Wednesday, November 08, 2006

أسباب ودلالات تحول المسلمين الأمريكيين نحو اليسار والحزب الديمقراطي


بقلم: علاء بيومي

الناشر:
جريدة الرياض، 8 نوفمبر 2006

نص المقال

ظاهرة تحول المسلمين الأمريكيين نحو اليسار باتت ظاهرة واضحة للعيان بعد ان اظهر احدث استطلاع لآراء الناخبين المسلمين الأمريكيين - والذي اجراه مجلس العلاقات الاسلامية الأمريكية (كير) في شهر اغسطس الماضي - ان 42% من الناخبين المسلمين الأمريكيين يساندون الحزب الديمقراطي في مقابل 17% فقط من المسلمين الأمريكيين الذين عبروا عن مساندتهم للحزب الجمهوري

وكان استطلاع اجراه مركز ابحاث أمريكي مسلم تابع لجامعة جورج تاون الأمريكية قبيل انتخابات عام 2004 الأمريكية الرئاسية قد اظهر ان 50% من المسلمين الأمريكيين يميلون نحو الحزب الجمهوري في مقابل شعور 12% فقط من المسلمين الأمريكيين بالانتماء للحزب الجمهوري

تحول المسلمين الأمريكيين نحو اليسار يبدو جديداً ومثيراً لسببين رئيسيين على الاقل أولهما كون المسلمين الأمريكيين يميلون للمحافظة على الجانبين الاجتماعي والاخلاقي مما يجعلهم اكثر ميلاً لمساندة اجندة اليمين الأمريكي المحافظة اخلاقياً، أما السبب الثاني فهو مساندة اول كتلة انتخابية مسلمة أمريكية للمرشح الجمهوري للرئاسة جورج دبليو بوش في انتخابات عام 2000

مساندة المسلمين الأمريكيين لبوش في عام 2000 وتحولهم نحو اليسار مؤخراً هي مفارقة تدفع البعض الى التساؤل حول ماذا كان تحول المسلمين نحو اليسار هو رد فعل على سياسات الادارة الأمريكية تجاههم خاصة وان استطلاعات آراء المسلمين الأمريكيين تؤكد انهم يعارضون حرب العراق وسياسة الادارة الأمريكية تجاه الشرق الاوسط ويشعرون بالاستياء تجاه اوضاع الحقوق والحريات المدنية خلال الفترة الحالية وتجاه موقف الادارة الأمريكية تجاه تلك القضايا

في المقابل يمكن القول ان تحول المسلمين الأمريكيين نحو اليسار لا يبدو غريباً او مستحدثاً للأسباب التالية

أولاً: استطلاع كير اظهر ان مسلمي أمريكا يميلون نحو اليسار كحركة سياسية ايدلوجية اكثر من ميلهم نحو الحزب الديمقراطي كمؤسسة تعبر عن هذا التوجه، فعندما سأل الاستطلاع المشاركين فيه عن انتمائهم الحزبي ذكر 42% من الناخبين المسلمين الأمريكيين انهم ديمقراطيون، في المقابل ذكر 17% انهم جمهوريون، في حين فضل 28% من الناخبين المسلمين الأمريكيين الحياد ولكن عندما سأل الاستطلاع نفسه الناخبين المسلمين حول الحزب الاكثر استجابة لقضايا المسلمين ومصالحهم، عبر 38% من الناخبين عن اعتقادهم بأنه الحزب الديمقراطي هو الاكثر استجابة لمصالح المسلمين، في حين رأى 12% ان الحزب الجمهوري هو الاكثر استجابة، وفضل 28% من الناخبين المسلمين الحياد مرة اخرى

هذا يعني أن المسلمين الأمريكيين لا يعولون آمالاً كبيرة على أي من الحزبين الرئيسيين او على امكانية ان تغير الاحزاب الأمريكية الكبرى الاوضاع الحالية، وهو شعور يعكس شعور فئات واسعة من الشعب الأمريكي والتي باتت ترى ان النظام السياسي الأمريكي يعكس مصالح وقضايا اقليات نخبوية اكثر من مصالح الاغلبية الشعبية

ثانيا: الأسباب السابقة توضح ان مساندة المسلمين الأمريكيين لليسار هي مساندة للتحالفات والحركات السياسية المشكلة لتحالف اليسار الليبرالي بالولايات المتحدة اكثر من كونها مساندة للحزب الديمقراطي نفسه وقياداته ومؤسساته الداخلية

ويبرر ذلك موقف عدد متنام من الجماعات اليسارية الأمريكية التي وقفت مواقف ايجابية مساندة للمسلمين الأمريكيين خلال السنوات الأخيرة وعلى رأس تلك الجماعات اكبر منظمات الحقوق والحريات المدنية الأمريكية، ومنظمات العدالة والسلام الدولية، والكنائس والجماعات الدينية الليبرالية، والأقليات، وتشكل الجماعات السابقة معا القواعد الجماهيرية لتحالف اليسار الأمريكي وهي قواعد ابقى وأهم من بنية الحزب الديمقراطي ذاته، فهي قواعد جماهيرية حقيقية تعبر عن نبض فئات جماهيرية هامة بالمجتمع الأمريكي

ثالثا: في المقابل عانى المسلمون الأمريكيون كثيرا خلال السنوات الأخيرة من التحالفات المكونة للتيار اليميني المحافظ وعلى رأسها بعض قيادات التيار الإنجليكي التي افرطت في الإساءة الى الإسلام، وكتاب المحافظين الجدد الذين افرطوا في دق طبول الحرب الموجهة تجاه العالم الإسلامي ولصق مصطلح العداء بجماعات ومفاهيم اسلامية مختلفة، هذا اضافة الى بعض الفئات المحافظة ذات الأجندات العنصرية والرافضة للأجانب والتي تشددت في رفض الأجانب والآخر

في المقابل موقف قيادات الحزب الجمهوري بالإدارة الأمريكية والكونجرس في اغلب الأحيان موقفا صامتا تجاه تلك الجماعات وتجاه اساءاتها وهجماتها المتكررة على الإسلام والمسلمين، وهو موقف لم تختلف عنه كثيرا قيادات الحزب الديمقراطي، ولكن يمكن القول ان الحزب الديمقراطي ضم بين فئاته القيادية - وخاصة في الكونجرس - ولو على مستويات اقل نفوذا - عددا اكبر من المسؤولين الذين عبروا عن مساندتهم لمسلمي امريكا في مناسبات مختلفة

رابعا: وبالطبع لا يجب اغفال التأثير الذي تركته بعض سياسات الإدارة الأمريكية الحالية خاصة على صعيد الحقوق والحريات المدنية وحرب العراق

وقد تشرح الظواهر السابقة مجتمعة اسباب ميل المسلمين الأمريكيين المتزايد نحو اليسار، وهو تحول هام سوف تكون له انعكاساته العميقة في المستقبل على مستويين اساسيين، اولهما داخلي يتعلق بالمسلمين الأمريكيين، وذلك لأن علاقة المسلمين الأمريكيين المتنامية مع قوى اليسار الأمريكي سوف تدفع مسلمي امريكا ومنظماتهم تدريجيا لتبني قضايا تلك الجماعات على مستوى الحقوق المدنية وحقوق الانسان والمهاجرين وحقوق العمال والفقراء وقضايا البيئة، وهي قضايا سوف تمثل اضافة هامة لأجندة مسلمي امريكا وقد تترك بصمات هامة على فهم المسلمين الأمريكيين لهويتهم كجماعة امريكية وعلى القيم المختلفة التي تسود الحياة المسلمة الأمريكية

ثانيا: بالنسبة لجماعات اليسار الأمريكي فسوف تشكل علاقاتها القوية مع المسلمين الأمريكيين اختبارا صعبا لموقف تلك الجماعات من قضايا الحريات والتعددية والتنوع في سياق علاقة الغرب بالإسلام والمسلمين، وبدون شك سوف تخضع جماعات اليسار المختلفة لضغوط متزايدة من قبل قوى اليمين الأمريكي والغربي الرافضة لنمو الأقليات المسلمة بالغرب، حيث ترى بعض الجماعات الغربية اليمينية الراديكالية ان المسلمين مختلفين بدرجة تحتم استثنائهم من قيم التعددية والمساواة الغربية، وتتهم تلك الجماعات قوى اليسار بارتكاب خطأ تاريخي في الانفتاح على الأقليات المسلمة، وهي اتهامات يتوقع لها الزيادة في الفترة الحالية وفي المستقبل المنظور

الأسباب والدلالات السابقة مجتمعة تعطي ظاهرة توجه المسلمين الأمريكيين المتزايد نحو اليسار اهمية خاصة وتجعلها امرا يستحق الانتباه والمتابعة خلال وبعد موسم الانتخابات الأمريكية الراهنة، فعلاقة المسلمين الأمريكيين المتزايدة بقوى ومنظمات اليسار الأمريكي هي احدى اهم الخبرات الجوهرية التي يمرون بها كأقلية مسلمة بدولة غربية رئيسية خلال المرحلة التاريخية الراهنة

-----

مقالات ذات صلة

No comments: