Tuesday, November 09, 2004

ماذا يعني فوز بوش وخسارة كيري للمسلمين الأمريكيين؟
مقال بقلم: علاء بيومي

التاسع من نوفمبر 2004

نص المقال

فوز الرئيس الحالي جورج دبليو بوش بالانتخابات الأمريكية يمثل بدون شك خسارة لجميع الجماعات والكتل الانتخابية التي ساندت المرشح الديمقراطي للرئاسة جون كيري بما في ذلك المسلمين الأمريكيين والحزب الديمقراطي وغالبية الأفارقة الأمريكيين ونسبة كبير من اليهود والأسبان الأمريكيين وأعضاء اليسار الأمريكي بشكل عام

وهنا يثار السؤال حول حجم الخسارة التي تعرض لها المسلمون الأمريكيون بسبب مساندتهم لكيري الخاسر ضد بوش المنتصر، وهل تختلف خسارة المسلمين الأمريكيين عن خسارة غيرهم من الجماعات الأمريكية التي صوتت لجون كيري؟

لو حاولنا التفكير في هذا السؤال بعقلانية، لوجدنا أن تبعات خسارة بوش على الجماعات التي ساندته تختلف وفقا لمدي قوة هذه الجماعات أو ضعفها، مما يدفعنا إلى تساؤل منطقي عن مصادر قوة وضعف المسلمين الأمريكيين في الانتخابات الراهنة

فيما يتعلق بمصادر قوة المسلمين الأمريكيين السياسية اعتمد المسلمون الأمريكيون هذا العام على عدة عوامل أساسية أولها زيادة رغبة الناخب المسلم الأمريكي في التصويت والتي وصلت إلى 95%، والعامل الثاني هو وحدة المسلمين الأمريكيين السياسية والتي أظهرت الاستطلاعات أنها تصل إلى 70 %، والعامل الثالث هو ولاء المسلمين الأمريكيين الواضح لقضاياهم والذي دفع غالبيتهم إلى تغيير وجهة أصواتهم بعيدا عن الحزب الجمهوري ولصالح الحزب الديمقراطي خلال الانتخابات الأخيرة، أما العامل الرابع فهو تواجد المسلمين الأمريكيين الهام في عدد من الولايات الأمريكية الحرجة وعلى رأسها ولايتي أوهايو وفلوريدا، فعلى سبيل المثال اتصل مجلس العلاقات الإسلامية الأمريكية (كير) في الأسابيع الأخيرة بأكثر من 25 ألف ناخب مسلم أمريكي في ولاية أوهايو لحثهم على التصويت، كما أشارت بعض المصادر إلى وجود أكثر من 150 ألف مسلم في ولاية أوهايو الأمريكية، من بينهم أكثر من 50 ألف ناخب، وهي بدون شك أرقام هامة لابد وأن تكون قد تركت تأثيرها على انتخابات العام الحالي المتقاربة

فيما يتعلق بمصادر ضعف المسلمين الأمريكيين في الانتخابات الحالية، تشير الدراسات إلى أن مسلمي أمريكا لم يترجموا بعد رغبتهم العارمة في المشاركة السياسية إلى المستوى المطلوب من المشاركة السياسية المؤسساتية، ونعني بذلك أن مشاركة المسلمين السياسية "غير المؤسساتية" مرتفعة، وتظهر المشاركة "غير المؤسساتية" في عدة نواحي مثل الاهتمام بالشئون السياسية (أكثر من 90%)، والكتابة إلى السياسيين والإعلام (54%)، وحضور المظاهرات السياسية (46%)، وعلى الجانب الأخر تبدو مشاركة المسلمين السياسية "المؤسساتية" منخفضة كما يظهر في بعض النواحي مثل التبرع بأموالهم وأوقاتهم لمرشح سياسي (35%) والمشاركة النشطة في الأحزاب السياسية (24%) أضف إلى ذلك قلة عدد منظماتهم النشطة في المجال السياسي بشكل لا يتناسب بأي حال من الأحوال مع أعدادهم ومستواهم التعليمي، إذ تشير الدراسات إلى أن للمسلمين الأمريكيين أكثر من 60 منظمة معنية بالشئون السياسية والعامة، ولكن أكثر من 90% من هذه المنظمات هي منظمات صغيرة ذات تأثير محدود، كما يمكن أن نتحدث أيضا عن تفرق تبرعات المسلمين المالية للحملات الانتخابية، إذ يشير المراقبون إلى أن المسلمين الأمريكيين يتبرعون بملايين الدولارات الأمريكية للمرشحين والحملات السياسية، ولكن للأسف لا تصب هذه الأموال في صالح تقوية المسلمين الأمريكيين وقوتهم السياسية لأن تبرعات المسلمين الأمريكيين تبقى غير مرصودة وغير موحدة من قبل المنظمات المسلمة الأمريكية

ويجب علينا هنا أن نشير – دون التقليل من حجم هذه السلبيات – إلى أن المسلمين الأمريكيين قطعوا شوطا سياسيا طويلا منذ بداية عقد التسعينات والذي شهد صعودهم كقوى ومنظمات سياسية موحدة حتى الآن، فقد أنفقت المنظمات المسلمة الأمريكية جزءا لا يستهان من طاقتها خلال عقد التسعينات لتوعية المسلمين الأمريكيين بضرورة المشاركة السياسية، أما اليوم فقد أصبح التوجه نحو المشاركة واضحا وضوح الشمس في أوساط المسلمين الأمريكيين، وأصبح التحدي الحقيقي هو في تحويل هذه المشاركة إلى مشاركة مؤسساتية

لو كان كيري قد فاز لساعد فوزه على تشجيع مشاركة المسلمين الأمريكيين في مؤسسات الحزب الديمقراطي واليسار الأمريكي السياسية بشكل عام، فقد أظهر المسلمون الأمريكيون مؤخرا ميلا واضحا (50%) نحو الحزب الديمقراطي، في حين لا يميل للحزب الديمقراطي في أوساط المسلمين الأمريكيين حاليا سوى 12 % منهم فقط، كما أن فوز كيري كان سوف يضعف من شوكة بعض قيادات اليمين الأمريكي المتشددة ضد المسلمين وكان أيضا سوف يساعد على تخفيف الأعباء والضغوط المتزايدة التي تتعرض لها حقوق وحريات مسلمي أمريكا

فوز بوش بدون شك سوف يفرض على مسلمي أمريكا أعباء متزايدة سوف يتحملونها لتوضيح رؤاهم لليمين الأمريكي المتصاعد النفوذ، خاصة في ظل تصاعد تأثير اليمين المسيحي المتدين وبعض قياداته المتشددة في أوساط اليمين الأمريكي والحزب الجمهوري، وتبقى هنا حقيقة هامة تصب في صالح المسلمين الأمريكيين وهي أن مشاكل اليمين الأمريكي الحقيقية مثل التردي الأخلاقي بالمجتمع الأمريكي وتضخم مؤسسات الدولة وضعف القوة الاقتصادية الأمريكية النسبي أمام بعض القوى الدولية الصاعدة هي مشاكل ليس للإسلام أو للمسلمين دور فيها، بل أن المسلمين الأمريكيين يبدون حلفاء طبيعيين لليمين الأمريكي فيما يتعلق بالقضايا الأخلاقية والاجتماعية، كما أن الإسلام بكل تأكيد ليس عدوا للمسيحية أو للولايات المتحدة كما يحاول المحافظون الجدد وقادة اليمين المتشدد تصويره، وقد أدرك هذه الحقائق بعض قادة اليمين الأمريكي التقليدي من أمثال بات بوكانان والذي أفرد في كتابه الأخير "أين أخطأ اليمين" فصلا كاملة لدراسة الإسلام ولتعريف اليمين الأمريكي بالإسلام وبالتاريخ الإسلامي، كما دحض بوكانان في كتابه نظرية عداء الإسلام للمسيحية أو للولايات المتحدة

لذا علينا آلا نقع في فخ الانسياق وراء دعوات المنادين بالحروب الحضارية والدينية وبالعداء ببين الشرق والغرب وبين اليمين واليسار فمواقف المسلمين الأمريكيين واضحة وهدفهم الأساسي هو تحقيق العدالة والحرية والمساواة للجميع

ما يجب أن نخرج به من خبرة الانتخابات الراهنة هو خطة عمل علمية للمسلمين الأمريكيين تبني على مكامن قوتهم وتعالج نقاط ضعفهم، لذا يجب على مسلمي أمريكا إدراك المستويات العالية لنشاطهم السياسي ووحدتهم وولائهم لقضاياهم ولوجودهم المؤثر في بعض الولايات، والبناء على تلك الإيجابيات، أما هدفهم الأساسي والجانب الأكبر من طاقاتهم السياسية فيجب أن يذهب في السنوات الأربعة المقبلة نحو رفع مستويات مشاركتهم في الحملات الانتخابية والأحزاب السياسية في أوساط اليسار واليمين على حد سواء، فلمسلمي أمريكا كثير من الحلفاء في أوساط اليسار ينتظرون العمل معهم، وأمامهم الكثير من المؤيدين والأنصار المحتملين في أوساط اليمين الأمريكي الذي ينبغي عليهم الوصول إليهم وتعريفهم بقضاياهم

ما يزيد من شعورنا بالطمأنينة هو أن لمسلمي أمريكا ومنظماتهم خطة عمل واضحة لسنوات عديدة قادمة، وفي أوساطهم إصرار قوي على الاستمرار في مسيرتهم بغض النظر عما يواجههم من عقبات، ودعني أذكر الجميع بشعار رفعه غالبية المسلمين الأمريكيين خلال السنوات الأربعة الأخيرة بشكل تلقائي، وهو أن هدفهم الجماعي في المرحلة الحالية هو القيام بدرهم التاريخي للدفاع عن حقوقهم وحرياتهم دفاعا ليس فقط عن أنفسهم ولكن أيضا عن مبادئ وقيم الولايات المتحدة التي جاء الدور عليهم للوقوف للدفاع عنها أسوة بالأقليات الأمريكية التي سبقتهم إلى سواحل الولايات المتحدة وإلى ساحة الدفاع عن هذه القيم والمبادئ الهامة

Tuesday, November 02, 2004

قضايا الناخب المسلم الأمريكي في انتخابات 2004
مقال بقلم: علاء بيومي

الناشر: جريدة الرياض، 2 نوفمبر 2004

نص المقال

حسمت أربعة قضايا أساسية وجهة الصوت المسلم الأمريكي في انتخابات 2004 ودفعته في مسار مساندة المرشح الديمقراطي للرئاسة جون كيري كما أعلن تحالف يضم أكبر منظمات المسلمين الأمريكيين السياسية في الحادي والعشرين من أكتوبر الحالي

القضايا الأربعة هي نفس القضايا التي شغلت قمة أولويات مسلمي أمريكا منذ بداية عقد التسعينات من القرن العشرين تقريبا وهي قضية الدفاع عن حقوق وحريات المسلمين المدنية، وقضية مكافحة ما تتعرض له صورة الإسلام والمسلمين من تشويه في الولايات المتحدة، وقضية تشجيع مشاركة المسلمين في السياسة الأمريكية، وقضية تحسين سياسة أمريكا تجاه العالمين العربي والإسلامي

هذه القضايا الأربعة الكبرى بدت مسيطرة على اهتمام مسلمي أمريكا ومنظماتهم خلال العقد الأخير من القرن العشرين، وما تغير في الفترة الحالية وخاصة منذ أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001 هو تغيير ترتيب أولوية هذه القضايا مقارنة ببعضها داخل أجندة المسلمين الأمريكيين، إذ بات واضحا أن أحداث سبتمبر دفعت المسلمين الأمريكيين إلى إعطاء قضاياهم الداخلية مزيدا من الاهتمام نظرا لما باتوا يتعرضون له من ضغوط متزايدة تهدد استقرارهم الداخلي وقدرتهم على الدفاع عن مصالحهم المختلفة

وقد أشار استطلاع عن توجهات مسلمي أمريكا الداخلية أصدره مركز أبحاث مسلم أمريكي تابع لجامعة جورج تاون الأمريكية في منتصف شهر أكتوبر 2004 إلى أن 44 % من الناخبين المسلمين الأمريكيين أصبحوا يعتبرون القضايا الداخلية هي العامل الأكثر تأثيرا على أصواتهم، مقارنة بنسبة 34 % يرون أن القضايا الخارجية هي العامل الأهم بالنسبة لهم، وعندما سئل المشاركون في الاستطلاع عن أهم التحديات التي تواجه المسلمين الأمريكيين في الفترة الحالية جاءت قضية الحقوق المدنية في المرتبة الأولى بنسبة 28 % من أصوات المشاركين في الاستطلاع، تلتها قضية العنصرية بنسبة 24 %، ثم قضية المشاركة في التيار العام الأمريكي بنسبة 11 %، وحلت قضايا السياسة الخارجية رابعة بنسبة 8 %

وقد بدا للمسلمين الأمريكيين – كما سنوضح في بقية هذا المقال – أن انتخاب المرشح الديمقراطي جون كيري رئيسا للولايات المتحدة هو الاختيار الأفضل لهم ولقضاياهم الأربعة السابقة للأسباب التالية

أولا: فيما يتعلق بقضايا الحقوق المدنية وهي أكثر قضايا مسلمي أمريكا أهمية في الفترة الراهنة فرصيد إدارة الرئيس جورج دبليو بوش لم يدع لدى المسلمين الأمريكيين شك في كونه ليس مرشحهم المفضل، فقد سنت إدارة بوش عدد من القوانين والسياسات والممارسات التي أضرت ضررا بالغا بحقوق وحريات مسلمي أمريكا

فبالنسبة للقوانين ألفت إدارة بوش قانون باتريوت آكت (قانون مكافحة الإرهاب لعام 2001) والذي رأت العديد من جماعات الحقوق المدنية أنه يتضمن انتهاكات واضحة للحريات الأمريكية خاصة فيما يتعلق بإضعاف رقابة القضاء على السلطة التنفيذية والسماح بمراقبة المشتبه فيهم والتجسس عليهم دون توافر أدلة كافية تثبت إدانتهم بجرم ارتكبوه

وعلى مستوى السياسات أقرت إدارة بوش عدد من السياسات الخطيرة مثل فرض التسجيل الإجباري على المهاجرين المسلمين، وتعقيد سياسات الهجرة، والتحقيق مع آلاف المهاجرين والمواطنين المسلمين والعرب، هذا إضافة إلى اعتقال حوالي خمسة آلاف مسلم وعربي في أعقاب أحداث سبتمبر دون توجيه تهم لهم

وقد أدت هذه القوانين والسياسات لممارسات تمييزية عديدة في حق مسلمي أمريكا مثل استهدفهم في المطارات والمبالغة في تفتيشهم واعتقال البعض منهم لفترات غير محددة دون توجيه تهم إليهم ودون السماح لهم بتوكيل محامين للدفاع عنهم وبدون حتى توفير معلومات عنهم لجماعات الحقوق المدنية أو حتى لأسرهم

ولذا أكدت حملة جون كيري في خطاب بعثت به للمسلمين الأمريكيين على أن كيري ينوي "إنهاء عهد جون أشكروفت" وهو وزير العدل الأمريكي الحالي والذي سنت القوانين والسياسات السابقة تحت إشرافه، كما تعهد كيري في حالة فوزه بأن يقوم بتعديل قانون باتريوت آكت وخاصة فيما يتعلق بحماية خصوصية الأفراد والحد من قدرة السلطات الأمنية على الحصول على معلومات الأفراد الشخصية دون توافر دليل كافي يستدعي ذلك، كما تعهد كيري بأن يشدد قوانين مكافحة التمييز العنصري وقوانين مكافحة جرائم الكراهية، وأن يدافع عن الحرية الدينية خاصة في أماكن العمل

كما تعهد كيري بزيادة رقابة الكونجرس على السياسات الأمنية التي أقرت منذ أحداث سبتمبر لتحديد أثرها على الحريات المدنية، كما أيد مبدأ إنهاء استخدام الأدلة السرية ضد المهاجرين والمواطنين على حد سواء، كما تعهد أيضا بأن يبطل سياسات الهجرة التي أقرتها إدارة بوش وفرضت أعباء مبالغ فيها على المهاجرين

أما بوش فقد سئل خلال المناظرة التلفزيونية الثانية عن تبعات قوانين مكافحة الإرهاب السلبية على الحقوق المدنية خلال عهده، فرد بالنفي ورفض الاعتراف بتعرض الحقوق المدنية بالولايات المتحدة لتراجع، ويحسب لبوش أنه يدين استخدام سلطات تنفيذ القانون للتصنيف العنصري في عملها، كما أنه أدلى بتصريحات إيجابية عن الإسلام والمسلمين الأمريكيين في أعقاب أحداث سبتمبر ساهمت في الحد من ردة فعل المجتمع الأمريكي السلبية ضد مسلمي أمريكا

ولكن من الواضح أن مواقف بوش الإيجابية في ساحة الحقوق المدنية لا تتناسب مع التبعات السلبية العديدة التي تركتها مواقف إدارته على حقوق وحريات مسلمي أمريكا خلال السنوات الأربعة الأخيرة

ثانيا: فيما يتعلق بمكافحة تشويه صورة الإسلام ومكافحة العنصرية ضد المسلمين في الولايات المتحدة، يمكن القول أن جزء كبير من جهود المسلمين على هذا الصعيد تتوجه للعمل على المستوي المحلي مع أكبر عدد من المواطنين الأمريكيين، فقد أثبت نتائج استطلاع أجراه مجلس العلاقات الإسلامية الأمريكية (كير) لتوجهات الرأي العام الأمريكي تجاه الإسلام والمسلمين وأصدره في أوائل شهر أكتوبر الحالي أن علاقات المواطن الأمريكي المباشرة بأصدقاء ومعارف مسلمين تمثل أحدى أقوى العوامل المؤثرة إيجابيا على رؤاه للإسلام وللمسلمين

وهذا لا يقلل من قدرة القيادات السياسية الكبرى كالرئيس وأعضاء الكونجرس وحكام الولايات على توجيه الرأي العام الأمريكي، ويحسب لبوش النداء الذي وجهه إلى المجتمع الأمريكي في السابع عشر من سبتمبر 2001 والذي طالب فيه المجتمع الأمريكي بالتفرقة بين مرتكبي أحداث سبتمبر الإرهابية من الإسلام والمسلمين من ناحية أخرى، موضحا أن الإرهابيين لا يمثلون الإسلام

ويضعف كفة بوش على هذا الصعيد حقيقة أن كبار المسيئين للإسلام والمسلمين خلال فترة حكمه كانوا من أبناء حزبه وإدارته مثل وزير العدل الأمريكي جون أشكروفت، والنائب توم دلاي زعيم الأغلبية الجمهورية بمجلس النواب، والجنرال وليام بويكين أو من خلفيات يمينية مسيحية معروفة - ومقربة إلي بوش في بعض الأحيان - مثل بات روبرتسون وفرانكلين جرام وجيري فالويل

في المقابل لم يمثل السياسيون الليبراليون وأصحاب التوجهات الليبرالية مصدرا واضحا لتشويه صورة الإسلام والمسلمين كما هو حال اليمين الأمريكي، إذ أشار استطلاع لتوجهات الشعب الأمريكي نحو الإسلام والمسلمين أصدرته كير في أوائل شهر أكتوبر الحالي إلى أن المنتمين إلى التيار الأمريكي اليميني المحافظ أكثر استعدادا للاعتقاد في صور سلبية عن الإسلام والمسلمين مقارنة بالمنتمين إلى التيار الليبرالي

ويعني هذا أن فوز جون كيري سوف يعني إضعاف الثقل السياسي لبعض قادة اليمين الأمريكي المسيئين للإسلام

ثالثا: فيما يتعلق بتشجيع مشاركة المسلمين الأمريكية في العملية السياسية الأمريكية، يجب هنا الإشارة إلى أن مواقف بعض قيادات اليمين الأمريكي المتعصبة ضد الإسلام والمسلمين وسياسات الإدارة الأمريكية الراهنة أدت إلى ما يشبه بهجرة جماعية للمسلمين الأمريكيين بعيدا عن الحزب الجمهوري، إذ أظهر استطلاع جامعة جورج تاون أن 50 % من المسلمين الأمريكيين أصبحوا ينظرون إلى الحزب الديمقراطي على أنه حزبهم المفضل في مقابل 12 % من المسلمين الأمريكيين مازالوا يشعرون بالانتماء إلى الحزب الجمهوري، هذا إضافة إلى انخفاض نسبة مؤيدي بوش في أوساط المسلمين الأمريكيين إلى 7 % أو أقل، بل أن نصف المسلمين الجمهوريين – كما يشير الاستطلاع – يؤيدون جون كيري

وقد انعكست هذه التوجهات على مشاركة المسلمين في الحملات الرئاسية، إذ شارك المسلمون والعرب الأمريكيون بحوالي ثمانين مندوبا في المؤتمر العام للحزب الديمقراطي، بينما لم يتعدى عددهم في المؤتمر العام للحزب الجمهوري نصف هذا الرقم، كما أن هناك مشاركة ملحوظة لبعض النشطاء المسلمين في حملة جون كيري نفسه هذا إضافة إلى التأييد التي تحظى به الحملة في أوساط المسلمين الأمريكيين والذي يتعدى نسبة 60 %، ويعني ذلك أن فوز كيري والحزب الديمقراطي في الانتخابات سوف يفتح الباب أمام مزيد من المسلمين الأمريكيين للمشاركة السياسية الفعالة، في حين أن فوز بوش سوف يعني زيادة شعور المسلمين السياسية بصعوبة المشاركة في مؤسسات صنع القرار وبأنهم مرفوضون من هذه المؤسسات

رابعا: فيما يتعلق بتحسين سياسة أمريكا تجاه العالمين العربي والإسلامي، تبدو مواقف كيري قريبة من بوش على هذا الصعيد أكثر منها فيما يتعلق بالقضايا الداخلية، فقد تبنى كيري العديد من السياسات التي أقرها بوش وعلى رأسها السعي لتغيير السلطة الوطنية الفلسطينية وعدم التعامل معها، بل أن كيري زايد على سياسة بوش تجاه عدد من الدول المسلمة والعربية وهي سوريا وإيران والسعودية

ويحسب لكيري هنا أمران أولهما رغبته في العمل مع القوى الدولية والإقليمية المعنية بقضايا الشرق الأوسط والتحالف معها، وهو أمر سوف يفرض عليه الاستماع للرؤية العربية نظرا لما يمتلكه العرب من تأثير ونفوذ وتعاطف في الأوساط الأوربية والدولية الأخرى، وذلك مقارنة ببوش الذي تبنى مبدأ العمل الانفرادي مفضلا عدم الإنصات لأحد في غزوه للعراق وفي تهميشه للقضية الفلسطينية، ولو استمع بوش لحلفاء أمريكا لأتاح لنفسه فرصة أكبر لمعرفة مكانة القضية الفلسطينية لدى المسلمين والعرب ولمعرفة العواقب الوخيمة لغزوه العراق

الأمر الثاني هو أن فوز كيري سوف يعني تراجع نفوذ المحافظين الجدد والقوي اليمينية المتشددة التي تمثل قواعد بوش الجماهيرية والتي تتميز رؤاها تجاه المسلمين والعرب بتعصب قائم على أبعاد دينية متشددة يصعب تغييرها – كما في حالة اليمين المسيحي المتشدد – أو على إيدلوجيات برجماتية شديدة الغرور وعدم المبالاة بالرأي العام العالمي – كما هو في حالة المحافظين الجدد

وفي حالة فوز كيري بالانتخابات فأن ذلك سوف يقوي شوكة النخب اليسارية والليبرالية والتي يأتي منها غالبية كبار السياسيين المساندين للمسلمين والعرب وقضاياهم الداخلية والخارجية في الكونجرس وفي الولايات والسلطات المحلية وفي المجتمع المدني.

وللأسباب السابقة مجتمعة يبدو جون كيري المرشح الأقرب لقضايا المسلمين الأمريكيين الرئيسية، ويبدو تصويتهم له أمرا أكثر منطقية

Monday, November 01, 2004

أهمية الصوت المسلم الأمريكي في انتخابات عام 2004
بقلم: علاء بيومي

نشر في 1 نوفمير 2004
نص المقال

يعتمد المسلمون الأمريكيون على أربعة عوامل رئيسية لترك بصمتهم واضحة على انتخابات الرئاسة الأمريكية المقرر عقدها في الثاني من نوفمبر المقبل، ولو تبلورت هذه العوامل لخرج مسلمو أمريكا فائزين من الانتخابات بغض النظر عما ستسفر عليه من نتائج

العامل الأول هو ارتفاع معدلات مشاركتهم في الانتخابات، إذ أشار أحدث استطلاع لتوجهات مسلمي أمريكا السياسية - والذي أصدره مركز أبحاث مسلم أمريكي تابع لجامعة جورج تاون الأمريكية في منتصف شهر أكتوبر 2004 – إلى أن نسبة الرغبة في المشاركة السياسية في أوساط المسلمين الأمريكيين تتراوح بين 86-92 %، وأن نسبة الرغبة في التصويت في أوساط الناخبين المسلمين الأمريكيين وصلت إلى 95 %، وهي بدون شك نسب مرتفعة تفوق نسب التصويت والمشاركة السياسية في المجتمع الأمريكي ذاته

ويعود إقبال المسلمين الأمريكيين على المشاركة في الانتخابات الحالية إلى عدة عوامل على رأسها ارتفاع مستواهم التعليمي، ونشاط منظماتهم المتزايد خاصة منذ أحداث سبتمبر على صعيد نشر الوعي السياسي في أوساطهم، وكذلك تبعات أحداث سبتمبر 2001 وسياسات إدارة بوش السلبية العديدة على قضايا المسلمين الأمريكيين الداخلية وعلى قمتها قضايا الحقوق المدنية والخارجية وعلى رأسها قضيتي العراق وفلسطين

إذ أعرب 81 % من المشاركين في الاستطلاع السابق عن معارضتهم للحرب على العراق، كما ذكر 40 % منهم أنهم تعرضوا شخصيا للتمييز بعد أحداث سبتمبر 2001، وذكر 57 % منهم أن أحد أصدقائهم أو أقاربهم تعرض للتمييز

ولدى المسلمين الأمريكيين قائمة طويلة من قضايا الحقوق المدنية الداخلية التي يأملون أن يساعدوا على تغييرها من خلال مشاركتهم في الانتخابات القادمة وخاصة فيما يتعلق بتعديل قانون باتريوت آكت (قانون مكافحة الإرهاب لعام 2001)، والذي ترى العديد من جماعات الحقوق المدنية أنه يتضمن انتهاكات واضحة للحريات الأمريكية خاصة فيما يتعلق بإضعاف رقابة القضاء على السلطة التنفيذية والسماح بمراقبة المشتبه فيهم والتجسس عليهم دون توافر أدلة كافية تثبت إدانتهم بجرم ارتكبوه

وكذلك فيما يتعلق بتشديد قوانين مكافحة التمييز العنصري وتشديد قوانين مكافحة جرائم الكراهية، وإنهاء استخدام الأدلة السرية ضد المهاجرين والمواطنين على حد سواء، وإبطال بعض قيود الهجرة التي أقرتها إدارة بوش وفرضت أعباء مبالغ فيها على المهاجرين

العامل الثاني هو قدرة المسلمين الأمريكيين على التصويت ككتلة انتخابية واحدة، إذ دعا تحالف يضم عشرة من أكبر منظمات المسلمين الأمريكية السياسية والدينية وأخرى معنية بشئون الطلاب وبشئون الأفارقة الأمريكيين في الحادي والعشرين من أكتوبر 2004 مساندتها للمرشح الديمقراطي للرئاسة جون كيري، ودعا التحالف المسلمين الأمريكيين إلى "التصويت معا بعدد كبير ولهدف مشترك"، وذلك لصالح مرشحه المفضل، وذلك بهدف أن يحقق التحالف الإنجاز الذي حققه مسلمو أمريكا في عام 2000 عندما نجح تحالف من أربعة منظمات سياسية مسلمة أمريكية في بناء أول كتلة انتخابية مسلمة أمريكية

ومنذ ذلك الحين أصبحت قدرة المسلمين على توحيد جهودهم والتصويت ككتلة واحدة تمثل أحد أهم مظاهر قوتهم السياسية كما ظهر في تغطية العديد من وسائل الإعلام الأمريكية لنشاط مسلمي أمريكا السياسي خلال السنوات الأربعة الماضية، وكما ظهر أيضا من حرص المسلمين الأمريكيين أنفسهم على التصويت ككتلة انتخابية واحدة والتوحد خلف منظماتهم

إذ أعرب 53 % من المشاركين في الاستطلاع السابق عن اعتقادهم بأنه ينبغي على مسلمي أمريكا التصويت ككتلة واحدة في انتخابات الرئاسة الأمريكية القادمة، وقال 69 % منهم أن تأييد تحالف المنظمات المسلمة الأمريكية لأي من مرشحي الرئاسة سوف يمثل عاملا هاما في التأثير على قراراهم بخصوص المرشح الذي سوف يصوتون له، كما أعرب 81 % منهم عن تأييدهم لأجندة تحالف المنظمات المسلمة المعني بالانتخابات وبالحقوق المدنية

وأظهر الاستطلاع نفسه حقيقة إضافية هامة بهذه الخصوص وهو زيادة الدور الذي تلعبه الهوية المسلمة في التأثير على قرارات مسلمي أمريكا السياسية، إذ ذكر 69 % من الناخبين المسلمين الأمريكيين أن قراراتهم بخصوص مرشحهم المفضل سوف تتأثر بحقيقة كونهم مسلمين

العامل الثالث هو تواجد المسلمين ونشاطهم الملحوظ في بعض السباقات الانتخابية الهامة والتي لم تحسم بعد لصالح أي من مرشحي الرئاسة الرئيسيين في الانتخابات الراهنة، وخاصة في ولايتي أوهايو وفلوريدا، ففي ولاية أوهايو على سبيل المثال فاز بوش على آل جور في انتخابات عام 2000 بفارق 165 ألف صوت، ويعيش في ولاية أوهايو حوالي 150 ألف مسلما، وفي ولاية فلوريدا فاز بوش على آل جور بفارق بسيط لا يتعدى مئات الأصوات، وقد أشارت وسائل الإعلام في ذلك الحين على أن مسلمي فلوريدا منحوا بوش أكثر من 50 ألف صوت.
وقد أعلن مجلس العلاقات الإسلامية الأمريكية (كير) – وهو أكبر منظمات الحقوق المدنية المسلمة الأمريكية – عن تنظيمه لجهود مكثفة - في ولاية أوهايو حيث تتواجد ثلاث مكاتب لكير، وفي ولاية فلوريدا حيث يتواجد لكير مكتبان – لحشد أصوات الناخبين المسلمين ومساعدتهم على الخروج للتصويت بأكبر عدد ممكن في الثاني من نوفمبر القادم، وهي جهود حرصت على القيام بها مختلف منظمات المسلمين والعرب الأمريكيين خلال الفترة الأخيرة والتي شهدت حشدا لا بأس به للصوت المسلم والعربي الأمريكي

العامل الرابع هو ولاء المسلمين الأمريكيين لقضاياهم وقدرتهم على تغيير توجههم السياسي لخدمة هذه القضايا، فقد صوت غالبية المسلمين الأمريكيين لمرشح الحزب الجمهوري جورج دبليو بوش في انتخابات عام 2000، ولكن استطلاعات الرأي وتوجهات قادة ومنظمات مسلمي أمريكا تشير إلى حدوث تغيير كبير في وجهة أصواتهم خلال السنوات الأربعة الأخيرة ردا على سياسات إدارة الرئيس بوش السلبية في حقهم

إذ تشير الاستطلاعات إلى تأييد غالبية المسلمين الأمريكيين (أكثر من 70 %) لجون كيري، بل وإلى تحول المسلمين بعيدا عن الحزب الجمهوري نفسه والذي سانده المسلمون الأمريكيون تقليديا بسبب قيمه المحافظة على المستوى الأخلاقي، إذ أشار استطلاع جامعة جورج تاون إلى أن 50 % من المسلمين الأمريكيين أصبحوا ينظرون إلى الحزب الديمقراطي على أنه حزبهم المفضل في مقابل 12 % من المسلمين الأمريكيين مازالوا يشعرون بالانتماء إلى الحزب الجمهوري، هذا إضافة إلى انخفاض نسبة مؤيدي بوش في أوساط المسلمين الأمريكيين إلى 7 % أو أقل، بل أن نصف المسلمين الجمهوريين – كما يشير الاستطلاع – يؤيدون جون كيري

ويبدو أن نسبة لا يستهان بها من مسلمي أمريكا غيروا وجهتهم نحو اليسار بعيدا عن اليمين اعتراضا على سياسات بوش نفسه، إذ ذكر 32 % من المسلمين المؤيدين لكيري أنهم يؤيدونه اعتراضا على سياسات جورج دبليو بوش، وأكد تحالف المنظمات المسلمة الأمريكية على الأمر نفسه في البيان الذي أصدره لإعلان تأييده لجون كيري، إذ قال البيان "للأسف تميزت إدارة الرئيس بوش بعدم الحساسية تجاه حقوق وحريات المسلمين الأمريكيين ... يشعر المسلمون الأمريكيون بالاستياء تجاه عدد من السياسات الداخلية والخارجية التي أرستها إدارة الرئيس بوش منذ أحداث 11/9"
وهذا لا يعني أن معارضة بوش كانت السبب الوحيد لتأييد تحالف المنظمات المسلمة الأمريكية لجون كيري، إذ أشار التحالف في بيانه وفي مناسبات مختلفة إلى ما وجهه جون كيري من انتقادات لسياسات بوش خاصة على صعيد الحقوق المدنية، كما تعهدت حملة جون كيري للمنظمات المسلمة ببذل مزيد من الجهود على صعيد حماية الحقوق المدنية، وبذلت حملة جون كيري جهودا كبيرة لاجتذاب أصوات مسلمي أمريكا وقادتهم، وقد شارك في هذه الجهود سياسيون مخضرمون على رأسهم السيناتور إدوارد كيندي المعروف بمواقف المساندة لمسلمي أمريكا

يبقى هنا أن نؤكد على حقيقة هامة – كتبنا هذا المقال من أجل إبرازها - وهي أن قوة المسلمين الأمريكيين السياسية لا تعتمد على الفائز في انتخابات نوفمبر 2004 بقدر ما تعتمد على قدرتهم على زيادة معدلات مشاركتهم السياسية وتوحيد طاقاتهم وأصواتهم والتواجد المكثف في السباقات الانتخابية الهامة وولائهم القوي والصريح لقضاياهم، وهي العوامل التي سعى المسلمون الأمريكيون باجتهاد لبنائها خلال الأعوام الأربعة الماضية رغم مما واجهوه خلالها من تحديات. فقوة أي جماعة أمريكية مهما كان حجمها – بما في ذلك الأحزاب واللوبيات المختلفة – لا تعتمد بالضرورة على فوز مرشحيها بقدر ما تعتمد على قدرة هذه الجماعات على بناء عناصر نفوذها المختلفة