Tuesday, March 24, 2009

صانع صورة أوباما: هل خدع دايفيد أكسلرود العالم!؟
مقال بقلم: علاء بيومي

يمكن نشر المقال مع الإشارة إلى مصدره

www.alaabayoumi.com

نص المقال

القراءة عن دايفيد أكسلرود - كبير مستشاري الرئيس الأميركي الحالي باراك أوباما ومدير حملته الانتخابية - تشعرك أحيانا بأن أميركا عندما انتخبت أوباما فإنها في الحقيقة صوتت لأكسلرود أو لرجل من بنات أفكار دايفيد أكسلرود David ِAxelrod أهم خبراء العلاقات العامة والحملات السياسية داخل الحزب الديمقراطي في الوقت الراهن

وذلك لأن المقالات العديدة المنشورة عن أكسلرود في عدد من أكبر الصحف الأميركية والدولية تؤكد بلا هوادة على التشابه الكبير بين أفكار أوباما وأكسلرود وعلى دور الأخير في صناعة صورة أوباما التي خلبت أذهان الأميركيين والعالم خلال العامين الماضيين

فأكسلرود هو أقدم مساعدي أوباما ومستشاريه، فعلاقتهما تعود إلى عام 1992 عندما كان أوباما مجرد ناشط سياسي في شيكاغو، كما أن أكسلرود واحد من ثلاثة مستشارين هم الأقرب من أوباما كما تشير الصحف، وثاني هؤلاء الثلاثة هو رام إيمانويل كبير موظفي البيت الأبيض حاليا، والذي وقع أكسلرود على عقد زواجه مما يؤكد على الترابط بين أوباما وأكسلرود وإيمانويل

كما أن أكسلرود هو الرجل المسئول عن صناعة صورة أوباما في الإعلام فهو كبير مستشاريه الإعلاميين والإستراتيجيين وأكثرهم نفوذا في حملته الانتخابية الأخيرة، ويقال أن أوباما تمسك دائما بأكسلرود حتى في الفترات العصيبة التي شهدت منافسة حامية بين أوباما ومنافسته الشرسة خلال الانتخابات التمهيدية الديمقراطية - هيلاري كلينتون - والتي باتت وزيرة خارجيته حاليا، فخلال الانتخابات التمهيدية تقدمت هيلاري على أوباما في أكثر من ولاية هامة مما أشعر حملة أوباما ومساعديه بالقلق وبالحاجة للنقد والتغيير ولكن أوباما تمسك دائما بكبير مستشاريه أكسلرود ووقف خلفه

أما أخطر ما في أكسلرود وعلاقته بأوباما فهو طبيعة تفكير أكسلرود السياسي نفسه والتي تتشابه كثيرا مع الصورة التي رسمها أكسلرود لأوباما خلال الانتخابات الأخيرة

حيث تشير المقالات المختلفة التي تتحدث عن أكسلرود إلى أنه يتخصص في حملات ذات طبيعة سياسية مثالية، فهو يرى أن الأميركيين لديهم فراغ روحي سياسي، فراغ نابع من غياب المثالية في العملية السياسية وغياب القادة الكبار الملهمين من أمثال الأخوين الديمقراطيين جون وروبرت كيندي اللذين ألهما مشاعر الأميركيين في الستينيات

وتقول المصادر المختلفة أن وعي أكسلرود السياسي تشكل في الستينيات مع حملة روبرت كينيدي الرئاسية والتي انتهت نهاية مؤسفة بمصرعه، فقد قتل كما قتل أخيه الرئيس الأميركي جون كيندي من قبل، ومنذ ذلك الحين وأكسلرود يبحث عن القادة الملهمين ويتبنى نزعة مثالية سياسية ظهرت بوضوح على حملاته الإعلامية والسياسية

خطورة هذا المنحي هو أنه يركز على شخصية المرشح لا سياساته، فهو يبحث في المرشح عن خصال شخصية لا سياسية فريدة، خصال شخصية يركز عليها خلال الحملة ويحول المرشح من مرشح سياسي يتحدث عن سياسات واضحة إلى بطل سينمائي يعجب الناس بشخصيته ويشعرون بالتعاطف معه وبأنه واحد منهم يمثل أمالهم ومعاناتهم وطموحاتهم كأبطال السينما تقريبا

فهو يحول المرشح السياسي لأسطورة يعجب الناس بجذورها وطبيعتها وخلفيتها ومعناها دون التدقيق كثيرا في مواقفها الحقيقية، لذا يرى البعض أن حملات أكسلرود هي نموذج لحملات "ما بعد الحداثة" السياسية، وهي حملات ترى أن الحداثة الأميركية والغربية فرغت الحياة من المعنى والقيمة بسبب إفراطها في التركيز على الكم والسياسة والاقتصاد والصراعات الحزبية، وأن المواطن الأميركي العادي بات تواقا لحملات ومرشحين من نوع جديد، حملات تركز على الثقافة والمشاعر والشخصية والجذور حتى ولو كانت غير ذات معنى في الواقع

وتقول المصادر أن أكسلرود تخصص في قيادة حملات سياسيين أفارقة أميركيين وسط ولايات ومدن يسيطر عليها البيض، وأنه نجح في ذلك وتخصص في الأمر حتى بها مشهورا به، وذلك لأن حملات الساسة الأفارقة الأميركيين الصاعدين الواعدين لا تخلو أبدا من رمزية ومعنى وثقافة ومفارقات تاريخية، وهي المواد الخامة التي تعيش عليها حملات أكسلرود وتنتعش

كما يقال أيضا أن أكسلرود نجح في قيادة حملات لساسة ديمقراطيين وجمهوريين على حد سواء بالتركيز على أسلوبه "ما بعد الحداثي" وإن ثبت أحيانا فشل مرشحيه بعد فوزهم في الانتخابات وأكتشف الناخبون أنهم سياسيون عاديون أو أقل من العاديين، ولكن بعضهم نجحوا وأثبتوا جدارتهم

هذا يعني أن حملات أكسلرود المثالية تخفي تحت غلافها القيمي التواق لسياسات "العصر الجميل" وجها براجماتيا صلدا وشرسا، لذا تحتوي قائمة عملائه السياسيين على قدر لا يستهان به من السياسيين المعروفين بصقوريتهم، وعلى رأسهم هيلاري كلينتون نفسها منافسة أوباما الشرسة، ورام إيمانويل صديق أكسلرود وأوباما وأحد مهندسي حملة الديمقراطيين الناجحة في انتخابات عام 2006 والمعروف بعدائه للمثاليات وجناح الحزب الديمقراطي اليساري وبحرصه على جمع التبرعات والتقرب من اليمين، وكذلك جون إدواردز المرشح الرئاسي الديمقراطي السابق والذي يتميز بحملات السياسية الداخلية المثالية وصقوريته على ساحة السياسة الخارجية

وهذا يعني أن مكانة أكسلرود الرفيعة داخل حملة أوباما الانتخابية توضح الكثير من خصائصها مثل تركيزها على شخصية أوباما وخلفيته وجذوره وبشرته ومغزى فوزه في الانتخابات والمثالية المفرطة التي لفت حملة أوباما الانتخابية الرئاسية

وهذا بالطبع يلقى بظلال من الشك على كثير من الخصال التي تميز بها أوباما وحملته الانتخابية في عيون مئات ملايين في أميركا وعبر العالم، ويؤكد مخاوف من رأوا أن أوباما شخص غامض وأن الأميركيين والعالم أفرطوا في التركيز على شخصيته ولم يركزوا بشكل كافي على سياسته المحدودة بطبيعة الأمر بحكم قصر عمر أوباما السياسي قبل وصوله إلى البيت الأبيض
ونحن هنا لا نقصد نفي الخصال السابقة عن أوباما، فأوباما كغيره من السياسيين الذين تخصص أكسلرود في قيادة حملاتهم والترويج لهم يمتلكون الخصائص الخام التي تقوم عليها حملات أكسلرود الدعائية مثل الخلفية الشخصية والجذور والتاريخ وحتى لون البشرة، ولا ننسى هنا قدرات أوباما الخطابية الفائقة، ولولا توافر تلك الخصال في مرشح كأوباما لما تمكن أكسلرود من بناء حملته الدعائية

وما نقصده هنا أمران، أولهما أنه ينبغي على الأميركيين - خاصة مسئولي الدبلوماسية العامة منهم - عدم الإفراط في التفاؤل في إمكانية أن يمثل انتخاب أوباما وما حظي به من زخم سببا كافيا لتحسين صورة أميركا وتغيير الرأي العام الدولي الناقد للسياسات الأميركية بعد نهاية عهد جورج دبليو بوش

ثانيا: أن العالم لن يصبر كثيرا على أوباما لأكثر من سبب كضيق العالم الشديد بسياسات بوش، ولأن أوباما أحاط نفسه بصقور من أمثال هيلاري كلينتون، ولأن حملات أكسلرود ما بعد الحداثية قد لا تنطلي كثيرا على العالم، فالعالم يبحث عن معني حقيقي على أرض الواقع، وسياسات أميركا واضحة لا تحتاج إلى تفسير، وبدون تغيير هذه السياسات سوف تعجز أميركا عن إضفاء أي معني جديد على سياساتها حتى لو كان هذه المعني هو "باراك أوباما" كما صوره عبقري خبراء العلاقات العامة والسياسية في الوقت الراهن دايفيد أكسلرود

Tuesday, March 17, 2009

المثقفون المصريون والشعور بخيبة الأمل: جلال أمين نموذجا
مقال بقلم: علاء بيومي

يمكن نشر المقال مع الإشارة إلى مصدره
www.alaabayoumi.com

نص المقال

سامح الله د. جلال أمين بعد أن ترك لقلمه العنان لكي تسيطر عبارة "خيبة الأمل" على سيرته الذاتية القيمة المنشورة تحت عنوان "ماذا علمتني الحياة؟" خاصة في فصلها الأخير، فالسيرة الذاتية الممتدة على حوالي 400 صفحة هي بمثابة قطعة أدبية رائعة تجمع بين الحكمة والتسلية بشكل لا يمل منه القارئ

ولكن لما وصلت إلى فصلها الأخير "البدايات والنهائيات" صدمت بعبارة "خيبة الأمل" التي تتبناها خاتمة الكتاب وكأنها تلخص خبرة أمين وخبرة جيله من المصريين بل والعصر الذي نعيش فيه، والمقلق هنا هو أن شعور جلال أمين بخيبة الأمل مقنع ومؤلم في آن واحد، فهو مقنع لأن د. أمين فصله باقتدار على أحوال المصريين والعالم في الوقت الراهن حتى تكاد لا ترى مفرا منه، وهو مؤلم لأنه شعور سائد بين كثير من المصريين والعرب وكنت تأمل أن يساعدنا مثقف كبير مثل جلال أمين في العثور على مخرج

مثلث خيبة الأمل

كتاب "ماذا علمتني الحياة؟" يحاصر القارئ عند الانتهاء منه بمثلث مغلق من "خيبة الأمل"، ضلعه الأول شخصي والثاني مصري والثالث أميركي

على المستوى شخصي، لما بلغ جلال أمين - المولود في عام 1935 - السبعين من عمره وشعر بما يشعر به أقرانه من أعراض الشيخوخة وفقدان الأحبة واقتراب الموت وعدم الخوف منه اقتنع بأن الحياة لا تستحق أي سرور أو حزن عميقين

فالإنسان - كما يرى أمين - قادر على التغلب على أي أزمة يمر بها بما في ذلك موت الأحبة، كما أن الأزمات التي يمر بها الإنسان في حياته هي في الحقيقة أمور بسيطة لن تؤثر عليه على المدى الطويل، وينطبق الأمر نفسه على الفرص التي قد تحين للفرد، فالإنسان في شبابه قد يشعر بأن الحصول على وظيفية ما أو زوجة بعينها أو فرصة سنحت له هي مفتاح السعادة في الحياة، ولكنه لو انتظر قليلا لأدرك أن الأمور تتساوى على المدى البعيد وأن الإنسان لا يحتاج في حياته إلا إلى أقل القليل، ولعرف أنه يضني نفسه طوال الحياة سعيا وراء أشياء كثيرة هي في الحقيقة عبء عليه

ضلع المثلث الثاني مصري، فأمين يكن قدرا كبيرا من السخط على جيله "جيل الثورة المصرية" فهو يشعر أن وعيه السياسي تفتح مع بداية الثورة المصرية وأن "عمره السياسي" هي تحديدا عمر الثورة، وأن الثورة خذلته وخذلت المصريين وأشعرهم جميعا بخيبة الأمل بعدما عجزت عن تحقيق النمو الاقتصادي أو الاستقلال الثقافي أو تحرير فلسطين

كما أن الثورة حولت مصر إلى دولة بوليسية في عصر عبد الناصر حتى أن عبد الحميد شقيق جلال أمين استقال من وظيفته وهو في ريعان شبابه وفي قمة عطاءه خوفا من ضررا قد يصيبه بعدما أشعرته الثورة - كما أشعرت الكثير من المصريين في تلك المرحلة - بأن هناك من يراقبه في كل حركاته ويترصد له

كما تحولت مصر إلى دولة رخوة في عصر السادات، فقد بدأت نهاية جيل الثورة مع هزيمة 1967 ومثلت سياسات الانفتاح التي تبناها السادات إعلان النهاية والاستسلام والانقلاب على ما حققته الثورة من منجزات، ويقول أمين أن مبارك يسير على طريق السادات ولكن بخطى بطيئة وبلا ضجة أو صخب

كما يقول أن سياسات الانفتاح والسياسات التي تبعتها حولت المصريين من شعب يعمل لخدمة نفسه إلى شعب يعمل لخدمة الأجنبي في الداخل أو الخارج، في الخارج من خلال السفر إلى دولة خليجية أو غربية، وفي الداخل من خلال العمل لدى شركة أو مؤسسة أجنبية، وبالطبع كل هذه المؤسسات تخدم أوطانها، وباتت مصر بلا أحد يخدمها

ويشعر د. أمين بأن السياسة في مصر لا ترحب بأصحاب الرأي المستقل أو الأفكار الراسخة، فهي تبحث عن أشخاص لا يملكون أي أفكار عميقة أو معتقدات لها جذور، ويتساءل عن جدوى العلم والمعرفة في غياب فرص الإصلاح

كما ينظر أمين بإحباط على أحوال أساتذة الجامعات المصرية، ويرى أن قليل منهم يستحق أن ينظر إليه على أنه مثقف أو مفكر له رؤية خاصة تجاه الحياة، وأن أغلبهم في حقيقة الأمر أشخاص عاديون يمتهنون التدريس الجامعي ويشغلهم السعي وراء المادة وتدبير الرزق ويصيبهم ما أصاب المصريين من تراجع وتردي في التفكير والثقافة والنظر للحياة

كما يبدي أمين سخطه الشديد على المذلة والمهانة التي يتعرض لها المثقف والأستاذ الجامعي على أيدي الحكام وأصحاب السلطة بعد ما شاهده خلال حياته من أمثلة على ذلك

ويقول أن أوضاع مصر والمصريين في نصف القرن الماضي أشعرته كما أشعرت كثير من المصريين بالإحباط وخيبة الأمل وتراجع الثقة في الذات ودفعته إلى التفكير في ترك البلد كما حدث في منتصف السبعينيات حينما قرر الذهاب للعمل في الكويت ثم في أميركا، ولكنه سرعان ما قرر العودة إلى مصر بعدما شعر بأن صخب الحياة في مصر وآلامها هما مصدر إلهامه وأفكاره، ولكنه يقر بأن أحوال المصريين ولدت شعورا بالحزن والإحباط اعتلى وجوه أقاربه ومعارفه والمصريين بوجه عام

أما الضلع الثالث والأخير لمثلث "خيبة الأمل" الذي يتحدث عنه أمين، فهو ضلع أميركي غربي، حيث يصف جلال أمين العصر الراهن بأنه عصر "أميركي" شهد خروج أميركا للعالم وسيطرتها عليه بعد الحرب العالمية الثانية، ويبدو أن أمين لا يكن كثيرا من الاحترام أو التقدير للثقافة الأميركية، فهو يرى أنها ثقافة سطحية يطغى فيها الكم على الكيف، وموجهة بالأساس إلى خدمة الإنسان المتوسط الذكاء من خلال مشاريع استهلاكية عملاقة تسخر التكنولوجيا الحديثة من أجل توفير أكبر عدد من السلع بأقل الأسعار لأكبر عدد من الناس، ومن ثم تفتقر للإبداع خاصة على المستوى الثقافي

كما يرى أمين الأميركيين كشعب محتار دائما في حالة حركة دءوبة بلا هدف حقيقي سوى مزيد من الحركة والقناعة بأنهم شعب ناجح متميز قادر على أن يحكم نفسه ويمتلك مصيره في يديه، وفي الحقيقة – كما يرى أمين – يفتقر الأميركيون لشعور راقي بالثقافة، كما أنهم يتحركون أكثر من اللازم ويفتقرون النظرة العميقة للأمور، فهم عكس المثل القائل "في الحركة بركة"، كما أن الأميركيين لا ينظرون نظرة عميقة لنظامهم السياسي فهم أسرى للمؤسسات والنخب الكبرى التي تسيطر على مؤسسات صناعة القرار الأميركي، ومع ذلك يشعر الأميركيون بثقة مفرطة في النفس ليس لها ما يبررها في الواقع سوف الوفرة والرخاء الاقتصادي الذي يتمتعون به

كما يلوم أمين على الأوربيين تراجعهم وكيف أنهم فشلوا في التقدم بعد الستينيات والسبعينيات، فبعد أن تمكن الأوربيون من إعادة بناء مجتمعاتهم التي دمرت في الحرب العالمية الثانية بجد ونشاط كبيرين وحققوا نجاحا اقتصاديا كبيرة انقلبوا على إعقابهم وباتوا منشغلين بالاستهلاك والإباحية والنسبية المفرطة بشكل غير مبرر، وهكذا فرط الأوربيون في حضارتهم وتركوا القيادة للأميركيين وهم بطبيعتهم قليلو الخبرة مفرطون في الثقة بالذات

ويعتقد أمين أن الثورة المصرية قامت بمساندة أو قبول أميركي في بدايتها على أقل تقدير، كما قدمت أميركا مساعدات اقتصادية لمصر حتى أوائل الستينيات، وأن الضباط المصريين أصروا على مناطحة أميركا وليس لديهم الخطة أو الاستعداد أو القدرة على مواجهتها، ومن ثم دخل ناصر في صراع بلا استعداد مع الأميركيين أدى إلى هزيمة 1967 حتى إذا ما وصل السادات إلى الحكم وانتصر في 1973 ارتمى بلا مبرر في أحضان الأميركيين وفرغ البلاد من أي نهضة حقيقية ومن صناعاتها الوطنية بلا مبرر

وهكذا تعاون الضباط المصريون قليلي الخبرة مع العصر الأميركي شديد السطوة والجبروت في أهدار ثروات أو أمال المصريين وشعوب أخرى وأصابوهم بخيبة الأمل في التنمية أو الاستقلال أو التقدم

هل من مخرج

بقى لنا أن نؤكد على فكرة هذا المقال، وهو ذلك الشعور المقلق "بخيبة الأمل" والذي يهيمن على كتابات بعض المثقفين المصريين والعرب، والذي أدهشنا ظهوره بقوة في سيرة جلال أمين الشخصية لدرجة أشعرتنا بأنه ظلم نفسه وظلم قراءه، وكنا نأمل منه أن يتحدث قليلا على أجيال المستقبل وأن يعطيها بعض النصائح أو النظرات الإيجابية عن الحياة فيما بعد جيل الثورة

وحتى لا نظلم الرجل يجب القول أن ميله للزهد في الحياة على المستوى الشخصي مفيد كثيرا في عصر طغت فيه المادة، وثقته الكبيرة في نفسه والتي جعلته ينظر من أعلى على الأحداث والسياسية والسياسيين في مصر ويتحدث عنهم بحرية ملفته للنظر هي درس يجب على الأجيال القادمة تعلمه، هذا إضافة إلى شعوره بالرضا في نهاية حياته وعثوره على السعادة في أبسط الأشياء وقبوله بذاته وحرصه على عدم تعذيبها على ما فات، وهي جميعا أفكار متوازنة وإيجابية تحمي القارئ من الشعور "بخيبة الأمل" أو الإحباط، كما تطالب جلال أمين بالتركيز عليها في دراسات جديدة موجهة إلى الجيل الجديد حتى يتحرر أمين وتتحرر الأجيال المقبلة من آسر جيل الثورة الذي حبس أمين نفسه بداخله

---

معلومات الكتاب: جلال أمين، "ماذا علمتني الحياة؟ سيرة ذاتية"، دار الشروق، الطبعة الرابعة مارس 2008

Wednesday, March 11, 2009

من هم الليبراليون الجدد؟ ولماذا يسيطرون على إدارة أوباما؟
مقال بقلم: علاء بيومي

يمكن نشر المقال مع الإشارة إلى مصدره
www.alaabayoumi.com

نص المقال

"الليبراليون الجدد" هم الذراع اليميني للحزب الديمقراطي الأميركي، والذي يسيطر بالأساس على نخب الحزب وعلى قواعده الجماهيرية البيضاء المنتمية للبطقات الفقيرة والمتوسطة، ويميل أيدلوجيا نحو الحد من برامج الرعاية والدعم الحكومية على مستوى السياسة الداخلية ونحو دعم سياسة خارجية تدخلية على الساحة الخارجية

جذور "الليبراليين الجدد" داخل الحزب الديمقراطي الأميركي قديمة للغاية، ولكن تبلورهم الحديث يعود لنهاية الستينيات كرد فعل على صعود قوى "اليسار الجديد"، وهي الجناح اليساري والأكثر ثورية داخل الحزب الديمقراطي، والذي سيطر على قواعد الحزب الديمقراطي الجماهيرية بشكل طاغي منذ منتصف الستينيات وخاصة وسط المهاجرين والأقليات والنساء والشباب والمثقفين، في حين بقى كبار السن والمحافظين أخلاقيا والبيض من أبناء الطبقات الفقيرة والمتوسطة أقرب ليمين الحزب الديمقراطي أو "الليبراليين الجدد

ونظرا لسيطرة "اليساريين الجدد" المتزايدة على الحزب الديمقراطي منذ عام 1964 انعزل جناح الحزب اليميني في تيار معارض بدأ يتبلور تدريجيا، ودخل في صراع مستمر مع "اليساريين الجدد" منذ عام 1968، وهو صراع كلف الحزب الديمقراطي خسارة سطوته على السياسة الأميركية

صراع "الليبراليين الجدد" مع "اليساريين الجدد" أضعف الحزب الديمقراطي كثيرا وكلفه انتخابات تلو الأخرى وساهم في صعود ريجان وقوى اليمين المسيحي السياسية، ومع استمرار الهزائم انشق عن "الليبراليين الجدد" بعض الليبراليين الذين استحال عليهم التعايش مع الحزب الديمقراطي في ظل سيطرة ونفوذ "اليساريين الجدد" عليه، وقد عرف هؤلاء الديمقراطيون التاركون للحزب الديمقراطي في أواخر السبعينيات "بالمحافظين الجدد"، وهو التيار الذي انضم لإدارة ريجان في بداية الثمانينات وبات مسيطرا على السياسة الخارجية لإدارة الرئيس جورج دبليو بوش وقادها إلى حرب العراق

عموما فضل "الليبراليون الجدد" البقاء داخل الحزب الديمقراطي وجذبه بإستمرار نحو اليمين مدفوعين بشعورهم العميق بالانهزام أمام قوي اليمين الأميركي المتدينة منها والعلمانية والتي باتت متعاظمة النفوذ

وقد دارت أفكار "الليبراليين الجدد" حول التخلي عن برامج الحكومة الكبيرة والبرامج الموجهة لمساعدة الفقراء وحول الاهتمام بمصالح رجال الأعمال والطبقات البيضاء المتوسطة، وكذلك حول تبني سياسة خارجية أكثر إحتراما للقوة العسكرية الأميركية والجيش الأميركي ولمصالح أميركا الدولية ولأهمية تبني سياسة خارجية تدخلية وصقورية إذا لزم الأمر

وجاء صعود بيل كلينتون في أواخر الثمانينات نتاجا لحركة "الليبراليين الجدد" وتجسيدا لها حيث إلتف حوله بعض شباب الحزب الذين أيدوا أجندة "الليبراليين الجدد" وبدأوا في تطبيقها تدريجيا بعد فوز كلينتون بالرئاسة الأميركية في 1992 مما أحدث صراعات عميقة بين نخب الحزب الديمقراطي الملتفة حول كلينتون وبين جذوره الملتفة شعوريا حول أفكار "اليساريين الجدد

رئاسة كلينتون جاءت تطبيقا لأفكار "الليبراليين الجدد" وتطويرا لها وأحدثت تطورا لا رجعة فيه على الحزب الديمقراطي وعلى أجندته السياسية لصالح "الليبراليين الجدد" إذا تخلى الديمقراطيون تدريجيا عن دعم البرامج الحكومية الكبيرة الموجهة نحو مصالح الطبقات الفقيرة والأقليات، وأصبحوا حزبا حريصا على موازنة الميزانية العامة والحد من عجز الميزانية وعلى مكافحة الجريمة وضمان مصالح الطبقة المتوسطة، كما تخلوا تدريجيا عن نزعتهم الإنعزالية على ساحة السياسة الخارجية وأصبحوا حزبا معنيا ببناء النظام العالمي الجديد بشكل يضمن استمرار نفوذ أميركا وهيمنتها

ومع هزيمة آل جور أمام جورج دبليو بوش في انتخابات عام 2000 عاد الديمقراطيون إلى المعارضة بعد أن سيطر "الليبراليون الجدد" بشكل متزايد وواضح على النخب السياسية للحزب الديمقراطي، والتي دعمت حرب العراق ولم تبدي أمامها مقاومة تذكر

وجاءت أخطاء بوش في العراق وحول العالم لتؤكد للأميركيين خطأ "المحافظين الجدد" و"الليبراليين الجدد" على حد سواء ولتعطي اليسار الجديد روحا جديدة ظهرت في انتخابات عام 2006 النصفية التي اكتسحها الديمقراطيون

وفي أوائل انتخابات 2008 انقسم الديمقراطيين بين مؤيدي هيلاري كلينتون مرشحة نخب الحزب الديمقراطي و"الليبراليين الجدد" ووريثة "الكلينتونية" الشرعية وبين مؤيدي باراك أوباما والذي تبنى أجندة "الليبراليين الجدد" على ساحة السياسة الداخلية ومال لأجندة "اليساريين الجدد" على ساحة السياسة الخارجية بسبب معارضته لحرب العراق وتفضيله للحوار مع دول مثل إيران وسوريا، وهي مواقف أزعجت "الليبراليين الجدد" بشدة ولكنهم استسلموا في النهاية لإرادة قواعد الحزب الديمقراطي الجماهيرية الأكثر يسارية والتي تميل بوضوح منذ 2006 على الأقل نحو "اليسار الجديد" وأجندته والتي رأت في أوباما ممثلا لها على ساحة السياسة الخارجية وتتويجا لطموح الأفارقة الأميركيين وحركة الحقوق المدنية الأميركية على الساحة الداخلية

لذا رفض "اليساريون الجدد" اختيار هيلاري كنائبة لأوباما ولم يرحبوا كثيرا بإختيار جوزيف بايدن كنائب لأوباما لأن بايدن بدوره من "الليبراليين الجدد" ولا يمثل التغيير المنشود بأي حال من الأحوال، ومن المؤكد أن "اليساريين الجدد" يشعرون بقدر كبير من الإحباط حاليا بعدما أحاط أوباما نفسه بشخصيات مثل هيلاري كلينتون والتي باتت وزيرة للخارجية الأميركية على الرغم من أن قواعد الحزب الديمقراطي اليسارية لفظت هيلاري وفضلت أوباما عليها للسبب نفسه، وهو سياستها الخارجية الصقورية

كما اختار أوباما شخصا مثل رام إيمانويل المعروف بشراسته السياسة وبصراعات مع يسار الحزب الديمقراطي ورموزه ككبير لموظفي البيت الأبيض

وتبدو اختيارات أوباما لمساعديه على ساحة السياسة الخارجية والداخلية وكأنها خضوعا تدريجيا ومستمرا "لليبراليين الجدد" وأجندتهم، ولما لا وهم أصحاب سيطرة كبيرة على الحزب ونخبه منذ عهد بيل كلينتون على أقل تقدير، ويجب هنا الإشارة إلى أن "المحافظين الجدد" ظلوا أقلية أو تيار محدود جدا داخل الحزب الجمهوري لا يمتلك قواعد جماهيرية تذكر، أما "الليبراليين الجدد" فيمتلكون نصف قواعد الحزب الديمقراطي الجماهيرية تقريبا

هذا يعني أننا في حاجة لدراسة "الليبراليين الجدد" وممثليهم في إدارة أوباما وحقيقة مواقفهم تجاه العالم العربي أكثر من التعويل على مواقف أوباما نفسه، خاصة أن مواقف أوباما تبدو غامضة في كثير من الأحيان لقلة ما يتوافر عنه من معلومات قد توضح مواقفه السياسية الحقيقة

وهذا يؤكد صواب الموقف الحذر الذي تبناه كثير من العرب تجاه أوباما والانتخابات الأميركية، حيث رأى هؤلاء أن السياسة الأميركية لا يصنعها أفراد إنما تصنعها مؤسسات ونخب وجماعات مصالح كبيرة ومتشعبة، ونحن هنا نرى أن "الليبراليين الجدد" هم نموذج لذلك وتطبيقا لصحة هذه النظرية، فمواقفهم السياسية لا تختلف أحيانا عن مواقف "المحافظين الجدد"، ونفوذهم داخل الحزب الديمقراطي قوي ومتشعب

هذا يعني أنه من الخطأ القفز إلى الأمام بالتركيز على شخصية أوباما، وأنه من الأفضل أخذ خطوة للخلف لدراسة الجماعات التي تسيطر على أجندة الحزب الديمقراطي الأميركي الحاكم

Thursday, March 05, 2009

عشية زيارتهما المرتقبة إلى سوريا ... مبعوثا إدارة أوباما لا يمثلان التغيير المنشود
مقال بقلم: علاء بيومي

يمكن نشر المقال مع الإشارة إلى مصدر
www.alaabayoumi.com

نص المقال

اختيار دان شابيرو وجيفري فيلتمان كأول مبعوثين من قبل إدارة أوباما لسوريا ضمن سياسة ما يعرف بالحوار أو التفاعل مع سوريا يحمل رسالة سلبية لسوريا ولكثير من العرب الذين عولوا على إدارة أوباما في إدخال تغيير حقيقي على سياسة أميركا تجاه الشرق الأوسط

فدان (دانيال) شابيرو – مسئول شئون الشرق الأدنى بمجلس الأمن القومي حاليا – هو أحد أهم مبعوثي أوباما لليهود الأميركيين خلال حملته الانتخابية، وواحد من دائرة صغيرة من أهم مستشاري أوباما الذين أحاطوا به طوال حملته الانتخابية ووثق فيهم لوبي إسرائيل على طول الخط، فوجود شابيرو بجوار أوباما كان ومازال موضع ترحيب ورضا من قبل لوبي إسرائيل كما يظهر من عشرات المقالات المنشورة بالصحف اليهودية الأميركية عن ذلك الأمر وبعضها حديث للغاية

ولا يفوت غالبية هذه المقالات أن تذكر دور شابيرو في حصد دعم الكونجرس الأميركي لقانون "محاسبة سوريا" في عام 2003 حيث عمل شابيرو كمساعد لأحد أعضاء الكونجرس

أما جيفري فيلتمان – والذي يشغل حاليا منصب القائم بأعمال مساعد وزير الخارجية الأميركي لشئون الشرق الأدنى - فهو معروف للمنطقة من خلال خدمته الحديثة ضمن إدارتي جورج دبليو بوش، حيث خدم في قنصلية أميركا بالقدس خلال الفترة من أغسطس 2001 حتى ديسمبر 2003، كما عين سفيرا لأميركا لدى لبنان من يوليو 2004 حتى يناير 2008

وهي بالطبع فترة صعبة وهامة، فخلال خدمة فيلتمان بالقدس طبقت أميركا سياسية عزل عرفات وتغييره، وهناك مقالات لوكالات الإنباء تشير إلى اجتماعات عقدها فيلتمان للضغط على قيادات فلسطينية في هذا الاتجاه

أما فترة خدمة فيلتمان بلبنان فكانت مليئة بالأحداث الصعبة وعلى رأسها حرب إسرائيل على لبنان في صيف عام 2006 والتي لامها فيلتمان على حزب الله، والواضح أن فيلتمان خلال خدمته في لبنان لم يقف على مسافة واحدة من الجماعات اللبنانية المختلفة حيث شهدت علاقته مع جماعات "المعارضة" اللبنانية توترا كبيرا صعد في كثير من الأحيان إلى السطح وإلى وسائل الإعلام

كما يظهر من شهادة أدلى بها فيلتمان أمام مجلس النواب الأميركي في صيف 2008 وبعد خروجه من منصبه كسفير لأميركا لدى لبنان مدى تشدد فيلتمان ضد سوريا ومدى صقوريته في نقد خصومه

وبالطبع يمكن القول أن رجل مثل فيلتمان تولي المهام التي تولاها في مثل هذا الفترة قد حاز بالفعل على ثقة إدارة بوش وصقورها والمحافظين الجدد، وأنه رجل لا يقف على مسافة واحدة من الأطراف والجماعات السياسية المختلفة والمتنازعة بالمنطقة، وأنه قد يكون عاجزا من الوقوف على مسافة واحدة أو مناسبة تجاه دولة مثل سوريا

ولهذا يصعب وربما يستحيل رؤية فيلتمان كرمز للتغيير الذي كان يتمناه العرب في إدارة أوباما، فالرجل يعد رمزا لعهد بوش ولسياسة عزل سوريا وعزل عرفات وتغيير النظام الفلسطيني

فكيف يمكن تصور أن يساعد وجود فيلتمان أو موثوق لوبي إسرائيل (دان شابيرو) على تحقيق التغيير الإيجابي المنشود أو المتصور في الشرق الأوسط

فأقصى ما يمكن تصوره هو أن يسعى هؤلاء لعزل سوريا عن إيران، والضغط على سوريا من أجل تغيير سياساتها تغييرا جذريا بأقل ثمن أو حتى بدون أي ثمن

وبهذا تكون إدارة أوباما قد اختارت أسوأ سيناريو للتغيير، سيناريو يريد بناء تحالف دولي و إقليمي لتصفية خصوم أميركا دبلوماسيا، فدبلوماسية أوباما تريد تبني الدبلوماسية لا كوسيلة لادخال تغيير جذري إيجابي نحو الحوار والتفاهم والمكاسب المتبادلة، ولكن كسلاح لعزل النظم المعارضة وحصارها والقضاء على معارضتها، وبالطبع يصعب تصور أن يكون ذلك مقابل ثمن سياسي مناسب، فمن الصعب أن نتصور أن يقبل أشخاص مثل شابيرو وفيلتمان إعطاء سوريا ثمنا سياسيا مناسبا لتغيير سياساتها

من الواضح أيضا أنه بات من الصعب استخدام عبارة "دبلوماسية أوباما" لوصف ما يحدث فنحن بوضوح أما دبلوماسية "الليبراليين الجدد" المحيطين بأوباما من أمثال هيلاري كلينتون وجوزيف بايدن ورام إيمانويل ودينيس روس، والذين اختاروا دان شابيرو وجيفري فيلتمان كأول مبعوثين لإدارة أميركية إلى سوريا منذ سنوات وكبداية لحوار أميركا المرتقب مع سوريا

وبهذا يصعب تصور أن يتغير الحال إلى الأفضل، فالإدارة الأميركية الجديدة تعطي إشارات سلبية واحدة تلو الأخرى، أشارات تقول أن العرب بالغوا في التفاؤل وعليهم الحذر، وتقول أيضا أن إدارة أوباما تبالغ في التفاؤل في إمكانية تحقيق التغيير بدون ثمن سياسي حقيقي تقدمه أميركا لدول المنطقة في المقابل

وهذا قد يعني العودة بنا مرة أخرى إلى حالة الاحتقان الدبلوماسي والسياسي التي عاشتها المنطقة في ظل إدارة جورج دبليو بوش والتي مازال طعمها المر عالقا في الأذهان وهو ما لا نتمناه