Thursday, December 27, 2007

جون إدواردز بين إعلاء القيم الليبرالية وتجاهل معاناة الفلسطينيين
مقال بقلم: علاء بيومي

الناشر:
الجزيرة نت، 27 ديسمبر 2007

نص المقال

متابعة مواقف جون إدواردز بخصوص الشرق الأوسط تثير علامات استفهام عديدة حول مواقف قيادات الحزب الديمقراطي تجاه قضايانا، وقدرة تلك القيادات على اتخاذ مواقف جريئة تنقذ السياسة الأميركية مما أخطاءها العديدة في التعامل مع المنطقة

مرشح الأمل والفقراء

فمتابعة مواقف إدواردز المختلفة تدفعك لتقدير مواقفه الداخلية الرامية لمساعدة الطبقات الأميركية الفقيرة والضعيفة سياسيا، إذا يفتخر إدواردز بجذوره الفقيرة وبكونه أول من حصل على تعليما جامعيا بأسرته، وأنه تربي بمدينة صغير مهمشة وتعلم بالمدارس الأميركية الحكومية، وبنى نفسه بنفسه حتى صار محاميا شهيرا كون ثروة كبيرة من تخصصه في قضايا التعويضات

ويفضل إدواردز تقديم نفسه كسياسي قادر على الحديث إلى البسطاء بلغة يفهمونها، وكرجل عصامي استطاع النجاح في الحياة العملية دون أن ينسى المستضعفين وقضاياهم، وكرجل صاحب مبادئ غير راغب في السلطة، فإدواردز لم يفكر جديا في السياسة إلا بعد وفاة ولده الأكبر وواد في عام 1996 في حادث سيارة مفاجئ، حيث عاش إدواردز قبل ذلك حياة عادية كمحامي ناجح يكسب الملايين من قضايا التعويضات التي أكسبته شهرة واسعة، ولكن بعد وفاة وواد مر إدواردز بفترة إعادة تقييم لحياته دفعته لعزلة ثم التوجه للعمل العام فتوجه للسياسة، وتركت زوجته – إليزابيث – المحاماة، وأنشئا معا مؤسسة تعليمية خيرية تحت اسم ابنهما المتوفي لتقديم منح دراسية للطلاب الفقراء، كما قررا إعادة الإنجاب من جديد لينجبا ثلاثة أطفال

ورشح إدواردز نفسه لانتخابات مجلس الشيوخ الأميركي في عام 1998 لينجح ويصبح عضوا بمجلس الشيوخ الأميركي بداية من عام أوائل 1999 وحتى استقالته في أواخر عام 2004

حصان أسود الانتخابات الرئاسية

وتشير التقارير أن إدواردز يعتمد في حملاته الانتخابية على ثروته الخاصة وعلى دعم أصدقاءه من المحامين الأثرياء له مما يجعله أقل اعتمادا على أموال جماعات اللوبي، وهو أمر يفتخر به إدواردز والذي يتحدث بشكل متزايد عن رفضه لسيطرة الشركات الكبرى على واشنطن

ومن أهم ما يميز حملات إدواردز الانتخابية جديتها وتنظيمها وقدرة إدواردز على التواصل مع الجماهير مما يجعله قادرا على التقدم بشكل مستمر سياسيا والصعود لأعلى في تلك الحملات، فقد خاض إدواردز معركة الترشيح للرئاسة الأميركية بنجاح كبير في عام 2004، حيث رشح إدواردز نفسه للمنافسة على ترشيح الحزب الديمقراطي للرئاسة الأميركية ولم يمض على وجوده في مجلس الشيوخ أكثر من أربعة سنوات، وعلى الرغم من قلة خبرته السياسية تمكن من التقدم على مرشحين كبار مثل هاورد دين - حاكم ولاية فيرمونت السابق - ووسلي كلارك - الخبير في مكافحة الإرهاب، وصار أهم المنافسين للسيناتور جون كيري والذي فاز بترشيح الحزب الديمقراطي واختار إدواردز نائبا له ليخوض معه الانتخابات الرئاسية، والتي لم تكلل بالنجاح

ويبدو أن التاريخ يعيد نفسه خلال موسم الانتخابات الرئاسية الحالية (2008)، فبعد أن استقال جون إدواردز عن عضوية مجلس الشيوخ الأميركي في 2005 عاد إدواردز إلى الأضواء مجددا بترشيح نفسه للمنافسة على ترشيح الحزب الديمقراطي للرئاسة، وذلك في مواجهة مرشحين أقوياء مثل هيلاري كلينتون وباراك أوباما واللذان يحظيان بشعبية واسعة، ويبدو أن إدواردز يسير بخطى منتظمة نحو الأمام، حيث تظهر الاستطلاعات المختلفة أنه ثالث المرشحين الديمقراطيين من حيث التأييد الجماهيري أو حجم التبرعات التي جمعها، وأن شعبيته في صعود يوما بعد يوم، وأنه قد يصبح حصان الانتخابات الأسود كما حدث في انتخابات عام 2004

أكثر جراءة ويسارية

ويقول البعض أن جون إدواردز العائد للسياسية والحملات الانتخابية يتميز هذه المرة بخطاب أكثر جراءة ويسارية، فليس لدى إدواردز ما يخسره أو يقيده، فإدواردز ليس عضوا بمجلس الشيوخ، كما أنه ثالث المرشحين بعد هيلاري وأوباما مما يدفعه للتشدد في خطابه أملا في جلب الأضواء والمساندين

ويرى البعض أن تشدد أوباما في خطابه اليساري المساند لحقوق الفقراء والمستضعفين يعود لخلفية إدواردز الفقيرة ولظروفه الشخصية وأنه يعكس قيمه الحقيقية، ويرى آخرون أنه محاولة لجذب الأضواء ليس أكثر في مواجهة هيلاري وأوباما الأكثر شعبية

ويشير البعض هنا إلى انضمام جو تريبي مدير حملة هاورد دين الرئاسية (2004) لحملة إدواردز الحالية (2008)، ويرى هؤلاء أن انضمام تريبي لحملة إدواردز - والدعم الكبير الذي يتلقاه من إليزابيث إدواردز كما يعتقدون - له دلالات هامة، فالمعروف عن تريبي يساريته وجماهيريته الواسعة وخطابه الحماسي في مساندة الفقراء والمستضعفين، وأنه لعب دورا في حشد تأييد الديمقراطيين لحملة هاورد دين والذي مال أكثر نحو اليسار ونحو التشدد ونحو معارضة حرب العراق، ويرى البعض أن انضمام تريبي لحملة إدواردز أكد توجهها نحو الخطاب اليساري الأكثر تشددا وحماسة

وينعكس هذا الخطاب على أجندة إدواردز الانتخابية والتي تركز على أربع قضايا أساسية وهي مكافحة الفقر وتوفير الرعاية الصحية لجميع الأميركيين وإزالة الإعفاءات الضريبية التي منحها جورج دبليو بوش للأثرياء والانسحاب من العراق، ويقول إدواردز أنه لديه خطط حقيقية لعلاج القضايا السابقة وخاصة الداخلية منها ويتحدى منافسيه تقديم خطط مشابهة أو مناظرة

ولا ينسى إدواردز انتقاد سياسة بوش الداخلية خاصة على مستوى الحقوق المدنية، ويجب هنا الإشارة إلى أن إدواردز صوت لقانون الوطنية المعني بمكافحة الإرهاب "باتريوت آكت" والذي تعرض لانتقادات واسعة بسبب شموله على بنودا تعد انتهاكا للحريات المدنية الأميركية، ولكن إدواردز عاد وأكد على خطأ تلك الانتهاكات وعلى ضرورة حماية الحريات الأميركية في أوقات الأزمات

مهادنة دولية

يسارية إدواردز على الساحة الداخلية تزامنت مع تبنيه خطابا أكثر مهادنة على المستوى الدولي، حيث يطالب إدواردز بسياسة أميركية أكثر احتراما للحلفاء وتحاورا مع الأعداء وعلى رأسهم كوريا الشمالية وإيران وسوريا، حيث يرى إدواردز أنه كرئيس لأميركا لن يتردد في الحوار مع دولة كإيران، ولن يتردد في فتح باب الحوار مع إيران وسوريا بخصوص العراق وإمكانية أن تقوم الدولتان بدعم استقرار العراق، فهو يرى أن مشكلة السياسة الأميركية حالية هو أنها ترفض الحوار وتلوح العصى الأميركية وحدها ولا تلوح بالجزرة، ويرى أن الحل الأفضل في التعامل مع دول كإيران وكوريا الشمالية هو الدخول في حوار جاد معها، وإغراءها بعدد من الحوافز التي يمكن أن تستفيد منها كالاستثمارات والمساعدات الاقتصادية في حالة تخليها عن برامجها المعارضة للسياسة الأميركية، وذلك مع الإبقاء على جميع الخيارات مفتوحة – بما في ذلك خيار استخدام القوة العسكرية – أمام الرئيس

وينادي إدواردز بسياسة أميركية خارجية تعكس القيم وبالمبادئ الأميركية من خلال احترام المعاهدات الدولية ودعمها، والعمل مع المجتمع الدولي لمكافحة التهديدات الدولية مثل الدول الفاشلة والفقر والإرهاب، ونشر الديمقراطية عبر العالم من خلال بناء مؤسسات المجتمع المدني بالدول النامية ودعم تلك المؤسسات دون الإسراع في عقد انتخابات، وربط المساعدات الأميركية للدول الأجنبية بالتزام تلك الدول بالديمقراطية، وهنا يدعم إدواردز بناء منظمة للأمن والتعاون بالشرق الأوسط تدعم المجتمعات المدنية وتنشر الديمقراطية بالدول العربية على غرار مؤسسة الأمن والتعاون الأوربية والتي عملت على دعم مجتمعات أوربا الشرقية ودفعها نحو الديمقراطية

العراق

وتنطبق مواقف إدواردز اليسارية السابقة على موقفه تجاه العراق، ومن المعروف هنا أن إدواردز أيد قانون استخدام القوة العسكرية ضد العراق وتحدث في أكثر من مناسبة عن الخطر الذي كان يمثله نظام صدام حسين وعن سعيه لامتلاك أسلحة الدمار الشامل وعن ضرورة تغيير النظام العراقي، وهو أمر يندم عليه إدواردز حاليا، ويقول أنه أخطأ فيه وأن الفارق بينه وبين بعض منافسيه مثل هيلاري كلينتون أنه لن يدعم أي قرار لمساندة الحرب ضد العراق بعدما أدرك حقيقة الأوضاع هناك، ويرد عليه البعض هنا بتذكيره بأنه لم يعد عضوا بمجلس الشيوخ الأميركي ولن يطلب منه أحد التصويت مجددا على مشاريع خاصة بحرب العراق

ومن الملاحظ أن إدواردز شكك قبل حرب العراق في قدرة الإدارة الأميركية على التخطيط والاستعداد لفترة ما بعد سقوط النظام العراقي، وينتقد إدواردز حكومة رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي لفشلها في التقدم نحو إيجاد حلي سياسي لمشكلة العراق، ويقول أنه لو أصبح رئيسا فسوف يسحب 40 ألف جندي أميركي من العراق فورا على أن يقوم بسحب غالبية القوات خلال عام أو عام ونصف من توليه الرئاسة، ولكنه يعود ليؤكد على أنه سوف يبقى بعض القوات الأميركية بالعراق لفترة لضمان عدم وقوع حرب مدنية في العراق أو تعرض العراق لاعتداءات من جيرانه، وهو أمر يصفه منتقدي إدواردز بالتناقض

التشدد وإغفال حقوق الفلسطينيين

التناقض بخصوص العراق ليس النقد الوحيد الذي يمكن أن يوجه إلى مواقف إدواردز الخارجية، فالواضح أن أجندة وخطاب إدواردز على مستوى الداخلي تتعارض بحد كبير مع أجندته على المستوى الدولي كلما اقتربنا من بلدان الشرق الأوسط وخصوصا من الصراع العربي الإسرائيلي، فعلى سبيل المثال يبدي إدواردز تشددا واضحا ضد المملكة العربية السعودية متهما إياها بعدم فعل ما يكفي لمكافحة الإرهاب، ويعارض صفقة تذويد المملكة بأسلحة أميركية يقدر ثمنها بعشرين مليار دولار والتي أعلن عنها مؤخرا، ويحث على تقليل اعتماد أميركا على نفط الشرق الأوسط

أما التناقض الأكبر فيتعلق بموقف إدواردز تجاه حقوق الشعب الفلسطيني، إذ لا يفوت إدواردز فرصة لتأكيد التزامه بحماية أمن إسرائيل والتي زارها أكثر من مرة، بترتيب من منظمات لوبي إسرائيل أحيانا، وعلى ضرورة أن تحمي إسرائيل نفسها ضد هجمات الجماعات الفلسطينيين وعلى حق إسرائيل غير المقيد في الرد على تلك الهجمات، وبذلك يحيد إدواردز عن بعض مواقف الديمقراطيين التي كانت تحمل إسرائيل مسئولية متساوية مع الفلسطينيين في وقف دائرة العنف

كما يعلن إدواردز مساندته لأكثر من سياسة يمينية متشددة مثل سياسات الانسحاب الأحادي، وحائط الفصل، وخارطة الطريق، وجميعها سياسات طبقت خلال فترة حكم شارون وبالتعاون مع إدارة جورج دبليو بوش وثبت فشلها لأسباب مختلفة

ويقول إدواردز أنه كرئيس لأميركا سوف يتبنى دبلوماسية نشطة لإحياء عملية السلام وسوف يقوم كرئيس للولايات المتحدة بزيارة المنطقة وإرسال وزير خارجية تكرارا وتعيين مبعوث خلال بالشرق الأوسط من أجل أحياء عملية السلام كما سيقوم بدعم القوى المساندة للسلام داخل السلطة الفلسطينية

ولكن إدواردز لا يقدم شرحا واضحا للخطوات المحددة التي سوف يتخذها مبعوثيه لإحياء عملية السلام، ولا يتحدث عن دور إسرائيل نفسها في إحياء السلام، فهو يكاد يلقى اللوم الكامل على الفلسطينيين ويتناسى حقوقهم، ويرفض الضغط على إسرائيل

وهنا تظهر ازدواجية مواقف قيادات الحزب الديمقراطي في الولايات المتحدة ففي الوقت الذي ينادي فيه بعض هؤلاء بالحقوق والحريات المدنية داخل أميركا وبمساعدة المستضعفين حول العالم، نجدهم يتجاهلون حقوق شعوب العالم العربي لأسباب مختلفة ليس هذا محل تفنيدها

-----

مقالات ذات صلة

ترويض أوباما

إليوت إبرامز: أخر قلاع المحافظين الجدد في الإدارة الأميركية

من يحكم إميركا؟

Wednesday, December 12, 2007

مسلمو وعرب أميركا .. وقفة مع نقد الذات
بقلم: علاء بيومي

الناشر:
الجزيرة نت، 12 ديسمبر 2007

نص المقال

النقد الذاتي عادة من علامات النضج والثقة في النفس يجب تشجيعها لدي أي جماعة أو كيان بشري ما دامت تتم بنية حسنة، وبهدف التجميع لا التفريق، والنصح لا الذم، والتشجيع لا تثبيط الهمة

كما أن مسلمي وعرب أميركا أقلية هامة تفخر بكونها حلقة صلة بين كيانين هائلين – أميركا من ناحية والعالمين العربي والإسلامي من ناحية أخرى، كما تفخر بسعيها للجمع بين أفضل ما يمثله الكيانين من قيم مستفيدة بما تمتلكه موارد بشرية تتميز بالشباب وبالتعليم وبالتعددية وبجذورها العربية والإسلامية الراسخة وبالعيش داخل مجتمع غربي متقدم، وهي ظروف يصعب توافرها في لدى عدد كبير من الجماعات المسلمة أو العربية أو الأميركية الأقل حظا

من هذا المنطلق رأينا أن ننظر في مقالنا هذا داخل المجتمع المسلم والعربي الأميركي ذاته للوقوف على عدد من القضايا المحورية التي تمثل تحديات ضخمة نابغة من داخل مسلمي وعرب أميركا أنفسهم، والتي يجب التوقف أمامها لدورها في التأثير سلبا أو إيجابا مستقبل مسلمي وعرب أميركا كأقلية ذات رسالة هامة كما يؤمن أبناءها

المثير في التحديات التي نود التحديث عنها في مقالنا هذا – كما سنرى تباعا – أنها تمثل ثنائيات ضخمة وتوازنات صعبة أمام المجتمعات المسلمة والعربية بشكل عام عبر العالم، تنعكس على الأقلية المسلمة والعربية الأميركية بشكل واضح، وتحتاج لسنوات وربما لعقود لعلاجها

وقد رأينا هنا أن نسلط الضوء عليها إيمانا بأن الشعور بالمشكلة وتوصيفها توصيفا دقيقا هما أول خطوات علاجها

العلماني في مقابل الديني

الثنائية الأولى هو ثنائية العلمانية في مقابل التدين، فالواضح أن الأقلية المسلمة والعربية في أميركا مرت بمرحلة تدين منذ سبعينات القرن الماضي قادت إلى صعود ما يسمى بالمنظمات والتجمعات المسلمة الأميركية والتي باتت تشكل نسبة لا يستهان بها من مؤسسات وكيانات المسلمين والعرب في أميركا، وذلك على حساب المنظمات الثقافية والعرقية واللغوية التي كانت تمثل تلك الأقليات والتي تراجعت نسبيا خلال الفترة ذاتها

ويعود ذلك لأسباب مختلفة ليس هنا محل الاستفاضة فيها، فهي لا تختلف كثيرا عن أسباب صعود الدين والتدين في العالمين العربي والإسلامي بل وفي العالم الغربي ذاته خلال نفس الفترة، فالتيارات الدينية تعيش مرحلة صعود منذ أربعة عقود عبر العالم، والأقلية المسلمة والعربية الأميركية لا تمثل استثناءا في ذلك

ما هو استثنائي هو أن الخطاب السائد في أوساط المسلمين والعرب الأميركيين خطاب يدعو للوحدة في ظل الضغوط الراهنة، كما يدعو للتعالي عن المشاكل التي قسمت العالمين العربي والإسلامي وعلى رأسها الصراع العلماني - الديني، وللاستفادة من خبرة التعايش الأميركي في هذا المجال، فجزء كبير من التيار الليبرالي السائد في أميركا تيار علماني بالأساس ولكن الكثير من أبنائه تخطو ثنائية العلمانية في مقابل الدين، وباتوا من مناصري حرية العقيدة بغض النظر عن طبيعتها، والتسامح بغض النظر عن الطرف الضعيف، وذلك في مقابل التيارات الأميركية المتشددة والتي تنظر للأخر نظرة سلبية مغلقة بغض النظر عن خلفيتها ولأسباب مختلفة بعضها ديني والأخر علماني وكثير منها عنصري رافض للأخر المختلف بشكل عام

هذا يعني أن بعض الجماعات الأميركية الليبرالية تمثل نموذجا يجب الاستفادة منه في التعايش بين الديني والعلماني، وتوفر دروسا يجب تعلمها من قبل بعض القيادات المسلمة والعربية المتشددة في هذا المجال، فالمعايش لمسلمي وعرب أميركا وهمومهم يصعب عليه آلا يمر يوما من الأيام بعربي أو مسلم علماني ينظر نظرة دونية لأخيه المتدين على أساس أن تدينه يمثل الرجعية والانعزال، وذلك بغض النظر عن الخلفية التعليمية والوظيفية للشخص المتدين ودرجة نشاطه السياسي والمدني

في المقابل ينظر بعض المسلمين والعرب المتدينين المتشددين إلى أخيهم العلماني على أنه الأخر الذي لا ينتمي لملتهم والداعي للانحلال والتفريط، وذلك بغض النظر عن قناعاته الشخصية ومدى نشاطه في دعم حقوق وقضايا مسلمي وعرب أميركا

وينسى الطرفان الظروف والهموم المشتركة التي يمر بها المسلمون والعرب في أميركا، والنموذج الذي تقدمه بعض الجماعات الأميركية الليبرالية في التعايش، وبأن هدف الأيدلوجيات السليمة المختلفة - الديني منها أو العلماني - هو توحيد البشر لا تفريقهم، وتقويتهم لا إضعافهم، وتشجيعهم على الانفتاح والتعايش لا الانغلاق والتحارب

الأبناء في مقابل الآباء

الكل يعلم أن مستقبل المسلمين والعرب في أميركا كأقلية مستقرة مندمجة قوية يتوقف على قدرة الجيل الراهن من قادتهم على الدفع بالجيل الثاني الشاب لمواقع القيادة على مختلف المستويات، وذلك لدرجة أن نجاح المنظمات المسلمة والعربية الأميركية ينظر إليه أحيانا بمعيار قدرة تلك المنظمات على اجتذاب الشباب إليها وتوليتهم مواقع قيادية فيها بأكبر قدر ممكن وفي أقصر فترة زمنية ممكنة، وذلك ضمن معايير أخرى لا تقل أهمية

وكثير ما تسمع الآباء المسلمين والعرب في أميركا يقولون أن السبب الرئيسي لبقائهم في الولايات المتحدة وتحملهم آلام الغربة ومشاكلها وقسوة الحياة بالمجتمع الأميركي الرأسمالي هو حرصهم على ضمان مستقبل أفضل لأبنائهم، وأن يبنوا في أبنائهم ما عجزوا عن تحقيقه، وأن يترجموا ذلك على المستوي الجماعي بمستقبل أفضل للمسلمين والعرب في أميركا وعبر العالم

في المقابل تجد وللأسف أن بعض شباب المسلمين والعرب في أميركا يمتلكون أفكار خرافية إن لم تكن عنصرية عن ماضيهم العربي والمسلم، وعن المهاجرين الجدد والجيل الأول (آبائهم) من مسلمي وعرب أميركا الذي كان سببا رئيسيا في وجدوهم من الأصل

ويعود ذلك لأسباب مختلفة تعود بشكل كبير لعقدة الشعور بالنقص التي يعاني من بعض المسلمين والعرب تجاه كل ما هو أميركي أو غربي وهي عقدة تعود بشكل كبير للماضي الاستعماري وتغذيها التيارات الأميركية والغربية العنصرية التي تحارب الأقليات والمهاجرين والمسلمين والعرب، وهي جماعات تنظر نظرية دونية للأخر وتطالبه بالانصهار لا بالاندماج، وتستخدم أدوات جماهيرية ضخمة ومؤثرة كالإعلام لترويج أفكارها على نطاق واسع وزرعها في عقول وقلوب المقيمين بأميركا بما في ذلك المهاجرين منهم

لذلك تجد أن بعض الآباء المسلمين والعرب لا يتوقفون عن نقد خلفيتهم وأبناء عشيرتهم أمام أبنائهم وبخلع كافة الصفات السلبية عليهم، وبتغذية مشاعر الاستعلاء لدي أبنائهم تجاه كل ما هو مسلم وعربي وأشعارهم بأنهم قادرين على قيادة القطيع المسلم والعربي بأقل جهد وهم مازالوا في مهدمهم، ثم يعود هؤلاء الآباء للتعجب من أن أبنائهم الأميركيين الذي أنفقوا حياتهم في رعايتهم باتوا نقمة عليهم لا نعمة، وباتوا تجسيدا لمشاعر الاستعلاء التي زرعوها فيهم منذ الصغر

ولعل علاج تلك المشكلة يتطلب حلا جماعيا يبدأ من الأسرة، ويقوم على تزويد الجيل الثاني بروافد ثقافية مستمرة تربطه بماضيه المسلم والعربي بشكل متوازن عقلاني لا تبريري ولا استعلائي، روافد تضمن زرع خصال القيادة الجماعية الرحيمة والمتوازنة في أبناء الجيل الثاني من مسلمي وعرب أميركا بشكل يضمن حماية مصالح الجيلين الأول والثاني على حد سواء والأجيال القادمة كذلك

الجماهير في مقابل السلطة

الثنائية الثالثة والأخيرة – التي نود الحديث عنها في مقالنا هذا - تتعلق بقيادات المسلمين والعرب في أميركا وبعلاقة تلك القيادات بالجماهير التي ينبغي عليهم تمثيلها وبقدرتهم على ذلك التمثيل، فقدرة القيادات المسلمة والعربية على القيادة خاصة على المستوي السياسي تتوقف على قدرتها على العمل من داخل المؤسسات الأميركية السياسية الكبرى وعلى أن تتحول بمرور الوقف لجزء لا يتجزأ من تلك المؤسسات، فلا يمكن بناء لوبي مسلم وعربي أميركا قوي اعتمادا على قيادات تربت وترعرعت خارج الولايات المتحدة أو بعيدا على مؤسسات المجتمع المدني الأميركي، فلو أردت أن تبني عيادة طبية ناجحة فعليك أن تحضر العاملين بها من كليات الطب ومعاهد التمريض، وكذلك لو أردت أن تبني لوبي مسلم وعربي أميركي قوي فعليك أن تحضر قياداته من البيت الأبيض والوزارات الأميركية والكونجرس

ولكن بشرط أساسي وهو أن تعبر تلك القيادات عن القواعد الجماهيرية المسلمة والعربية الأميركية وأن تنتمي إليها وتتواضع لها وأن تبحث عنها وعن قضاياها وتمثلها وآلا تستعلي عليها وتتقوي عليها بخلفياتها وخبراتها

والواضح هنا أن الأقلية المسلمة والعربية الأميركية مستهدفة وأن بعض الأقليات الأميركية المتشددة مصرة على تفرقة صفها وشق وحدتها من الداخل من خلال التدخل بموارد إعلامية ومالية وسياسية ضخمة لدعم طرف مسلم أو عربي على أخر، وهي حقيقة لا تخفيها تلك الجماعات والتي تتحدث بشكل متكرر عن رغبها في دعم جماعات مسلمة وعربية أميركية معينة ضد جماعات ومنظمات أخرى انطلاقا من أجندة تلك الجماعات الأميركية المتشددة، والتي تريد أن تصيغ الأقلية المسلمة والعربية الأميركية على شاكلتها بحيث تحولها من خلال قادتها إلى مسخ لا يدعم إلا ما تريده تلك الجماعات، والتي لا تناصر مسلمي وعرب أميركا إلا قليلا، والتي قد تدعم مصالح جماعات ونخب ودول مناهضة لهم في كثير من الأحيان

وبذلك يجد مسلمو وعرب أميركا أنفسهم أمام معادلة صعبة تخيرهم بين الاعتماد على قيادات نجحت في التوغل في المؤسسات الأميركية على حساب بيع نفسها وقضاياها وأبناء جلدتها، وبين الاعتماد على قيادات تعبر عنها وعن قضاياها ولكنها تفتقر للخبرة الكافية التي تؤهلها للدفاع عن تلك القضايا والمصالح بشكل فعال وناجح

حل سهل ممتنع

في نهاية هذا المقال يجب التأكيد على حقيقة هامة تعرضنا لها في بداية هذا المقال وعبر فقراته المختلفة، وهي أن التحديات السابقة لا تقتصر على مسلمي وعرب أميركا وحدهم فهي تحديات تشاركهم فيها أقليات أمريكية أخرى مرت بظروفهم ومعاناتهم بشكل متطابق تقريبا، بل وتشاركهم فيها المجتمعات المسلمة والعربية بدرجة كبيرة، والتي لم تتمكن بعضها من إيجاد حلولا شافية للتحديات الكبرى الثلاثة السابقة

وهذا يعني أن علاج تلك التحديات سيطول، فهي ثنائيات يستحيل حلها بين عشية وضحاها، وقد يعيش مسلمو وعرب أميركا بها لسنوات وربما لعقود، خاصة إذا أخذنا بعين الاعتبار أن علاج مشكلة فرد ما تحتاج لسنوات، فما بالك بعلاج مشكلة جماعة متنامية جديدة متغيرة تحيى ظروف صعبة ومتقلبة كالأقلية المسلمة والعربية في أميركا

كما أن تلك التحديات ليست بغريبة عن مسلمي وعرب أميركا وقادتهم، فهم واعون بها بكل تأكيد، وإنما أردنا من مقالنا هذا المساعدة في التوصيف وتشجيع البحث عن حلول، والحل سهل ممتنع يحتاج إلى تشخيص دقيق حاولنا بدايته في مقالنا هذا، فهو حل يلخص الخبرة المسلمة والعربية الأميركية القائمة على الجمع بين الماضي والحاضر، بين العربي والإسلامي من ناحية والأميركي من ناحية أخرى، بين القدرة على التعلم من التراث العربي والإسلامي والاستفادة من خبرة التعايش الأميركي وعدم الوقوع في فخي التشدد أو التفريط

مقالات ذات صلة

الخطاب المسلم الأمريكي السائد

مسلمو وعرب أميركا بين تبعات 11/9 والثورة اليمينية المضادة

صعود الإسلاموفوبيا بالمجتمعات الغربية: قراءة في أهم المظاهر والأسباب

إسلاموفوبيا أحزاب اليمين الراديكالي الأوربية الجديدة

النخب الغربية وإعاقة اندماج مسلمي الغرب

لماذا رفضت وسائل الإعلام الأمريكية إعادة نشر الرسوم المسيئة للرسول؟

Sunday, November 18, 2007

يهود أميركا ومؤتمر أنابوليس
بقلم: علاء بيومي

الناشر:
الجزيرة نت، 18نوفمبر 2007

نص المقال

مع اقتراب موعد انعقاد مؤتمر أنابوليس للسلام المقرر عقده في نهاية الشهر الجاري بمدينة أنابوليس بولاية ميرلاند الأميركية، ومع تزايد الجدل بخصوصه داخل أميركا وخارجها وفي أوساط القطاعات المعنية بسلام الشرق الأوسط عبر العالم، رأينا التركيز في هذا المقال على أبعاد الجدل الدائر وسط أحد أهم هذه القطاعات آلا وهم يهود أميركا المعروفون بتأثيرهم الكبير على مسار العلاقات العربية الإسرائيلية من خلال نشاطهم في الضغط على الولايات المتحدة من أجل مصلحة إسرائيل

ونحب أن نؤكد في بداية المقال على أننا لا ندعي تلخيص كل ما يدور في أوساط اليهود الأميركيين من جدل بخصوص مؤتمر أنابوليس، وإنما نسعى بالأساس لتسليط الضوء على بعض أهم معالم الجدل الدائر وسطهم حاليا، وخاصة فيما يتعلق بموقف يهود أميركا من لوبي إسرائيل المكون من الجماعات النشطة في مجال الضغط على الحكومة الأميركية لتشكيل سياستها تجاه إسرائيل والشرق الأوسط وعلمية السلام

قضايا يهودية لا إسرائيلية فقط

ومن المثير أن نجد في هذا التوقيت مقالات متزايدة إسرائيلية وأخرى أميركية يهودية تتحدث عن علاقة يهود أميركا بإسرائيل، وذلك لشعور كتاب هذه المقالات بخلاف يلوح في الأفق بين حكومة إيهود إولمرت وقطاعات هامة من يهود أميركا بخصوص بمؤتمر أنابوليس ونتائجه المتوقعة، لذا يتساءل هؤلاء الكتاب حول حق يهود أميركا في الاختلاف مع قرارات الحكومة الإسرائيلية المتعلقة بالمؤتمر المقبل، وهي قرارات مصيرية – كما يرونها - سوف تؤثر على مستقبل علاقة إسرائيل بالفلسطينيين، حيث تؤكد كاتبة إسرائيلية يمينية أن أي تنازلات يقدمها أولمرت للفلسطينيين حاليا - حتى لو كانت خطابية - سوف تعد سوابق تاريخية تشكل أسسا للمفاوضات مع الفلسطينيين في المستقبل

ولما أن هدف الفلسطينيين من المشاركة في مؤتمر أنابوليس هو مناقشة القضايا الجوهرية كحق العودة والقدس وتفكيك المستوطنات، بدأت منظمات يهودية أميركية في تعبئة مناصريها للوقوف ضد أي تنازلات إسرائيلية مرتقبة تتعلق بالقضايا السابقة وعلى رأسها القدس، مما دفع بعض المساندين والمعارضين لمثل هذه الحملات للتساؤل حول مدعى شرعيتها وشرعية الخلافات بين يهود أميركا وإسرائيل، وردا على ذلك أكدت أصوات يهودية أميركية رئيسية مثل إبراهام فوكسمان - رئيس عصبة مكافحة التشويه اليهودية الأميركية - على أن قضايا مثل القدس قضايا يهودية ملك لليهود جميعا عبر العالم وليس إسرائيلية فقط تخص إسرائيل وحدها

علة الانفصام والهوة الساحقة

أما أصل الخلاف بين يهود أميركا وحكومة أولمرت بخصوص مؤتمر أنابوليس، وهو أيضا جوهر الجدل الدائر حاليا في أوساط يهود أميركا، فيتعلق بالصراع بين مساندي المؤتمر ومعارضيه، أو بين مساندي عملية السلام الراهنة والقائمة بناء على اتفاقات أوسلو وحل الدولتين والمعارضين لها، أو بين معسكر السلام اليساري ومعسكر اليمين الرافض للسلام مع العرب

وهنا تشير كتابات عديدة إلى أن يهود أميركا في غالبيتهم يساريون مساندون للسلام واتفاقات أوسلو وحل الدولتين ولمواقف اليسار الإسرائيلي ولتوجهات اليسار الأميركي بحكم تصويت غالبية يهود أميركا للحزب الديمقراطي داخل أميركا، ودعمهم لأجندة اليسار الأميركي الليبرالية القائمة على العلمانية والحقوق المدنية واحترام الأقليات

في المقابل ترى المقالات نفسها أن سمة هوة كبيرة أو انفصام واضح بين أراء غالبية اليهود الأميركيين ورغبتهم في السلام وفي دولة إسرائيلية تطبق القيم التي تدعيها من ناحية وبين سلوكهم السياسي من ناحية أخرى، فسلوكهم يصب في غالبيته في صالح مساندة إسرائيل وحكوماتها بغض النظر عن مواقفها وعلاقة تلك المواقف بمصلحة أميركا أو إسرائيل البعيدة، حتى أن أحد الكتاب أعرب عن اعتقاده - المخلوط بالدهشة والتعجب العميقين - من أن بعض يهود أميركا يؤيدون معسكر مؤيدي السلام ومعسكر معارضيه داخل إسرائيل بدرجة 100% وهو أمر يحتوي على تناقض خطير

تحالفات لوبي إسرائيل

وسبب هذا التناقض أن لوبي إسرائيل وهي المنظمات التي تسيطر على يهود أميركا سياسيا يقف في غالبيته موقفا يمينيا متشددا - أقرب من الجناح اليميني المتشدد بإسرائيل الرافض للسلام بناء على أوسلو - ويسعى للتحالف مع القوي اليمينية داخل الولايات المتحدة، حيث يدفعان أميركا معا إلى سياسات متشددة تجاه الشرق الأوسط بشكل عام بما في ذلك السعي للضغط على إيران وسوريا بما يغلق باب الدبلوماسية معهما، والسعي إلى عزل حماس وسوريا بما لا يسمح بدمجهما في عملية السلام والتي لن تكتمل دونهما، والتشدد ضد الدول العربية بشكل عام، بل والاستفادة من صعود ظاهرة الإسلاموفبيا في أميركا كما يرى البعض

إذا تشير الكتابات المعنية إلى أن ما يطلق عليه لوبي إسرائيل بات يتشكل من جماعات أربعة رئيسية

أولها: غالبية المنظمات اليهودية الأميركية المعنية بالشئون العامة والسياسية، وعلى رأسها لجنة الشئون العامة الأميركية الإسرائيلية (الإيباك) والتي تعد ثاني أهم جماعات اللوبي نفوذا بالولايات المتحدة، والتي تسيطر بالتعاون مع المنظمات اليهودية الأميركية الكبرى المتحالفة معها سيطرة شبه كاملة على القرار والصوت السياسي اليهودي الأميركي

ثانيا: تتحالف المنظمات السابقة بشكل متزايد مع قوي المسيحيين الإنجليكيين المتدينين بالولايات المتحدة، والذي يعرفون في كتابات أخرى بلقب "المسيحيين الصهاينة"، وهي قوى كبيرة تقدر أعدادها بحوالي 50 مليون أميركي، ويقلق تحالفها مع منظمات لوبي إسرائيل الكثيرين من يهود أميركا أنفسهم، وذلك لأن المسيحيين الصهاينة ليسوا ليبراليين ولأن مواقفهم المساندة لإسرائيل تعتمد على نبوءات دينية تبشر بحروب نهاية الزمان والتي تشهد القضاء على اليهود أو اعتناقهم للمسيحية

ثالثا: الجماعات الجمهورية المنغلقة والتي تتبنى سياسات خارجية متشددة تهمش الدبلوماسية وتعلي من أهمية القوة الأميركية كملاذ أول وأخير في مواجهة الآخرين ضمن ما يسمى بالحرب على الإرهاب وغيرها من الصراعات الخارجية التي تدور حولها أفكار تلك الجماعات

رابعا: تقود الجماعات السابقة في الفترة الحالية قوى المحافظين الجدد والتي يقودها قادة علمانيون بالأساس وبعضهم يهود يرفضون اتفاقات أوسلو وعملية السلام القائمة برمتها وذلك انطلاقا من عدم ثقتهم في العرب أو في إمكانية الوصول للسلام معهم حاليا

سلام قائم على القوة

ويصعب القول أن القوى السابقة تتبنى تصورا واحدا للسلام المثالي مع العرب كما تراه هي، فقوى المسيحيين الصهاينة تؤمن بأفكار دينية يصعب أن يؤمن بها قيادات لوبي إسرائيل والمحافظين الجدد العلمانية، كما أن قوى الجمهوريين المتشددة قد لا تمتلك رؤى واضحة لسلام الشرق الأوسط أصلا مما يجعلها فريسة لنزعاتها العدوانية من ناحية ولجهلها من ناحية أخرى

أما قوى لوبي إسرائيل والمحافظين الجدد فتبدو أنها تعارض الضغط على إسرائيل بأي شكل من الأشكال متفقة في ذلك مع غالبية يهود أميركا، ولكن الفارق هنا يكمن – كما تشير بعض الكتابات – في أن لوبي إسرائيل يريد سلاما قائما على القوة الأميركية والإسرائيلية وتغيير مواقف العرب لا سلاما قائما على المفاوضات والتنازلات المتبادلة

ويعبر عن ذلك التوجه بعض أهم مفكري المحافظين الجدد وعلى رأسهم أشخاص مثل نورمان بودهوريتز – أحد مؤسسي التيار – وتشارلز كراوتهمر – أحد أشهر كتابه – وإليوت إبرامز – نائب مستشار الأمن القومي الأميركي حاليا وأحد أهم المحافظين الجدد بالإدارة الأميركية الراهنة

حيث يتفق الثلاثة في معارضتهم لاتفاقات أوسلو لعدم ثقتهم في العرب، حيث يصف كراوتهمر مقولة "المعتدلين العرب" بأنها "أسطورة" ليس لها أساس من الصحة، ويرى بودهوريتز أن محمود عباس مثل ياسر عرفات، فعباس سبق له العمل كمساعد لعرفات، وأن لا فرق بين الاثنين وبين أي قيادة فلسطينية أخرى، وأن المناداة بعيش الفلسطينيين بجوار الإسرائيليين في سلام بمثابة ترك الحمل "الإسرائيلي" بجوار الأسد "الفلسطيني" بلا حماية، ويرى إبرامز أن كلينتون سعى للضغط على إسرائيل للوصول لاتفاقية سلام مع العرب من أجل مصلحته الشخصية، ولكي يضيف لقب صانع السلام بين العرب وإسرائيل إلى سجله الشخصي

وقد رحب الثلاثة بصعود شارون الذي سعى لفرض السلام على العرب من منطلق القوة الإسرائيلية لا من منطلق المفاوضات وتقديم التنازلات للفلسطينيين، ويرى بودهوريتز أن بوش قام بتغيير معادلة الصراع العربي الإسرائيلي عندما ساوى بين الجماعات المسلحة الفلسطينية والقاعدة، مما وضع الفلسطينيين بموضع المسئول عن توقف عن عملية السلام وأنهى ما كان يقوم به كلينتون حين كان يساوي بين الفلسطينيين والإسرائيليين في مسئولية وقف العنف وتدهور المفاوضات

ولا يثق بودهوريتز أو كراوتهمر أو غالبية لوبي إسرائيل – فيما يبدو – في إيهود أولمرت حيث يرى هؤلاء أن أولمرت قائد فاشل ضعيف لا يرقى لمستوى شارون ولن يتمكن من فرض السلام الذي يريده هؤلاء، وهو سلام لن يتأتي – كما يرى بودهوريتز – إلا بتغيير العرب أنفسهم لمواقفهم تجاه إسرائيل

الشعور بالذنب وفشل لوبي السلام

في مقابل ما سبق يتساءل بعض الإسرائيليين واليهود الأميركيين حول "صمت" لوبي السلام اليهودي الأميركي وغيابه في مقابل الأصوات المتشددة السابقة، ويفسر هؤلاء أزمة لوبي السلام اليهود الأميركي بالأسباب التالية

أولا: يسيطر على يهود أميركا شعور قوي - يبدو مرضيا في عيون البعض – بالذنب تجاه إسرائيل والرغبة في مساندتها والدفاع عنها في أي حال من الأحوال، وهو شعور متأصل لدى القيادات اليهودية الأميركية بشكل عام – خاصة الكبار منهم في السن - يدفعهم لمكافحة وقمع أي جدل علني يثار حول إسرائيل أو سياستها وعلاقتها بأميركا حتى ولو كان جدلا يهوديا أميركا

ثانيا: سيطرة منظمات لوبي إسرائيل المتشددة على عملية تمثيل يهود أميركا لفترة طويلة مستفيدة من شعور يهود أميركا بالذنب والذي يدفعهم للصمت أو للمساندة، وتأييد أقلية من اليهود الأميركيين المتشددين لها، وهي أقلية مساندة لإسرائيل على طول الخط ولا تبالي بأي قضية أخرى سوى إسرائيل بعكس غالبية اليهود الأميركيين

ثالثا: فشل لوبي إسرائيل المساند للسلام في بناء منظماته وقواه السياسية بشكل يمكنه من مواجهة نفوذ وسيطرة منظمات لوبي إسرائيل المتشددة خلال الفترة الحالية، وذلك على الرغم من الأحاديث المتزايدة عن نشاط لوبي السلام في التوحد ضد مواقف منظمات لوبي إسرائيل المتشددة

رابعا: فشل القيادات السياسية الأميركية الديمقراطية في اتخاذ مواقف مساندة للسلام ورضوخ تلك القوى لمنظمات لوبي إسرائيل المتشددة

أنابوليس ومتطلبات السلام

نتيجة لما سبق ووفقا للعوامل السابقة دعا البعض إلى خفض التوقعات بخصوص مؤتمر أنابوليس، وبضرورة اعتباره بداية لسلسلة مؤتمرات مشابهة لا كونه مؤتمرا يسعى لحل نهائي للقضايا الأساسية العالقة، كما أكد البعض على أن الرئيس بوش معني حاليا بإيجاد حل لمشكلة العراق بشكل أساسي لا بإحلال السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين، والذي تسعى إليه وزيرة الخارجية كونداليزا رايس بالأساس، في حين أكد آخرون على أن السلام لن يتحقق دون نشوء حركة أميركية مساندة للفلسطينيين وللسلام على مستوى المجتمع المدني الأميركي على غرار حركة الحقوق المدنية الأميركية والتي احتاجت عقودا لكي تأتي أكلها

مقالات ذات صلة

عرض كتاب "فلسطين: سلام لا تفرقة" لجيمي كارتر

صورة إسرائيل لدى الرأي العام الأمريكي منذ 11/9

لوبي إسرائيل وسياسة أمريكا الخارجية

تناول الإعلام الأمريكي لدور لوبي إسرائيل خلال الحرب على لبنان

Monday, November 05, 2007

هل أرغم صقور واشنطن كارين هيوز على الاستقالة؟
مقال بقلم: علاء بيومي

يمكن نشر المقال مع الإشارة إلى مصدره

من ربطوا بين استقالة كارين هيوز وتساقط صقور الإدارة الأميركية واحدا تلو الأخر تسرعوا، فالعكس يبدو أقرب للصحة، والغالب أن هيوز استقالت تحت ضغط صقور واشنطن لا انتماءا لهم

وذلك لأن كارين هيوز - المسئولة عن برامج الدبلوماسية العامة بوزارة الخارجية الأميركية والمستشارة المقربة من الرئيس الأميركي جورج دبليو بوش - يصعب تصنيفها في مصاف صقور واشنطن من أمثال المحافظين الجدد واليمينيين المتشددين ولوبي إسرائيل

فغالب الأمر أن هيوز تنتمي أيدلوجيا للمحافظين التقليديين، وأنها ترتبط بعلاقة شخصية قديمة وقوية مع جورج دبليو بوش دفعتها لخدمته وخدمة إدارته والدفاع عنهما بقدر الإمكان في ظل أجواء ما بعد الحادي عشر من سبتمبر 2001، وأنها سعت إلى خدمة الرئيس من خلال عملها كمسئولة عن الدبلوماسية الأميركية العامة متبعة إستراتيجيتين أساسيتين

أولهما تطوير أداء الدبلوماسية العامة من خلال تطوير برامجها وزيادة ميزانيتها وتحسين أدائها البيروقراطي، وهي مهمة تبدو أن هيوز نجحت فيها لدرجة ما، حيث تشير تقارير مختلفة إلى أن هيوز تمكنت من زيادة ميزانية برامج الدبلوماسية العامة بمعدل الثلث، وأنها ألغت برامج كانت قائمة ولكنها غير فعالة، واستحدثت برامج أخرى تركز على تشجيع التبادل الثقافي وتعلم اللغات الأجنبية

أما الإستراتيجية الثانية فهي سعي هويز للاستفادة من علاقتها المباشرة مع بوش ومع وزيرة الخارجية الأميركية كونداليزا رايس في نقل ملاحظاتها المباشرة والصادقة لهما، وهي المهمة الأصعب والتي قادت إلى استقالة هيوز في نهاية المطاف

فلما تيقنت كارين هيوز أنها قاربت على تحقيق هدفهما الأول المتعلق بإعادة تنظيم الدبلوماسية العامة بيروقراطيا، وفشلت في تحقيق هدفها الثاني وهو تقديم النصيحة الخالصة للرئيس والتأثير على المسار العام للدبلوماسية الأميركية بما يؤدي إلى تحسين صورة أميركا، قررت الرحيل

ويلاحظ هنا أن هيوز تمتعت خلال فترة عملها بالخارجية الأميركية بنفوذ كبير بحكم صلتها المباشرة ببوش مثلها مثل رايس، كما أنها تميزت على رايس بهامش أكبر من حرية الحركة، فالأخيرة تشغل منصبا إستراتيجيا بالمعيار الأميركي وفي عيون العالم، أما هيوز فقد تمتعت بقدر أقل من تدقيق الإعلام الأميركي والدولي في عملها، وبقدرة على التركيز على الجوانب الدبلوماسية لعملها السياسي، ويبدو أن هيوز حرصت على السفر والاستماع إلى أصحاب الرؤى المختلفة داخل وخارج أميركا - خاصة خلال الفترة الأولى من بداية عملها كمسئولة عن الدبلوماسية العامة – وعلى نقل تلك الرؤى إلى بوش ورايس

لذا يقول دايفيد فروم منتقدا لكارين هيوز أنها "أعادت تعريف مهمتها، فبدلا من أن تمثل الإدارة في الشرق الأوسط، بدأت هويز في تمثيل الشرق الأوسط لدى الإدارة. أصحبت هيوز تطالب بتحجيم مبادرة الديمقراطية وبإحياء المباحثات الإسرائيلية الفلسطينية"، وذلك في مقال نشره مؤخرا تعليقا على استقالتها

والمعروف أن فروم مقرب من الإدارة الأميركية حيث عمل كاتبا لخطابات بوش في إداراته الأولى، كما أن فروم محسوب على تيار المحافظين الجدد، وسبق له تأليف كتابا بالمشاركة مع ريتشارد بيرل – أحد أكثر المحافظين الجدد تشددا – عن "محور الشر"

ويبدو أن صقور واشنطن لم يرضوا عن كارين هيوز بسبب نصائحها السابقة، وبسبب علاقتها الإيجابية بمسلمي وعرب أميركا حيث حرصت هيوز بنفوذها الكبير على حضور عدد من فعالياتهم ومؤتمراتهم، كما تعرضت للنقد بسبب موقفها من بعض برامج الدعاية الأميركية كتلفزيون سوا، حيث تشير التقارير أن هيوز ساندت لاري ريجيستر مدير الأخبار بقناة الحرة، والذي أجبر على الاستقالة بعد فترة قصيرة من توليه منصبه تحت ضغوط لوبي إسرائيل والمحافظين الجدد بسبب تعديلات أجراها على سياسة القناة رأى فيها السابقون إضرارا بأجنداتهم

ويجب هنا الإشارة إلى أن هيوز لا تتعرض للنقد السابق وحدها، فكونداليزا رايس أيضا تعد هدفا لنقد صقور واشنطن والمحافظين الجدد بسبب مواقفها تجاه الشرق الأوسط، فلوبي إسرائيل وغالبية المحافظين الجدد وقيادات الإنجليكيين المتشددين ليسوا راضين عن زيارات رايس المتكررة للشرق الأوسط، ولا عن مؤتمر السلام المزمع عقده بأميركا في أواخر الشهر الحالي، ولا عن لقاءات إيهود أولمرت ومحمود عباس المتكررة بحضور أو تحت ضغوط رايس

حيث يعارض صقور واشنطن – كما يعبر عنهم كتاب مثل نورمان بودهويتز وريتشارد كروتهمر- عملية السلام الإسرائيلية الفلسطينية القائمة برمتها فهم لا يؤمنون بأن العرب راغبون في السلام مع إسرائيل، ويرفضون رفضا تاما أي ضغط أميركي على إسرائيل للدخول في مباحثات سلام مع العرب أو لتقديم أي تنازلات من أجل السلام، لذا عارضوا خارطة الطريق حتى تأكدوا أنها لا تحتوي على أي سقف زمني، وسوف يعارضون أي جهود لإحلال السلام بناءا على اتفاقية أوسلو أو مبادرات السلام العربية حتى يتأكدوا أن تلك المبادرات قد أفرغت من محتواها الحقيقي

كما أن هؤلاء لا يثقون بأولمرت ولا يرون فيه وريثا شرعيا لشارون، الذي ساندوه وساندوا سياساته الأحادية القائمة على فرض الرؤى الإسرائيلية للسلام على الفلسطينيين والعرب بالقوة

لذا يعارض هؤلاء جهود رايس وزياراتها للشرق الأوسط، كما عرضوا جهود كولن باول ومواقفه، ويفضلون التواصل مع الإدارة الأميركية من خلال مسانديهم بها من أمثال إليوت إبرامز نائب مستشار الأمن القومي الأميركي، وبعض المسئولين بمكتب نائب الرئيس ديك تشيني، كما تشير بعض التقارير

وهذا لا يعني رضانا التام عن مواقف رايس أو كارين هيوز، فمازالت مواقف الساسة الأميركيين بشكل العام بعيدة إلى حد كبير عن إدراك حقيقة قضايا العالمين العربي والإسلامي وحقوق شعوبهما، ولكن هذا لا يجب أن يمنعنا عن محاولة فهم الفروق الدقيقة بين هؤلاء الساسة ومواقفهم تجاهنا وتجاه قضايانا

خلاصة الأمر: صقور واشنطن أفشلوا مساعي كارين هيوز للإصلاح وأرغموها على الاستقالة بعدما أيقنت أن الإصلاح البيروقراطي للدبلوماسية العامة الأميركية لا يكفي وأن الإصلاح السياسي الحقيقي بعيد المنال

Tuesday, October 30, 2007

إليوت إبرامز: آخر قلاع المحافظين الجدد
مقال بقلم: علاء بيومي

الناشر:
الجزيرة نت، 30 أكتوبر 2007

نص المقال

يستحق إليوت إبرامز نائب مستشار الأمن القومي الأميركي لقب آخر قلاع المحافظين الجدد في إدارة الرئيس جورج دبليو بوش، فمؤهلات إبرامز السياسية والأيدلوجية تضعه في مصاف أثقل المحافظين الجدد الذين أثروا على إدارتي الرئيس جورج دبليو بوش الأولى والثانية، وذلك على غرار ريتشارد بيرل وبول ولفويتز ودوجلاس فايث

وبتوالي أخطاء وفضائح الإدارة الأميركية والمحافظين الجدد خلال السنوات الأخيرة وعلى رأسها العراق تخلت الأسماء السابقة عن مناصبها لأسباب مختلفة وبقى إبرامز وحده قلعة صامدة يدافع عن تراث المحافظين الجدد وأفكارهم خاصة فيما يتعلق بواحدة من أهم قضاياهم وهي قضية الصراع العربي الإسرائيلي والتي يبدو أن إبرامز هو أحد أهم المؤثرين عليها داخل الإدارة الأميركية منذ نهاية عام 2002

رجل غامض

وتشير المعلومات المتاحة عن إبرامز أنه نسيب نورمان بودهوريتز أحد أهم مؤسسي تيار المحافظين الجدد، وأنه زميل قديم لبيرل وفايث وغيرهم من رموز المحافظين الجدد، كما أنه ينتمي إلى أسرة يهودية أميركية ليبرالية، وتحول في السبعينات لليمين وأصبح مساندا لريجان وعمل بإدارته كحال غالبية المحافظين الجدد

كما أدين في قضية إيران-كونترا، والتي باعت من خلالها إدارة الرئيس ريجان أسلحة لإيران واستخدمت عائدها بشكل غير قانوني لدعم متمردي الكونترا في نيكاراجوا بأميركا اللاتينية، وكان إبرامز أحد أبطال الفضيحة وأدين قضائيا بحجب معلومات عن الكونجرس، وأمضي عقد التسعينات معزولا سياسيا يعمل في مراكز أبحاث يهودية أميركية وتابعة للمحافظين الجدد، وعلى رأسها مشروع القرن الأميركي الجديد، وهو أبرز مشاريع المحافظين الجدد الفكرية

وفوجئ الكثيرون بتعيين إبرامز بمجلس الأمن القومي الأميركي في ولاية جورج دبليو بوش الأولى وتحت رئاسة مستشارة الأمن القومي كونداليزا رايس، وتشير تقارير صحفية إلى أن رايس أعجبت بعمل إبرامز كثيرا بسبب خبرته الواسعة وقدرته على اتخاذ القرارت، ووعيه الإستراتيجي والذي يمكنه من النظر لأكثر من خطوة للأمام، وتقول تلك التقارير أن رايس عندما انتقلت لوزارة الخارجية في ولاية بوش الثانية أرادت اصطحاب إبرامز معها كمساعد لها ولكنها خشيت معارضة مجلس الشيوخ ووسائل الإعلام بسبب خلفية إبرامز وإدانته في فضيحة إيران كونترا، لذا فضل الجميع إبقاء إبرامز في منصبه في مجلس الأمن القومي مع ترقيته وتوليه ملف نشر الديمقراطية الذي منحه الرئيس بوش أهمية كبيرة في ولايته الثانية خاصة في منطقة الشرق الأوسط بعد أن فشلت القوات الأميركية في العثور على أسلحة دمار شامل في العراق، كما ترى كتابات مختلفة

ويعزز من قدرة إبرامز على البقاء في منصبه التزامه الصمت والبعد عن الإعلام بقدر ما أمكن، وقد يعود ذلك إلى ارتباطه بفضائح سياسية سابقة، ولكنه أمر عزز فيما يبدو بأسهمه لدى الإدارة الأميركية، ففي الوقت الذي تعرض فيه أشخاص مثل ولفويتز وفايث وبيرل لانتقادات إعلامية كبيرة خاصة بسبب حرب العراق، وهي انتقادات ساهمت بدون شك في رحيلهم، بقى إبرامز خلف الستار يعمل في صمت، لدرجة جعلت من الصعب على وسائل الإعلام تتبع أخباره ومعرفة فيما يفكر والتنبؤ بمواقفه السياسية والتي أثارت انتقادات واسعة في الفرص القليلة التي تسربت فيها لوسائل الإعلام الأميركية خلال فترة عمل إبرامز بإدارتي الرئيس جورج دبليو بوش

خوف على اليهود الأميركيين

الفرص القليلة المتاحة للتعرف على فكر إبرامز تعود إلى كتاب كتبه في التسعينات عن اليهود الأميركيين وبضع مقالات كتبها عن اليهود في السياسة الأميركية على موقع ديني أميركي يدعى بليف نت، ويبدو إبرامز في كتاباته واحدا من الأبناء المخلصين للأقلية اليهودية الأميركية الناشط في قضاياها الواعي بهمومها ومؤسساتها وقياداتها

فهو يخشى من تراجع أعداد اليهود الأميركيين وانصهارهم في المجتمع الأميركي بفعل قوى العلمانية والتزاوج المختلط، ويطالبهم بمزيد من التركيز على التعليم الديني وزيارة إسرائيل لتقوية الروابط اليهودية ومقاومة قوى الذوبان

ويعبر عن انتقاده للتوجهات العلمانية واليسارية لليهود الأميركيين، فهو يرى أن الإفراط في العلمانية أضعف الروابط اليهودية الدينية، وأن الإفراط في اليسارية يضر بعلاقة اليهود الأميركيين بالحزب الجمهوري، وبالمسيحيين المتدينين المساندين لإسرائيل في الولايات المتحدة، خاصة وأن إبرامز عبر عن انتقاده القوي للكنائس الليبرالية الأميركية والتي تساند الفلسطينيين وتعاطف معهم على حساب إسرائيل من وجهة نظره، ويقول أن إسرائيل دفعت ثمن وقوفها مع أميركا في الحرب الباردة، في حين وقف العرب مع الإتحاد السوفيتي مما جعل الكنائس الليبرالية تنظر إلى الفلسطينيين كحركة مقاومة ضد الاحتلال، ويتساءل عما إذا كان يفترض أن تقف إسرائيل مع الإتحاد السوفيتي لكي ترضي الكنائس الأميركية الليبرالية، ويقول أن تلك الكنائس تعتقد أن عنف الفلسطينيين ضد الإسرائيليين نابع من الاضطهاد، ولا تريد أن تصدق أن العنف قد يعود "للكراهية القاتلة والتحيز الديني"، ويطالب اليهود الأميركيين بالانفتاح على الجماعات المسيحية المتدنية والتي تؤمن بحق إسرائيل الديني في أرضها، كما يطالبهم بالانفتاح على الحزب الجمهوري، ويستبشر خيرا بإقبال الشباب اليهودي الأميركي على الحزب الجمهوري، ويأمل أن يمثل ذلك تيارا ينهي سيطرة اليهود الليبراليين على يهود أميركا

ويذكر أحد التقارير المكتوبة عن إبرامز وخلفيته أن ليلى المرياتي والتي عينت كعضو بلجنة الحريات الدينية الأميركية التي كان إبرامز أول رئيسا لها شعر بتحيز إبرامز حين رفض مصاحبة فريق من اللجنة إلى إسرائيل للبحث عن مشاكل الحريات الدينية هناك، باعتبار أنه لا توجد مشكلة حريات دينية بإسرائيل، ولكنه زار السعودية ومصر وكاد أن يتسبب في أزمة دبلوماسية بسبب تجاهله لأكبر قيادة دينية إسلامية في مصر لولا تدخل السفير الأميركي لدى القاهرة لإصلاح ما أفسده إبرامز

لا لعملية السلام

وينتقد إبرامز في كتاباته عملية السلام الإسرائيلية الفلسطينية واتفاقات أوسلو، ويقول أنها لم تعود على إسرائيل إلا بالتنازلات، وأنها كشفت حقيقة موقف الفلسطينيين وهو موقف لن يرضى بأي تنازلات إسرائيلية مهما كان حجمها، لأن موقف الفلسطينيين الحقيقي هو إزالة إسرائيل، ويقول أن عرفات رد على تنازلات إيهود باراك الكبيرة بانتفاضة الأقصى، ويرحب في مقالاته التي نشرها في أوائل عهد الرئيس جورج دبليو بوش بقدوم شارون إلى السلطة، ويقول أن شارون رجل يدرك أن السلام لن يقوم على أساس من التنازلات وأنما يقوم على أساس من القوة، وأنه قادر على أن يمنح الإسرائيليين الأمن من خلال مواجهة عنف الفلسطينيين بشد وحزم

ويقول أن العرب يهاجمون شارون بسبب مواقفه خلال حرب لبنان، ولكن المجازر التي ارتكبت في حق الفلسطينيين قامت بها كتائب لبنانية مسيحية، كما أن شارون تعرض لانتقادات واستقال من منصبة كوزير للدفاع وهذا يكفي

كما يذكر أولمرت الجميع بأن أراضي لبنان محتلة من قبل السوريين، وأن السبب الأساسي لدعم أميركا لإسرائيل هو حرص أميركا على الديمقراطية وحقوق الإنسان، وأن عرب إسرائيل يتمتعون بحقوق سياسية أكثر من التي يتمتع بها شعوب أي دولة عربية

مبعوث الإدارة لإسرائيل وليهود أميركا

وتقول التقارير المختلفة التي نشرت عن إبرامز أن معارضته لعملية السلام واتفاقات أوسلو هي من أساسيات تفكيره، وأن ذلك يعود إلى إيمانه القديم مثل عدد كبير من المحافظين الجدد بأن السلام يقوم على القوة وليس على أساس من التنازلات أو المفاوضات، ولكن لا يبدو أن لدى إبرامز – كما يظهر فيما هو مكتوب عنه – رؤية واضحة لتحقيق السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين على أساس من المفاوضات، حيث يبدو أن إبرامز يؤمن بأن مسار عملية السلام هو الفشل، وأنه لا ينبغي على أميركا بأي حال من الأحوال الضغط على إسرائيل لتقديم أي تنازلات، فقد هاجم إبرامز كلينتون بسبب دبلوماسيته النشطة في مجالات مفاوضات السلام العربية الإسرائيلية، حيث رأى إبرامز أن كلينتون كان يخاطر بأمن إسرائيل من أجل بناء مجده الشخصي قبل ترك الرئاسة الأميركية

كما انتقد خارطة الطريق في بدايتها ورفض مبدأ الضغط على إسرائيل في أي حال من الأحوال، ولكنه عاد وساندها بعد ما بدا له وللمتابعين في إسرائيل أن الخارطة لا تفرض سقفا زمنيا محددا، وأنها تمنح إسرائيل لوقت والغطاء لتفادي الضغوط

وتقول التقارير المنشورة عنه أن إبرامز هو مرسال الإدارة الأميركية إلى إسرائيل والمنظمات اليهودية الأميركية، وأن بوش ينصت له، وأن المسئولين الإسرائيليين والقيادات اليهودية الأميركية يستبشرون برؤيته، وأنه مرافق دائم لرايس في رحلاتها في المنطقة وأنه في العادة ما يتخلف عنها ليبقى في المنطقة لفترات إضافية لكي يتحدث مع المسئولين الإسرائيليين، كما يرى البعض أن قوة إبرامز الإضافية تكمن في علاقاته القوية والمباشرة مع أهم مستشاري شارون وإيهود أولمرت على التوالي وبمستشاري نائب الرئيس الأميركي ديك تشيني لعملية السلام والشرق الأوسط، وأنه يسافر أحيانا ليلتقي مستشاري أولمرت ومن قبله شارون في أوربا وأماكن أخرى ليستمع لرؤاهم ويطمئنهم حيث يبقى خلال ذلك على اتصال بمستشاري تشيني، ويقول البعض أن صلات إبرامز ونفوذه ومواقفه جعلته أحيانا سببا للإزعاج لكونداليزا رايس خاصة خلال حرب إسرائيل على لبنان في صيف 2006، حيث وقف إبرامز موقفا متشددا يطالب إسرائيل باستمرار الحرب وتوسيعها لتصل إلى سوريا كما تشير بعض التقارير على عكس إرادة رايس التي كانت تشعر بالخسائر التي تكلفها الحرب لأميركا وسمعتها ومصالحها لدى الدول العربية

يدري ما يفعل

كما تشير تقارير حديثة نشرتها مجلة يهودية أميركية أن أولمرت أكد خلال اجتماعه بقادة يهود أميركيين في صيف العام الحالي أن زيارات رايس المتكررة للمنطقة لإحياء عملية السلام ما هي إلا "عملية" لن تقود إلى نتائج ملموسة أكثر من فتح بعض المعابر للفلسطينيين بموافقة إسرائيل داخل الأراضي المحتلة، وهي تصريحات تنصلت منها الخارجية الأميركية

وتشير تقارير أخرى أن علاقات أولمرت الوثيقة بالقيادات الإسرائيلية ووعيه بحقيقة مواقف الإدارة الأميركية جعلته يقف أحيانا موقف النقيض مع بعض القيادات اليهودية الأميركية، حيث يرى البعض أن أولمرت ساند خطة شارون للانسحاب الأحادي من غزة في الوقف الذي عارضتها فيه منظمات يهودية أميركية أخرى، كما أنه ساند سياسات الرئيس بوش في وقت عارضتها فيه منظمات يهودية أميركية، ويقول البعض أن مواقفه السابقة أدت إلى غضب بعض المنظمات والقيادات اليهودية الأميركية منه وإعلان شكها في مواقفه ونواياه، والتساؤل حول ما إذا كانت إبرامز قد تغير

وتقول تقارير أن مواقف إبرامز السابقة لم تزعج مناصريه ومتابعيه الذين يعرفونه على حقيقته من أمثال دانيال بايبس والمعروف بمواقفه المتطرفة تجاه المسلمين والعرب الأميركيين ومنظماتهم وتجاه عملية السلام وحقوق الشعب الفلسطيني، والذي كان يقف عادة في وجه منتقدي أبرامز مؤكدا لهم أن إبرامز يعرف جيدا ماذا يفعل وأنه لا داعي للقلق عليه

Sunday, September 09, 2007

ميكافيلي أميركا: إطلالة على فكر هارفي مانسفيلد
مقال بقلم: علاء بيومي

الناشر: الجزيرة نت، 2 سبتمبر 2007

نص المقال

خط هارفي مانسفيلد الفكري يشعر القارئ بالوهلة الأولى بالحاجة لمعرفة المزيد عن هذا الرجل وفكره، فهو أحد أهم المتخصصين الأميركيين المعاصرين في دراسة مفكري العصور الوسطى وعلى رأسهم ميكيافيللي، حتى أنه عندما قرر طلابه – وعدد منهم من أشهر قيادات المحافظين الجدد – الاحتفال به كتبوا كتابا سموه "تعليم الأمير" وأهدوه إليه في إشارة إلى اهتمام هارفي مانسفيلد بميكافيلي ودور مانسفيلد في تعليمهم السياسية على غرار ميكافيللي الذي كان يسعى لتعليم الملوك وأمراء الحرب السياسية بمفهومه الخاص

كما يعد مانسفيلد أحد أشهر طلاب ليو ستراوس – الفيلسوف الأميركي الراحل ذي الأصول الألمانية – والذي يعده البعض أبا روحيا لفكر المحافظين الجديد، وهي علاقة لا يخفيها مانسفيلد الذي يمجد ليو سترواس ويحرص على اقتفاء أثاره الفكرية مثل حرصه على الكتابة في دوريات المحافظين الجدد وعلى رأسها مجلة ذا ويكلي ستاندرد أشهر مجلاتهم، والتي يرأس تحريرها ويليام كريستول، وهو بدوره أحد أشهر الكتاب المعبرين عن فكر المحافظين الجدد والملقب بالابن المدلل للحركة وأحد طلاب مانفسيلد بجامعة هارفرد الأميركية

أفكار عميقة مقلقة

المقلق هنا هو أنك عندما تقرأ مقالات هارفي مانسفيلد في ذا ويكلي ستاندرد يصعب عليك المرور عليها مر الكرام، فهو يختلف عن بعض كتاب المحافظين الجدد الذين تتميز كتاباتهم بسطحية مضحكة في بعض الأحيان، فعندما تقرأ كتابات مانسفيلد ينبغي عليك الوقوف والعودة لقرأتها مرة أخرى ومرتين، وذلك حتى تتمكن من فهمها وفهم معانيها اليمينية الراسخة، وفك طلاسمها الفكرية والرموز التاريخية التي يستشهد بها مانسفيلد كثيرا

باختصار عندما تقرأ مقالات مانسفيلد تضطر للتوقف لأنك أمام فيلسوف كبير يحاول الكتابة للقارئ العادي، بعكس بعض الصحفيين الذين يكتبون في مجلات المحافظين الجدد، والذين يستعيضون عن معرفتهم السياسية بمواقفهم الأيدلوجية التي تصدمك بسبب تشددها وسطحيتها في آن واحد

أما مانسفيلد - أستاذ العلوم السياسية بجامعة هارفرد الأميركية منذ عام 1962، وعضو مجلس إدارة الجمعية الأميركية للعلوم السياسية - فهو حالة مختلفة، فهو مفكر كبير تسهل عليه الكتابة للمتخصصين المتعمقين في فكر العصور الوسطي مقارنة بالكتابة للقارئ الأميركي العادي، كما أن مقالاته الأكاديمية وكتبه والتي يصعب قرائها وفهمها نظرا لما تحتوي عليه من معلومات ومقارنات بين أفكار كبار الفلاسفة الغربيين تفوق بكثير أهمية مقالاته المنشورة في الصحف السيارة والمجلات الأسبوعية، والتي يحرص مانسفيلد على الكتابة فيها حرصا على القيام بدوره النضالي المنطلق من إيمانه بدور المفكر في خوض الحروب الفكرية والسياسية

إذن نحن أمام خاصة تستدعي اهتمام القارئ الأجنبي والذي يتهمه بعض الأميركيين بضعف معرفته بأميركا المحافظة، وهو اتهام يتردد في خاطرك عندما تقرأ كتابات مانسفيلد والتي تختلف كثيرا عن الكتابات الأميركي الليبرالية المنتشرة في الصحف الأميركية والدولية، فإمام مانسفيلد ينبغي على القارئ أن يشعر بأنه أمام مفكر يميني خالص قوي متمكن من مادته ويحاول صياغة فكر يميني متكامل يمكن للكتاب والساسة الصغار أن يعتمدوا عليه، ولقوة فكر مانسفيلد اليميني لابد وأن تشعر بالقلق خاصة إذا كنت من أصحاب الميول الليبرالية وإذا كنت لا تعرف كثيرا عن أميركا اليمينية

مع الدولة والمؤسسات التقليدية

فمانسفيلد يقف مع مساندة الدولة ومؤسساتها المحافظة ويقدس الدستور الأميركي والآباء المؤسسين، والعلاقة بين السلطات الأميركية، ويرفض نقد الديمقراطية الأميركية أو الحكومة الفيدرالية والتي يريد مانسفيلد تقويتها وخاصة مكتب الرئيس، كما يريد إطلاق يد الرئيس في حالة الحروب والأزمات الدولية كالحرب على الإرهاب، ويرفض الخلاف العلني بين المفكرين والساسة الأميركيين حول الأوضاع السياسية الأميركية، فهو يؤمن بالحرية وبالديمقراطية ولكنه لا يريد الأميركي العادي أن يشك في قوة حكومته ودولته ودستوره والعملية السياسية ببلاده

وبهذا يشعرك مانسفيلد أنك أمام مفكر من العصور الوسطى والتي يعود إليها مانسفيلد ولكتابها بشكل متكرر، فهو يرى أن فكر العصور الغربية الوسطي والقديمة هو الأصل وأن الفكر الحديث هو الصورة، وأن العودة إلى حكمة القدماء ضرورية إن لم تكن حتمية، وأن الحكمة حقيقة وليست نسبية، وأن الحق حق والباطل باطل، وأن لا سبيل للمهادنة في الفضيلة أو الحقيقية، وأن النسبية خطأ، وأن الصراع هو البديل، وأن البقاء للأصلح، فإذا لم تعجبك فكرة فعليك الصراع من أجل هزيمتها حتى لو كنت أكاديميا أو فيلسوفا أو مفكرا، فعليك الدخول لساحة الصراع الفكري وتلطيخ يديك بدماء الأعداء الفكرية، لا بقتلهم، ولكن بهزيمتهم فكريا وسياسيا، فمانسفيلد فارس من فرسان العصور الوسطي يرفض المهادنة، حيث يرى أن مهادنة المفكرين المحافظين لليسار الأميركي الجديد منذ ستينات القرن العشرين سمحت لهذا التيار للسيطرة على الجامعات وتلويث عقول الأميركيين فشغلتهم بالتودد للأقليات والمهاجرين والعالم الإسلامي بدلا من تقوية إيمانهم بالقيم الأميركية وبمؤسسات الحكومة الأميركية وبالبيت الأبيض وبحاجتهم للتوحد خلف تلك المؤسسات للفوز بحرب طويلة ضد أعداء أميركا عموما بما في ذلك صراعها الراهن فيما يعرف بالحرب على الإرهاب

فارس يرفض المساواة

مرة أخرى أنت أمام مفكر من العصور الوسطى يؤمن بقيم مختلفة غير القيم الليبرالية السائدة في المجتمع الأميركي والتي تعودنا على السماع عنها في الخارج، نحن أمام مفكر يؤمن بقيمه يسميها عادة بالرجولة، ويرى أنها تقترن بالرجال لا بالنساء حتى ولو وجدت أحيانا في بعض النساء مثل مارجريت تاتشر امرأة بريطانيا الحديدية، فهو يرى أن الرجولة تقترن بالرجال حتى لو وجدت أحيانا في النساء، وأن على النساء والحركة النسوية أن تشجع تلك الخاصية أو القيمة في الرجل أو الولد الصغير فبدونها سوف تضعف المجتمعات الغربية والتي بدأت تضعف بالفعل من وجهة نظرها بعد أن شنت الحركات النسوية تحت شعار المساواة حربا ضروسا على قيمة الرجولة الذكورية حتى كادت تفنيها، وبذلك أضلت الحركات النسوية الغرب ومجتمعاتها بفكرها الفاسد - كما يرى مانسفيلد - واستمرت في الهجوم على الرجولة حتى أضعفتها في الرجل وعجزت عن زرعها المستحيل في النساء واللائي بتن يتحملن ظروف حياة صعبة وإن لما تكن مستحيلة معتمدين على شركاء من الرجال ضعفت فيه خاصية الرجولة

فالرجولة نزعة أو حمية يحتاجها الرجال في الحروب والصراعات، نزعة تدعو للتفرد والقيادة والمسئولية والصراع لإثبات الذات وحماية الأسرة والوطن، فهي أشبه بقيم رجل العصور الوسطي والقديمة أو رجل الغاب الذي كان ينبغي عليه الصراع للبقاء، فالبقاء للأقوى، ولأن الدنيا تأخذ غلابا كما يرى مانسفيلد الذي يرفض قيمة المساواة، حيث يرى أن الفكر الغربي الحقيقي قائم على قيم الحرية والفردية والتنافس لا المساواة، فالمساواة غير موجودة وكاذبة، فالبشر لم ولن يكونوا متساويين، فهنا قوي وضعيف، وهناك شخص يعمل وأخر لا يعمل، فإذا أردت أن تغير من أوضاعك وحياتك ومستواك فعليك العمل ليلا نهارا والصراع والتنافس وإعداد نفسك لهزيمة خصومك، فإذا فشلت فلا تلوم إلا نفسك، ولا تطلب الحكومة أو القوانين أو الأثرياء أن يساعدوك، فالحركات الليبرالية أوهمت الأقليات والمهاجرين والفقراء بعد أن غشتهم وغشت الشعب الأميركي والمجتمعات الغربية، فهي تؤجج فيه قيمة المساواة الكاذبة وتنفخ فيه روح نقد الغرب ونخبه الحاكمة وتوهمهم بأن البشر متساويين بدلا من أن تشجعهم على العمل والكفاح، حتى أن الطلبة في الجامعات باتوا يرون أن من حقهم الحصول على درجات مرتفعة وأن من حقهم النجاح في الامتحانات وأن الأساتذة يعلمون عندهم لا العكس، وأن الأستاذة مطالبون بمناصرة الأقليات والحركات النسوية والطلاب الكسالى حتى لا يتهمون بالرجعية والتخلف، وبهذا ضعفت الجامعات وضعفت نواة بناء الجيل الأميركي والغربي الجديد

من ينقذ الغرب

أما الحل لدى مانسفيلد فهو يرتكز على عدة ركائز أساسية على رأسها وجود مفكرين أميركيين على غرار مكيافيللي والذي رفض هيمنة الدين على السياسية وعلى تعريف الفضيلة للمجتمع، وطالب بتحرير الفضيلة من الدين، وبإعادة تعريف الفضيلة السياسية على أساس واقعي يسلح الحاكم بقيم جديدة كالدهاء والقوة والبطش والقدرة على الخداع وهزيمة الأعداء، مفكرين غير منعزلين يرفضون المهادنة ومستعدين للنزول إلى ساحة المعارك الفكرية وتلطيخ أيديهم بدماء أعدائهم الفكرية والسياسية

كما أن الغرب وأميركا في حاجة لقيادات جدية على غرار رونالد ريجان والذي نجح كما يرى مانسفيلد في إشعار الأميركيين بالأمل في حكومتهم ومجتمعهم والثقة في أنفسهم من خلال ابتسامته وتفاؤله بخصوص المستقبل وقدراته الخطابية، وحرصه على عدم مهادنة أعدائه وعلى رأسهم أعدائه الخارجيين – الإتحاد السوفيتي، هذا إضافة إلى إيمان ريجان بالقيم الأميركية التقليدية وقدرته على مخاطبة المواطن الأميركي بلغة سهلة يفهمها ويقتنع بها

كما أن أميركا بحاجة لحكومة مركزية قوية مطلقة اليد في مكافحة أعدائها الخارجيين في الوقت الراهن، فهذا ما أراده الآباء المؤسسين للولايات المتحدة الأميركية، حيث حرصوا على بناء حكومة قوية ورئيس قادر على قيادة الجيش الأميركي في أوقات الحروب وأياديه حرة غير مقيدة، وشعبه موحد خلفه متأهب لهزيمة خصومه، فبدلا من أن ينشغل اليسار الأميركي بنقد أميركا وإسرائيل وتصرفات الحكومة الأميركية في الحرب على الإرهاب، كأن من الأفضل له حشد تأييد الشعب الأميركي لحكومته المركزية ولقيمه الراسخة ولجيشه ومقاتليه

حالة الحرب

وهنا يقول مانسفيلد أن أن "دعاة الحريات المدنية على اليمين واليسار يفترضون أن الحكومة هي هدف نقمتهم وأن الأقليات تحتاج لعناية خاصة، وقد يبدو هذا صحيحا في أوقات السلام، ولكن في حالة الحرب الحكومة هي صديقك الأول، كما يجب حماية الأغلبية"، ويمضي رامسفيلد قائلا أن "الجهاديين يقولون أنهم سوف ينتصرون لأنهم يؤمنون بالموت في حين أننا نؤمن بالحياة، هذا ليس صحيحا، نحن نؤمن بالحياة ولكن ليس بأي تكلفة، نحن أيضا نقدر التضحية والشرف من أجل الأهداف السامية، ولكننا نترك جنودنا ليتحدثوا نيابة عنا، أساتذة الجامعات – وهم من يفترض أن يتحدثوا نيابة عنا – لم يتعلموا شيئا من جنودنا، وليس لديهم ما يقولونه لكي يشرحوا لهؤلاء الجنود لماذا يضحون بحياتهم

في خاتمة هذا المقال لا يسعنا إلا التأكيد على أننا حرصنا عبر المقال على عرض أفكار هارفي مانسفيلد عرضا موضوعيا بقدر الإمكان، وبغض النظر عن اتفاقنا أو اختلافنا مع أفكاره، وذلك انطلاقا من إيماننا بتفرد هذه الأفكار واختلافها عن الأفكار الليبرالية السائدة عن المفكرين الأميركيين خارج الولايات المتحدة، على أمل أن يقدم مقالنا نافذة على تلك الأفكار ودعوة للتعرف على كتبات مانسفيلد وغيرهم من المفكرين الأميركيين المؤثرين في الساحة الأميركية المعاصرة

Saturday, August 18, 2007

تقرير نهاية الخدمة لآلفارو دي سوتو
عرض بقلم: علاء بيومي

الناشر: الجزيرة نت، 13 أغسطس 2007

نص العرض

تقرير "نهاية الخدمة" لآلفارو دي سوتو - مبعوث اللجنة الرباعية وممثل الأمين العام للأمم المتحدة في عملية سلام الشرق الأوسط (يونيو 2005 إلى مايو 2007)، وهو دبلوماسي من بيرو خدم الأم المتحدة لربع قرن وقرر الإستقالة بعد ما راءه خلال فترة خدمته ممثلا للجنة الرباعية - تقرير غير عادي بكل المقاييس كان يجب منحه عنوانا إنجليزيا براقا مثل "مجموع كل المخاوف" (The Sum of All Fears) على غرار فيلم الحركة والإثارة الأميركي الشهير والذي يحكي قصة إرهابيين حصلوا على قنبلة نووية وفجروها في مدينة أميركية مشعلين أزمة كادت تقود إلى حرب نووية بين أميركا وروسيا منعها أبطال الفيلم في أخر لحظة

ولكن دي سوتو لم يشأ أن يحدث من وراء تقريره ضجة بقدر ما اراد تقديم نصيحته الخالصة للأمم المتحدة وأمينها العام بالأساس، حيث يؤكد دي سوتو في نهاية تقريره حزنه على ترك الأمم المتحدة، وسعادته بالعمل بها وبجوار الأمين العام على مدى ربع قرن، كما يؤكد على دور الأمين العام (كمؤسسة وأفراد) في قيادة المؤسسة الدولية والمجتمع الدولي في فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية

وقد قدم دي سوتو تقريره – المؤرخ في شهر مايو 2007 - مباشرة لرؤسائه، ولكن نسخة من التقرير تسربت لوسائل الإعلام والتي نشرته كاملا، وكأن الأقدار آبت آلا تعلن شهادة دي سوتو المخلصة على أوسع نطاق ممكن

نظرية المؤامرة

لو أن كاتب التقرير الراهن عربي لاتهم بنظرية المؤامرة أو بالخيال الواسع، فالتقرير – كما ذكرنا من قبل – هو تجميع لمخاوف عدد كبير من المعنيين بالهم العربي وبمستقبل شعوب الشرق الأوسط وبموقف القوى الكبرى وعلى رأسها الولايات المتحدة تجاه العرب وقضاياهم الدولية العادلة وعلى رأسها القضية الفلسطينية بصفة خاصة والصراع العربي الإسرائيلي بصفة عامة

ولو حاولنا ترجمة عبارات التقرير التي تمثل صدمة فكرية وسياسية أو تعبيرا يستحق الذكر لكان الأولى بنا ترجمة التقرير من الألف للياء، إذا ينصح التقرير في خلاصته الأمم المتحدة وأمينها العام بإلغاء منصبه – مبعوث الأمم المتحدة للرباعية وممثل الأمين العام في عملية السلام – أو على الأقل تخفيض مستوى التمثيل الدبلوماسي الأممي باللجنة أن لم يكن إلغائه، وذلك بعد أن أصبحت مشاركة الأمم المتحدة وأمينها العام في اللجنة مصدرا للضرر بمبادئ الأمم المتحدة وبقراراتها السابقة بخصوص الصراع العربي الإسرائيلي وبصورة الأمم المتحدة وبقدرتها على القيام بدورها في عمليات إحلال السلام عبر العام وبسمعتها خاصة في الشرق الأوسط وبسلامة موظفيها وبمستقبل عملية السلام ذاتها بل وبأمن إسرائيل ومستقبلها

المخاوف السابقة تكاد ترد حرفيا في التقرير ويمكن التبرير عليها بسهولة بعبارات مباشرة وهي ليست إلا جزءا من الخلاصات العديدة الهامة التي وصل إليها التقرير الخطير نظرا لأنه ناتج عن معايشة شخصية ومعلومات داخلية ونصيحة محايدة يصعب توافرهم في مكان أخر

ابحث عن أميركا

أصل المشكلة هو أميركا أو إسرائيل أو "نفوذ إسرائيل في أميركا"، فإسرائيل تسيطر على أميركا من الداخل، وأميركا تمتلك نفوذا واسعا زاد منذ نهاية الحرب الباردة، ولوبي إسرائيل داخل أميركا يدفعها لاستخدام نفوذها بشكل غاشم لخدمة مصالح إسرائيل إلى حد التهديد بوقف تمويل الأمم المتحدة، والتي تراجعت تدريجيا عن مواقفها تجاه إسرائيل خلال الحرب الباردة، وبات مسئوليها يتسألون عن وقع قراراتهم على تل أبيب وواشنطن أولا قبل اتخاذها، كما أصبح لدى إسرائيل نفوذها داخل مكتب الأمين العام للأمم المتحدة إلى حد أن دي سوتو كان يسمع بقرارات ومشاورات الرباعية والأمم المتحدة من معارفه الإسرائيليين "الثرثارين" قبل زملائه في الأمم المتحدة، والذين ينصحهم دي سوتو بالتحلي بقدر من المهنية وبالتوقف وتشويه صورة بعضهم البعض لدى المسئولين الإسرائيليين

لذا حولت أميركا ومن خلفها الإتحاد الأوربي وإسرائيل اللجنة الرباعية إلى كيان غير مستقل وغير حيادي يجب تسميته كما يرى دي سوتو "مجموعة أصدقاء أميركا"، وباتت اللجنة الرباعية أداة في يد أميركا لتطبيق سياساتها والتي تصنع في إسرائيل أولا وفرضها على المجتمع الدولي والفلسطينيين، بمعنى آخر حولت أميركا وإسرائيل اللجنة الرباعية من أداة وظيفتها البحث عن سبل تحقيق السلام في الشرق الأوسط إلى أداة في يد أميركا لحماية إسرائيل من الضغط الدولي ومنحها الشرعية التي تحتاجه لتبرير سياساتها البعيدة كل البعد عن السلام بل وعقاب الفلسطينيين أنفسهم وإلقاء اللوم عليهم في توقف عملية السلام

ويذكر دي سوتو في تقريره أمثلة لقرارات اتخذتها اللجنة الرباعية تلقى باللوم على الفلسطينيين ولا تتعرض للطرف الإسرائيلي وذلك بناء على نصيحة الأميركيين والذي طلبوا من الرباعية التعامل برفق وسهولة مع الإسرائيليين، وهي رسالة ضمنية تعني وفقا لدي سوتو إلقاء اللوم على الفلسطينيين

حتى باتت قرارات ومواقف الرباعية تتعارض مع قرارات مجلس الأمن الدولي المتعلقة بعملية السلام وقرارات الأمم المتحدة السابقة مثل خارطة الطريق التي لا تلتزم بها إسرائيل، أو بالأصح تتنصل منها إسرائيل تحت عيون المجتمع الدولي وبمساندة أميركية

حماس وعباس والعرب

هذا لا يعني أن دي سوتو لا يحمل العرب قدر من المسئولية عما يحدث فهو يعبر في فقرات مختلفة عن عدم مساندته لحماس أو لمنهجها، ويرفض مواقفها وعملياتها العسكرية داخل إسرائيل، ويعلن مساندته لضحايا تلك العمليات، كما يلوم قادتها خارج فلسطين والذي يصفهم بعدم المبالاة بدماء الشباب الذي يدفعونهم للشهادة

كما يلوم الرئيس الفلسطيني محمود عباس والذي يصفه بالضعف وبعدم القدرة على السيطرة على مساعديه في فتح والذي عملوا منذ فترة على تقويض حكومة حماس

كما ينتقد العرب وخاصة اللجنة الرباعية العربية وبعض البلدان العربية التي ساندت أميركا في مساعيها لتقوية الأجهزة الأمنية التابعة للرئيس عباس بما يمكنها من مواجهة حماس، وهو موقف يرى دي سوتو أنه سلاح ذو حدين وذلك لأن السحر قد ينقلب على الساحر وأن المرء قد يحصد يوما ثمارا مرة لبذور زرعها بنفسه

أما أغرب موقف للرباعية العربية فهو رسالة أميركية وصلت لدي سوتو تفيد بأن الرباعية العربية مستعدة للتطبيع مع إسرائيل وفقا "للمبادرة العربية" في حالة تمكن إسرائيل من الوصول مع سلام مع الفلسطينيين وبغض النظر عن المسار السوري، وهذا يعني استعداد العرب للتطبيع الكامل مع إسرائيل قبل تحرير جميع الأراضي العربية المحتلة، وهو موقف يثير استغراب دي سوتو ويجعله يعتقد أن العرب مدفوعون برغبتهم في إسماع أميركا ما تريد سماعة خاصة وأن أميركا تستخدم هذا المبدأ بشكل متكرر في صناعة سياستها كما يرى دي سوتو، والذي يشير إلى أن المسئولين الأميركيين اعتادوا الإنصات لبعض مساعدي عباس والذي أكدوا لهم أكثر من مرة أن سقوط حكومة حماس وشيك على الأبواب

حماس في مقابل إسرائيل

ويقول دي سوتو أن أميركا لم تعارض مشاركة حماس في الانتخابات خاصة أن عباس كان يرى أن تلك المشاركة ضرورية لدمج حماس في العملية السياسية وإلزامها تدريجيا باتفاقات أوسلو وتبعاتها، ولكن عباس وفتح وإسرائيل وأميركا فوجئوا بفوز حماس الكبير، وسرعان ما مالت أميركا لموقف إسرائيل الرافض للتعامل مع حماس ومع أي حكومة فلسطينية تشارك فيها، ومن ثم فرض حصار قاسي على الشعب الفلسطيني عقابا له على انتخاب حماس وتطبيقا لموقف الحكومة الإسرائيلية والتي لا تمتلك أجندة لتحقيق السلام حقيقية

وهنا يفرد دي سوتو مساحات واسعة من تقريره لإقناع قارئه بعدم صحة الموقف الإسرائيلي اعتمادا على عدد كبير من الحجج الهامة والقوية القائمة على سنوات خبرته الدبلوماسية في مجال المفاوضات وإحلال السلام في صراعات دولية معاصرة

حيث يقول دي سوتو أن مطالبة إسرائيل لحماس بالاعتراف بإسرائيل أولا غير مقبول ويتنافي مع مفاوضات السلام التي نجحت فيها الأمم المتحدة في السابق، والتي كانت تقوم على التعامل مع جميع الأطراف المعنية بالصراع بغض النظر عن مواقفهم السياسية، فتغيير هذه المواقف هو هدف المفاوضات وليس نقطة انطلاقها

وعلى نفس المنوال يشير دي سوتو ساخرا إلى موقف أميركا وإسرائيل من سوريا، حيث تطالب إسرائيل سوريا بتغيير سياستها أولا وبالتخلي عن جميع أوراقها كشرط لبدء عملية المفاوضات معها، وهو ما يدفع دي سوتو إلى التساؤل عما إذا كان ينبغي على سوريا أن تفعل ذلك!؟ وهل يعقل أو يتوقع أحد أن تقوم سوريا بذلك!؟ فكيف تقوم دولة بالتخلص من جميعا أوراقها ومصادر الضغط التي يمتلكها من جانب أحادي قبل الدخول في مفاوضات مع طرف أخر!؟ فلو قامت بسوريا بذلك بدون مفاوضات فما هي وظيفة المفاوضات أصلا

كما يشير دي سوتو أكثر من مرة متعجبا إلى مطالبة إسرائيل لحماس بأن تعترف بمفاوضات السلام السابقة وبتبعاتها وبالتزامات الحكومات الفلسطينية السابقة، ويقول لماذا تطالب إسرائيل حماس بذلك وإسرائيل أكبر المنتهكين للقاعدة ذاتها، فإسرائيل لا تعترف بقرارات الأمم المتحدة ومجلس الأمن والقانون الدولي وبخارطة الطريق وبعملية السلام وبالتزاماتها تجاه الحكومات الفلسطينية السابقة كأموال الضرائب التي تجمعها نيابة عن الحكومة الفلسطينية ومنعتها عن حكومة حماس بدون وجه حق فهي أموال لا تخص إسرائيل من البداية وتلتزم إسرائيل بتوصيلها للفلسطينيين وفقا لاتفاقات السلام السابقة، ومع ذلك قلبت إسرائيل الطاولة وباتت تطالب بمعاقبة الفلسطينيين – والتي باركتها اللجنة الرباعية – لعدم التزامهم باتفاقات السلام السابقة

حلم إسرائيل

هذا إضافة إلى أن حصار الفلسطينيين وتجويعهم وتشجيع الصراع بينهم سوف يقوض دعائم الدولة الفلسطينية وسوف يهدر موارد دولية أنفقت مساعدة الفلسطينيين خلال السنوات الأخيرة، كما سيقوض قدرة الفلسطينيين على بناء دولة متماسكة نسبيا كضرورة من ضروريات المضي قدما في عملية السلام بصورتها الراهنة

وهنا يحذر دي سوتو إسرائيل ويقول أن سياسة إسرائيل الراهنة سوف تصب في نهاية المطاف ضد مصالح إسرائيل، وقد تقوض أهم أحلام الإسرائيليين ببناء دولة يهودية مستقلة بهم، حيث يرى دي سوتو أن العملية السياسية الإسرائيلية بصورتها الحالية عاجزة عن إنتاج ساسة أقوياء قادرين على قيادة إسرائيل نحو السلام بما يتطلبه من تضحيات، وأن الحكومات الإسرائيلية لا تمتلك خطة حقيقة للسلام، بل أنها على العكس تتمادى في عقاب الفلسطينيين وأهانتهم بما يضمن تربية أجيال جديدة من الاستشهاديين تسعى للانتقام لإبائها كما يقول دي سوتو، كما تتمادى إسرائيل في توسيع المستوطنات والسيطرة على أراضي الفلسطينيين من خلال حائط الفصل أو ما شابهه من أدوات

ويقول دي سوتو أن النتيجة التي لا يتوقعها الإسرائيليون من كل هذا هو تقويض فرص بناء دولة فلسطينية مستقلة، وهو ما سيدفع المجتمع الدولي للتخلي عن حل الدولتين والمطالبة بعملية سلام جديدة قائمة على حل الدولة الواحدة التي يتمتع فيها الفلسطينيون والإسرائيليون بحقوق متساوية، وذلك اعترافا بالواقع الذي أنتجته سياسة الاحتلال الإسرائيلية المتعنتة

Wednesday, July 25, 2007

Preconditions doom Mideast peace talks

The Press-Enterprise, 10:00 PM PDT on Friday, July 20, 2007

By ALAA BAYOUMI

President Bush's recent call for an international meeting on Israeli-Palestinian peace this fall may sound like progress to some. However, for many Arabs the new initiative will look nothing but suspicious and pointless.

This is the case because the Bush administration has been leading a misguided strategy toward the peace process, a strategy based on pressuring Palestinians to meet unattainable Israeli requirements for serious negotiations.

The preconditions strategy goes back to former Israeli Prime Minister Ariel Sharon, who favored a policy based on unilateral Israeli moves rather than on mutually agreed-upon and parallel concessions between Israel and the Palestinians.

Bush followed Sharon by calling for Palestinian regime change in 2002 and by requiring Palestinians, through the so-called road map, to meet several unfeasible demands, such as ending violence, before continuing to the plan's noteworthy phases.

By the end of 2003, Sharon announced his plans to unilaterally withdraw from Gaza. The disengagement policy was a blow to the basic foundation of the current peace process, which is designed to enable Israelis and Palestinians to negotiate a mutually acceptable solution to their conflict.

When Hamas rose to power in 2006, Israel demanded it disarm, accept previous peace agreements and recognize the Jewish state. Nobody expected Hamas to accept these requests. Yet, the Western world, led by the United States, adopted Israeli's preconditions, imposing a devastating embargo on all Palestinians.

Since Hamas took over Gaza last month, Palestinian President Mahmoud Abbas and Israeli Prime Minister Ehud Olmert met four times. Yet, none of these summits addressed serious negotiations issues.

In this context, who should expect Arabs to buy into Bush's new initiative? After all, Bush has little time left in office, his Iraq strategy is bankrupt and his legacy may be too badly damaged to salvage. And, Olmert is not in a better situation after his failure in the war against Lebanon.

What Arabs want from the United States is not another peace gathering, but progress on the ground. For that to happen, the United States must pressure Israel to give up its "preconditions strategy" and to start meaningful peace talks immediately. Delaying such talks is too risky.

Saturday, July 07, 2007

Another futile PR stunt abroad

Published By: The Providence Journal

01:00 AM EDT on Saturday, July 7, 2007

By: Alaa Bayoumi

PRESIDENT BUSH has a unique ability to stick to his policies and rhetoric even if reality and practice prove them wrong. His recent announcement that he will appoint a special envoy to the Organization of the Islamic Conference (OIC) is no anomaly.

To read article's full text, please click here

Wednesday, June 27, 2007

ترويض أوباما
مقال بقلم: علاء بيومي

الناشر: الجزيرة نت، 24 يونيو 2007


نص المقال

المؤتمر الوطني الحزب الديمقراطي الأميركي الذي انعقد قبيل انتخابات عام 2004 الرئاسية – وتحديدا في يوليو 2004 – كتب شهادة ميلاد باراك أوبامو السياسية على النطاق الوطني بالولايات المتحدة، إذ حول المؤتمر أوباما من مرشح بانتخابات مجلس الشيوخ الأميركي عن ولاية ألينوي إلى أحد ألمع السياسيين الأميركيين على الإطلاق، إذ خرجت صحف أميركية عديدة - في اليوم التالي للمؤتمر - بمقالات تتنبأ بميلاد نجم سياسي جديد يتمتع بكاريزما قوية، وبقدرة خطابية عالية، وبخطاب جديد

إذ قدم أوباما نفسه كمثال للأميركي الجديد المتعدد الأعراق والخلفيات والمنفتح على الجميع والذي يريد بناء أميركا جديدة متحدة تتخطى الفوارق العرقية والسياسية، فباراك أوباما وهو من مواليد أغسطس 1961 ولد لأب كيني وأم أميركية انفصلت عن والده وباراك ابن العامين، ثم انتقل باراك بعد ذلك مع أمه وزوجها إلى إندونيسيا، ثم عاد إلى أميركا لكي يربى في منزل جديه من أمه، وعاش فترة مراهقة صعبة بسبب ظروفه العائلة وأزمة هوية عاشها، ثم تمكن من الخروج من أزمته بالإصرار والعزيمة اللذان قاداه للتفوق الرياضي والدراسي حيث حصل على شهادات جامعية وأتم دراساته العليا بأكبر الجامعات الأميركية ، ليعود بعد ذلك لخدمة المجتمع المحلي والأفارقة الأميركيين والأحياء الفقيرة بمدينة شيكاغو بولاية ألينوي الأميركية مما أدى إلى انتخابه عضوا بمجلس شيوخ الولاية منذ عام 1997 وحتى عام 2004، وهو العام الذي انتخب فيه أوباما عضوا بمجلس الشيوخ الأميركي بعد فوزه بأغلبية ساحقة (70%) على منافسه الجمهوري

أوباما ... الأمل

خلفية أوباما السابقة وقصة نجاحه جعلت منه قصة نجاح أميركية تمثل مصدرا للأمل للعديدين خاصة مع حرص أوباما على رسم صورته لدى الرأي العام الأميركي بشكل يؤكد الفكرة السابقة، إذ يحرص أوباما على تقديم نفسه كسياسي عصامي يمثل الأميركي العادي، لا يخضع لقيود جماعات اللوبي بواشنطن، ويترفع عن الخلافات السياسية، ويسعي لقيادة أميركا لمستقبل أكثر إشراقا وإيجابية، وقد ساعد أوباما على ذلك كاريزميته التي تنبع من قدراته اللغوية والخطابية العالية مما دفع العديد من الكتاب والصحفيين الأميركيين لمقارنته ببعض أكثر الشخصيات العامة الأميركية ذات الكاريزما عبر التاريخ

وزاد أوباما لمعانا في عيون المسلمين والعرب الأميركيين حديثه عنهم في خطابه أمام مؤتمر الحزب الديمقراطي الذي قدمه إلى أميركا، إذ انتقد أوباما ما تعرض له العرب الأميركيون من تمييز في أميركا بعد أحدث الحادي عشر من سبتمبر، حيث ذكر أنه "لو تعرضت أسرة عربية أميركية للاعتقال بدون إعطاءها حقها في توكيل محامي للدفاع عنها أو للخضوع للسير الطبيعي للعملية القانونية، فإن ذلك يهدد حرياتي المدنية"

أضف إلى ذلك خلفية أوباما الأفريقية وجذوره المسلمة وانتمائه للأقلية الأفريقية الأميركية وتدينه ومعارضته لحرب العراق ومطالبته بسياسية أميركية أكثر احتراما للحقوق المدنية في التداخل وأكثر تواضعا في الخارج وصعود نجمه السريع بالسياسية الأميركية، وهي عوامل جعلته مجتمعة قائد سياسي أكثر جاذبية في عيون العديد من المسلمين والعرب الأميركيين ولجماهير أميركية أخرى عديدة

أوباما ... المرشح الرئاسي

ولكن هل يختلف السيناتور أوباما عن أوباما المرشح الديمقراطي للرئاسة أو أوباما الرئيس الأميركي؟ وهل سيتمكن أوباما من مواجهة ضغوط واشنطن واللوبيات والنخب الحاكمة والمسيطرة؟ وما هي حقيقة مواقف أوباما تجاه قضايا المسلمين والعرب المختلفة؟ وهل هناك وجها أخر لأوباما يتخفي وراء خطابه المنمق المتدفق في سهولة ممتنعة؟ وهل يتحول أوباما لبوش أخر يعجب به العرب كمرشح رئاسي ثم يتحول لرئيس كارثي للعرب والأميركيين على حد سواء بعد وصوله للبيت الأبيض

قراءة خطب أوباما ومواقفه السياسية منذ توليه عضوية مجلس الشيوخ في أوائل عام 2005 تحتوي على العديد من النقاط الإيجابية، إذ يؤكد أوباما رغبته في سحب القوات الأميركية بشكل كامل قبل أوائل أبريل 2008، وفي تقوية المؤسسات الدولية كالأمم المتحدة وإصلاحها، وفي تحسين علاقة أميركا بالعالم من خلال بناء التحالفات وتقديم المساعدات الخارجية، حيث يتعهد أوباما بمضاعفة المساعدات الأميركية للعالم بنهاية فترة رئاسته الأولى، وباحترام حقوق الإنسان مؤكدا على استهجانه اللاذع لأخطاء بوش كجوانتانامو والسجون السرية

كما يتعهد بأن يقرن مساعدات أميركا الخارجية بمطالبة النظم الديكتاتورية بالإصلاح، وأن يدعم الحوار بين دول العالم كالهند وباكستان، وأن يعتمد الحوار المباشر آداه دبلوماسية أساسية مع مختلف الدول بما في ذلك إيران

وعلى المستوى الداخلي يطرح أوباما أفكارا طموحة عن الإصلاح حيث قدم مؤخرا خطة لتوفير الرعاية الصحية للأميركيين واجهت انتقادات واسعة من جماعات ومراكز أبحاث يمينية مختلفة خوفا من تكلفتها الباهظة على ميزانية الحكومة الأميركية، مما يعني أن أوباما لديه الشجاعة على طرح أفكار تهدف إلى مساعدة المواطن الأميركي العادي على مواجهة آلة الرأسمالية الأميركية الطاحنة، هذا إضافة إلى تقديم أوباما تشريعات تحد من نفوذ جماعات اللوبي والضغط السياسي على المشرعين الأميركيين

ترويض أوباما

المقلق هنا أن أوباما مازال حديث العهد بالسياسة الأميركية ولم يواجه ما يكفي من التحديات ومن ضغوط جماعات المصالح واللوبي وخصومه، خاصة وأنه يواجه في انتخابات الرئاسة الأميركية سياسيين محنكين على غرار هيلاري كلينتون وجون ماكين، كما أنه يواجه آلة الإعلان والدعاية الأميركية المخيفة، وجهود نخب وجماعات مصالح شرسة

ففي الشهور الأخيرة طغى على السطح اتهامات لأوباما بأنه تعلم في مدارس إسلامية متشددة بإندونيسيا، كما تعرض لضغوط ضخمة من مناصري إسرائيل بعد أن صرح قائلا بأن "لا أحد يعاني أكثر من الفلسطينيين"، كما نشرت مقالات تعطي انطباعا بأن أوباما يشعر بالذنب لأنه لا يساند القضية الفلسطينية بشكل كافي، وبأنه يهادن إيران

في المقابل يمكن للمتابع أن يجد في خطاب أوباما – على مستوى السياسة الخارجية – نوعا من التشدد النابع من أسباب مختلفة

من بين هذه الأسباب سعي أوباما إلى تقديم نفسه على أنه ينتمي لوسط اليسار الأميركي لا ليسار اليسار الأميركي، وهنا يجب الإشارة إلى أن وجود اختلافات أيدلوجية بين الجماعات اليسارية بالولايات المتحدة، فهناك جماعات أكثر ميلا للسلام ولليبرالية على المستويات الأخلاقية والداخلية، في المقابل هناك جماعات يسارية أكثر نزعة للعسكرية وللمحافظة على المستويات الأخلاقية والسياسية الداخلية، ويمكن القول أن أوباما يحرص على تمييز نفسه عن مرشحين ينتمون ليسار اليسار الأميركي من أمثال دينيس كوسينيتش عضو مجلس النواب الأميركي الديمقراطي عن ولاية أوهايو والمرشح الرئاسي عن الحرب الديمقراطي في الانتخابات الأميركية المقبلة والسابقة

فمرشحين مثل كوسينيتش لا يمتلكون حظوظا واسعة للفوز بالرئاسة الأميركي أو حتى بأصوات غالبية الديمقراطيين، في المقابل يحرصون على ترشيح في الانتخابات الرئاسية أنفسهم للتعبير عن أجندة تمثل مصالح أقلية من الجماهير الأميركية ذات أيدلوجية فكرية معينة

حيث ينتمي كوسينيتش ليسار اليسار الأميركي بأجندة المعادية لحرب العراق وللحروب بشكل عام والمطالبة بالحقوق والحريات المدنية على نقاط واسع بالداخل الأميركي وبحقوق الأقليات والمهاجرين، وبسياسة أميركية أكثر اعتدلا تجاه الشرق الأوسط وأكثر انفتاحا على العالم الإسلامي، وهي أفكار جريئة قد تقلل حظوظ صاحبها في الحصول على تأييد غالبية الشعب الأميركي، وهو تأييد يحتاجه أي مرشح رئاسي أميركي حريص على المنافسة على مقعد الرئاسة والوصول إليه

لذا نجد أن أوباما حريص على تقديم نفسه كسياسي قادر على إرضاء اليمين واليسار الأميركيين انطلاقا من أجندة ليبرالية متوسطة في يساريتها، إذا يحاول أوباما تقديم نفسه كسياسي قادر على حماية أمن أميركا وبناء جيش قوي والضغط على أعداء أميركا في الخارج في الوقت الذي يقوم فيه بتحسين علاقات أميركا مع دول العالم المختلفة من خلال سياسة تقوم على بناء التحالفات والعمل من خلال المؤسسات الدولية وزيادة المساعدات الخارجية

وانطلاقا من هذه الأجندة يؤكد أوباما على عزمه بناء جيش أميركي قوي، وعلى حرصه على منع إيران من امتلاك أسلحة الدمار الشامل من خلال التفاوض المباشر مع الإيرانيين على آلا يستبعد خيار استخدام القوة العسكرية بشكل نهائي

السبب الثاني هو أن أوباما ينطلق من واقع سياسي معين تتحكم فيه سياسات أميركية تمت بالفعل ونخب حاكمة قوية ومسيطرة، وهنا يظهر أن أوباما يحرص في خطابه على تأكيد إيمانه بأن أميركا هي "أخر وأفضل أمال الأرض" أو البشرية، وبذلك يغذي المشاعر القومية الأميركية وشعور الأميركيين بالرسائلية (أن الأميركيين شعب خاص له رسالة قدرية تؤهله لقيادة العالم وتطالبه بذلك) وهي نفس المشاعر التي أساء المحافظون الجدد استغلالها خلال السنوات الأخيرة، ولكن أوباما يحاول استخدام تلك المشاعر لإقناع الأميركيين بالعدول عن مشاعر العزلة التي تعصف بهم حاليا بعد فشل حرب العراق، ولكي يقنعهم بوجود دور إيجابي لهم في السياسة الدولة

ولكن أوباما يعود ليعبر عن قناعته بأنه ينبغي على أميركا الاحتفاظ بقوات محدودة في العراق بعد الانسحاب منه وذلك لأغراض التدريب ومكافحة القاعدة، ويلوم مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة على إفراطه في نقد إسرائيل في الوقت الذي يتجاهل فيه ما يجري بدارفور، كما يدعو أميركا للتدخل في شئون العالم الإسلامي لدعم القوى المعتدلة ومكافحة القوي المتشددة، ويطالب الشركات الأميركية – من خلال مشروع قانون يرعاه - بعدم الاستثمار في قطاع الطاقة بإيران، ويؤكد على حرصه على حماية حليف أميركا الأول في الشرق الأوسط إسرائيل وعزل خصومها

وهي مجموعة من الأفكار المختلطة، والتي لا تعبر بالضرورة عن مواقف يسارية معينة بقدر ما تعكس مصالح النخب الأميركية الحاكمة ولوبيات واشنطن وسياساتها الخاطئة وعجزها عن إعادة تقييم مواقفها تقييما حقيقيا يعكس القيم الأميركية ويبحث عن حلول أصيلة لمشاكل العالم وللمشاكل التي تواجه سياسة أميركا الخارجية وخاصة في الشرق الأوسط في الوقت الراهن

أوباما ... إلى أين؟

هذا يعني أن أوباما وليد لحظة وظروف أميركية معينة قد لا يستطيع بسهولة التخلص من تبعاتها الظاهرة والكامنة، وأن أوباما المرشح الرئاسي أو الرئيس قد لا يعكس بالضرورة أوباما المحامي المدافع عن حقوق الأقليات والمستضعفين بأحياء شيكاغو الفقيرة، وأن ماكينة الانتخابات الأميركية الطاحنة قد تدفع أوباما حديث العهد بالسياسة وضغوطها بعيدا عن مواقفه السابقة

أخيرا بقى لنا أن نؤكد أن الحكم على أوباما مازال مبكرا، فما زال أمامنا متسعا من الوقت والمصادر لبناء حكم أدق وأشمل عن أوباما ومواقفه خاصة مع اشتعال وتيرة الانتخابات الأميركية ودخول السباق الرئاسي مراحله الأكثر تطورا، ومع مقارنة مواقف أوباما بمواقف خصومه من المرشحين الديمقراطيين والجمهوريين على حد سواء

Wednesday, June 20, 2007

هل فشل مسلمو وعرب أميركا في الإندماج؟

بقلم: علاء بيومي

الناشر:
جريدة البديل المصرية، 11 يونيو 2006

نص المقال

هناك من ينادي بفشل مسلمي وعرب أميركا في الإندماج بالمجتمع الأميركي لأسباب مختلفة، حيث يرى البعض بأن الحديث عن الإندماج في المجتمع الأميركي هو حديث غير مقبول من أساسه، إذ يؤمن هؤلاء لأسباب إيدلوجية دينية أو علمانية متباينة أن أميركا لن تقبل لعربي أو مسلم بالإندماج فيها بشكل يحفظ له هويته ويضمن له الدفاع بحرية عن قضايا أمته العادلة

في المقابل يرى بعض العلمانيين العرب المتشددين أن الحديث عن إندماج الأقليات المسلمة في المجتمعات الغربية بشكل يحفظ لهم هوياتهم وحقوقهم الدينية هو درب من التطرف أو التخلف أو كليهما معا، والذي يحمل المجتمعات الغربية فوق طاقتها، ويرى هؤلاء أن بقاء المسلمين والعرب في أميركا يحتم عليها الإنصهار لا الإندماج ثقافيا وسياسيا، وأن المطالبة بغير ذلك هو تطرف لن يقود سوى إلى الفشل

ولا تختلف الرؤى السابقة كثيرا عن رؤى بعض الجماعات الأميركية التي ترفض إندماج المسلمين والعرب في أميركا حيث ترى الجماعات العنصرية وبعض الجماعات المتشددة في مساندة إسرائيل أن سعي المسلمين والعرب للإندماج الإيجابي في المجتمع الأميركي هو مؤامرة سياسية تهدف إلى السيطرة على المجتمع الأميركي وفرض أجندات المسلمين والعرب على أميركا وسياستها، لذا يرى هؤلاء أن التحديات الطبيعية التي تواجه إندماج المسلمين والعرب في أميركا هي براهين حتمية على عدم قدرتهم على الإندماج في مجتمع غربي متقدم كالمجتمع الأميركي

ولو قلنا أن الرؤى السابقة متطرفة لا تعكس واقع مسلمي وعرب أميركا ومسيرة إندماجهم في المجتمع الأميركي، لكان ينبغي علينا البحث عن رؤى بديلة، وللعثور على تلك الرؤى رأينا أن نتفق مع القارئ أولا على بعض المسلمات المنطقية التي ينبغي أن تحكم نظرتنا نحو التجمعات العربية والمسلمة في الولايات المتحدة

أول هذه المسلمات أن الهجرة حالة لا تقتصر على المهاجر وحده ولكنها ظاهرة بشرية واسعة الإنتشار يتعرض لها كل إنسان والذي لابد وأن يشعر في وقت من الأوقات بالغربة أو الإغتراب عما يدور حوله لأسباب مختلفة سياسية أو ثقافية أو إقتصادية ... ألخ، فمن منا لم يعاني الغربة وهو جالس وسط أهله أحيانا؟ ومن في العالم العربي اليوم وسماواته مليئة بالفضائيات لا يتعرض لثقافات وأفكار أجنبية أو جديدة بشكل يومي، هذا يعني ان الهجرة تكاد تكون ظاهرة عامة يعيشها بشكل مستمر أبناء عصر العولمة بدرجات مختلفة

المسلمة الثانية أن الغربة تفرض التغير، والتغيير قد يكون للأفضل أو للأسوأ، وأن الأنسان العاقل لابد وأن يبحث عن الأفضل لنفسه، ويكون ذلك بإنتقاء ما هو إيجابي من ماضيه وحاضره ومستقبله، وتجنب ما هو سلبي، خاصة وأن الطبيعة البشرية لا تعترف بالكمال، وأن لكل مجتمع مزاياه وعيوبه

بناء على ذلك يفترض على مسلمي وعرب أميركا بناء توليفة جديدة من القيم والأفكار التي تجمع بين ما هو إيجابي في ماضيهم العربي وحاضرهم الأميركي، وتتجنب ما هو سلبي، وهذا هو تقريبا تعريف الإندماج والذي يختلف عن الإنصهار، حيث يرى دعاة الإنصهار في المجتمع الأميركي أنه يتحتم على المهاجرين الجدد التخلي عن كل ما يربطهم بماضيهم من أجل أن يذوبوا بشكل كامل في حاضرهم الأميركي، في حين يشجع دعاة الإندماج المهاجرين الجدد على الإنتقاء بحرية بين ماضيهم وحاضرهم بحثا عن الأفضل

لذا يلاقي دعاة الإنصهار الأميركيين معارضة واسعة من قبل فئات أميركية مختلفة والتي عادة ما تذكرهم بأن أميركا مجتمع من المهاجرين إزدهر بالخبرات والكفاءات التي أحضرها المهاجرون إليه من مجتمعاتهم القديمة، وأن التقدم الذي تعيشه أميركا اليوم مدينا لعشرات الآلاف من أصحاب الكفاءات الذين تستقدمهم أميركا كل عام لسد حاجات سوق عملها المتنامي، وأن توقف تدفق هؤلاء المهاجرين الأكفاء هو بداية تراجع أميركا

المسلمة الثالثة هي أن الإندماج ذو شقين، أولهما قائم على سعي المهاجر للإندماج، وثانيهما قائم على موقف مجتمع المهجر ونخبه الحاكمة من ذلك الإندماج، فالهجرة والإندماج هما حالتان تفاعليتنان قد تصيران إلى الأفضل أو إلى الأسوأ، لذا يتحتم علينا أن نسأل أنفسنا سؤالا هاما، وهو: كيف نعد المهاجر العربي والمسلم لإندماج أفضل في المجتمع الأميركي بشكل يحفظ له هويته ويجعله عنصرا فاعلا مفيدا في مجتمعه الجديد وسفيرا لقضايا أمته العربية والمسلمة العادلة، ويقودنا هذا الحديث إلى السؤال عن مقومات الإندماج الرئيسية لمسلمي وعرب أميركا والتي نقسمها لثلاثة مقومات رئيسية، أولها مقومات نابعة من الوطن الأم، وثانيها مقومات نابعة من طبيعة الأقلية المسلمة والعربية ذاتها، وثالثها تتعلق بموقف المجتمع الأميركي وخاصة نخبه الحاكمة من الأقليات المسلمة والعربية الأميركية

دور الوطن العربي

المجتمعات العربية تنفق على أبناءها الكثير من تعليم ورعاية صحية وتنشئة قبل تقديمهم كمهاجرين أكفاء للولايات المتحدة، كما تزرع ظروف الحياة الصعبة في بعض المجتمعات العربية قيم العمل والكفاح الجاد لدى المهاجر العربي، هذا إضافة إلى تشجيع بعض المجتمعات العربية لأبناءها على السفر والمغامرة لأسباب مختلفة كالمجتمعات الساحلية، كما ترسل الدول العربية أبنائها للدراسة في أميركا، حيث يعد هؤلاء الطلاب رافدا هاما لتجديد دماء الأقليات المسلمة والعربية بشكل مستمر، ناهيك عن أن غالبية المنظمات المسلمة والعربية القائمة حاليا في الولايات المتحدة قامت على أكتاف الحركات الطلابية

على الجانب الأخر تعاني بعض المجتمعات العربية من مخاطر الهويات المنغلقة لأسباب دينية أو علمانية متباينة، وهي هويات تزرع في المؤمنين بها مشاعر إستعلاء وإنغلاق ورفض للأخر لا مبرر لها، كما تعاني المجتمعات العربية من ضعف معرفتها بالمجتمع الأميركي كمجتمع بشكل عام وندرة مصادر المعرفة الصحيحة عن هذا المجتمع هذا إضافة إلى إهمال قضية إعداد المهاجر وبناء قنوات إتصال بينه وبين وطنه خلال وجوده في مهجره، فمازالت غالبية الدول العربية تعتمد نوع من الدبلوماسية النخوبية والتي تقصر عمل المؤسسات الدبلوماسية العربية في أميركا على التواصل مع المؤسسات الأميركية الرسمية وعدم الإكتراث بتعبئة الأقليات المسلمة والعربية في المهجر أو التواصل معها

ولا يخفى على أحد القول أن حالة الإحتقان والتوتر السياسي التي تسيطر على علاقة الولايات المتحدة بالعالمين العربي والإسلامي منذ عقود تلقي بظلال سلبية عميقه على علاقة المهاجر المسلم أو العربي بمجتمعه الجديد

دور الأقليات المسلمة والعربية الأميركية

تتميز الأقليات المسلمة والعربية الأميركية في الوقت الراهن بتوحدها حول عدد من القضايا الهامة كالحقوق المدنية وتوضيح الصورة وتحسين سياسة أميركا الخارجية تجاه العالمين العربي والإسلامي، وهي قضايا دخلت في السنوات الأخيرة بيت كل مسلم وعربي بأميركا، ساعد على ذلك نمو المنظمات المسلمة والعربية الأميركية المستمر، هذا إضافة إلى أحداث الحادي عشر من سبتمبر الطاحنة التي كان لها الفضل في إضعاف التوجهات الإنعزالية في أوساط مسلمي وعرب أميركا، حيث أقنعت تبعات تلك الأحداث القاسية المسلمين والعرب المقيمين في أميركا بأن الإندماج النشط هو السبيل الوحيد للبقاء في ذلك المجتمع

هذا إضافة إلى طبيعة الأقلية المسلمة والعربية الأميركية ذاتها والتي تتميز بإرتفاع المستوى التعليمي والمادي نسبيا، فنسبة لا يستهان بها من مسلمي اميركا هم من أصحاب الكفاءات العلمية والمهنية الذين استعانت بهم أميركا لسد احتياجات سوق عملها

على الجانب الأخر مازالت الأقليات المسلمة والعربية تعاني من ندرة القيادات السياسية والإعلامية القادرة على تمثيل مصالحها لدى مؤسسات المجتمع الأميركي الكبرى والتي تمتلك في نفس الوقت حسا عاليا بقضايا ومصالح تلك الأقليات وتمتلك الشجاعة الكافية للدفاع عن تلك القضايا في دوائر السياسية والإعلام الأميركية، ساعد على ذلك الضعف النسبي للمؤسسات المسلمة والعربية النابع من قلة هذه المؤسسات وإفتقارها للموارد، وقد يعود ذلك إلى أن المهاجرين المسلمين والعرب قادمين أساسا من مجتمعات لا تشجع التنظيم السياسي، لذا تعاني أعداد كبيرة من المهاجرين المسلمين والعرب من ضعف مستويات نشاطهم السياسي ومن ثم مهاراتهم السياسية

دور المجتمع الأميركي

أميركا - كمجتمع قائم على المهاجرين ومر بثورة حقوق مدنية قوية - ترحب بالمهاجرين إلى حد كبير، فالتوجهات الليبرالية بالمجتمع الأميركي قوية وهي تشجع الهجرة وترحب بالمهاجرين، هذا إضافة إلى أن المدن الأميركية الكبيرة عالية التعديدة العرقية والإثنية بشكل يشعر المهاجر الجديد بأنه ليس غريبا بتلك المدن خاصة وأن المواطن الأميركي بشوش اجتماعي

على الجانب الأخر تعاني أميركا خلال السنوات الأخيرة من أوبئة خطيرة تهديد ميراثها كمجتمع يرحب بالمهاجرين وعلى رأس تلك الأوبئة إرتفاع صوت الجماعات اليمينية المعارضة للهجرة وللمهاجرين، وزيادة الفجوة بين الفقراء والأغنياء والتي تعصر الطبقات الفقيرة والمتوسطة التي ينتمي إليها المهاجرون، هذا إضافة إلى موقف بعض النخب المسيطرة كالنخب اليمينية المتشددة واللوبي الموالي لإسرائيل تجاه الهجرات والأقليات المسلمة والعربية بشكل خاص وتجاه العالمين العربي والإسلامي بشكل عام

أضف إلى ذلك الهجمة الشرسة خلال السنوات الأخيرة على حقوق وحريات المسلمين والعرب في أميركا وعلى صورتهم في وسائل الإعلام الأميركية، والتضييق عليهم في الوظائف وفي إستخراج تصاريح الهجرة والتجنيس، وهي هجمة دفعت أعداد ليست بقليلة إلى ترك الولايات المتحدة والعودة إلى أوطانهم بعد أن أقنعتهم بأن أميركا لم تعد مجتمع الفرصة المفتوح كما كانت في الماضي

وفي الخاتمة يجب أن نؤكد على أن قدرة المهاجر المسلم والعربي على الإندماج الإيجابي في المجتمع الأميركي هي مسئولية مشتركة يتحملها المهاجر والمجتمعات العربية والمسلمة والمجتمع الأميركي والذي أغلقت بعض نخبه الحاكمة عقولها وقلوبها مؤخرا أمام المسلمين والعرب

Wednesday, June 13, 2007

فكر اليمين الأمريكي: هارفي مانسفيلد نموذجا


مقال بقلم: علاء بيومي

عدد الكلمات: 6000 كلمة

الناشر:
مجلة آراء، يونيو 2006، حقوق الطبع والنشر محفوظة للناشر، المقال منشور بعنوان كيف يفكر صقور الإدارة الأميركية

للإطلاع على النص الكامل للمقال، يرجى زيارة
http://www.araa.ae

مقتطفات من المقال

المقال الراهن يتناول أهم أفكار المفكر الأميركي المحافظ واسع النفوذ هارفي مانسفيلد أستاذ العلوم السياسية بجامعة هارفرد، وأحد أهم القلاع الفكرية الأكاديمية المحافظة بأميركا، ويعرف المقال في بدايته بهارفي مانسفيلد وعلاقته بالمحافظين الجدد ومنهجه الفكري، ثم يتناول موقف مانسفيلد من عدد من أهم الصراعات الفكرية الأميركية الراهنة كالعلاقة بين اليمين واليسار والحرب على الإرهاب والموقف من المسلمين والعالم الإسلامي

ويشير المقال إلى أن الهزيمة التي لحقت بالحزب الجمهوري في انتخابات نوفمبر 2006 التشريعية الأميركية لا يجب أن تقلل من اهتمام الباحثين في أميركا وخارجها بمحاولة فهم الجذور السياسية والفكرية للحزب الجمهوري ولقوي اليمين الأميركي المساندة له والتي تشكل جزءا رئيسيا من القوي السياسية بالولايات المتحدة

من هذا المنطلق يأتي تناول هارفي مانسفيلد كأحد أبرز المفكرين السياسيين المحافظين في الولايات المتحدة الأميركية، وهو أستاذ العلوم السياسية بجامعة هارفرد الأميركية منذ عام 1962، وأحد أهم القلاع الأكاديمية المحافظة في أميركا، وأحد أقدر الكتاب الأميركيين القادرين على تأصيل السياسات اليمينية فكريا وفلسفيا، هذا إضافة إلى نشاط مانسفيلد في دوائر المحافظين الجدد خاصة مع كون مانسفيلد أحد أبرز تلاميذ الفيلسوف الأميركي الألماني الأصل ليو ستراوس الملقب بالأب الروحي للمحافظين الجدد

ويشير المقال إلى أن فكر هارفي مانسفيلد ينطلق من إيمانه بفكرة رئيسية أولى وهي أهمية الفكر والفلسفة في الحياة السياسية الأمريكية المعاصرة، وكذلك من إيمان مانسفيلد بوجود الفضيلة كقيمة يجب أن تسعى المجتمعات لتحقيقها وزرع حبها بين مواطنيها بما يترتب عليها من مسئوليات للفرد تجاه المجتمع، حيث يرفض مانسفيلد الهجوم الذي تتعرض له فكرة وجود الفضيلة من الجماعات التي تعارض الفكرة وتدعو للحياد أو النسبية كبديل للفضيلة

كما يرى مانسفيلد أن أساس الحياة بأي مجتمع ديمقراطي هو التحزب وسعى كل فرد لتعظيم مصلحته الخاصة مما يشكل ضمانة أساسية للديمقراطية، حيث يرى مانسفيلد أن المساواة هي قيمة مثالية يستحيل تحقيقها، في المقابل يرى أن التحزب والسعي لتحقيق المصلحة الخاصة هما من خصائص الطبيعة البشرية، كما يرى أن الطبيعة البشرية ذاتها مشغولة لدرجة ما بتحقيق المصلحة العامة

هذا إضافة إلى حب مانسفيلد لميكيافيللي، لاعتقاده بأن ميكيافيللي هو من وضع حجر أساس علم السياسة الحديث بثورته على هيمنة الدين على تعريف الفضيلة، ونقد مانسفيلد لليسار الأمريكي الجديد معتبرا أن اليسار الأمريكي لا يعبر عن الليبرالية الغربية الحقيقية ولكنه يعبر عن نوع من الليبرالية الخاطئة التي انتشرت في أمريكا بعد الحرب العالمية الثانية، هذا إضافة إلى انتقاده للحركات النسوية باعتبارها تجسيدا لأخطاء اليسار الأمريكي الفلسفية

ويعيب مانسفيلد على الأكاديميين عدم فهمهم لعقلية الجماهير ولعقلية المواطن العادي المحب لبلده، فالمواطن العادي يؤمن بالبطولة والحب والتحيز لبلده، أما عالم السياسة والأكاديمي فهو يؤمن بالحقيقة ويفني حياته في البحث عنها ويرحب بنقد ذاته وبلده، مما يجعل من عالم السياسة بمثابة مواطن سيء في عيون المواطنين العاديين، لذا يطالب مانسفيلد علماء السياسة – في أحد مقالاته – بلعب دور أكبر في دعم قيم المواطنة داخل مجتمعاتهم من خلال تقدير حب المواطن لبلده واحترام بساطة هذا الحب وتشجيع المواطن على المشاركة في شئون بلاده وتوعيته بأخطاء عدم المشاركة

أما بخصوص هجمات الحادي عشر من سبتمبر، فيقول مانسفيلد "الهجمات أوضحت أن لنا أعداء يكرهوننا لأنهم يكرهون قيمنا وممارساتنا، أنهم يحتقرون أسلوب حياتنا ليس لأننا لا نعلي قيمنا الخاصة بالحرية والديمقراطية والتسامح، ولكن لأننا نفعل ذلك"، وبهذا يضع مانسفيلد نفسه في معسكر من يؤمنون بأن المشكلة التي تتعرض لها شعبية أميركا في العالم ناتجة من كراهية الآخرين لأميركا وليس بسبب سياسات الولايات المتحدة نفسها وهو معسكر يضم قيادات اليمين الأميركي الفكرية والسياسية من أمثال المستشرق الأميركي المعروف برنارد لويس

ويؤكد المقال – الذي أشرنا إليه هنا في إيجاز شديد - في خاتمته أن أفكار مانسفيلد توضح جوانب مختلفة من الفكر السياسي اليمين في الولايات المتحدة خاصة فيما يتعلق بجذوره الفلسفية والاجتماعية، وهي جذور لا تنال حظها من الاهتمام في كتابات أميركية وأجنبية عديدة والتي تركز في العادة على أفكار ومواقف الجمهوريين واليمينيين السياسية تجاه القضايا السيارة وتهمل جذور تلك الأفكار والمواقف

للإطلاع على النص الكامل للمقال، يرجى زيارة

Wednesday, May 30, 2007

الجيل القادم من قيادات اليمين الأميركي
بقلم: علاء بيومي
الناشر: يمكن نشر المقال التالي مع الاشارة إلى مصدره

نص المقال

في الخامس عشر من مايو رحل عن عالمنا جيري فاويل أحد أشهر قيادات الإنجليكيين الأميركيين التي لعبت دورا محوريا في صعود نجم اليمين المسيحي المتدين سياسيا في الولايات المتحدة وخارجها منذ سبعينات القرن الماضي، وقد تارك فالويل خلفه سيرة ذاتية طويلة مليئة بالإنجازات على الساحة الأمريكية والدولية والإساءات المختلفة بما في ذلك موقفه المصر على الإساءة للإسلام والمسلمين بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001

وبعد ذلك بيومين قدم بول ولفويتز استقالته من رئاسة البنك الدولي بعد فضيحة محاباته لصديقته الشخصية، والتي شغلت الرأي العام الدولي والذي عرف ولفويتز كنائب لوزير الدفاع الأميركي السابق وكأحد أهم المسئولين عن الغزو الأميركي للعراق

وفاة فالويل واستقالة ولفويتز تفتحان ملف جديد متجدد، وهو قضية تغير قيادات اليمين الأميركي، والتي تمر حاليا بمرحلة مخاض صعبة بحثا عن شخصيات وأفكار وسياسات جديدة بعدما تحول الجيل الراهن من القيادات اليمينية الأميركية خلال السنوات الأخيرة لعبئ سياسي وإعلامي وجماهيري على اليمين الأميركي بصفة خاصة والأميركيين بصفة عامة لأسباب مختلفة

القيادات الدينية

فعلى المستوي الديني واجهت وتواجه القيادات الإنجليكية الكبرى من أمثال جيري فالويل وبات روبرتسون وويليام جرام انتقادات واسعة لأسباب مختلفة مثل مواقفها المتشددة تجاه الأديان الأخرى والأقليات، والثروات الهائلة التي كونتها خلال سنوات عملها الديني والإعلامي، هذا إضافة إلى انتماءها عمريا وفكريا لجيل قديم يختلف كثيرا عن الأجيال الجديدة التي ولدت منذ سبعينات القرن الماضي

المثير هنا أن بعض أقرب رموز الجيل الثاني من قيادات اليمين المسيحي التي تربت على أيادي جيل فالويل وربرتسون يواجهون بدورهم صعوبات وهزائم مختلفة، ولعل رالف ريد يمثل نموذجا لتلك القيادات، فريد المولود في عام 1964، والذي مر في سنوات دراسته الجامعية بفترة تدين قربته من بات روبتسون، حيث عرض عليه الأخير العمل مع في قيادة منظمة التحالف المسيحي – أحدى أشهر منظمات اليمين الأميركي المتدين السياسية على الأطلاق، وكان ذلك في نهاية الثمانينات وريد مازال في العشرينات من عمره، مما جعله في ذلك الحين وجه اليمين الأميركي المتدين السياسي وصوته بالإعلام بشبابه وعنفوانه وبإصراره السياسي

ولكن ريد خسر في العام الماضي في إنتخابات حاكم ولاية جورجيا الأميركية – وهي أحدى ولايات الجنوب التي حولها ريد ورفاقه من قيادات اليمين الأميركي المتدين لمعقل قوي للجمهوريين ولليمين الأميركي، ولم يخسر ريد الإنتخابات بسبب منافسة الديمقراطيين له فحسب، وإنما خسر بعدما انقلب الجمهوريون أنفسهم عليه، والذين رأوا فيه رمزا لجيل إنقضت صلاحيته السياسية والإعلامية على الرغم من شبابه، وذلك لما عرف عن ريد من شراسة مع خصومه، وانتهازية سياسية، ولارتباطه بفضائح جيل من القيادات اليمينية الأميركية الشابة من أمثال جاك إبراهوموف

وإبراهوموف – وهو يهودي الديانة – كان أحد أبرز القيادات اليمينية الشابة التي أنتجها اليمين الأميركي في سنوات صعوده في أوائل الثمانينات بعد الخسائر الواسعة التي مني بها ذلك التيار في الستينات، فقد تولى إبراهموف قيادة إتحاد الطلاب الجمهوريين في أوائل الثمانينات واكتشف ريد وعينه معه ثم ترك له قيادة إتحاد الطلاب، وبرمور الوقت تحول إبراهوموف لناشط سياسي معروف، وفتح شركة علاقات عامة ولوبي إمتلكت علاقات واسعة بقيادات الجمهوريين بما في ذلك قيادات الإدارة الأميركية الراهنة، وفي العام الماضي ملئت فضائح إبراهوموف السياسية الفضاء الأميركي بعدما أدين في قضايا فساد سياسي ارتبطت بأسماء سياسيين وأعضاء كونجرس جمهوريين كبار وأثرت على مستقبل وسمعة عدد كبير منهم

القيادات السياسية والمحافظين الجدد

مصير قيادات اليمين الأميريكي المتدينة من أمثال رالف ريد لم يختلف كثيرا عن مصير عدد كبير من قيادات المحافظين السياسية والتي مكنت الجمهوريين من السيطرة على الكونجرس بداية من عام 1994، وعلى رأس تلك القيادات الثلاثي المعروف نوت جينجريتش وتوم ديلاي ورتشارد آرمي، وقد تولى ثلاثتهم قيادة الجمهوريين بمجلس النواب الأميركي على فترات مختلفة منذ عام 1994، وعرف عن كل منهم نفوذه الشخصي الواسع وشراسته في التعامل مع المعارضين لهم بالكونجرس بغض النظر عن انتمائهم الحزبي حتى أخضعوا النواب الجمهوريين والديمقراطيين لسلطتهم على حد سواء

كما تمكن الثلاثة من تدشين سيطرة الجمهوريين على الكونجرس وتوطيد علاقته بقوي اليمين المسيحي المتدينة والمتصهينة، كما أحكموا قبضة اليمين الأميركي الحديدية على الجنوب وعلى ولايات الغرب والوسط، وساهموا في صعود نجم الجمهوريين وسيطرتهم على الكونجرس بمجلسية وكذلك البيت الأبيض، ومع ذلك خسر الثلاثة مناصبهم القيادية تباعا، وبات ينظر إليهم اليوم كمسئولين عن حالة التشدد التي نالت اليمين الأميركي وأدت إلى خسارته في إنتخابات نوفمبر 2006 التشريعية الأخيرة، وكسياسيين غرتهم السلطة ودفعتهم للتخلي عن مبادئهم

ولا يختلف ذلك عن تركة عدد لايستهان به من قيادات إدارة بوش من أمثال دونالد رامسفيلد الذي أصبح ينظر إليه كرمز لتعثر أميركا في العراق، وكارل روف الذي فشلت ماكينته الإنتخابية في مساعدة الجمهوريين في الانتخابات الأخيرة، وكذلك قيادات المحافظين الجدد من أمثال دوجلاس فيث وريتشارد بيرل وجون بولتون وبول ولفويتز، هذا إضافة إلى تراجع شعبية بوش ونائبه تشيني لمستويات غير مسبوقة

الهزيمة بداية الصعود

الواضح هنا أن الهزائم الواسعة للجيل الراهن من قيادات اليمين الأميركي تعني أن اليمين الأميركي في حاجة لجيل جديد من القيادات القادرة على إعادة صياغة أجندته في السنوات المقبلة، وهو ما يثير التساؤل حول طبيعة تلك القيادات الجديدة وهل يمكن التنبؤ بها وبأجندتها

ويري بعض المعنيين بتاريخ اليمين الأميركي أن صعوده الكبير في أوائل التسعينات يعود إلى هزيمته الواسعة في الستينات وخاصة في عام 1964، وهو العام الذي شهد خسارة السيناتور باري جولدواتر مرشح الحزب الجمهوري للرئاسة الأميركية بفارق كبير أمام المرشح الديمقراطي لبندون جونسون، ويقول هؤلاء أن السينات لم تكن عقد الجمهوريين فهي عقد صعود قوي اليسار الأميركي الجديد بأجندته المنادية بالحقوق المدنية وبحقوق الأقليات والمستضعفين وبتدخل الحكومة من خلال تشريع القوانين وبرامج الرفاهية لمساعدة تلك الجماعات المستضعفة تاريخيا، ويرى هؤلاء أن الأجندة السابقة والتي طغت على عقد الستينات لم تخف جولدواتر، والذي فضل عدم مهادنتها وخاض الإنتخابات بأجندة يمينية أصولية متشددة رافضة لأجندة اليسار الأميركي الجديد مما أدى إلى هزيمته هزيمة ساحقة، ولكن هزيمته هذه – كما يرى عدد لا يستهان به من المتابعين - كانت شرارة انطلاق قوى اليمين الأميركي الجديد، والتي تمكنت السيطرة في أوائل التسعينات معتمدة إلى حد كبير على أفكار جولدواتر

ويثير التحليل السابق سؤالا هاما حول ما إذا كانت هزيمة الجمهوريين الراهنة تحمل في طياتها أسباب صعود الجيل الجمهوري القادم، والذي قد لا يكون بعيد زمنيا عنا، وهنا يجب الإشارة إلى الملاحظات الهامة التالية

أولا: أن هزيمة الجمهوريين في الفترة الحالية تعود إلى حد كبير إلى فساد قيادتهم أكثر منه إلى تمكن الحزب الديمقراطي من تقديم أجندة أو قيادات أو أفكار جديدة

ثانيا: أن المجتمع الأميركي بصفة خاصة والمجتمعات الغربية بصفة عامة مرت في السنوات الأخيرة بمرحلة تحول واسعة نحو اليمين على المستويات الجماهيرية لأسباب ثقافية وإقتصادية وسياسية مختلفة يأتي على رأسها التحول في أساليب الإنتاج وقوي العولمة والهجرات، وصعود جيل جديد من القيادات اليمينة المتعصبة الديماغوغية، والتي لم تترد في إستغلال التحولات الصعبة التي تمر بها المجتمعات الغربية في تعبئة الجماهير الغربية ضد الأقليات والمهاجرين والأجانب

ثالثا: يعقد بعض الجمهوريين الأميركيين آمالا واسعة في إستعادة السلطة على عدد من القيادات الجمهورية المعتدلة والتي تمكنت من البقاء في وجه عاصفة العراق وسلسلة فشل الجمهوريين الأخيرة، والتي توجت بهزيمتهم في انتخابات 2006، وعلى رأس تلك القيادات السيناتور الأميركي المعروف جون ماكين أحد أبرز المتنافسين على زعامة الحزب الجمهوري في إنتخابات الرئاسة الأميركية المقبلة - نوفمبر 2008

وهذا يعني أن اليمين الأميركي مازال يمتلك بعض القيادات الأقل تشددا، والتي ستخوض انتخابات الرئاسة الأمريكية المقبلة بعد عام ونصف، وهي فترة هامة سوف تعد مختبرا حقيقا للوقوف على حقيقة ومدى الهزيمة التي لحقت باليمين الأميركي وبالجيل الراهن من قياداته، والتي سوف تسعى لتضميد جراحها وإعادة تنظيم صفوفها إستعدادا للإنتخابات المقبلة على أمل إنقاذ ما يكمن إنقاذه

أين نحن من الجيل اليميني القادم

هذا لا يقلل من الخسائر الكبيرة التي مني بها الجيل الراهن من القيادات اليمينية وحاجتها لدماء جديدة، بل لجيل جديد من القيادات، بعد أن استشرت هزائم الجيل الراهن لحد يصعب تداركه، والمقلق في كل ما سبق أمرين أولهما أن صعود اليمين في السنوات الأخيرة والظروف التي مرت بها الولايات المتحدة دفعا عدد لا يستهان به من الأميركيين إلى التحرك يمينا على المستويات السياسية والاجتماعية والثقافية، وإلى تبني أجندات متشددة على تلك المستويات، وأن اليسار الأميركي مازال بفتقد للقوة وللعنفوان وللقيادات القادرة على إعادة الجماهير الأميركية للوسط في ظل موجة التحول لليمين التي تسيطر على المجتمعات الغربية، فقيادات اليسار الأميركي الحالية مازلت تفتقر لثورة يسارية قدرة على تغيير مسار المجتمع الأميركي على غرار ما حدث في الستينيات

أما السبب الثاني للقلق فهو أن الجيل الراهن من القيادات اليمينية أضر بعلاقة الشعب الأميركي بالعالم الإسلامي وبالمسلمين بدرجة مقلقة في ظل تركيز المحافظين الجدد والإنجليكيين المتصهينين وبعض الجماعات اليمينية المتعصبة غير المسبوق على الإسلام وعلى العالم الإسلامي وسعيهم لتصويرهما على أنهما عدو أميركا والغرب الجديد، وهو أمر يجعلنا معنيين بدرجة كبيرة بتتبع مايدور في أوساط المجتمع الأميركي من جدل بخصوص علاقته بالإسلام والمسلمين بصفة عامة، وبالمخاض الدائر باليمين الأميركي بصفة خاصة، والذي من شأنه أن يقود إلى ولادة الجيل القادم من القيادات الجمهورية، فتتبع هذه القيادات وموقفها من أميركا والعالم بات ضرورة ليس فقط للأميركيين ولكن للمسلمين والعرب وللعديد من شعوب العالم، فهل أعددننا أنفسنا للجيل القادم من قيادات اليمين الأميركي