Saturday, May 14, 2005

تشريح القومية الأمريكية
عرض بقلم: علاء بيومي

الناشر: تقرير واشنطن، 14 مايو 2005، حقوق الطبع والنشر محفوظة للناشر

نص العرض

مؤلف هذا الكتاب هو أناتول ليفين صحفي وكاتب بريطاني يعمل حاليا كباحث في معهد كارنيجي لأبحاث السلام بالعاصمة الأمريكية واشنطن، ويهدف الكتاب في جوهره لشرح الثقافة السياسية الأمريكية السائدة وكيف سمحت هذه الثقافة لإدارة الرئيس الأمريكي جورج دبليو بوش - بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر - باتخاذ بعض السياسات التي حظيت بمعارضة غالبية شعوب العالم وعلى رأسها حرب العراق

ويرى ليفين أن أحد التفسيرات الأساسية لسياسات بوش يكمن في الثقافة السياسة الأمريكية ذاتها وخاصة في تعريف وفهم الأمريكيين للقومية الأمريكية، إذ يعتقد ليفين أن القومية الأمريكية هي قومية من النوع الخطر لعدة أسباب مثل طبيعتها المثالية وقيامها في بعض الأحيان على أسس دينية، ولاحتواء القومية الأمريكية على أفكار كبرى متناقضة، وكذلك لأن القومية الأمريكية – كما يرى ليفين – هي قومية "لم تختبر"

إذ يعتقد ليفين أن القومية الأمريكية بصورتها الراهنة يندر أو يستحيل وجودها في بلدان العالم المتقدمة، فهو يشبه القومية الأمريكية بقوميات دول العالم الثالث الديكتاتورية وبقوميات الدول الأوربية في أواخر القرن التاسع عشر وقبل الحربين العالمية الأولى والثانية، وهنا يرى ليفين أن الحروب العالمية والأزمات الكبرى التي تعرضت لها الدول الأوربية بسبب قومياتها المتطرفة قادت هذه الدول لنبذ هوياتها الراديكالية الإستبعادية والبحث عن هويات أخرى جديدة أكثر تعددية ونقدا ذاتيا وتواضعا، في حين أن القومية الأمريكية – كما يرى ليفين – لم تمر بتحديات كبرى بحكم استمرارية المؤسسات والتقاليد الأمريكية الرئيسية وعدم خوض أمريكا حروب دولية كبرى على أراضيها، فباستثناء حرب فيتنام والهزة التي تعرضت لها القومية الأمريكية بسببها لم تتعرض القومية الأمريكية لأزمات كبرى، كما أن الحرب الباردة وصعود قوى اليمين في الولايات المتحدة ساعدا على إنهاء شعور الأمريكيين بالأزمة التي تعرضت لها قوميتهم بعد فيتنام

شعور قوى بالقومية الأمريكية

ويبدأ ليفين كتابه بالحديث عن مدى تعمق القومية الأمريكية في وجدان الشعب الأمريكي بشكل غير عقلاني في كثير من الأحيان مشيرا إلى بعض الإحصاءات الخاصة برؤية المواطن الأمريكي لبلده وعلاقتها بالعالم، إذ تشير بعض هذه الإحصائيات إلى أن غالبية الأمريكيين يعتقدون أن أمريكا تقدم 20% من ميزانيتها كمساعدات لدول العالم، في حين أن المساعدات الأمريكية للعالم تقل عن 1% من الميزانية الأمريكية، وتشير إحصاءات أخرى إلى أن 64% من الأمريكيين يشعرون بالحاجة لحماية أسلوب الحياة الأمريكية من التأثيرات الأجنبية، كما يشعر 72% من الأمريكيين بالفخر ببلدهم، ويشعر 71% من الأمريكيين الجمهوريين بأنهم وطنيون جدا، في حين يشعر 48% من الديمقراطيين بنفس الشيء، كما يشعر نصف الشعب الأمريكي تقريبا بأن إدارة الرئيس جورج دبليو بوش تراعي مصالح ورؤى حلفائها في العالم، كما يرى 60% من الأمريكيين تقريبا أن الثقافة الأمريكية أسمى من الثقافات الأخرى

ويرى ليفين أن الإحصاءات السابقة تجعل الشعب الأمريكي في مشاعره القومية أقرب من بلدان العالم الثالث التي تحكمها ديكتاتوريات تؤجج هذه المشاعر، كما تضع أمريكا بعيدا عن بقية البلدان الغربية التي تمتلك شعوبها رؤى أكثر توازنا ونقدا لبلدانها ولسياساتها ولثقافتها

وهنا يبدأ ليفين بتقديم حجة كتابه الرئيسية والخاصة بطبيعة القومية الأمريكية، حيث يعبر ليفين عن اعتقاده بأن طبيعة القومية الأمريكية هي التي سمحت للشعب الأمريكي بالاعتقاد في الرؤى السابقة عن نفسه وعن بلده، وهي التي سمحت للرئيس جورج دبليو بوش بالحصول على موافقة الشعب الأمريكي والطبقة الحاكمة على شن حرب العراق

إذ يرى ليفين أن القومية الأمريكية تتكون بشكل دائم من نظريتين أو مجموعتين كبيرتين من الأفكار الرئيسية المتضادة، ويطلق ليفين على أحدى هذه المجموعات "النظرية الأمريكية"، ويطلق على نقيضتها "النظرية الأمريكية المضادة"

ويعتقد ليفين أن "النظرية الأمريكية" و"النظرية الأمريكية المضادة" تعيشان معا في وجدان غالبية الشعب الأمريكي، وهو ما يعني أن الصراع على تعريف القومية الأمريكية هو صراع دائم لا ينتهي محكوم بموقف الشعب الأمريكي والنخب الحاكمة تجاه هذا الصراع، فغض النظر عن هذا النزاع والأطراف المشاركة فيه قد يؤدي إلى سير القومية الأمريكية في طريق مسدود يضر بأمريكا ومصالحها

النظرية الأمريكية

يستخدم ليفين مصطلح "النظرية الأمريكية" للتعبير عن الجانب الإيجابي من عناصر القومية الأمريكية والتي تسمى عادة "العقيدة المدنية الأمريكية" وترى هذه العقيدة أمريكا كبلد منفتح على العالم يقبل بالأخر ويتعامل معه بعقلانية وفقا لمبادئ الحرية والدستور والقانون والديمقراطية، ومن ثم تنادي هذه النظرية بالانفتاح على الأخر وبالتعددية وترفض الإمبريالية وتنادي بحق شعوب العالم في تحديد مصيرها

ويرى ليفين أنه يعيب هذه العقيدة إيمان الأمريكيين القوي بها لدرجة رفضهم لأي نقد موجهة للعقيدة المدنية الأمريكية وحالها حتى لو كان هذا النقد قادم من داخل الولايات المتحدة ومن الطبقات الحاكمة ذاتها، كما تختلط هذه النظرية برؤية مثالية لطبيعة الشعب الأمريكي كبلد برئ بطبيعته طيب مثالي يريد خير العالم اختاره الله لقيادة العالم لكل ما هو خير، وللأسف تدعم هذه المثالية نفسها برؤى دينية مسيحية وبقدر كبير من التعميم والإيمان بالمبادئ المطلقة وربطها بأمريكا دون فهم معانيها أو تطبيقاتها الواقعية

ويرى ليفين أن النخب الحاكمة في الولايات المتحدة عمقت هذه الرؤى في فكر ومشاعر المواطن الأمريكي من خلال المناهج التعليمية وذلك لحاجة هذه النخب لبعض الأساطير القومية التي يمكن أن توحد الأمريكيين حولها، وقد أدت هذه العوامل إلى امتلاك المواطن الأمريكي فهم سطحي وعام لتاريخ بلده يركز على الجانب المثالي من هذا التاريخ ويغفل الجوانب السلبية خاصة المتعلقة بخبرة الأقليات كالأفارقة الأمريكيين والهنود الحمر وفيما يتعلق بتاريخ سياسة أمريكا الخارجية وتبعاتها

إضافة لما سبق يؤمن الأمريكيون بقوة بأن أمريكا بلد صاحبة رسالة، فأمريكا من وجهة نظرهم بلد ليست كمثل بقية بلدان العالم، فهي بلد قائدة منقذة تقدم نموذج حضاري مثالي ينبغي على الآخرين تقليده، وهنا يؤكد ليفين على أن الأفكار السابقة ذات طبيعة خيرة ومثالية ولكنها أيضا أفكار سطحية ترفض النقد وترفض وجود بدائل لها، كما يرى ليفين أن هذه وجود هذه الأفكار يفسر غياب الجدل الحقيقي داخل أمريكا بخصوص قضايا السياسة الخارجية وضعف فهم الأمريكيين للعالم ولتاريخه، فالأمريكيين الذين يعتقدون أن بلدهم هو أكثر نموذج حضاري متقدم في العالم لا يشعرون بالحاجة لفهم تاريخ وخبرات الشعوب الأخرى

النظرية الأمريكية المضادة

وتزداد طبيعة القومية الأمريكية تعقيدا – كما يرى مؤلف الكتاب – عند أخذ "النظرية الأمريكية المضادة" في الحسبان، إذ يرى ليفين أن الوجه الرئيسي الثاني للقومية الأمريكية هو وجه شديد السلبية مليء بالمخاوف وبمشاعر القلق تجاه الآخر والناتجة عن الخبرة التاريخية السلبية لبعض الجماعات الكبرى المكونة للشعب الأمريكي، ويحدد ليفين هذه الجماعات في أربعة فئات رئيسية، وهي المواطنين الأمريكيين البيض من الأصول الأنجلو-ساكسونية، وسكان الجنوب الأمريكي البيض، والجماعات البروتستانتينية الأصولية، وبعض الأقليات والجماعات الإثنية وعلى رأسها اللوبي الموالي لإسرائيل

إذ يرى ليفين أن لكل جماعة من الجماعات السابقة ماضي أسود قائم في الولايات المتحدة أو في العالم لم يمحوه الزمن من ذاكرتها، مما جعلها حتى اليوم تشعر بالهزيمة والمرارة والألم المدفون في وعيها ونفسيتها

فالنسبة للبيض الأنجلو-ساكسون يرى ليفين أن الطبقة الأمريكية البيضاء عانت أشد المعاناة على مدى التاريخ الأمريكي بسبب عجلة الاقتصاد الرأسمالي الطاحنة وصراع الطوائف الدينية والإثنية البيضاء مع بعضها البعض وخبرتهم مع اليهود الحمر الذين استئصلوهم وخبرتهم مع العبيد الأفارقة، كل هذه العوامل جعلت الطبقة الأمريكية البيضاء المتوسطة تشعر بمرارة تاريخية لا تنتهي وبرغبة مستمرة في امتلاك أدوات القوة وعدم الانصياع لأحد

هذا الشعور يتركز في الجنوب الأمريكي والذي كان المقر الرئيسي لصناعة العبودية، والذي تعرض لهزيمة مذلة أمام الشمال الأمريكي في الحرب الأهلية الأمريكية والتي راح ضحيتها خمس رجال الجنوب، كما تميز أهل الجنوب بتجانسهم النسبي مقارنة بأهل الشمال وبعدم انفتاحهم على الأخر، وتتميز ثقافة الجنوب وتأثيرها على القومية الأمريكية بنوع من القسوة والخوف من الأخر ورفض الطبقات الثرية والمثقفة واضطهاد الأقليات والشعور بالاستعلاء العرقي، كما يشعر أهل الجنوب بالدونية الثقافية وبشعور دفين بالذنب على ممارستهم في حق الأفارقة

كما أن الجنوب هو مركز الحركات الدينية الأصولية التي انتشرت في أمريكا منذ السبعينات وأصبحت تمثل قوة سياسية لا يستهان بها حاليا إذ ينتمي ربع أعضاء الكونجرس الأمريكي تقريبا للتوجه الأصولي الأمريكي، ويضيف التدين للقومية الأمريكية قدرا من صرامة التقاليد والمعتقدات ومعاداة الأفكار العقلانية، ويزيد من شعور الأمريكيين بأنهم شعب صاحب رسالة يقف دائما على جانب الخير

أما الرافد الرابع "للنظرية الأمريكية المضادة" فهو الأقليات الأمريكية ذات الذاكرة التاريخية السلبية وعلى رأسها اليهود الأمريكيين، فشعور اليهود الأمريكيين بالمرارة لما تعرضوا له تاريخيا من مآسي دفعهم – كما يرى ليفين – لاستغلال وتضخيم بعض أسوء عناصر "النظرية الأمريكية المضادة" لصالحهم مثل الربط في عقلية المواطن الأمريكي بين إسرائيل والمستعمرين الأمريكيين الأوائل في مقابل تصوير الفلسطينيين على أنهم أشبه بالهنود الحمر كشعب بلا حقوق ينبغي استئصاله، واستغلال الدين لتعبئة الأصوليين الأمريكيين لمساندة إسرائيل، واستغلال شعور الأمريكيين بالذنب تجاه ما تعرض له اليهود من مآسي، وتحويل علاقة أمريكا بإسرائيل إلى قضية لا يمكن إخضاعها للنقاش العام

لذا يرى ليفين أن ممارسات اللوبي الموالي لإسرائيل تضر بأمريكا لسببين أولهما الأضرار بعلاقة أمريكا بالعالم الإسلامي وبأوربا والتي بدأت في رفض المساندة الأمريكية غير المشروطة لإسرائيل، أما السبب الثاني هو أن اللوبي الموالي لإسرائيل يضر بالثقافة السياسية الأمريكية وبالقومية الأمريكية بإحيائه وتضخيمه لبعض أسوء أبعادها

المستقبل

فيما يتعلق بالمستقبل يبدو ليفين متشائما حيث يرى أن الصراع بين العقيدة المدنية الأمريكية والنظرية الأمريكية المضادة حسم في الماضي لصالح الأولى بسبب رسوخ المبادئ والمؤسسات الديمقراطية في الولايات المتحدة، وبسبب عوامل أخرى مثل عدم تعرض أمريكا لتهديدات خطيرة على أراضيها، وعدم انخراطها طويل المدى في حروب خارجية، وقوة الاقتصاد الأمريكي النسبية، وهنا يرى ليفين أن العوامل السابقة تراجعت نسبيا خلال الفترة الأخيرة وخاصة منذ ولاية الرئيس جورج دبليو بوش والذي استغل هو وإدارته بعض أسوء أبعاد القومية الأمريكية لترويج سياسته، كما يرى ليفين أن أحداث 11/9 أفقدت التعددية الأمريكية توازنها لفترة، كما أن من شأن السياسات الأمريكية في الشرق الأوسط تعميق التردي في علاقة أمريكا بالعالم، هذا إضافة إلى التردي الراهن في الاقتصادي الأمريكي وزيادة مشاعر عدم الأمان الاقتصادي والاجتماعي في أوساط الطبقة الوسطي الأمريكية، ويرى ليفين أن العوامل السابقة قد تقود المواطن الأمريكي والقومية الأمريكية للأسف لتوجه أكثر راديكالية وتشددا، مما يؤكد حاجة أمريكا الشديدة لفكر قومي جديد يؤكد على الجوانب الإيجابية من العقيدة الأمريكية

No comments: