Saturday, May 14, 2005

تشريح القومية الأمريكية
عرض بقلم: علاء بيومي

الناشر: تقرير واشنطن، 14 مايو 2005، حقوق الطبع والنشر محفوظة للناشر

نص العرض

مؤلف هذا الكتاب هو أناتول ليفين صحفي وكاتب بريطاني يعمل حاليا كباحث في معهد كارنيجي لأبحاث السلام بالعاصمة الأمريكية واشنطن، ويهدف الكتاب في جوهره لشرح الثقافة السياسية الأمريكية السائدة وكيف سمحت هذه الثقافة لإدارة الرئيس الأمريكي جورج دبليو بوش - بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر - باتخاذ بعض السياسات التي حظيت بمعارضة غالبية شعوب العالم وعلى رأسها حرب العراق

ويرى ليفين أن أحد التفسيرات الأساسية لسياسات بوش يكمن في الثقافة السياسة الأمريكية ذاتها وخاصة في تعريف وفهم الأمريكيين للقومية الأمريكية، إذ يعتقد ليفين أن القومية الأمريكية هي قومية من النوع الخطر لعدة أسباب مثل طبيعتها المثالية وقيامها في بعض الأحيان على أسس دينية، ولاحتواء القومية الأمريكية على أفكار كبرى متناقضة، وكذلك لأن القومية الأمريكية – كما يرى ليفين – هي قومية "لم تختبر"

إذ يعتقد ليفين أن القومية الأمريكية بصورتها الراهنة يندر أو يستحيل وجودها في بلدان العالم المتقدمة، فهو يشبه القومية الأمريكية بقوميات دول العالم الثالث الديكتاتورية وبقوميات الدول الأوربية في أواخر القرن التاسع عشر وقبل الحربين العالمية الأولى والثانية، وهنا يرى ليفين أن الحروب العالمية والأزمات الكبرى التي تعرضت لها الدول الأوربية بسبب قومياتها المتطرفة قادت هذه الدول لنبذ هوياتها الراديكالية الإستبعادية والبحث عن هويات أخرى جديدة أكثر تعددية ونقدا ذاتيا وتواضعا، في حين أن القومية الأمريكية – كما يرى ليفين – لم تمر بتحديات كبرى بحكم استمرارية المؤسسات والتقاليد الأمريكية الرئيسية وعدم خوض أمريكا حروب دولية كبرى على أراضيها، فباستثناء حرب فيتنام والهزة التي تعرضت لها القومية الأمريكية بسببها لم تتعرض القومية الأمريكية لأزمات كبرى، كما أن الحرب الباردة وصعود قوى اليمين في الولايات المتحدة ساعدا على إنهاء شعور الأمريكيين بالأزمة التي تعرضت لها قوميتهم بعد فيتنام

شعور قوى بالقومية الأمريكية

ويبدأ ليفين كتابه بالحديث عن مدى تعمق القومية الأمريكية في وجدان الشعب الأمريكي بشكل غير عقلاني في كثير من الأحيان مشيرا إلى بعض الإحصاءات الخاصة برؤية المواطن الأمريكي لبلده وعلاقتها بالعالم، إذ تشير بعض هذه الإحصائيات إلى أن غالبية الأمريكيين يعتقدون أن أمريكا تقدم 20% من ميزانيتها كمساعدات لدول العالم، في حين أن المساعدات الأمريكية للعالم تقل عن 1% من الميزانية الأمريكية، وتشير إحصاءات أخرى إلى أن 64% من الأمريكيين يشعرون بالحاجة لحماية أسلوب الحياة الأمريكية من التأثيرات الأجنبية، كما يشعر 72% من الأمريكيين بالفخر ببلدهم، ويشعر 71% من الأمريكيين الجمهوريين بأنهم وطنيون جدا، في حين يشعر 48% من الديمقراطيين بنفس الشيء، كما يشعر نصف الشعب الأمريكي تقريبا بأن إدارة الرئيس جورج دبليو بوش تراعي مصالح ورؤى حلفائها في العالم، كما يرى 60% من الأمريكيين تقريبا أن الثقافة الأمريكية أسمى من الثقافات الأخرى

ويرى ليفين أن الإحصاءات السابقة تجعل الشعب الأمريكي في مشاعره القومية أقرب من بلدان العالم الثالث التي تحكمها ديكتاتوريات تؤجج هذه المشاعر، كما تضع أمريكا بعيدا عن بقية البلدان الغربية التي تمتلك شعوبها رؤى أكثر توازنا ونقدا لبلدانها ولسياساتها ولثقافتها

وهنا يبدأ ليفين بتقديم حجة كتابه الرئيسية والخاصة بطبيعة القومية الأمريكية، حيث يعبر ليفين عن اعتقاده بأن طبيعة القومية الأمريكية هي التي سمحت للشعب الأمريكي بالاعتقاد في الرؤى السابقة عن نفسه وعن بلده، وهي التي سمحت للرئيس جورج دبليو بوش بالحصول على موافقة الشعب الأمريكي والطبقة الحاكمة على شن حرب العراق

إذ يرى ليفين أن القومية الأمريكية تتكون بشكل دائم من نظريتين أو مجموعتين كبيرتين من الأفكار الرئيسية المتضادة، ويطلق ليفين على أحدى هذه المجموعات "النظرية الأمريكية"، ويطلق على نقيضتها "النظرية الأمريكية المضادة"

ويعتقد ليفين أن "النظرية الأمريكية" و"النظرية الأمريكية المضادة" تعيشان معا في وجدان غالبية الشعب الأمريكي، وهو ما يعني أن الصراع على تعريف القومية الأمريكية هو صراع دائم لا ينتهي محكوم بموقف الشعب الأمريكي والنخب الحاكمة تجاه هذا الصراع، فغض النظر عن هذا النزاع والأطراف المشاركة فيه قد يؤدي إلى سير القومية الأمريكية في طريق مسدود يضر بأمريكا ومصالحها

النظرية الأمريكية

يستخدم ليفين مصطلح "النظرية الأمريكية" للتعبير عن الجانب الإيجابي من عناصر القومية الأمريكية والتي تسمى عادة "العقيدة المدنية الأمريكية" وترى هذه العقيدة أمريكا كبلد منفتح على العالم يقبل بالأخر ويتعامل معه بعقلانية وفقا لمبادئ الحرية والدستور والقانون والديمقراطية، ومن ثم تنادي هذه النظرية بالانفتاح على الأخر وبالتعددية وترفض الإمبريالية وتنادي بحق شعوب العالم في تحديد مصيرها

ويرى ليفين أنه يعيب هذه العقيدة إيمان الأمريكيين القوي بها لدرجة رفضهم لأي نقد موجهة للعقيدة المدنية الأمريكية وحالها حتى لو كان هذا النقد قادم من داخل الولايات المتحدة ومن الطبقات الحاكمة ذاتها، كما تختلط هذه النظرية برؤية مثالية لطبيعة الشعب الأمريكي كبلد برئ بطبيعته طيب مثالي يريد خير العالم اختاره الله لقيادة العالم لكل ما هو خير، وللأسف تدعم هذه المثالية نفسها برؤى دينية مسيحية وبقدر كبير من التعميم والإيمان بالمبادئ المطلقة وربطها بأمريكا دون فهم معانيها أو تطبيقاتها الواقعية

ويرى ليفين أن النخب الحاكمة في الولايات المتحدة عمقت هذه الرؤى في فكر ومشاعر المواطن الأمريكي من خلال المناهج التعليمية وذلك لحاجة هذه النخب لبعض الأساطير القومية التي يمكن أن توحد الأمريكيين حولها، وقد أدت هذه العوامل إلى امتلاك المواطن الأمريكي فهم سطحي وعام لتاريخ بلده يركز على الجانب المثالي من هذا التاريخ ويغفل الجوانب السلبية خاصة المتعلقة بخبرة الأقليات كالأفارقة الأمريكيين والهنود الحمر وفيما يتعلق بتاريخ سياسة أمريكا الخارجية وتبعاتها

إضافة لما سبق يؤمن الأمريكيون بقوة بأن أمريكا بلد صاحبة رسالة، فأمريكا من وجهة نظرهم بلد ليست كمثل بقية بلدان العالم، فهي بلد قائدة منقذة تقدم نموذج حضاري مثالي ينبغي على الآخرين تقليده، وهنا يؤكد ليفين على أن الأفكار السابقة ذات طبيعة خيرة ومثالية ولكنها أيضا أفكار سطحية ترفض النقد وترفض وجود بدائل لها، كما يرى ليفين أن هذه وجود هذه الأفكار يفسر غياب الجدل الحقيقي داخل أمريكا بخصوص قضايا السياسة الخارجية وضعف فهم الأمريكيين للعالم ولتاريخه، فالأمريكيين الذين يعتقدون أن بلدهم هو أكثر نموذج حضاري متقدم في العالم لا يشعرون بالحاجة لفهم تاريخ وخبرات الشعوب الأخرى

النظرية الأمريكية المضادة

وتزداد طبيعة القومية الأمريكية تعقيدا – كما يرى مؤلف الكتاب – عند أخذ "النظرية الأمريكية المضادة" في الحسبان، إذ يرى ليفين أن الوجه الرئيسي الثاني للقومية الأمريكية هو وجه شديد السلبية مليء بالمخاوف وبمشاعر القلق تجاه الآخر والناتجة عن الخبرة التاريخية السلبية لبعض الجماعات الكبرى المكونة للشعب الأمريكي، ويحدد ليفين هذه الجماعات في أربعة فئات رئيسية، وهي المواطنين الأمريكيين البيض من الأصول الأنجلو-ساكسونية، وسكان الجنوب الأمريكي البيض، والجماعات البروتستانتينية الأصولية، وبعض الأقليات والجماعات الإثنية وعلى رأسها اللوبي الموالي لإسرائيل

إذ يرى ليفين أن لكل جماعة من الجماعات السابقة ماضي أسود قائم في الولايات المتحدة أو في العالم لم يمحوه الزمن من ذاكرتها، مما جعلها حتى اليوم تشعر بالهزيمة والمرارة والألم المدفون في وعيها ونفسيتها

فالنسبة للبيض الأنجلو-ساكسون يرى ليفين أن الطبقة الأمريكية البيضاء عانت أشد المعاناة على مدى التاريخ الأمريكي بسبب عجلة الاقتصاد الرأسمالي الطاحنة وصراع الطوائف الدينية والإثنية البيضاء مع بعضها البعض وخبرتهم مع اليهود الحمر الذين استئصلوهم وخبرتهم مع العبيد الأفارقة، كل هذه العوامل جعلت الطبقة الأمريكية البيضاء المتوسطة تشعر بمرارة تاريخية لا تنتهي وبرغبة مستمرة في امتلاك أدوات القوة وعدم الانصياع لأحد

هذا الشعور يتركز في الجنوب الأمريكي والذي كان المقر الرئيسي لصناعة العبودية، والذي تعرض لهزيمة مذلة أمام الشمال الأمريكي في الحرب الأهلية الأمريكية والتي راح ضحيتها خمس رجال الجنوب، كما تميز أهل الجنوب بتجانسهم النسبي مقارنة بأهل الشمال وبعدم انفتاحهم على الأخر، وتتميز ثقافة الجنوب وتأثيرها على القومية الأمريكية بنوع من القسوة والخوف من الأخر ورفض الطبقات الثرية والمثقفة واضطهاد الأقليات والشعور بالاستعلاء العرقي، كما يشعر أهل الجنوب بالدونية الثقافية وبشعور دفين بالذنب على ممارستهم في حق الأفارقة

كما أن الجنوب هو مركز الحركات الدينية الأصولية التي انتشرت في أمريكا منذ السبعينات وأصبحت تمثل قوة سياسية لا يستهان بها حاليا إذ ينتمي ربع أعضاء الكونجرس الأمريكي تقريبا للتوجه الأصولي الأمريكي، ويضيف التدين للقومية الأمريكية قدرا من صرامة التقاليد والمعتقدات ومعاداة الأفكار العقلانية، ويزيد من شعور الأمريكيين بأنهم شعب صاحب رسالة يقف دائما على جانب الخير

أما الرافد الرابع "للنظرية الأمريكية المضادة" فهو الأقليات الأمريكية ذات الذاكرة التاريخية السلبية وعلى رأسها اليهود الأمريكيين، فشعور اليهود الأمريكيين بالمرارة لما تعرضوا له تاريخيا من مآسي دفعهم – كما يرى ليفين – لاستغلال وتضخيم بعض أسوء عناصر "النظرية الأمريكية المضادة" لصالحهم مثل الربط في عقلية المواطن الأمريكي بين إسرائيل والمستعمرين الأمريكيين الأوائل في مقابل تصوير الفلسطينيين على أنهم أشبه بالهنود الحمر كشعب بلا حقوق ينبغي استئصاله، واستغلال الدين لتعبئة الأصوليين الأمريكيين لمساندة إسرائيل، واستغلال شعور الأمريكيين بالذنب تجاه ما تعرض له اليهود من مآسي، وتحويل علاقة أمريكا بإسرائيل إلى قضية لا يمكن إخضاعها للنقاش العام

لذا يرى ليفين أن ممارسات اللوبي الموالي لإسرائيل تضر بأمريكا لسببين أولهما الأضرار بعلاقة أمريكا بالعالم الإسلامي وبأوربا والتي بدأت في رفض المساندة الأمريكية غير المشروطة لإسرائيل، أما السبب الثاني هو أن اللوبي الموالي لإسرائيل يضر بالثقافة السياسية الأمريكية وبالقومية الأمريكية بإحيائه وتضخيمه لبعض أسوء أبعادها

المستقبل

فيما يتعلق بالمستقبل يبدو ليفين متشائما حيث يرى أن الصراع بين العقيدة المدنية الأمريكية والنظرية الأمريكية المضادة حسم في الماضي لصالح الأولى بسبب رسوخ المبادئ والمؤسسات الديمقراطية في الولايات المتحدة، وبسبب عوامل أخرى مثل عدم تعرض أمريكا لتهديدات خطيرة على أراضيها، وعدم انخراطها طويل المدى في حروب خارجية، وقوة الاقتصاد الأمريكي النسبية، وهنا يرى ليفين أن العوامل السابقة تراجعت نسبيا خلال الفترة الأخيرة وخاصة منذ ولاية الرئيس جورج دبليو بوش والذي استغل هو وإدارته بعض أسوء أبعاد القومية الأمريكية لترويج سياسته، كما يرى ليفين أن أحداث 11/9 أفقدت التعددية الأمريكية توازنها لفترة، كما أن من شأن السياسات الأمريكية في الشرق الأوسط تعميق التردي في علاقة أمريكا بالعالم، هذا إضافة إلى التردي الراهن في الاقتصادي الأمريكي وزيادة مشاعر عدم الأمان الاقتصادي والاجتماعي في أوساط الطبقة الوسطي الأمريكية، ويرى ليفين أن العوامل السابقة قد تقود المواطن الأمريكي والقومية الأمريكية للأسف لتوجه أكثر راديكالية وتشددا، مما يؤكد حاجة أمريكا الشديدة لفكر قومي جديد يؤكد على الجوانب الإيجابية من العقيدة الأمريكية

Tuesday, May 10, 2005

المسلمون والتعددية الأمريكية منذ 11 سبتمبر
بقلم: علاء بيومي

الناشر: مجلة المعرفة، 10 مايو 2005، حقوق الطبع والنشر محفوظة للناشر


نص المقال

هدف هذا المقال هو تحديد تبعات أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001 على موقف أمريكا كدولة ومجتمع تجاه المسلمين كأحد الأقليات المكونة لهذا المجتمع، ولتحقيق هذا الهدف رأينا أن نبدأ المقال بمقدمة مختصرة عن الاختيارات الأساسية المتاحة أمام الدول والمجتمعات للتعامل مع الأقليات المكونة لها، والتي يلخصها المقال في خمسة اختيارات رئيسية وهي الاستبعاد والتسامح والدمج والصهر والتعددية، على أن نسلط الضوء بعد ذلك على وضع التعددية الأمريكية عشية أحداث الحادي عشر من سبتمبر وكيف وقعت هذه الأحداث في فترة تزايد فيها الجدل حول الأقليات وتأثيرها على المجتمع الأمريكي، وذلك على أن نركز في الجزء الأخير من المقال على رد فعل أمريكا كدولة ومجتمع تجاه الأقلية المسلمة الأمريكية بعد 11/9

مفاهيم أساسية: من الاستبعاد إلى التعددية

الدول والمجتمعات تتعامل مع الأقليات المكونة لها من خلال عدة بدائل أساسية، أو خمسة اختيارات رئيسية كما يرصدها هذا المقال

البديل الأول والأكثر سلبية هو الاستبعاد ونعني بذلك استبعاد الأغلبية لفكرة وجود جماعات متعددة داخل المجتمع مما قد يترتب عليه سعى الاستبعاديين لاستئصال الجماعات المختلفة عنهم، وترى ديانا إك أستاذة الأديان بجامعة هارفرد الأمريكية أن الاستبعاديين ليسوا غرباء عن المجتمع الأمريكي، فقد ظهرت على مدى التاريخ الأمريكي جماعات متعصبة للثقافة الأنجلو-بروتستانتينية رفضت وجود الأخر، ففي منتصف القرن التاسع عشر – على سبيل المثال - ركز الاستبعاديون الأمريكيون طاقتهم ضد الأقليات الكاثوليكية واليهودية حيث اتهموهم برفض الاندماج في المجتمع الأمريكي في الوقت الذي رفض في الإستبعاديون فكرة دمج هذه الأقليات من أساسه في المجتمع الأمريكي.
[i]

البديل الثاني والأقل إيجابية هو التسامح ولا يعني هذا المفهوم في الثقافة الأمريكي الكثير، إذ يرى ليو ريبفو الأستاذ بجامعة جورج واشنطن الأمريكية أن التسامح هو أمر ضروري ومفروض على الأمريكيين بحكم أن المجتمع الأمريكي بطبيعته هو مجتمع من المهاجرين، مما يفرض علي الجماعات المكونة للمجتمع الأمريكي في علاقاتها مع بعضها البعض قدر من التسامح المتبادل حتى تتمكن من العيش معا، ولكن هذا التسامح لا يعني الكثير.
[ii]

التسامح كما ترى ديانا إك يحدث غالبا من موقع قوة لا من موقع ضعف، وقد يدفع التسامح الأغلبية إلى التحكم في ذاتها وعدم الاعتداء على الأقليات ولكنه لا يقود إلى الفهم والاحترام المتبادل، كما أن علاقة التسامح – كما يرى ليو ريبفو - هي علاقة هشة ممكن أن تنهار في فترات الأزمات والحوادث القومية الكبيرة كأزمة الحادي عشر من سبتمبر 2001

البديل الثالث هو الاندماج، وهو يعني أن تترك الأقلية لتشارك في أكبر المؤسسات المكونة لمجتمعها، وتؤكد الخبرة التاريخية الأمريكية - كما يرى مصطفى مالك وهو باحث هندي مقيم في الولايات المتحدة - أن اندماج الأقليات في المجتمع الأمريكي يحدث بشكل تدريجي على فترات زمنية طويلة، فالأجيال الأولى المهاجرة من أي أقلية لا تتمكن من تحقيق الاندماج الكامل، والذي يتأتى فقط للأجيال الثانية وربما الثالثة، حيث يتم الاندماج على مراحل خاصة في أوساط الأقليات الدينية الأمريكية المتعددة عرقيا كاليهود والكاثوليك والمسلمين، فالأقليات الثلاثة السابقة تتكون من جماعات عرقية مختلفة، فالمسلمون - على سبيل المثال - يوصفون بأنهم أكثر الأقليات الدينية الأمريكية تعددية داخلية نظرا لأن المسلمين الأمريكيين يمثلون غالبية إن لم يكن جميع بلدان العالم تقريبا، ولكي تندمج أقلية كالأقلية المسلمة في المجتمع الأمريكي ينبغي عليها أن تحقق درجة من التجانس الداخلي وأن تقوم بنشر هوية مشتركة بين أعضائها أولا حتى يبدءوا في النظر لأنفسهم كجماعة مسلمة ذات هوية مشتركة وليس كمجموعات عرقية ووطنية وثقافية متعددة ومختلفة، وعندما يتحقق هذا التجانس فإنه سوف يساعد المسلمين على الاندماج في المجتمع الأمريكي كأقلية مسلمة أمريكا موحدة.
[iii]

بقى لنا أن نشير إلى أن اندماج أي أقلية في المجتمع الأمريكي ليس هبة تمنحها الأغلبية للأقلية، فالاندماج يحدث بعد كفاح ومجهود سياسي واقتصادي كبير، وخبرة الأفارقة الأمريكيين التاريخية وكفاحهم لنيل حقوقهم المدنية خير دليل على ذلك

البديل الرابع هو الصهر، وهو بديل مفضل للأغلبية التي تسعى لصهر الأقلية في المجتمع على المستويات الثقافية والدينية والعرقية، وذلك من خلال التزاوج والتبشير الديني والضغط الثقافي، وقد كان الصهر البديل المسيطر للنخب الأمريكية المسيطرة حتى النصف الثاني من القرن العشرين، حيث كان ينظر للمجتمع الأمريكي على أنه بوتقة صهر كبيرة تصهر أعراق الأقليات المختلفة وتحولها إلى نسيج أمريكي جديد واحد

ولكن الدراسات الأساسية في علم الاندماج الأمريكي – كدراسة عالم الاجتماع الأمريكي ميلتون جوردون الصادرة في منتصف الستينات من القرن الماضي بعنوان "الانصهار في الحياة الأمريكية: دور العرق والدين والأصل الوطني" – أكدت على أن للانصهار حدود، فالانصهار كما يرى جوردن يتوقف عند حدود كبرى وعلى رأسها الدين.
[iv]
فعلى سبيل المثال نجحت بوتقة الصهر الأمريكية تاريخيا في صهر الخلفيات العرقية والوطنية للمهاجرين الأوربيين الذين استقروا في أمريكا فلم يعد - بمرور الزمن - هناك وجود يذكر للهويات الوطنية للمهاجرين الأوربيين الأمريكيين – كالهوية الإيطالية أو الإنجليزية أو الفرنسية أو الألمانية حيث ذاب أبناء تلك الهويات في الأغلبية الأمريكية البيضاء، ولكن بوتقة الصهر الأمريكية فشلت في نفس الوقت في تحويل جميع هؤلاء المهاجرين إلى دين واحد، حيث ظلت الأديان الأمريكية التقليدية الكبرى كالبروتستانتينية والكاثوليكية واليهودية موجودة وقائمة وذات تأثير

البديل الخامس والأكثر إيجابية هو التعددية، ويقصد بالتعددية هنا أن تترك الأقليات لتندمج في المجتمع سياسيا واقتصاديا وأن تشارك في أكبر مؤسسات المجتمع الذي تعيش فيه دون أن يفرض عليها التخلي عن ثقافتها ودينها لصالح الثقافة والدين السائدين

وهنا تؤكد ديانا إك على أن التعددية رغم إيجابياتها هي عملية صعبة التحقيق بسبب طبيعة البشر وصعوبة تحقيق التناغم الكامل بين جماعات عديدة مختلفة، إذ تشبه ديانا إك التعددية بالآلات الموسيقية المتعددة التي تلعب لحنا واحدا معا، وهي بدون شك عملية صعبة تحتاج لمران طويل وليس من السهل الوصول إليها

لذا يلتمس محللين مثل بريما كورين - أستاذ علم الاجتماع بجامعة سيركيوس الأمريكية - قدرا من العذر للولايات المتحدة بحكم أنها واحدة من أكثر بلدان العالم تعددية خاصة على المستوى الديني، فحتى الأديان الأمريكية الكبرى كالمسيحية تمتع بتعددية داخلية كبيرة للغاية.
[v]

بقى لنا في نهاية هذا الجزء أن نشير إلى حقيقة هامة وهي أن وضع أقلية ما داخل مجتمع وموقف هذا المجتمع من تلك الأقلية من حيث استبعادها أو التسامح معها أو دمجها أو غير ذلك هو أمر تتحده بالأساس المؤسسات الكبرى بهذا المجتمع وعلى رأسها مؤسسات الدولة السياسية والتشريعية، فلو قامت دولة ما – على سبيل المثال – بإقرار سياسات أو تشريعات تنظم وضع الأقليات بها فمن شأن هذه القواعد المفروضة من قبل الدولة أن تترك تأثيرا شديد القوة على وضع الأقليات داخل هذا المجتمع.
[vi]

وهذا لا يقلل من دور المجتمع في مقابل دور الدولة في تحقيق الاندماج، فالمجتمع كأفراد ومؤسسات مدنية له دور كبير في نشر التفاهم والاحترام المتبادل بين الجماعات المشكلة له، ولكن عندما يترسخ التمييز في قوانين الدولة ومؤسساتها الكبرى والنخب المسيطرة يصبح من الصعب على المجتمع وحده أن يحقق التناغم المنشود

التعددية الأمريكية عشية الحادي عشر من سبتمبر

يرى تشارلز هيرشمان الأستاذ بجامعة واشنطن الأمريكية أن المجتمع الأمريكي في بدايته لم يكن متسامح أو متدين، فنسبة المتدينين في المجتمع الأمريكي في أواخر القرن الثامن عشر لم تتعدى الخمس، كما أن التسامح الديني لم يكن الخصلة السائدة بين أبناء الأديان الأمريكية، فبعض الطوائف الدينية البروتستانتينية التي هاجرت من أوربا بحثا عن حريتها الدينية في العالم الجديد لم تكن متسامحة مع غيرها على الإطلاق، لذا تعرض اليهود والكاثوليك وطوائف مسيحية أخرى غير بروتستانتينية لكثير من التمييز، وهنا يرى هيرشمان أن الصراع المستمر بين الطوائف الدينية الأمريكية هو الذي أدى إلى نشاط الكنائس الأمريكية في اجتذاب الأمريكيين للدين، كما أنه دفع بالطوائف الدينية المضطهدة إلى طلب مزيد من الحريات الدينية، وثم فإن الحرية والتعددية الدينية الأمريكية هي نتيجة للصراع بين الطوائف الدينية الأمريكية وليس العكس، كما يرى هيرشمان أن التعصب الديني في أمريكا لم يفوقه سوى التعصب العرقي.
[vii]

وبعد كفاح طويل نجحت الأقليات الدينية مثل الكاثوليك واليهود والأقليات العرقية مثل الأفارقة والأسيويين الأمريكيين في الحصول على مزيد من الحقوق والحريات داخل المجتمع الأمريكي وإن كانت أيضا قد تعرضت لقدر كبير من الانصهار

وقد بلغت ثورة الحقوق المدنية الأمريكية ذروتها في منتصف ستينات القرن العشرين ساعد على ذلك مرور المجتمع الأمريكي بعدد من التحولات الثقافية والاجتماعية والسياسية الكبرى، مثل حرب فيتنام، وثورة الأفارقة الأمريكيين لنيل حقوقهم المدنية، وانتشار الثورة الثقافية وأفكار اليسار في أوساط الشباب الأمريكي، وهي أفكار دفعت المجتمع الأمريكي نحو مزيد من النقد الذاتي

كما دفعت هذه التغيرات أمريكا نحو مزيد من التعددية، حيث ارتبطت هذه التعددية بفتح باب الهجرة أمام الأجانب للولايات المتحدة، وهنا يشير بريما كورين إلى أن تغير قوانين الهجرة في عام 1965 سمح بدخول حوالي ثلاثة أرباع مليون مهاجر جديد لأمريكا سنويا، وفي عقد التسعينات وحده دخل أمريكا تسعة ملايين مهاجر، ومع تراجع نسب الإنجاب في المجتمع الأمريكي تشير الإحصاءات حاليا إلى أن خمس المواليد الأمريكيين الجدد يولدون لأمهات أجنبيات، وتزيد هذه النسبة في مناطق تركز المهاجرين حيث يعيش 77 % من المهاجرين لأمريكا في ستة ولايات أساسية وهي كاليفورنيا ونيويورك وتكساس وفلوريدا ونيوجرسي وألينوني

لذا يعتقد كورين أن العقود الأخيرة شهدت واحدة من أكبر موجات الهجرة لأمريكا، والواضح أيضا أن هذه الموجة الحديثة تمتعت بقدر أكبر من الحقوق والحريات مقارنة بالموجات السابقة بفعل عدة عوامل أساسية على رأسها التعددية الثقافية التي سادت منذ الستينات والتي شجعت الأقليات والمهاجرين الجدد على الاحتفاظ بهوياتهم الثقافية والإثنية ورفض الذوبان في المجتمع الأمريكي، أضف إلى ذلك تطور وسائل الاتصال والمواصلات والتي سهلت للأقليات عملية الاتصال بأوطانهم وثقافاتهم الأصلية

إضافة إلى عامل ثالث هام وهو ظاهرة عودة الدين التي انتشرت في أمريكا والعالم منذ سبعينات القرن العشرين، حيث يرى تشارلز تشارلز هيرشمان أن الدين والتدين لعبا دورا متزايدا في تشكيل علاقة المهاجرين الجدد بالمجتمع الأمريكي، فالمجتمع الأمريكي بمرور الزمن أصبح متدين بشكل متزايد، كما رفضت الأديان الذوبان وأصبحت حواجز أساسية أمام بوتقة الصهر الدينية، كما تميزت المؤسسات الدينية الأمريكية بقدر كبير من القوة والموارد فهي مستقلة تمام الاستقلال عن الدولة، وهي في نفس الوقت قوية تتنافس على اجتذاب متدينين جدد، لذا تنشط المؤسسات الدينية الأمريكية في توفير عدد كبير من الخدمات الاجتماعية والثقافية والاقتصادية أحيانا للمهاجرين الجدد، وبسبب صدمة الغربة وحنين المهاجرين الجدد القوي لثقافاتهم ولغاتهم الأمن تمثل المؤسسات الدينية ملاذا أساسيا لهم

أما العامل الرابع والذي يشير له بريما كورين هو أن المهاجرين والأقليات لا يقفون مكتوفي الأيدي أمام الأغلبية فهم يسعون بشكل مستمر ومثابر للحصول على مزيد من الحريات والحقوق عن طريق تنظيم أنفسهم والعمل مع السياسيين وبناء التحالفات مع المهاجرين والأقليات الأخرى مشيرا إلى سعى المسلمين الأمريكيين المتزايد للعمل مع الأقليات الأخرى مما دفع كثير من السياسيين الأمريكيين مؤخرا للاعتراف بالإسلام والحديث عن الأديان السماوية الثلاثة – وليس المسيحية واليهودية فقط – كمصدر للقيم والمبادئ الأمريكية

على الجانب الأخر ارتبطت صعود العوامل السابقة التي دعمت التوجه نحو التعددية بالمجتمع الأمريكي بظهور عوامل أخرى مضادة خلال الفترة نفسها، وقد بدأت هذه العوامل في البلورة خلال العقدين الأخيرين من القرن العشرين، ويمكن وصف هذه العوامل بظاهرة صعود اليمين الأمريكي وخاصة بعض الفئات اليمينية التي رأت في التعددية الأمريكية خطرا على المجتمع

وليس هناك تفسير واحد لظاهرة صعود اليمين في أمريكا، فهناك من يرى أن أمريكا - وهي بلد به 200 قناة تلفزيونية دينية و1500 إذاعة دينية - هي أكثر بلدان الغرب تدينا وهي بلد متدين ومحافظ نسبيا بطبيعته وهي رؤية عبر عنها جون ميكلثويت وإدريان ولدريدج في كتابها الجديد الشهير "أمة اليمين".
[viii]

والرؤية السابقة هي رؤية يفضلها الكتاب الأمريكيين اليمينيين، فقد عبر صموئيل هنتينجتون في كتابة الجديد "من نحن؟ تحديات الهوية الوطنية الأمريكية" عن رفضه لفكرة أن أمريكا هي بلد من المهاجرين متعددي الأعراق والإثنيات والثقافات، ويرى على النقيض أن الأمريكيين الذين أعلنوا استقلال أمريكا عن الاستعمار البريطاني في أواخر القرن الثامن عشر الميلادي كانوا مجموعة متجانسة من المستوطنين البريطانيين البروتستانت الذين توافدوا إلى العالم الجديد من أوربا وخاصة بريطانيا لكي يستقروا في العالم الجديد ويعمروه للأبد، لذا ينظر هنتينجتون للمهاجرين الجدد ودعاوى اليسار الأمريكي للتعددية كتهديد للهوية الأمريكية كما يراها هو.
[ix]

وقد اتخذت ظاهرة صعود اليمين في أمريكا عدة مظاهر أساسية خلال العقدين الأخيرين من القرن العشرين مثل انتشار التدين وصعود النفوذ السياسي للجماعات المسيحية المتدينة، وسعى هذه الجماعات لتنظيم أنفسها سياسيا، وصعود نفوذ الجمهوريين في مجلسي النواب والشيوخ بالكونجرس الأمريكي، ورواج نظريات وأفكار يمينية على المستوى الأخلاق الأمريكي، ورواج بعض المفكرين من أصحاب الأفكار المعادية للمهاجرين والتعددية

من المهم هنا أن نؤكد على أن هذه العوامل لم تكن مرتبطة بحوادث الحادي عشر من سبتمبر، فالعوامل السابقة هي عوامل كبرى تبلورت في الولايات المتحدة على مدى عدة عقود، ومن ثم عندما وقعت أحداث سبتمبر فإنها لم تقع في فراغ فقد وقعت في مجتمع أمريكي يعيش فترة صراع متنامي بين قوي اليمين المتصاعدة وقوى اليسار التي سيطرت على المجتمع الأمريكي منذ الستينيات

المسلمون والتعددية الأمريكية بعد 11/9

في الجزء السابق من هذا المقال شرحنا وضع التعددية في المجتمع الأمريكي عشية أحداث الحادي عشر من سبتمبر وهو وضع تميز بقدر متزايد من الانفتاح والحرية اللذان اكتسبتهما الأقليات الأمريكية بعد كفاح طويل خاصة منذ منتصف الستينيات من القرن العشرين، وأوضحنا كيف بدأت التعددية الأمريكية تتعرض لتهديدات متنامية خلال العقدين الأخيرين من القرن العشرين بفعل صعود قوى اليمين الأمريكي

أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001 زادت من التهديدات التي تتعرض لها التعددية الأمريكية لسببين رئيسيين على الأقل، أولهما أن أحداث 11/9 والحرب على الإرهاب أضعفا دور المجتمع في مواجهة الدولة بالولايات المتحدة، وذلك كرد فعل لفترات الأزمات والتي تطلب وضع زيادة نفوذ الدولة ودورها في توجيه المجتمع وحشد طاقاته في فترات الحروب.
[x]

وقد ترتب على الظاهرة زيادة الطلب على تدخل الدولة والسلطات التنفيذية لضمان الأمن القومي الأمريكي حتى ولو أدى ذلك إلى الحد من بعض الحريات المدنية، حتى أن استطلاع أجراه في أواخر العام الماضي مركز أبحاث تابع لجامعة كورنيل الأمريكية كشف أن 44% من الأمريكيين يعتقدون أنه ينبغي على الحكومة الأمريكية التدخل للحد من حقوق مسلمي أمريكا المدنية.
[xi]

العامل الثاني هو صعود نوع من القومية الأمريكية الخطرة التي يمتزج فيها الدين بالقومية بمشاعر وأفكار مبسطة مثالية يرى فيها الشعب الأمريكي نفسه كشعب مثالي صاحب رسالة يقف في جانب الخير ولكنه في نفس الوقت ضحية مظلوم لا يفهمه الآخرون، وهي فكرة عبر عنها بوضوح باحث أمريكي يعمل بمعهد كارنيجي لدراسات السلام يدعى أناتول ليفين في كتاب أصدره حديثا عن القومية الأمريكية، ويرى ليفين أن خطورة هذه القومية تكمن في سذاجتها وفي خلطها القومية بالدين وفي سهولة استغلالها من قبل الساسة الأمريكيين لتعبئة الشعب الأمريكي ضد الأخر داخليا وخارجيا.
[xii]

وفي ظل العوامل والظروف السابقة يمكن القول أن وضع المسلمين كأقلية داخل المجتمع الأمريكي تأثر منذ أحداث سبتمبر على المستويات الأساسية التالية

على المستوى الإيجابي زاد الاعتراف الأمريكي الرسمي بالإسلام والمسلمين والمؤسسات الدينية الإسلامية كأجزاء أساسية من المجتمع الأمريكية، وقد أتي هذا الاعتراف من أعلى مستويات القيادة السياسية الأمريكية بما في ذلك الرئيس الأمريكي نفسه مما أغضب بعض القيادات اليمينية المتطرفة.
[xiii]

يمكن أيضا القول أن الأزمة زادت شعور المسلمين الأمريكيين بهويتهم وبالحاجة للتوحد والعمل معا والنشاط على المستويات السياسية والحقوقية للدفاع عن حقوقهم وحرياتهم

على الجانب السلبي زادت الأزمة من دعاوي الجماعات اليمينية المعادية للتعددية والأقليات والمهاجرين، ويجب هنا أن نوضح أن دعاوى تلك الجماعات السلبية لا تستهدف المسلمين وحدهم بل تستهدف أقليات أمريكية أخرى – كالأمريكيين اللاتينيين – بدرجة أكبر أحيانا، فكتاب صموئيل هنتينجتون السابق الإشارة إليه في هذا المقال استهدف الهجرات اللاتينية الأمريكية بشكل أساسي بحكم حجمهم الكبير وسرعة نمو أعدادهم في الولايات المتحدة مقارنة بالأقليات الأخرى

لكن المشكلة تكمن في أن الضغوط ولهجة العداء التي يتعرض لها المسلمون في أمريكا لا تتناسب بأي شكل من الأشكال مع حجم وجودهم في الولايات المتحدة، فالعداء للإسلام كما يري كتاب مثل أناتول ليفين يستغل أسوء استغلال إذ يتم تضخيم الخطر الإسلامي لتبرير أفكار يمينية متطرفة، وهي فكرة عبر عنها بصراحة هنتينجتون في كتابه الأخير إذ يتحدث هنتينجتون في غالبية كتابه عن خطر الهجرات اللاتينية الأمريكية على المجتمع الأمريكي بشكل أساسي، ولكنه رغم ذلك يروج في خاتمة كتابة لفكرة أن العداء للإسلام قد يمثل أداة لتوحيد الأمريكيين حول هويتهم

أضف إلى ذلك حقيقة هامة تشير إليها تقارير الحقوق المدنية الخاصة بالمسلمين الأمريكيين، وهي زيادة التمييز ضد حقوق المسلمين الأمريكيين من قبل مؤسسات الدولة والسلطة التنفيذية، إذ يشير أحدث التقارير الخاصة بحقوق المسلمين في أمريكا خلال عام 2003 والصادر عن مجلس العلاقات الإسلامية الأمريكية الأمريكية (كير) وهو أكبر مؤسسات الحقوق المدنية المسلمة الأمريكية إلى أن أماكن العمل كانت تمثل المصدر الأول من مصادر التمييز ضد مسلمي أمريكا حتى عام 2002 وهو العام الذي تساوت فيه أماكن العمل مع المؤسسات الحكومية كمصدر أول للتمييز ضد مسلمي أمريكا وفقا لتقارير كير، أما في عام 2003 فقد أتت المؤسسات الحكومية في المرتبة الأولى بنسبة 29 % من مجمل حوادث التمييز ضد مسلمي أمريكا في ذلك العام بينما حلت أماكن العمل ثانية بنسبة 23%

العامل الرابع هو أن أحداث سبتمبر أعطت فرصة لأصحاب التوجهات الاستبعادية والمعادية لمسلمي أمريكا لتصوير مسلمي الغرب بصفة عامة ومسلمي أمريكا بصفة خاصة على أنهم جماعات ترفض الاندماج في المجتمعات الغربية وتحمل قيما منافية لقيم الحرية والتعددية، في الوقت الذي يرفض فيه الاستبعاديون فكرة دمج المسلمين في المجتمعات الغربية من أساسه، بل أن أفكار الاستبعاديين قادت في أحيان كثيرة إلى التمييز ضد المسلمين والاعتداء عليهم.
[xiv]

وفي النهاية يجب أن نوضح أن الصورة الحقيقية لتبعات أحداث الحادي عشر من سبتمبر على موقف المجتمع الأمريكي من الأقلية المسلمة الأمريكية لم تتضح كاملة بعد، والسنوات القادمة سوف تكون هامة ومؤثرة في إيضاح تلك الصورة، كما أنه من المؤكد أن المسلمين الأمريكيين لن يقفوا مكتوفي الأيدي أمام الأحداث وسوف يكون لنشاطهم للدفاع عن حقوقهم ومكانتهم في المجتمع الأمريكي في الفترة الحالية أكبر الأثر على صياغة موقف المجتمع الأمريكي تجاههم لسنوات عديدة قادمة.
[i]
Diana L. Eck, New Religious America: Managing Religious Diversity in A Democracy: Challenges and Prospects for the 21st Century, Keynote Address delivered B\at MAAS International Conference on Religious Pluralism in Democratic Societies, Kuala Lumpur, Malaysia, August 2002.

[ii] Leo P. Ribuffo, If We Are All Multiculturalists Now, Then What? Reviews in American History, Baltimore: Dec. 2004, Vol. 32-4, p. 463.

[iii] Mustafa Malik, Muslims Pluralize the West, Resist Assimilation, Middle East Policy, Washington, Spring 2004,Vol. 11-1, p. 70.

[iv] Milton Gordon, Assimilation in American Life: The Role of Race, Religion, and National Origins, Oxford University Press, 1964.

[v] Prema Kurien, Intraduction: The Impact of Immigrants on American Institutions: The International Journal of Sociology and Social Policy, Patrington, 2004, Vol. 23-7/8, p. 1.

[vi] See for example: Gary P. Freeman, Immigrant Incorporation in Western Democracies: The International Migration Review. New Yor. Fall 2004, Vol. 38-3. p. 945.

[vii] Charles Hirschman, The Role of Religion in the Origins and Adaptation of Immigrant Groups in the United States, The International Migration Review, New York: Fall 2004, Vol-38-3, p. 1206.
[viii] John Micklethwait and Adrian Wooldridge, The Right Nation: Conservative Power in America, The Penguin Press, New York, 2004.

[ix] Samuel P. Huntington, Who Are We? The Challenges to America’s National Identity, Simon & Schuster, New York, 2004.

[x] Michael W. Spicer, The War on Terrorism and the Administration of the American State, Public Administration Review, Washington, Sep. 2002, Vol: 62, p. 63.

[xi] The Media & Society Research Group, MSRG Special Report: Restrictions on Civil Liberties, Views of Islam & Muslim Americans, Cornell University, New York, December 2004.

[xii] Anatol Lieven, American Right or Wrong: An Anatomy of American Nationalism, Oxford University Press, 2004.

[xiii] See for example: Stephen Mansfield, The Faith of George W. Bush, Penguin Group, New York, 2003.

[xiv] See for example: Paul Statham, Resilient Islam, Harvard International Review, Cambridge, Fall 2004, Vol. 26-3, p. 54.

Tom Tancredo, Immigration, Citizenship, and National Security: The Silent Invasion, Mediterranean Quarterly, 2004, Vol. 15-4, p. 4.

Raphael Cohen-Alnagor, Liberalism and the Limits of Multiculturalism, Journal of Canadian Studies, Peterborough, Spring 2001, Vol. 36-1, P. 80.