Thursday, November 30, 2006

المحافظون الجدد وصقور واشنطن باقون


بقلم: علاء بيومي

الناشر:
الجزيرة نت، 28 نوفمبر 2006، حقوق الطبع والنشر محفوظة للناشر

نص المقال

من يعتقدون أن هزيمة الجمهوريين في الانتخابات الأميركية الأخيرة تعني نهاية نفوذ المحافظين الجدد وصقور واشنطن مخطئون لأسباب عديدة، فهم يختزلون المحافظين الجدد في مجموعة صغيرة من الخبراء والسياسيين المحيطين بالإدارة الأميركية تنتهي بإقالتهم أو استقالتهم، كما يقومون في نفس الوقت بتضخيم نفوذ هذه المجموعة المحدودة ونسيان التحالفات السياسية التي اعتمدت عليها في الوصول إلى زمام السلطة ومقاليد الحكم بالولايات المتحدة، أما السبب الثالث فهو أن أصحاب هذا الاعتقاد يقعون في خطأ شائع وهو الخلط بين المحافظين الجدد وصقور واشنطن، والواضح بالطبع أن صقور واشنطن أقدم بكثير من المحافظين الجدد، كما أنهم باقون سواء بقى المحافظون الجدد أو رحلوا فوجودهم يرتبط بأسباب مختلفة وعديدة يصعب التخلص منها، ولإيضاح الأخطاء التحليلية السياسية السابقة الشائعة والهامة رأينا كتابة المقال الراهن

خطأ الاختزال

أحد الأخطاء الشائعة عن المحافظين الجدد هو اختزالهم في مجموعة صغيرة من السياسيين المحيطين بإدارة الرئيس الأمريكي جورج بوش من أمثال بول ولفويتز وجون بولتون ودوجلاس فايث وإليوت إبرامز وريتشارد بيرل، والكتاب والمثقفين المعروفين المعبرين عن التيار من أمثال ويليام كريستول وتشارلز كروثهمر وماكس بوت

ويترتب على الاعتقاد الاختزالي السابق تصور البعض أن باستقالة أو إقالة هؤلاء الأشخاص تكون الإدارة الأميركية وسياسة أميركا الخارجية قد تخلصت من نفوذ المحافظين الجدد وصقور واشنطن، ومن ثم الاعتقاد بأن الإدارة الأميركية اقتربت في الوقت الحالي من التخلص من نفوذ المحافظين الجدد بشكل كلي بعد أن تخلصت بالفعل من عدد كبير من أهم رموز المحافظين الجدد خلال العامين الماضيين، حيث استقال بول ولفويتز من منصب نائب وزير الدفاع الأميركي ليصبح رئيسا للبنك الدولي، كما استقال دوجلاس فايث من منصبة كمدير للسياسات بوزارة الدفاع في أغسطس 2005، واستقال لويس ليبي كبير موظفي مكتب نائب الرئيس الأميركي ديك تشيني في أكتوبر 2005 بعد توجيه تهم إليه في قضية تسريب اسم إحدى عميلات الاستخبارات الأميركية، هذا إضافة إلى ريتشارد بيرل الذي استقال من مجلس سياسات الدفاع الإستشاري التابع لوزارة الدفاع خلال إدارة بوش الأولى

ويعيب الاعتقاد السابق تحديان، أولهما أن بعض أهم رموز المحافظين الجدد مازالوا باقيين في الإدارة الأميركية من أمثال جون بولتون سفير أميركا لدى الأمم المتحدة، وإليوت إبرامز نائب مستشار الأمن القومي الأميركي والمسئول عن الدفع بأجندة بوش لنشر الديمقراطية بالشرق الأوسط

وثانيهما وهو الأهم هو أن المحافظين الجدد ليسوا ساسة فقط فخطورتهم تكمن في أنهم كتاب ومفكرين ومثقفين أصحاب فكر متجدد وقدرة لا تنتهي على الجدل، وهذا يعني أن نفوذ المحافظين الجدد صعب التحجيم، فالأفكار لا تقال أو تستقيل، وخلال السنوات الأخيرة ساند المحافظون الجدد بقوة عددا من الأفكار التي اكتسبت رواجا واسعا في واشنطن وعلى رأس هذه الأفكار الإيمان بأن أمام أميركا فرصة غير مسبوقة لإعادة صياغة النظام العالمي نابعة من حالة الفراغ التي يعشها النظام العالمي الراهن بعد سقوط الإتحاد السوفيتي، وهو فراغ يجب أن تملئه أميركا – كما ينادي المحافظون الجدد - انطلاقا من الهوية الأميركية ذاتها التي تؤمن بأن الأميركيين شعب خير ديمقراطي غير استعماري يريد مساعدة العالم القديم على اللحاق بالعالم الجديد المتقدم والذي تمثله أميركا

كما يؤمن المحافظون الجدد بأن الخطر الأساسي الذي يهدد أميركا حاليا هو خطر الإرهاب الذي تقوم به جماعات مسلمة بالأساس، والتي يختلف المحافظون الجدد على تسميتها، ولكنهم يتفقون على أن العالم الإسلامي عموما والشرق الأوسط خصوصا هما نقطة انطلاق أميركا في سياستها لإعادة بناء النظام العالمي الراهن، وكان المحافظون الجدد يؤمنون في الماضي بأنهم قادرون على التدخل العسكري لإعادة بناء الدول كالعراق وأفغانستان وجعلها نموذجا لقدرة أميركا على التدخل وإعادة البناء ومساعدة الأصدقاء والتغيير، وبالطبع أثبتت العراق فشل الفكرة السابقة، كما أثبتت أن المحافظين الجدد مغرورون ومثاليون وغير قادرين على فهم حدود القوة الأميركية

إدراك الأميركيين لأخطاء المحافظين الجدد وإفراطهم لا يعني تخلص واشنطن من جميع أفكار المحافظين الجدد خاصة فيما يتعلق بالاعتقاد في دور أمريكا الدولي المدفوع برسالة أميركا القدرية، وكذلك فيما يتعلق بالتركيز المبالغ فيه على العالم الإسلامي، وسبب ذلك هو أن ترويج المحافظين الجدد للفكرتين السابقتين تزامن مع إيمان جماعات أميركية أخرى عديدة بنفس الأفكار مثل المسيحيين المتدينين ولوبي إسرائيل بل وبعض الليبراليين الأميركيين فالنزعة التدخلية في السياسية الخارجية الأمريكية والتركيز الأميركي على العالم الإسلامي لهما جذورا عديدة بنى عليها المحافظون الجدد تصورات جديدة تناسب عالم ما بعد الحادي عشر من سبتمبر 2001 ولم يبتدعوها

خطأ التضخيم

ويقودنا هذا إلى الحديث عن الخطأ التحليلي الرئيسي الثاني الذي يرتكبه بعض المعنيين بحاضر ومستقبل المحافظين الجدد، وهو الخطأ المتعلق بإغفال التحالف السياسي الذي اعتمد عليه المحافظون الجدد في الوصول إلى السلطة، والكل يعلم هنا أن المحافظين الجدد هم تيار فكري سياسي لا يمتلك قواعد جماهيرية انتخابية حقيقية مثل الجماعات المكونة لقوى المحافظين والجمهوريين في أميركا، وهذا يعني أن المحافظين الجدد اعتمدوا على قوى أخرى ذات قواعد جماهيرية انتخابية قبلت بأفكارهم لأسباب مختلفة وأعطتهم تفويضا للعمل باسمها على ساحة سياسة الجمهوريين الخارجية خلال السنوات الستة الأخيرة

ومن المعروف أن الجمهوريين حكموا أميركا خلال السنوات الأخيرة معتمدين على تحالف واسع من القوى السياسية اليمينية مثل الناخبين الإنجليكيين وأثرياء الجنوب الأميركي وقوى المحافظين التقليديين بولايات الجنوب والغرب الأميركي وأخيرا المحافظين الجدد

وبالطبع لم يكن المحافظون الجدد ليسيطروا على مقاليد صنع السياسة بأميركا دون موافقة ضمنية من هؤلاء، وهنا يلاحظ أن تلك القوى تمتلك أحيانا بعض الأفكار الأكثر تشددا من المحافظين الجدد على ساحة السياسة الخارجية الأميركية، فعلى سبيل المثال ينطلق المسيحيون المتدينون في رؤيتهم للسياسة الخارجية الأميركية تجاه الشرق الأوسط والعالم من منطلقات دينية خطيرة تؤمن بأن العالم وأميركا يسيران بسرعة إلى نقطة هاوية صدامية تمثل نهاية العالم من خلال حرب تأتي على الأخضر واليابس ويكون مركزها الشرق الأوسط ويقودها العالم كله ضد أميركا وحلفائها وعلى رأسهم إسرائيل، وبالطبع لا يثق الإنجليكيون في المنظمات الدولية ولا يؤمنون بقضايا مثل الحد من التسلح أو تخفيض النفقات العسكرية الأميركية، فأميركا بالنسبة لهم تستعد لحرب قادمة طاحنة لا راد لها

أما النخب الأميركية المحافظة التقليدية فهي انعزالية بطبيعتها لا تثق في المنظمات الدولية أو في العالم الخارجي ولا تؤمن إلا بالقوة الأميريكية وزيادتها المستمرة وبناء المزيد منها، وإن كانت تلك القوى أقل نزعة لإتباع سياسة خارجية تدخلية أو للدخول في مغامرات عسكرية غير مقبولة، فنظرة تلك الجماعات التشاؤمية ضد كل ما هو أجني خارجي تجعل المغامرات الدولية بالنسبة لها أمرا غير ضروريا لا يستحق التضحية من أجله

لذا عارض بعض المحافظين التقليديين سياسة المحافظين الجدد التدخلية، ولكن بشكل عام لم تكن معارضة المحافظين التقليديين لسياسة المحافظين الجدد كافية خاصة في ظل تأييد المحافظين المتدينين لتلك السياسة وفي ظل طبيعة اليمين الأمريكي الغالبة والتي لا تميل للثقة في المنظمات الدولية أو في العالم الخارجي، وبدون تلك المشاعر والنزعات القوية الراسخة لم يكن المحافظين الجدد ليتمكنوا لفعل ما فعلوه، كما يمثل بقاء تلك المشاعر والنزعات ضمانة لا يستهان بها لاستمرار سياسات وأفكار المحافظين الجدد حتى بعد زوالهم وهو ما يجعلنا أقل إيمانا بمقولة "نهاية نفوذ المحافظين الجدد"

الفارق بين المحافظين الجدد وصقور واشنطن

أما السبب الرئيسي الثالث لاعتقادنا ببقاء المحافظين الجدد فهو إيماننا بخطأ الخلط بين المحافظين الجدد وصقور واشنطن، وهنا يلاحظ أن بعض التحليلات تستخدم مصطلح الصقور للإشارة لبعض الشخصيات المتشددة بإدارتي الرئيس الأميركي جورج دبليو بوش الأولى والثانية وعلى رأسها ديك تشيني نائب الرئيس الأميركي ودونالد رامسفيلد وزير الدفاع الأميركي المستقيل بالإضافة إلى رموز المحافظين الجدد مثل ولفويتز وفايث وليبي وإبرامز وغيرهم

والمعروف أن تشيني ورامسفيلد أكثر تأثيرا بدرجة كبيرة من أهم رموز المحافظين الجدد، فكتاب مثل كتاب بوب ودوارد الأخير "حالة إنكار" يركز بالأساس على رامسفيلد ومن خلفه تشيني كأكبر المسئولين عن أزمة أميركا في العراق ويكاد لا يتناول المحافظين الجدد إلا عابرا

أضف إلى ذلك أن صفة الصقور بما تعنيه من تشدد وتعنت ولي عنق الحقائق من أجل الإيدلوجيا والميل للنزعة التدخلية العسكرية في السياسة الخارجية الأميركية هي صفة يصعب قصرها على المحافظين الجدد أو على تشيني ورامسفيلد وحدهم فهي صفة يمكن أن تشمل العديدين بما في ذلك بعض قيادات الحزبين الجمهوري والديمقراطي في الكونجرس وعدد ليس بقليل من خبراء واشنطن

وقد يعود ذلك إلى عدة أسباب على رأسها اعتقاد بعض المحليين أن القوي السياسية الأميركية مالت بشكل عام خلال السنوات الأخيرة لتبني أجندات سياسية متشددة على ساحة السياسة الخارجية ولتبني سياسة أميركية داخلية أقل ليبرالية وذلك سعيا من جانب تلك القوى لاجتذاب مزيد من أصوات الجماعات اليمينية الأميركية المتدينة والتي صعدت بقوة في السياسة الأميركية منذ السبعينات وباتوا يمثلون قوة لا يستهان بها في الساسة الأميركية، هذا إضافة إلى تأثير الفترة التالية لأحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001 وتأثير عوامل أخرى كزيادة الفجوة بين الأثرياء والأغنياء في أميركا وثورة المحافظين الأميركيين على ميراث ثورة الحقوق المدنية على المستويات الحقوقية والاقتصادية وهي عوامل دفعت مجتمعة السياسة الأميركية نحو اليمين وفرضت على السياسيين الأمريكيين اتخاذ سياسات متشددة تجاه الخارج الدولي والداخل الأجنبي تحت ضغوط الظروف والجماعات المتشددة

وهنا يلاحظ أن بعض قيادات الديمقراطيين بالكونجرس كانت تلجأ أحيانا – خلال السنوات الست الأخيرة - للمزايدة على مواقف الجمهوريين المتشددة تجاه قضايا الشرق الأوسط وعلى رأسها الصراع العربي الإسرائيلي للظهور في صورة الحزب الأكثر صرامة فيما يتعلق بالسياسة الخارجية

أضف إلى ذلك العامل المتعلق بدور اللوبيات وعلى رأسها اللوبي الموالي لإسرائيل وتأثيرها على السياسة الخارجية الأمريكية تجاه الشرق الأوسط، وهنا يلاحظ أن لوبي إسرائيل بمؤسساته وقياداته المختلفة أكثر استمرارا من المحافظين الجدد كما أنه قد يفوقهم أيضا من حيث التنظيم المؤسسي والانتشار في مؤسسات صنع السياسة الخارجية الأميركية المختلفة

كما يشير بعض المفكرين الأميركيين الليبراليين من أمثال نعوم تشومسكي أن السياسة الأميركية ذاتها بطبيعتها البرجماتية الراسخة ومصالحها المتعددة تقف عائقا هاما أمام التخلص من النزعة الصقورية بالسياسة الأمريكية حيث يرى هؤلاء أن السياسة الأميركية كانت دوما مدفوعة برغبة النخب الأميركية المسيطرة في الوصول إلى منابع ثروات العالم وأسواقه بشكل مضمون ومستقر حتى ولو أدى ذلك لأن تتبنى أمريكا سياسة قصيرة النظر تستخدم القيم كحقوق الإنسان والديمقراطية استخداما برجماتيا محدودا لا يضر بمصالحها المادية بعيدة المدى

-----

مقالات ذات صلة

المال وعدم المساواة والانتخابات وأزمة الديمقراطية الأميركية

أين أخطأ اليمين الأميركي؟


No comments: