Sunday, December 31, 2006

بات روبرتسون


مقال بقلم: علاء بيومي

نص المقال التعريفي

ولد ماريون جوردون روبرتسون الشهير ببات روبرتسون في الثاني والعشرين من مارس عام 1930 في مدينة ليكسينجتون بولاية فيرجينيا الأمريكية لعائلة معروفة بنشاطها السياسي إذ عمل والده آبسلوم ويليز روربتسون كعضو ديمقراطي محافظ بمجلس الشيوخ الأمريكي

تلقى روبرتسون تعليمه الابتدائي والثانوي في مدارس تابعة للجيش الأمريكي، كما التحق في عام 1948 بسلاح مشاة البحرية الأمريكية، وأرسل في عام 1951 للخدمة في اليابان لمدة أربعة شهور عمل خلالها في تدريبات إعادة تأهيل جرحي الجيش الأمريكي في كوريا، ثم أرسل بعد ذلك إلى كوريا، حيث يوجد خلاف حول طبيعة المهام التي كلف بها بكوريا ومدى التزامه كجندي بالجيش الأمريكي

بعد عودته من كوريا سعى روبرتسون الحصول على شهادة في القانون من جامعة يال الأمريكية ولكنه فشل في عام 1955، ثم مر روبرتسون بعد ذلك بفترة تحول فكري توجه بعدها لدراسة الدين حيث تمكن من الحصول على ماجستير في الدراسات الدينية من إحدى جامعات نيويورك في عام 1959

بدأ روبرتسون عمله كقس معمداني جنوبي في عام 1961 واستمر في منصب الكنسي حتى عام 1987 حيث تخلي عن منصبة كقس عندما رشح نفسه للمنافسة على بطاقة الحزب الجمهوري في انتخابات الرئاسة الأمريكية لعام 1988 ومنذ ذلك الحين لم يعيد روبرتسون مؤهلاته الكنسية وإن أصبح عبر إنجازاته المختلفة واحد ممن يمكن تسميتهم بقادة اليمين المسيحي الأمريكي عبر الولايات المتحدة

عبقرية روبرتسون التنظيمية

تكمن عبقرية روبتسون في كاريزميته كداعية وفي قدراته التنظيمية كإعلامي وكقائد وكرجل أعمال حيث تمكن روبرتسون من تأسيس إمبراطورية من المؤسسات اليمينية المسيحية يأتي على رأسها منظمة التحالف المسيحي المعنية بتشجيع مشاركة المسيحيين المتدينين في الحياة السياسية الأمريكية، وقد أسس روبرتسون التحالف المسيحي في عام 1988 بعد أن فشل في الحصول على ترشيح الحزب الديمقراطي للرئاسة الأمريكية في عام 1988، ويقدر عدد أعضاء التحالف المسيحي حاليا بحوالي 1.2 مليون عضو، وقد تخلى روبتسون عن رئاسة التحالف المسيحي في عام 2001

كما أسس روبرتسون وكالة البث المسيحية (CBN) والتي تحولت إلى إمبراطورية إعلامية ضخمة لروبرتسون وللمسيحيين المتدينين بأمريكا، وقد أسس ربرتسون الوكالة في عام 1960 بمدينة فيرجينيا بيتش بولاية فيرجينيا بإمكانيات محدودة، وتحولت عبر الزمن إلى وكالة ضخمة تشاهد برامجها في 180 دولة وتذاع برامجها بـ 71 لغة

كما ساعدت أنشطة روبرتسون الإعلامية على تكوين ثروة شخصية له جمعها من شراء محطات إذاعية بأثمان بخثة في الستينات ثم بيعها في الثمانينات مقابل أموال طائلة، فعلى سبيل المثال بيعت إحدى محطات روبرتسون التلفزيونية الخاصة بقضايا الأسرة وهي قناة التسلية الدولية للأسرة "إنترناشيونال فاميلي إنترتاينمت" لقناة فوكس للأطفال في عام 1997 بمبلغ 1.9 بليون دولار أمريكي، هذا إضافة إلى امتلاك روبرتسون حصصا في هيئات إعلامية في أسيا وبريطانيا وأفريقيا

إضافة إلى المؤسستين السابقتين أسس روبرتسون جامعة باسم جامعة وكالة البث المسيحية في عام 1977 في مدينة فيرجينيا بيتش ثم أعاد تسمية الجامعة إلى جامعة ريجينت في عام 1989، وعمل روبرتسون كعميدها، كما أسس روبرتسون وكالة إغاثة خيرية تعرف باسم وكالة عملية الرحمة الدولية للإغاثة والتنمية، ومكتب قانون يعرف باسم مركز الأمريكي للقانون والعدالة للدفاع عن قضايا المسيحيين المتدينين في الحياة العامة الأمريكية

كما يقدم روبتسون برنامج نادي السبعمائة والذي يعد أحد أشهر برامج اليمين المسيحي في أمريكا والذي يذاع مرتين يوميا وتنقله قنوات أمريكية مختلفة

روبرتسون المرشح السياسي

إضافة إلى قدراته التنظيمية وكاريزميته تركت طموحات روبرتسون السياسية وتصريحاته النارية علامة فارقة على تاريخه كأحد قيادات اليمين المسيحي المتدين في أمريكا

ففي عام 1986 أعلن روبرتسون نيته ترشيح نفسه للمنافسة على ترشيح الحزب الديمقراطي للرئاسة الأمريكية في عام 1988، واشترط روبرتسون لتأكيد نيته أن يقوم ثلاثة ملايين شخص من مسانديه بالتطوع للمساعدة في الحملة، وفي سبتمبر 1987 تمكن روبرتسون من تحقيق هدفه السابق إضافة إلى حصده ملايين الدولارات كتبرعات لحملته، لذا أعلن ترشيحه في الانتخابات مستقيلا عن منصبه كقس وعن رئاسته لوكالة البث المسيحية ومتحديا سياسيين كبار وعلى رأسهم جورج بوش الأب (نائب الرئيس رونالد ريجان)

ركز روبرتسون في أجندته على قضايا تهم المسيحيين المتدينين في الحياة العامة الأمريكية كحظر الإباحية، كما ركز على قضايا تهم اليمين التقليدي مثل إصلاح النظام التعليمي والمطالبة بوضع تعديل دستوري يفرض على الحكومة بناء ميزانيات فيدرالية متوازنة، كما تبنى قضايا تعبر عن عما يمكن تسميته باليمين المنغلق أو شديد المحافظة السياسي مثل إزالة بعض الوزارات كالتعليم والطاقة

وبدوران عجلة الانتخابات داخل الحزب الجمهوري عجز روبرتسون عن منافسة بقية المرشحين خاصة بوش الأب، وفي مؤتمر الحزب الجمهوري لعام 1988 أعلن روبرتسون تأييده لبوش مطالبا مسانديه بالتصويت لبوش الأب في الإنتخابات الرئاسية

إتخذ روبرتسون من التأييد والزخم السياسي الذي حصده خلال حملته الإنتخابية قاعدة لإطلاع منظمة التحالف المسيحي لكي تعمل على تشجيع مشاركة المسيحيين المتدينين في الحياة السياسية الأمريكية

روبرتسون المثير للجدل

إشتهر بات روبرتسون عبر تاريخه كشخصية عامة أمريكية بتصريحاته المثيرة للجدل لما تضمنه من هجوم قوي على خصومه وإدعائه بأن الله يقف على جانبه في مقابل خصومه

المثير هنا أن خصوم روبرتسون لم يتقصروا على الأجانب أو غير المسيحيين بل شملوا طوائف مسيحية وحركات أمريكية أيضا، ففي يناير 1991 هاجم طوائف بروتستينية أخرى ووصفهم بأنه "معادين للمسيح"، كما هاجم روبرتسون الحركات النسوية الغربية واصفا الحركة النسوية بأنها "حركة سياسية إشتراكية معادية للأسرة تشجع النساء على ترك أزواجهن وعلى قتل نسائهن وعلى ممارسة السحر وعلى تدمير الرأسمالية والتحول إلى سحاقيات"

كما تعرض روبرتسون لإتهامات مختلفة عبر تاريخه بإستخدام الدين كغطاء لتعبئة مسانديه لتحقيق طموحات سياسية وإقتصادية خاصة به، فعلى سبيل المثال ساند روبرتسون الرئيس السابق لليبريا تشارلز تايلو ونقد التدخل الأمريكي في الحرب الأهلية ضد تايلور خلال الفترة يوينو-يوليو 2003، حيث تدخلت أمريكا لصالح معارضي تايلور مما عرض التدخل الأمريكي لإنتقادات لاذعة من قبل روبرتسون ومسانديه

وبعد ذلك تعرض روبرتسون لإنتقادات من وسائل الإعلام الأمريكية لأن روبرتسون لم يذكر في حديثه عن تشارلز تايلور أنه يمتلك إستثمارات في مناجم للذهب بليبريا تقدر بثمانية ملايين دولار أمريكي، كما أن روبرتسون لم يذكر أن تشارلز تايلور متهم من قبل الأمم المتحدة في جرائم حرب ومتهم بحماية عناصر من القاعدة

كما شملت قائمة خصوص روبرتسون الخارجية الأمريكية والقضاه الأمريكيين وبعض زعماء الدول الأجنبية، إذ سبق وأن إقترح روبرتسون ضرب الخارجية الأمريكية بقنبلة نووية صغيرة وهي تصريحات إنتقدها كولن باول وزير الخارجية الأمريكي في ذلك الحين، كما قارن روبرتسون بعض القضاة الأمريكيين الليبراليين بأنهم إرهابيين، كما طالب في أحدى برامجه بإغتيال هوجو شافيز رئيس فنزويلا

وغالبا ما تحصد تصريحات روبرتسون المثيرة للجدل إنتقادات واسعة بما في ذلك إنتقادات من قيادات بالكنيسة الجنوبية المعمدانية التي ينتمي إليها روبرتسون، مثل ريتشارد لاند رئيس برامج السياسة العامة بمؤتمر الكنائس الجنوبية المعمدانية الذي سبق وإن إنتقد روبرتسون في أكثر من مناسبة

روبرتسون وإسرائيل

خلال تاريخه كاحد قيادات اليمين المسيحي الأمريكي تلقى روبرتسون أكثر من تكريم من منظمات يهودية أمريكية ومنظمات مساندة لإسرائيل، إذ تم تكريمه في عامي 1975 و1979 من قبل منظمة المؤتمر المؤتمر الوطني للمسيحيين واليهود، كما حصل في عام 1994 على تقدير "المدافعين عن إسرائيل" من حملة المسيحيين للعمل العام بخصوص إسرائيل، وهي جائزة تذهب لمن "قدموا إسهامات كبرى في تقوية العلاقات الأمريكية الإسرائيلية"، كما حصل في عام 2002 على جائزة "أصدقاء دولة إسرائيل" من المنظمة الصهيونية بأمريكا

وفي أكتوبر 2004 حذر روبرتسون خلال زيارة قام بها لإسرائيل الرئيس بوش من أي محاولة لتغيير الوضع السياسي القائم في القدس سوف تؤدي لفقدان بوش لدعم الإنجليكيين له، كما ذكر روبرتسون أن بوش لا يجب أن يطيع الضغط الدولي المطالب بجعل نصف القدس عاصمة لدولة فلسطينية

وفي يناير 2006 هاجم روبرتسون – خلال برنامجه نادي السبعمائة – آريل شارون رئيس وزراء السابق بسبب مساعيه للتخلي للإنسحاب من بعض الأراضي الفلسطينية، حيث عبر روبرتسون عن إعتقاده بأن الجلطة الدماغية التي تعرض لها شارون هي عقاب من الله له على مساعية لإعطاء مزيد من الأراضي للفلسطينيين

وقد لاقت تصريحات روبرتسون بخصوص شارون إنتقادات واسعة من إسرائيل ومسانديها بالولايات المتحدة ومن بعض القيادات الإنجليكية الأمريكية مما دفع روبرتسون إلى الإعتذار عنها في خطاب أرسل به إلى عائلة شارون بعض أيام من تلفظه بالإنتقادات الموجهة لشارون

روبرتسون والإسلام

يمتلك روبرتسون سجلا واسعا من التصريحات المسيئة للإسلام خاصة في الفترة التالية لأحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001، ففي عام 2002 رفض روبرتسون تسمية الإسلام بأنه "دين سلام" وقال أن هدف الإسلام هو "التحكم، والسيطرة ثم ... التدمير"، وفي مارس 2006 ذكر روبرتسون خلال إحدى حلقات برنامج نادي السبعمائة في رد فعله بخصوص موقف المسلمين من الرسوم الدانماركية المسيئة للرسول أن هدف الإسلام هو "السيطرة على العالم" وأن الإسلام "ليس دين سلام"، كما ذكر أن رد الفعل المسلمين نحو الرسوم الدنماركية "يوضح نوع الشعوب التي نتعامل معها. هذه الشعوب هم متطرفين لحد الجنون" وأن رد فعل المسلمين يحركه "قوى شيطانية"

هذا إضافة إلى إساءات أخرى وجهها روبرتسون للإسلام وللرسول محمد صلى الله عليه وسلم – الذي وصفه روبرتسون في إحدى المناسبات بأنه "متطرف ... سارق وقاطع طريق .. وقاتل"
[i]، وللمسلمين من خلال برنامجه نادي السبعمائة ومن خلال وسائل إعلام يمينية وغير يمينية أمريكية قبل وبعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر

وجدير بالذكر أن هجوم روبرتسون على الأديان الأخرى لم يتقصر على الإسلام إذ هاجم روبرتسون الهندوسية في أكثر من مناسبة

----

مقالات ذات صلة

دك آرمي
رالف ريد


مقال بقلم: علاء بيومي

نص المقال التعريفي

يعد رالف ريد أحد أبرز القادة المعبرين عن التيار المسيحي المتدين بأمريكا خلال الفترة الحالية خاصة وأنه ينتمي لجيل جديد من القيادات الشابة دخل صفوف اليمين المسيحي والحزب الجمهوري مما يجعل قصة نشأة وصعود ريد هي - في أحد جوانبها - قصة صعود اليمين المسيحي في الحياة العامة الأمريكية خلال العقود الثلاثة الأخيرة

ولد رالف أوجين ريد في الرابع والعشرين من يونيو عام 1964 بمدينة بورتسموث بولاية فيرجينيا الأمريكية، تنقل ريد كطفل مع أسرته بعدة ولايات جنوبية مثل فلوريدا وجورجيا، والتحق بجامعة ولاية جورجيا لدراسة التاريخ حيث حصل على شهادة البكالوريوس في التاريخ في عام 1985 بعد حوالي ستة سنوات من التحاقه بالجامعة انشغل فيها ريد بعضوية إتحاد الطلاب الجمهوريين بالجامعة وبالكتابة بإحدى صحفها وبالنشاط في اللجنة الوطنية لطلاب الجامعات الجمهوريين بواشنطن

قائد ومشاغب منذ نعومة أظافره

اشتهر ريد منذ بداية نشاطه السياسي كطالب جامعي بانتمائه لجيل جديد من القيادات الجمهورية الشابة المتميزة خاصة في ظل علاقة ريد القوية باثنين من رموز هذا الجيل وهما جاك إبراهوموف والذي عمل كرئيس للجنة الوطنية لطلاب الجامعات الجمهوريين في أوائل الثمانينات، وجروفر نوركويست المدير التنفيذي للجنة خلال الفترة ذاتها

وكان ريد قد انتقل في عام 1981 للعمل كمتدرب بمكتب إبراهوموف، وبعد رحيل نوركويست عن منصب مدير المكتب التنفيذي للجنة في عام 1983 تم ترقية ريد إلى منصبه

أتقن ريد خلال سنوات نشاطه الطلابي مهارات الجدل السياسي بالشارع ومهارات العمل السياسي وراء الستار، ولم تخل مسيرته من مواقف صعبة ومثيرة الجدل، إذ تم وقفه عن الكتابة بجريدة الجامعة بتهمة النقل من مؤلف أخر دون الإشارة إليه، كما وبخ من قبل اللجنة الوطنية لطلاب الجامعات الجمهوريين في عام 1983 بسبب دوره في التلاعب في انتخابات رئاسة إتحاد الطلبة بجامعته لصالح أحد المرشحين المساندين له، كما ألقي القبض على ريد في عام 1985 بسبب اقتحامه إحدى عيادات الأطباء الممارسين للإجهاض حيث أفرج عنه بعد توقيعه تعهدا بعدم التعرض العيادة مستقبلا

وبعد تخرج ريد من الجامعة توجه لدراسة التاريخ بجامعة إموري وحصل على الدكتوراه

التدين حول حياته

تقول بعض التقارير أن ريد كان يسعى للعمل كأستاذ جامعي ولكن الدين والسياسة غيرا حياته، ففي سبتمبر 1983 مر ريد بفترة تدين تحول بعدها للتيار الإنجليكي ولمن يسمون بالمسيحيين الذين ولدوا من جديد، وفي عام 1989 عرض بات روبرتسون على ريد العمل كمدير تنفيذي لمنظمة التحالف المسيحي التي أسسها روبرتسون لحشد قوى المسيحيين المتدينين السياسية بعد أن فشل في الفوز بترشيح الحزب الجمهوري في انتخابات الرئاسة الأمريكية لعام 1998

ظل ريد في منصبة كمدير للتحالف المسيحي حتى 1977 وساهم ريد في بناء مجد التحالف وقوته السياسية وحقق معه شهرة شخصية واسعة على مستوى الولايات المتحدة، فخلال فترة عمل ريد بالتحالف كان بمثابة وجه ولسان التحالف في الإعلام، كما حرص ريد على إبعاد التحالف وأنشطته عن المظاهرات والتكتيكات الفظة مفضلا العمل من خلف الستار واستخدام التكتيكات الناعمة، كما نشط التحالف في معارضة سياسية الرئيس الأمريكي السابق بيل كلينتون باعتبارها سياسات ليبرالية على المستوى الأخلاقي، كما ساهم التحالف في تفعيل دور المسيحيين المتدينين السياسي وداخل الحزب الجمهوري مما ساهم بفوز الجمهوريين في انتخابات عام 2004 التشريعية والتي ساعدتهم على الحصول على مقاعد الأغلبية بمجلس النواب الأمريكي، لذا لم يكن من المستغرب أن تقوم مجلة تايم الأمريكية في 15 مايو 1995 بنشر صورة ريد على غلافها وتحتها تعليق يقول "اليد اليمنى لله: رالف ريد والتحالف المسيحي"

ولكن فترة وجود ريد بالتحالف لم تمر بدون تحديات ففي عام 1996 ساند التحالف بقوة المرشح الجمهوري للرئاسة بوب دول مما ساعده على الفوز بترشيح الحزب الجمهوري ثم منى بخسارة كبيرة أمام بيل كلينتون، كما قدم ريد استقالته من منصب مدير التحالف في عام 1997 بعد أن تعرض التحالف لاتهامات تتعلق بالفساد المالي، ويقول البعض أن ريد نجح كمتحدث باسم التحالف ولكنه واجه فشل كمدير مما ساهم في تراجع مكانة التحالف المسيحي تدريجيا

من التحالف المسيحي للحزب الجمهوري

بعد الاستقالة عاد ريد إلى جورجيا للعمل كمستشار سياسي، وسرعان ما خطف الأضواء بعمله كمستشار بحملة مرشح جمهوري لمنصب حاكم ولاية جورجيا، حيث تولي ريد تنظيم الحملة وظهر في إعلانات يدعم المرشح بصفته المدير السابق للتحالف المسيحي، الأمر الذي ساعد على حسم الموقف داخل الحزب الجمهوري لصالح مرشح ريد بعدما جذب أصوات المسيحيين المتدين إليه ولكنه فشل في الإنتخابات العامة وتعرض بعد ذلك لعقوبة حبس لمدة ستة أشهر للكذب على المحققين في قضية فساد

قام ريد بعد ذلك بتأسيس شركة لوبي وعلاقات عامة تدعى استراتيجيات القرن "سنشري ستراتيجيز" مستفيدا بعلاقاته بشخصيات جمهورية ذات نفوذ مثل جاك إبراهوموف وكارل روف والذين ساعدوه على الحصول على عقود علاقات عامة ولوبي مع شركات كبرى مثل إنرون وشركات تابعة لأسرة بيل جايتس

كما قام ريد بدعم عدد من المرشحين الجمهوريين الذين فازوا في الانتخابات التمهيدية – داخل الحزب الجمهوري - ولكنهم فشلوا في الإنتخابات العامة بسبب أجندتهم السلبية وهجومهم الشرس على خصومهم

وفي عام 2002 نافس ريد على منصب رئيس الحزب الجمهوري بجورجيا وهو منصب شرفي غير مدفوع الأجر تحول إلى حملة كبيرة بسبب معارضة الجمهوريين لترسيح ريد الذين طالما لاموا عليه أسلوبه الانتخابي الشرس وتركيزه على الحملات السلبية وتعاونه مع شركات ليبرالية ورأسمالية، ولاستخدامه غطاء اليمين المسيحي في مختلف أنشطته

لذا تحولت المنافسة على المنصب السابق لمنافسة شرسة شغلت الرأي العام الأمريكي، ولكن ريد فاز بها بعد أن حصل – كما يرى البعض – على دعم جماعات انفصالية متشددة

وفي فبراير 2005 أعلن ريد نيته ترشيح نفسه لمنصب حاكم ولاية جورجيا، ولم يكن ريد من المرشحين المفضلين لقادة الحزب الجمهوري بجورجيا بسبب إثارته للجدل والخلاف، ولكن ريد أخاف المرشحين المنافسين له بادعائه الحصول على دعم الرئيس بوش وحاكم ولاية جورجيا، وكان ريد قد عمل كرئيس القطاع الجنوبي الشرقي بحملة بوش-تشيني 2004، كما تمكن ريد من جمع تبرعات غير مسبوقة في منتصف عام 2005، كما حصل على تأييد رودي جولايني عمدة نيويورك السابق

وساعد ما سبق على إخافة منافسي ريد الذين أعلن بعضهم الانسحاب، ولكن الأمور تغيرت بعد أن أظهرت إستطلاعات رأي أن ريد لا يحظى إلا بتأييد ضعيف من قبل الجمهوريين بجورجيا، كما حرص حاكم جورجيا والرئيس بوش على عدم الظهور بمظهر المؤيدين لرالف ريد، كما أعلن بعض قادة الحزب الجمهوري بجورجيا معارضتهم له وأنسحب بعض مسئولي حملته وانضموا لخصومه

كما ظهرت على السطح معلومات حول ارتباط ريد بفضيحة فساد سياسية ضخمة شغلت ومازلت تشغل أمريكا بطلها هو جاك إبراهوموف صديق ريد

وقد أدت هذه العوامل إلى مطالبة بعض قادة الحزب الجمهوري بجورجيا لريد بالانسحاب من المنافسة على منصب حاكم ولاية جورجيا لأن وجوده في الإنتخابات بسيرته وعلاقاته قد تضر الجمهوريين بجورجيا بشكل عام

ريد ولوبي إسرائيل

عن دور ريد في صياغة العلاقة بين اليمين المسيحي المتدين واللوبي الموالي لإسرائيل يقول ميلتون فريدمان مؤلف كتاب ثورة المحافظين الجدد أن ريد نشأ في أحياء يهودية بفلوريدا وكون صدقات عديدة بأصدقاء يهود في مرحلة الدراسة، كما عاش في بيت جاك إبراهوموف خلال عمله معه كطالب بواشنطن وكون علاقة صداقة قوية معه حيث شعر إبراهوموف بأن ريد "مساند-للسامية"

ويقول فريدمان أن ريد كان بمثابة وجه برجماتي وتقدمي لليمين المسيحي، حيث رفض ريد فكرة إعادة بناء الدستور على أساس مسيحي، كما رفض استخدام الدولة لفرض القوانين المسيحية، كما انتقد موقف الكنيسة الإنجليكية البيضاء من حركة الحقوق المدنية بأمريكا، كما أعلن خطة في أوائل 1997 للعمل مع الكنائس الأسبانية والأفارقة الأمريكيين بمقدار مليون دولار

ويشير البعض إلى خطاب ألقاه ريد في 1995 أمام عصبة مكافحة التشويه بصفته مديرا تنفيذيا للتحالف المسيحي إعتراف في بأن بعض اللغة المستخدمة من قبل اليمين المسيحي تمثل إنذار خطر لليهود كالقول بأن "الله لا يسمع دعاء اليهود" وأن أمريكا "بلد مسيحي"

كما أسس ريد في عام 2002 بالمشاركة مع حاخام أمريكي يدعى يشيل إيكستين منظمة تدعى "الوقوف من أجل إسرائيل" تهدف إلى تعبئة القادة المسيحيين من خلال حملة جماهيرية لدعم إسرائيل، وتهدف الحملة لتزويد القادة المسيحيين بمعلومات عن إسرائيل وعن كيفية مواجهة المعلومات المعادية لإسرائيل في الإعلام

وتنظم الحملة يوميا سنويا للصلاة والدعاء من إجل إسرائيل على متوى العالم، وتقول أنه شارك في صلاة عام 2002 أكثر من 16 ألف كنيسة و5 ملايين شخص

وعن أسباب مساندته لإسرائيل كتب ريد في أبريل 2002 مقالا في صحيفة لوس أنجلوس تايمز ويقول فيه: "بالنسبة للبعض ليس هناك دليل أكبر على سيادة الله على هذا العالم في يومنا هذا أكثر من بقاء اليهود ووجود إسرائيل"، ولكنه عاد وأكد أن الحجة السابقة لا تكفي وحدها لتفسير أسباب مساندة المسيحيين المتدينيين لأسرائيل مشيرا إلى أن هذا التأييد يعود لأسباب أخرى على رأسها الدافع الإنساني لمساندة اليهود بعد ما تعرضوا له من مأسي على أيدي النازية وأن "اليهود الذين وجدوا في دولة إسرائيل الحديثة ملجأ لهم لا يحتاجون حجة دينية لتبرير (حقهم) في بلد خاص بهم"

كما تحدث ريد عن أيام طفولته وعن والدته التي كانت تدرس في حلقة لدراسة الإنجيل تابعة للطائفة المعمداينة كتابات بعض المسيحيين واليهود الذين قاوموا هيتلر، وقال أن ذلك علمه درسا يقول "أن الوقوف من أجل عقيدته يعني الدفاع عن حق اليهود في ممارسة عقيدتهم"

كما تحدث عن تحالف الدول العربية مع الإتحاد السوفيتي وأن إسرائيل "وقف بشجاعة وحدها" في المنطقة أمام أعدائها العرب، كما كرر الحجة القائلة بأن إسرائيل اليوم هي "البد الديمقراطي الحقيقي الوحيد" بالشرق الأوسط وعلى وجود قيم ديمقراطية مصالح إستراتيجية قوية بين إسرائيل وأمريكا

أما السبب الأخير الذي عدده ريد فهو أن "دعم إسرائيل نابع من حقيقة بسيطة هي أنها أرض المهد للمسيحية واليهودية"، مدعيا أن الوصول إلى الأراضي اليهودية والمسيحية في الأراضي المقدسة قبل عام 1967 كان صعبا، وأضاف قائلا أن "هناك رابطة روحانية قوية لا يمكن إنكارها بين إسرائيل والعقيدة المسيحية، إنها "البلد" الذي ولد فيه المسيح المكان الذي عقد فيه صلواته"

-----

مقالات ذات صلة

دك آرمي

جيري فالويل



تعريف بقلم: علاء بيومي

الناشر: الجزيرة نت، 29 ديسمبر 2006، حقوق الطبع والنشر محفوظة للناشر

نص التعريف

ولد جيري لامن فالويل - الشهير بجيري فالويل - في 11 أغسطس 1933 بمدينة لينشبرج بولاية فيرجينيا الأمريكية

مر فالويل بفترة تدين في مرحلة مبكرة من حياته جعلته يتوجه إلى دراسة الدين، وبعد تخرجه أسس في عام 1956 كنيسة في مدينة لينشبرج تحت اسم "توماس رود بابتيست تشيرش" أو كنيسة شارع توماس المعمدانية، والتي لم يحضر اجتماعها الأول سوى 35 شخصا

إتخذ فالويل من كنيسته الصغيرة مركزا لانطلاق حملاته التبشيرية مبتدأ بدعوة أهل مدينته، ولم يمر عام على إلا وتضاعف عدد أعضاء الكنيسة إلى 864 عضوا، ويصل عدد أعضاء الكنيسة حاليا - والتي تحولت إلى صرح كبير - إلى حوالي 24 ألف عضو، كما بات يرتبط به مئات المبشرين الإنجليكيين

وبعد أسابيع من إنشاء الكنيسة سعى فالويل لنشر عقيدته من خلال أدوات جديدة، لذا بدأ في عام 1956 في بث برنامج إذاعي – تحول فيما بعد لبرنامج تلفزيوني – بعنوان "ساعة الإنجيل القديم"، وذلك على أحد الشبكات المحلية التابعة لقناة ABC الأمريكية

ومع بداية السبعينات ارتقى فالويل بنشاطه التبشيري إلى مستوى جديد، حيث أسس في عام 1971 جامعة لتدريس العلوم الدينية والاجتماعية من منظور مسيحي باسم "ليبرتي ينيفرسيتي" أو جامعة الحرية، والتي يصل عدد طلابها حاليا إلى حوالي 9 آلاف طالب بالإضافة على أكثر من 15 ألف طالب يدرسون بالجامعة عن طريق المراسلة، وقد تولى فالويل منصب رئيس الجامعة منذ نشأتها حيث يساعده على إدارتها أحد أبناءه

وخلال عقد السبعينات دخل فالويل مجال العمل السياسي ردا على سماح المحاكم الأمريكية بالإجهاض، لذا أنشا في عام 1979 - بالتعاون مع قيادات مسيحية أمريكية أخرى - منظمة عرفت باسم "مورال ماجوريتي" أو الأغلبية الأخلاقية، والتي تكونت من شبكة من لجان العمل السياسية المحافظة الساعية للدفاع عن القضايا المتدينين السياسية، وعلى رأسها قضايا تحريم الإجهاض، ورفض اعتراف الولايات الأمريكية بحقوق الشواذ، ومراقبة وسائل الإعلام التي تروج أجندات "معادية للأسرة"

وخلال الثمانينات مثل فالويل وجه "الأغلبية الأخلاقية" في الدوائر الإعلامية والسياسية الأمريكية، وإن كان ذلك لم يشغله عن القيام برحلاته التبشيرية عبر الولايات المتحدة، وقد أغلقت المؤسسة أبوابها رسميا في عام 1989 ولكن عملها ورث لمنظمة "التحالف المسيحي" التي أسسها بات روبرتسون

واجه فالويل انتقادات واسعة بعد 11/9 لاعتباره أحداث سبتمبر عقابا من الله على نشاط التيارات الليبرالية والعلمانية بأمريكا، كما واجه انتقادات من مسلمي أمريكا في أواخر عام 2002 لوصفه الرسول محمد صلى الله عليه وسلم بأنه "إرهابي ... رجل عنيف، رجل حرب" وذلك خلال أحد البرامج التلفزيونية الأمريكية المعروفة وهو برنامج "سيكستي مينتس" أو ستون دقيقة

في 14 أبريل 1998 نشرت جريدة يو إس إيه توداي الأمريكية مقالا لفالويل ينتقد فيه إدارة الرئيس بيل كلينتون لما رآه فالويل على أنه ضغط تمارسه الإدارة على إسرائيل للقبول بخطة السلام الأمريكية، وذكر فالويل أن ضغط أمريكا على إسرائيل "يجب أن يقلق كل من يأخذون على محمل الجد وعد إبراهيم بخصوص أرض إسرائيل" وذلك في إشارة إلى إيمان الإنجليكيين بأن الله وعد إبراهيم عليه السلام بأن يعيد أرض إسرائيل لليهود

ورأي فالويل أن الخطط الأمريكية من شأنها أن تحبط عميلة السلام التي "ممكن أن تنجح فقط إذا ما تركت للتفاوض بين الفلسطينيين والإسرائيليين"، وفي المقابل طالب فالويل بأن يقتصر دور الإدارة الأمريكية على تسهيل وتحفيز المفاوضات وأن يبتعد عن التحكيم أو الضغط على أطراف النزاع

-----

مقالات ذات صلة

دك آرمي

هال ليندسي



تعريف بقلم: علاء بيومي

الناشر: الجزيرة نت، 29 ديسمبر 2006، حقوق الطبع والنشر محفوظة للنشر

نص التعريف

ولد هارولد لي ليندسي – الشهير بهال ليندسي – في مدينة هيوستن بولاية تكساس الأمريكية في عام 1929

ترك ليندسي دراسته الجامعية بجامعة هيوستن ليلتحق بحرب كوريا، ومر بعد عودته بأزمة نفسية حادة بعد وفاة زوجته الأولى، توجه بعدها لدراسة الدين في أحد معاهد مدينة تكساس الدينية، وبعد تخرجه بدأ عمله الكنسي في ولاية كاليفورنيا

بنى ليندسي شهرته في عقد السبعينات بعد النجاح الكبير الذي حققه كتابه "كوب الأرض القديم الرائع" والذي ألفه في أواخر الستينات ونشره في عام 1970 وأصبح بعد ذلك واحد من أكثر الكتب غير الخيالية مبيعا في الولايات المتحدة خلال عقد السبعينات، حيث باع إلى الآن أكثر من 35 مليون نسخة، كما ترجم إلى 54 لغة

ويركز الكتاب السابق على قراءة علامات آخر الزمان بالتعاليم الإنجليكية وتطبيق هذه العلامات على الظروف التي تعيشها البشرية في النصف الثاني من القرن العشرين، حيث رأي ليندسي في إعلان قيام دولة إسرائيل في عام 1948 تطبيقا قويا لنبوءات أخر الزمان كما تظهر بالإنجيل والتي تنادي بعودة اليهود لإسرائيل، وسعى اليهود المخلصين لإعادة بناء معبدا يهوديا تاريخيا في موقع قبة الصخرة حاليا مما سيقود إلى حرب عالمية تقودها القوى المعادية للمسيح ضد إسرائيل وحلفائها المؤمنين، وهي حرب قصيرة ولكنها مدمرة

ومع بناء المعبد وبداية حرب أخر الزمان يعود المسيح إلى الأرض حيث يصعد إليه المسيحيون الأتقياء أحياء إلى السماء، ومع نهاية الحرب المدمرة بانتصار قوى الخير على الشر يعود المسيح إلى الأرض ليبني مملكة من السلام والرخاء تدوم لقرون

إضافة إلى النبوءات السابقة حاول ليندسي في كتابه تحديد موعد تقريبي لقدوم الساعة ومحن أخر الزمان وعلامات ذلك كما تظهر في الواقع السياسي الدولي في سبعينات القرن العشرين، حيث أكد ليندسي في الطبعة الأولى من كتابه أن عقد السبعينات سوف يشهد نهاية العالم معتمدا في ذلك على ظهور دولة إسرائيل وعلى دخولها حروبا ضد أعداءها العرب خاصة حرب 1967، وعلى فكرة أن عود المسيحي سوف تكون خلال جيل من الزمان بعد بناء دولة إسرائيل، وحدد ليندسي الجيل بأربعين سنة

ورأى ليندسي أن الإتحاد السوفيتي سوف يرث الإمبراطورية الرومانية والتي يتحدث عنها الإنجيل كعدو لإسرائيل، كما رأى أن الأسلحة النووية والظروف والمحن التي يمر بها العالم من ثورات وسباقات تسلح وحروب ومجاعات وزلازل هي علامات الساعة والتي تؤكد على مرور العالم بمحن قاسية كمقدمة لعودة المسيح إلى الأرض

ولما انقضى منتصف السبعينات دون تحقق النبوءات السابقة، نشر ليندسي نسخة جديدة من كتابه في عام 1977 تحتوى على نبوءات معدلة ترى أن نهاية العالم سوف تحل في الثمانينات، كما ظل ليندسي ينظر للإتحاد السوفيتي والقوى المحالفة له على أنها بلد المسيح الكاذب المنتظر الذي سيقود تحالف قوى الشر ضد إسرائيل وحلفاءها حتى تفكك الإتحاد السوفيتي، حيث بدأ ليندسي في تعديل نبوءاته وبات يركز على توحيد أوربا على أنه عودة للإمبراطورية الرومانية الجديدة، كما عبر عن اعتقاده بأن تسعى خمسة دول من الدول الإسلامية المستقلة عن الإتحاد السوفيتي السابق – متحالفة مع الدول الإسلامية - إلى استخدم الأسلحة النووية التي ورثتها من الإتحاد السوفيتي في مهاجمة إسرائيل

إضافة للكتاب السابق يمتلك هال ليندسي عددا من المؤلفات، كما عمل كمقدم لبرنامج تلفزيوني على إحدى القنوات المسيحية والتي أوقفت برنامجه مؤخرا، حيث أعلن ليندسي أنه سينقل برنامجه إلى قناة مسيحية أخرى

-----

مقالات ذات صلة

دك آرمي

تيم لاهي

جيم أينوف

جيم أينوف


تعريف بقلم: علاء بيومي

الناشر: الجزيرة نت، 29 ديسمبر 2006، حقوق الطبع والنشر محفوظة للناشر

نص التعريف

ولد جايمس ماوينتين أينوف – الشهير بجيم أينوف – في 17 نوفمبر 1934 بمدينة دي موين بولاية أيوا الأمريكية

التحق أينوف بالجيش الأمريكي في منتصف الخمسينات. بدأ أينوف مسيرته السياسية مبكرا في أوساط الحزب الجمهوري بأوائل الستينات، حيث أصبح عضوا بمجلس نواب ولاية أوكلاهوما في عام 1967، وفي عام 1969 نجح في الفوز بعضوية مجلس شيوخ ولاية أوكلاهوما وهو منصب ظل يحتله حتى عام 1977

وفي عام 1978 فاز أينوف في انتخابات عمدة مدينة تولسا أحدى أشهر مدن ولاية أوكلاهوما، وظل في منصبه هذا حتى عام 1984، وفي عام 1986 فاز أينوف بعضوية مجلس النواب الأمريكي بعد أن حاول في السابق وفشل، وفي عام 1994 أنتخب عضوا بمجلس الشيوخ الأمريكي في عام شهد فوز عدد كبير من الجمهوريين بمجلسي الكونجرس الأمريكي

ويحتل أينوف منذ عام 1993 منصب رئيس لجنة البيئة والأعمال العامة بمجلس الشيوخ، هذا إضافة إلى كونه عضوا بلجنة القوات المسلحة بالمجلس ذاته

وقد عمل أينوف في فترات بعده عن السياسة في مجال العقارات والتأمين على الحياة، ولم يحصل أينوف على شهادة البكالوريوس إلا في عام 1973 عن عمر يناهز الثمانية والثلاثين

يحظى أينوف باهتمام الإعلام الأمريكي فيما يتعلق بقضايا البيئة نظرا لمنصبه المؤثر كرئيس للجنة البيئة بمجلس الشيوخ هذا إضافة إلى رفضه المتكرر للنظريات التي تتحدث عن زيادة حرارة كوكب الأرض، وهجومه على أنصار البيئة إلى حد تشبيهه لهم بالنازيين، كما يشتهر أينوف بمواقفه المعارضة للشواذ جنسيا

وفيما يتعلق بقضايا الشرق الأوسط ألقى أينوف في مارس 2002 كلمة أمام مجلس الشيوخ الأمريكي حدد فيها سبعة أسباب رئيسية تدفعه لمساندة إسرائيل، وهي

سبب يرتبط بعلم الحفريات والذي يؤكد أن "الإسرائيليين كان لهم وجود هناك (إسرائيل الحالية) منذ 3000 سنة"، وأن "الفلسطينيين القدماء انقرضوا"

سبب تاريخي، وهنا يعبر أينوف عن اعتقاده بأن أرض فلسطين قبل قدوم اليهود لها كانت أرض "غير مرغوب فيها من أحد ... أرض بلا قيمة"، وأن العرب لم يتحدثوا عن ملكيتهم لتلك الأرض إلا بعد أن عاد إليها اليهود وشرعوا في تعميرها

أن القيمة العملية للأرضي ترتبط بقدرة الإسرائيليين على تعميرها وتحويل الصحراء إلى "تحف زراعية حديثة" وفقا لتعبير أينوف

سبب إنساني يتعلق بمعاناة اليهود على يد النازية وبأن الإسرائيليين لا يطالبون "بشيء كبير" نظرا لصغر المساحة التي يطالبون بها

أن إسرائيل هي "عائق" لصعود الجماعات المعادية لأمريكا بالشرق الأوسط

أن إسرائيل هي "حجر عثر في طريق الإرهاب"

أما السبب الأهم فهو أن "الله قال ذلك"، وهنا أشار أينوف إلى بعض نصوص الإنجيل والتي تتحدث عن وعد الله لإبراهيم بإعطاء أرض إسرائيل لليهود، حيث أكد أينوف على أن "المسألة ليست صراع سياسي على الإطلاق. إنها خلاف حول ما إذا كانت كلمات الله صحيحة أم لا"

كما ذكر أينوف أن أحداث 11/9 وقعت لأنه كان هناك "باب روحاني مفتوح للهجوم على أمريكا"، وأن هذا الباب يرتبط بكون "سياسات حكومتنا تمثلت في مطالبة الإسرائيليين – مطالبتهم بضغط – آلا يردون بشكل قوي على الهجمات الإرهابية التي شنت عليهم"

لذا أكد أينوف على أنه يتحتم على حكومة أمريكا عدم الضغط على إسرائيل بأي شكل من الأشكال، مؤكدا على أن سياسة إسرائيل دوما كانت عدم المبادرة بالهجوم، وإنما الرد على الهجوم عليها بحروب قصيرة وناجحة ثم الانسحاب

----

مقالات ذات صلة

دك آرمي


تيم لاهي

Friday, December 29, 2006

تيم لاهاي



تعريف بقلم: علاء بيومي

الناشر:
الجزيرة نت، 29 ديسمبر 2006، حقوق الطبع والنشر محفوظة للناشر

نص التعريف

ولد تيماثي لاهاي – المعروف بتيم لاهاي – في عام 1926. تخرج لاهي من الجامعة في عام 1950، وحصل على شهادة الدكتوراه في الأديان وعلى شهادة دكتوراه أخرى في الأدب

عرف لاهاي خال تاريخه العملي بنشاطه التبشيري كرجل دين، وناشط سياسي، ومؤلف، فعلى الصعيد الديني أسس لاهاي عدد من الكنائس والمدارس المسيحية بولاية كاليفورنيا، كما ينشط لاهاي في الأعمال التبشيرية المتعلقة بالنبوءات الموجودة في الإنجيل والديانة المسيحية حول علامات قرب عودة المسيح ونهاية العالم

وعلى المستوى السياسي ساهم لاهاي في دعم وتأسيس عدد من مؤسسات اليمين المسيحي الدينية مثل مؤسسة الصوت المسيحي والتي أسست في عام 1978 لحشد أصوات المسيحيين المتدينين في الحياة السياسية الأمريكية، ومنظمة مجلس السياسات الوطنية وهي جماعة لوبي محافظة أسست في عام 1981، ومراكز أبحاث مسيحية معنية بدحض التفسيرات العلمانية لطبيعة الخليقة، كما أسس لاهاي وزوجته في عام 1979 منظمة تدعى "النساء المعنيات من أجل أميركا" تهدف إلى مكافحة أجندة التيارات النسوية الليبرالية في الحياة العامة والسياسية الأميركية

أضف إلى ما سبق حقق لاهاي شهرة واسعة كمؤلف لسلسلة من الروايات الدينية الخالية المعروفة باسم "سلسلة المتروكون خلفا" والتي بدأت في الظهور منذ عام 1996، وقد حققت السلسلة حتى الآن نجاحا واسعا حيث نشرت حوالي 12 عددا، وحققت مبيعات تصل إلى 57 مليون نسخة وفقا لموقع السلسلة
www.leftbehind.com، كما تمت ترجمة السلسلة للغات مختلفة، وأصبحت قاعدة لإنتاج أفلام وقصص شباب وألعاب فيديو اعتمادا على شهرتها الواسعة وحبكتها الدرامية المثيرة

ويكتب لاهاي السلسلة بالتعاون مع الكاتب الصحفي والروائي بيتر جينكينز، والذي ساهم في صياغة عدد من السير الذاتية لمشاهير الرياضيين الأميركيين المحافظين، كما ساعد القس الأميركي الشهير بيل جرام في كتابة سيرته الذاتية

ويقول موقع السلسلة أن لاهاي هو صاحب الفكرة والفكر الديني الذي تقوم عليه السلسلة، وأن جينكينز مسئول عن الكتابة والحبكة الدرامية

وتقوم السلسلة على تصوير المحن التي سوف يعيشها العالم في أخر الزمان، وخاصة في الفترة التالية للعودة الثانية للمسيح عليه السلام إلى الأرض، حيث يؤمن المسيحيون المتدينون بأنهم سوف يصعدون للسماء فور العودة الثانية للمسيح، وهي فكرة يعد لاهاي أحد أشهر مروجيها في أميركا وسبق له تأليف كتب حولها، وتشير استطلاع نشرته مجلة نيوزويك في عام 2004 أن 55% من الأميركيين يؤمنون بصحة هذه الفكرة

وبعد أن يرفع الله المسيحيين الأتقياء إلى السماء عند عودة المسيح يبدأ العالم في المرور بفترة محن عصيبة أبطالها هم عدد من المسيحيين الذي سوف يكتشفون إيمانهم بالله في تلك الفترة، ومن هنا تأتي تسمية السلسلة باسم "المتروكون خلفا"، حيث يقوم هؤلاء بتنظيم جهودهم لاكتشاف مؤامرة المسيح الكاذب والذي سوف يسعى في تلك الفترة – وفقا للسلسلة – للسيطرة على العام رافعا شعارات السلام والوحدة

وتصور السلسة في بعض أعدادها المسيح الكاذب على أنه سياسي روماني يصبح الأمين العام للأمم المتحدة ويسعى لتوحيد العالم ضد إسرائيل والتي تمثل موقع قوى الخير وموقعة أرمجند المدمرة والتي تسبق عودة المسيح مباشرة، وهنا يسعى المتروكون خلفا بتوحيد قوى المسيحيين الأتقياء في كشف مؤامرة المسيح الدجال وتوحيد أميركا وإسرائيل وهما أقلية ضد المسيح الكاذب الذي يضلل العالم ويوحده خلفه تحت شعارات السلام

وتتميز الروايات بحبكتها الدرامية الرائعة والتي تجمع بين النبوءات الدينية وبراعة الروايات البوليسية التي تقوم على تصوير استخدامات التكونولوجيا الحديثة، هذا إضافة إلى الإثارة نظرا لما تمتلئ به الروايات من صراعات وحروب

-----

مقالات ذات صلة

دك آرمي





دك آرمي
تعريف بقلم: علاء بيومي

الناشر:
الجزيرة نت، 29 ديسمبر 2006، حقوق الطبع والنشر محفوظة للناشر

نص التعريف

ولد ريتشارد كيث آرمي – الشهير بدك آرمي – في 6 يوليو 1940 في مدينة كاندو بولاية نورث داكوتا الأميركية

عمل آرمي كأستاذ للاقتصاد بإحدى جامعات ولاية تكساس قبل فوزه بعضوية مجلس النواب الأميركي عن الدائرة السادسة والعشرين بولاية تكساس في عام 1984، وقد عرف آرمي كأستاذ للاقتصاد بأفكاره اليمينية المحافظة والتي تنادي بخصخصة برامج الضمان الاجتماعي، وبخفض المعونات الحكومية للمزارعين، وبتخفيض الضرائب

ساهم آرمي كعضو بمجلس النواب الأميركي في فوز الجمهوريين بأغلبية مقاعد المجلس في انتخابات عام 1994، وذلك لأول مرة منذ عقود، مما مثل تحول سياسي هام وصف البعض بأنه "ثورة جمهورية"

وقد كوفئ آرمي على دوره في الثورة السابقة بمنحه منصب زعيم الأغلبية الجمهورية بمجلس النواب في أوائل عام 1995، وهو منصب احتله آرمي حتى تقاعده في أواخر عام 2002

تمتع آرمي في منصبه الهام بسلطات متصاعدة كعادة القيادات الجمهورية بالكونجرس خلال العقد الأخير نظرا لسيطرتهم التي نمت بشكل مضطرد على الكونجرس بمجلسيه، وعرف عن آرمي مواقفه العدائية تجاه القيادات السياسية الديمقراطية وتجاه الشواذ

كما عرف عن آرمي علاقته الوثيقة بمنظمات اليمين المسيحي الدينية والسياسية، حيث اعتاد آرمي الحصول على تقدير 100% من إحصاء يصدره "التحالف المسيحي" يرصد مدى توافق السجل التصويتي لأعضاء الكونجرس مع قضايا اليمين المسيحي التشريعية

كما انضم آرمي لعضوية "مجلس السياسي الوطني" وهو منظمة أسسها القس والمؤلف المسيحي المعروف تيم لاهاي في عام 1981 لدعم قضايا المسيحيين المتدينين بالحياة السياسية الأميركية من خلال ربط القيادات المسيحية المتدينة بقيادات الجمهوريين والمحافظين السياسية بالمتبرعين المحافظين الأثرياء، وجدير بالذكر أن عضوية المجلس ليست مفتوحة وإنها تتم من خلال دعوات خاصة، كما تقتصر عضوية المنظمة على عدة مئات من القيادات اليمينية المحافظة فقط، هذا إضافة إلى أن اجتماعات المجلس مغلقة أمام وسائل الإعلام

أما فيما يتعلق بالموقف تجاه الشرق الأوسط، فقد اشتهر آرمي بتصريحات أدلى به في الأول من مايو 2002 خلال برنامج Hardball التلفزيوني الأميركي المعروف والذي يذاع على قناة MSNBC ويقدمه المذيع كريس ماثيوس

حيث ذكر آرمي لماثيوس خلال اللقاء: "أنا راضي تماما على قيام دولة فلسطينية"، وأضاف قائلا: "لست راضيا على التخلي عن أي جزء من إسرائيل من أجل بناء دولة فلسطينية"، لذا سأله ماثيوس: "حسنا، أين ستضع تلك الدولة الفلسطينية .. في النرويج!؟"، فرد عليه آرمي قائلا: "هناك العديد من الدول العربية التي لديها مئات الآلاف من ألأفدنة من الأراضي والتربة والممتلكات والفرصة لبناء دولة فلسطينية"

ولما شعر ماثيوس بخطورة تصريح آرمي أعاد عليه السؤال قائلا: "هل ستقوم بنقل ... سوف تنقل الفلسطينيين لمكان آخر وتسميه دولتهم"، فرد عليه آرمي قائلا: "غالبية الأفراد الذي يسكنون إسرائيل اليوم نقلوا من (بلدان) عبر العالم إلى تلك الأرض، وجعلوها وطنهم. يمكن للفلسطينيين أن يفعلوا الأمر نفسه"

وقد أثارت تصريحات آرمي السابقة موجة نقد من قبل المنظمات المسلمة والعربية الأميركية والتي رأت في تصريحات آرمي دعوة لممارسة الاستئصال العرقي في حق الفلسطينيين، وقد أدت هذه الموجة إلى تراجع آرمي عن تصريحاته فيما بعد حيث ذكر أنه لا يؤمن بنفي المدنيين الفلسطينيين المسالمين بالقوة خارج أرضهم وأنه كان يقصد من يساندون الأفعال الإرهابية

وفي تصريح آخر ذكر آرمي: "شارون رجل الغرب. أنه يقوم بما ينبغي على أي رجل (بما تعنيه صفة الرجولة من معاني) القيام به"

Thursday, November 30, 2006

المحافظون الجدد وصقور واشنطن باقون


بقلم: علاء بيومي

الناشر:
الجزيرة نت، 28 نوفمبر 2006، حقوق الطبع والنشر محفوظة للناشر

نص المقال

من يعتقدون أن هزيمة الجمهوريين في الانتخابات الأميركية الأخيرة تعني نهاية نفوذ المحافظين الجدد وصقور واشنطن مخطئون لأسباب عديدة، فهم يختزلون المحافظين الجدد في مجموعة صغيرة من الخبراء والسياسيين المحيطين بالإدارة الأميركية تنتهي بإقالتهم أو استقالتهم، كما يقومون في نفس الوقت بتضخيم نفوذ هذه المجموعة المحدودة ونسيان التحالفات السياسية التي اعتمدت عليها في الوصول إلى زمام السلطة ومقاليد الحكم بالولايات المتحدة، أما السبب الثالث فهو أن أصحاب هذا الاعتقاد يقعون في خطأ شائع وهو الخلط بين المحافظين الجدد وصقور واشنطن، والواضح بالطبع أن صقور واشنطن أقدم بكثير من المحافظين الجدد، كما أنهم باقون سواء بقى المحافظون الجدد أو رحلوا فوجودهم يرتبط بأسباب مختلفة وعديدة يصعب التخلص منها، ولإيضاح الأخطاء التحليلية السياسية السابقة الشائعة والهامة رأينا كتابة المقال الراهن

خطأ الاختزال

أحد الأخطاء الشائعة عن المحافظين الجدد هو اختزالهم في مجموعة صغيرة من السياسيين المحيطين بإدارة الرئيس الأمريكي جورج بوش من أمثال بول ولفويتز وجون بولتون ودوجلاس فايث وإليوت إبرامز وريتشارد بيرل، والكتاب والمثقفين المعروفين المعبرين عن التيار من أمثال ويليام كريستول وتشارلز كروثهمر وماكس بوت

ويترتب على الاعتقاد الاختزالي السابق تصور البعض أن باستقالة أو إقالة هؤلاء الأشخاص تكون الإدارة الأميركية وسياسة أميركا الخارجية قد تخلصت من نفوذ المحافظين الجدد وصقور واشنطن، ومن ثم الاعتقاد بأن الإدارة الأميركية اقتربت في الوقت الحالي من التخلص من نفوذ المحافظين الجدد بشكل كلي بعد أن تخلصت بالفعل من عدد كبير من أهم رموز المحافظين الجدد خلال العامين الماضيين، حيث استقال بول ولفويتز من منصب نائب وزير الدفاع الأميركي ليصبح رئيسا للبنك الدولي، كما استقال دوجلاس فايث من منصبة كمدير للسياسات بوزارة الدفاع في أغسطس 2005، واستقال لويس ليبي كبير موظفي مكتب نائب الرئيس الأميركي ديك تشيني في أكتوبر 2005 بعد توجيه تهم إليه في قضية تسريب اسم إحدى عميلات الاستخبارات الأميركية، هذا إضافة إلى ريتشارد بيرل الذي استقال من مجلس سياسات الدفاع الإستشاري التابع لوزارة الدفاع خلال إدارة بوش الأولى

ويعيب الاعتقاد السابق تحديان، أولهما أن بعض أهم رموز المحافظين الجدد مازالوا باقيين في الإدارة الأميركية من أمثال جون بولتون سفير أميركا لدى الأمم المتحدة، وإليوت إبرامز نائب مستشار الأمن القومي الأميركي والمسئول عن الدفع بأجندة بوش لنشر الديمقراطية بالشرق الأوسط

وثانيهما وهو الأهم هو أن المحافظين الجدد ليسوا ساسة فقط فخطورتهم تكمن في أنهم كتاب ومفكرين ومثقفين أصحاب فكر متجدد وقدرة لا تنتهي على الجدل، وهذا يعني أن نفوذ المحافظين الجدد صعب التحجيم، فالأفكار لا تقال أو تستقيل، وخلال السنوات الأخيرة ساند المحافظون الجدد بقوة عددا من الأفكار التي اكتسبت رواجا واسعا في واشنطن وعلى رأس هذه الأفكار الإيمان بأن أمام أميركا فرصة غير مسبوقة لإعادة صياغة النظام العالمي نابعة من حالة الفراغ التي يعشها النظام العالمي الراهن بعد سقوط الإتحاد السوفيتي، وهو فراغ يجب أن تملئه أميركا – كما ينادي المحافظون الجدد - انطلاقا من الهوية الأميركية ذاتها التي تؤمن بأن الأميركيين شعب خير ديمقراطي غير استعماري يريد مساعدة العالم القديم على اللحاق بالعالم الجديد المتقدم والذي تمثله أميركا

كما يؤمن المحافظون الجدد بأن الخطر الأساسي الذي يهدد أميركا حاليا هو خطر الإرهاب الذي تقوم به جماعات مسلمة بالأساس، والتي يختلف المحافظون الجدد على تسميتها، ولكنهم يتفقون على أن العالم الإسلامي عموما والشرق الأوسط خصوصا هما نقطة انطلاق أميركا في سياستها لإعادة بناء النظام العالمي الراهن، وكان المحافظون الجدد يؤمنون في الماضي بأنهم قادرون على التدخل العسكري لإعادة بناء الدول كالعراق وأفغانستان وجعلها نموذجا لقدرة أميركا على التدخل وإعادة البناء ومساعدة الأصدقاء والتغيير، وبالطبع أثبتت العراق فشل الفكرة السابقة، كما أثبتت أن المحافظين الجدد مغرورون ومثاليون وغير قادرين على فهم حدود القوة الأميركية

إدراك الأميركيين لأخطاء المحافظين الجدد وإفراطهم لا يعني تخلص واشنطن من جميع أفكار المحافظين الجدد خاصة فيما يتعلق بالاعتقاد في دور أمريكا الدولي المدفوع برسالة أميركا القدرية، وكذلك فيما يتعلق بالتركيز المبالغ فيه على العالم الإسلامي، وسبب ذلك هو أن ترويج المحافظين الجدد للفكرتين السابقتين تزامن مع إيمان جماعات أميركية أخرى عديدة بنفس الأفكار مثل المسيحيين المتدينين ولوبي إسرائيل بل وبعض الليبراليين الأميركيين فالنزعة التدخلية في السياسية الخارجية الأمريكية والتركيز الأميركي على العالم الإسلامي لهما جذورا عديدة بنى عليها المحافظون الجدد تصورات جديدة تناسب عالم ما بعد الحادي عشر من سبتمبر 2001 ولم يبتدعوها

خطأ التضخيم

ويقودنا هذا إلى الحديث عن الخطأ التحليلي الرئيسي الثاني الذي يرتكبه بعض المعنيين بحاضر ومستقبل المحافظين الجدد، وهو الخطأ المتعلق بإغفال التحالف السياسي الذي اعتمد عليه المحافظون الجدد في الوصول إلى السلطة، والكل يعلم هنا أن المحافظين الجدد هم تيار فكري سياسي لا يمتلك قواعد جماهيرية انتخابية حقيقية مثل الجماعات المكونة لقوى المحافظين والجمهوريين في أميركا، وهذا يعني أن المحافظين الجدد اعتمدوا على قوى أخرى ذات قواعد جماهيرية انتخابية قبلت بأفكارهم لأسباب مختلفة وأعطتهم تفويضا للعمل باسمها على ساحة سياسة الجمهوريين الخارجية خلال السنوات الستة الأخيرة

ومن المعروف أن الجمهوريين حكموا أميركا خلال السنوات الأخيرة معتمدين على تحالف واسع من القوى السياسية اليمينية مثل الناخبين الإنجليكيين وأثرياء الجنوب الأميركي وقوى المحافظين التقليديين بولايات الجنوب والغرب الأميركي وأخيرا المحافظين الجدد

وبالطبع لم يكن المحافظون الجدد ليسيطروا على مقاليد صنع السياسة بأميركا دون موافقة ضمنية من هؤلاء، وهنا يلاحظ أن تلك القوى تمتلك أحيانا بعض الأفكار الأكثر تشددا من المحافظين الجدد على ساحة السياسة الخارجية الأميركية، فعلى سبيل المثال ينطلق المسيحيون المتدينون في رؤيتهم للسياسة الخارجية الأميركية تجاه الشرق الأوسط والعالم من منطلقات دينية خطيرة تؤمن بأن العالم وأميركا يسيران بسرعة إلى نقطة هاوية صدامية تمثل نهاية العالم من خلال حرب تأتي على الأخضر واليابس ويكون مركزها الشرق الأوسط ويقودها العالم كله ضد أميركا وحلفائها وعلى رأسهم إسرائيل، وبالطبع لا يثق الإنجليكيون في المنظمات الدولية ولا يؤمنون بقضايا مثل الحد من التسلح أو تخفيض النفقات العسكرية الأميركية، فأميركا بالنسبة لهم تستعد لحرب قادمة طاحنة لا راد لها

أما النخب الأميركية المحافظة التقليدية فهي انعزالية بطبيعتها لا تثق في المنظمات الدولية أو في العالم الخارجي ولا تؤمن إلا بالقوة الأميريكية وزيادتها المستمرة وبناء المزيد منها، وإن كانت تلك القوى أقل نزعة لإتباع سياسة خارجية تدخلية أو للدخول في مغامرات عسكرية غير مقبولة، فنظرة تلك الجماعات التشاؤمية ضد كل ما هو أجني خارجي تجعل المغامرات الدولية بالنسبة لها أمرا غير ضروريا لا يستحق التضحية من أجله

لذا عارض بعض المحافظين التقليديين سياسة المحافظين الجدد التدخلية، ولكن بشكل عام لم تكن معارضة المحافظين التقليديين لسياسة المحافظين الجدد كافية خاصة في ظل تأييد المحافظين المتدينين لتلك السياسة وفي ظل طبيعة اليمين الأمريكي الغالبة والتي لا تميل للثقة في المنظمات الدولية أو في العالم الخارجي، وبدون تلك المشاعر والنزعات القوية الراسخة لم يكن المحافظين الجدد ليتمكنوا لفعل ما فعلوه، كما يمثل بقاء تلك المشاعر والنزعات ضمانة لا يستهان بها لاستمرار سياسات وأفكار المحافظين الجدد حتى بعد زوالهم وهو ما يجعلنا أقل إيمانا بمقولة "نهاية نفوذ المحافظين الجدد"

الفارق بين المحافظين الجدد وصقور واشنطن

أما السبب الرئيسي الثالث لاعتقادنا ببقاء المحافظين الجدد فهو إيماننا بخطأ الخلط بين المحافظين الجدد وصقور واشنطن، وهنا يلاحظ أن بعض التحليلات تستخدم مصطلح الصقور للإشارة لبعض الشخصيات المتشددة بإدارتي الرئيس الأميركي جورج دبليو بوش الأولى والثانية وعلى رأسها ديك تشيني نائب الرئيس الأميركي ودونالد رامسفيلد وزير الدفاع الأميركي المستقيل بالإضافة إلى رموز المحافظين الجدد مثل ولفويتز وفايث وليبي وإبرامز وغيرهم

والمعروف أن تشيني ورامسفيلد أكثر تأثيرا بدرجة كبيرة من أهم رموز المحافظين الجدد، فكتاب مثل كتاب بوب ودوارد الأخير "حالة إنكار" يركز بالأساس على رامسفيلد ومن خلفه تشيني كأكبر المسئولين عن أزمة أميركا في العراق ويكاد لا يتناول المحافظين الجدد إلا عابرا

أضف إلى ذلك أن صفة الصقور بما تعنيه من تشدد وتعنت ولي عنق الحقائق من أجل الإيدلوجيا والميل للنزعة التدخلية العسكرية في السياسة الخارجية الأميركية هي صفة يصعب قصرها على المحافظين الجدد أو على تشيني ورامسفيلد وحدهم فهي صفة يمكن أن تشمل العديدين بما في ذلك بعض قيادات الحزبين الجمهوري والديمقراطي في الكونجرس وعدد ليس بقليل من خبراء واشنطن

وقد يعود ذلك إلى عدة أسباب على رأسها اعتقاد بعض المحليين أن القوي السياسية الأميركية مالت بشكل عام خلال السنوات الأخيرة لتبني أجندات سياسية متشددة على ساحة السياسة الخارجية ولتبني سياسة أميركية داخلية أقل ليبرالية وذلك سعيا من جانب تلك القوى لاجتذاب مزيد من أصوات الجماعات اليمينية الأميركية المتدينة والتي صعدت بقوة في السياسة الأميركية منذ السبعينات وباتوا يمثلون قوة لا يستهان بها في الساسة الأميركية، هذا إضافة إلى تأثير الفترة التالية لأحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001 وتأثير عوامل أخرى كزيادة الفجوة بين الأثرياء والأغنياء في أميركا وثورة المحافظين الأميركيين على ميراث ثورة الحقوق المدنية على المستويات الحقوقية والاقتصادية وهي عوامل دفعت مجتمعة السياسة الأميركية نحو اليمين وفرضت على السياسيين الأمريكيين اتخاذ سياسات متشددة تجاه الخارج الدولي والداخل الأجنبي تحت ضغوط الظروف والجماعات المتشددة

وهنا يلاحظ أن بعض قيادات الديمقراطيين بالكونجرس كانت تلجأ أحيانا – خلال السنوات الست الأخيرة - للمزايدة على مواقف الجمهوريين المتشددة تجاه قضايا الشرق الأوسط وعلى رأسها الصراع العربي الإسرائيلي للظهور في صورة الحزب الأكثر صرامة فيما يتعلق بالسياسة الخارجية

أضف إلى ذلك العامل المتعلق بدور اللوبيات وعلى رأسها اللوبي الموالي لإسرائيل وتأثيرها على السياسة الخارجية الأمريكية تجاه الشرق الأوسط، وهنا يلاحظ أن لوبي إسرائيل بمؤسساته وقياداته المختلفة أكثر استمرارا من المحافظين الجدد كما أنه قد يفوقهم أيضا من حيث التنظيم المؤسسي والانتشار في مؤسسات صنع السياسة الخارجية الأميركية المختلفة

كما يشير بعض المفكرين الأميركيين الليبراليين من أمثال نعوم تشومسكي أن السياسة الأميركية ذاتها بطبيعتها البرجماتية الراسخة ومصالحها المتعددة تقف عائقا هاما أمام التخلص من النزعة الصقورية بالسياسة الأمريكية حيث يرى هؤلاء أن السياسة الأميركية كانت دوما مدفوعة برغبة النخب الأميركية المسيطرة في الوصول إلى منابع ثروات العالم وأسواقه بشكل مضمون ومستقر حتى ولو أدى ذلك لأن تتبنى أمريكا سياسة قصيرة النظر تستخدم القيم كحقوق الإنسان والديمقراطية استخداما برجماتيا محدودا لا يضر بمصالحها المادية بعيدة المدى

-----

مقالات ذات صلة

المال وعدم المساواة والانتخابات وأزمة الديمقراطية الأميركية

أين أخطأ اليمين الأميركي؟


Monday, November 13, 2006

المال وعدم المساواة والانتخابات وأزمة الديمقراطية الأميركية



مقال بقلم: علاء بيومي

الناشر:
جريدة الإتحاد، 13 نوفمبر 2006

نص المقال

يشتكى المفكر الليبرالي الأميركي المعروف نعوم تشومسكي في الفصل الأخير من أحدث كتبه "دول فاشلة" الصادر في العام الحالي من وصول شعور المواطن الأمريكي بالضعف وبعدم القدرة على التأثير على مخرجات النظام السياسي الأميركي لمستويات مقلقة

وسبب ذلك – كما يرى تشومسكي – هو تحول الدولة الأميركية إلى أداة في أيدى أصحاب المال والشركات والأثرياء لتحقيق مصالحهم على حساب إخضاع وتقييد مصالح الفئات الفقيرة والأقل نفوذا كالفقراء والنساء والشباب والأقليات، ويرى تشومسكي أن استخدام الدولة كأداة في يد النخب القوية لتحقيق مصالحها وحمايتها من الأغلبية الفقيرة ليس أمرا جديدا، ولكنه أمر تم إحياءه في ستينيات القرن الماضي حينما شعرت النخب الأميركية بمرور أميركا بحالة "إفراط ديمقراطي" أدت إلى صعود فئات "سلبية ومهمشة اعتياديا" مثل "النساء والشباب وكبار السن والعمال والأقليات"، ولعلاج هذه "أزمة الإفراط الديمقراطي" اتخذت النخب الثرية عددا من الإجراءات الفورية مثل زيادة أنشطة اللوبي والضغط السياسي نيابة عن الشركات ورجال الأعمال والأثرياء، وزيادة الدعم المالي لمراكز الأبحاث اليمينية، والتحالف مع الجماعات الجماهيرية المتدينة والتي سيطرت تدريجيا على القواعد الجماهيرية للحزب الجمهوري

ويقول تشومسكي أن التحركات السابقة تمكنت تدريجيا من إجهاض ثمار ثورة الحقوق والحريات وعلى رأسها تقليل الفجوة بين الأثرياء والأغنياء، ففي الفترة من 1983 إلى 1998 ارتفع متوسط ثروة أغني 1% من الأميركيين بنسبة 42% في حين تراجعت ثروة أفقر 40% من الشعب الأمريكي بنسبة 76% خلال الفترة ذاتها، في الوقت الذي تضاعفت فيه نفقات الأثرياء على أعمال الضغط السياسي واللوبي

وقاد ذلك إلى شبه الانفصال بين مطالب غالبية الشعب الأميركي وقضاياهم الحقيقية والأجندة السياسية السائدة بواشنطن لدى الحزبين الجمهوري والديمقراطي على حد سواء، وهنا يشير تشومسكي مستعينا باستطلاعات مختلفة إلى أن أغلبية الشعب الأميركي يفضلون خفض ميزانية الدفاع الأميركية وزيادة الإنفاق على برامج التعليم والرعاية الصحية ورعاية الفقراء، وهي قضايا تعجز نخب الحزبيين الأميركيين الرئيسيين الجمهوري والديمقراطي على حسمها بشكل قاطع يعكس إجماع الشعب الأميركي تجاهها

ومع استمرار هذه الظاهرة، يؤكد تشومسكي على أن المواطن الأميركي بات قليل الاهتمام بالانتخابات الأميركية وبمواقف المرشحين الحقيقية خاصة في ظل حالة التسطيح التي تدار بها الحملات الانتخابية الأميركية والتي تركز على إغراق الناخبين بالدعايات خاصة عبر التلفاز، وهي دعايات تركز في معظمها على تشويه صورة الخصوم، وتكرار بعض الأفكار السطحية الإيجابية عن المرشح الذي يمولها، لذا يشبه تشومسكي هذه الدعايات بدعاية القطاع الخاص عن السلع الاستهلاكية والتي تهدف إلى غش المستهلك ودفعه إلى الاستهلاك أكثر من تقديم معلومات صحيحة عن المنتج ومدى فائدته للمستهلك وما يعتريه من مزايا وعيوب ومدى احتاج المستهلك الحقيقي للسلعة المعلن عنها

المال وانتخابات عام 2006

في ظل إطروحات تشومسكي السابقة الهامة عقدت انتخابات عام 2006 الفيدرالية والتي حقق فيها الديمقراطيون فوزا كبير، وهو فوز يتوقع له أن يمكن الديمقراطيون من كسر قيود الاحتكار القوية التي يفرضها الجمهوريون على مقاليد صناعة القرار السياسي الأميركي خلال الفترة الحالية، ولكن يبقى السؤال حول ما إذا كان فوز الديمقراطيين في الانتخابات الأخيرة سيقتصر على إحداث تغيير هامشي داخل النخب الأميركية الحاكمة بإحلال النخب الديمقراطية مكان نظيرتها الجمهورية؟ أم أنه سوف يقود إلى أكثر من ذلك وتحديدا إلى تقليل عدم المساواة وتقوية الأغلبية الفقيرة

ويدفعنا ذلك إلى تناول الدور الذي يلعبه المال في انتخابات العام الحالي بحكم أن قضية تأثير المال على الانتخابات تعد اختبارا حقيقيا لمدى نفوذ المواطن الأميركي العادي على مسار العملية الانتخابية بصفتها أحد أهم أدوات الديمقراطية الأميركية

وبهذا الخصوص تشير أحدث إحصاءات مركز "سنتر فور بابليك إنتجريتي" - وهو مركز أبحاث أميركي مستقل معني بتتبع تأثير المال والتبرعات السياسية على سير العملية الانتخابية الأميركية - إلى أن حجم التبرعات التي جمعها المرشحون السياسيون المتنافسون على الفوز في الانتخابات الفيدرالية المنصرفة تقدر بحوالي 2.6 بليون دولار مقارنة بـ 2.2 بليون دولار هي تكلفة انتخابات عام 2002 الفيدرالية النصفية وهو ما يعادل زيادة قدرها 18%، وهو أيضا أمر يشير إلى الارتفاع المستمر في تكلفة الانتخابات الفيدرالية الأميركية واعتماد المرشحين المستمر على المال وهو اعتماد يقفز لمستويات عالية في مواسم الانتخابات الرئاسية بسبب ارتفاع تكاليف حملات الرئاسة الأميركية ذاتها ففي عام 2004 وصلت تكاليف الانتخابات الفيدرالية إلى 4.2 بليون دولار أميركي

وتشير إحصاءات المركز السابق إلى أن كل مرشح بانتخابات مجلس النواب جمع في المتوسط حوالي 800 ألف دولار أميركي استعدادا للانتخابات في حين جمع كل مرشح بانتخابات مجلس الشيوخ 4.9 مليون دولار أميركي في المتوسط، وهي بدون شك كميات كبيرة من تبرعات كبيرة تزيد في حالة كون المرشح هو من أعضاء الكونجرس الحاليين حيث جمع كل عضو من أعضاء مجلس النواب الذي ينافسون في الانتخابات الحالية تبرعات تقدر 1.1 مليون دولار في المتوسط، أما نصيب أعضاء مجلس الشيوخ الذين يخوضون الانتخابات حاليا من التبرعات فيقدر بـ 10 مليون دولار أميركي

وتشير الإحصاءات السابقة إلى أن أعضاء الكونجرس الحاليين أكثر قدرة على جمع التبرعات مقارنة بمنافسيهم الجدد وأن جماعات الضغط تفضل مساندة أعضاء الكونجرس الحاليين وبناء علاقات بعيدة المدى معهم مما يؤدى إلى إضعاف شديد لحالة الحراك السياسي الأميركي، فوصول سياسي ما للكونجرس الأميركي يضمن له الحصول على دعم شركات اللوبي والعلاقات العامة والمتبرعين الأثرياء بما يضمن له الاستمرار لسنوات عديدة في الكونجرس

وفيما يتعلق بمصدر التبرعات تشير الإحصاءات إلى أن عدد من يتبرعون بمبلغ 200 دولار أو أكثر في الانتخابات - وهو مبلغ ضئيل جدا يمثل الحد الأدنى للتبرعات السياسية الواجب تسجيلها قانونيا - هي 620 ألف مواطن أميركي أو ما يعادل 0.21% من المواطنين الأميركيين فقط، وهذا يعني أن العملية الانتخابية بالولايات المتحدة تعتمد على تبرعات أقل من ربع الواحد من المائة من المواطنين الأميركيين، أما الغالبية العظمي من الشعب الأميركي ونسبتها 99.75% فتأثيرها المالي على الانتخابات محدود للغاية ويكاد يكون منعدما

أما أهم المصادر الجغرافية للتبرعات السياسية فهي مراكز المال والاقتصاد بنيويورك وتجمعات جماعات اللوبي والمصالح بالعاصمة الأميركية واشنطن وهما معا يشكلان أهم عشرة أرقام بريدية على مستوى الولايات المتحدة من حيث حجم التبرعات السياسية التي ترد منها

أسباب أخرى لعدم المساواة

المشكلة هنا أن مشكلة عدم المساواة التي تعاني منها الديمقراطية الأميركية تتخطى قضية المال وحدها ودوره في التأثير على الانتخابات فهي قضية متشعبة ذات جذور متشعبة، وهنا يجب الإشارة إلى نتائج تقرير صدر في عام 2004 عن لجنة عمل شكلتها الجمعية الأمريكية للعلوم السياسية في عام 2001 لدراسة ظاهرة "عدم المساواة والديمقراطية الأمريكية"، وقد خرجت اللجنة في عام 2004 بتقرير يسعى لتقييم حالة الديمقراطية الأمريكية في أوائل القرن العشرين وأهم التحديات التي تواجهها، وعلى رأسها ما يلي

أشار التقرير إلى أن الشعب الأميركي أكثر قبولا بعدم المساواة بسبب إيمانه القوي بالثقافة الرأسمالية والتي تنادي بوجود فوارق طبيعية بين الأفراد تقود إلى تفاوت في الثروات، ولكن الشعب الأميركي يرفض عدم المساواة الناجمة عن التمييز

الفجوة المتزايدة بين الفقراء والأغنياء في أميركا تنعكس بشكل واضح على مظاهر المشاركة السياسية وعلى رأسها التصويت في الانتخابات، حيث تقتصر نسبة المشاركة في انتخابات الكونجرس على ثلث الناخبين المسجلين في قوائم الاقتراع الأمريكية، وهي نسبة ترتفع في انتخابات الرئاسة الأميركية لنصف الناخبين المسجلين فقط

أغنياء أميركا ليسوا أكثر نشاطا من فقرائها في مجال التصويت فقط فهم أكثر منهم مشاركة في العمل بالحملات الانتخابية والتبرع المالي والاتصال بالسياسيين وتنظيم المظاهرات وعضوية مجالس إدارة الهيئات المحلية وعضوية المنظمات السياسية

الفجوة في مستويات المشاركة السياسية بين الأغنياء والفقراء في أميركا في ازدياد منذ الستينات، وهي فجوة يصعب علاجها من خلال انتشار أدوات الاتصال الحديثة كالإنترنت، والذي أصبحت أداة في يد الأثرياء النشطين سياسيا لكي يزدادوا نشاطا ونفوذا مقارنة بالفقراء غير النشطين

تراجعت عضوية إتحادات العمال إلى 9% فقط من إجمالي القوى العاملة بأميركا، وفي المقابل انتشرت جماعات المصالح التي تمثل الأغنياء بشكل رهيب، وحتى جماعات المصالح التي تمثل القضايا العامة كالبيئة تزداد عزلة عن قضايا الجماهير العادية كلما ازدادت انخراطا ونفوذا سياسيا

الأحزاب السياسية الأميركية الكبرى تركز في نشاطها السياسي والانتخابي على الوصول إلى الأثرياء والحصول على دعمهم ولا تشغل نفسها كثيرا بالوصول إلى الفقراء وتنشيطهم

نتيجة لما سبق لا يسمع المسئولون الأميركيون أصوات المهاجرين والأقليات والفقراء لأنهم محاطين بالأثرياء الذين يدعمونهم ويمتلكون جماعات مصالح عالية الصوت

لكي يحصل السياسيون الأميركيون على مزيد من الدعم من النخب الثرية باتوا يركزون في سياستهم على تزويد المناطق الثرية بمزيد من الخدمات والمزايا، حتى أن إعادة رسم الدوائر الانتخابية باتت تتم بشكل أكثر تكرارا لضمان حصول أعضاء حزب الأغلبية على دوائر أكثر ثراءا وأكثر مساندة لهم، وبهذا أصبح السياسيون الأميركيون هم من يختارون الناخبين وليس العكس - كما يشير التقرير

سياسات الحكومة الأميركية قد لا تصب مباشرة في مصالح الأثرياء بقدر ما تحجم عن رعاية برامج ومصالح وأجندة الفقراء مثل قضايا التعليم والرعاية الصحية والضمان الاجتماعي وهي قضايا لا نشغل النخب الثرية لذا تهملها الحكومة مما يزيد من شعور الفقراء بالعزلة وعدم الرغبة في المشاركة السياسية


انتخابات 2006 والديمقراطية الأميركية

الأسباب السابقة مجتمعة توضح لنا أن الشعب الأميركي والديمقراطية الأميركية ومستقبل الولايات المتحدة في حاجة إلى وقفة أكبر مع الذات الأميركية، وقفة لمراجعة حالة الديمقراطية الأميركية وإيجاد حلول عاجلة لأزمة الطبقات الفقيرة والمتوسطة ومخاطبة برامجها بجدية وبشكل يشعرها بالثقة في النظام السياسي الأميركي ويشجعها على المشاركة الواعية النشطة من جديد

------

مقالات ذات صلة

أين أخطأ اليمين الأميركي؟

مهمة الديمقراطيين الصعبة في الانتخابات الأميركية الراهنة

عدم المساواة والديمقراطية الأمريكية

Wednesday, November 08, 2006

أسباب ودلالات تحول المسلمين الأمريكيين نحو اليسار والحزب الديمقراطي


بقلم: علاء بيومي

الناشر:
جريدة الرياض، 8 نوفمبر 2006

نص المقال

ظاهرة تحول المسلمين الأمريكيين نحو اليسار باتت ظاهرة واضحة للعيان بعد ان اظهر احدث استطلاع لآراء الناخبين المسلمين الأمريكيين - والذي اجراه مجلس العلاقات الاسلامية الأمريكية (كير) في شهر اغسطس الماضي - ان 42% من الناخبين المسلمين الأمريكيين يساندون الحزب الديمقراطي في مقابل 17% فقط من المسلمين الأمريكيين الذين عبروا عن مساندتهم للحزب الجمهوري

وكان استطلاع اجراه مركز ابحاث أمريكي مسلم تابع لجامعة جورج تاون الأمريكية قبيل انتخابات عام 2004 الأمريكية الرئاسية قد اظهر ان 50% من المسلمين الأمريكيين يميلون نحو الحزب الجمهوري في مقابل شعور 12% فقط من المسلمين الأمريكيين بالانتماء للحزب الجمهوري

تحول المسلمين الأمريكيين نحو اليسار يبدو جديداً ومثيراً لسببين رئيسيين على الاقل أولهما كون المسلمين الأمريكيين يميلون للمحافظة على الجانبين الاجتماعي والاخلاقي مما يجعلهم اكثر ميلاً لمساندة اجندة اليمين الأمريكي المحافظة اخلاقياً، أما السبب الثاني فهو مساندة اول كتلة انتخابية مسلمة أمريكية للمرشح الجمهوري للرئاسة جورج دبليو بوش في انتخابات عام 2000

مساندة المسلمين الأمريكيين لبوش في عام 2000 وتحولهم نحو اليسار مؤخراً هي مفارقة تدفع البعض الى التساؤل حول ماذا كان تحول المسلمين نحو اليسار هو رد فعل على سياسات الادارة الأمريكية تجاههم خاصة وان استطلاعات آراء المسلمين الأمريكيين تؤكد انهم يعارضون حرب العراق وسياسة الادارة الأمريكية تجاه الشرق الاوسط ويشعرون بالاستياء تجاه اوضاع الحقوق والحريات المدنية خلال الفترة الحالية وتجاه موقف الادارة الأمريكية تجاه تلك القضايا

في المقابل يمكن القول ان تحول المسلمين الأمريكيين نحو اليسار لا يبدو غريباً او مستحدثاً للأسباب التالية

أولاً: استطلاع كير اظهر ان مسلمي أمريكا يميلون نحو اليسار كحركة سياسية ايدلوجية اكثر من ميلهم نحو الحزب الديمقراطي كمؤسسة تعبر عن هذا التوجه، فعندما سأل الاستطلاع المشاركين فيه عن انتمائهم الحزبي ذكر 42% من الناخبين المسلمين الأمريكيين انهم ديمقراطيون، في المقابل ذكر 17% انهم جمهوريون، في حين فضل 28% من الناخبين المسلمين الأمريكيين الحياد ولكن عندما سأل الاستطلاع نفسه الناخبين المسلمين حول الحزب الاكثر استجابة لقضايا المسلمين ومصالحهم، عبر 38% من الناخبين عن اعتقادهم بأنه الحزب الديمقراطي هو الاكثر استجابة لمصالح المسلمين، في حين رأى 12% ان الحزب الجمهوري هو الاكثر استجابة، وفضل 28% من الناخبين المسلمين الحياد مرة اخرى

هذا يعني أن المسلمين الأمريكيين لا يعولون آمالاً كبيرة على أي من الحزبين الرئيسيين او على امكانية ان تغير الاحزاب الأمريكية الكبرى الاوضاع الحالية، وهو شعور يعكس شعور فئات واسعة من الشعب الأمريكي والتي باتت ترى ان النظام السياسي الأمريكي يعكس مصالح وقضايا اقليات نخبوية اكثر من مصالح الاغلبية الشعبية

ثانيا: الأسباب السابقة توضح ان مساندة المسلمين الأمريكيين لليسار هي مساندة للتحالفات والحركات السياسية المشكلة لتحالف اليسار الليبرالي بالولايات المتحدة اكثر من كونها مساندة للحزب الديمقراطي نفسه وقياداته ومؤسساته الداخلية

ويبرر ذلك موقف عدد متنام من الجماعات اليسارية الأمريكية التي وقفت مواقف ايجابية مساندة للمسلمين الأمريكيين خلال السنوات الأخيرة وعلى رأس تلك الجماعات اكبر منظمات الحقوق والحريات المدنية الأمريكية، ومنظمات العدالة والسلام الدولية، والكنائس والجماعات الدينية الليبرالية، والأقليات، وتشكل الجماعات السابقة معا القواعد الجماهيرية لتحالف اليسار الأمريكي وهي قواعد ابقى وأهم من بنية الحزب الديمقراطي ذاته، فهي قواعد جماهيرية حقيقية تعبر عن نبض فئات جماهيرية هامة بالمجتمع الأمريكي

ثالثا: في المقابل عانى المسلمون الأمريكيون كثيرا خلال السنوات الأخيرة من التحالفات المكونة للتيار اليميني المحافظ وعلى رأسها بعض قيادات التيار الإنجليكي التي افرطت في الإساءة الى الإسلام، وكتاب المحافظين الجدد الذين افرطوا في دق طبول الحرب الموجهة تجاه العالم الإسلامي ولصق مصطلح العداء بجماعات ومفاهيم اسلامية مختلفة، هذا اضافة الى بعض الفئات المحافظة ذات الأجندات العنصرية والرافضة للأجانب والتي تشددت في رفض الأجانب والآخر

في المقابل موقف قيادات الحزب الجمهوري بالإدارة الأمريكية والكونجرس في اغلب الأحيان موقفا صامتا تجاه تلك الجماعات وتجاه اساءاتها وهجماتها المتكررة على الإسلام والمسلمين، وهو موقف لم تختلف عنه كثيرا قيادات الحزب الديمقراطي، ولكن يمكن القول ان الحزب الديمقراطي ضم بين فئاته القيادية - وخاصة في الكونجرس - ولو على مستويات اقل نفوذا - عددا اكبر من المسؤولين الذين عبروا عن مساندتهم لمسلمي امريكا في مناسبات مختلفة

رابعا: وبالطبع لا يجب اغفال التأثير الذي تركته بعض سياسات الإدارة الأمريكية الحالية خاصة على صعيد الحقوق والحريات المدنية وحرب العراق

وقد تشرح الظواهر السابقة مجتمعة اسباب ميل المسلمين الأمريكيين المتزايد نحو اليسار، وهو تحول هام سوف تكون له انعكاساته العميقة في المستقبل على مستويين اساسيين، اولهما داخلي يتعلق بالمسلمين الأمريكيين، وذلك لأن علاقة المسلمين الأمريكيين المتنامية مع قوى اليسار الأمريكي سوف تدفع مسلمي امريكا ومنظماتهم تدريجيا لتبني قضايا تلك الجماعات على مستوى الحقوق المدنية وحقوق الانسان والمهاجرين وحقوق العمال والفقراء وقضايا البيئة، وهي قضايا سوف تمثل اضافة هامة لأجندة مسلمي امريكا وقد تترك بصمات هامة على فهم المسلمين الأمريكيين لهويتهم كجماعة امريكية وعلى القيم المختلفة التي تسود الحياة المسلمة الأمريكية

ثانيا: بالنسبة لجماعات اليسار الأمريكي فسوف تشكل علاقاتها القوية مع المسلمين الأمريكيين اختبارا صعبا لموقف تلك الجماعات من قضايا الحريات والتعددية والتنوع في سياق علاقة الغرب بالإسلام والمسلمين، وبدون شك سوف تخضع جماعات اليسار المختلفة لضغوط متزايدة من قبل قوى اليمين الأمريكي والغربي الرافضة لنمو الأقليات المسلمة بالغرب، حيث ترى بعض الجماعات الغربية اليمينية الراديكالية ان المسلمين مختلفين بدرجة تحتم استثنائهم من قيم التعددية والمساواة الغربية، وتتهم تلك الجماعات قوى اليسار بارتكاب خطأ تاريخي في الانفتاح على الأقليات المسلمة، وهي اتهامات يتوقع لها الزيادة في الفترة الحالية وفي المستقبل المنظور

الأسباب والدلالات السابقة مجتمعة تعطي ظاهرة توجه المسلمين الأمريكيين المتزايد نحو اليسار اهمية خاصة وتجعلها امرا يستحق الانتباه والمتابعة خلال وبعد موسم الانتخابات الأمريكية الراهنة، فعلاقة المسلمين الأمريكيين المتزايدة بقوى ومنظمات اليسار الأمريكي هي احدى اهم الخبرات الجوهرية التي يمرون بها كأقلية مسلمة بدولة غربية رئيسية خلال المرحلة التاريخية الراهنة

-----

مقالات ذات صلة

Tuesday, November 07, 2006

مسلمو أميركا والانتخابات: 2006
مقال بقلم: علاء بيومي

الناشر:
إسلام أون لاين، 7 نوفمبر 2006

نص المقال

يهدف المقال الراهن إلى تسجيل بعض أهم الظواهر المرتبطة بمشاركة المسلمين الأميركيين في فعاليات موسم الانتخابات الأميركية الراهنة والمزمع عقدها في السابع من نوفمبر الحالي، وعلى رأس تلك الظواهر روح النشاط والتعبئة التي دبت في أوساط المسلمين الأميركيين قبيل الانتخابات والتي رصدتها وسائل إعلامية أميركية مختلفة، وإمكانية أن تسفر الانتخابات عن فوز أول مسلم بعضوية الكونجرس الأميركي، وظاهرة تحول المسلمين الأميركيين نحو اليسار ونحو الحزب الديمقراطي والتي أكدتها استطلاعات حديثة لأراء الناخبين المسلمين الأميركيين، كما يسعى المقال للخروج بعدد من الدلالات المتعلقة بمستقبل المسلمين الأميركيين السياسي بناءا على مستوي نشاطهم بالانتخابات الراهنة

عودة الروح

وسائل الإعلام الأميركية التي تناولت أخبار مشاركة مسلمي أمريكا في فعاليات موسم الانتخابات الفيدرالية الحالي أجمعت على روح النشاط والتعبئة السياسية التي بثتها الانتخابات في صفوف المسلمين الأمريكيين، حيث أشار تقرير لوكالة ريليجيوس نيوز سيرفيس نشر مؤخرا إلى توقع مراقبين بأن يقوم المسلمون الأمريكيون بالتصويت "بأعداد كبيرة غير معتادة هذا العام"، كما نشرت جريدة ستار تلغرام (الصادرة بولاية تكساس) مقالا بعنوان "الناخبون المسلمون قد يغيرون دفة الانتخابات المتقاربة" في إشارة إلى تنامي أعداد الناخبين المسلمين الأميركيين وقدرتهم على التأثير على نتائج بعض المعارك الانتخابية المتقاربة، أما جريدة واشنطن تايمز – المعروفة بتوجهها اليميني المحافظ - فقد نشرت مقالا يقول في مقدمته أن "الناخبين المسلمين الأمريكيين يمثلون كتلة انتخابية شابة ومتعلمة وثرية وتميل نحو الديمقراطيين في نوفمبر المقبل"، وذلك في معرض تغطية الجريدة لنتائج استطلاع علمي صدر حديثا عن منظمة مسلمة أميركية – وهي مجلس العلاقات الإسلامية الأمريكية (كير) – حول توجهات الناخبين المسلمين الأميركيين

وسائل الإعلام الأميركية التي غطت استعدادات مسلمي أميركا للانتخابات رصدت بعض أسباب روح النشاط والتعبئة السياسية التي دبت في أوساط مسلمي أميركا ومنظماتهم قبيل الانتخابات، وعلى رأس تلك الأسباب ما يلي

عدم رضا فئات واسعة من المسلمين الأميركيين على سياسات الإدارة الأميركية الراهنة بخصوص عدد من القضايا التي تهمهم وعلى رأسها قضايا الحقوق والحريات المدنية وسياسة أميركا الخارجية تجاه الشرق الأوسط والعالم الإسلامي بشكل عام

تأثر المسلمين الأميركيين بحالة التعبئة العامة داخل المجتمع الأميركي استعدادا للانتخابات المقبلة والتي ترتبط بقضايا هامة وعلى رأسها حرب العراق وسياسات الإدارة الأميركية وقيادات الجمهوريين بالكونجرس، هذا إضافة إلى توقع البعض أن يتمكن الحزب الديمقراطي من إنهاء سيطرة الجمهوريين على الكونجرس أو أحد مجلسيه خلال الانتخابات الراهنة مما يعطيها أهمية تاريخية خاصة ويزيدها إثارة سياسية

أشارت وسائل الإعلام لجهود مختلفة تقوم بها منظمات مسلمة أميركية قديمة معروفة وأخرى جديدة غير معروفة لتسجيل الناخبين وتوعيتهم سياسيا وتشجيعهم على الانتخابات، ويلاحظ هنا انتشار هذه المنظمات ونموها بشكل مستمر يصعب معه تتبعها وإحصاءها

ينشط المسلمون الأميركيون ببعض الدوائر التي ينافس فيها سياسيون معروفون بتصريحاتهم ومواقفهم المعادية للمسلمين، كما هو الحال بالدائرة الثالثة بولاية نيويورك حيث يعمل بعض الناخبون المسلمون على إسقاط النائب بيتر كينج الذي ادعى في تصريحات سابقة متكررة أن غالبية مساجد أميركا يديرها "متشددون"

ذكرت مؤسسة مسلمة أميركية وهي الاتحاد المسلم الأميركي (AMA) أن هناك 35 مرشحا مسلما ينافسون في الانتخابات الراهنة على مناصب مختلفة مما يمثل سببا إضافيا لتعبئة المسلمين الأمريكيين خلال موسم الانتخابات الحالي

أشارت تقارير أخرى لنشاط المسلمين الأميركيين في مجال التبرع لمرشحيهم المفضلين، ويظهر هنا أهمية وجود منظمات مسلمة تعمل على رصد تلك التبرعات والتي تذهب غالبيتها بشكل مباشر للمرشحين دون رصدها من قبل المؤسسات المعنية

أول عضو مسلم بالكونجرس

إضافة إلى الأسباب السابقة أبرزت وسائل الإعلام الأميركية سببا إضافيا من نوع خاص لنشاط المسلمين السياسي خلال موسم الانتخابات الحالي، وهو يتعلق بإمكانية أن تسفر الانتخابات الراهنة عن فوز أول مسلم بعضوية مجلس النواب الأميركي

السياسي المرشح لذلك هو كيث أليسون مرشح الحزب الديمقراطي لعضوية مجلس النواب الأميركي عن الدائرة الخامسة بولاية مينيسوتا، وقد ولد أليسون في الرابع من أغسطس 1963 في مدينة ديترويت بولاية مشيجان لعائلة أفريقية أميركية نشطة في حركة الحقوق والحريات المدنية، واعتنق أليسون الإسلام خلال دراسته الجامعية وهو في التاسعة عشر من عمره، وفي عام 1987 انتقل أليسون إلى ولاية مينيسوتا لدراسة القانون بإحدى جامعاتها حيث تخرج في عام 1990 وتوجه بعد ذلك إلى مزاولة المحاماة حتى تم انتخابه في عام 2002 لعضوية مجلس نواب ولاية مينيسوتا عن إحدى أكثر دوائر الولاية تعددية عرقية وإثنية

وخلال موسم الانتخابات الحالي خلى مقعد الدائرة الخامسة بولاية مينيسوتا، وهي دائرة معروفة بتوجهها الليبرالي، وهو توجه مكن النواب الديمقراطيون من السيطرة الكاملة على تمثيل الدائرة بمجلس النواب الأميركي منذ عام 1963، مما جعل الدائرة ذات بريق خاص في عيون السياسيين الديمقراطيين لأن فوز سياسي ديمقراطي ما بترشيح الحزب الديمقراطي بالدائرة ذات التوجه الليبرالي القوي يكاد يضمن له الفوز بالانتخابات العامة، ويكاد أيضا يضمن له الفوز في سنوات أخرى مقبلة عديدة، فالتنافس على تمثيل الدائرة هو تنافس داخل الحزب الديمقراطي بالأساس

وفي 21 سبتمبر 2006 فاز أليسون بترشيح الحزب الديمقراطي بنسبة 41% من الأصوات بعد انتصاره على ثلاثة مرشحين ديمقراطيين آخرين، حيث تميز أليسون – كما تشير تقارير صحفية – بكاريزميته وبمعرفته الجيدة بقضايا دائرته، وقد أعطى الفوز السابق دفعة قوية لكيث أليسون لكي يكون أول مرشح أفريقي أمريكي وأول مرشح مسلم يمثل الدائرة الخامسة بمينيسوتا بمجلس النواب الأميركي

ويخوض أليسون الانتخابات العامة المقرر عقدها في السابع من نوفمبر الحالي بأجندة ليبرالية تقدمية تركز على قضايا مثل زيادة ميزانية المدارس العامة وحماية الحقوق الحريات المدنية وحقوق المشردين والفقراء ورفع الحد الأدنى للأجور وحماية البيئة هذا إضافة إلى معارضته للحرب على العراق

ويواجه أليسون منافسة قوية نسبيا من مرشح جمهوري ومن مرشح أخر مستقل، وقد حاول منافسو أليسون مهاجمة خلفيته وتاريخه من خلال الربط المشوه بينه وبين جماعة "أمة الإسلام" وزعيمها لويس فرقان ومحاولة اتهام أليسون بالعداء للسامية، كما حول البعض اتهام أليسون بمساندة منظمات مسلمة أميركية متشددة وبتبني أجندة إسلامية متطرفة

وهي تهمة تعرض لها مرشح مسلم أخر لمجلس مدينة أناهيم بجنوب ولاية كاليفورنيا يدعى بلال دالاتي، حيث تعرض دالاتي وهو مرشح جمهوري لهجوم شرس من قبل زملاء له داخل الحزب الجمهوري نفسه، والذين أثاروا تساؤلات حول ولاء دالاتي ووطنيته بعد أن ساند سياسيين انتقدوا سياسات الرئيس جورج دبليو بوش بالعراق، كما انتقدوا مشاركة دالاتي في مظاهرة سلمية طالبت بوقف فوري لإطلاق النار في الهجوم الإسرائيلي على لبنان، على الرغم من مشاركة العديد من المسلمين والمسيحيين واليهود في المسيرة نفسها

وقد دافع قادة مسلمي كاليفورنيا ومنظماتهم عن دالاتي والذي أعلن مؤخرا عن تغيير توجهه الحزبي، كما دافع قادة مسلمي مينيسوتا وأمريكا عن أليسون معبرين عن دعمهم للمرشحين بناء على أجندتهما الإيجابية المدافعة حقوق المواطن الأميركي ومطالبين الناخبين الأميركيين بعدم الانزلاق وراء دعاوى العنصرية والتشويه التي يروجها بعض السياسيين لأغراض سياسية

في المقابل رأت وسائل إعلام أميركية مختلفة في معرض تغطيتها لأخبار حملة كيث أليسون ودلالات فوزه المحتمل في الانتخابات كأول عضو كونجرس مسلم أميركي إلى أن فوز أليسون سوف يترك أثار إيجابية على مسلمي أميركا فسوف يمثل نقلة نوعية كبيرة في تاريخ مشاركة مسلمي أميركا السياسية، كما سيرسل رسالة مليئة بالأمل في أوساط المسلمين الأميركيين وخاصة الشباب منهم، أما على المستوى العام فسوف يمثل فوز أليسون شهادة في حق النظام السياسي الأميركي، كما سيعجل أليسون سفيرا هاما لتقريب وجهات النظر بين صانع القرار الأميركي ورؤى ومصالح مسلمي الولايات المتحدة

خصائص الناخب المسلم الأميركي

السبب الأكثر إيجابية لزيادة نشاط المسلمين الأميركيين السياسي خلال موسم الانتخابات الجاري يرتبط بخصائص الناخبين المسلمين الأميركيين أنفسهم وهي خصائص تكشف عنها الاستطلاعات المعنية، ومن بينها استطلاع أجراه مجلس العلاقات الإسلامية الأميركية (كير) في أواخر شهر أغسطس الماضي

حيث كشف استطلاع كير أن الناخبين المسلمين الأميركيين يتميزون بعدد كبير من الخصائص الإيجابية على رأسها أعمارهم الصغيرة حيث تتراوح أعمال 67% من الناخبين المسلمين الأميركيين المسجلين بالسجلات الانتخابية الأميركية بين 25-54 عاما، هذا إضافة إلى ارتفاع مستوى مسلمي أميركا التعليمي حيث يحمل 62% من الناخبين المسلمين الأميركيين شهادات جامعية على الأقل وهو ما يمثل ضعف المتوسط العام بالمجتمع الأميركي

كما يتميز الناخبون المسلمون الأميركيون برغبة قوية بالمشاركة السياسية والاندماج بالمجتمع الأميركي، حيث يصوت 89% منهم باعتياد، ويتطوع 42% منهم للمساعدة في مؤسسات المجتمع المدني الأمريكي وذلك مقارنة بنسبة 29% فقط من الأميركيين

كما أشار الاستطلاع إلى أن الناخبين المسلمين الأميركيين يتركزون في 12 ولاية رئيسية وهي ولايات كاليفورنيا (20%)، ألينيوي (8.9%)، نيويورك (8.6%)، تكساس (7%)، نيوجرسي (6.8%)، مشيجان (6.7%)، فلوريدا (6.4%)، فيرجينيا (6.3%)، ميرلاند (3.1%)، أوهايو (3%)، بنسلفانيا (2.9%)، ومينيسوتا (2.8%) مما يزيد من فرص المسلمين الأميركيين في التأثير على نتائج الانتخابات التي تدار بتلك الولايات

مستقبل المسلمين الأميركيين السياسي

أشار استطلاع كير إلى وجود توجه متزايد في أوساط مسلمي أميركا خلال الفترة الحالية لمساندة الحزب الديمقراطي (42%) مقارنة بالحزب الجمهوري (17%)، في حين عبرت نسبة لا يستهان بها من الناخبين المسلمين الأميركيين عن استقلاليتهم الحزبية (28%)

ويلاحظ هنا أن توجه المسلمين الأميركيين السياسي والأيدلوجي نحو اليسار هو في جزء منه ردا على سياسات الإدارة الأميركية الجمهورية الحالية تجاه عدد من قضاياهم وعلى رأسها قضايا الحقوق المدنية وسياسة أميركا تجاه الشرق الأوسط، كما يلاحظ أن بعض القادة المسلمين الأميركيين يفضلون النظر للناخبين المسلمين الأميركيين على أنهم ناخبين يرتبطون بقضاياهم أكثر من ارتباطهم بحزب معين مما يعطيهم حرية الحركة لمساندة تلك القضايا

في نهاية هذا المقال يجب الإشارة إلى أن المظاهر الإيجابية السابقة لنشاط مسلمي أمريكا السياسي خلال موسم الانتخابات الحالي لم تحدث في فراغ ولكنه وقعت في بيئة مليئة بالتحديات والضغوط وحملات التشويه التي استهدفت مسلمي أمريكا وصورتهم ومؤسساتهم خلال السنوات الخمس الأخيرة على أقل تقدير، ولكن على الجانب المشرق تمكن المسلمون الأمريكيون من بث روح النشاط والتعبئة السياسية في أوساطهم مرة أخرى رغم التحديات، ويعني ذلك أن مسلمي أميركا يمتلكون العديد من عناصر القوة والإرادة الداخلية وعلى رأسها أعمارهم الشابة ومستويات تعليمهم العالية وقدراتهم التنظيمية المتزايدة والتي يمكن أن تساعدهم في مسيرتهم الطويلة والصعبة فنشاط مسلمي أميركا في الانتخابات الحالية ليس إلا خطوة إيجابية على طريق طويل وشاق يتحتم عليهم قطعه

-----

مقالات ذات صلة

أين أخطأ اليمين الأميركي؟

مهمة الديمقراطيين الصعبة في الانتخابات الأميركية الراهنة

مسلمو وعرب أميركا بين تبعات 11/9 والثورة اليمينية المضادة

تحول المسلمين الأمريكيين نحو اليسار ونحو الداخل: مظاهر وأسباب

قضايا الناخب المسلم الأمريكي في انتخابات 2004

ماذا يعني فوز بوش وخسارة كيري للمسلمين الأمريكيين؟

أهداف مسلمي وعرب أمريكا من المشاركة في انتخابات 2004

الصوت المسلم الأمريكي فيما وراء تأييد كيري ومعارضة بوش

أهمية الصوت المسلم الأمريكي في انتخابات عام 2004

Monday, November 06, 2006

أين أخطأ اليمين الأميركي؟


مقال بقلم: علاء بيومي

الناشر: الجزيرة نت، 6 نوفمبر 2006، حقوق الطبع والنشر محفوظة للناشر

نص المقال

يدخل التحالف اليميني الحاكم بالولايات المتحدة بزعامة الرئيس الأميركي جورج دبليو بوش وقيادات الجمهوريين بالإدارة الأميركية والكونجرس الانتخابات الفيدرالية المقرر عقدها في السابع من نوفمبر الحالي في وضع لا يحسد عليه، حيث تشير استطلاعات الرأي وأراء الخبراء إلى تراجع الرضا الشعبي على أداء الإدارة وعلى أداء الجمهوريين بالكونجرس سويا وسط توقعات بأن يلقى الجمهوريون في الانتخابات الحالية هزيمة ثقيلة قد تكلفهم موقع الأغلبية بأحد مجلسي الكونجرس الأميركي على أقل تقدير

مفارقة الصعود للقمة والاستعداد للهزيمة

ولا يخفى على أحد أن التحالف اليميني الأميركي والذي يتوقع له الهزيمة في الانتخابات الحالية هو نفس التحالف الذي حقق نجاحات سياسية مستمرة على الصعيد السياسي الأميركي منذ عام 1994 والذي تمكن فيه الجمهوريون من الفوز بأغلبية مقاعد مجلس النواب الأميركي لأول مرة منذ عقود، ففي عام 2000 فاز المرشح الجمهوري جورج دبليو بوش بالبيت الأبيض بعض منافسة شرسة وصعبة مع منافسه الديمقراطي آل جور، وبعد أحداث 11/9/2001 وصلت شعبية الرئيس جورج دبليو بوش لمستويات عالية مكنته من حصول على تفويض سريع من الكونجرس بشن الحرب على نظام طالبان بأفغانستان وسط مساندة أميركية داخلية ودولية خارجية عالية، كما تمكن التحالف نفسه من الفوز بانتخابات 2002 النصفية وبأغلبية مقاعد مجلس الشيوخ ومن الدفع بأميركا لغزو العراق على الرغم من المعارضة الشعبية والدولية الكبيرة، وهي معارضة لم تمنع الرئيس جورج دبليو بوش من الفوز في انتخابات عام 2004 الرئاسية والتي فاز فيها الجمهوريون بانتخابات الكونجرس أيضا

النجاحات السابقة لم تأت من فراغ بل جاءت نتيجة لعمل شاق قام به تحالف ضخم من الجماعات اليمينية الأميركية، فعلى الصعيد الفكري والإعلامي لعب المحافظون الجدد ووسائل الإعلام اليمينية دورا يشهد له بالكفاءة في حشد دعم الرأي العام الأميركي لسياسات إدارة بوش، وعلى المستوي السياسي تمكن الجمهوريون في تعبئة قوى المسيحيين المتدينين (28 مليون ناخب) بشكل غير مسبوق، هذا إضافة إلى حصولهم على تأييد الأثرياء المستفيدين من خفض الضرائب، وعلى أييد اليمينيين التقليديين بولايات الجنوب والوسط، وعلى تأييد جماعات يمينية تقليدية مثل اليمينيين المنادين بالحد من دور الدولة وحجمها، وجماعات يمينية جديدة كبعض أبناء الأقليات الذين انضموا لخيمة الجمهوريين المتنامية متأثرين ببريق سيطرة الجمهوريين على مقاليد السلطة

حجم ما حققه الجمهوريون من نجاحات سياسية منذ عام 1994 وحتى الآن وتوقع الكثيرون بأن يلقى الجمهوريون هزيمة كبيرة في السابع من نوفمبر الحالي يمثلان معا مفارقة كبيرة تثير عدد من الأسئلة الهامة حول أسباب تراجع الجمهوريين السريع، أسئلة مثل: أين الخطأ ومن هو المسئول عنه؟ بوش؟ أم العراق؟ أم المحافظون الجدد؟ أم الإنجليكيون؟ أم كل ما سبق

نظرية العوامل الأحادية

الكتابات الأميركية لم تخل من تنبؤات عديدة ومختلفة بمستقبل الجمهوريين وهي تنبؤات زادت سلبية بعد غزو العراق والذي أحدث شرخا كبيرا في المجتمع الأميركي وفي المعسكر اليميني الحاكم على حد سواء

فعلى سبيل المثال نشر السياسي والكاتب الأميركي المعروف بات بوكانان كتابا في عام 2004 بعنوان "أين أخطأ اليمين؟ كيف أجهض المحافظون الجدد ثورة ريجان واختطفوا رئاسة بوش؟"، والمعروف أن باتت بوكانان ينتمي لتيار المحافظين التقليديين وهو تيار علماني مقارنة بالمسيحيين المتدينين كما أنه يميل للعزلة ويرفض النزعة التدخلية في السياسة الخارجية الأميركية، ويفضل في المقابل التركيز على الداخل وعلى برامج المحافظين التقليدية مثل خفض الضرائب والحد من حجم الحكومة الفيدرالية وغلق الباب أمام الأجانب

والواضح أيضا من عنوان كتاب بوكانان أنه تبنى نظرية تلقى بالجانب الأكبر من اللوم على مجموعة واحدة من الجماعات المشكلة للتحالف اليميني الحكام حاليا بأميركا آلا وهي "المحافظون الجدد" والذين أعلن بوكانان أنهم "اختطفوا رئاسة بوش" وقادوه إلى إنتاج سياسات تتنافي مع توجهات اليمينيين التقليديين الذين يمثلهم مثل التمادي في زيادة البرامج الحكومية وفي النزعة التدخلية في السياسة الخارجية

بوكانان رأي في كتابه أن المحافظين الجدد مجموعة دخيلة على اليمين الأميركي، فهم – من وجهة نظره - مجموعة من المفكرين المتمركزين في واشنطن والذين يفتقرون للقواعد الجماهيرية الحقيقية وسط الناخبين الجمهوريين

حقيقة أزمة اليمين الأميركي

نظرية بوكانان التي ألقت باللوم على المحافظين الجدد لاقت رواجا واسعا في وسائل إعلام أميركية ودولية عديدة خاصة مع زيادة المعارضة الشعبية والدولية لحرب العراق والتي رأي البعض أنها نتاج لفكر المحافظين الجدد كجماعة محددة داخل التيار اليميني الأميركي الحاكم

ولكن أصحاب النظرية السابقة عجزوا دوما على الإجابة على سؤال محوري وهو كيف تمكن المحافظون الجدد من السيطرة على الإدارة الأميركية وعلى التيار اليميني الحاكم بهذه الدرجة خاصة وأنهم كما يدعي بوكانان تيار فكري دخيل على اليمين الأميركي يفتقر للقواعد الجماهيرية الحقيقية

والمعروف أن التحالف الأميركي الحاكم يتشكل من مجموعات عديدة أشرنا إلى أهمها في بداية هذا المقال، فكيف تمكن المحافظون الجدد من السيطرة على كل هؤلاء

السؤال السابق يدفعنا إلى تفسيرات من نوع مختلف لأزمة اليمين الأميركي الراهنة، ومن أهم هذه التفسيرات التفسير الذي قدمه جاكوب هاكر أستاذ العلوم السياسية بجامعة يال وبول بيرسون أستاذ العلوم السياسية بجامعة ولاية كاليفورنيا في كتاب "بعيدا عن المركز: الثورة الجمهورية وتآكل الديمقراطية الأميركية" الصادر عن مطابع جامعة يال الأميركية في عام 2005

هاكر وبيسرون يرفضان لوم جماعة أميركية معينة على أزمة اليمين أو على ما تمر به الولايات المتحدة حاليا من تحديات داخلية أو خارجية، إذ يريان أن المرض الذي أصاب اليمين الأميركي وانتقل منه إلى النظام السياسي الأميركي مرض قديم عضال يعود لتحالف النخب الثرية مع الجماعات الجماهيرية اليمينية المتشددة منذ أوائل السبعينات ضد إرث عقد الستينيات والذي شهد صعود قوة جماعات أميركية مستضعفة كالشباب والنساء والأقليات والمهاجرين

وردا على هذا الصعود تحالفت النخب الثرية مع الجماعات الدينية واليمينيين التقليديين للقيام بثورة مضادة ضد ثورة الحقوق والحريات التي وصلت لأوجها في الستينيات، وأخذ هذا التحالف من الحزب الجمهوري أداة ومنبر لتحقيق أهدافه السياسية فقام بعلمية تصفية مستمرة للقيادات الجمهورية المعتدلة وإحلالها بقيادات جمهورية جديدة متشددة تعبر عن القواعد الجماهيرية الجديدة التي اعتمد عليها هذا التحالف مثل اليمينيين المتدينين والجماعات اليمينية الرافضة لثورة الحقوق والحريات، وبعد صعود القيادات الجمهورية الجديدة تم تركيز السلطة داخل الحزب الجمهوري بأيدي تلك القيادات بما يمكنها من معاقبة ومكافئة قيادات الحزب الجمهوري وفقا لمدى التزامها بأجندة التحالف اليميني الجديد الحاكم، وبهذا امتلكت القيادات الجمهورية الجديدة سلطات غير مسبوقة دخل الحزب الجمهوري وداخل النظام السياسي الأميركي نظرا، وهي أغرت أصحابها وجعلت أخطائهم باهظة عالية التكاليف

كتاب تنبأ بأزمة اليمين الحالية

أما الكتاب الذي تمكن باقتدار في تشريح أهم تحديات التحالف اليميني الأميركي الحاكم فهو كتاب "أمة اليمين: قوة المحافظين في أمريكا" لمؤلفاه إدريان ولدريدج وجون مايكلثويت والصادر في عام 2004

هدف كتاب "أمة اليمين" لم يكن رصد أسباب ضعف التحالف اليميني الحاكم ولكنه كان - على النقيض - معنيا برصد أهم أسباب قوة هذا التحالف، والتي رصدها الكتاب بعناية ودقة فائقتين لدرجة نموذجا للكتب التي تنظر لمظاهر وأسباب قوة اليمين الأميركي في الوقت الحالي

وقبل نهاية الكتاب طرح مؤلفاه سؤالا هاما وهو كيف يمكن أن يتراجع اليمين الأميركي على الرغم مما يمتلكه حاليا من نفوذ وسيطرة كبيرتين، وهنا تنبأ المؤلفان بأن التحالف الأميركي الحاكم يعاني من خطرين عظيمين يهددان مستقبله، أولهما هو الغرور والإفراط في استخدام القوة، وثانيهما هو الشعور بالقوة والانشغال بالمنازعات الداخلية على حساب الانشغال بحماية القوة وزيادتها

وقد صدقت نبوءة المؤلفين بشكل كبير فقبل أيام قليلة على انعقاد انتخابات يتوقع الكثيرون أن يلقى فيها الجمهوريون هزيمة ثقيلة نجد أن الجمهوريون يعانون حاليا بسبب أخطائهم بشكل أساسي أكثر من معاناتهم من منافسة خصومهم الديمقراطيين

فالتحديات الكبرى التي يواجهها الجمهوريون حاليا هي أخطاء من صناعة أيديهم وعلى رأسها حرب العراق وفضائح الفساد وسوء استغلال السلطة التي مست عدد كبير من قياداتهم بالكونجرس وبالبيت الأبيض، هذا إضافة إلى الانقسامات التي زرعتها سياسات الإدارة الأميركية في أوساط الجمهوريين أنفسهم، إذ لم تحرص الإدارة على خفض ميزانية الحكومة الفيدرالية وبرامجها كما يريد المحافظين التقليديين، كما انتهجت الإدارة في قضايا الحقوق والحريات المدنية سياسات أثارت حفيظة كثير من الجمهوريين المعنيين بتقليص نفوذ الدولة وقدرتها على التدخل في حياة الأفراد، هذا إضافة إلى موقف بعض قيادات الجمهوريين بمجلس الشيوخ الأميركي من أمثال تشك هيجل وجون ماكين الذين عارضوا سياسة الإدارة الأميركية في إدارة الحرب على الإرهاب وفي التعامل مع قضايا حقوقية حساسة مثل تعذيب المعتقلين

أضف إلى ذلك موقف الإدارة المتردد تجاه قضايا الهجرة، إذ لم تتمكن الإدارة من وضع برامج عفو واسعة عن المهاجرين بشكل يحسن سمعة الجمهوريين وسط الأقليات اللاتينية المتنامية مع علم الإدارة بحاجة الجمهوريين المستقبلة المتزايدة لأصوات الأقليات والمهاجرين، كما فشلت الإدارة في نفس الوقت في إقناع القواعد اليمينية المحافظة بضرورة التخلي عن بعض أفكارهم المتشددة بحق المهاجرين مثل بناء الأسوار على الحدود لمنع تدفق المهاجرين

لذا يجد التحالف اليميني الحاكم نفسه اليوم في مأزق لا يحسد عليه صنعه لنفسه بالأساس، فغرور الجمهوريين بقوتهم غير المسبوقة دفعهم لارتكاب أخطاء كبيرة وخطيرة حتى أصبح الالتصاق بسياسات الإدارة والجمهوريين حاليا تهمة يسعى الجمهوريون أنفسهم للتبرأ منها

هل من مستقبل لليمين الأميركي

فهم أسباب أزمة اليمين الأميركي خلال الفترة الحالية على النحو السابق تدفعنا إلى الاعتقاد بأن التحالف اليميني الحاكم مازال قادرا على الخروج من كبوته الحالية إذا امتلك الشجاعة على الاعتراف بأخطائه وعلى تغيير سياساته، فالتحالف اليميني الحاكم تحالف واسع يمتلك قواعد جماهيرية عريضة، كما أن التحالف اليساري المعارض له يواجه عددا لا يستهان به من المشكلات على رأسها تآكل قواعده الجماهيرية التقليدية - كالمنظمات العمالية على سبيل المثال – لأسباب عديدة ومختلفة، كما أن الديمقراطيين مازالوا يفتقرون لرؤية وأفكار جديدة كبيرة قادرة على مواجهة مشاكل المواطن الأميركي الجديدة مثل تحديات الإرهاب والعولمة والتعددية الثقافية والعزلة السياسية

أما السيناريو الأسوأ فهو أن يستمر الجمهوريون في سياساتهم الراهنة مكتفين بإجراء تغييرات محدودة على قياداتهم، وبالتركيز على مواجهة خصومهم وكيل الاتهامات لهم، وبرفع أصواتهم أعلى من خصومهم من خلال أبواق المحافظين الجدد وقيادات الإنجليكيين ووسائل الإعلام اليمينية ودعم أثرياء الحزب وقيادات الجنوب، أما الخاسر الأكبر من ذلك فسوف يكون المواطن الأميركي العادي والذي بات يشعر أكثر من أي وقت مضى بالعزلة والهامشية وعدم القدرة على التأثير على مخرجات النظام السياسي الأميركي

-----

مقالات ذات صلة

مهمة الديمقراطيين الصعبة في الانتخابات الأميركية الراهنة

بعيدا عن المركز: الثورة الجمهورية وتآكل الديمقراطية الأمريكية

أين أخطأ اليمين؟

أمة اليمين: قوة المحافظين في أمريكا


Monday, October 30, 2006

مهمة الديمقراطيين الصعبة في الانتخابات الأميركية الراهنة


بقلم: علاء بيومي

الناشر:
الجزيرة نت، 28 أكتوبر 2006، حقوق الطبع والنشر محفوظة للناشر

نص المقال

يخطئ من يعتقد أن مهمة الحزب الديمقراطي في الانتخابات الفيدرالية الأميركية المقرر عقدها السابع من نوفمبر 2006 هي مهمة سهلة، فتدني شعبية الإدارة الأميركية والجمهوريين في الفترة الحالية لا تمثل في حد ذاتها ضمانة كافية لفوز الديمقراطيين بالانتخابات خاصة إذا علمنا أن التحدي الانتخابي الحقيقي الذي يواجهه الديمقراطيون حاليا هو تحدي قديم تعود جذوره لأكثر من ثلاثة عقود

تآكل قواعد الديمقراطيين الجماهيرية

تحدي الديمقراطيين الحقيقي نابع من تآكل قواعدهم الجماهيرية الانتخابية والتي كانت تعتمد تقليديا على أربع كتل انتخابية رئيسية، وهي المثقفون الليبراليون والعمال والكاثوليك والأفارقة الأمريكيين، وقد ساهمت تغيرات ديمغرافية وأخرى سياسية عديدة اجتاحت المجتمع الأمريكي منذ أوائل السبعينات في إضعاف تحالف الديمقراطيين مع كتلتين من الكتل الأربعة وهما العمال والكاثوليك

التطور التكنولوجي وانتقال أمريكا من اقتصاد التصنيع إلى اقتصاد الخدمات ثم إلى اقتصاد المعلومات أضعف من ثقل الجماعات العمالية وتحالفاتها ونقاباتها، كما شعر العمال البيض بمرور الوقت أن النخب الليبرالية الحاكمة لا تختلف كثيرا عن نظيرتها الجمهورية في نخبويتها وفي حرصها على اجتذاب الأثرياء والتعبير عن قضاياهم على حساب أبناء الطبقات الفقيرة والمتوسطة، كما شعرت الفئات ذاتها بأن خطاب النخب السياسية الليبرالية خطاب معقد متعالي يهتم بقضايا – مثل البيئة والحقوق المدنية وحقوق الإنسان - بعيدة عن اهتمامات المواطن الأمريكي العادي

كما شعر بعض البيض من أبناء الطبقتين الفقيرة والمتوسطة بأن اهتمام الليبراليين المتزايد بالحقوق المدنية جاء على حسابهم، ودفعهم إلى تقديم تنازلات متتالية في الوقت الذي يخضعون لظروف البطالة والاقتصاد الأمريكي المتحول

وفي ظل هذه الضغوط مال مزيد من البيض من أبناء الطبقتين الفقيرة والمتوسطة لأجندة الجمهوريين المحافظة أخلاقيا واجتماعيا والتي ألقت يعبئ البطالة والمعاناة الاقتصادية على المهاجرين والأقليات وعلى المنافسة الدولية المتزايدة

أما الكاثوليك وغيرهم من النخب الليبرالية المحافظة أخلاقيا فقد قلت مساندتها التقليدية للحزب الديمقراطي تدريجيا بسبب ميل الديمقراطيين المتزايد لترويج أجندة اليسار الجديد على المستوى الأخلاقي، وهي أجندة أفرطت – من وجهة نظر الديمقراطيين المحافظين – في تحدي أخلاق المجتمعات الغربية التقليدية من خلال مساندة قضايا كحقوق الإجهاض والشواذ

الأسباب السابقة دفعت العمال والليبراليين المتدينين للابتعاد تدريجيا عن الحزب الديمقراطي ولهجرة المدن الكبرى والشمالية الشرقية حيث تتركز النخب الليبرالية بأجندتها الليبرالية والانتقال للعيش في الأرياف والمناطق النائية والجنوبية والتي مازالت محافظة على بعض الأخلاق الغربية التقليدية، وهناك وقعت تلك الفئات فريسة لمشاعر الاغتراب عن الحزب الديمقراطي ولأجندة الحزب الجمهوري والتي مالت للتدين ولرفض ثورة الحقوق المدنية وللوم المهاجرين والأجانب على المعاناة الاقتصادية المتزايدة للطبقة الأمريكية المتوسطة

وبهذا اقتصرت قواعد الديمقراطيين الانتخابية على تحالف نحيف يضم النخب الليبرالية المثقفة والأفارقة الأمريكيين وبقايا الجماعات العمالية والليبرالية المحافظة، لذا وضع الديمقراطيين أمالا متزايدة على الأقليات وإمكانية انضمامهم للحزب وتعويضه عن الناخبين البيض الذين فقدهم الخاصة خاصة وأن الديمقراطيين يشتهرون بمواقفهم المساندة للفقراء وللمهاجرين وللأقليات وأن أمريكا تفتح أبوابها سنويا حاليا لحولي 1.2 مليون مهاجر

ولكن نمو الأقليات وزيادة مشاركتهم السياسية أمر يحتاج لفترة زمنية طويلة، كما أن الحزب الجمهوري دخل بقوة مجال التنافس على اجتذاب الأقليات، وذلك لأنه يمتلك زمام وبريق السلطة حاليا ويحاول الاستفادة من هذه السلطة في ضم مزيد من القوى والجماعات إليه

نمو خيمة الجمهوريين

ومن الواضح أن الجمهوريين استفادوا من التحولات الكبرى السابقة في بناء قواعدهم الانتخابية حيث فتحوا أبوابهم أمام البيض الذين شعروا بالاغتراب عن أجندة الحزب الديمقراطي لأسباب مختلفة، كما استفادوا من الصحوة الدينية المتزايدة بالمجتمع الأميركي منذ السبعينات، والتي جاءت – في جزء منها – ردا على تطرف أجندة الليبراليين العلمانية، ورفع الجمهوريون شعارات الأخلاق التقليدية المحافظة، والخوف من الأجانب، ورفض ثورة الحقوق المدنية، كما وثق الجمهوريون تحالفاتهم الجديدة عن طريق تقوية صلاتهم بأثرياء الجنوب المعنيين بخفض الضرائب وبالنخب المثقفة المحافظة التي تميل للعزلة وللحد من نمو الحكومة الفيدرالية وبالمحافظين الجدد المعنيين بالسياسية الخارجية بالأساس

كما استفاد الجمهوريون خلال السنوات الأخيرة من زيادة اهتمام الأميركيين بقضايا الأمن بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001، وهي قضايا قوت مشاعر الأميركيين المنادية بالعزلة وغلق الباب أمام الأجانب والمحافظة على التقدم الأمريكي على بقية بلدان العالم في المجالات المختلفة بما في ذلك المجالات الاقتصادية والسياسية والعسكرية

كما سعى الجمهوريون – بنجاح في أحيان كثيرة – لتصوير النخب الديمقراطية على أنها نخب ناعمة غير قادرة على حماية الشعب الأميركي وفرض الإرادة الأمريكية على العالم خاصة وأن الديمقراطيين – كما يصورهم الجمهوريين – يفرطون في نقد الذات والتراث الغربي والسياسات الأميركية وكأنهم باتوا مشغولين بنقد أميركا وسياستها أكثر من انشغالهم بمقاومة أعداء الولايات المتحدة

انقسام الديمقراطيين بخصوص الحل

في مواجه التحدي السابق وجد الديمقراطيون أنفسهم منذ الثمانينات أمام خيارين أولهما التوجه نحو اليمين لاجتذاب القوى الجماهيرية اليمينية متزايدة النفوذ كالمتدينين، وذلك من خلال اهتمام الديمقراطيين المتزايد بالحديث عن الدين والقيم التقليدية والأسرة وعدم الإفراط في الحديث عن قضايا الإجهاض وحقوق الشواذ والحقوق المدنية ومعارضة النزعة العسكرية الأميركية

حيث يرى أصحاب هذا الاتجاه أن الديمقراطيين لن يتمكنوا من الوصول للسلطة الفيدرالية إلا إذا استطاعوا أن يجتذبوا نسب أكبر من الناخبين المتدينين ( كالناخبين الإنجليكيين الذين وصلت أعدادهم في انتخابات عام 2004 إلى 28 مليون ناخب، والناخبين الكاثوليك المتدينين الذين بلغ عددهم في الانتخابات ذاتها 9 مليون ناخب

في المقابل يرى آخرون أن تحرك الحزب الديمقراطي نحو اليمين لن يعود عليه إلا بالخسارة، فسوف يفقد الحزب طبيعته الليبرالية العلمانية، كما أن الديمقراطيين لن يتمكنوا من إرضاء الناخبين اليمينيين المتدينين في القضايا الأخلاقية وسيظهرون في النهاية بصورة المنافق والذي يسعى للتلون الكاذب من أجل أغراض سياسية انتخابية

وفي المقابل يرى هؤلاء أن الحزب الديمقراطي يحتاج لإستراتيجية جديدة تقوم على تنشيط قواعد الحزب الديمقراطي الانتخابية في الولايات وفي المدن المحلية من أجل الوصول إلى الطبقات الفقيرة والمتوسطة وتوعيتها بأجندة الديمقراطيين الحقيقية المعنية بقضايا كالاقتصاد والتعليم والصحة والضمان الاجتماعي والحريات المدينة

مشكلة التوجه الثاني هي أنه بعيد المدى ومكلف يحتاج لرؤية وقيادة جديدة ومثابرة على فترة طويلة من الزمن، وأنه قد لا يسعف الديمقراطيين في الانتخابات المقبلة أو في السنوات القليلة التالية لها

وحتى الآن لا يبدو أن الديمقراطيين قد توصلوا لحل نهائي يجمعون عليه لعلاج هذا الانقسام المحوري، فالمعروف أن الرئيس الأميركي الديمقراطي السابق بيل كلينتون هو من المؤيدين لتوجه الحزب الديمقراطي نحو اليمين والوسط من أجل اجتذاب الناخبين المعتدلين من أبناء تلك التوجهات، وقد نجحت إستراتيجية كلينتون في منحه الرئاسة الأميركية لفترتين متتاليتين في التسعينات، ولكنها لم تسعف الديمقراطيين – خلال الفترة ذاتها - في الفوز بأغلبية مقاعد الكونجرس والتي استمروا في خسارة المزيد منها منذ عام 1994

ومن المعروف أيضا أن هاورد دين رئيس اللجنة المركزية للحزب الديمقراطي هو من أنصار المذهب الثاني، وأن دين – عندما رشح نفسه في انتخابات عام 2004 الرئاسية – تبنى أجندة يسارية معادية لحرب العراق بوضوح، كما رفع دين شعار أنه ينتمي "للجناح الديمقراطي من الحزب الديمقراطي" في إشارة إلى عدم مهادنته مع قوى اليمين والوسط وإلى انتماءه القوي لأجندة يسارية ليبرالية، ويقول البعض أن فشل دين في الفوز بترشيح الحزب الديمقراطي في انتخابات الرئاسة الأمريكية السابقة كان بسبب عدم رضا قادة الحزب الديمقراطي أنفسهم عنه، حيث شعر هؤلاء بأن خطاب دين يساري متشدد، وفضلوا عليه شخص مثل السيناتور جون كيري والذي صوت لحرب العراق ولكنها عارض أسلوب الإدارة في إدارة الحرب

حيث رأت نخب الحزب الديمقراطي أن خطاب كيري أكثر اعتدالا وتوسطا، خاصة وأن كيري أكد في خطابه الانتخابي على "القيم" وأهميتها في حياته وتصرفاته السياسية، ولكن حديث كيري عن القيم لم يسعفه وفشل في الحصول على تأييد الشعب الأميركي بما في ذلك الناخبين المعنيين بقضايا القيم والأخلاق والذين فضلوا جورج دبليو بوش عليه بفارق كبير، في المقابل نجح الجمهوريين في تصوير كيري على أنه قائد متردد وأنه مجرد صدى لموقف الجمهوريين القوي بخصوص قضايا الأمن والأخلاق

خطة دين والعراق في مواجهة الكنائس وتحالفات اليمين

في فبراير 2005 انتخب الديمقراطيون هاورد دين لرئاسة اللجنة المركزية للحزب الديمقراطي، ومنذ انتخابه - والذي جاء في جزء منه ردا على فشل جون كيري مرشح النخب الديمقراطية المسيطرة في انتخابات 2004 الرئاسية - عمل دين على وضع خطة إستراتيجية لتنشيط قواعد الحزب عبر مختلف الولايات الأميركية، وهي خطة ينتقدها بعض الديمقراطيين لأنها تعطي اهتماما متساويا للولايات الأميركية المختلفة، ولا تركز بشكل كافي على الدوائر الانتخابية التي يتنافس فيها الديمقراطيون مع جمهوريين ضعفاء قابلين للهزيمة، كما يرى البعض أن خطة دين إيجابية على المدى البعيد ولكنها قد لا تسعف الديمقراطيين على المدى القريب

ويخشى هؤلاء من أنه خطة دين وتفرق الديمقراطيين وعدم إتحادهم خلف قيادات مركزية - كما هو الحال لدى الجمهوريين - قد لا يساعدهم على الفوز بالأغلبية في الانتخابات المقبلة حيث ينبغي على الديمقراطيين لكي يحققوا ذلك أن يحافظوا على جميع مقاعدهم الحالية بمجلس الشيوخ والنواب مع الفوز بستة عشر مقعدا إضافيا بمجلس النواب وبستة مقاعد إضافية بمجلس الشيوخ

في المقابل يتمتع الجمهوريون بقيادة مركزية واضحة تتمثل في البيت الأبيض ومن خلفه قيادات الجمهوريين بالكونجرس، كما يتمتعون بقواعد جماهيرية قوية تتمثل في جماهير الكنائس اليمينية، كما يتمتعون بإعلام يميني قوي وبمساندة أثرياء الحزب وأقلام المحافظين الجدد وقدرتهم غير المحدودة على الجدل

ولكن الجمهوريين أضعفوا أنفسهم بسبب أخطائهم السياسية وعلى رأسها العراق، وبسبب قلة ما أنجزوه على الساحة الداخلية خلال سنوات سيطرتهم على الكونجرس بمجلسيه وعلى البيت الأبيض معا، وبسبب خطاب بعض قادتهم المتطرف والذي أخاف الأقليات والجماهير الليبرالية المعتدلة، وبسبب تفرق عدد من أكبر قادتهم من حول الرئيس وإدارته، حيث يخشى هؤلاء من أن استمرار ارتباطهم بسفينة الإدارة الأميركية المحملة بالأعباء والأخطاء سوف يضعف من موقفهم في انتخابات عام 2008 الرئاسية

أخطاء الجمهوريين ومشاكلهم العديدة دفعت البعض للقول بأن الديمقراطيين سوف يفوزون بالانتخابات المقبلة بشكل لا محالة فيه حتى ولو دخلوا الانتخابية بأجندة تقتصر ما ارتكبه الجمهوريون من أخطاء، ولكن الرؤية السابقة يعيبها إغفال حقيقية هامة وهي أن الديمقراطيين يحتاجون بشكل قاطع لقواعد انتخابية تضمن لهم هذا الفوز، وأن قواعد الديمقراطيين الانتخابية تعاني منذ فترة ليست قصيرة، وهذا يعني أن مهمة الديمقراطيين في الانتخابات المقبلة لن تكون بالسهولة التي يتصورها البعض

-----

مقالات ذات صلة

عدم المساواة والديمقراطية الأمريكية

ملامح الجيل الأميركي الحاكم

حكم أميركا: تاريخ الثروة والقوة في دولة ديمقراطية

بعيدا عن المركز: الثورة الجمهورية وتآكل الديمقراطية الأمريكية