هل أرغم صقور واشنطن كارين هيوز على الاستقالة؟
مقال بقلم: علاء بيومي
يمكن نشر المقال مع الإشارة إلى مصدره
يمكن نشر المقال مع الإشارة إلى مصدره
من ربطوا بين استقالة كارين هيوز وتساقط صقور الإدارة الأميركية واحدا تلو الأخر تسرعوا، فالعكس يبدو أقرب للصحة، والغالب أن هيوز استقالت تحت ضغط صقور واشنطن لا انتماءا لهم
وذلك لأن كارين هيوز - المسئولة عن برامج الدبلوماسية العامة بوزارة الخارجية الأميركية والمستشارة المقربة من الرئيس الأميركي جورج دبليو بوش - يصعب تصنيفها في مصاف صقور واشنطن من أمثال المحافظين الجدد واليمينيين المتشددين ولوبي إسرائيل
فغالب الأمر أن هيوز تنتمي أيدلوجيا للمحافظين التقليديين، وأنها ترتبط بعلاقة شخصية قديمة وقوية مع جورج دبليو بوش دفعتها لخدمته وخدمة إدارته والدفاع عنهما بقدر الإمكان في ظل أجواء ما بعد الحادي عشر من سبتمبر 2001، وأنها سعت إلى خدمة الرئيس من خلال عملها كمسئولة عن الدبلوماسية الأميركية العامة متبعة إستراتيجيتين أساسيتين
أولهما تطوير أداء الدبلوماسية العامة من خلال تطوير برامجها وزيادة ميزانيتها وتحسين أدائها البيروقراطي، وهي مهمة تبدو أن هيوز نجحت فيها لدرجة ما، حيث تشير تقارير مختلفة إلى أن هيوز تمكنت من زيادة ميزانية برامج الدبلوماسية العامة بمعدل الثلث، وأنها ألغت برامج كانت قائمة ولكنها غير فعالة، واستحدثت برامج أخرى تركز على تشجيع التبادل الثقافي وتعلم اللغات الأجنبية
أما الإستراتيجية الثانية فهي سعي هويز للاستفادة من علاقتها المباشرة مع بوش ومع وزيرة الخارجية الأميركية كونداليزا رايس في نقل ملاحظاتها المباشرة والصادقة لهما، وهي المهمة الأصعب والتي قادت إلى استقالة هيوز في نهاية المطاف
فلما تيقنت كارين هيوز أنها قاربت على تحقيق هدفهما الأول المتعلق بإعادة تنظيم الدبلوماسية العامة بيروقراطيا، وفشلت في تحقيق هدفها الثاني وهو تقديم النصيحة الخالصة للرئيس والتأثير على المسار العام للدبلوماسية الأميركية بما يؤدي إلى تحسين صورة أميركا، قررت الرحيل
ويلاحظ هنا أن هيوز تمتعت خلال فترة عملها بالخارجية الأميركية بنفوذ كبير بحكم صلتها المباشرة ببوش مثلها مثل رايس، كما أنها تميزت على رايس بهامش أكبر من حرية الحركة، فالأخيرة تشغل منصبا إستراتيجيا بالمعيار الأميركي وفي عيون العالم، أما هيوز فقد تمتعت بقدر أقل من تدقيق الإعلام الأميركي والدولي في عملها، وبقدرة على التركيز على الجوانب الدبلوماسية لعملها السياسي، ويبدو أن هيوز حرصت على السفر والاستماع إلى أصحاب الرؤى المختلفة داخل وخارج أميركا - خاصة خلال الفترة الأولى من بداية عملها كمسئولة عن الدبلوماسية العامة – وعلى نقل تلك الرؤى إلى بوش ورايس
لذا يقول دايفيد فروم منتقدا لكارين هيوز أنها "أعادت تعريف مهمتها، فبدلا من أن تمثل الإدارة في الشرق الأوسط، بدأت هويز في تمثيل الشرق الأوسط لدى الإدارة. أصحبت هيوز تطالب بتحجيم مبادرة الديمقراطية وبإحياء المباحثات الإسرائيلية الفلسطينية"، وذلك في مقال نشره مؤخرا تعليقا على استقالتها
والمعروف أن فروم مقرب من الإدارة الأميركية حيث عمل كاتبا لخطابات بوش في إداراته الأولى، كما أن فروم محسوب على تيار المحافظين الجدد، وسبق له تأليف كتابا بالمشاركة مع ريتشارد بيرل – أحد أكثر المحافظين الجدد تشددا – عن "محور الشر"
ويبدو أن صقور واشنطن لم يرضوا عن كارين هيوز بسبب نصائحها السابقة، وبسبب علاقتها الإيجابية بمسلمي وعرب أميركا حيث حرصت هيوز بنفوذها الكبير على حضور عدد من فعالياتهم ومؤتمراتهم، كما تعرضت للنقد بسبب موقفها من بعض برامج الدعاية الأميركية كتلفزيون سوا، حيث تشير التقارير أن هيوز ساندت لاري ريجيستر مدير الأخبار بقناة الحرة، والذي أجبر على الاستقالة بعد فترة قصيرة من توليه منصبه تحت ضغوط لوبي إسرائيل والمحافظين الجدد بسبب تعديلات أجراها على سياسة القناة رأى فيها السابقون إضرارا بأجنداتهم
ويجب هنا الإشارة إلى أن هيوز لا تتعرض للنقد السابق وحدها، فكونداليزا رايس أيضا تعد هدفا لنقد صقور واشنطن والمحافظين الجدد بسبب مواقفها تجاه الشرق الأوسط، فلوبي إسرائيل وغالبية المحافظين الجدد وقيادات الإنجليكيين المتشددين ليسوا راضين عن زيارات رايس المتكررة للشرق الأوسط، ولا عن مؤتمر السلام المزمع عقده بأميركا في أواخر الشهر الحالي، ولا عن لقاءات إيهود أولمرت ومحمود عباس المتكررة بحضور أو تحت ضغوط رايس
حيث يعارض صقور واشنطن – كما يعبر عنهم كتاب مثل نورمان بودهويتز وريتشارد كروتهمر- عملية السلام الإسرائيلية الفلسطينية القائمة برمتها فهم لا يؤمنون بأن العرب راغبون في السلام مع إسرائيل، ويرفضون رفضا تاما أي ضغط أميركي على إسرائيل للدخول في مباحثات سلام مع العرب أو لتقديم أي تنازلات من أجل السلام، لذا عارضوا خارطة الطريق حتى تأكدوا أنها لا تحتوي على أي سقف زمني، وسوف يعارضون أي جهود لإحلال السلام بناءا على اتفاقية أوسلو أو مبادرات السلام العربية حتى يتأكدوا أن تلك المبادرات قد أفرغت من محتواها الحقيقي
كما أن هؤلاء لا يثقون بأولمرت ولا يرون فيه وريثا شرعيا لشارون، الذي ساندوه وساندوا سياساته الأحادية القائمة على فرض الرؤى الإسرائيلية للسلام على الفلسطينيين والعرب بالقوة
لذا يعارض هؤلاء جهود رايس وزياراتها للشرق الأوسط، كما عرضوا جهود كولن باول ومواقفه، ويفضلون التواصل مع الإدارة الأميركية من خلال مسانديهم بها من أمثال إليوت إبرامز نائب مستشار الأمن القومي الأميركي، وبعض المسئولين بمكتب نائب الرئيس ديك تشيني، كما تشير بعض التقارير
وهذا لا يعني رضانا التام عن مواقف رايس أو كارين هيوز، فمازالت مواقف الساسة الأميركيين بشكل العام بعيدة إلى حد كبير عن إدراك حقيقة قضايا العالمين العربي والإسلامي وحقوق شعوبهما، ولكن هذا لا يجب أن يمنعنا عن محاولة فهم الفروق الدقيقة بين هؤلاء الساسة ومواقفهم تجاهنا وتجاه قضايانا
خلاصة الأمر: صقور واشنطن أفشلوا مساعي كارين هيوز للإصلاح وأرغموها على الاستقالة بعدما أيقنت أن الإصلاح البيروقراطي للدبلوماسية العامة الأميركية لا يكفي وأن الإصلاح السياسي الحقيقي بعيد المنال
No comments:
Post a Comment