Wednesday, June 27, 2007

ترويض أوباما
مقال بقلم: علاء بيومي

الناشر: الجزيرة نت، 24 يونيو 2007


نص المقال

المؤتمر الوطني الحزب الديمقراطي الأميركي الذي انعقد قبيل انتخابات عام 2004 الرئاسية – وتحديدا في يوليو 2004 – كتب شهادة ميلاد باراك أوبامو السياسية على النطاق الوطني بالولايات المتحدة، إذ حول المؤتمر أوباما من مرشح بانتخابات مجلس الشيوخ الأميركي عن ولاية ألينوي إلى أحد ألمع السياسيين الأميركيين على الإطلاق، إذ خرجت صحف أميركية عديدة - في اليوم التالي للمؤتمر - بمقالات تتنبأ بميلاد نجم سياسي جديد يتمتع بكاريزما قوية، وبقدرة خطابية عالية، وبخطاب جديد

إذ قدم أوباما نفسه كمثال للأميركي الجديد المتعدد الأعراق والخلفيات والمنفتح على الجميع والذي يريد بناء أميركا جديدة متحدة تتخطى الفوارق العرقية والسياسية، فباراك أوباما وهو من مواليد أغسطس 1961 ولد لأب كيني وأم أميركية انفصلت عن والده وباراك ابن العامين، ثم انتقل باراك بعد ذلك مع أمه وزوجها إلى إندونيسيا، ثم عاد إلى أميركا لكي يربى في منزل جديه من أمه، وعاش فترة مراهقة صعبة بسبب ظروفه العائلة وأزمة هوية عاشها، ثم تمكن من الخروج من أزمته بالإصرار والعزيمة اللذان قاداه للتفوق الرياضي والدراسي حيث حصل على شهادات جامعية وأتم دراساته العليا بأكبر الجامعات الأميركية ، ليعود بعد ذلك لخدمة المجتمع المحلي والأفارقة الأميركيين والأحياء الفقيرة بمدينة شيكاغو بولاية ألينوي الأميركية مما أدى إلى انتخابه عضوا بمجلس شيوخ الولاية منذ عام 1997 وحتى عام 2004، وهو العام الذي انتخب فيه أوباما عضوا بمجلس الشيوخ الأميركي بعد فوزه بأغلبية ساحقة (70%) على منافسه الجمهوري

أوباما ... الأمل

خلفية أوباما السابقة وقصة نجاحه جعلت منه قصة نجاح أميركية تمثل مصدرا للأمل للعديدين خاصة مع حرص أوباما على رسم صورته لدى الرأي العام الأميركي بشكل يؤكد الفكرة السابقة، إذ يحرص أوباما على تقديم نفسه كسياسي عصامي يمثل الأميركي العادي، لا يخضع لقيود جماعات اللوبي بواشنطن، ويترفع عن الخلافات السياسية، ويسعي لقيادة أميركا لمستقبل أكثر إشراقا وإيجابية، وقد ساعد أوباما على ذلك كاريزميته التي تنبع من قدراته اللغوية والخطابية العالية مما دفع العديد من الكتاب والصحفيين الأميركيين لمقارنته ببعض أكثر الشخصيات العامة الأميركية ذات الكاريزما عبر التاريخ

وزاد أوباما لمعانا في عيون المسلمين والعرب الأميركيين حديثه عنهم في خطابه أمام مؤتمر الحزب الديمقراطي الذي قدمه إلى أميركا، إذ انتقد أوباما ما تعرض له العرب الأميركيون من تمييز في أميركا بعد أحدث الحادي عشر من سبتمبر، حيث ذكر أنه "لو تعرضت أسرة عربية أميركية للاعتقال بدون إعطاءها حقها في توكيل محامي للدفاع عنها أو للخضوع للسير الطبيعي للعملية القانونية، فإن ذلك يهدد حرياتي المدنية"

أضف إلى ذلك خلفية أوباما الأفريقية وجذوره المسلمة وانتمائه للأقلية الأفريقية الأميركية وتدينه ومعارضته لحرب العراق ومطالبته بسياسية أميركية أكثر احتراما للحقوق المدنية في التداخل وأكثر تواضعا في الخارج وصعود نجمه السريع بالسياسية الأميركية، وهي عوامل جعلته مجتمعة قائد سياسي أكثر جاذبية في عيون العديد من المسلمين والعرب الأميركيين ولجماهير أميركية أخرى عديدة

أوباما ... المرشح الرئاسي

ولكن هل يختلف السيناتور أوباما عن أوباما المرشح الديمقراطي للرئاسة أو أوباما الرئيس الأميركي؟ وهل سيتمكن أوباما من مواجهة ضغوط واشنطن واللوبيات والنخب الحاكمة والمسيطرة؟ وما هي حقيقة مواقف أوباما تجاه قضايا المسلمين والعرب المختلفة؟ وهل هناك وجها أخر لأوباما يتخفي وراء خطابه المنمق المتدفق في سهولة ممتنعة؟ وهل يتحول أوباما لبوش أخر يعجب به العرب كمرشح رئاسي ثم يتحول لرئيس كارثي للعرب والأميركيين على حد سواء بعد وصوله للبيت الأبيض

قراءة خطب أوباما ومواقفه السياسية منذ توليه عضوية مجلس الشيوخ في أوائل عام 2005 تحتوي على العديد من النقاط الإيجابية، إذ يؤكد أوباما رغبته في سحب القوات الأميركية بشكل كامل قبل أوائل أبريل 2008، وفي تقوية المؤسسات الدولية كالأمم المتحدة وإصلاحها، وفي تحسين علاقة أميركا بالعالم من خلال بناء التحالفات وتقديم المساعدات الخارجية، حيث يتعهد أوباما بمضاعفة المساعدات الأميركية للعالم بنهاية فترة رئاسته الأولى، وباحترام حقوق الإنسان مؤكدا على استهجانه اللاذع لأخطاء بوش كجوانتانامو والسجون السرية

كما يتعهد بأن يقرن مساعدات أميركا الخارجية بمطالبة النظم الديكتاتورية بالإصلاح، وأن يدعم الحوار بين دول العالم كالهند وباكستان، وأن يعتمد الحوار المباشر آداه دبلوماسية أساسية مع مختلف الدول بما في ذلك إيران

وعلى المستوى الداخلي يطرح أوباما أفكارا طموحة عن الإصلاح حيث قدم مؤخرا خطة لتوفير الرعاية الصحية للأميركيين واجهت انتقادات واسعة من جماعات ومراكز أبحاث يمينية مختلفة خوفا من تكلفتها الباهظة على ميزانية الحكومة الأميركية، مما يعني أن أوباما لديه الشجاعة على طرح أفكار تهدف إلى مساعدة المواطن الأميركي العادي على مواجهة آلة الرأسمالية الأميركية الطاحنة، هذا إضافة إلى تقديم أوباما تشريعات تحد من نفوذ جماعات اللوبي والضغط السياسي على المشرعين الأميركيين

ترويض أوباما

المقلق هنا أن أوباما مازال حديث العهد بالسياسة الأميركية ولم يواجه ما يكفي من التحديات ومن ضغوط جماعات المصالح واللوبي وخصومه، خاصة وأنه يواجه في انتخابات الرئاسة الأميركية سياسيين محنكين على غرار هيلاري كلينتون وجون ماكين، كما أنه يواجه آلة الإعلان والدعاية الأميركية المخيفة، وجهود نخب وجماعات مصالح شرسة

ففي الشهور الأخيرة طغى على السطح اتهامات لأوباما بأنه تعلم في مدارس إسلامية متشددة بإندونيسيا، كما تعرض لضغوط ضخمة من مناصري إسرائيل بعد أن صرح قائلا بأن "لا أحد يعاني أكثر من الفلسطينيين"، كما نشرت مقالات تعطي انطباعا بأن أوباما يشعر بالذنب لأنه لا يساند القضية الفلسطينية بشكل كافي، وبأنه يهادن إيران

في المقابل يمكن للمتابع أن يجد في خطاب أوباما – على مستوى السياسة الخارجية – نوعا من التشدد النابع من أسباب مختلفة

من بين هذه الأسباب سعي أوباما إلى تقديم نفسه على أنه ينتمي لوسط اليسار الأميركي لا ليسار اليسار الأميركي، وهنا يجب الإشارة إلى أن وجود اختلافات أيدلوجية بين الجماعات اليسارية بالولايات المتحدة، فهناك جماعات أكثر ميلا للسلام ولليبرالية على المستويات الأخلاقية والداخلية، في المقابل هناك جماعات يسارية أكثر نزعة للعسكرية وللمحافظة على المستويات الأخلاقية والسياسية الداخلية، ويمكن القول أن أوباما يحرص على تمييز نفسه عن مرشحين ينتمون ليسار اليسار الأميركي من أمثال دينيس كوسينيتش عضو مجلس النواب الأميركي الديمقراطي عن ولاية أوهايو والمرشح الرئاسي عن الحرب الديمقراطي في الانتخابات الأميركية المقبلة والسابقة

فمرشحين مثل كوسينيتش لا يمتلكون حظوظا واسعة للفوز بالرئاسة الأميركي أو حتى بأصوات غالبية الديمقراطيين، في المقابل يحرصون على ترشيح في الانتخابات الرئاسية أنفسهم للتعبير عن أجندة تمثل مصالح أقلية من الجماهير الأميركية ذات أيدلوجية فكرية معينة

حيث ينتمي كوسينيتش ليسار اليسار الأميركي بأجندة المعادية لحرب العراق وللحروب بشكل عام والمطالبة بالحقوق والحريات المدنية على نقاط واسع بالداخل الأميركي وبحقوق الأقليات والمهاجرين، وبسياسة أميركية أكثر اعتدلا تجاه الشرق الأوسط وأكثر انفتاحا على العالم الإسلامي، وهي أفكار جريئة قد تقلل حظوظ صاحبها في الحصول على تأييد غالبية الشعب الأميركي، وهو تأييد يحتاجه أي مرشح رئاسي أميركي حريص على المنافسة على مقعد الرئاسة والوصول إليه

لذا نجد أن أوباما حريص على تقديم نفسه كسياسي قادر على إرضاء اليمين واليسار الأميركيين انطلاقا من أجندة ليبرالية متوسطة في يساريتها، إذا يحاول أوباما تقديم نفسه كسياسي قادر على حماية أمن أميركا وبناء جيش قوي والضغط على أعداء أميركا في الخارج في الوقت الذي يقوم فيه بتحسين علاقات أميركا مع دول العالم المختلفة من خلال سياسة تقوم على بناء التحالفات والعمل من خلال المؤسسات الدولية وزيادة المساعدات الخارجية

وانطلاقا من هذه الأجندة يؤكد أوباما على عزمه بناء جيش أميركي قوي، وعلى حرصه على منع إيران من امتلاك أسلحة الدمار الشامل من خلال التفاوض المباشر مع الإيرانيين على آلا يستبعد خيار استخدام القوة العسكرية بشكل نهائي

السبب الثاني هو أن أوباما ينطلق من واقع سياسي معين تتحكم فيه سياسات أميركية تمت بالفعل ونخب حاكمة قوية ومسيطرة، وهنا يظهر أن أوباما يحرص في خطابه على تأكيد إيمانه بأن أميركا هي "أخر وأفضل أمال الأرض" أو البشرية، وبذلك يغذي المشاعر القومية الأميركية وشعور الأميركيين بالرسائلية (أن الأميركيين شعب خاص له رسالة قدرية تؤهله لقيادة العالم وتطالبه بذلك) وهي نفس المشاعر التي أساء المحافظون الجدد استغلالها خلال السنوات الأخيرة، ولكن أوباما يحاول استخدام تلك المشاعر لإقناع الأميركيين بالعدول عن مشاعر العزلة التي تعصف بهم حاليا بعد فشل حرب العراق، ولكي يقنعهم بوجود دور إيجابي لهم في السياسة الدولة

ولكن أوباما يعود ليعبر عن قناعته بأنه ينبغي على أميركا الاحتفاظ بقوات محدودة في العراق بعد الانسحاب منه وذلك لأغراض التدريب ومكافحة القاعدة، ويلوم مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة على إفراطه في نقد إسرائيل في الوقت الذي يتجاهل فيه ما يجري بدارفور، كما يدعو أميركا للتدخل في شئون العالم الإسلامي لدعم القوى المعتدلة ومكافحة القوي المتشددة، ويطالب الشركات الأميركية – من خلال مشروع قانون يرعاه - بعدم الاستثمار في قطاع الطاقة بإيران، ويؤكد على حرصه على حماية حليف أميركا الأول في الشرق الأوسط إسرائيل وعزل خصومها

وهي مجموعة من الأفكار المختلطة، والتي لا تعبر بالضرورة عن مواقف يسارية معينة بقدر ما تعكس مصالح النخب الأميركية الحاكمة ولوبيات واشنطن وسياساتها الخاطئة وعجزها عن إعادة تقييم مواقفها تقييما حقيقيا يعكس القيم الأميركية ويبحث عن حلول أصيلة لمشاكل العالم وللمشاكل التي تواجه سياسة أميركا الخارجية وخاصة في الشرق الأوسط في الوقت الراهن

أوباما ... إلى أين؟

هذا يعني أن أوباما وليد لحظة وظروف أميركية معينة قد لا يستطيع بسهولة التخلص من تبعاتها الظاهرة والكامنة، وأن أوباما المرشح الرئاسي أو الرئيس قد لا يعكس بالضرورة أوباما المحامي المدافع عن حقوق الأقليات والمستضعفين بأحياء شيكاغو الفقيرة، وأن ماكينة الانتخابات الأميركية الطاحنة قد تدفع أوباما حديث العهد بالسياسة وضغوطها بعيدا عن مواقفه السابقة

أخيرا بقى لنا أن نؤكد أن الحكم على أوباما مازال مبكرا، فما زال أمامنا متسعا من الوقت والمصادر لبناء حكم أدق وأشمل عن أوباما ومواقفه خاصة مع اشتعال وتيرة الانتخابات الأميركية ودخول السباق الرئاسي مراحله الأكثر تطورا، ومع مقارنة مواقف أوباما بمواقف خصومه من المرشحين الديمقراطيين والجمهوريين على حد سواء

Wednesday, June 20, 2007

هل فشل مسلمو وعرب أميركا في الإندماج؟

بقلم: علاء بيومي

الناشر:
جريدة البديل المصرية، 11 يونيو 2006

نص المقال

هناك من ينادي بفشل مسلمي وعرب أميركا في الإندماج بالمجتمع الأميركي لأسباب مختلفة، حيث يرى البعض بأن الحديث عن الإندماج في المجتمع الأميركي هو حديث غير مقبول من أساسه، إذ يؤمن هؤلاء لأسباب إيدلوجية دينية أو علمانية متباينة أن أميركا لن تقبل لعربي أو مسلم بالإندماج فيها بشكل يحفظ له هويته ويضمن له الدفاع بحرية عن قضايا أمته العادلة

في المقابل يرى بعض العلمانيين العرب المتشددين أن الحديث عن إندماج الأقليات المسلمة في المجتمعات الغربية بشكل يحفظ لهم هوياتهم وحقوقهم الدينية هو درب من التطرف أو التخلف أو كليهما معا، والذي يحمل المجتمعات الغربية فوق طاقتها، ويرى هؤلاء أن بقاء المسلمين والعرب في أميركا يحتم عليها الإنصهار لا الإندماج ثقافيا وسياسيا، وأن المطالبة بغير ذلك هو تطرف لن يقود سوى إلى الفشل

ولا تختلف الرؤى السابقة كثيرا عن رؤى بعض الجماعات الأميركية التي ترفض إندماج المسلمين والعرب في أميركا حيث ترى الجماعات العنصرية وبعض الجماعات المتشددة في مساندة إسرائيل أن سعي المسلمين والعرب للإندماج الإيجابي في المجتمع الأميركي هو مؤامرة سياسية تهدف إلى السيطرة على المجتمع الأميركي وفرض أجندات المسلمين والعرب على أميركا وسياستها، لذا يرى هؤلاء أن التحديات الطبيعية التي تواجه إندماج المسلمين والعرب في أميركا هي براهين حتمية على عدم قدرتهم على الإندماج في مجتمع غربي متقدم كالمجتمع الأميركي

ولو قلنا أن الرؤى السابقة متطرفة لا تعكس واقع مسلمي وعرب أميركا ومسيرة إندماجهم في المجتمع الأميركي، لكان ينبغي علينا البحث عن رؤى بديلة، وللعثور على تلك الرؤى رأينا أن نتفق مع القارئ أولا على بعض المسلمات المنطقية التي ينبغي أن تحكم نظرتنا نحو التجمعات العربية والمسلمة في الولايات المتحدة

أول هذه المسلمات أن الهجرة حالة لا تقتصر على المهاجر وحده ولكنها ظاهرة بشرية واسعة الإنتشار يتعرض لها كل إنسان والذي لابد وأن يشعر في وقت من الأوقات بالغربة أو الإغتراب عما يدور حوله لأسباب مختلفة سياسية أو ثقافية أو إقتصادية ... ألخ، فمن منا لم يعاني الغربة وهو جالس وسط أهله أحيانا؟ ومن في العالم العربي اليوم وسماواته مليئة بالفضائيات لا يتعرض لثقافات وأفكار أجنبية أو جديدة بشكل يومي، هذا يعني ان الهجرة تكاد تكون ظاهرة عامة يعيشها بشكل مستمر أبناء عصر العولمة بدرجات مختلفة

المسلمة الثانية أن الغربة تفرض التغير، والتغيير قد يكون للأفضل أو للأسوأ، وأن الأنسان العاقل لابد وأن يبحث عن الأفضل لنفسه، ويكون ذلك بإنتقاء ما هو إيجابي من ماضيه وحاضره ومستقبله، وتجنب ما هو سلبي، خاصة وأن الطبيعة البشرية لا تعترف بالكمال، وأن لكل مجتمع مزاياه وعيوبه

بناء على ذلك يفترض على مسلمي وعرب أميركا بناء توليفة جديدة من القيم والأفكار التي تجمع بين ما هو إيجابي في ماضيهم العربي وحاضرهم الأميركي، وتتجنب ما هو سلبي، وهذا هو تقريبا تعريف الإندماج والذي يختلف عن الإنصهار، حيث يرى دعاة الإنصهار في المجتمع الأميركي أنه يتحتم على المهاجرين الجدد التخلي عن كل ما يربطهم بماضيهم من أجل أن يذوبوا بشكل كامل في حاضرهم الأميركي، في حين يشجع دعاة الإندماج المهاجرين الجدد على الإنتقاء بحرية بين ماضيهم وحاضرهم بحثا عن الأفضل

لذا يلاقي دعاة الإنصهار الأميركيين معارضة واسعة من قبل فئات أميركية مختلفة والتي عادة ما تذكرهم بأن أميركا مجتمع من المهاجرين إزدهر بالخبرات والكفاءات التي أحضرها المهاجرون إليه من مجتمعاتهم القديمة، وأن التقدم الذي تعيشه أميركا اليوم مدينا لعشرات الآلاف من أصحاب الكفاءات الذين تستقدمهم أميركا كل عام لسد حاجات سوق عملها المتنامي، وأن توقف تدفق هؤلاء المهاجرين الأكفاء هو بداية تراجع أميركا

المسلمة الثالثة هي أن الإندماج ذو شقين، أولهما قائم على سعي المهاجر للإندماج، وثانيهما قائم على موقف مجتمع المهجر ونخبه الحاكمة من ذلك الإندماج، فالهجرة والإندماج هما حالتان تفاعليتنان قد تصيران إلى الأفضل أو إلى الأسوأ، لذا يتحتم علينا أن نسأل أنفسنا سؤالا هاما، وهو: كيف نعد المهاجر العربي والمسلم لإندماج أفضل في المجتمع الأميركي بشكل يحفظ له هويته ويجعله عنصرا فاعلا مفيدا في مجتمعه الجديد وسفيرا لقضايا أمته العربية والمسلمة العادلة، ويقودنا هذا الحديث إلى السؤال عن مقومات الإندماج الرئيسية لمسلمي وعرب أميركا والتي نقسمها لثلاثة مقومات رئيسية، أولها مقومات نابعة من الوطن الأم، وثانيها مقومات نابعة من طبيعة الأقلية المسلمة والعربية ذاتها، وثالثها تتعلق بموقف المجتمع الأميركي وخاصة نخبه الحاكمة من الأقليات المسلمة والعربية الأميركية

دور الوطن العربي

المجتمعات العربية تنفق على أبناءها الكثير من تعليم ورعاية صحية وتنشئة قبل تقديمهم كمهاجرين أكفاء للولايات المتحدة، كما تزرع ظروف الحياة الصعبة في بعض المجتمعات العربية قيم العمل والكفاح الجاد لدى المهاجر العربي، هذا إضافة إلى تشجيع بعض المجتمعات العربية لأبناءها على السفر والمغامرة لأسباب مختلفة كالمجتمعات الساحلية، كما ترسل الدول العربية أبنائها للدراسة في أميركا، حيث يعد هؤلاء الطلاب رافدا هاما لتجديد دماء الأقليات المسلمة والعربية بشكل مستمر، ناهيك عن أن غالبية المنظمات المسلمة والعربية القائمة حاليا في الولايات المتحدة قامت على أكتاف الحركات الطلابية

على الجانب الأخر تعاني بعض المجتمعات العربية من مخاطر الهويات المنغلقة لأسباب دينية أو علمانية متباينة، وهي هويات تزرع في المؤمنين بها مشاعر إستعلاء وإنغلاق ورفض للأخر لا مبرر لها، كما تعاني المجتمعات العربية من ضعف معرفتها بالمجتمع الأميركي كمجتمع بشكل عام وندرة مصادر المعرفة الصحيحة عن هذا المجتمع هذا إضافة إلى إهمال قضية إعداد المهاجر وبناء قنوات إتصال بينه وبين وطنه خلال وجوده في مهجره، فمازالت غالبية الدول العربية تعتمد نوع من الدبلوماسية النخوبية والتي تقصر عمل المؤسسات الدبلوماسية العربية في أميركا على التواصل مع المؤسسات الأميركية الرسمية وعدم الإكتراث بتعبئة الأقليات المسلمة والعربية في المهجر أو التواصل معها

ولا يخفى على أحد القول أن حالة الإحتقان والتوتر السياسي التي تسيطر على علاقة الولايات المتحدة بالعالمين العربي والإسلامي منذ عقود تلقي بظلال سلبية عميقه على علاقة المهاجر المسلم أو العربي بمجتمعه الجديد

دور الأقليات المسلمة والعربية الأميركية

تتميز الأقليات المسلمة والعربية الأميركية في الوقت الراهن بتوحدها حول عدد من القضايا الهامة كالحقوق المدنية وتوضيح الصورة وتحسين سياسة أميركا الخارجية تجاه العالمين العربي والإسلامي، وهي قضايا دخلت في السنوات الأخيرة بيت كل مسلم وعربي بأميركا، ساعد على ذلك نمو المنظمات المسلمة والعربية الأميركية المستمر، هذا إضافة إلى أحداث الحادي عشر من سبتمبر الطاحنة التي كان لها الفضل في إضعاف التوجهات الإنعزالية في أوساط مسلمي وعرب أميركا، حيث أقنعت تبعات تلك الأحداث القاسية المسلمين والعرب المقيمين في أميركا بأن الإندماج النشط هو السبيل الوحيد للبقاء في ذلك المجتمع

هذا إضافة إلى طبيعة الأقلية المسلمة والعربية الأميركية ذاتها والتي تتميز بإرتفاع المستوى التعليمي والمادي نسبيا، فنسبة لا يستهان بها من مسلمي اميركا هم من أصحاب الكفاءات العلمية والمهنية الذين استعانت بهم أميركا لسد احتياجات سوق عملها

على الجانب الأخر مازالت الأقليات المسلمة والعربية تعاني من ندرة القيادات السياسية والإعلامية القادرة على تمثيل مصالحها لدى مؤسسات المجتمع الأميركي الكبرى والتي تمتلك في نفس الوقت حسا عاليا بقضايا ومصالح تلك الأقليات وتمتلك الشجاعة الكافية للدفاع عن تلك القضايا في دوائر السياسية والإعلام الأميركية، ساعد على ذلك الضعف النسبي للمؤسسات المسلمة والعربية النابع من قلة هذه المؤسسات وإفتقارها للموارد، وقد يعود ذلك إلى أن المهاجرين المسلمين والعرب قادمين أساسا من مجتمعات لا تشجع التنظيم السياسي، لذا تعاني أعداد كبيرة من المهاجرين المسلمين والعرب من ضعف مستويات نشاطهم السياسي ومن ثم مهاراتهم السياسية

دور المجتمع الأميركي

أميركا - كمجتمع قائم على المهاجرين ومر بثورة حقوق مدنية قوية - ترحب بالمهاجرين إلى حد كبير، فالتوجهات الليبرالية بالمجتمع الأميركي قوية وهي تشجع الهجرة وترحب بالمهاجرين، هذا إضافة إلى أن المدن الأميركية الكبيرة عالية التعديدة العرقية والإثنية بشكل يشعر المهاجر الجديد بأنه ليس غريبا بتلك المدن خاصة وأن المواطن الأميركي بشوش اجتماعي

على الجانب الأخر تعاني أميركا خلال السنوات الأخيرة من أوبئة خطيرة تهديد ميراثها كمجتمع يرحب بالمهاجرين وعلى رأس تلك الأوبئة إرتفاع صوت الجماعات اليمينية المعارضة للهجرة وللمهاجرين، وزيادة الفجوة بين الفقراء والأغنياء والتي تعصر الطبقات الفقيرة والمتوسطة التي ينتمي إليها المهاجرون، هذا إضافة إلى موقف بعض النخب المسيطرة كالنخب اليمينية المتشددة واللوبي الموالي لإسرائيل تجاه الهجرات والأقليات المسلمة والعربية بشكل خاص وتجاه العالمين العربي والإسلامي بشكل عام

أضف إلى ذلك الهجمة الشرسة خلال السنوات الأخيرة على حقوق وحريات المسلمين والعرب في أميركا وعلى صورتهم في وسائل الإعلام الأميركية، والتضييق عليهم في الوظائف وفي إستخراج تصاريح الهجرة والتجنيس، وهي هجمة دفعت أعداد ليست بقليلة إلى ترك الولايات المتحدة والعودة إلى أوطانهم بعد أن أقنعتهم بأن أميركا لم تعد مجتمع الفرصة المفتوح كما كانت في الماضي

وفي الخاتمة يجب أن نؤكد على أن قدرة المهاجر المسلم والعربي على الإندماج الإيجابي في المجتمع الأميركي هي مسئولية مشتركة يتحملها المهاجر والمجتمعات العربية والمسلمة والمجتمع الأميركي والذي أغلقت بعض نخبه الحاكمة عقولها وقلوبها مؤخرا أمام المسلمين والعرب

Wednesday, June 13, 2007

فكر اليمين الأمريكي: هارفي مانسفيلد نموذجا


مقال بقلم: علاء بيومي

عدد الكلمات: 6000 كلمة

الناشر:
مجلة آراء، يونيو 2006، حقوق الطبع والنشر محفوظة للناشر، المقال منشور بعنوان كيف يفكر صقور الإدارة الأميركية

للإطلاع على النص الكامل للمقال، يرجى زيارة
http://www.araa.ae

مقتطفات من المقال

المقال الراهن يتناول أهم أفكار المفكر الأميركي المحافظ واسع النفوذ هارفي مانسفيلد أستاذ العلوم السياسية بجامعة هارفرد، وأحد أهم القلاع الفكرية الأكاديمية المحافظة بأميركا، ويعرف المقال في بدايته بهارفي مانسفيلد وعلاقته بالمحافظين الجدد ومنهجه الفكري، ثم يتناول موقف مانسفيلد من عدد من أهم الصراعات الفكرية الأميركية الراهنة كالعلاقة بين اليمين واليسار والحرب على الإرهاب والموقف من المسلمين والعالم الإسلامي

ويشير المقال إلى أن الهزيمة التي لحقت بالحزب الجمهوري في انتخابات نوفمبر 2006 التشريعية الأميركية لا يجب أن تقلل من اهتمام الباحثين في أميركا وخارجها بمحاولة فهم الجذور السياسية والفكرية للحزب الجمهوري ولقوي اليمين الأميركي المساندة له والتي تشكل جزءا رئيسيا من القوي السياسية بالولايات المتحدة

من هذا المنطلق يأتي تناول هارفي مانسفيلد كأحد أبرز المفكرين السياسيين المحافظين في الولايات المتحدة الأميركية، وهو أستاذ العلوم السياسية بجامعة هارفرد الأميركية منذ عام 1962، وأحد أهم القلاع الأكاديمية المحافظة في أميركا، وأحد أقدر الكتاب الأميركيين القادرين على تأصيل السياسات اليمينية فكريا وفلسفيا، هذا إضافة إلى نشاط مانسفيلد في دوائر المحافظين الجدد خاصة مع كون مانسفيلد أحد أبرز تلاميذ الفيلسوف الأميركي الألماني الأصل ليو ستراوس الملقب بالأب الروحي للمحافظين الجدد

ويشير المقال إلى أن فكر هارفي مانسفيلد ينطلق من إيمانه بفكرة رئيسية أولى وهي أهمية الفكر والفلسفة في الحياة السياسية الأمريكية المعاصرة، وكذلك من إيمان مانسفيلد بوجود الفضيلة كقيمة يجب أن تسعى المجتمعات لتحقيقها وزرع حبها بين مواطنيها بما يترتب عليها من مسئوليات للفرد تجاه المجتمع، حيث يرفض مانسفيلد الهجوم الذي تتعرض له فكرة وجود الفضيلة من الجماعات التي تعارض الفكرة وتدعو للحياد أو النسبية كبديل للفضيلة

كما يرى مانسفيلد أن أساس الحياة بأي مجتمع ديمقراطي هو التحزب وسعى كل فرد لتعظيم مصلحته الخاصة مما يشكل ضمانة أساسية للديمقراطية، حيث يرى مانسفيلد أن المساواة هي قيمة مثالية يستحيل تحقيقها، في المقابل يرى أن التحزب والسعي لتحقيق المصلحة الخاصة هما من خصائص الطبيعة البشرية، كما يرى أن الطبيعة البشرية ذاتها مشغولة لدرجة ما بتحقيق المصلحة العامة

هذا إضافة إلى حب مانسفيلد لميكيافيللي، لاعتقاده بأن ميكيافيللي هو من وضع حجر أساس علم السياسة الحديث بثورته على هيمنة الدين على تعريف الفضيلة، ونقد مانسفيلد لليسار الأمريكي الجديد معتبرا أن اليسار الأمريكي لا يعبر عن الليبرالية الغربية الحقيقية ولكنه يعبر عن نوع من الليبرالية الخاطئة التي انتشرت في أمريكا بعد الحرب العالمية الثانية، هذا إضافة إلى انتقاده للحركات النسوية باعتبارها تجسيدا لأخطاء اليسار الأمريكي الفلسفية

ويعيب مانسفيلد على الأكاديميين عدم فهمهم لعقلية الجماهير ولعقلية المواطن العادي المحب لبلده، فالمواطن العادي يؤمن بالبطولة والحب والتحيز لبلده، أما عالم السياسة والأكاديمي فهو يؤمن بالحقيقة ويفني حياته في البحث عنها ويرحب بنقد ذاته وبلده، مما يجعل من عالم السياسة بمثابة مواطن سيء في عيون المواطنين العاديين، لذا يطالب مانسفيلد علماء السياسة – في أحد مقالاته – بلعب دور أكبر في دعم قيم المواطنة داخل مجتمعاتهم من خلال تقدير حب المواطن لبلده واحترام بساطة هذا الحب وتشجيع المواطن على المشاركة في شئون بلاده وتوعيته بأخطاء عدم المشاركة

أما بخصوص هجمات الحادي عشر من سبتمبر، فيقول مانسفيلد "الهجمات أوضحت أن لنا أعداء يكرهوننا لأنهم يكرهون قيمنا وممارساتنا، أنهم يحتقرون أسلوب حياتنا ليس لأننا لا نعلي قيمنا الخاصة بالحرية والديمقراطية والتسامح، ولكن لأننا نفعل ذلك"، وبهذا يضع مانسفيلد نفسه في معسكر من يؤمنون بأن المشكلة التي تتعرض لها شعبية أميركا في العالم ناتجة من كراهية الآخرين لأميركا وليس بسبب سياسات الولايات المتحدة نفسها وهو معسكر يضم قيادات اليمين الأميركي الفكرية والسياسية من أمثال المستشرق الأميركي المعروف برنارد لويس

ويؤكد المقال – الذي أشرنا إليه هنا في إيجاز شديد - في خاتمته أن أفكار مانسفيلد توضح جوانب مختلفة من الفكر السياسي اليمين في الولايات المتحدة خاصة فيما يتعلق بجذوره الفلسفية والاجتماعية، وهي جذور لا تنال حظها من الاهتمام في كتابات أميركية وأجنبية عديدة والتي تركز في العادة على أفكار ومواقف الجمهوريين واليمينيين السياسية تجاه القضايا السيارة وتهمل جذور تلك الأفكار والمواقف

للإطلاع على النص الكامل للمقال، يرجى زيارة