institutionalized and less interested in political activism. The silence of many have contributed to the crisis of its leadership.

At this moment, Egyptians have lots of doubts about their leaders, those in power and those in opposition, and they are tired and need to know who really represents them because all of the groups above were never elected by the people in free and fair elections? 

Sunday, November 20, 2011

Why Egyptians are back in Tahrir Square!? 

By Alaa Bayoumi


Protestors have spent their night in Tahrir Square for the second day in a row for the first time in some months since the Jan 25 revolution. They also protested in major cities, such as Suez and Alexandria. Two people were killed and hundreds were injured in clashes last night that galvanized the country.

Egyptian revolutionaries gave up their Tahrir Square stronghold months ago after they failed to gain the support of the large organized opposition groups, secular and Islamists. Large groups opened dialogue with the ruling military and thought that the young youth are divided and too angry.

On Friday, large groups, specially the Muslim Brotherhood and the Salafis, the two main Islamist organized groups, joined some youth groups, such as April 6th, and other secular parties and groups in calling for protests in Tahrir Square to reject efforts by the ruling military council to limit the authority of the new parliament in drafting the constitution. This is after the interim government put out, about 2 weeks ago, a draft for some constitutional principles.

Some also wanted a clear time line for handing over authority to civilian leadership.

Friday protests were very peaceful. But, clashes yesterday in Tahrir square between the police and some youth changed the situation and galvanized the country.

Obviously, the large groups, especially the Islamists, did not camp in Tahrir Square after the Friday protests. And, it could be difficult to know who was camping there when the police attack took place. But, people are angry because the police has used heavy tactics in cracking down on those camping in Tahrir Square.

The news about the crackdown spread very fast and known activists and political groups condemned it. Some known Salafi, Muslim Brotherhood, and secular activists joined the protests last Friday to show sympathy for protestors and condemn the security crackdown. But, I don’t think there is a call by the large organized groups to continue camping in Tahrir Square despite some individual calls by known activists

Moreover, the events show masses that are more united in their anger with the way the military elite has been leading the country since the revolution. They now want SCAF to step down as soon as possible (this means that SCAF should hold presidential elections in April after the end of the parliament elections, hand power to new parliament and president, and step down)

New plans announced by SCAF about a month ago will keep SCAF in power until a new constitution is written, a process that could take 6 months or more after the new parliament is elected, in session, and has selected a committee to write new constitution.

As people are calling today for more protests in Tahrir and in major cities, it is worth monitoring how their demands will develop and how will military council will respond to them.

So, the story today is about occupying Tahrir Square, more protests around the country, and calls on SCAF to hold presidential elections in April and to step down after that with no delay. And, it is definitely worth watching.

Egypt is a major force in the Arab spring and world and whatever happens in Egypt will have ramifications throughout the Middle East

Sunday, November 13, 2011

اعتراف .... واعتذار

منذ عدة أسابيع وأنا أريد أن أكتب عدة سطور أعترف فيها بأني لا أفهم الوضع في بلادنا بشكل كافي وأني أشعر بأني تأخرت وأخطئت أكثر من مرة في فهم حقيقة ما يجري، وإنه يجب على الاعتذار لكل من أسئت فهمهم عن غير قصد.

وحقيقة أنا أريد أن أركز على قصوري الذاتي في هذه السطور وآلا أنشغل بأي أسباب تبريرية لهذا القصور مثل صعوبة الحصول على معلومات أو ضبابية الموقف وتسارع الأحداث في مصر.

فهدفي هو الاعتراف بالقصور وحث نفسي على التواضع ومطالبة من أسئت فهمهم بمسامحتي.

فأني أرى أني عشت بعيدا عن الشرق الأوسط لفترة وبعيدا عن مصر لفترة أطول، وأني بسبب ظروف العمل التي تحتم علي القراءة في مجالات سياسية عديدة ومختلفة لا أنفق إلا نسبة قليلة من وقتي في التعرف على مصر، وهي نسبة تسمح لي بقراءة عدة مقالات يوميا وكتاب كل شهر أو شهرين وأحيانا ثلاثة، ونتيجة لذلك ولأني أعيش خارج مصر أطبق ما أتعلمه عن المجتمعات الأخرى على المصريين وأطالبهم به.

فعلى سبيل المثال حاولت أن أطبق ما تعلمته عن الأحزاب والإعلام والمال السياسي في الغرب على بلادنا لأجد في النهاية أن قواعد اللعبة عندنا مختلفة تماما، وأننا نحتاج علوم وكتب سياسية تعكس واقعنا وتنظر له غير تلك التي أقرأها وتنطلق من واقع مختلف.

أنا أيضا تأخرت وأتأخر بشكل متكرر في فهم ما يجري على الأرض، وفي فهم موقف الناس من التيارات المختلفة في بلادنا ومن السياسية والدين وغيرها من القضايا الرئيسية، لأني باختصار لا أعرف عنهم الكثير وأحاول أن أطبق ما لدي من أفكار مسبقة عليهم وليس العكس.

متابعتي للصحافة الإنجليزية وتغطيتها لأخبار بلادنا ساعدتني على فهم هذا القصور والاعتراف به وربما التعايش معه، فأنا أرى بشكل متكرر كيف يذهب صحفيون كبار ومحايدون لبلادنا لتغطية أحداث هامة فيها، ومع أنهم يغطونها من القاهرة ومن قلب الحدث ذاته – كما تقول المقولة الإعلامية الشهيرة – تجدهم عاجزين عن فهم ما يحدث، وبعضهم مصري ولد في مصر وتربي فيها، فهذا يعني أن المعرفة الحقيقية لا تسقط على الإنسان من السماء فهي تحتاج لجهد بحثي حقيقي وللعيش وسط الناس لفترات طويلة.

لذا يبدو لي أني لن أتخلص من هذا القصور قريبا، لذا أردت الاعتراف به، وأشجع جميع أصدقائي على مساعدتي – بنصائحهم المفيدة والغالية - على التخلص منه.

والحمد لله أن أنتمي لتيار فكري لا يجد أي حرج في الاعتراف بالخطأ والاعتذار عنه أملا في التواضع، والله أعلم.

علاء بيومي 

Saturday, November 05, 2011

آخر صورة لمصر قبل الثّورة
قراءة في كتاب: حركات التّغيير الجديدة في الوطن العربيّ - دارسة للحالة المصريّة
أحمد منيسي، مركز الإمارات للدّراسات والبحوث الإستراتيجيّة، الطّبعة الأولى 2010

قراءة بقلم: علاء بيومي، الناشر: المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، حقوق الطبع والنشر محفوظة للناشر.

نص العرض:


إنّه كتاب مفيد ويستحقّ القراءة في الظّروف التي يمرّ بها عالمنا العربيّ - وخاصّة مصر - في الفترة الحاليّة، فالكتاب يقدّم صورة لمصر في السّنوات الأخيرة التي سبقت الثّورة.


الكتاب مكتوب بأسلوب سهل للغاية، كما أنّه صغير الحجم (174 صفحة من القطع الصّغير)، وحافل بالإحصائيّات الدّقيقة والأرقام بلا إغراق في التّفاصيل، ممّا يجعل قراءته سهلة ومفيدة في آنٍ واحد.

وهو يدرس ظاهرة هامّة للغاية؛ هي ظاهرة حركات التّغيير السّياسيّ التي ظهرت في العالم العربيّ خلال العقد الأوّل من القرن الواحد والعشرين، والتي نشطت بشكل خاصّ بعد حرب العراق. ويقول الكاتب: إنّ ظهور تلك الجماعات كان نتيجة لانسداد أفق التّغيير السّياسيّ في النّظم السّياسيّة العربيّة القائمة، بشكل أشعر "النّسيج الحيّ" في حركات المعارضة العربيّة - أي ما تبقّى داخل تلك الحركات من قوى فاعلة بعد القمع الذي تعرّضت له - بأنّ حلول الأنظمة الحاكمة ووعودها بالإصلاح لا أمل فيها، وأنّ الحلّ الوحيد يكمن في التّغيير الشّامل والجذريّ.

ويركّز الكاتب على الحركات الجديدة التي باتت تؤمن بأن لا حلّ يلوح في الأفق، وأنّ اللّعبة السّياسيّة القائمة وقواعدها لم تعد مقبولة، وأن لا حلّ إلّا بتغيير تلك القواعد كاملة والعودة إلى الشّارع وإعادة بناء قواعد العمل السّياسيّ في المجتمعات العربيّة من جديد.

ويقول الكاتب: إنّ تلك الحركات، مثلّت الإحياء الأهمّ للمعارضة العربيّة منذ عقود، بعدما "تكلّست" الشّعوب العربيّة سياسيّا، وأُفرغت جماعات المعارضة التّقليديّة من مضمونها تحت مطرقة النّظم العربيّة الدّيكتاتوريّة.
ويركّز الكتاب - بشكل خاصّ - على حركات التّغيير الجديدة في مصر، ولكنّه يتعامل أيضًا مع نماذجَ لتلك الحركات في ثلاث دول، هي سوريا وتونس والسّعوديّة.

ولعلّ حداثة الكتاب - نسبيًّا - وموضوعه، وتناوله للأوضاع في أكثر من دولة عربيّة، تفتح أمام القارئ باب المقارنة بين مضمونه وتحليلاته للوضع العربيّ ولجماعات المعارضة العربيّة من جهة، والواقع الذي تعيشه بعض الدّول العربيّة الآن، وخاصّة في مصر التي يركّز عليها الكتاب.


تعريف الجماعات الجديدة


يقول كاتب الكتاب: إنّ الحركات السّياسيّة، هي تيّارات عامّة تدفع أعدادا كبيرة نسبيًّا من النّاس لتنظيم أنفسهم، وهي أكبر من الأحزاب وأقلّ تنظيمًا منها؛ وهي حركات تغيير، لأنّها غير راضية عن الوضع القائم، وتهدف إلى تغييره نحو نموذج أفضل، لذا فهي تتبنّى فكرة التّغيير الشّامل للوضع السّياسيّ القائم.  

وقد قامت حركات التّغيير الجديدة على أنقاض جماعات المعارضة العربيّة التّقليديّة، وسلكت طريقا مغايرًا لمنهج الجماعات التّقليديّ الحاليّ. فالحركات الجديدة، ضمّت تحالفات واسعة من المعارضين العرب، ما بين يساريّ وإسلاميّ وليبراليّ وقوميّ ووطنيّ؛ لذا فقد تميّزت بتحالفاتٍ فضفاضة التفّت حول قضايا أساسيّة، كالحاجة إلى التّغيير ورفض إصلاحات الأنظمة الشّكليّة، والمطالبة بالدّيمقراطيّة وإطلاق الحرّيات وتحرير الإعلام، والتّأكيد على الاستقلال الوطنيّ في مواجهة التّدخّلات الخارجيّة.

وبدلا من العمل على تحقيق الأجندة السّابقة من خلال الطّرق القديمة كالمشاركة في الانتخابات غير الحرّة التي تنظّمها بعض النّظم العربيّة كلّ عدّة سنوات، فضّلت الحركات الجديدة التوجّه نحو الشّارع العربيّ مباشرةً، من خلال تنظيم المظاهرات والاحتجاجات والوقفات والاعتصامات، ممّا أكسبها حيويّة كانت مفتقدة في الشّارع العربيّ منذ عقود، كما ساعدها - أيضًا - على التفاف قطاعاتٍ جديدة حولها مثل الشّباب.

كما رفعت الحركات الجديدة سقف الخطاب السّياسيّ إلى حدودٍ غير مسبوقة، متخطّية كثيرا من "الخطوط الحمراء"، حيث طالبت بتغيير النّظم، ورفضت التّوريث في بلادٍ كمصر، وطالبت بإصلاحٍ سياسيّ شامل. ولم تهتمّ تلك الحركات بالعمل داخل النّظام السّياسيّ أو القانونيّ القائم، فهي لم تهتمّ بتسجيل نفسها أو بالحصول على تصاريح قانونيّة لمظاهراتها، بل تخطّت القيود القائمة على العمل السّياسيّ في البلاد العربيّة، ووصلت إلى المواطن مباشرةً من خلال العمل السّياسيّ الجماهيريّ المباشر، ومن خلال أدوات الاتّصال الحديثة كالإنترنت ووسائل الإعلام. 


وقد ساعد الحركات الجديدة على القيام بالأدوار السّابقة، كونها لا تسعى إلى السّلطة في ظلّ النّظم القائمة، ممّا قد يضطرّها للمهادنة والسّير في قنواتٍ معيّنة وضعتها السّلطات، قد تُفقدها فعاليّتها. لقد حدّدت الحركات هدفها منذ البداية  بتغيير الوضع القائم برمّته لا بإصلاحه.



أسباب الظّهور


يشير الكتاب إلى أنّ ظهور تلك الحركات ونجاحها، ارتبط بعدد من العوامل الدّاخليّة والخارجيّة على حدٍّ سواء. وهنا، يبدو الكتاب أكثر اعترافا بدور العوامل الخارجيّة في دفع عجلة التّغيير السّياسيّ في العالم العربيّ، مقارنةً ببعض التيّارات السّياسيّة العربيّة التي تنظر نظرة سلبيّة إلى أيّ دور مباشر أو غير مباشر للقوى الخارجيّة في التّغيير.

من جانبٍ آخر، يلفت د. أحمد منيسي النّظر عبر صفحات كتابه إلى الدّور الذي لعبه الغزو الأميركيّ للعراق في عام 2003، وإلى ضغط الرّئيس الأميركيّ السّابق جورج والكر بوش لفترة على بعض النّظم العربيّة - كالنّظام المصريّ- لإجراء إصلاحات سياسيّة داخليّة بعد الحرب؛ مضيفًا إلى ذلك الضّغوط التي تعرّضت لها بعض الدّول العربيّة - كالسّعوديّة - من الولايات المتّحدة بعد أحداث 11 أيلول/سبتمبر 2001. وساعدت هذه العوامل التي أشار إليها منيسي مجتمعة - بشكلٍ مباشر وغير مباشر - في صعود حركات التّغيير الجديدة.

يرى مؤلّف الكتاب أنّ الغزو الأميركيّ للعراق "أكّد ضعف النّظم السّياسيّة القائمة على الاستبداد، وعدم قدرتها على مواجهة الضّغوط والتحدّيات الخارجيّة". كما ساهم في إثارة الشّارع العربيّ بشكل غير مسبوق، وأدّى - من ناحية - إلى ضغوط العالم الخارجيّ على النّظم العربيّة لفترة مؤقّتة تالية للحرب من أجل الإصلاح السّياسيّ، وهي ضغوط فتحت الباب أمام تغيّرات هامّة، كتلك التي حدثت في مصر خلال عامي 2004 و2005، بطريقة سمحت بصعود الإخوان المسلمين إلى عضويّة البرلمان المصريّ بشكل غير مسبوق (إذ احتلّوا تقريبا خُمس مقاعد مجلس الشّعب المصريّ في انتخابات 2005).

على المستوى الدّاخليّ، يشير المؤلّف إلى عواملَ عديدة؛ فهنالك القمع السّياسيّ المستمرّ، وغياب فرص حقيقيّة للمشاركة أو للتّغيير السّياسيّ، وتردّي الاقتصاد، وارتفاع البطالة ومعدّلات الفقر، وانخفاض معدّلات النّموّ، وضعف متزايد في قدرة بعض النّظم العربيّة على تقديم الخدمات الأساسيّة لمواطنيها، خاصّة بعد برامج الخصخصة التي تبنّاها بعضها في أوائل التّسعينيّات من القرن الماضي.

وبموازاة هذه الأوضاع، كانت هنالك زيادة في الوعي السّياسيّ بسبب زيادة نسبة المتعلّمين (الملمّين بالقراءة والكتابة)، ودخول النّساء إلى سوق العمل، وزيادة نسبة السّكّان في الحضر والمدن، وزيادة الأعمار بحكم التّطوّر في المجالات الصحيّة، وظهور الإعلام الفضائيّ الحرّ والإعلام المستقلّ، سواء على المستوى الإقليميّ بتنامي دور قناة الجزيرة وغيرها من القنوات الفضائيّة التي أسهمت في كسر احتكار النّظم العربيّة على تدفّق المعلومات، أو على المستوى المحليّ وظهور الصّحف والفضائيّات المحليّة المستقبلة، وقد كان لمصر نصيب كبير منها؛ هذا بالإضافة إلى انتشار استخدام الإنترنت في تبادل المعلومات والأفكار، وحتّى في التّواصل بين حركات المعارضة والمشاركين في الاحتجاجات.

ويورد الكتاب ملاحظة مهمّة تتعلّق بتنامي مؤسّسات المجتمع المدنيّ في بعض الدّول العربيّة، وعلى رأسها مؤسّسات حقوق الإنسان، والتي أكّدت على أنّ المشاركة السّياسيّة هي حقّ من حقوق الإنسان وليس هبة من الحاكم. كما زادت أعداد المنظّمات المعنيّة بالمرأة وحقوقها، إذ يقول الكاتب "قدّر تقرير التّنمية الإنسانيّة العربيّة للعام 2005، أنّ القسم الأكبر من الجمعيّات المدنيّة التي تكوّنت في العقدين الماضيين والبالغ عددها 225000 جمعيّة، يعود إلى جمعيّات نسائيّة؛ وبلغت نسبة هذه الجمعيّات 45% في اليمن، و42% في فلسطين، و18% في مصر".

هذا يعني أنّنا أمام تراجع مستمرّ في قدرة النّظم على إرضاء الشّعوب بسبب جمودها وتراجع قدراتها الاقتصاديّة، وهو تراجع يواجهه نموّ في الوعي السّياسيّ.

ويتبيّن أنّ لظاهرة حركات التّغيير السّياسيّ في الوطن العربيّ أسبابًا متعدّدة وآباء كثرا، وأنّها لم تظهر فجأة ولا تعود إلى قيادة جماعة أو حزب بعينه أو مجموعة من النّاشطين، فهي نتاج لتطوّر عوامل مختلفة، مرّت بها المجتمعات العربيّة على مدى عقدين من الزّمن أو أكثر. وربّما تكون في قراءة الكتاب دعوة لبعض الجماعات السّياسيّة العربيّة في عصر الثّورات، تحثّهم على التّواضع وعلى الاعتراف بفضل الآخرين.


آباء الثّورة المصريّة


تظهر الحقيقة السّابقة بوضوح في الحالة المصريّة التي يركّز عليها الكتاب، في حين يمرّ سريعًا على بعض حركات التّغيير في سوريا وتونس والسّعوديّة. وتركيز المؤلّف على مصر، قصد منه توضيح الصّورة وتجليتها عن طريق نموذج تفصيليّ. فالكتاب - إذًا- يوضّح أنّ جذور حركات التّغيير السّياسيّ في مصر قديمة، وربّما تعود إلى عقدين سابقين شهدا صنوفًا من سياسات الحكومة المصريّة وردود أفعال المعارضة عليها. وهو يشير إلى سعي حكومة الرّئيس المصريّ السّابق حسني مبارك إلى تقييد حركة المعارضة في التّسعينيّات من القرن العشرين، بعد انفراج سياسيّ نسبيّ في الثّمانينيّات، حيث تمّ تقييد عمل النّقابات في عام 1993، كما "كرّس من الإطار الدّستوريّ والقانونيّ غير الدّيمقراطيّ الذي يحكم عمل النّظام السّياسيّ، و ثبّت النّظام الانتخابيّ الذي لا يكفل انتخابات حرّة، كما عمل على دعم سيطرته على المجتمع المدنيّ".

ويشير الكتاب إلى أنّه ونتيجة لما سبق، فقد شهدت مصر حالة من الحَراك السّياسيّ في مواجهة قيود نظام مبارك، وهو ما دفع النّظام إلى عقد ما سمّي بمؤتمر الحوار الوطنيّ في عام 1998. وفي عام 2000، أُجريت انتخابات مجلس الشّعب - لأوّل مرّة - تحت إشراف قضائيّ جزئيّ، ممّا أسفر عن تراجعٍ مذهل للحزب الوطنيّ، وبدأ الحديث عن محاولات تطويره بطرح ما سُمّي بـ"الفكر الجديد"، فكان الدّفع بجمال مبارك ورجاله إلى بهو السّلطة، وهو مسعى رأى فيه البعض إعدادًا لمشروع التّوريث.

وفي ذات الفترة، بدأت تظهر معالم أزمة النّظام بوضوحٍ على مستويات أخرى، كارتفاع معدّلات البطالة والفقر، وازدياد الفجوة بين الأغنياء والفقراء، وتراجع دور الدّولة الاقتصاديّ والاجتماعيّ، وزيادة الشّعور بدور الدّولة في الفساد. لقد جاء كلّ ذلك متزامنًا مع الضّغوط الخارجيّة على النّظام من أجل التّغيير السّياسيّ بعد أحداث الحادي عشر من أيلول/سبتمبر 2011.

في العام 2004، بدأت حركات التّغيير الجديدة في الظّهور، حيث تأسّست الحركة المصريّة للتّغيير، تحت شعار "لا للتّمديد ... لا للتّوريث"؛ ثمّ تلت فترة دارت فيها معارك انتخابات الرّئاسة والبرلمان في عام 2005، وما صاحب ذلك من تعديلاتٍ دستوريّة على نظام الانتخابات الرّئاسيّة، وما رافقه من صعودٍ لقوى الإخوان المسلمين في البرلمان المصريّ، وسعي النّظام المصريّ - بعد ذلك - للحدّ من الإشراف القضائيّ، وتوجيهه ضربات سياسيّة وأمنيّة قويّة للإخوان وجماعات المعارضة المختلفة. في تلك الظّروف والتقلّبات، نمتْ حركات التّغيير الجديدة بشكل غير مسبوق، ولعبت دورًا مهمّا في تحريك المجتمع المصريّ.

ويورد الكتاب أنّ تلك الحركات، وجدت جذورها في حركات حقوق الإنسان ومنظّماتها، التي بدأت في مصر منذ نهاية الثّمانينيّات، والتي رسّخت فكرة "الحقوق السّياسيّة" بمعنى: أنّ للمواطن حقوقا سياسيّة تعدّ جزءًا من حقوقه كإنسان. وارتبطت تلك الحركات كذلك بالهيئات النّقابيّة التي عملت فيها تيّارات سياسيّة مختلفة لإعادة تفعيل دورها. كما نهلت هذه الحركات من معين الحركات المدنيّة التي ظهرت لدعم قضايا عربيّة وإسلاميّة كقضيّة الشّعب الفلسطينيّ ومعارضة غزو العراق. إنّها - إجمالًا - عوامل تشير إلى تعدّد جذور التّغيير السّياسيّ في مصر.

وخلال ذات الفترة التي شهدت تقديم مبادرات للإصلاح من قبل جماعات معارضة ومختلفة مثل: حزب التّجمّع وجماعة الإخوان وحركة كفاية؛ تبلورت حركة استقلال القضاء، ونمت الصّحف المستقلّة، ونشطت حركات التّدوين.


كفاية وأخواتها وأسباب نجاحها  


في الفصل الرّابع من الكتاب، يرصد المؤلّف عددًا من حركات التّغيير السّياسيّة الجديدة في مصر، وعلى رأسها كفاية (أُسّست في أيلول/سبتمبر 2004)، وحركات أخرى ارتبطت نشأتها بأسلوب حركة كفاية وناشطيها، مثل حركة أطبّاء من أجل التّغيير (حزيران/يونيو 2005)، وحركة صحفيّون من أجل التّغيير (حزيران/يونيو 2005). كما ظهرت - أيضًا - الحملة الشّعبيّة من أجل التّغيير (نهاية 2004)، والتّجمّع الوطنيّ للتّحوّل الدّيمقراطيّ (حزيران/يونيو 2005)، والجبهة الوطنيّة للتّغيير (تشرين الأوّل/أكتوبر 2005)، وحركة 9 مارس لاستقلال الجامعات (تشرين الأوّل/أكتوبر 2003). وظهرت كذلك حركات تغيير جديدة خارج مصر، مثل جبهة إنقاذ مصر (نيسان/أبريل 2005)، وتحالف المصريّين الأميركيّين (أيار/مايو 2005).

ويتعرّض الكتاب لسير تلك الحركات ومؤسّسيها وخطابها وإنجازاتها وإخفاقاتها. وما يعنينا من عرض الكاتب هنا أمران، أوّلهما إيضاحه أنّ لجذور التّغيير السّياسيّ الشّامل في مصر آباءً كُثْرا، عملوا خلال فترةٍ طويلة من الزّمن دفاعًا عن أهدافهم، وفي هذا دعوة لجميع القوى السّياسيّة في مصر إلى التّواضع بعد الثّورة، وتقدير إنجازات من سبقوها. أمّا الأمر الثّاني، فهو التّعلّم من خبرات تلك الجماعات وأهمّ ما واجهته من تحدّيات مازالت تمثّل عقبة أمام الثّورة المصريّة. وهنا تجب الإشارة إلى ما يلي:

حركات التّغيير نجحت - وكما جاء في الكتاب - لكونها ضمّت ما تبقّى من قوى حيّة داخل جماعات المعارضة التّقليديّة، وتوجّهت - مباشرة - إلى الشّارع غير مبالية بموافقة أو تصاريح قانونيّة.  كما ضمّت خليطا من الأجيال، يتقدّمه جيل السّبعينيّات الذي تكوّن وعيه السّياسيّ خلال السّتينيّات من القرن الماضي، وعاش مرارة هزيمة 1967 والتّحوّلات الضّخمة التي مرّت بها مصر في عهد السّبعينيّات.

كما أنّها فتحت عضويّتها واسعةً أمام الجميع بلا قيود بيروقراطيّة في معظم الأحيان، وضمّت فئاتٍ كبيرة من الشّباب والفقراء والعمّال فيما بعد، مضافًا إليهم أبناء الطّبقة الوسطى الجديدة التي تربّت بعيدًا عن القطاع العامّ ومؤسّسات الدّولة؛ كما وظّفت التّكنولوجيا الحديثة لصالحها، مُتخطّيةً بها قيود الإعلام الحكوميّ.

وقد استطاعت تلك الحركات تحقيق إنجازات كبيرة، مثل: تحريك المياه الرّاكدة في السّياسة المصريّة، وكسر حالة الجمود السّياسيّ، وإشاعة ثقافة الاعتراض السّياسيّ لدى المصريّين، ودفع فئات جديدة للمشاركة السّياسيّة، والضّغط على جماعات المعارضة التّقليديّة للتّطوير.


معوقات التّغيير السّياسيّ الشّامل


على الرّغم من النّجاحات السّابقة الذّكر، عجزت تلك الحركات عمّا يلي:

أوّلًا: نجحت حركات المعارضة في بناء تحالفات واسعة ورخوة بين عدد كبير من الفاعلين المنتمين إلى طيف أيديولوجيّ واسع، ولكنّها فشلت في "بناء تكتّل قويّ للمعارضة" وظلّت تحالفات رخوة.

ثانيًا: ظلّت قاعدتها الجماهيريّة محدودة ولم تستطع تحريك قطاعات واسعة من الجماهير وإشراكها في مظاهراتها وحركتها.

ثالثًا: ضعف التّنظيم المؤسّسيّ الدّاخليّ لتلك الحركات.

رابعًا: افتقرت تلك الحركات لمشروع سياسيّ متكامل لخلافة النّظم القائمة.

خامسًا: لم تهتمّ تلك الحركات بإقامة تحالفات إقليميّة ودوليّة واكتفت بالتّعاطف المتبادل مع بعض الجماعات، وهذا يشير إلى ضعف قدرة حركات التّغيير السّياسيّة الجديدة، على العمل الدّوليّ وطبيعتها المحلّية إلى حدٍّ كبير.

يرفض مؤلّف الكتاب إلقاء كلّ اللّوم على حركات التّغيير السّياسيّة الجديدة في المشكلات السّابقة، إذ يرى أنّها تعود في أجزاء منها إلى مشكلات خارجة عن تلك الحركات، مثل الضّغط الحكوميّ الكبير الذي تعرّضت له، والصّراع الدّاخليّ القديم بين التيّارات السّياسيّة المعارضة في عالمنا العربيّ لأسباب مختلفة، كالانقسام الدّينيّ/العلمانيّ، وحالة التكلّس السّياسيّ التي تعاني منها الشّعوب العربيّة، وتراجع الضّغوطات الدوليّة منذ عام 2006، ومشكلة ضعف التّمويل الذي تعاني منه تلك الحركات.

ولعلّ المشكلات السّابقة وأسبابها، تفسّر كثيرا من التحدّيات التي تواجه مصر بعد الثّورة، وعلى رأسها صعوبة تحقيق التّوافق السّياسيّ بين التيّارات السّياسيّة المختلفة، والانقسام الدّينيّ/العلمانيّ، وغياب القاعدة الجماهيريّة الواسعة للعمل السّياسيّ الثّوريّ - رغم ما حقّقه من إنجازات وانتشار في الفترة الأخيرة - والضّعف التّنظيميّ لجماعات المعارضة السّياسيّة، وضعف خطابها السّياسيّ والنّظريّ والدّوليّ، وعدم تقديمها مشاريع متكاملة للإصلاح السّياسيّ.

وهذا يعني أنّ الكتاب الذي بين أيدينا يقدّم صورةً جيّدة ومفيدة للغاية لمصر قبل الثّورة، ويساعد المطّلعين على فهم إرهاصاتها الأوّليّة وتَبَيُّنِ جذورها؛ ويُمكِّن الكتاب قارئيه كذلك  من رؤية بعض المعوقات المزمنة لحركات التّغيير السّياسيّ في مصر وعالمنا العربيّ رؤيةً واضحة؛ ولعلّ فهم التحدّيات السّابقة والوعي بها، هما خطوة البداية في سبيل تجاوزها.