Sunday, December 19, 2004

أين أخطأ اليمين؟
عرض بقلم: علاء بيومي – مدير الشؤون العربية بكير

الناشر:
الجزيرة نت، 19 ديسمبر 2004، حقوق الطبع والنشر محفوظة للناشر

نص العرض

يعبر باتريك بوكانان وكتابه عن نوع من الصراع الدائر داخل الولايات المتحدة والذي يندر الحديث عنه في الأوساط المسلمة والعربية وهو الصراع داخل الحزب الجمهوري وفي أوساط المحافظين الأمريكيين بين المحافظين الجدد وبين ما يمكن تسميتهم بالمحافظين التقليديين.
ويحتوى الكتاب على عدد من الأفكار الهامة المتعلقة برؤية المحافظين التقليديين – الذين يمثلهم بوكانان – لدور أمريكا في العالم ولعلاقتها بالعالم الإسلامي ولأجندة المحافظين الحقيقية

دور أمريكا في العالم وعقيدة بوش الأمنية

يبدأ بوكانان كتابه بتحذير أمريكا من المصير الذي آلت إليه الإمبراطوريات الكبرى في العالم، ويصف بوكانان العصر الحديث بأنه عصر انهيار الإمبراطوريات مثل الإمبراطورية البريطانية والاتحاد السوفيتي، ويقول أن الإمبراطوريات السابقة انهارت بسبب إفراطها في الحروب الخارجية التي أنهكتها

لذا يرى بوكانان أن على أمريكا أن تتجنب مصير الإمبراطوريات السابقة بتجنب الحروب، مؤكدا على أن سياسة أمريكا الخارجية قامت منذ نشأتها على مبدأ تجنب الحروب وعدم خوضها إلا إذ فرضت عليها، إذ يرى أن أمريكا لم تدخل الحرب العالمية الثانية إلا بعد أن هاجمتها اليابان عسكريا، كما تجنبت أمريكا الحرب مع الإتحاد السوفيتي على مدى سنوات الحرب الباردة

لذا ينتقد بوكانان سياسة أمريكا الخارجية منذ نهاية الحرب الباردة ويصفها بأنها قائمة على "غرور القوة وتهميش الحلفاء وشن الحروب الإمبريالية"، كما يرى أن سياسات أمريكا أدت إلى إطلاق حرب الحضارات التي كانت تسعى نظريا لتجنبها، كما قامت أمريكا بنشر قواتها في بقاع كثيرة جدا من العالم بشكل قد يهددها بالإفلاس العسكري في حالة نشوب حرب جديدة في ظل انخراط أمريكا الحالي في حرب العراق والتي يرى بوكانان أنها قد تمثل بداية تراجع الإمبراطورية الأمريكية

كما يوجه بوكانان العديد من الانتقادات لعقيدة بوش الأمنية التي يصفها بأنها "إمبريالية" و"يوتوبية"، ويرى أن سياسات جورج دبليو بوش "دفعت حدود الإمبراطورية (الأمريكية) بعيد جدا عن الحدود التي تركها بوش الأب وكلينتون" وينتقد إصرار بوش على وصف الحرب على الإرهاب من خلال عبارات دينية وأخلاقية، ويقول أن لغة بوش الدينية قسمت العالم كما تناست أن المبادئ والأخلاق نسبية تختلف باختلاف الثقافات وباختلاف مصالح أمريكا، ويضرب بوكانان مثلا بإتحاد أمريكا مع السوفيت في الحرب العالمية الثانية كدليل على نسبية القيم الأمريكية، وفي السياق نفسه يرفض بوكانان حديث بوش عن مبدأ أن أمريكا تحارب من أجل العدالة مؤكدا على أن أمريكا تحارب من أجل مصالحها وأهدافها الوطنية بالأساس، وينطلق بوكانان في رؤيته هذه من مبدأ أساسي من مبادئ المحافظين وهو الرغبة في الحد من تدخل أمريكا في شئون الشعوب الأجنبية بأكبر قدر ممكن ورفض أن تلعب أمريكا دور شرطي العالم

لذا ينتقد بوكانان التهديدات غير المسبوقة التي وجهتها إدارة بوش ضد الدول التي أسمتها بمحور الشر والتي لم تهاجم أمريكا، وينتقد سياسية الحروب الإجهاضية، ويرى أن إدارة بوش تناست أن العديد من الدول العربية والمسلمة ساندت أمريكا خلال الحرب الباردة وساعدتها على هزيمة السوفيت، كما يؤكد على اعتقاده بأن نظم حكم الشعوب الأجنبية هي أمر خاص بالشعوب الأجنبية وحدها وإن محاولة بوش فرض القيم الأمريكية على العالم الإسلامي سوف يدفع أمريكا إلى "حروب لا نهاية لها" مع العالم الإسلامي، ويقول أن "التدخل لا يمثل حلا لمشاكل أمريكا في الشرق الأوسط. التدخل هو المشكلة"

تأثير المحافظين الجدد على سياسات بوش

يرى بوكانان أن الأفكار التي تحدث بها جورج دبليو بوش بعد توليه الرئاسة ليست أفكاره فقد عبر بوش عندما كان مرشحا للرئاسة في عام 2000 عن أفكار محافظة تقليدية مخالفة إلى حد كبير للأفكار التي سادت إدارته، إذ انتقد بوش سياسات كلينتون الخارجية التدخلية معلنا رفضه للعب أمريكا دور شرطي العالم

ويرى بوكانان أن مصدر هذه الأفكار هم المحافظون الجدد الذين يصفهم بأنهم "مختطفو السياسة الخارجية الأمريكية"، وعنهم يقول بوكانان أنهم حركة ليس لها جذور شعبية نشأت خوفا من التهديد الذي يشكله الإتحاد السوفيتي لأمريكا وإسرائيل، لذا هي حركة معنية بالسياسية الخارجية بالأساس تقوم على عدة أعمدة رئيسة على قمتها دعم إسرائيل ومبدأ شن الحروب في أجل نشر الديمقراطية في العالمين العربي والإسلامي، كما يلخص بوكانان أجندة المحافظين الجدد في فكرة واحدة وهي شن "صراع لا نهائية له وحرب إذا تطلب الأمر لفرض الديمقراطية العلمانية والثورة الاجتماعية على العالم الإسلامي"

ويقول بوكانان أن إيديولوجية وأفكار المحافظين الجدد تنطلق من مبدأ أساسي وهو تطابق مصالح أمريكا مع مصالح إسرائيل، ويشير إلى أن المحافظين الجدد طالبوا في الأيام التالية لأحداث سبتمبر بمهاجمة عدد كبير من الدول المسلمة والعربية ردا على أحداث سبتمبر، وهنا ينتقد بوكانان المحافظين الجدد ويشكك في نواياهم، ويتساءل لماذا ينبغي على أمريكا محاربة دول لم تهاجمها، ويعبر عن اعتقاده صراحة بأن المحافظين الجديد يدفعون أمريكا إلى محاربة "أعداء إسرائيل" وليس إلى حرب للدفاع عن أمريكا وحماية مصالحها، كما يشير إلى دور المحافظين الجدد الرئيسي في دفع أمريكا إلى حرب العراق والتي يصفها بأنها "أكبر خطأ إستراتيجي خلال أربعين عاما، خطأ أكثر تكلفة من فيتنام"

هل الإسلام هو العدو؟

يفرد بوكانان فصلا كاملا في كتابه للحديث عن علاقة أمريكا بالإسلام، وهو فصل يشوبه قدر ملحوظ من التردد

إذ يبدأ بوكانان بالحديث عن الإسلام وأركانه، ويقول أن الإسلام لا يعترف بالفصل بين الدين الدولة، ويبدي تأييده لنظرة المستشرق البريطاني برنارد لويس للإسلام والذي يروج لفكرة أن المسلمين ينظرون إلى المسيحيين على أنهم منافسيهم الأساسيين بسبب تشابه الديانة الإسلامية بالمسيحية

كما يتحدث بوكانان عن غزو المسلمين في أوائل عصور الإسلام للبلاد الأوربية ويقول أن الغزو الإسلامي كاد أن يقضي على المسيحية، ويصف الحروب الصليبية بأنها كانت محاولة لاستعادة الأراضي التي حصل عليها المسلمون من المسيحيين، ويتساءل "لو احتلت مكة من قبل جيش من الكفار، هل لن يبرر المسلمون لأنفسهم إعلان الجهاد لتحرير مدينتهم المقدسة؟ هل سيشعر المسلمين المتدينين بالعار من هذه الحرب أو يعتذرون على شنها؟"

ولكن في الوقت نفسه يرفض بوكانان فكرة لوم تراجع المسلمين على الإسلام، ويقول أن المشكلة ليست في العقيدة الإسلامية "كيف يمكن أن يكون الإسلام هو سبب الانهيار بعد أن كان الإسلام هو العقيدة التي دعمت أكثر الحضارات والثقافات تطورا على سطح الكرة الأرضية لمدة ألف عام؟"، ويعود ليتبنى نظريات برنارد لويس ويقول أن مشكلة المسلمين – كما يوصفها لويس – هي أنهم لم يبحثوا داخل أنفسهم عن المشكلة واكتفوا بلوم الغرب

ثم يعود بوكانان ليرفض إجابة الرئيس بوش على سؤال "لماذا يكرهوننا؟"، ويقول "نحن مكروهون لما نفعله"، مشيرا إلى عدد من مشاكل سياسة أمريكا تجاه العالمين العربي والإسلامي، وعلى رأسها عدم صدق الدعاوي الأمريكية لنشر الديمقراطية في الشرق الأوسط، ووجود القوات الأمريكية في الخليج وثقافة أمريكا الإباحية (الخمور والمخدرات والإجهاض والأفلام الإباحية) وازدواجية المعايير الأمريكية في التعامل مع إسرائيل، وغزو العراق وإذلاله

ويرفض بوكانان فكرة استعداء الإسلام ويقول أن عدو الإسلام اليوم ليس المسيحية ولكنه ثقافة أمريكا العلمانية والفردية والاستهلاكية والعبثية، كما يشير إلى أن الإسلام هو أسرع الأديان انتشارا في أوربا وإلى أن مسلمي أمريكا على الرغم من صغر عددهم "ينمون بثقة ويكسبون معتنقين للإسلام"، كما يؤكد على أنه لا يمكن لدولة (أمريكا) أن تهزم عقيدة (الإسلام) فهزيمة عقيدة تحتاج لعقيدة أخرى، ويقول أنه لم تنجح أي إمبراطورية عالمية على مدى التاريخ في هزيمة الإسلام وأن قوة الغرب العسكرية لا تعني أنه قادر على الفوز في حرب الحضارات لأن السوفيت انهاروا رغم ترسانتهم العسكرية

كما يري بوكانان أن الإرهاب ليس عدو ولكنه أسلوب وسلاح ويقول أن دول (ضاربا المثال بإسرائيل في بداية عهدها والحلفاء في الحرب العالمية الثانية) ونظم وثورات استخدمت الإرهاب أسلوبا لها خلال بعض الفترات التاريخية، ونجحت في النهاية بسبب قدرتها على إقناع الرأي العام بوجهة نظرها، لذا يرى أن الحرب على الإرهاب هي حرب على عقول وقلوب الجماهير، وأنه ينبغي على أمريكا أن تقنع العرب والمسلمين بمواقفها إذا كانت راغبة في الفوز بالحرب على الإرهاب وهنا يقول بوكانان "مشكلتنا في هذه المنطقة الكبيرة هي أن عشرات الملايين من العرب والمسلمين توصلوا لنتيجة مفادها أنهم يريدوننا أن نخرج"

أجندة المحافظين الحقيقية

في خاتمة كتابه بعود بوكانان ليركز على فكرته الأساسية وهي أن سيطرة المحافظين الجدد على مؤسسات التيار المحافظ الأمريكي شغلت المحافظين عن مصالحهم الحقيقة وعلى رأسها رفض تحول أمريكا إلى إمبراطورية، ومواجهة التردي الثقافي والأخلاقي في المجتمع الأمريكي، والحد من تضخم مؤسسات ونفقات الحكومة الأمريكية، ومواجهة تزايد عجز الميزانية الأمريكية والعجز التجاري الدولي وتراجع قيمة الدولار وصعود القوة الدولية الجديدة وعلى رأسها الصين، والحد من المهاجرين

ويقول بوكانان أن المحافظين الجدد لا يتعاملون مع قضايا هذه الأجندة لأنهم لا يتبنون في أحيان كثيرا أجندة مناقضة لها إلى حد كبير لكونهم لا ينتمون عقائديا إلى التيار المحافظ كما يراه بوكانان، كما أن المحافظين الجدد مشغولين بدفع أمريكا إلى شن حرب لإعادة تشكيل العالم الإسلامي، وهنا يعيد بوكانان التأكيد على أهمية الحد من التدخل الأمريكي في شئون العالمين العربي والإسلامي ويقول أن "سيطرة أمريكا على الشرق الأوسط ليست حلا للإرهاب. إنها سبب للإرهاب ... لقد هوجمنا بسبب وجودنا الإمبريالي في أراضي مكة والمدينة المقدسة، وبسبب اعتقاد أعدائنا بأننا نقتل الشعب العراقي بالعقوبات المفروضة عليه ونستعد للهجوم عليه مرة ثانية، وبسبب مساندتنا غير المشروطة لنظام شارون الليكودي"

كما يقول بوكانان أن "الإرهاب هو عرض للمرض، الإرهاب ليس المرض نفسه"، وينادي بسحب القوات الأمريكية من الشرق الأوسط إذا كانت غير مرغوب في وجودها، ويطالب بعدم التدخل في شئون العالم الإسلامي وأن يترك العالم الإسلامي "ليشكل مصيره بنفسه"، كما يؤكد على فشل إسرائيل وأن "إسرائيل في أزمة وجودية" وعلى خوف السياسيين الأمريكيين من انتقاد إسرائيل أكثر من خوف الإسرائيليين أنفسهم من انتقاد بلدهم، ويقول أن "شارون وعد بالسلام والأمن ... ولكنه قدم الحرب والكراهية"، كما يؤكد على أن "أمريكا تحتاج لسياسة شرق أوسطية صنعت في أمريكا وليس في تل أبيب أو في الإيباك"، وعلى أن "أمريكا تخلت عن دورها "كوسيط عادل"، ويقول أن "الرئيس لم يعد يجلس على رأس طاولة المفاوضات، ولكن أصبح يجلس خلف شارون مباشرة. قد يخدم ذلك المصالح السياسية الخاصة بالرئيس وحزبه، ولكن ذلك لا يخدم مصالح أمريكا"

Tuesday, December 14, 2004

نحو دور أكبر للمرأة المسلمة في أمريكا
مقال بقلم: علاء بيومي

الناشر:
إسلام أون لاين، 14 ديسمبر 2004

نص المقال

ظروف الحياة في المجتمعات الغربية فرضت أعباء متزايدة على الأسرة المسلمة والعربية وخاصة على المرأة المسلمة التي بات عليها القيام بعدد من الأدوار التربوية والاجتماعية المتزايدة لمواجهة ما تتعرض له أسرتها من ضغوط وتحديات، وعلى رأس هذه الضغوط عمل الآباء لساعات طويلة بالمجتمعات الغربية وغياب الأسرة الممتدة وغياب شبكات العلاقات الأسرية والاجتماعية الواسعة والوثيقة، وكذلك زيادة الضغوط المجتمعية والثقافية على الأسرة المسلمة والعربية بعد أحداث سبتمبر 2001، هذا إضافة إلى نقص المؤسسات القائمة على رعاية النشء المسلم والعربي دينيا وثقافيا، وأخيرا حاجة الأسرة المسلمة والعربية إلى تنشئة أطفالها بأسلوب جديد قادر على حماية قيمهم المسلمة والعربية وعلى الانفتاح المتوازن على قيم الثقافة الغربية الإيجابية

وفي مواجهة هذه التحديات كان لزاما على المرأة والأم المسلمة والعربية بالولايات المتحدة أن تنشط للقيام بعدد متزايد من الأدوار والمهام لمساعدة نفسها وأسرتها على مواجهة تحديات الحياة في المجتمع الأمريكي، كما علت الدعوات الفردية والجماعية من داخل التجمعات المسلمة أنفسها مطالبة بدور أكبر للمرأة المسلمة، وكذلك ظهرت دراسات مختلفة ومنظمات مسلمة أمريكية معنية بدراسة قضايا المرأة المسلمة في المجتمعات الغربية بهدف تقييمها ومساندتها

وفي ضوء هذه الظروف أصبح من الضروري الوقوف على إجابة عدد من الأسئلة الهامة المتعلقة بحجم الدور الذي تلعبه المرأة المسلمة في الحياة السياسية والاجتماعية والدينية للمسلمين بالولايات المتحدة، وكذلك التساؤل حول ما إذا كان هناك فروق واضحة بين مستوى نشاط المرأة والرجل؟ وما هي الأسباب العامة التي قد تفسر قوة أو ضعف مشاركة المرأة المسلمة في مختلف أوجه حياة المسلمين بالمجتمع الأمريكي؟

المقال الحالي يسعى إلى الإجابة على الأسئلة السابقة مستعينا بأحدث استطلاع لتوجهات المسلمين الأمريكيين نحو قضية المشاركة في الحياة العامة الأمريكية والذي أجراه مركز أبحاث مسلم أمريكي يعرف باسم (MAPS) تابع لجامعة جورج تاون الأمريكية في شهري أغسطس وسبتمبر من العام الحالي

وقد شمل الاستطلاع عينة من 1846 مسلما مقيما في الولايات المتحدة من بينهم 1074 رجلا ( 58%) و772 امرأة (42%)، كما يشير الاستطلاع إلى أن 36 % من المشاركين فيه هم من المولودين في الولايات المتحدة والبقية من المهاجرين، و82% منهم على الأقل يحملون الجنسية الأمريكية، و59% منهم يحملون شهادات جامعية، و70% منهم من المتزوجين، وتزيد دخول نصفهم تقريبا عن خمسين ألف دولار أمريكي سنويا، كما أنهم موزعين على الأعراق المسلمة المختلفة كالعرب (26%) والأفارقة الأمريكيين (20%) والجنوب آسيويين (34%)

أولا: مشاركة المرأة المسلمة في الحياة السياسية

(أ) التصويت في الانتخابات

فيما يتعلق بمستوى مشاركة المرأة المسلمة في الحياة السياسية لم يكشف الاستطلاع عن وجود فروق واضحة بين الرجال والنساء فيما يتعلق بالتسجيل في السجلات الانتخابية الأمريكية (82% من المشاركين في الاستطلاع) أو الرغبة في التصويت في الانتخابات (95%)، أو التأثر بالهوية المسلمة عند التصويت (69%)، أو الانتماء لإيديولوجية سياسية معينة (كالليبرالية أو التيار المحافظ)

ولكن الاستطلاع أظهر أن أصوات النساء أكثر تأثرا بالقضايا الداخلية (46%) مقارنة بالرجال (42%) ومقارنة بالمتوسط العام لمسلمي أمريكا (44%)، كما أن أصوات الناخبات المسلمات أقل تأثرا بقضايا السياسية الخارجية (35%) مقارنة بالرجال (42%)

(ب) القيام بأنشطة سياسية

لم يعثر الاستطلاع على فروق واضحة بين مستويات مشاركة الرجال والنساء في الأحزاب السياسية (24%) أو في التبرع للحملات الانتخابية (35%) أو في المشاركة في المظاهرات (46%) أو في الكتابة إلى الإعلام والسياسيين (54%)

ولكن النساء بدين أقل نشاطا فيما يتعلق بزيارة المواقع الإلكترونية السياسية للتعرف على مواقف المرشحين (37%) مقارنة بالرجال (44%) وبالمتوسط العام لمسلمي أمريكا (41%)

(ج) تشجيع المشاركة السياسية

أظهر الاستطلاع أن النساء أقل تحمسا لتشجيع الجيل الراهن من مسلمي أمريكا على المشاركة في الحياة السياسية (48%) مقارنة بالرجال (57%) وبالمتوسط العام (53%)، وعلى الخط نفسه أظهر الاستطلاع أن النساء أقل تحفزا لتشجيع مشاركة الجيل القادم (أبنائهن) في الحياة السياسية (56%) مقارنة بالرجال (60%) وبالمتوسط العام (58%)

(د) متابعة الشئون السياسية والحكومية

لم يعثر الاستطلاع على فروق واضحة بين النساء والرجال فيما يتعلق بالاهتمام بمناقشة قضايا السياسة مع الأسر والأصدقاء (86%)، ولكن الاستطلاع أظهر أن النساء أقل متابعة للشئون العامة والحكومية بشكل دءوب (59%) مقارنة بالرجال (67%) وبالمتوسط العام (64%)

(هـ) تشجيع وحدة مسلمي أمريكا السياسية

تتساوي النساء مع الرجال فيما يتعلق بمستوى مساندتهم لأجندة منظمات مسلمي أمريكا السياسية (81%) وتأثرهم بتأييد هذه المؤسسات لأحد المرشحين في الانتخابات الرئاسية (69%)، ولكن النساء بدين أقل تأييدا لمبدأ تصويت المسلمين ككتلة انتخابية واحدة في انتخابات الرئاسة (50%) مقارنة بالرجال (56%) وبالمتوسط العام (53%)

ثانيا: مشاركة المرأة المسلمة في الحياة المدنية والاجتماعية

(أ) المشاركة الفعلية في مؤسسات المجتمع المدني

لا توجد فروق واضحة بين مستوى مشاركة النساء والرجال في عدد من الأنشطة المدنية والاجتماعية، مثل التبرع بالمال والوقت لمساندة المنظمات الفنية والثقافية (42%)، والنشاط في المساجد والمؤسسات الدينية (71%)، ومساندة المؤسسات العرقية والإثنية (35%)، والمشاركة في عمل المنظمات السياسية والمنظمات المعنية بالشئون العامة (30%)

على الجانب الأخر تبدو النساء أكثر مشاركة في أنشطة المنظمات الخيرية المتخصصة في مجال مساعدة المرضى والفقراء وكبار السن (79%) مقارنة بالرجال (72%) وبالمتوسط العام (75%)، وهن أيضا أكثر تبرعا بأوقاتهن لخدمة المدارس المسلمة وبرامج رعاية الشباب (24%) مقارنة بالرجال (21%) وبالمتوسط العام (22%)، في حين أن النساء أقل تبرعا بالأموال للمدارس المسلمة ولبرامج رعاية الشباب (8%) مقارنة بالرجال (10%) وبالمتوسط العام (9%)

ولكن تبدو النساء أقل مشاركة في منظمات المجتمع المدني (43%) مقارنة بالرجال (49%) وبالمتوسط العام (45%)، وأقل مشاركة في أنشطة المنظمات المهنية (كالنقابات) (42%) مقارنة بالرجال (47%) وبالمتوسط العام (45%)، كما إنهن أقل تبرعا بأوقاتهن أو بأموالهن لخدمة اتحادات التجارة والعمال (13%) مقارنة بالرجال (18%) وبالمتوسط العام (17%)

(ب) التوجه نحو المشاركة في المؤسسات المدنية والخيرية غير المسلمة

لا توجد فروق واضحة بين النساء والرجال فيما يتعلق بالاستعداد للمشاركة في مختلف المؤسسات المدنية والخيرية غير المسلمة الموجودة بالمجتمع الأمريكية مثل منظمات الخدمات الاجتماعية (97%) والمؤسسات السياسية (95%)، وأنشطة الحوار بين أبناء الأديان المختلفة (90%) ومساندة المرشحين السياسيين غير المسلمين ماليا (87%) والمطالبة بدور أكبر للدين وللقيم الاجتماعية في الحياة العامة الأمريكية (85%)

وإن كان الرجال – كما يوضح الاستطلاع – يبدون أكثر تحمسا مقارنة بالنساء فيما يتعلق بالمشاركة في مؤسسات الخدمات الاجتماعية والمؤسسات السياسية ومساندة المرشحين السياسيين المعتدلين

(ج) التوجه نحو عدد هام من السياسات الاجتماعية الداخلية

لا توجد فروق واضحة بين النساء والرجال فيما يتعلق بمواقفهن تجاه عدد من السياسات الاجتماعية الداخلية الهامة وعلى رأسها توفير الرعاية الصحية للجميع (96%)، ومكافحة التصنيف العنصري (95%)، وزيادة الدعم لأنشطة ما بعد انتهاء اليوم الدراسي التعليمية (94%)، وتشديد قوانين حماية البيئة (94%)، وزيادة الدعم للفقراء (92%)، وزيادة الإعفاءات الضريبية على الدخول (65%)، ومعارضة الاعتراف القانوني بزواج المثليين جنسيا (79%)

على الجانب الأخر تبدو النساء أكثر دعما لعدد من السياسات الاجتماعية مقارنة بالرجال وعلى رأس هذه السياسات تشديد قوانين حظر بيع الأسلحة (85% للنساء – 78% للرجال)، وحظر بيع وعرض المواد الإباحية (79%-74%)، ومعارضة تشديد قوانين مكافحة الإرهاب (66%-71%)، ومعارضة إرسال مزيد من الجنود الأمريكيين إلى العراق (82%-79%)

في حين يبدي الرجال مواقف أكثر تأييدا مقارنة بمواقف النساء تجاه عدد من السياسات الاجتماعية الهامة وعلى رأسها إقرار عقوبة الإعدام على المتهمين بالقتل (66%-54%)، وتشديد قوانين حظر الإجهاض (57%-53%)، ودعم أبحاث الاستنساخ (34%-21%)

ثالثا: مشاركة المرأة المسلمة في الحياة والمؤسسات الدينية

تشير نتائج الاستطلاع إلى أن النساء أكثر مواظبة على أداء الصلوات الخمس (54%) مقارنة بالرجال (45%) وبالمتوسط العام (49%)، وإلى أن النساء يشعرن بأن الدين الإسلامي يلعب دورا شديد الأهمية في حياتهن اليومية بنسبة (85%) أكبر من الرجال (79%) ومن المتوسط العام 82%، كما تشارك النساء الرجال في إدارة الأنشطة التي تقوم بها المساجد بعد الصلوات، ويبلغ المتوسط العام لمشاركة المسلمين في هذه الأنشطة 43%، كما تمتلك النساء نظرة أكثر إيجابية لقيادات المساجد الدينية (66%) مقارنة بالرجال (58%) ومقارنة بالمتوسط العام (61%)

ولكن على النقيض يقل حضور النساء للمساجد بشكل منتظم (مرة واحدة أسبوعيا على الأقل) بدرجة ملحوظة (42%) مقارنة بالرجال (63%) وبالمتوسط العام (54%)

رابعا: موقف المرأة المسلمة من تبعات أحداث سبتمبر

وفقا لمؤشرات مختلفة تبدو النساء المسلمات أكثر تضررا من التبعات السلبية لأحداث سبتمبر 2001 على حقوق وحريات مسلمي أمريكا، كما تبدو المرآة المسلمة أكثر رفضا لسياسات الإدارة الأمريكية بعد تلك الأحداث كما تبدو النساء أيضا أكثر استياء من موقف المجتمع الأمريكي العام نحو الإسلام والمسلمين

إذ تشعر 66% من النساء المسلمات بعدم الرضا العام عما يدور بالمجتمع الأمريكي مقارنة بنسبة 62% من الرجال، كما ترى 42% من النساء أن الحرب الأمريكية على الإرهاب هي حرب على الإسلام في حين لا يوافق على هذا الرأي سوى 36% من الرجال ونسبة 38% في المتوسط العام، كما تعارض 60% من النساء الحرب على أفغانستان مقارنة بنسبة 48% من الرجال وبنسبة 53% في المتوسط العام، وترى 12% فقط من النساء أن مكاسب الحرب على العراق تتناسب مع خسائرها مقارنة بنسبة 18% من الرجال

فيما يتعلق بالتمييز ضد المسلمين ذكرت نسبة أكبر من النساء (64%) مقارنة بالرجال (52%) أنهن يعرفن أصدقاء وأسر تعرضوا للتمييز بعد أحداث سبتمبر، وعلى نفس الخط تقل نسبة النساء اللاتي يعتقدن بأن الأمريكيين يحترمون المسلمين ويتعاملون معهم باحترام لتصل إلى 27% مقارنة بنسبة 36% لدى الرجال

أهم النتائج

الإحصاءات السابقة تشير إلى عدد من الحقائق الهامة المتعلقة بمستوى وأسباب مشاركة المرأة المسلمة في الجوانب المختلفة من حياة المجتمعات المسلمة بالولايات المتحدة، وعلى رأس هذه الحقائق ما يلي

أولا: المرأة المسلمة في الولايات المتحدة هي شريك واضح للرجل ولا توجد فروق واضحة بينهما في العديد من مظاهر المشاركة في الحياة السياسية والمدنية والاجتماعية، فهما يعانيان معا من نفس أسباب القصور ويتساويان إلى حد كبير في مظاهر المشاركة الإيجابية

ثانيا: المرأة المسلمة أكثر تمسكا بتعاليم الإسلام مقارنة بالرجل كما أنها أكثر شعورا لما يتعرض له الإسلام والمسلمون من تشويه وتمييز مقارنة بالرجل، وربما يفسر هذا ميل المرأة المسلمة الواضح مقارنة بالرجل إلى التركيز على قضايا الداخل مقارنة بقضايا السياسة الخارجية، كما تميل المرأة المسلمة لدعم السياسات الاجتماعية ذات الطبيعة الليبرالية وعلى رأسها تشديد قوانين حظر بيع الأسلحة ومعارضة تشديد قوانين مكافحة الإرهاب ومعارضة إرسال مزيد من الجنود الأمريكيين إلى الحروب

ثالثا: المرآة المسلمة أقل مشاركة مقارنة بالرجل في مؤسسات المجتمع الأمريكي غير المسلمة خاصة السياسية والمهنية منها، كما أنها لا تذهب إلى المساجد بنفس نسبة ذهاب الرجل وتفتقد للقدرات المالية التي يمتلكها الرجل، ولكنها في نفس الوقت تشارك بدرجة متساوية في إدارة أنشطة وبرامج المساجد خاصة البرامج المتعلقة بتربية النشئ والشباب، وهي أيضا أكثر قدرة على التبرع بوقتها وأكثر مشاركة في الأنشطة ذات الطبيعة الاجتماعية والتعليمية الخيرية

رابعا: تبرز النتائج السابقة الحاجة إلى تشجيع المرأة المسلمة على القيام بعدد من الأدوار الهامة التي تعاني من القصور فيها وعلى رأسها توعية المرأة المسلمة بأهمية المشاركة السياسية وبأهمية أن تقوم الأم والمرأة المسلمة بتشجيع أسرتها على المشاركة في الحياة السياسية وفي الحياة العامة الأمريكية، فعدم تحفز المرأة المسلمة على القيام بهذه المهمة – والذي كشف عنه الاستطلاع – يمثل مصدرا للقلق خاصة في حالة تزايد عدم تحفز المرأة المسلمة لقضية المشاركة السياسية وتأثير هذه الظاهرة على الجيل الثاني من المسلمين الأمريكيين

هناك أيضا حاجة لتشجيع المرأة المسلمة على المشاركة في أنشطة مؤسسات المجتمع المدني الأمريكي غير المسلمة، ويمكن القول بأن هناك فرصة كبيرة لتشجيع مشاركة المرأة المسلمة في عدد من هذه المؤسسات خاصة المؤسسات المعنية بتربية النشء ومساعدة الأسر المهاجرة ومساندة الأقليات

يجب أيضا تشجيع المرأة المسلمة على المشاركة في الحياة الدينية للمسلمين الأمريكيين خاصة فيما يتعلق بتشجيع المرأة المسلمة على زيارة المساجد وحضور الدروس الدينية والتعلم وتعليم أبنائها، ويجب هنا الإشارة إلى الدور المتزايد الذي تلعبه الأم المسلمة كمصدر أول لتربية أطفالها تربية إسلامية صحيحة، فالأم بطبيعتها تمثل مدرسة أسرتها وأطفالها الأولى، كما أن الأسر المسلمة المقيمة في الغرب تفتقر للمؤسسات والبيئة الإسلامية الكافية التي قد تساعد على تربية النشء، الأمر الذي يزيد من الدور المفترض أن تقوم به الأم المسلمة في هذا المجال

بقى لنا أن نشير إلى أن التوجه العام في الأوساط المسلمة الأمريكية في الوقت الراهن يدفع باتجاه تشجع مشاركة المرآة المسلمة بشكل أكثر فعالية وكثافة في مختلف أوجه حياة المسلمين الأمريكيين، ويبدو أن النساء المسلمات قطعن شوطا كبيرا على طريق المشاركة خلال السنوات الأخيرة، وهو ما يجعلنا نتوقع أن يشهد المستقبل القريب مشاركة أكبر للمرآة المسلمة في مختلف أوجه حياة مسلمي أمريكا بشكل قد يفوق الرجل على مستويات عديدة

Sunday, December 05, 2004

تحديات داخلية أمام جهود أمريكا لتحسين صورتها
بقلم: علاء بيومي

الناشر:
جريدة الرياض، 5 ديسمبر 2004

نص المقال

التقرير الذي أصدرته حديثاً لجنة علم الدفاع التابعة للبنتاجون بخصوص جهود أمريكا لتحسين صورتها في العالم كشف بشكل غير مسبوق عن المعوقات الداخلية التي تواجه المسئولين الأمريكيين الساعين خلال الفترة الراهنة، ويمكن تحديد هذه المعوقات في مثلث أساسي ضلعه الأول هو ضعف قدرة إدارة جورج دبليو بوش على قيادة جهود تحسين صورة أمريكا، وضلعه الثاني هو سياسات أمريكا في العالم الإسلامي ذات التأثير العكسي، أما ضلعه الثالث فهو عجز الإدارة الأمريكية عن تعريف الحرب على الإرهاب وأهدافها لأكبر مسئوليها
فيما يتعلق بدور القيادة الأمريكية كشف التقرير عن ضعف الدور الذي قام به الرئيس الأمريكي جورج دبليو بوش وكبار مساعديه في تعبئة جهود الولايات المتحدة لتحسين صورتها في العالم بعد 9/11، فالإدارة الأمريكية - كما يرى التقرير - اكتفت ببعض التعديلات السطحية والمحدودة التي اتخذتها بعد أحداث سبتمبر وخلال الحرب على العراق مثل تأكيد الرئيس الأمريكي خلال خطاباته على أن الحرب على الإرهاب ليست حرباً على الإسلام، وإطلاق بعض وسائل الإعلام الموجّه للخارج كراديو سوا وتلفزيون الحرة، ومحاولة التحكم في نوعية الأخبار المرسلة من العراق من خلال إرسال بعثات إعلامية مرافقة للجنود الأمريكيين
على الجانب الآخر والأهم عجزت إدارة بوش عن إحداث تغييرات هيكلية أو هامة في الأسلوب أو المؤسسات المعنية بتحسين صورة أمريكا في العالم، كما غاب دور وزارة الخارجية في القضية ذاتها حتى أن منصب نائب وزير الخارجية لشئون الدبلوماسية العامة ظل خالياً لمدة سنتين من بين الأعوام الأربعة الأولى من عمر إدارة بوش، فالنائبة الأولى شارلوت بيرز تركت منصبها بعد 18شهراً، والنائبة الثانية مارجريت تيتويلر تركت منصبها بعد ستة شهور، أما وزارة الدفاع فقد أنشأت مكتباً للإعلام الاستراتيجي في اكتوبر 2001م ثم أغلقته في فبراير 2002م بعد أن اتهم بعض المسئولين الحكوميين الأمريكيين المكتب بأنه ينوي توزيع معلومات كاذبة للإعلام الدولي مما قد يعود بالسلب على مصداقية أمريكا المتدهورة
إضافة إلى ذلك غاب التنسيق بين مؤسسات الحكومة الأمريكية المعنية بالأمر، فلم توجد هيئة واحدة - كما يوضح التقرير - معنية بالتخطيط الاستراتيجي والتنسيق بين الإدارات وتقييم جهود تحسين صورة أمريكا في العالم، كما تركت الهيئات المعنية بالتخطيط الاستراتيجي وإجراء بحوث الرأي العام داخل وزارة الخارجية الأمريكية بميزانيات وسلطات محددة للغاية، أكثر من ذلك لم تتعد ميزانية حملة أمريكا لتحسين صورتها أكثر من 1.2بليون دولار أمريكي، وهو ما يعادل - كما أبرز التقرير - أقل من ربع الواحد في المائة من ميزانية وزارة الدفاع الأمريكية
فيما يتعلق بسياسات الإدارة الأمريكية في الشرق الأوسط أكد التقرير منذ بدايته على قضية أساسية وهي أن جهود أمريكا لتحسين صورتها تمر بأزمة ومعوقات عديدة ولكن هذه المشاكل والمعوقات ليست الأسباب الوحيدة المسئولة عن تردي صورة أمريكا في العالم بما في ذلك أوروبا والدول الغربية، لذا ذكر التقرير على أن تحسين صورة أمريكا لن يتحقق عن طريق توزيع مزيد من المعلومات أو صياغة رسائل إعلامية أفضل للعالمين العربي والإسلامي، لأن المشكلة الأساسية هي مشكلة "مصداقية"
وهنا تحدث التقرير بوضوح غير مسبوق عن أن "سياسات أمريكا تجاه قضايا الإسرائيليين والفلسطينيين والعراق في عامي 2003و 2004 دمرت مصداقية أمريكا وقدرتها على الإقناع"، وقال التقرير: "إن تدخل أمريكا المباشر في العالم الإسلامي أدى بشكل مركب إلى تصعيد مكانة المتطرفين والتأييد الذي يحصلون عليه في العالم الإسلامي، في الوقت الذي أدى فيه إلى تراجع صورة أمريكا في أوساط الجماهير المسلمة والعربية، كما ساعدت سياسات أمريكا منذ 9/11على نشر شبكات الإرهاب والجماعات الإرهابية

أما المشكلة الثانية التي تواجه مصداقية أمريكا في المنطقة فهي حديث الإدارة الأمريكية المستمر عن قضية نشر الديمقراطية والحرية في العالم الإسلامي، وذكر التقرير أن الشعوب المسلمة والعربية تنظر إلى حديث أمريكا عن نشر الديمقراطية على أنه نوع من "النفاق" الهادف إلى خدمة مصالح أمريكا الذاتية

أما الضلع الثالث والأهم من ضلوع مثلث المشاكل الداخلية التي تواجه حملة أمريكا لتحسين صورتها في العالم فهو يتعلق بعجز المسئولين
الأمريكيين عن نشر تعريف محدد للحرب على الإرهاب وهدف هذه الحرب والذي تصب فيها جهود أمريكا لتحسين صورتها في العالم
حيث أكد التقرير في بدايته على أن الحرب على الإرهاب أصبحت تمثل الإطار المعرفي العام الذي يتم من خلاله الحديث عن دراسة وتقييم والتخطيط لجهود أمريكا لتحسين صورتها في العالم ضمن ما يسمى بحرب الأفكار، فالحرب على الإرهاب - كما يذكر التقرير - حلت لدى الكثيرين محل الحرب الباردة. ولكن التقرير أظهر بشكل متكرر عدم وجود تعريف واضح - لدى المسئولين الأمريكيين المعنيين بتحسين صورة أمريكا في العالم - للحرب على الإرهاب وأهدافها وهوية العدو الذي تواجهه أمريكا حتى أن التقرير نفسه استخدم في جملة واحدة أربعة ألقاب شائعة - وإن كانت غامضة ومختلفة - لوصف الجماعات التي تحاول أمريكا هزيمتها في حربها ضد الإرهاب إذا وصفهم على أنهم "متطرفون، مسلحون، إسلاميون، وجهاديون"، دون أن يقدم تعريفاً دقيقاً لكل مصطلح والفروق التي تفصله عن المصطلح الآخر، وعن صورة المسلم المعتدل الذي لا يمثل مشكلة لأمريكا

لذا سعى التقرير لتقديم فهمه الخاص لهدف أمريكا في الحرب على الإرهاب، وهنا يمكن القول إن التقرير قلل بشكل ملحوظ من أهمية هزيمة الجماعات المتطرفة كالقاعدة للفوز بالحرب على الإرهاب، فالتقرير يرى أن المشكلة الأساسية تتعلق بعلاقة أمريكا بالعالم الإسلامي، فالعالم الإسلامي - كما يرى التقرير - يمر منذ فترة بعمليات تحول وإحياء وتغيير تاريخية كبرى، والقوى الأكثر تأثيراً في هذا التحول هي القوى الإسلامية، حتى أن التقرير قسم المجتمعات المسلمة في علاقتها بأمريكا إلى خمس فئات أساسية وهي: النظم، والنخب غير الملتزمة بقضايا معينة، والطبقة الكبيرة المتعاطفة مع الإسلاميين، والإسلاميين أنفسهم، ثم الإسلاميين الراديكاليين الذين تحاربهم أمريكا، كما ذكر التقرير أن الإسلاميين الذين لا يؤمنون باستخدام العنف ويؤمنون بالتسامح والتعددية هم "مركز الجاذبية الحقيقي في العالم الإسلامي اليوم"، لذا رأى التقرير أن هدف أمريكا الأساسي يجب أن يركز على التأثير على نظرة حركات الإصلاح والتغيير الإسلامية بالعالمين العربي والإسلامي لأمريكا والتأكد من رؤى هذه الجماعات لن تكون معادية للولايات المتحدة

لذا نصح التقرير المسئولين الأمريكيين بأهمية النظر إلى فئات المجتمع الإسلامي نظرة مركبة تتدارك الفروق الموجودة بين طبقات المجتمعات الإسلامية المختلفة وتوجيه رسائل إعلامية مختلفة لكل فئة تتناسب مع حجم تعاطفها مع الولايات المتحدة، هذا إضافة إلى علاج مشاكل السياسة الأمريكية، كما قدم التقرير عددا كبيرا من النصائح المتعلقة بتشجيع دور الإعلام الأمريكي الخاص في حملة أمريكا لتحسين صورتها في العالم، وكذلك تفعيل دور الإدارة الأمريكية القيادي في الحملة والاستعانة بوسائل الاتصالات المتقدمة في هذه الجهود

وفي الخاتمة يجب طرح سؤال هام بخصوص ما إذا كانت الإدارة الأمريكية سوف تستفيد من هذا التقرير ومضامينه الهامة، وهنا تجدر الإشارة إلى أن إجابة مؤلفي التقرير أنفسهم على هذا السؤال، إذ أبدى التقرير تشاؤم واضعيه من دور الدراسات ومؤسسات الأبحاث الحكومية في توجيه آراء صناع القرار وتعديل سياساتهم ومواقفهم، إذ أكد التقرير على أن "نتائج الأبحاث لا تستخدم بشكل كاف في صياغة وترويج السياسات"، كما أن صناع السياسات والدبلوماسيين والقادة العسكريين لا يقدرون في الغالب أهمية الإنصات للباحثين، كما أنهم نادراً ما يطلبون الإطلاع على الأبحاث والدراسات التي في الغالب ما تصلهم متأخرة

Friday, December 03, 2004

تحول المسلمين الأمريكيين نحو اليسار ونحو الداخل: مظاهر وأسباب
مقال بقلم: علاء بيومي

الناشر: صحيفة الحياة اللندنية، 3 ديسمبر 2004، ص 15

نص المقال

بعيدا عن انتخابات الرئاسة الأمريكية كشفت أحدث الدراسات الخاصة بتوجهات مسلمي أمريكا السياسية عن وقوع ثلاثة تحولات سياسية هامة في أوساطهم، التحول الأول هو توجههم الواضح نحو مزيد من الاهتمام بقضايا الداخل، والتحول الثاني هو تقاربهم المتزايد من اليسار الأمريكي، أما التحول الثالث فهو حسمهم لقضية المشاركة السياسية في صالح مزيد من المشاركة

فيما يتعلق بالاهتمام بقضايا الداخل دأب بعض المحللين على الإشارة إلى مسلمي أمريكا على أنهم مجموعة من المهاجرين الجدد المشغولين بقضايا أوطانهم الأصلية وشئون السياسية الخارجية والمغيبين عن شئون بلدهم الجديد والقضايا التي تشغل المواطن الأمريكي

وقد سئل استطلاع لأراء مسلمي أمريكا السياسية - أجراه مؤخرا مركز أبحاث مسلم أمريكي تابع لجامعة جورج تاون الأمريكية - المشاركين فيه عن القضايا الأكثر تأثيرا على أصواتهم، وردا على السؤال ذكر 44 % من الناخبين المسلمين الأمريكيين أن القضايا الداخلية هي العامل الأكثر تأثيرا على أصواتهم، مقارنة بنسبة 34 % من الناخبين رأوا أن القضايا الخارجية هي العامل الأهم بالنسبة لهم، وعندما سئل المشاركون في الاستطلاع عن أهم التحديات التي تواجه المسلمين الأمريكيين في الفترة الحالية جاءت قضية الحقوق المدنية في المرتبة الأولى بنسبة 28 % من أصوات المشاركين في الاستطلاع، تلتها قضية العنصرية بنسبة 24 %، ثم قضية المشاركة في التيار العام الأمريكي بنسبة 11 %، أما قضايا السياسة الخارجية فقد حلت رابعة بنسبة 8 % فقط، وتشير هذه الإحصاءات بوضوح إلى وجود تيار عام في أوساط المسلمين الأمريكيين ينادي بمزيد من الاهتمام بشئون الداخل

التحول الثاني دفع بالمسلمين الأمريكيين بعيدا عن اليمين الأمريكي ونحو مزيد من التقارب مع اليسار، ومن المعروف أن نسبة لا يستهان بها من المسلمين الأمريكيين أيدوا الحزب الجمهوري واليمين الأمريكي بشكل تلقائي وتقليدي بسبب أجندة اليمين الأمريكي المحافظة أخلاقيا واجتماعيا، وقد ظهر هذا التوجه واضحا في عام 2000 حين عبر ربع المسلمين الأمريكيين تقريبا عن تأييدهم للحزب الجمهوري كما ساند غالبية المسلمين الأمريكيين ومنظماتهم المرشح الجمهوري للرئاسة جورج دبليو بوش في انتخابات عام 2000 الرئاسية

على النقيض أظهرت الاستطلاعات الحديثة تأييد غالبية المسلمين الأمريكيين (أكثر من 70 %) للمرشح الديمقراطي جون كيري، بل كشفت الاستطلاعات عن تحول المسلمين بعيدا عن الحزب الجمهوري نفسه، إذ عبر 50 % من المسلمين الأمريكيين عن انتمائهم للحزب الديمقراطي، بينما تراجعت نسبة المسلمين الأمريكيين الذين يشعرون بالانتماء إلى الحزب الجمهوري إلى 12 %، كما ظهر هذا التقارب واضحا على صعيد المنظمات المسلمة الأمريكية التي أنفقت جزءا كبيرا من نشاطها في الأعوام الأربعة السابقة في توثيق علاقتها مع عدد من المنظمات المحسوبة على اليسار الأمريكي وعلى رأسها جماعات الحقوق المدنية ومنظمات الأقليات الأفارقة والأمريكيين من الأصل اللاتيني وجماعات السلام الأمريكية

التحول الثالث دفع بمسلمي أمريكا نحو مزيد من المشاركة في الحياة السياسية الأمريكية، فعلى مدى عقد التسعينات أنفقت المنظمات المسلمة الأمريكية جزءا لا يستهان من مواردها لتوعية المسلمين الأمريكيين بأهمية المشاركة السياسية ولإزالة العوائق الثقافية والفكرية المختلفة التي تحول بين المسلمين وبين النشاط السياسي، فعلى سبيل المثال كان بعض الفئات المسلمة الأمريكية تعتقد أن المشاركة في الحياة السياسية بالمجتمع الأمريكي هي أمر غير مجدي أو غير محبب من قبل الدين الإسلام، وبعد وقوع أحداث سبتمبر 2001 توقع بعض المراقبين أن تدفع الضغوط التي تلتها المسلمين الأمريكيين نحو مزيد من العزلة والعزوف عن المشاركة

ولكن نشاط المسلمين الأمريكيين غير المسبوق في انتخابات عام 2004 اثبت عدم صحة النظرية السابقة، إذ أشارت الاستطلاعات إلى إن نسبة الراغبين في المشاركة السياسية في أوساط مسلمي أمريكا قبيل الانتخابات بلغت 93 %، كما أن نسبة العازمين على التصويت بين الناخبين المسلمين تبلغ 95 % وهي بدون شك نسب مرتفعة

كما بذلت منظمات المسلمين الأمريكيين جهودا ملحوظة لتسجيل أكبر عدد من الناخبين المسلمين الأمريكيين في السجلات الانتخابية الأمريكية على مدى العامين السابقين، كما قامت بعض المنظمات بنشاط كبير لحث آلاف الناخبين المسلمين الأمريكيين بولايتي أوهايو وفلوريدا – الهامتين في الانتخابات السابقة – على الخروج للتصويت، وشكلت عشرة من أكبر منظمات المسلمين الأمريكيين السياسية والمعنية بالشئون العامة تحالفا أعلن في الحادي والعشرين من أكتوبر الماضي تأييده لمرشح الديمقراطي للرئاسة جون كيري

ويجب هنا الإشارة إلى أن مسلمي أمريكا لم يترجموا بعد رغبتهم العارمة في المشاركة السياسية إلى المستوى المطلوب من المشاركة السياسية المؤسساتية، ونعني بذلك أن مسلمي أمريكا مازالوا يفضلون المشاركة في الحياة السياسية خارج الأطر المؤسساتية، فهم – كما تشير الدراسات - يهتمون بالشئون السياسية (بنسبة تفوق 90%)، وينشطون في مجال الكتابة إلى السياسيين والإعلام (54%)، وحضور المظاهرات السياسية (46%)، ولكن – على الجانب الأخر – تبدو مشاركتهم في المؤسسات السياسية منخفضة كما يظهر في بعض النواحي مثل التبرع بأموالهم وأوقاتهم للمرشحين السياسيين (35%) والمشاركة النشطة في الأحزاب السياسية (24%) أضف إلى ذلك قلة عدد منظماتهم النشطة في المجال السياسي بشكل لا يتناسب بأي حال من الأحوال مع أعدادهم ومستواهم التعليمي، إذ تشير الدراسات إلى أن للمسلمين الأمريكيين أكثر من 60 منظمة معنية بالشئون السياسية والعامة، ولكن أكثر من 90% من هذه المنظمات هي منظمات صغيرة ذات تأثير محدود

بقى لنا أن نشير إلى أربعة أسباب رئيسية نعتقد أنها وقفت وراء هذه التحولات الهامة

السبب الأول هو تأثير المسلمين الأفارقة الأمريكيين على توجهات مسلمي أمريكا بشكل عام، فمن المعروف أن ثلث المسلمين الأمريكيين هم من الأفارقة الأمريكيين، ومعروف عن الأفارقة الأمريكيين ميلهم للحزب الديمقراطي ولليسار الأمريكي، كما أنهم أكثر اهتماما بقضايا الداخل مقارنة بالمسلمين المهاجرين لكون الأفارقة الأمريكيين هم من أهل البلاد الأصليين كما يأتي غالبيتهم من أوساط متوسطة وفقيرة، لذا يبدو الأفارقة الأمريكيون أكثر اهتمام بتركيز مواردهم للعمل على قضايا الداخل، وإذ أضفنا إلى هذه الملحوظة حقيقة هامة وهي الزيادة التدريجية لأبناء الجيل الثاني من المسلمين الأمريكيين واستقرار المهاجرين المسلمين التدريجي في الولايات المتحدة لتمكنا من تفسير بعض أسباب توجه مسلمي أمريكا نحو قضايا الداخل ونحو اليسار أيضا

السبب الثاني هو تبعات أحداث سبتمبر الخطيرة على حقوق المسلمين الأمريكيين المدينة، سواء فيما يتعلق بالقوانين التي تم سنها – مثل قانون باتريوت آكت لمكافحة الإرهاب لعام 2001، والإجراءات الأمنية التي اتخذت مثل اعتقال آلاف المسلمين والعرب المهاجرين بدون أدلة، والتمييز المستمر ضد المسلمين والعرب من قبل سلطات تنفيذ القانون، وبدون شك دفعت هذه العوامل المسلمين الأمريكيين نحو الشعور بأهمية التركيز على قضايا الداخل وأهمية زيادة نشاطهم السياسي دفاعا عن حقوقهم

العامل الثالث هو ردة فعل المجتمع الأمريكي نفسه تجاه المسلمين والعرب منذ أحداث سبتمبر، إذ يمكن القول أن تحول المسلمين الأمريكيين نحو اليسار هو في جزء كبير منه نوع من التأييد المتبادل لجماعات أمريكية ساندت مسلمي أمريكا بوضوح خلال السنوات الثلاثة الأخيرة، وقد أتي معظم هؤلاء الحلفاء - كجماعات الحقوق المدنية وجماعات السلام والجماعات المنادية بحقوق الأقليات – من خلفيات يسارية وليبرالية أمريكية واضحة

في المقابل وقف اليمين الأمريكي موقف المنكر – والمساند في بعض الأحيان – لما تعرض له المسلمون الأمريكيون وقضاياهم من تمييز وما تعرضت له صورتهم من تشويه خلال السنوات الثلاثة الأخيرة، إذ أشار استطلاع لتوجهات الشعب الأمريكي نحو الإسلام والمسلمين أصدره مجلس العلاقات الإسلامية الأمريكية (كير) في أوائل شهر أكتوبر الحالي إلى أن المنتمين إلى التيار الأمريكي اليميني المحافظ أكثر استعدادا للاعتقاد في صور سلبية عن الإسلام والمسلمين مقارنة بالمنتمين إلى التيار الليبرالي، كما أدلت بعض قيادات اليمين المسيحي الأمريكي الدينية – مثل بات روبرتسون وفرانكلين جرام وجيري فالويل- وبعض قياداته السياسية والرسمية - مثل الجنرال وليام بويكين ووزير العدل الأمريكي جون أشكروفت والنائب الجمهوري توم دلاي – بدلوها في موجة التعصب والكراهية والتشويه التي تعرض لها الإسلام والمسلمون منذ أحداث سبتمبر
العامل الرابع والأخير الذي نود الإشارة إليه هو دور المسلمين الأمريكيين أنفسهم ومنظماتهم في الإسراع بعجلة تحولهم الداخلي، ويبدو هنا أن المسلمين الأمريكيين مروا بكثير من التحولات السياسية منذ مطلع التسعينات والذي شهد نشأة منظماتهم السياسية، فمنذ ذلك الحين والمسلمين الأمريكيين يتوجهون أكثر فأكثر نحو المشاركة السياسية ونحو مزيد من الاهتمام بقضايا الداخل، ونحو مزيد من التقارب مع القوي السياسية المختلفة بالولايات المتحدة، وفي عام 2004 بات واضحا أن المسلمين الأمريكيين أصبحوا جماعة ذات خصائص جديدة تختلف بشكل واضح عن كثير من الصور النمطية التي كانت شائعة عنهم في الماضي والتي حاولت تصويرهم على أنهم جماعات مهاجرة ضعيفة الصلة بواقعها الجديد، وقد كتبنا مقالنا هذا بغرض توضيح بعض مظاهر هذا التغيير وكذلك رصد بعض خصائص صورة المسلمين الأمريكيين السياسية الراهنة