Tuesday, September 14, 2010


قصة الحوثيين في اليمن: دروس في الدهاء السياسي العربي المعاصر وتبعاته المأساوية






بقلم: علاء بيومي

يمكن نشر المقال مع الإشارة إلى مصدره:

www.alaabayoumi.com

نص المقال:

قصة المواجهة بين الحكومة اليمنية وجماعة الحوثي في اليمن تبدو بعيدة جغرافيا ومعرفيا عن كثير من المتابعين، فهي غامضة إلى حد كبير ويصعب فهما بسهولة خاصة لو اعتمدنا فقط على التغطية الإعلامية اليومية للصراع الممتد منذ عام 2004.

ولكن التعرف عليها يفتح إمامك عالم سياسي في غاية الإثارة والتشويق والمأساوية في آن واحد، حتى تشعر أنك أمام رواية سياسية كتبت بعناية، أو فيلم خيال سياسي دراماتيكي إلى أقصى حد، وربما تشعر بأنك تتعرف على صراع يدار بدهاء كبير وخطير على غرار كتابات ميكيافيلي عن العصور الوسطى، أو كتابات أصحاب التوجهات الواقعية والبراجماتية في السياسة الدولية.

لذا كلما تعرفت على الصراع وجوانبه المختلفة كلما شعرت بأنك أمام قضية سياسية دسمة للغاية تتعلم منها دروس في الدهاء السياسي، ولكنك تخشى أيضا من تبعاتها الخطيرة على أبناء الشعب اليمني وعلى العقل السياسي العربي بشكل عام.

هذه هي الخلاصة الأساسية والأهم التي خرجنا بها من قراءة كتاب "الحوثيون في اليمن: سلاح الطائفة وولاءات السياسة"، الصادر عن مركز المسبار للدراسات - ومقره دبي - في شهر يناير الماضي (318 صفحة).

فالكتاب يبحر بك عن قصد أو غير قصد في عالم من المتعة المعرفية السياسية والدروس السياسية المستفادة، وأقول عن "قصد أو غير قصد" لأن الكتاب يعاني من عيوب منهجية واضحة، كما أن سبب نجاح الكتاب الرئيسي يرتبط – من وجهة نظري – بقصة الحوثيين أنفسهم، وقصة صراعهم مع الدولة اليمنية والقصة السياسية لليمن بشكل عام إذا صح التعبير.

وحتى لا نبخس الكتاب حقه، يجب القول أنه لولا الكتاب لما تمكنا من فهم صراع الحوثيين مع الدولة اليمنية كما نفهمه حاليا، ولولاه لما تمتعنا بالتعرف على الصراع على الرغم من مأساويته التي تزيد من تعاطفنا مع ضحاياه الأبرياء من أبناء الشعب اليمني.

مشكلة الكتاب أنه لا يمتلك منهجا بحثيا واضحا، فهو عبارة عن تجميع لعدة أبحاث (11 بحثا) كتبت عن الحوثيين في اليمن وصراعهم مع الدولة اليمنية منذ فترة، وربما يعود أحدث فصول الكتاب إلى عام 2008، لذلك لا يتحدث الكتاب عن الحرب الأخيرة (السادسة) بين الحوثيين واليمن التي نشبت في صيف عام 2009، وتوقفت في أوائل العام الحالي.

ونظرا لأن الكتاب هو عبارة عن أبحاث مجمعة - لم تكتب وفقا لمنهج شامل جامع - يعاني الكتاب من بعض الفجوات، ولا يجيب على جميع الأسئلة المطروحة بخصوص قضية الحوثي.

لكن، وعلى الرغم مما سبق، يقدم الكتاب معلومات عديدة عن القضية ويبحر بالقارئ بعيدا عن الكتابات الإخبارية السائدة عن حرب صعدة في وسائل الإعلام العربية والأجنبية على حد سواء، وهي أخبار تكتفي برصد بعض الأحداث اليومية المدعومة بقدر من التحليل وقليل من الأفكار عن سياق الصراع.

أما متعة الكتاب الحالي فهي محليته، فهو يكاد يبحر بك وبأيادي مؤلفيه العرب في بحر واسع من المحلية اليمنية والتاريخ اليمني والطوائف الدينية والسياسات اليمنية المختلفة إلى حد كبير يميزه عن الكتابات العربية والأجنبية.

فعلى سبيل المثال تتناول بعض فصول الكتاب الحركات الشيعية في اليمن والزيدية وعلاقتها بالشيعة الإثنى عشرية، والإسماعيلية والسلفية والقاعدة وعلاقتهم بالدولة اليمنية وبالسعودية وإيران وأميركا وقضايا أخرى عديدة، بشكل يشعرك بأنك خرجت من عالم المتابعات الصحفية اليومية وغصت في مادة دسمة عن الدهاء السياسي العربي بكل ما يحتويه هذا الدهاء من إثارة وخيال وتبعات مؤلمة ومأساوية في آن واحد.

الحرب كأسلوب حياة

الحكمة الأساسية التي قد تخرج بها من قراء الكتاب هي أن العقل السياسي اليمني المعاصر - وربما التاريخي أيضا - يتمتع بقدر كبير للغاية من الدهاء، والذي يدفعك إلى احترامه والقلق عليه والاقتراب منه بحرص.

فالكتاب يقول لك أن جميع أطراف الصراع السياسي الدائر في اليمن حاليا - من قاعدة وحوثيين وحكومة ونظام وإخوان وسلفية ... ألخ - هم أصدقاء الأمس أعداء اليوم وحلفاء المستقبل إذا تطلب الأمر.

فأنت أمام جماعات سياسية تتمتع بقدر كبير من الدهاء والبراجماتية والواقعية، والسبب في ذلك تاريخي وجغرافي قديم قدم اليمين، فاليمن دولة إطراف ودولة تضاريس جغرافية وعرة وصعبة، مما جعل أهلها أشداء رجال قبائل وحرب إذا تطلب الأمر، فالكتاب يشعرك بأن الحرب تكاد تكون أسلوب حياة لبعض القبائل والجماعات السياسية اليمنية، والتي فرض عليها واقعها الجغرافي الصعب أن تجد في استمرار الحروب والانحياز إلى فئة ضد أخرى وسيلة للعيش توفير الدعم والسلاح والموارد والعائد الوفير والحليف الحامي.

وللأسف تقول فصول الكتاب أن الكثير من الفاعلين السياسيين الحاليين باليمن وقعوا فريسة أسلوب التفكير السابق في فترة أو أخرى.

دولة الزيدية في اليمن

الحوثيون هم أحفاد الزيدية في اليمن، والزيدية هي طائفة شيعية تعود في تسميتها إلى أحد أحفاد الرسول (صلى الله عليه وسلم)، وهو زيد بن علي (رضي الله عنهما)، والزيدية تناصر أهل البيت وتجد فيهم أئمة تتبعهم دينيا وسياسيا، لذا بنت الزيدية في اليمن دولا شيعية تحت رعاية الأئمة المنحدرين من نسل علي بن أبي طالب (رضى الله عنه) والسيدة فاطمة (رضى الله عنها) بنت رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، وقد حكمت الزيدية أجزاء كبيرة من شمال اليمين لأكثر من ألف سنة ولو عانوا من بعض فترات التقطع.

عموما انتهت دولة الزيدية أو الأئمة الزيديين في شمال اليمين في عام 1962 عندما ثار اليمنيون أو الضباط الأحرار اليمنيون ضد دولة الأئمة وأنهوا حكمها، وأقاموا دولة علمانية بلا أحزاب دينية بدلا من دولة الزيدية الإمامية.

وقامت الثورة بدعم كبير من هاشميين كبار وأئمة زيديين ضد حكم الأئمة، والذي ابتعد كثيرا عن قواعد المذهب الزيدي، وقد سبق وأن قمع الأئمة ثورة أخرى اندلعت في عام 1948 ضدهم، وهي ثورة لعب فيها كبار الزيديين دورا أكثر وضوحا بعد ما وصل حال دولة الإمامة الزيدية في اليمين إلى انحدار غير مسبوق.

ويرى كثير من المحليين أن الزيدية هم أقرب فرق الشيعة إلى أهل السنة وأكثرهم انفتاحا وتسامحا، وإنهم عرفوا أئمة زيديين مثل الإمام الشوكاني طوروا فكرا وسطا احتفل به السنة والشيعة معا.

ويرى آخرون – وفقا للكتاب – أن الزيدية مبدأ خليط صعب التعريف يصعب على أبنائه أنفسهم تعريفه، حتى أن بعضهم يشعر أن الزيدية ليست منهجا دينيا مستقلا واضح المعالم.

ويرى أخرون يرصدهم الكتاب أن بعض الزيدية ابتعدوا عن أهل السنة ومالوا إلى الشيعة الإثنى عشرية السائدين في إيران، والذي يمتلكون مواقف سلبية من السنة عموما ومن صحابة الرسول (صلى الله عليه وسلم) الكبار (عمر وأبو بكر رضى الله عليهم) على وجه الخصوص، حيث يرى الشيعة الإثنى عشرية أن عمر وأبو بكر اغتصبوا الخلافة من علي (رضي الله عنه وعنهم جميعا).

عموما – وحتى لا نخوض كثيرا في قضايا دينية ليس محل نقاشها هذا المقال – مال الزيدية إلى الانفتاح على السنة ورفضوا سب الأئمة ومعاداة السنة بخلاف بعض الطوائف الشيعية الأكثر انغلاقا.

أزمة الزيدية

ولكن الكتاب يعود ويوضح تدريجيا - وعلى فصول متفرقة - أن معاناة الزيدية زادت في اليمن منذ الاستقلال وأن بعضهم اشتاقوا إلى دولة الإمامة لأسباب مختلفة، حيث يوضح الكتاب خاصة في فصله التاسع "موقف الزيدية من السلفية في اليمن" أن الدولة اليمنية العلمانية انفتحت منذ ثورة عام 1962 على تيارات إسلامية مختلفة وسمحت لها بالتوسع على حساب الزيديين.

ففي الستينيات انفتحت اليمن الشمالية (حيث سيطرت دولة الإمامة الزيدية سابقا) على فكر الإخوان المسلمين القادم من مصر، وهو فكر حمله الطلاب اليمنيون الذين درسوا في مصر في الخمسينيات والستينيات وعادوا به إلى اليمين ناشرين فكر الثورة والاشتراكية وأفكار الإخوان، وذلك وقت أن كانت مصر مصدر إشعاع فكري وسياسي وثقافي عبر العالم العربي.

ولما تراجعت مصر بعد هزيمة 1967 صعدت السعودية بعد الثورة النفطية وهجرة العمالية اليمنية إلى السعودية وفترة الحرب الباردة واعتماد أميركا على السعودية في نشر المد الإسلامي (السلفي) وتقديم مساعدات إلى دول عربية كاليمن لجذبها بعيدا عن الاشتراكية ومصر والإتحاد السوفيتي.

وتدريجيا دخلت اليمن مرحلة المد الديني السفلي، وبهذا أصبح الزيديون اليمنيون في مواجهة خطرين كبيرين، أولهما خطر الأخوان المسلمون بقدرتهم الكبيرة على التنظيم الجماهيري والسياسي في آن واحد (يمثلهم حزب الإصلاح حاليا)، وخطر السلفيين بمواردهم المالية الضخمة وحماسهم الديني وتركيزهم على العمل الجماهيري على الرغم من بعدهم عن العمل السياسي وعن إنشاء أحزاب سياسية تمثلهم.

وبالطبع شعر الزيديون بالغيرة والمنافسة على الرغم من أنهم تحالفوا مع السعودية – أو تحالف بعضهم معها – كما يقول الكتاب – ضد الثورة اليمنية وضد مصر في الستينيات، وذلك بعد أن حاربوا السعودية في الثلاثينيات عندما واجهت الدولة السعودية دولة الأئمة في اليمن في حرب انتهت بهزيمة الإمام مما أضعفه في عيون اليمنيين بشكل لم يتمكن من تجازوه.

هذا يعني أن بعض الزيديين حاربوا السعودية في الثلاثينيات، وبعضهم تعاونوا معها في الستينيات، وبعضهم عارضها في فترة المد السلفي في السبعينيات.

ظهور الحوثية كتيار

ولعل نمط العلاقة المتقبلة أو المصلحية الواضحة في علاقة الزيديين بالسعودية لا يعد استثناءا، فقد سيطر النمط نفسه – كما يوضح الكتاب وكما سنشرح فيما بعد – على علاقة الحوثيين الزيديين مع الدولة اليمنية منذ التسعينيات.

فالكتاب يوضح أن ثورة جماعة الحوثي وخروجهم على الدولة اليمنية ومواجهتهم معها يعود في بعض أسبابه إلى ضيق الزيديين من التمدد الإخواني والسلفي على حساب الزيدية في شمال اليمن وخاصة في صعدة مركز دولتهم التاريخي.

كما يعود أيضا إلى خسارتهم دولتهم الدينية والتاريخية وإلى طبيعة الجغرافيا اليمنية القاسية التي تعطي فرقاء اليمين استقلالها ملفتا للنظر.

جذور الحوثيين الفكرية تعود إلى العلامة الزيدي بدر الدين الحوثي، وهو والد حسين بن بدر الدين الحوثي قائد المواجهة المسلحة الحوثية الأولى مع الدولة اليمين في عام 2004.

وتشير فصول الكتاب المختلفة إلى أن بدر الدين الحوثي هو أحد أكبر علماء الزيدية، وإلى أنه مال بوضوح نحو الشيعة الإمامية الإثنى عشرية الناقدة لأهل السنة على حساب الشيعة الزيدية المنفتحة على أهل السنة.

هذا يعني أن الحوثية تيار خرج عن انفتاح الزيدية التاريخي على أهل السنة وبات أكثر نقد لهم ولأفكارهم الدينية ولممارساتهم وللصحابة، وهنا يقول الكتاب أن ميل الحوثية إلى الإمامية الإثنية عشرية يعبر عن تيار متزايد وسط شيعة اليمن منذ الثورة الإيرانية، وقد يعود ذلك إلى توجه شيعة اليمن إلى المد الثوري الإيراني لدعمهم سياسيا وفكريا على الأقل في مواجهة النفوذ السعودي النفطي السلفي المتزايد في بلادهم.

بمعني أخر وجد الزيديون والحوثيون في التقرب من الثورة الإيرانية حلا جزئيا لمواجهة التمدد الإخواني والسلفي في اليمن، لذا انعكس هذا التوجه على فكر بدر الدين الحوثي وقطاع من الزيدية في اليمن والتي بدأت تحتفل بأفكار ومناسبات دينية دينية شيعية إمامية إثنى عشرية لم تكن سائدة في اليمن في الماضي.

أما قائدة ثورة الحوثيين السياسية فهو حسين أحد أبناء بدر الدين الحوثي، والذي يبدو أنه تأثر بأفكار والده مع رغبته في خوض غمار العمل السياسي والتنظيم السياسي للزيدية في اليمن.

الحوثي بين الحزب والحركات الدينية

وهنا يبدأ فصل تراجيدي ومأساوي جديد من فصول قصة الحوثية في اليمن، فالكتاب يشير إلى أن التيار الزيدي الشاعر بالتهميش وتراجع النفوذ في اليمن أراد إعادة اكتشاف نفسه بعد الوحدة اليمنية في عام 1990 حيث عاشت اليمن فترة انفتاح سياسي قصيرة شهدت ولادة عدد كبير من الأحزاب السياسية الجديدة، من بينها ثلاثة أحزاب ذات توجهات وطبيعة شيعية على الأقل، وذلك على الرغم من علمانية الدستور اليمني.

وهنا يشير الفصل الثالث من الكتاب "الحركات السياسية الشيعية في اليمن" إلى أن الأحزاب الثلاثة – الحق وحركة التوحيد والإصلاح واتحاد القوى الشعبية - عانت من التمزق الداخلي والانقسامات المدفوعة من قبل الخارج (النظام اليمني)، ومن ضعف التأثير والفاعلية بشكل عام.

ويبدو أن النظام السياسي اليمني لم يمنح تلك الأحزاب - ولا التعددية السياسية اليمنية بشكل عام - فرصة للنمو الطبيعي، وكان يمكن أن تمثل تلك الأحزاب فرصة للتنفيس السياسي عن القوى الشيعية في اليمن في ظل أطار قانوني شرعي.

عموما ضاعت الفرصة، وتراجعت مكانة الأحزاب السياسية الشيعية بل أن بعضها تحالف (أو اتهم بالتحالف) مع الجنوب في حرب الانفصال عام 1994، وهكذا تستمر التحالفات المتقلبة والبراجماتية.

أما علاقة الحوثيين بذلك، فهي أن حسين بدر الدين الحوثي قائد حركة الحوثيين السياسية والمتأثر بأفكار أبيه الدينية كان عضوا فاعلا في حزب الحق ذي التوجه الشيعي، وهو أحد أهم الأحزاب الشيعية التي أشرنا إليها سابقا، والتي أسست بعد الوحدة في عام 1990.

وفي أول انتخابات نيابية (2003) فاز حسين بمقعد عن محافظة صعدة معقل الزيدية التاريخي، وبالطبع فشلت تجربة حزب الحق السياسية كما فشلت تجربة التعددية السياسية في اليمن، وأنتقل حسين من قيادة الحزب إلى قيادة حركة دينية سياسية واجتماعية شيعية أخرى، وهي حركة "الشباب المؤمن" الدينية الزيدية والتي نشطت بشكل ملحوظ في النصف الثاني من التسعينيات.

وبهذا ارتد حسين من قيادة حزب يعمل على خوض الانتخابات وممارسة اللعبة السياسية إلى حركة دينية شيعية، وذلك على طريقه نحو تشكيل الحركة الحوثية التي قادت الصدام مع الدولة اليمنية في عام 2004.

الشباب المؤمن والقاعدة

حركة الشباب المؤمن قد تعود جذورها الفكرية إلى نهاية السبعينيات وهي فترة المواجهة بين المد الإخواني والأصولي والإيراني في اليمن، إذا يبدو أن الجماعات الدينية المختلفة في اليمن بدأت في تشكيل مدارس ونوادي دينية لشبابها لنشر الفكر الديني وتوعية الأجيال الجديدة.

ولكن ظهور حركة الشباب المؤمن كحركة ناشطة تأخر إلى النصف الثاني من التسعينيات، وقد انضم إليها بعض قيادات وأعضاء حزب الحق ذي التوجه الشيعي، والتي تركت الحزب بعد تشرذمه، وكان على رأس تلك القيادات حسين الحوثي.

ويقال أن الحركة لاقت رواجا كبيرا وبدأت في نشر نواديها التعليمية والدينية في صعدة وفي مناطق النفوذ الزيدي في شمال اليمن، ويقال أن الحركة لاقت دعما كبيرا من النظام اليمني ذاته لسببين على الأقل، أولهما أن الحركة قدمت نفسها كحركة إصلاح ديني وتحديث فكري في أوساط المذهب الزيدي تريد تحديث وعصرنه فكر أصحابه ضمن سياق الدولة المدنية.

أما السبب الثاني فهو أن الدولة أرادت التحالف معهم في مواجهة تنامي نفوذ الإخوان والسلفيين الذين لعبوا دورا كبيرا في دعم الدولة في مواجهة الجنوب خلال حرب الانفصال في عام 1994.

وهكذا تستمر سلسة التحالفات الميكيافيلية، والتي تبدوا وكأنها سياسة يمنية أصيلة وراسخة تتعبها مختلف القوى اليمنية حكومية كانت أو معارضة.

كما أننا نقف هنا أيضا على باب كبير وهام من أبواب الصراع السياسي الدائر الآن في اليمن، حيث يشير الكتاب إلى أن الدولة اليمنية دعمت الشباب اليمني الذي شارك في حرب أفغانستان ضد الإتحاد السوفيتي وذلك بدعم أميركي وسعودي ظاهر.

ولما انتهت الحرب عاد المقاتلون اليمنيون إلى البلاد حيث تم استقبالهم والاحتفال بهم، وتوقع هؤلاء بأن يتم مكافئتهم من قبل الدولة ومعاملتهم معاملة الأبطال وربما ضمهم إلى الجيش اليمني ذاته.

وهنا يشير الكتاب في فصله العاشر "تنظيم القاعدة في اليمن .. من الهامش إلى المتن" إلى أن العائدين من أفغانستان لعبوا دورا هاما في دعم قوات الحكومة اليمنية في حرب الانفصال عام 1994، وأنه تمت مكافئة بعضهم بضمهم إلى قوات الجيش اليمني.

ويبدو أن سياسة "فرق تسد" التي تتبعها الحكومة اليمنية – كما يشير الكتاب ومقالات صحفية مختلفة – اقتضت أن تدعم الحكومة اليمنية الحركات الزيدية – كحركة الشباب المؤمن – ضد الحركات السلفية والإخوانية التي تحالفت معها خلال حرب الانفصال سعيا ربما لتحقيق توازن سياسي بين تلك الحركات أو إلى إضعاف خصوم النظام بشكل عام.

المواجهة العسكرية

وبمرور الوقت قوت شوكة حركة الشباب المؤمن وشوكة حسين الحوثي داخل الحركة، والذي سعى إلى السيطرة على الحركة وعلى قياداتها ودروسها الدينية، ويبدو أن الحركة شهدت مزيد من الصدامات الداخلية والانقسامات في نهاية التسعينيات مع تزايد نفوذ حسين الحوثي والذي تبنى أفكار والده الداعمة للتوجهات الاثنى عشرية.

قوة الحوثي وأتباعه كانت مؤشر على بداية صدامه مع الدولة خاصة بعد 11-9، حيث أرادات الدولة تخفيف الضغوط الدولية المفروضة عليها من فيل أميركا وحلفائها عن طريق مواجهة الحركات الدينية بشكل عام ومن بينها حركة الحوثي.

ورد حسين الحوثي بالتصعيد بعدما شعر بقوة تياره الذي دعمته الحكومة في السابقة، وبعدما شعر بقوة أتباعه بين شباب وشيوخ الزيدية على حد سواء، لذا رفع حسين شعاره المثير والتصادمي، وهو "الله أكبر، الموت لأميركا، الموت لإسرائيل، اللعنة على اليهود، النصر للإسلام"، وبدأ في نشر الشعار وتلقينه لأتباعه ونشره في صعدة وفي المساجد التابعة للحركة وللزيدية.

الشعار بالطبع أحرج الدولة اليمنية في وقت كانت تبحث فيه عن سبل تخفيف الضغوط الدولية المفروضة عليها بعد 11-9، ويقال أن الشعار كان في حد ذاته أحد أسباب الإسراع بالمواجهة مع الحوثيين، هذا بالطبع بالإضافة إلى تنامي قوة الحوثيين وإحراجهم للدولة.

ويقال أن أنصار الحوثي أحرجوا الرئيس خلال زيارته لصعدة في عام 2003 بعد عودته برا من رحلة إلى الحج حيث وقفوا بمسجد زاره، ورددوا شعارهم غير مبالين بالرئيس ووجوده بالمسجد.

وبالطبع عجل كل ذلك بالمواجهة العسكرية حيث أرسلت الحكومة حملة عسكرية للقبض على حسين الحوثي في عام 2004 انتهت بمواجهة عسكرية كبرى لم تتوقعها الدولة، وقد أسفرت المواجهة عن مقتل حسين الحوثي وعن اشتعال حرب واسعة بين الحوثيين (أخوة حسين الحوثي وأتباعه ومناصريهم) والدولة دامت حتى الآن تقريبا على الرغم من فترات التوقف وجهود الوساطة الدولية وتدخل أطراف دولية كالسعودية التي تدخلت عسكريا في الحرب الأخيرة (2009-2010).

وبالطبع تمددت الحرب خارج صعدة، وأوقعت آلاف الضحايا، وشردت عشرات وربما مئات الآلاف من المدنيين، ويقال أن الحوثيين وجدوا دعما من قبل القبائل الزيدية وربما من قبل أطراف شيعية دولية كبرى كإيران التي تريد نشر القلاقل على حدود السعودية.

ويقال أيضا أن الدولة اليمنية أخطئت في الأسلوب الذي أدارت به الحرب وأنها تعاني من انقسام داخلي بخصوص مواجهة الحوثيين، أو أنها عاجزة عن الحسم لأسباب مختلفة.

ضعف الدولة

عموما، قصدنا من عرضنا الحالي تقديم صورة عامة لأزمة الحوثيين في اليمن، أو حكاية قصتهم كما أشرنا في عنوان المقال، على أمل نقل صورة محايدة بقدر الإمكان للقارئ اعتماد على المصادر التي بين أيدينا دون تحيز لفئة، وعلى أمل تشجيع أنفسنا والقراء على فهم بعض جوانب الصراع الهام وجمع مزيد من الحقائق والمعلومات عنه.

وفي الخاتمة يمكننا القول - اعتمادا على ما بين أيدينا من معلومات - أن حركة الحوثي هي حركة دينية وسياسية شيعية تعبر في جزءا منها عن شعور بعض الزيديين بالإحباط والتهميش في اليمن السياسي المعاصر، وتعبر في أجزاء كثيرا منها عن أخطاء الدولة في التعامل مع القوى السياسية باليمن، وعن عجز تلك القوى على بناء مجتمع مدني يحترم سلطة القانون.

أما أهم الدروس والقصص المستفادة فهو ذلك الدهاء التي يتعامل به الفرقاء اليمنيون، فهم في تحالفات مستمرة مع أعداء الأمس قبل الانقلاب عليهم غدا.

ولكنه دهاء مأساوي يذكرنا بقصص العصور الوسطى حيث غابت الدولة وعاشت الشعوب ممزقة بين قبائل وعشائر ومدن متصارعة وفي حروب دائمة لا تعرف الاستقرار، ولهذا يبدو أن أزمة اليمن الأساسية هو في ضعف مؤسسات الدولة وسلطة القانون وهو ضعف تغذيه مختلف القوى السياسية اليمنية ويدفع ثمنه الباهظ الشعب اليمني من حاضره ومستقبله.

Wednesday, September 01, 2010

نصائح أميركية لأوباما بالتخلي تدريجيا عن حكومة الصومال والتعايش مع سيطرة الإسلاميين

بقلم: علاء بيومي

يمكن نشر المقال مع الإشارة إلى مصدره:

www.alaabayoumi.com

نص المقال:

على غرار الحوار الأميركي مع حركة طالبان في أفغانستان، دعت دراسة صادرة عن مركز أبحاث أميركي مرموق - وهو "مجلس العلاقات الخارجية" - إدارة أوباما بالتخلي عن سياسة دعم الحكومة الانتقالية بالصومال والقبول تدريجيا بسيطرة الإسلاميين حتى يتثنى بناء حكم وطني صومالي حقيقي.

ورأت الدراسة أن سياسة دعم الحكومة الفيدرالية الانتقالية بالصومال والتي اتبعتها إدارة الرئيس الأميركي السابق جورج دبليو بوش منذ عام 2004 أتت بنتائج عكسية لأنها أوجدت سلطة "فوقية" مكلفة ماديا وعسكريا وعاجزة عن فرض سيطرتها على أراضي الصومال ومعتمدة على الدعم الخارجي.

اعتماد الحكومة الانتقالية على الدعم الخارجي ساهم – كما ترى الدراسة – في تعميق رفض الصوماليين لها، وفي توحيدهم ضدها، حيث نشطت المحاكم الإسلامية ضد الحكومة في 2006، وزادت حركة الشباب قوة بعد غزو إثيوبيا للصومال، كما تعاونت حركة الشباب مع القاعدة تدريجيا مع تزايد الدعم الأجنبي للحكومة الصومالية.

وتقول الدراسة أن السياسة الأميركية الراهنة والتي أسست في عام 2004 على اعتبار أن الصومال ساحة من ساحات "الحرب على الإرهاب" لم تدرك أن الصوماليين تمكنوا منذ سقوط حكومتهم الوطنية في عام 1991 من بناء نظم حكم محلية "عشائرية" حققت درجة من الاستقرار الداخلي، كما أن الصومال شهدت نوعا من التطور الاقتصادي القائم على نشاط رجال الأعمال المحليين.

وتقول الدراسة أن طبيعة التدين الصومالي التقليدي تنأى بالصوماليين بعيدا عن التشدد والتطرف الديني، وأن العشائر الصومالية بطبيعتها ترفض التدخل الأجنبي، لذلك اعتقدت الاستخبارات الأميركية حتى أوائل عام 2007 أن الصومال بعيدة عن أيادي القاعدة ونفوذها.

ولكن يبدو أن التدخل الأجنبي المستمر في الصومال ساعد على زيادة الرفض الشعبي للحكومة وعلى توحيد صفوف المعارضة ضدها، وعلى فتح الباب أمام قوى خارجية كالقاعدة للتدخل في الشأن الصومالي.

وتقول الدراسة أن أميركا أخطأت في عدم التمييز بين القيادات الوطنية للصوماليين والقيادات الإسلامية، وعدم فهم طبيعة الانقسامات الداخلية بين الإسلاميين، فقيادات "الحزب الإسلامي" على سبيل المثال تبدو أكثر "قومية" وأقل "إسلامية" وأقل انفتاحا على القاعدة من قيادات حركة "الشباب المجاهدين"، كما أن الحزب وحركة الشباب سبق وأن تصارعا على السيطرة على بعض المدن الصومالية الهامة.

وتقول الدراسة أن أميركا والمجتمع الدولي غير مستعدان لدعم الحكومة الصومالية عسكريا بالشكل الكافي، فالحكومة الصومالية – حتى تحت قيادة رئيسها الحالي الشيخ شريف وهو الرئيس السابق للمحاكم الإسلامية – عجزت عن تجنيد مزيد من القوات المحلية وعن بناء مزيد من الدعم المحلي والعشائري، كما عجزت عن فرض سيطرتها خارج القصر الرئاسي بالصومال والذي تحميه قوات السلام الأفريقية.

وتقول الدراسة أن ضعف الحكومة الصومالية حول قوات حفظ السلام الإفريقية من قوات "محايدة" إلى طرف في الصراع وزاد من رفض الصوماليين لها خاصة مع سقوط مزيد من الضحايا المدنيين في الصدامات العسكرية بين قوات حفظ السلام والحركات المسلحة الإسلامية.

وترى الدراسة أن الحكومة الصومالية في حاجة إلى أكثر من 20 ألف جندي لهزيمة الشباب، وأنها بحاجة إلى أكثر من 100 ألف جندي لتوحيد الصومال وإعادة الاستقرار لها على المدى البعيد.

وبالطبع لن تتمكن أميركا التي تخوض ثلاثة حروب خارجية – في العراق وأفغانستان وباكستان – من تزويد الصومال بتلك القوات، هذا بالإضافة إلى عدم وجود تقبل سياسي أميركي داخلي لهذه الفكرة أصلا وعن عدم توافر الدعم الدولي لها.

لذا ترى الدراسة أن تقديم مزيد من الدعم الدولي للحكومة الصومالية هو إهدار للوقت والموارد في رهان على حصان خاسر، ولن يؤدي إلا إلى تعميق المشاعر الداخلية المعادية للتدخل الأجنبي وتوحيد قوى الإسلاميين وتعبئة العشائر الصومالية ضد التدخل الأجنبي وخلف قيادة مقاتلي حركة الشباب.

كما أن منظمات الإغاثة الدولية تتعاون بالفعل مع حركة الشباب ضمن جهودها لتقديم المساعدات الإنسانية للصوماليين.

لذا تنصح الدراسة إدارة أوباما بتبني سياسية "الانفصال البناء"، وهي سياسة تقوم على المساعدة في بناء المجتمع الصومالي من أسفل إلى أعلى – أي من القاعدة سيرا نحو قمة الهرم السياسي "الحكومة الوطنية" - على المدى البعيد.

فالدراسة لا تتوقع أن يعرف الصومال حكومة وطنية موحدة خلال العقد المقبل، وتقول أن التاريخ يشهد بذلك، وأن الصوماليين أنفسهم منقسمون حول طبيعة الحكم الوطني الذي يرتضونه، هذا بالإضافة إلى تحدي ضم الكيانات شبه المستقلة – أرض الصومال وبونتلاند – إلى الإتحاد الفيدرالي الجديد.

كما ترى أن التسرع في بناء مؤسسات سياسية يدعو إلى الفساد، فالمجتمع العشائري الصومالي ليس في حاجة إلى مؤسسات سياسية – مثل المجالس المحلية والبرلمانات – في الوقت الراهن، خاصة وأن الكيانات السابقة تنفق أموالا طائلة على الرواتب والسيارات والمباني، وأنه من الأفضل توجيه تلك الأموال كدعم إنساني مباشر لتنمية الصومال.

لذا ترى الدراسة أن على أميركا الاستعداد لفترة ما بعد سقوط الحكومة الانتقالية وانسحاب القوات الدولية، فترة تسيطر فيها حركة الشباب على مقديشيو والصومال.

فحركة الشباب مسيطرة بالفعل على أغلب "الصومال الجنوبي"، كما أن منظمات المساعدات الإنسانية تتعاون بالفعل مع حركة الشباب في تقديم الدعم الإنساني للصوماليين في أماكن مختلفة من البلاد، كما أن الحكومة لا يتوقع لها أن تزداد قوة في المستقبل المنظور.

وتقول الدراسة أن على أميركا منع أثيوبيا من غزو الصومال في حالة سيطرة الشباب على مقديشيو، وأن عليها فتح حوار مباشر مع قادة الإسلاميين في الصومال في أقرب فرصة دون المرور دون وساطة الحكومة الانتقالية إذا اقتضى الأمر، فالشباب في وضع قوي يؤهلهم للتفاوض مباشرة مع الأميركيين والمجتمع الدولي دون المرور عبر بوابة الحكومة الانتقالية الضعيفة.

كما ينبغي على أميركا التمييز بين قيادات الإسلاميين في الصومال، ورفع بعض القيادات ذات التوجهات الأيدلوجية الوطنية مثل حسن طاهر عويس زعيم الحزب الإسلامي عن قوائم الإرهاب، وفتح الباب أمامهم لاتخاذ مواقف أكثر اعتدالا.

كما تقول الدراسة أن على أميركا الاحتفاظ بسياسة استهداف قادة القاعدة الموجودين في الصومال عسكريا على أن تتجنب أميركا وقوع ضحايا من المدنيين، كما ينبغي على أميركا التعايش مع الإسلاميين الصوماليين طالما تخلو عن القاعدة وحصروا نشاطهم ضمن حدود الصومال، وأوقفوا نشاطهم الدولي في إيواء ودعم الجماعات الإسلامية المسلحة.

بمعني أخرى ترى الدراسة أن الصراع في الصومال محلي وأن التدخل الأجنبي المتزايد في شئون الصومال منذ عام 2004 وسعى أميركا لفرض حكومة سياسية على الصومال بالقوة منذ ذلك الحين أدى إلى تدويل الصراع، ودعوة القاعدة إليه، وتحويله إلى صراع عابر للحدود الصومالية.

لذا تدعو الدراسة أميركا بتجنب عسكرة وتدويل الصراع بأكبر قدر ممكن على أمل أن يعود الصراع تدريجيا إلى طبيعته المحلية العشائرية الرافضة للتدخل الأجنبي سواء من قبل أميركا وحلفائها أو من قبل القاعدة.

بقى لنا أن نشير إلى أن الدراسة المختصرة (35 صفحة) صادرة في مارس الماضي عن مجلس العلاقات الخارجية الأميركية وهو أحد أشهر مركز الأبحاث الأميركية وعنه تصدر مجلة "شئون خارجية" المعروفة، والدراسة من تأليف بروانين بروتن وهي باحثة بالمركز، وسبق لها العمل بعدة مؤسسات وبرامج دولية معنية بالصومال، وقد صدرت الدراسة تحت عنوان "الصومال: منهج جديد".

والنهاية لا يبقى لنا سوى الانتظار لنرى حجم تأثير مثل تلك الدراسات على السياسة الأميركية في المستقبل المنظور وفي ظل التراجع المستمر في قدرة الحكومة الصومالية على الدفاع عن نفسها أمام تقدم الإسلاميين.