Friday, December 02, 2011

الصراع على تشكيل صورة مصر الجديدة الدولية

في اعتقادي أن صراعا محموما يجري حاليا في دوائر السياسية والإعلام الغربية لفهم ما يجري في الشرق الأوسط وخاصة مصر وصياغته لصالح أطراف بعينها.


فمن المعروف أن دوائر الإعلام والسياسة الغربية منقسمة إلى جناحين على الأقل، أحدهما ليبرالي منفتح على الأخر، والثاني يميني متوجس منه.

ومن المعروف أيضا أن مصر هي الدولة الأكبر في العالم العربي وأن ثورتها هي الأهم بالمنطقة وأنها تحتل عناوين وسائل الإعلام الكبرى الرئيسية حول العالم وأنها مهد حركة الإخوان المسلمين والتيار السياسي المتدين بالعالم العربي، وأنها الحليف الأكبر لأميركا والغرب في المنطقة.

وأن مصر كانت ومازالت عرضة لهجوم مستمر من تيارات يمينية متشددة كدوائر الإسلاموفوبيا ودوائر لوبي إسرائيل ودوائر عسكرة السياسة الخارجية والنزعات اليمينية بالدول الغربية، وهي قوى غير راضية بالمرة عما يجري في مصر حاليا من ديمقراطية وصعود للتيارات المتدينة، وتنتهز الفرصة للانقضاض عليها، وتواجه تحديا هائلا من القوى الليبرالية الغربية التي باتت مقتنعة بمنح الديمقراطية والتيارات الدينية في بلادنا فرصة إثبات نفسها، وهي فرصة لا تتمنى اللوبيات المعادية أن تطول أو تمتد عن عدة شهور أو أسابيع قليلة إذا أمكن.

كل هذه العوامل مجتمعة تعني أن ما يجري في مصر يهم العالم كثيرا، وأن الصراع عليها وعلى صورتها كبير ولن يكون سهلا بأي حال من الأحوال.

وفي اعتقادي أيضا أن الفترة الحالية غير مسبوقة وأنها تمثل فرصا وتحديات هائلة أمام صورة ومصالح مصر الدولية، وأن القوى السياسية المصرية الفائزة في الانتخابات تقع على عاتقها مسئولية كبرى للدفاع عن صورة مصر الجديدة التي دفعت بتلك القوى للصفوف الأمامية ووضعت ثقتها فيها.

وأتمنى من تلك القوى إدراك حجم التحدي والطرق الصحيحة للتعامل معه وتحويله إلى فرص عديدة وهذا ممكن، وفيما يلي بعض النصائح المتواضعة على هذا الصعيد.

أولا: يجب إدراك أن صورة مصر الدولية تصنع في الداخل أولا قبل الخارج، وأن الأضواء الإعلامية الهائلة المسلطة على مصر حاليا لا تدع كبيرة ولا صغيرة إلا نقلتها، وأن الرسالة الإعلامية الصحيحة هي التي تبدأ من حقائق على أرض الواقع، وهي التي يجب عليها دائما الاعتراف بما يجري في الواقع بكل صراحة ودقة وموضوعية.

ثانيا: أن ما يدور على أرض مصر من صراعات سياسية يخدم صورة مصر الدولية بشكل كبير لو تعلمنا كيف نتعامل معه في عصر الديمقراطية، فالصراع الدائر يرسل صورة مفادها أن مصر دولة حية، بها ديمقراطية، وحراك ديمقراطي وشعبي وجماعات متنافسة، وملايين تصوت وديمقراطية ناشئة غير مثالية ولكنها تتعلم.

هذا يعني أن علينا دائما الاعتراف بانقساماتنا والاحتفال بها وعكسها بواقعية وإيجابية في خطابنا أمام العالم، فالعالم يدرك جيدا ما يجري على أرض مصر، وليس هناك سبب أو إمكانية لإخفائه، كما أنه أمر طبيعي في أي دولة من العالم، وهو سمة من سمات الديمقراطية التي لا تعرف الحزب الواحد، أو الرأي الواحد، أو وسائل الإعلام الرسمية الموجهة من الدولة.


ثالثا: أن السلبية والانفلات الخطابي وخاصة من الأطراف الفائزة من الانتخابات هو ما يجب أن نخشى منه، بمعنى أن الاختلاف الداخلي سوف يظل إيجابيا لو تعاملنا معه بخطاب إيجابي هادئ داخليا وخارجيا، أما الغضب وانفلات الأعصاب والخطاب فسوف يحولون الفرصة إلى نقمة.

هذا يعني أن على القوى الفائزة في الانتخابات عدم الانجرار وراء ما تتعرض له من انتقادات من الأطراف الأخرى الداخلية، بل على العكس عليها أن تقر بها وتتقبلها وتحتفل بها كجزء من الديمقراطية، وأن تعكس ذلك للعالم في خطاب إيجابي راضي فتكسب احترام الداخل والخارج معا.

رابعا: أن مصر في حاجة ملحة لموازنة وتغيير الخطاب السائد بين قواها الداخلية والذي يتمحور حاليا حول الخلاف العلماني الديني بكل عناصره التي تلهي مصر والمصريون والعالم عن مشاكل مصر الحقيقية، وحقيقة ينبغي على القوى الفائزة في الانتخابات أن تنتج فورا برامج مدروسة وإيجابية عن السياسة المصرية المستقبلية تجاه القضايا المعيشية الرئيسية من اقتصاد وتعليم وصحة وسياسة خارجية تطرح على المصريين والعالم فتشغلهم جميعا.

وللأسف نحن لا نرى جهدا كافيا على هذا الصعيد، فحتى لو كانت هذه البرامج موجودة فهي لا تترجم ولا تنشر ولا توزع ولا تحظى بالدعاية الكافية.

خامسا وأخيرا: لا يجب أبدا أن ننسى دور الدعاية والعلاقات العامة والجزء المتعلق بمراقبة الخطاب المتعلق بمصر في الخارج والرد عليه وبناء علاقات دبلوماسية وإعلامية متنامية وكفيلة بتغييره، وهو جهد سياسي وإعلامي وبحثي بامتياز يجب أن يتضاعف في الفترة المقبلة، والله أعلم.

بقلم: علاء بيومي

يمكن نشر المقال مع الإشارة إلى مصدره:


No comments: