Wednesday, June 30, 2004

حاضر الهوية المسلمة الأمريكية
بقلم: علاء بيومي

الناشر: موقع
الجزيرة-نت، 30 يونيو 2004، حقوق الطبع والنشر محفوظة للناشر

نص المقال

التوترات التي تشهدها العلاقة بين الولايات المتحدة الأمريكية والعالم الإسلامي في الفترة المعاصرة وخاصة منذ أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001 زادت من الضغوط التي تتعرض لها هوية المسلمين الأمريكيين، وهي الجماعة البشرية الأساسية التي تربط الطرفين وتمثل المختبر الأهم للحوار والتعايش بينهما

مصادر الضغوط على الهوية المسلمة الأمريكية

وقد أتت هذه الضغوط من مصدرين أساسيين، أولهما أقلية أمريكية متشددة حاولت التشكيك في هوية المسلمين الأمريكيين ووطنيتهم وتصويرهم على أنهم "طابور خامس" يعيش داخل أمريكا يتحين الفرصة للانقضاض عليها، إذ نشر بول ويرتش ووليام ليند وهما من قادة الجماعات الدينية الأمريكية المحافظة كتابا بعد أحداث سبتمبر بعنوان "لماذا يمثل الإسلام تهديدا لأمريكا والغرب" يقولان فيه أنه "يجب تشجيع المسلمين الأمريكيين على الرحيل. أنهم طابور خامس في هذه البلد"، ويرأس بول ويرتش مركز أبحاث يميني في واشنطن يدعى "مؤسسة الكونجرس الحر" بلغت ميزانيته في عام 1997 إحدى عشر مليون دولار أمريكي

وقد روج لهذه الأفكار المتطرفة العديد من الكتاب والقادة اليمينيين المتشددين مثل الكاتبة الأمريكية المتشددة آن كالتر والتي طالبت بعد أحداث سبتمبر 2001 "بغزو بلاد (مرتكبي أحداث سبتمبر 2001) وقتل قادتهم وتحويلهم إلى المسيحية"، ومثل بعض قادة التيار الإنجليكي المحافظ كفرانكلين جرام الذي وصف الإسلام بأنه "دين شرير"، والقس جيري فاينز والذي وجه إساءات بالغة للرسول محمد (ص)، وكذلك بعض الكاتب المعروفين بتشددهم في تأييد إسرائيل مثل الكاتب دانيال بيبس والذي طالب في أكثر من مرة بتشديد الرقابة على المسلمين الموجودين في الولايات المتحدة كما دعا إلى محاصرة وتهميش دور المسلمين الأمريكيين على الصعيد السياسي

وعلى الرغم من مرور أكثر من عامين ونصف على أحداث سبتمبر إلا أنه هذه الاتهامات تعود وتطفو على السطح، إذ وصف بيتر كينج - عضو جمهوري بمجلس النواب الأمريكي عن ولاية نيويورك – في شهر فبراير الماضي 85 % من قادة المسلمين الأمريكيين بأنهم "أعداء يعيشون بيننا"، كما اتهم جميع المسلمين الأمريكيين بعدم التعاون في الحرب على "الإرهاب"

على الطرف الأخر وقفت أقلية من المسلمين موقفا سلبيا متشددا من الهوية المسلمة الأمريكية ومظاهر التعبير عنها، إلى حد معارضة بعض الأطراف المسلمة لدعوة أطلقتها منظمات مسلمة أمريكية في شهر أكتوبر الماضي لإقامة صلاة الاستسقاء والدعاء بنزول المطر لمواجهة موجة حرائق غابات ضخمة اجتاحت جنوب ولاية كاليفورنيا في ذلك الحين وأتت على أكثر من نصف مليون هكتار و2400 منزل (الشرق الأوسط، 31/10/2003)

مراحل اندماج المسلمين الأمريكيين

أما بالنسبة لأغلبية المسلمين الأمريكيين، فيرى الخبراء أن أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001 والفترة السابقة لها زادت من ارتباطهم بالهوية المسلمة الأمريكية ولم تضعفها

إذ يري د. زاهد بخاري مدير مشروع "المسلمون في الساحة العامة الأمريكية" والذي يعكف على دراسة دور المسلمين الأمريكيين في الحياة العامة الأمريكية أن أحداث سبتمبر ساعدت مسلمي أمريكا على الإسراع بعجلة اندماجهم في المجتمع الأمريكي، وذلك في دراسة بعنوان "تعريف المسلمين الأمريكيين" صدرت له في عام 2003 ضمن فعاليات مؤتمر نظمه مركز أبحاث ويدرو ويلسون انترناشيونال الأمريكي المعروف في العام نفسه

وقد بنى د. بخاري رؤيته السابقة على تصور معين لعملية اندماج المسلمين في المجتمع الأمريكي، يقوم على فكرة أن الجماعات الأمريكية الجديدة تمر بمراحل خمسة تساعدها على الاندماج بشكل إيجابي في المجتمع، في المرحلة الأولي تركز الجماعة على بناء قوتها الاقتصادية ومؤسساتها الدينية الأساسية (كالمساجد)، وفي المرحلة الثانية تركز الجماعة الجديدة على بناء مدارسها الخاصة لحماية قيمها وتوريثها للأجيال التالية، وفي المرحلة الثالثة تعمل الأقلية النامية نسبيا على مساعدة بلادها الأصلية من خلال الإعمال الخيرية والتبرعات، وفي مرحلة الرابعة تركز الأقلية على الدفاع عن قضاياها الجديدة بمجتمعها الجديد مثل حقوقها المدنية وصورتها ومصالحها المختلفة، وفي المرحلة الخامسة والأخيرة تنفتح الأقلية على قضايا المجتمع الأمريكي بشكل عام وتبدأ في الدفاع عنها ومحاولة المشاركة في فعاليات الحياة العامة الأمريكية مثلها مثل أي جماعة أخرى، ويكون ذلك مؤشرا إيجابيا على نضج الجماعة الجديدة واندماجها

ويقول د. بخاري أن أحداث سبتمبر 2001 أسرعت من وتيرة تفكير وعمل المسلمين الأمريكيين على المستويين الرابع والخامس من مستويات الاندماج، إذ أصبح المسلمون الأمريكيون أكثر وعيا بقضاياهم الداخلية وعلى رأسها التهديدات التي تتعرض لها حقوقهم المدنية، كما أصبحوا أيضا راغبين أكثر من أي وقت مضى في العمل للدفاع عن هذه القضايا بالساحة العامة الأمريكية، وذلك بالتعاون مع تحالفات متنامية من جماعات الحريات المدنية والأقليات الأخرى

ولو حاولنا تأصيل الرؤية السابقة تاريخيا وفقا لما توصلت إليه أحدث الدراسات الخاصة بتاريخ نمو وتطور المؤسسات المسلمة الأمريكية وعلى رأسها دراسة "المساجد في أمريكا" والتي أصدرها مجلس العلاقات الإسلامية الأمريكية (كير) في أبريل من عام 2001، لوجدنا أن عقد السبعينات كان البداية الحقيقية لاندماج المسلمين الأمريكيين في المجتمع الأمريكي إذ شهد تأسيس 25 % من المساجد الموجودة بالولايات المتحدة حاليا، بينما لم يتم تأسيس سوى 13 % فقط منها قبل السبعينات

وقد شهد عقد الثمانينيات الزيادة الأكبر في عدد المساجد المسلمة الأمريكية إذ تم تأسيس 32% من المساجد الموجدة حاليا في الولايات المتحدة، وانخفضت النسبة قليلا في عقد التسعينات لتصل إلى 30 % وهي بدون شك نسبة مرتفعة تعبر عن انطلاق المسلمين الأمريكيين في مرحلة اندماجهم الأولى في المجتمع الأمريكي خاصة إذ علمنا أن تأسيس المساجد وانتشارها أدى إلى دفع عجلة تأسيس المدارس المسلمة الأمريكية، إذ تشير دراسة "المساجد في أمريكا" إلى أن 21 % من مساجد أمريكا قامت بتأسيس مدراس دوام كامل ملحقة بها وهي بالفعل نسبة مرتفعة، وتتواجد 60 % من هذه المدارس حول المساجد الكبيرة (يحضر صلاة الجمعة بها 500 شخص أو أكثر)، ويدرس بها ما لا يقل عن 31 ألف تلميذ مسلم

والواضح أن غالبية هذه المدارس قد تم تأسيسها خلال عقد الثمانينات إذا أشار إحصاء أجرى في عام 1994 من قبل د. إحسان باجبي - المشرف الرئيسي على دراسة المساجد في أمريكا السابق الإشارة إليها وعضو مجلس إدارة كير – إلى أن 17 % من المساجد المحصاة في تلك الفترة كان لديها مدارس دوام كلي تابعة لها، وهو ما يعني أن نسبة كبيرة من المدارس المسلمة الأمريكية تم تأسيسها في عقد الثمانينات وفي أوائل التسعينات، مما يعني أن فترة الثمانينات شهدت دخول مسلمو أمريكا مرحلة اندماجهم الثانية

وتعني الإحصاءات السابقة أن عجلة اندماج مسلمي أمريكا بالمجتمع الأمريكي - على الرغم من حداثة وجودهم بالولايات المتحدة – مرت بسرعة ملحوظة، وقد يساعدنا ذلك على القول بأن مسلمي أمريكا دخلوا مرحلة العمل العام لخدمة قضاياهم بالمجتمع الأمريكي – وهي المرحلة الرابعة وقبل الأخيرة من مراحل اندماجهم بالمجتمع الأمريكي - قبل أحداث سبتمبر 2001 بعدة سنوات، يساعدنا على الوصول إلى النتيجة السابقة حقيقة هامة وهي أن مسلمي أمريكا أسسوا عدد من أهم منظماتهم السياسية والإعلامية والحقوقية العامة على الساحة الأمريكية الراهنة قبل منتصف التسعينات، وعلى رأسها مجلس العلاقات الإسلامية الأمريكية (كير)، ومجلس الشئون العامة الإسلامية (MPAC)، والإتحاد الإسلامي الأمريكي (AMA)

وهذا لا يعني أن مسلمي أمريكا انتهوا من مرحلة اندماجهم الرابعة فهم مازالوا يسيرون فيها وهي بدون شك مرحلة طويلة كما زالوا يحاولون دعم مستويات اندماجهم الثلاثة الأولى في الحياة العامة الأمريكية والدخول في مرحلة الاندماج الخامسة والهامة والتي تحتاج لدرجتي وعي ونشاط عاليتين

تبعات أحداث سبتمبر 2001 على الهوية المسلمة الأمريكية

أما بالنسبة لتأثير أحداث سبتمبر 2001 على هوية المسلمين الأمريكيين، فالواضح أن ضغوطها - خاصة على صعيد انتهاكات الحقوق المدنية التي طالبت آلاف المسلمين الأمريكيين والحملة المستعرة لتشويه صورة الإسلام والمسلمين في وسائل الإعلام الأمريكية – قد أدت إلى تقسيم المسلمين الأمريكيين إلى ثلاثة جماعات أساسية، أولها أقلية دفعتها الضغوط لترك الولايات المتحدة أو الانسحاب من الحياة العامة الأمريكية، كما تحركت أقلية أخرى في اتجاه عكسي للذوبان في المجتمع الأمريكي إلى درجة سعي البعض لتغيير أسمائهم الإسلامية أو التخلي عن التعبير عن ديانتهم بالأماكن العامة

أما غالبية المسلمين الأمريكيين فقد سعوا لتأكيد ارتباطهم بهويتهم المسلمة الأمريكية بعد 11 سبتمبر 2001 وبمظاهر التعبير عن هذه الهوية، إذ توصل استطلاع لآراء مسلمي أمريكا أجراه مجلس العلاقات الإسلامية الأمريكية (كير) بمناسبة مرور عامان على أحداث سبتمبر 2001، وأصدر نتائجه في 10 سبتمبر 2003، إلى أن غالبية مسلمي أمريكا (45 – 59 %) زادوا من نشاطهم العام منذ أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001، إذا ذكر نصف المشاركين في الاستطلاع تقريبا أنهم زادوا من نشاطهم الاجتماعي (58 %)، والسياسي (45 %)، وفي مجال الحوار بين أبناء الأديان المختلفة (52 %) منذ الأحداث

كما ذكر 49 % من المشاركين في الاستطلاع أنهم زادوا من تعبيرهم عن هويتهم الدينية في المحيط الأمريكي العام خلال العامين الماضيين، وزاد 42 % من المشاركين في الاستطلاع من تبرعاتهم للمنظمات المسلمة الأمريكية على المستويين المحلي والوطني، كما ذكر 59 % من المشاركين في الاستطلاع أن مجتمعاتهم المسلمة الأمريكية المحلية زادت بشكل عام من أنشطتها السياسية والاجتماعية منذ أحداث سبتمبر

عوامل نمو الهوية المسلمة الأمريكية وانتشارها

نتائج الاستطلاع السابق - والتي تؤكد نمو الهوية المسلمة الأمريكية بعد أحداث سبتمبر 2001 الصعبة - يمكن تفسيرها بعدد من العوامل الهامة التي تقف وراء تكوين ونمو الهوية المسلمة الأمريكية، ويمكن تلخيص هذه العوامل في أربعة أسباب رئيسية

أولا: ذكر 70 % من المشاركين في استطلاع العاشر من سبتمبر 2003 أنهم يشعرون بالحرية في ممارسة دينهم بدون قيود، الأمر الذي يعني أن أحداث سبتمبر والتي أثرت بشكل ملحوظ على حقوق وحريات المسلمين الأمريكيين وعلى صورتهم لدى الرأي العام الأمريكي لم تؤثر سلبا على مدى الحرية الدينية التي يتمتع بها المسلمون الأمريكيون، وهذا بدون شك عامل هام ومؤثر على بقاء المسلمين الأمريكيين ونموهم وشعورهم بإمكانية التعايش والدمج بين القيم الإسلامية والقيم الأمريكية

ثانيا: اقترن شعور المسلمين الأمريكيين بالتأثير السلبي لأحداث سبتمبر على حرياتهم المدنية وصورتهم بشعور عام بوجود فرصة للعمل والتأثير والدفاع عن قضايا المسلمين في أمريكا من خلال العمل المنظم الواعي

إذ ذكر 88 % من المشاركين في استطلاع 10 سبتمبر 2003 أنهم يعرفون مسلما واحدا على الأقل عانى من التمييز خلال العام الماضي، كما ذكر 56 % منهم أنهم تعرضوا للتمييز بشكل أو بأخر من أحداث سبتمبر، في الوقت نفسه ذكر 86 % منهم أنهم تلقوا مساندات إيجابية من قبل الشعب الأمريكي خلال العام الماضي

وتشير الدراسات الخاصة بتبعات أحداث سبتمبر على حقوق المسلمين المدنية إلى تعرض حقوق الآلاف منهم للتميز بصفة مباشر، فعلى سبيل المثال تعرض أكثر من 2000 مسلم للتمييز ضمن موجه العداء للمسلمين التي اجتاحت المجتمع الأمريكي في الأسابيع التالية لهجمات سبتمبر، كما اعتقل أكثر من 700 مسلم وعربي في ظروف أشبه بالسرية على ذمة تحقيقات سبتمبر 2001، وتم إجبار عشرات الآلاف من الطلاب والمهاجرين المسلمين على المشاركة في مقابلات مع سلطات الهجرة أو مكتب التحقيقات الفيدرالي

وفيما يتعلق بصورة الإسلام لدى الرأي العام الأمريكي تشير استطلاعات الرأي العام الأمريكي المختلفة إلى ارتفاع نسبة من ينظرون للإسلام نظرة عامة سلبية في أواخر عام 2002 وخلال عام 2003 لتصل إلى 38 % من الشعب الأمريكي، كما شهدت نسبة الأمريكيين الذي يرون أن الإسلام يشجع العنف ازديادا مضطردا منذ أحداث سبتمبر 2001، إذ بلغت 34 % في سبتمبر 2003 مقارنة بنسبة 23 % في أكتوبر 2002 وبنسبة 14 % فقط في يناير 2002، وهو ما يعنى أن نسبة الأمريكيين الذين يعتقدون أن الإسلام دين يحض على العنف زادت بمعدل 9-10 % تقريبا كل عام منذ أحداث سبتمبر 2001، وتقول الإحصاءات أن صورة الإسلام السلبية أكثر انتشارا في أوساط كبار السن وفي أوساط البروتستانت الانجليكيين مقارنة بغيرهم من فئات الشعب الأمريكي

على الجانب الأخر ركز تقرير أصدرته كير في سبتمبر 2003 عن "خبرة مسلمي أمريكا على الصعيدين السياسي والحقوقي بعد عامين على أحداث سبتمبر" على الفرص التي تمخضت عنها أحداث سبتمبر الصعبة مثل – كما ورد في التقرير - زيادة شعور مسلمي أمريكا بأهمية التنظيم السياسي والقانوني بشكل عام، وتأسيس عدد من المنظمات المسلمة الأمريكية الجديدة المعنية بالدفاع عن الحقوق المدنية، ونشطات المنظمات المسلمة الأمريكية في العمل مع عدد متزايد من المنظمات المدنية الأمريكية التي اهتمت بالدفاع عن قضايا مسلمي أمريكا الداخلية والخارجية في ظل الضغوط الكبيرة التي تعرضوا لها بعد أحداث سبتمبر

ثالثا: الفترة السابقة لأحداث سبتمبر شهدت انتشارا واسعا للهوية المسلمة الأمريكية، إذا أشارت دراسة "المساجد في أمريكا" إلى أن المسلمين الأمريكيين كانوا مقبلين في بداية القرن الحادي والعشرين إقبالا واضحا على الاندماج في المجتمع الأمريكي والمشاركة في مختلف جوانبه كمسلمين أمريكيين، إذ توصلت الدراسة إلى 96% من قادة المسلمين الأمريكيين يؤيدون مشاركة المسلمين في مؤسسات المجتمع الأمريكي العامة المختلفة، كما يؤيد 89% منهم المشاركة في العملية السياسية، ويؤيد 77 % منهم فكرة أن الولايات المتحدة تقدم نموذجا من الحرية والديمقراطية يمكن أن يتعلم منه المسلمون

كما انتشرت في الفترة ذاتها صورة إيجابية للمسلم الأمريكي لدى ذاته وفي المحيط الأمريكي، إذ توصلت عدة دراسات أجريت حول خصائص المسلمين الأمريكيين إلى أنهم يتميزون كأقلية أمريكية ناشئة بعدد ملحوظ من الخصائص الإيجابية، مثل ارتفاع مستواهم التعليمي مقارنة بالمتوسط العام الأمريكي، إذا تبلغ نسبة المسلمين الأمريكيين من حاملي الشهادات الجامعية 58 % مقارنة بنسبة 25 % في المجتمع الأمريكي، كما تقل أعمار 74 % من المسلمين الأمريكيين عن خمسين عاما، وتزيد دخول 50 % منهم عن خمسين ألف دولار سنويا، ويعمل 42 % منهم في وظائف مرموقة كالطب والوظائف الإدارية والجامعات

رابعا: بقى لنا أن نشير إلى الدور الإيجابي الهام الذي لعبه الجيل الراهن من القيادات والمؤسسات المسلمة الأمريكية في تشجيع اندماج المسلمين الأمريكيين الإيجابي في المجتمع الأمريكي خاصة منذ أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001، إذا أعلنت الغالبية العظمى منهم إدانتهم وإدانة الإسلام لهجمات سبتمبر الإرهابية، وتمسكهم بالولايات المتحدة كوطن لهم ولأجيال مسلمة عديدة قادمة، وبهويتهم كمسلمين أمريكيين، وسعيهم لاستخدام القانون والدستور الأمريكي للدفاع عن حقوقهم وحرياتهم كأمريكيين مسلمين، وتحديهم لمختلف الضغوط المفروضة على مسلمي أمريكا في فترة ما بعد سبتمبر 2001 من خلال أسلوب واحد لا بديل عنه وهو العمل العام الجاد والنظم على مختلف المستويات لنيل حقوق المسلمين كاملة ولتوعية الأمريكيين بصورتهم وبصورة الإسلام الحقيقة

لقد شكلت الأفكار السابقة ركائز أساسية لاستجابة المسلمين الأمريكيين لأزمة سبتمبر 2001، وساعدتهم بدون شك على توجيه ردود أفعالهم في اتجاه التمسك بهويتهم والسعي لمزيد من الاندماج الإيجابي في المجتمع الأمريكي وليس العزلة كخير أسلوب لمواجهة تحديات الفترة الراهنة

Wednesday, June 02, 2004

صورة الإسلام في أمريكا: الجذور والحاضر
بقلم: علاء بيومي

الناشر:
الجزيرة نت، 2 يونيو 2004، حقوق الطبع والنشر محفوظة للناشر

نص المقال

الصورة الراهنة للإسلام والمسلمين في الولايات المتحدة هي نتاج تراكمات ثقافية وحضارية تكونت عبر قرون تعود - كما يرى بعض المؤرخين - إلى فترة الحروب الصليبية ذاتها، مرورا بعصور الاستعمار الأوربي ونشأة أمريكا، ووصولا إلى الفترة التالية للحرب العالمية الثانية ثم المرحلة الراهنة وتبعات أحداث الحادي عشر من سبتمبر الخطيرة على صورة الإسلام والمسلمين في الولايات المتحدة، ويتناول المقال الراهن باختصار تبعات المراحل التاريخية الكبرى السابقة على صورة الإسلام والمسلمين الراهنة في أمريكا

الإسلام في الهوية الغربية

يوضح ديفيد بلانكس ومايكل فراستو في مقدمة كتاب قاما بتحريره عن "رؤية الغرب للإسلام في العصور الوسطى" (1999) أن جذور رؤية الغرب الراهنة للإسلام والمسلمين تعود إلى القرن الحادي عشر الميلادي الذي شهد بداية الحروب الصليبية والمراحل الأولى لنشأة الهوية الغربية الحديثة

ويقول الكاتبان أن الأوربيين في تلك الفترة كانوا محاصرين بحضارة أكثر قوة وتقدما وهي الإسلام، وأنهم فشلوا في هزيمة هذه الحضارة خلال الحروب الصليبية كما رفضوا فهما، لكنهم شعورا دائما بتهديدها الحضاري والديني لهم، لذا لعب الإسلام دورا أساسيا في تشكيل الهوية الأوربية ومن ثم الغربية الحديثة

ويرى المؤلفان أن الإسلام لعب دور شبهاه "بنيجاتيف الصورة" في تشكيل رؤية الأوربي المسيحي المثالية لنفسه، إذ عمد الأوربيون إلى تشويه صورة منافسيهم (المسلمين) كأسلوب لتقوية صورتهم الذاتية عن أنفسهم، وبناء ثقتهم في مواجهة عدوا أكثر قوة وتحضرا

وفي الكتاب نفسه يرى دانيال فيتكس - وهو أستاذ آداب بجامعة ولاية فلوريدا الأمريكية - أن نظرة الغرب الحديثة للإسلام ولدت في فترة كانت علاقة أوربا بالإسلام فيها هي علاقة خوف وقلق، مما دفع الأوربيين لتعريف الإسلام تعريفا "ضيقا كاريكاتوريا" كدين يملئه "العنف والشهوة" يقوم على "الجهاد العنيف" في الحياة الدنيا و"الملذات الحسية الموعودة" في الآخرة، كما نظروا للرسول محمد (ص) على أحسن تقدير على أنه واحد من اثنين، إما "قس كاثوليكي فشل في الترقي في سلم البابوية" فقرر الثورة ضد المسيحية أو أنه "راعي جمال فقير تلقى تعليمه على يد راهب سوري" ليشكل دينا جديدا من "قشور العقيدتين المسيحية واليهودية"

كما نظر الأوربيون إلى حياة المسلمين الأخلاقية نظرة مزدوجة فمن ناحية نظروا إلى حجاب المرأة المسلمة كتعبير عن "السرية والقهر" والفصل بين الرجل والمرأة، وفي نفس الوقت نظروا للحجاب على أنه مصدر "فجور واستباحة أخلاقية مستترة" خلف الحواجز والأسوار

وقد انتقلت هذه الصورة المشوهة - كما يري جون اسبزيتو – أستاذ دراسات الأديان والعلاقات الدولية بجامعة جورج تاون الأمريكية – في كتاب "التهديد الإسلامي: حقيقة أم أسطورة؟" (1992) – إلى بعض أهم قادة الإصلاح الفكري والديني في أوربا، وعلى رأسهم مارتن لوثر - زعيم حركة الإصلاح البروتستانتي – الذي نظر للإسلام على أنه "حركة عنيفة تخدم أعداء المسيح لا يمكن جلبها للمسيحية لأنها مغلقة أمام المنطق، ولكن يمكن فقط مقاومتها بالسيف"

معرفة الإسلام للسيطرة عليه

مع دخول عصر النهضة الأوربية في القرن الخامس عشر دخلت نظرة الغرب للإسلام مرحلة جديدة وصلت إلى قمتها خلال عصور الاستعمار الأوربي الذي اجتاح شرق العالم القديم خلال القرن التاسع عشر الميلادي

ويرى إدوارد سعيد في سلسلة من مؤلفاته على رأسها الاستشراق (1978) أن معرفة الغرب للإسلام في هذه المرحلة كانت بغرض السيطرة عليه وليس فهمه، وأن عمليه المعرفة هذه تمت بشكل منظم نسبيا تعاونت فيه مؤسسات الفكر والمعرفة الأوربية تعاونا وثيقا مع مؤسسات الاستعمار الأوربية الرسمية لمدها بالمعرفة اللازمة للسيطرة على المجتمعات المستعمرة

وخلال هذه المرحلة نظر الغرب للشرق - بما في ذلك العالم الإسلامي – بأسلوب أصبح الآن نموذجا يدرس عن التشويه المتعمد الذي يمكن أن تقوم به حضارة ما لصورة حضارة أخرى، ومن أهم عناصر هذا الأسلوب ما يلي

أولا: النظر للشرقي أو للمسلم على أنه الآخر المستقل تماما عن الأنا أو الذات الأوربية

ثانيا: تنظيم علاقة الأوربي مع الأخر من خلال سلسلة من الثنائيات الفكرية يضع كل منها الأخر الشرقي أو المسلم في مقابل الأنا الأوربي على طرفي نقيض في مختلف جوانب الحياة، فعلى سبيل المثال تم النظر للشرقي على أنه متخلف وحشي في مقابل الغربي المتقدم المتحضر، كما نظر الغربي للشرقي على أنه جاهل فقير في مواجهة الغربي المتعلم الثري، كما رأى الغربي الشرقي على أنه داكن ضعيف في مقابل الغربي الأبيض القوي

ثالثا: وقفت المؤسسات الاستعمارية خلف التقسيم الثنائي السابق لدعمه سياسيا واقتصاديا وثقافيا على أرض الواقع من خلال مساعيها لربط الشرق بما في ذلك العالم الإسلامي بأوربا من خلال روابط مؤسساتية استعمارية تضمن بقاء الشرق الطرف الأضعف على طول الخط في علاقته بالإمبراطوريات الأوربية، ولذا سعى الاستعمار لتكريس استغلاله واستنزافه الاقتصادي للشرق ولإضعاف اللغات والأديان والثقافات الشرقية الأصلية ولمحاربة ظهور الحركات السياسية والاجتماعية الوطنية في الشرق والعالم الإسلامي على مدار عقود الاستعمار

رابعا: وقف الغرب موقفا منزعجا ومتشددا وأحيانا انتقاميا تجاه الجماعات الشرقية أو المسلمة التي خرجت عن التقسيم الثنائي السابق وحاولت امتلاك أدوات القوة الغربية مثل اللغة وقوة الاقتصاد وفهم السياسة والقانون وأساليب العمل الإعلامي للتقريب بين مواقف المجتمعات الشرقية المستضعفة والغرب المستعمر

خامسا: النظرة السابقة لعبت دورا مزدوجا خطيرا في تشكيل صورة الإسلام والمسلمين لدى الغرب، الدور الأول هو تشويه هذه الصورة، والثاني هو تبرير الاستعمار الأوربي واستنزاف أوربا المنظم لثروات الشرق والعالم الإسلامي تحت عنوان تحريره ومساعدته على الرقي والتحضر

هل ورثت أمريكا نظرة الاستعمار الأوربي للإسلام؟

مع تفكك الإمبراطوريات الأوربية في منتصف القرن العشرين وصعود الولايات المتحدة كقوة عالمية بعد الحرب العالمية الثانية رفض بعض المفكرين النظر إلى أمريكا على أنها وريثة الاستعمار الأوربي ونظرته للعالم خاصة أن أمريكا نفسها استعمرت من قبل الإمبراطوريات الأوربية

ولكن هذا الرأي لم يصمد أمام تيار من الكتابات المتعلقة بالعلاقة بين الغرب والشرق في فترة ما بعد الاستعمار والتي رأت أن الولايات المتحدة هي وريث شرعي للاستعمار الأوربي، ولكن في صورة جديدة، وهي الإمبريالية، والتي تقوم على استغلال ثروات الشعوب الفقيرة بشكل منظم ومستمر دون استعمارها. كما رأى أصحاب هذا التيار أن أمريكا تميزت عن الاستعمار الأوربي بممارستها الاستعمار الداخلي في حق أهل البلاد الأصليين الذين تم استئصالهم وفي حق موجات الأفارقة الذين تم استقدامهم لأمريكا وإخضاعهم لأسوء أنواع الاستعمار وهو العبودية

ويقول أصحاب هذا الاتجاه أن العلوم الاجتماعية الأمريكية – وخاصة علم دراسات المناطق الأمريكي - ورثت نفس نظرة الأوربيين للشرق وللعالم الإسلامي، إذ سعى الأكاديميون الأمريكيون إلى تقسيم العالم غير الغربي إلى مناطق ومستويات وفقا للمصالح الاقتصادية والسياسية الأمريكية تحت إشراف ودعم الحكومة الأمريكية ذاتها

وقد وجه إدوارد سعيد نقدا واسعا للمؤسسات الأكاديمية الأمريكية فيما يتعلق بأسلوب دراستها للإسلام في كتابه "تغطية الإسلام: كيف يحدد الإعلام والخبراء رؤيتنا لبقية العالم" (1997)، ويقول سعيد في كتابه أن برامج دراسات الإسلام بالجامعات الأمريكية تحددها في الغالب "الضغوط المعاصرة الملحة" المسيطرة على العلاقة بين الولايات المتحدة والعالم الإسلامي، كما يهيمن عليها عدد من الأفكار العامة المنعزلة عن الواقع وعما يدور في العلوم الاجتماعية الأمريكية الأخرى

ويرى سعيد أن الأوضاع السابقة جعلت من "المقبول أن يقال عن الإسلام (بالجامعات الأمريكية) ما لا يقبل قوله عن اليهودية أو عن الآسيويين أو عن الأفارقة، وجعلت من الممكن أن تكتب دراسات (أمريكية) عن التاريخ والمجتمعات الإسلامية تتجاهل جميع المبادرات الكبرى في نظريات التفسير الاجتماعي"

أما على ساحة سياسة أمريكا تجاه الشرق الأوسط وموقف صناع القرار الأمريكي من الإسلام والمسلمين، فيرى دوجلاس ليتل في كتاب "الاستشراق الأمريكي: أمريكا والشرق الأوسط منذ 1945" (2002) أن "فهم مواجهات أمريكا مع الشرق الأوسط بعد عام 1945 يتطلب فهم الخلفية الثقافية والصور النمطية العنصرية التي يعتقد بها غالبية الأمريكيين" تجاه الشرق الأوسط والعالم الإسلامي

وعلى هذا الصعيد يرى ليتل أن الثقافة الشعبية الأمريكية امتلأت بأفكار تمييزية ضد "المسلمين واليهود وشعوب الشرق الأوسط" خلال القرنين الثامن عشر والتاسع عشر الميلاديين إذا نظر الأمريكيون لتلك الشعوب بصفة عامة على أنهم "متخلفون ومنهارون وغير موثوق بهم"، وبعد الحرب العالمية الثانية والهلوكوست خفت موجة العداء للسامية إلى حد ما – في أمريكا - بعد أن بدأ الأمريكيون في النظر إلى اليهود على أنهم "غربيون" بينما استمروا في النظر للمسلمين على أنهم "شياطين" و"إرهابيين معادين للغرب"

ويعيد ليتل جذور التحيز الأمريكي تجاه الإسلام والعالم الإسلامي إلى مواقف الآباء المؤسسين للولايات المتحدة من الإسلام والمسلمين، ويقول أن الآباء المؤسسين لأمريكا نظروا للعالم الإسلامي على أنه "مناقض لنظام الجمهورية" الذي وهبوا حياتهم للدفاع عنه، واستمرت هذه الرؤية تتحكم في مواقف صناع القرار الأمريكي تجاه الشرق الأوسط، إذ عبر الرئيس الأمريكي تيودر روزفلت في لقاءات خاصة عام 1907 عن اعتقاده بأن "من المستحيل أن نتوقع أية تقدم أخلاقي وفكري ومادي أينما يسود المحمديون"، كما تبني المقربون من الرئيسين جون كيندي وليندون جنسون "نظرة هيراركية للأعراق والثقافات يحتل فيها العرب مكانة أسفل الإسرائيليين"

ولذا يرى ليتل أن سياسة أمريكا تجاه العرب منذ عام 1945 حددها عاملان ثابتان وهما مصالح أمريكا في الحصول على البترول العربي وحماية أمن إسرائيل واحتواء بعض الأنظمة العربية، والعامل الثاني هو "الاستشراق الأمريكي"، والذي عرفه ليتل على أنه "ميل لإساءة تقدير قدرات شعوب المنطقة والمبالغة في تقدير قدرة أمريكا على تحويل الأوضاع السلبية إلى أوضاع أفضل"

وكما تحدث ليتل وآخرون عن دور الإعلام الأمريكي في دعم رؤية أمريكا الإستشراقية تجاه الإسلام والمسلمين، ومن أبرز وجوه هذا الدعم هو حرص وسائل الإعلام الأمريكي – كمجلة ناشيونال جيوغرافيك أو (الجغرافيا الوطنية) الأمريكية العريقة - على تصوير مظاهر التقدم والازدهار في إسرائيل وما تتمتع به من طرق سريعة واسعة ومنشئات حديثة تشبه نظيرتها الأمريكية وفتيات صغيرات يزرعن الزهور في حدائق منازلهن، في الوقت الذي تم فيه التأكيد في صور العرب على سباقات الخيول وحياة الصحراء والطرق الفقيرة والمباني المتهدمة والعجائز الفقراء المستضعفين أو المسلحين المتهورين

صورة الإسلام في أمريكا بعد 11 سبتمبر

كتب إدوارد سعيد في 2 أغسطس 2003 في جريدة الجارديان البريطانية يقول "قد أتمنى أن أقول أن الفهم العام للشرق الأوسط وللعرب وللإسلام في أمريكا قد تحسن (بعد 11/9)، ولكنه في الحقيقة لم يتحسن"، وأضاف سعيد قائلا أن رفوف المكتبات الأمريكية بعد 11 سبتمبر امتلأت بكتب عن الإسلام ولكنها كتب سيئة "مليئة بعناوين رئيسية صارخة عن الإسلام والإرهاب والتهديد العربي والخطر الإسلامي"

أما الإدارة الأمريكية – كما يرى سعيد - فقد أعطت أذانها لبعض أشهر المستشرقين الغربيين مثل برنارد لويس والذي استدعته الإدارة لعرض أفكاره عن الإسلام على العاملين بالبيت الأبيض، ويروج لويس لفكرة أن نظرة المسلمين للغرب والولايات المتحدة في الفترة الراهنة يحكمها شعورهم بالمهانة الدولية بعد سقوط حضارتهم وحقدهم على الغرب المسيحي المتقدم، وهي نظرية ضمنها في كتابه الواسع الانتشار في الفترة الحالية "ماذا حدث خطأ؟ الصراع بين الإسلام والحداثة في الشرق الأوسط" (2003)

كما رأي آخرون أن تقسيم الرئيس جورج دبليو بوش للعالم إلى "خير" و"شر" وإلى عالم "متحضر" وأخر "غير متحضر" – وأن حديث رئيس الوزراء الإيطالي سيلفو بيرلسكوني في سبتمبر 2001 عن "سمو الحضارة الغربية مقارنة بالحضارة الإسلامية" – يمثلان "رأس جبل جليد" مليئ بالرؤى العنصرية ضد الإسلام والمسلمين في الغرب والولايات المتحدة خلال الفترة الراهنة

وقد تجلت هذه الرؤى العنصرية في موقف بعض قيادات اليمين الأمريكي المتدين تجاه الإسلام، إذا يقول ديفيد فروم – وهو كاتب خطابات سابق في إدارة الرئيس جورج دبليو بوش - في كتاب "الرجل المناسب: الرئاسة المفاجئة لجورج دبليو بوش" (2003) - أن قيادات اليمين الأمريكي المتدين الذين يمثلون أقوى القواعد الجماهيرية المساندة لبوش شعروا بغضب شديد تجاه موقف بوش من الإسلام والمسلمين في أعقاب أحداث سبتمبر لأن بوش وصف الإسلام بأنه "دين سلام"

ولم يفوت قادة اليمين الفرصة للرد على تصريحات بوش، إذ وجه عدد كبير منهم إساءات خطيرة للإسلام، إذ رفض فرانكلين جرام وصف الإسلام بأنه "دين مسالم"، ووصف جيري فالويل الرسول محمد (ص) بأنه "إرهابي"، وقال بات روبرتسون أن الإرهابيين لا "يحرفون الإسلام !! إنهم يطبقون ما في الإسلام"

كما امتلأت الأسواق الأمريكية بكتابات عدد من أكثر الكتاب الأمريكيين تطرفا في موقفهم من المسلمين والعرب مثل دانيال بايبس - مؤلف كتاب "الإسلام المسلح يصل أمريكا" (2003) - وستيفن إمرسون - مؤلف كتاب "جهاد أمريكي: الإرهابيون الذين يعيشون وسطنا" (2003) - والذين روجوا لنظرية أن المسلمين والعرب المقيمين في أمريكا والغرب هم أعداء مقيمين بالولايات المتحدة يتحينون الفرص للانقضاض عليها ومن ثم يجب السعي لمراقبتهم والتضييق عليهم وتهميش منظماتهم

كما ظهرت مجموعة أخرى من الكتابات الساعية إلى خدمة جهود مؤسسات السلطة الأمريكية في حربها على الإرهاب بالتنظير لفكرة تدخل أمريكا لإعادة تشكيل العالم الإسلامي عن طريق دعم أمريكا المباشر لأطراف مسلمة ترى أنها أكثر تعاطفا تجاهها، ومن هذه الدراسات دراسة أصدرتها مؤسسة راند الأمريكية العريقة للأبحاث بعنوان "الإسلام المدني الديمقراطي" (2003)، والتي دعت صراحة لتبني سياسات أمريكية من شأنها مساندة الجماعات المسلمة العلمانية والتقدمية ماليا وسياسيا وإعلاميا، والدراسة على الرغم من ضعف قيمتها العلمية تمتلك أهمية سياسية لدورها في خدمة السلطة ولعلاقتها المباشرة بها لكون مؤلفتها شيرلي برنارد هي زوجة زلمي خليلزاد السفير الأمريكي الحالي في أفغانستان وأحد المقربين من الرئيس الأمريكي جورج دبليو بوش

في الخاتمة نحب أن نشير إلى أن الخلفية الثقافية والحضارية لصورة الإسلام في الولايات المتحدة ليست السبب الوحيد لما يشوب علاقة أمريكا بالعالم الإسلامي في الفترة الحالية من توتر فهناك عوامل أخرى عديدة تساهم في ذلك من بينها التصرفات المشينة التي تقوم بها بعض الأطراف المسلمة أو الأمريكية ضد الطرف الأخر، وتراث الأفكار النمطية السلبية التي يمتلكها كل طرف عن الأخر، ودور المصالح المادية في إشعال الخلاف بين الطرفين، وما مقالتنا هذه إلا محاولة لتسليط الضوء على أحد أهم أسباب الخلاف القائم بغرض الوعي به ومواجهته من خلال الأساليب العقلانية المناسبة