Tuesday, January 31, 2012

قراءة في جلسة 31 يناير لمجلس الشعب المصري

بقلم: علاء بيومي

وقوف رئيس الوزراء المصري ووزيري الداخلية والعدل أمام أول مجلس شعب مصري منتخب بعد ثورة 25 يناير للحديث عن حقوق الشهداء حدث هام حرصت على متابعته كاملا خاصة بعد الانطلاقة الموفقة لمجلس الشعب المصري ومطالبة أعضائه بحقوق الشهداء في أول جلسة لهم.


وللأسف وبعد مشاهدة جلسة 31 يناير كاملة خرجت بانطباع خليط بين السلبي والإيجابي على عكس ما تمنيت، لذا رأيت أن أرصد سريعا بعض إيجابيات وسلبيات الجلسة من باب النصيحة والتطوير إذا أمكن.


على الجانب الإيجابي وقوف رئيس مجلس الوزراء المصري واثنان من أهم وزرائه أمام مجلس الشعب المنتخب واستماعهم لانتقادات النواب القوية إنجاز إيجابي يحسب لثورة يناير وثوارها الأبطال ويبشر بمناخ سياسي جديد في مصر - كما ذكر وأشاد المسئولون الحكوميون ونواب الشعب على حد سواء.

وقد سمعنا خلال اليوم البرلماني الطويل شهادات من رئيس الوزراء عن تعاطفه مع الثورة ومجلس الشعب الجديد ونوابه، وتحذيرات من الأوضاع الاقتصادية في مصر، كما سمعنا شهادات هامة من وزيري الداخلية والعدل، وخاصة فيما يتعلق بجهود وزارة الداخلية لإعادة الأمن والتحديات التي تواجهها من نقص تسليح ومعدات وخطورة بعض المجرمين ودخول أسلحة إلى مصر من المناطق الشمالية الغربية وغير ذلك.


كما سمعنا كلمات هامة من بعض النواب مثل التأكيد على حق مجلس الشعب في ممارسة دوره التشريعي كاملا، ومطالبة أحد النواب بمثول قيادات المجلس العسكري ذاته أمام مجلس الشعب بحكم أنهم المسئولون عن الحكومات الثلاثة التي توالت على حكم مصر منذ ثورة يناير وعن الأحداث التي وقعت.

وسمعنا أيضا صوت نواب سيناء وحرصهم على التعبير عن معاناة أبناء دوائرهم، كما سمعنا أيضا مطالب مختلفة بإعادة الأمن والحفاظ على سيادة مصر تجاه تدخلات السفيرة الأميركية في قضية المنظمات غير الحكومية الأجنبية، وبزيادة تعويضات أسر الشهداء والجرحى وتحسين مستويات علاج المصابين، وغير ذلك من القضايا الهامة التي أثارها النواب. 


ولكن وعلى الجانب السلبي أعتقد أن الجلسة عابها السلبيات التالية:


أولا: حضور رئيس الوزراء ووزيري الداخلية والعدل في جلسة واحدة - رغم أنها امتدت على فترتين وعلى مدى حوالي 6 ساعات - هو بمثابة ظلم للجلسة والنواب لأنه لم يتح الوقت الكافي لمناقشة الوزراء وخاصة رئيس الوزراء المصري الدكتور كمال الجنزوري، والذي لم يحدث بينه وبين النواب أي نقاش يذكر بعد إلقائه بيانه حيث استمع بعد ذلك لأسئلة النواب لننتقل بعد ذلك لتقرير وزير الداخلية ثم العدل تباعا دون نقاش يذكر.


بمعني أنه كان لدينا بالأساس شهادات من المسئولين الحكوميين وأسئلة من النواب وغاب النقاش إلا ما ندر.

ثانيا: لم تتوافر عن الجلسة قبل انعقادها معلومات كافية عن المتوقع منها وجدول أعمالها والتقارير التي قدمت فيها وما إذا كانت تلك التقارير سرية أم إنها متاحة للجماهير، وإذا ما كان مجلس الشعب قد استعان بأي خبراء أو تقارير خارجية.

ثالثا: قضية الخبراء والتقارير هامة ففي أحيان كثيرة تستمع البرلمانات لخبراء وتقارير قبيل أو بعد مناقشة المسئولين الحكوميين حتى يكون لديها معايير للحكم على تقارير الحكومة، وبهذا تكتمل الصورة أمام النائب والمواطن المهتم على حد سواء.

وقد نلتمس العذر للمجلس في أن الجلسة كانت افتتاحية وأنه قد يستعين بخبراء وتقارير مستقلة فيما بعد.

رابعا: بسبب عدم توافر التقارير والخبراء وجدول الأعمال ووقت النقاش بدت كثير من تعليقات النواب سيئة للغاية وربما محبطة للأسباب التالية:

-        كان هناك تسابق بين النواب على الحديث، ولكن قليل منهم من أتي بجديد على مستوى المعلومة أو الفكرة.

-        بعض النواب تحدث خارج الموضوع وتطرق لموضوعات بدت بعيدة عن حقوق الشهداء مثل المعاشات وأمثلة تاريخية ليس لها علاقة بالجلسة ومثلت مضيعة لوقت المشاهد والنائب على حد سواء خاصة في ظل الفترة الزمنية المحدودة للغاية الممنوحة لكل نائب لإتمام مداخلته.

-        للأسف ندر الحديث بالأرقام والتقارير وساد الحديث الخطابي والإنشائي وربما الزاعق، لدرجة أننا شعرنا بأن الأسلوب الذي يتعامل به النواب مع مداخلاتهم لا يمثل أي تحدي أو تهديد يذكر للمسئولين الحكوميين، فالحديث الإنشائي مهما كان زاعقا ومستفزا لا يضيف للنقاش شيئا ولا يساعد في الكشف عن معلومة جديدة.

-        كنا نتمنى من بعض النواب - وبما إننا نتحدث عن حقوق الشهداء - أن يكون لديه أمثلة حقيقية من أبناء دائرته أو يكون قد حرص على قراءة بعض تقارير المنظمات الحقوقية أو قراءة التقارير الحكومية جيدا ولديه تعليقات محددة أو أسئلة قوية بخصوصها، ولكن هذا لم يحدث.

-        وللأسف بدا واضحا أن النواب أو عدد لا بأس منهم - كما ظهر من مداخلاتهم - غير واعين بأبعاد السياسات التي يناقشونها، فعلى سبيل المثال لم نعرف بالضبط مناحي القصور في سياسات الحكومة لرعاية أسر الشهداء والجرحى أو في توفير الأمن والعدالة؟ وهل هذا القصور يتعلق بالإرادة السياسية فقط؟ أم أنه يرتبط التمويل أم التشريعات أم البيروقراطية؟ أم بماذا بالضبط؟


فمداخلات النواب كانت عامة بشكل واضح ولم يكن هناك تسلسل منطقي أو سياسي واضح لتلك المداخلات وإدراك للأبعاد المختلفة لكل سياسة (من قانوني ومالي وسياسي وبيروقراطي).


وقد يقول البعض أن هذه البداية وأن هناك جلسات أخرى عديدة، وأن نواب الشعب يعبرون عن الشعب، ولكن للأسف أعتقد أن هناك أوجه قصور مؤسساتية واضحة وأن هناك درجة من اللوم يجب أن توجه للأحزاب الكبرى في البرلمان، قبل الأحزاب الصغيرة والمستقلين.

فقد كنا نتوقع من الأحزاب الرئيسية - كالحرية والعدالة والنور والوفد - أن توفر لأعضائها بعض التقارير والأرقام والحقائق والأسئلة الجيدة، والتي كان يمكن أن يلقيها نائب أو نائبان نيابة عن الحزب وبقية أعضائه في المجلس بدلا من إهدار الوقت في سماع عشرات النواب الذين لا يأتون بجديد، ولكن للأسف بدت الأحزاب داخل البرلمان متفرقة وعبارة عن عدد من النواب يعمل كل منهم بمفرده ويغرد على هواه ويبدأ المشوار من جديد ولا يصل لشيء.


لذا أتمنى من كل ناخب أن يراقب النائب أو الحزب الذي يمثله في البرلمان وآلا يتردد في إرسال ولو رسالة صغيرة لهما يقيم فيها أدائهما في جلسة اليوم أو أي جلسة مستقبلية ويطالبهما بأداء أفضل. 

هذه هي ملاحظاتنا الأولية والتي لم نقصد بها النقد بقدر ما قصدنا النصيحة، ونتمنى لأول برلمان بعد ثورة 25 يناير أداء أفضل، والله أعلم. 
في مظاهر وتبعات الضعف الإعلامي لأكبر حزبين في مصر


أتمنى أن ينتبه المسئولون في حزبي الحرية والعدالة والنور للتحدي الإعلامي الضخم الذين يواجهانه داخليا وخارجيا وإلى قصور أدائهما الإعلامي.

فعلى مستوى الداخل لا أعرف ما هو مبرر عدم وجود مواقع إلكترونية لصحيفتي الحزبين حتى الآن وعدم وجود مراكز دراسات تابعة لهما.

وهو ما يجعلنا نسأل: كيف يصنعون مواقفهم السياسية بدون دراسات؟ وإذا كان هناك دراسات فأين هي؟ وأين مبادراتهم الجديدة ولماذا لا نسمع عنها؟ ولماذا لم ينجحان إعلاميا في إثارة قضايا جديدة أو تحويل وجهة الخطاب السياسي الدائر في مصر خاصة.

موقعا الحزبين على النت فقيران للغاية ولا يتناسبان مع مواقع منظمتين سياسيتين صغيرتي الحجم لو تحدثنا بالمعايير العربية أو حتى المصرية المحلية؟ 

مما يجعلنا نسأل: كيف يتوقع مسئولو الحزبين أن نفهم سياستهم ومواقفهم وأن نطمئن بوجودهم في السلطة في ظل هذه الحالة من الصمت وندرة المعلومات؟ هل هي أزمة موارد؟ أم أزمة فكر؟ أم أزمة تواصل؟ أو كل ما سبق؟ أما ماذا؟

حقيقة لا أعرف، ولكن الحزبين في مأزق إعلامي وفكري واضح، وإذا كان هذا هو الحال على المستوى المحلي وفي أوساط المصريين الباحثين عن المعلومة، فماذا عن أوساط الإعلام الأجنبي، خاصة وأن حزب النور لا يمتلك موقعا باللغة الإنجليزية أصلا.

وهو ما يجعلنا نسأل: أليس تقدم الصفوف مسئولية؟ هل تسرع الحزبان في المنافسة والفوز بكل هذا الحجم من المقاعد دون بناء بنية حزبية ومؤسساتية وإعلامية كافية تضمن الدفاع عن حقوق الناخبين والمواطنين بعد وصولهما للسلطة؟ هل يدرك الحزبان دورها في قيادة البلاد إعلاميا وفكريا وسياسيا؟ وهل يدركان ما هو مطلوب منها؟

نقول هذا بعد أن صدمتنا أخبار منشورة على موقعي الحزبين عن أنشطة خيرية يقومان بها مثل توزيع البطاطين والعلاج المجاني والملابس المخفضة، وبالطبع العمل الخيري ليس عيبا، ولكنه ليس من وظيفة الأحزاب السياسية، أو على الأقل ليس هذا ما نتوقعه من أكبر حزبين في مصر، فنحن نريد منكما حلولا لمشاكل بلادنا الرئيسية.

آلا يتحمل الحزبان وقيادتهما وأعضائهما مسئولية تحقيق نقلة في العمل السياسي في مصر أو حتى الارتقاء إلى مستوى مرضي من العمل الإعلامي والتواصل السياسي والتنظيم الفكري والسياسي!؟ 

وآلا يعبر ضعفهما الإعلامي والفكري الراهن عن أزمة تواصل داخلي وخارجي تقدم مصر عليها؟ وهو ما لا نتمنى حدوثه، والله أعلم.

علاء بيومي

Monday, January 30, 2012

الثورات كحالة إبداع

بعد عام على الثورة المصرية بدأت أشعر أني أخطئت تكرار في حق الثوار المصريين حين طالبتهم - مثل كثيرين غيري - بالتوحد في أحزاب أو منظمات تجمعهم وخلف قيادات تتحدث باسمهم، ولأني شعرت بالإحباط نتيجة لتعدد الجهات التي تتحدث باسمهم والجماعات التي تعبر عنهم وبسبب تعدد أراءهم ومواقفهم السياسية.

فبعد عام كامل وبعد قراءة عدد من الأدبيات عن الحركات السياسية الجديدة في عالمنا العربي ومتابعة عدد من شباب الثوار في مصر تحديدا بدأت أشعر أن تفرقهم هذا ميزة إن لم يكن ضرورة نتمنى انتشارها.

والسبب في ذلك هو أن ثوارنا هم بمثابة مجموعة من الطلاب المبدعين الذين رفضوا النظام التعليمي القائم وما يطرح عليهم من دروس مملة وأساتذة هرموا يفتقدون الإبداع والفكر الجديد، ولو حاولنا قمع الطالب المبدع وطالبناه بحضور الدرس وحفظه وإتباع الأستاذ لأنتهي بنا الأمر أمام جيل جديد إضافي يعيد إنتاج مشاكلنا ويساهم في زيادتها.

ونظرا لأننا تعودنا على النظام التعليمي القديم العقيم ولأننا لا نثق في أنفسنا أو في قدرتنا على تعليم أبنائنا و العمل خارج النظم البالية العتيقة، فلا بد وأن نسعى بحسن نية قبل شيء أخر لقمع الطالب المبدع ورفض إبداعه وعقابه عليه وتصويره على أنه مارق فاشل لن يصل إلى شيء سوى هدم نفسه وإضاعة مستقبله ومستقبلنا معه.

ولم يشفع لطلابنا المبدعين أنهم فجروا ثورة أذهلت العالم بتحضرها ورسالتها وطابعها السلمي، فشعورنا بالقلق وعدم فهمنا لإبداعهم وتعودنا على نظام التعليم القديم البالي طغى على كل شيء.

الصورة السابقة (صورة الطالب المبدع الذي نسعى لقمعه) ليست من اختراعي، فهي تظهر بوضوح في عدد لا بأس به من الكتب التي تتحدث عن الحركات السياسية الجديدة في عالمنا العربي وفي كتابات شباب الثورة أنفسهم والذين يكنون كثير من الاحترام للأجيال السابقة ولمجتمعاتنا وقيمها، ولكنهم يرفضون بشدة الأسلوب الذي نعيش به ورضانا به رغم كل ما يحدث.

فالدراسات تقول أن الثوار هم جيل جديد تربى خلال السنوات الخمسة عشرة الأخيرة على عدم الرضا بالوضع السياسي القائم في بلادنا، فوسائل الاتصال الحديثة مثل الانترنت والفضائيات أمدتهم بأفكار جديدة وأشعرتهم بوجود شعوب خارج بلادنا تعيش حياة أفضل عنا بدون سبب واضح يجعلنا نتخلف عنهم سوى الاستبداد وقيوده ونتاج قمعه لنا لعقود.

وقد شعر هؤلاء أن المؤسسات السياسية القائمة سواء في المعارضة أو الحكم ليست كافية وأنها عاجزة عن إحداث التغيير المطلوب، لذا لجئوا إلى وسائل جديدة مثل اللجوء للشارع مباشرة وللإعلام الجديد والإضرابات ومحاولة توحيد القوى القائمة في تحالفات واسعة ومؤقتة تجمع أكثر مما تفرق، كما سعوا للعمل مع أنفسهم كتحالفات شبابية.

لذا ينسب لهؤلاء الشباب أنهم تقدموا على إبائهم وفجروا ثورة عظيمة دعوا الآخرين للانضمام إليها فانضموا ونجحت ثورتنا، ويحسب لهم أنهم كانوا أكثر رفضا للوضع القائم وأكثر رفضا للحوار والمهادنة وأن رفضهم هذا استمر أكثر من غيرهم حتى بعد سقوط نظام مبارك وكان لهم الفضل في كثير من الانجازات التي تحققت حتى الآن رغم تكلفتها العالية من دمائهم وعيونهم وسمعتهم أيضا.

وللأسف لم نحترم إبداعهم أو نقدره وظللنا دائما نهاجمهم ونطالبهم بالتوقف وبالانضواء تحت القوى السياسية القائمة وإتباع قادتها وأحكامها، والحمد لله أنهم لم يستجيبوا لنا وأدركوا قصر نظرنا، فلو استجابوا لنا لكتبوا نهاية مبكرة للثورة وللتغيير الكبير الذي يسعون لتحقيقه.

لذا علينا أن نعترف بقصورنا وبتفكيرنا النمطي وأن نتراجع إلى الخلف قليلا ونركز على البناء بطريقتنا التي تعودنا عليها ونترك للثوار حرية البناء على طريقتهم فقد يتمكنون يوما من بناء المؤسسات التي عجزنا عن بنائها وزرع تقاليد جديدة تعيد اكتشاف ذاتنا في صورة أفضل وأنقى وأحدث، والله أعلم.

علاء بيومي
قراءة أولية في تقرير الدابي ومغزاه



انتهيت من قراءة النص الكامل لتقرير الفريق محمد الدابي - رئيس بعثة مراقبي جامعة الدول العربية في سوريا – عن عمل بعثته بسوريا خلال الفترة من 24 ديسمبر 2011 إلى 18 يناير الحالي، وأعتقد بعد قراءة أولية للتقرير أنه لا يحتوي على ما يدين المعارضة السورية بقدر ما يدين النظام السوري ويبرز محدودية دور البعثة ويكشف الحاجة لحل أشمل للأزمة السورية.

فالتقرير يشير لعدد من القضايا الهامة التي يجب أخذها بعين الاعتبار حين الحكم عليه.

أولها طبيعة مهمة المراقبين العرب كبعثة لمراقبة ما يجري على الأرض لا لتقديم حل شامل أو للتفاوض أو حتى لتقديم تصور لحل الأزمة.

ثانيا: التقرير يشير بوضوح إلى أن البعثة لم تكن مؤهلة بشكل كافي لقيام بمهمتها المحدود السابقة لأسباب عديدة بسبب الظروف الأمنية الصعبة وعدم التأهيل الكافي وغياب المعدات وعدم تعاون الحكومة السورية ومخاوف المعارضة.

ثالثا: التقرير يقول بوضوح أنه عمل البعثة يأتي ضمن مبادرة عربية أكبر تهدف إلى إيجاد مخرج للأزمة السورية وأن عدم تحقيق تقدم على صعيد المبادرة الأشمل لابد وأن يحد من قدرة البعثة على إنجاز مهمتها المحدودة كمراقبين.

رابعا: يتحدث التقرير في أكثر من موضع عن محاولة الحكومة السورية التدخل في عمل بعثته والحد من قدرتها على التحرك وسعادة المعارضة بالمراقبين ومخاوفهما مما قد يحدث لها بعد تركهم مدنهم وقراهم، كما يتحدث أيضا عن اعتداءات تعرضت لها البعثة وضغوط سياسية وإعلامية هائلة.


خامسا: البعثة دخلت سوريا بعد تسعة أشهر منذ بداية الأزمة وبعد وقوع آلاف الضحايا وتعرض آلاف غيرهم للقتل والتعذيب وحدوث انشقاقات في الجيش السوري، ومن ثم يصعب أن نتصور بعد ما سبق عدم لجوء بعض فئات المعارضة السورية إلى التسلح والعمل العسكري، وخروج بعضها عن سيطرة الحكومة والمعارضة معا، فهذا للأسف ما يحدث في الصراعات المسلحة طويلة الأمد وخاصة التي تستهدف المدنيين والسكان على نطاق واسع، فالعنف يقود إلى عنف مضاد، ولك أن تتصور ما يمكن أن يحدث لشعب يتعرض لما يعانيه الشعب السوري لتسعة أشهر كاملة، وهنا يقول التقرير:

"ثبت للبعثة وجود عنصر مسلح غير مخاطب بالبروتوكول، وهو لاشك تطور ظهر على الأرض نتيجة الاستخدام المفرط للقوة من جانب القوات الحكومية قبل انتشار البعثة  عند التصدي للاحتجاجات التي طالبت بسقوط النظم".

بمعني أخر يقول التقرير أن الاستخدام المفرط للقوة من جانب قوات النظام هو السبب في ظهور تلك الجماعات وتصاعد دوامة العنف والعنف المضاد في سوريا.

لذا أكد التقرير في توصياته على "ضرورة التعجيل بالعملية السياسية" أو بالحل السياسي والأكبر، وهو بالطبع أمر يخرج عن اختصاص وسيطرة بعثة المراقبين العرب المحدودة.


لذا نقول أن بعثة المراقبين العرب ذات طبيعة ومهمة محدودة ولا يجب تحميلها ما لا تطيق، والأصل هو التركيز على الحل الأشمل للأزمة وهل يتمثل في العمل مع النظام لإيجاد حل للأزمة!؟ أو العمل من خارجه كما تطالب فئات واسعة من المعارضة الثورية داخل البلاد وخارجها بعد كل الانتهاكات التي ارتكبها النظام السوري!؟ أما تقارير البعثة ودفاعها عن مهمتها وطبيعتها وما يمكن أن تقوم به، فيجب وضعها في مكانها الصحيح بلا تقليل أو مبالغة، فهي بعثة دخلت سوريا بعد تسعة أشهر من أزمة طاحنة ولم تمتلك حتى إمكانات كافية للقيام بمهمتها المحدودة - كما يقر التقرير نفسه، ودفاع الدابي عن بعثته وتقريره ودوره لا يجب أن يشغلنا عن الصورة الأكبر والأشمل. 

التقرير ليس حجة على المعارضة السورية كما أراه، ولكنه دعوة لإيجاد حل شامل وعاجل يحقن دماء الشعب السوري ويوقف معاناته خاصة وأن القتل لم يتوقف خلال وجود البعثة هناك، وبعد تدهور الأوضاع وزيادة دائرة العنف بعد توقف عمل المراقبين - كما تنبأ التقرير نفسه، والله أعلم.   

علاء بيومي 

Sunday, January 15, 2012

رسائل الخائفين من 25 يناير


ماذا يعني الخوف من 25 يناير؟ يعني أن الثورة لم تكتمل بعد، وأن الثوار أقوياء، وأن من هم في السلطة يدركون ذلك ويخشونه

فالمجلس العسكري يدرك حجم الأخطاء التي ارتكبها، والقوى السياسية الفائزة في الانتخابات تدرك عجزها عن ملئ الفراغ السياسي رغم كل الأصوات التي حصلت عليها، وهما معا يدركان أن الثوار يمتلكون قدرا لا بأس به من القوة والنفوذ

قوة الثوار لا تنبع من سلطة يحتكرونها أو مؤسسات أو أموال يرتكزون عليها، فقوتهم تنبع من تفجيرهم للثورة، ومن انضمام الشعب لهم قبل أن تتدخل القوى السياسية المختلفة وتعلن أنها أتت لتساعد لا لتقود، وأنها ليست أكثر من وسيط لا يحق له تقدم الصفوف وحصد ثمار ثورة مات من أجلها شباب هم من أفضل شباب مصر لم يعودوا بيننا اليوم ليحصدوا ثمار ما زرعوا وضحوا من أجله

قوة الثوار تنبع من أهدافهم ومن النموذج الذي يسعون إلى تطبيقه، فهدفهم كان دائما التغيير الكامل والشامل والصحيح، لذا رفضوا الحوار إلا بعد تسليم السلطة وترفعوا كثيرا عما قبله غيرهم، وكانوا ومازالوا مع تغليب مصلحة المجتمع على الأيدلوجية والجماعة

القيم السابقة مازالت بعيدة عن كثير من القوى السياسية، وبعضها بات يتصدر المشهد السياسي الراهن ويشعر بضغط الثورة والثوار

أما المجلس العسكري فقد زاد من عبئ المرحلة على القوى السياسية التقليدية، بتأخره وتردده وسوء إدارته وانتهاكاته العديدة غير المقبولة أو المبررة

ولهذا يأتي 25 يناير سريعا كاختبار يدرك الجميع أنهم لم يستعدوا له جيدا

لذلك لا تلوموا الثوار، ولوموا أنفسكم، واسألوها لماذا نخشى الثوار وهم من فتحوا لنا باب الثورة والسلطة والمواقع والمؤسسات!؟

بادروا بالاعتراف بأخطائكم وإعلان ندمكم عليها، وتذكروا أنكم وقفتم يوما خلف هؤلاء الثوار مبهورين بما يفعلون، فلا تقفوا اليوم ضدهم، والله أعلم

علاء بيومي 

Tuesday, January 10, 2012

شبكة الإسلاموفوبيا في أميركا




بقلم: علاء بيومي، الناشر: المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، حقوق الطبع والنشر محفوظة للناشر،  http://dohainstitute.org/Home/Details?entityID=5d045bf3-2df9-46cf-90a0-d92cbb5dd3e4&resourceId=c107d17f-8c99-4632-bf8d-daed772809fc#
2012/01/10
عرض تقرير "شركة الخوف"
جذور شبكة الإسلاموفوبيا في أميركا
Fear, Inc.
The Roots of the Islamophobia Network in America
الصّادر عن مركز التقدّم الأميركي، في أغسطس 2011

يعدّ التّقرير الذي نستعرض أهمّ خلاصاته في المقال التالي عملًا بحثيًّا طال انتظاره، ويأتي في توقيتٍ مهمّ، بعد مرور عقدٍ كامل على أحداث الحادي عشر من أيلول / سبتمبر 2001، فهو يتقصّى جذور شبكة الإسلاموفوبيا في أميركا بطريقةٍ فريدة، حيث يرصد المشاركين فيها والدّاعمين لها على مستوياتٍ مختلفة كالفكر والتّمويل والإعلام والعمل الجماهيريّ والسياسيّ.

ولهذا، نحن أمام تقرير مهمّ يرصد أبعاد حملة الإسلاموفوبيا في أميركا من دون أن ينشغل كغيره من التّقارير بالتّفاصيل النظريّة المتعلّقة بتعريف ظاهرة الإسلاموفوبيا أو سياقها السياسيّ والحضاريّ. لذا نحن أمام عملٍ بحثيّ يستحقّ القراءة بدقّة وعناية والتّرجمة إلى اللغة العربيّة لشرح محتواه المهمّ للقارئ العربيّ المعنيّ بموضوعه.

فالتقرير الصّادر عن مركز التقدّم الأميركيّ (Center for American Progress)، وهو مركز أبحاث أميركيّ ليبراليّ التوجّه، يوضّح مدى تطوّر شبكة الإسلاموفوبيا في أميركا خلال السّنوات العشر الأخيرة، والنموّ السّريع والمتصاعد لتلك الظّاهرة، والتي تطوّرت بصفةٍ ملحوظة منذ عام 2001، ونمَت أكثر وبشكل مقلق خلال العامين الأخيرين.

فقبل عشر سنوات، لم تكن شبكة الإسلاموفوبيا بهذا الحجم، وما كانت تضمّ كلّ هؤلاء الإعلاميّين والكتّاب والسّياسيّين والقادة الجماهيريّين. ولم تكن أيضًا قد انتشرت في نواحٍ مختلفة من الحياة العامّة الأميركيّة، وخاصّة على المستوى السياسيّ الجماهيريّ كما يوضّح التّقرير وسنوضّح خلال عرضنا له. هذا يعني أنّنا أمام خطر حقيقيّ متنامٍ.

ولعلّ صدور هذا التّقرير في الفترة الحاليّة عن مركز أبحاث أميركيّ معروف نسبيًّا في واشنطن، هو جرس إنذار عالي الصّوت لكلّ المعنيّين بمكافحة الظّاهرة ومواجهتها، وهي التي تؤثّر يوميًّا في صورة الإسلام والمسلمين في أميركا وفي العلاقة بين الولايات المتّحدة ودول العالم الإسلاميّ.

تعريف الإسلاموفوبيا وخطورتها

تقول الدّراسة إنّ الإسلاموفوبيا هي "خوف، أو كراهية، أو عداء مبالغ فيه ضدّ الإسلام والمسلمين، وتقوم على صور نمطية سلبيّة، وتؤدّي إلى التحيّز ضدّ المسلمين والتمييز ضدّهم وتهميشهم وإقصائهم من الحياة الأميركيّة الاجتماعيّة والسياسيّة والعامّة".

وهذا يعني أنّ الإسلاموفوبيا ليست تحيّزًا عارضًا ضدّ الإسلام والمسلمين بسبب عدم المعرفة أو الجهل، وينتهي عند الشكّ البسيط القابل للزّوال في أقرب فرصة، إنّما الإسلاموفوبيا خوف وعداء مبالغ فيهما لا يتوقّفان فقط عند مستوى الشّعور أو الفكر، بل يتخطّيانه إلى مستوى العمل من خلال الحضّ على - أو المشاركة في - تهميش المسلمين والإسلام كجماعة ودين من الحياة العامّة الأميركيّة على مستوياتٍ مختلفة وتشويه صورتهم. وتشرح الدّراسة أمثلة عديدة لكتّاب وسياسيّين وكتب وسياسات ومظاهرات وحركات جماهيريّة شاركت في ذلك.

وتقول الدّراسة إنّ الإسلاموفوبيا هي امتداد لحركات الكراهية الأميركيّة. وهي حركات عديدة وقديمة قدم أميركا نفسها، وعانت منها تاريخيًّا جماعات أميركيّة مختلفة كالسّود وبعض المهاجرين وبعض الطّوائف الدينيّة المسيحيّة لأسبابٍ مختلفة، وهنا تقول الدّراسة:
"للأسف المسلمون الأميركيون والإسلام هما الفصل الأحدث في كفاح أميركيّ طويل ضدّ استخدام الآخرين 'كبش فداء‘ لأسبابٍ دينيّة وعرقيّة وعقائديّة".

وتقول أيضًا:

"شبكة الكراهية ليست حديثة في أميركا، ولكن قدرتها على التّنظيم والتّنسيق ونشر أيديولوجيّتها من خلال المنظّمات الجماهيريّة زادت دراماتيكيّا خلال السّنوات العشر الأخيرة. أكثر من ذلك، أنّ قدرتها على التّأثير في خطاب السياسيّين وقضاياهم الخلافيّة في انتخابات عام 2012 حوّلت أفكارًا كانت تعتبر في السّابق خطابًا متطرّفا إلى تيّار عامّ رئيسيّ".

وهذا يعني أنّ شبكة الإسلاموفوبيا لم تولد في أميركا بعد أحداث 11 أيلول / سبتمبر، فقد وُجدت قبل ذلك بسنوات. وتشير الدّراسة إلى كتابات بعض روّاد "شركة الإسلاموفوبيا" ومواقفهم كستيفن إمرسون (Steven Emerson) مؤسّس ومدير مركز المشروع التحقيقيّ عن الإرهاب (The Investigative Project on Terrorism) تعود إلى النّصف الأوّل من تسعينيّات القرن الماضي.

وكانت قفزة الإسلاموفوبيا الكبرى في أميركا على مرحلتين. المرحلة الأولى هي التالية لأحداث الحادي عشر من أيلول / سبتمبر، إذ شهدت نموًّا واسعًا لظاهرة الإسلاموفوبيا حيث امتدّت إلى عددٍ أكبرَ من الخبراء ووسائل الإعلام والحركات اليمينيّة الأميركيّة، ممّا أدّى إلى تدهورٍ كبير في صورة الإسلام والمسلمين. وتشير استطلاعات الرّأي الأميركيّة إلى أنّ الإسلام هو أكثر الأديان التي ينظر لها سلبيًّا في أميركا في الوقت الحاضر، حيث ينظر 37% فقط من الأميركيّين بنظرة تفضيليّة للإسلام، وهي النّسبة الأقلّ منذ عشر سنوات، وذلك وفقًا لاستطلاعٍ قامت به شبكة ABC NEWS وصحيفة واشنطن بوست في عام 2010. وهي نظرة تُرجمت في رفض مجتمعيّ أميركيّ للمسلمين الأميركيّين، حيث تشير الاستطلاعات إلى أنّ 28% من النّاخبين الأميركيّين لا يعتقدون أنّ المسلمين يحقّ لهم الخدمة في المحكمة العليا الأميركيّة، ويعتقد ثلث الأميركيّين تقريبًا أنه يجب منع المسلمين من الترشّح للرّئاسة، وذلك وفقًا لاستطلاع مجلّة تايم الأميركيّة في عام 2010. 

أمّا مرحلة النموّ الثانية، فهي الفترة منذ عام 2008 وحتّى الآن، إذ يتّضح من التّقرير الذي نحن بصدد عرضه أنّ خروج الجمهوريّين من الحكم وصعود نجم الرّئيس الأميركيّ الحالي باراك أوباما أدّى إلى تشدّدٍ كبير من جانب الحركات اليمينيّة الأميركيّة وتحرّر يدها في الهجوم على الإسلام والمسلمين، كما رأى بعضهم في باراك أوباما ومسلمي أميركا عدوًّا مشتركًا. إذ عمد هؤلاء إلى تصوير أوباما على أنّه مسلم أو مسلم مستتر يخفي إسلامه، أو شخص متعاطف مع المسلمين، وصبّوا غضبهم عليه وعلى المسلمين على أنّهم جزءٌ من مؤامرة ضدّ أميركا.

ويرصد التّقرير عددًا من المقولات الخطيرة في حقّ أوباما والمسلمين، إذ كتب فرانك غافني  (Frank Gaffney) - أحد أبرز أعضاء شبكة الإسلاموفوبيا في أميركا وفقًا للدّراسة - مؤسّس ومدير مركز سياسات الأمن (The Center For Security Policy)  مقالا بعنوان "أوّل رئيس مسلم لأميركا؟"، يقول فيه إنّ هناك "أدلّة متراكمة على أنّ الرّئيس ليس فقط مرتبطًا بالمسلمين، ولكنّه أيضا قد يكون لا يزال واحدًا منهم".

شبكة الإسلاموفوبيا

تشير الدّراسة الرّاهنة إلى أنّ الإسلاموفوبيا بمعناها السّابق لا تنتشر في أميركا بهذه السّرعة تلقائيًّا أو كنتيجة للتوتّر الذي تمرّ به العلاقات بين أميركا وبعض الدّول المسلمة، أو بسبب التحيّزات القديمة وأخطاء الإعلام الأميركيّ في تغطية قضايا الإسلام والمسلمين.

الدراسة تقول لنا إنّ الإسلاموفوبيا في أميركا مقصودة ويقف وراءها مجموعة من المؤسّسات اليمينيّة المتشدّدة، والتي تسمّيها الدّراسة "شبكة الإسلاموفوبيا".

هذا يعني أنّنا أمام عدّة مؤسّسات تعمل في تكاملٍ وعن قربٍ لنشر الإسلاموفوبيا على مستوياتٍ مختلفة. وهذا يعني أيضًا أنّها مؤسّسات مختلفة تقوم بوظائفَ متمايزة، فبعضها ينتج الأفكار وبعضها يموّل، وفريق ثالث ينشر الأفكار في الإعلام، ورابع ينشرها في أروقة السّياسة وفي أوساط الجماهير، وهناك أيضًا من يترجمها في صورة سياسات وقوانين وقرارات حكوميّة.

وهذا يوضّح أنّ مواجهة تلك الشّبكة ليست بعمليّة سهلة، لذا يقول مؤلّفو الدّراسة إنّ دراستهم هي بمثابة "خطوة أولى مطلوبة لفضح تأثير المؤسّسات والأشخاص والجماعات التي تكوّن شبكة الإسلاموفوبيا في أميركا". وتشير الدّراسة إلى أنّ شبكة الإسلاموفوبيا تتكوّن من ستّ حلقات رئيسة تتضمّن كلّ حلقة عددًا من المؤسّسات المتخصّصة.

الحلقة الأولى هي حلقة التّمويل، والتي تضمّ مجموعة من المؤسّسات الخيريّة التي تعمل في مجال تمويل الأعمال البحثيّة والعلميّة. وتوفّر هذه المؤسّسات ملايين الدّولارات للحلقة الثّانية من حلقات شبكة الإسلاموفوبيا والتي تتضمّن مجموعة من الخبراء المعنيّين بقضايا الإرهاب والإسلام والمسلمين الأميركيّين وعلاقة أميركا مع العالم الإسلاميّ. ويرتدي هؤلاء الخبراء "المزيّفون" زيّ رجال العلم وقبّعات الخبراء والمثقّفين، وفي الحقيقة هم يستخدمون بعض القدرات العلميّة في إنتاج أبحاثٍ ومقالات وكتبٍ غير علميّة ومليئة بالمغالطات عن الإسلام والمسلمين، وتكون هذه الموادّ القاعدة الفكريّة التي تبني عليها حلقات الإسلاموفوبيا الأخرى عملها في تشويه صورة الإسلام والمسلمين.

الحلقة الثّالثة هي حلقة اليمين الأميركيّ المتديّن، ويلعب فيها عدد من قادة هذا التيّار دورًا بالغ الخطورة في نشر الأفكار المعادية للإسلام والمسلمين في أوساط المسيحيّين المتديّنين، وذلك بالتّعاون مع الحلقة الرّابعة وهي حلقة المنظّمات الجماهيريّة، أو منظّمات العمل السياسيّ والجماهيريّ والتّعبئة الجماهيريّة المعنيّة بنشر الخوف من الإسلام والمسلمين في أميركا. وتتخصّص هذه المنظّمات في تنظيم الأفراد جماهيريًّا وسياسيًّا بالاستعانة بخبراء متخصّصين بالعمل السياسيّ في الولايات المتّحدة، يستخدمون أحدث الأساليب الحديثة (الإلكترونيّة والتقليديّة) في تعبئة الجماهير وتوحيدهم وإشراكهم في النّدوات والمؤتمرات والمظاهرات المعادية للإسلام والمسلمين في أميركا.

ولعلّ ظهور المؤسّسات السّابقة وانتشارها بهذا الشّكل جديدٌ وقد يعود إلى عام 2008 بالأساس، وخطورة هذه المؤسّسات تكمن في أنّها تحوّل الكراهية للإسلام والمسلمين إلى عملٍ جماهيريّ منظّم ممّا يساعد على نشره من ناحية، وعلى تحويل العداء للإسلام والمسلمين إلى حملة سياسيّة منظّمة من ناحيةٍ أخرى، وكأنّ الإسلام والمسلمين في أميركا خطرٌ شديدٌ محدق يحتم التحرّك ضدّه بعمل سياسيّ وجماهيريّ منظّم ومعادٍ. وأعتقد أنّ ظهور تلك المؤسّسات بالشّكل الذي تتحدّث عنه الدّراسة نذير خطر وقلق كبيرين.
أمّا الحلقة الخامسة من حلقات شبكة الإسلاموفوبيا في أميركا فتضمّ الإعلام اليمينيّ الأميركيّ المتشدّد الذي يستضيف خبراءَ الشّبكة ونشطاءَها الجماهيريّين وسياسيّيها ورجال الدّين الدّاعمين لدعوتها ويحوّلهم إلى قادة رأي تُنشر أخبارهم وتُوزّع على أوسع نطاق ويَرجع الإعلام إليهم كجزء أصيل من سعيه لتغطية الأخبار والأحداث، وبهذا تنتشر رسالة الإسلاموفوبيا ويتحوّل القائمون عليها إلى خبراء يُحتفى بهم.

أمّا الحلقة السّادسة والأخيرة والمؤسفة فهي حركة بعض السياسيّين الأميركيّين اليمينيّين الذين تبنَّوا دعاوى الإسلاموفوبيا وتحدّثوا عنها وحوّلوها أحيانًا إلى قواعدَ للسّياسات وجلسات الاستماع في الكونغرس الأميركيّ، وبهذا أعطَوا شبكة الإسلاموفوبيا مزيدًا من الصدقيّة، وسعوا إلى ترجمتها إلى قوانين وسياسات، وحوّلوها إلى قضيّة سياسيّة ينقسم بشأنها السياسيّون الأميركيّون بين مؤيّدٍ ومعارض.

قيادات شبكة الإسلاموفوبيا

الدّراسة مليئة بأمثلةٍ عديدة عن أهمّ الفاعلين في شبكة الإسلاموفوبيا، وبعضهم أكثر شهرةً من الآخرين. وهناك أيضًا أسماء جديدة كثيرة يصعب الوعي بها وبخلفيّاتها وبدورها إلا من قبل المعنيّين المتابعين من الدّاخل الأميركيّ نفسه، وهذا علامة على تنامي شبكة الإسلاموفوبيا المستمرّ.

وبالطّبع يصعب عرض جميع تلك الأسماء والمؤسّسات، لذا رأينا أن نلخّص في الفقرات التالية بعض أهمّ هؤلاء الفاعلين.
أوّلا: فيما يتعلّق بالتّمويل، تشير الدّراسة إلى سبع مؤسّسات خيريّة منحت مجموعة من مراكز الأبحاث المعنيّة بنشر الإسلاموفوبيا 42.6 مليون دولار بين عامي 2001 و2009، وهو رقم كبير يشير إلى قيمة التّمويل الذي تتمتّع به مراكز أبحاث تُذكي الإسلاموفوبيا، وبعض هذه الأبحاث معروفٌ بدعمه لقضايا اليمين الأميركيّ وإسرائيل، وبعضها أقلّ شهرةً.

وتموّل مصادر التّمويل ذاتها مراكز أبحاث يمينيّة معروفة مثل "هيرتاج فوندايشن" (Heritage Foundation) ومعهد "أميركان انتربرايز" (The American Enterprise Institute) المعروف بأنّه أحد أهمّ معاقل المحافظين الجدد في واشنطن.

ويقول التّقرير إنّ "هذه الأموال تمكّن جماعة صغيرة للغاية ومترابطة من الكتّاب والخبراء والمنظّمين النّشطاء الجماهيريّين اليمينيّين والراديكاليّين من صياغة وتشارك حزم من المعلومات الخاطئة عن الإسلام والمسلمين الأميركيّين".

ثانيًا: فيما يتعلّق بخبراء الإسلاموفوبيا، يركّز التّقرير على دانيال بايبس Daniel Pipes وفرانك جافني Frank Gaffney وستيفن إميرسون Steven Emerson وروبرت سبنسر Robert Spencer. ولكلّ واحد منهم حكاية طويلة مع الإسلام والمسلمين في أميركا وسلسلة من الكتابات المسيئة.

ويتبنّى هؤلاء أفكارًا تركّز على مهاجمة الشّريعة الإسلاميّة على أنّها "أيديولوجيّة سلطويّة" و"مبدأ سياسيّ قانونيّ عسكريّ". ويقولون إنّ الشّريعة هي المشكلة وإنّ المساجد هي "أحصنة طروادة" لإدخال الشّريعة إلى أميركا، وإنّ أميركا عرضة للجهاد، وإنّ "الجهاد الخفيّ" يسعى إلى نشر الشّريعة في أميركا.

ويركّز هؤلاء في هجومهم على جماعة الإخوان المسلمين في الأساس، فيرون أنّها تسيطر على منظّمات مسلمي أميركا، ويرون أنّ أوباما "مسلم متخَفٍّ.. وهو جزء من مؤامرة المسلمين لنشر الشّريعة في أميركا" وأنّه يحظى بدعم الإخوان الذين يموّلون 80% من المساجد في أميركا.

ويرى هؤلاء أنّ الحلّ هو منع المسلمين الأميركيّين من "التسلّل" إلى مؤسّسات الدّولة الأميركيّة ومحاربتهم ومحاربة الجماعات الأميركيّة التي تدعمهم، لذا يشنّون هجومًا شديدًا على بعض النّاشطين المسلمين الأميركيّين وبعض الشّباب المسلم الذي يعمل في واشنطن، وعلى السياسيّين الأمريكيّين الذين يدعمونهم.

وللأسف تجد هذه الأفكار طريقها من خلال حلقات شبكة الإسلاموفوبيا إلى المجتمع والسّياسة في أميركا، ونجدها تتكرّر حرفيًّا وفي تنوّعات مختلفة من خلال مؤسّسات شبكة الإسلاموفوبيا الإعلاميّة والجماهيريّة والدينيّة.

ثالثًا: على مستوى المنظّمات الجماهيريّة، يتحدّث التّقرير عن عددٍ من المنظّمات التي أُسّست حديثًا، وعلى رأسها منظّمة "أوقفوا أسلمة أميركا" (Stop the Islamization of America) وترْأسها باميلا جيلر Pamela Geller، ومنظّمة "تصرّفوا من أجل أميركا" (Act For America) ويرْأسها بريجيت جبريل Brigitte Gabriel، وعن تعاون تلك المنظّمات مع حركة حفلات الشّاي الأميركيّ (Tea Party Movements) الصّاعدة.

وتحوّل تلك المنظّمات أفكار خبراء الإسلاموفوبيا المغلوطة إلى حملات جماهيريّة مستخدمة أحدث أساليب التّعبئة الجماهيريّة والعمل السياسيّ، الإلكترونيّة منها والعمليّة، وتدّعي منظّمة "تصرّفوا من أجل أميركا" أنّها تمتلك 573 فرعًا عبر الولايات الأميركيّة، وأنّها تعدّ في صفوفها 170 ألف عضو، وقد بلغت ميزانيّة المنظّمة في عام 2009 نحو مليون دولار أميركيّ، وهي أموال تضاف إلى ميزانيّة وموارد شبكة الإسلاموفوبيا وأعضائها ونشاطاتها.

رابعًا: تستفيد الحلقات السّابقة من دعم قادة اليمين المسيحيّ المتشدّدين في أميركا، حيث تركّز الدّراسة على عددٍ من القادة الكبار الذين باتوا يلعبون دورًا متزايدًا في نشر الإسلاموفوبيا في أميركا، وعلى رأسهم بات روبتسون  Pat Robertson وجون هاغي John Hagee ورالف ريد Ralph Reed وفرانكلين غرام Franklin Graham، وهم جميعًا من القادة الدينيّين والسياسيّين المعروفين في أميركا، ولهم أتباعٌ ومريدون يقدَّرون بعشرات الآلاف وفقًا للتّقديرات المتحفّظة. ويتبنّى هؤلاء مقولات خبراء الإسلاموفوبيا ونشطائها، ويضفون عليها صدقيّة لدى أتباعهم.

خامسًا: يأتي دور وسائل الإعلام الأميركيّة اليمينيّة، حيث ترصد الدّراسة عددًا من الفاعلين الكبار وعلى رأسهم شبكة "فوكس نيوز"، وصحيفة "واشنطن تايمز"، ومجلّة "ناشيونال ريفيو"، وشبكة "سي بي إن" التّابعة لبات روبرتسون، وعددًا من نجوم البرامج الحواريّة الأميركيّة مثل رش ليمبو Rush Limbaugh، وشون هانيتي Sean Hannity وغلين بك Glenn Beck، وغيرهم.
وبالطّبع، تساهم تلك القنوات والأبواق الإعلاميّة في نشر أكاذيب الإسلاموفوبيا بشكلٍ سريع ومقلق من دون تدقيقٍ أو تمحيص في مصادرها وما تقوم عليه من أكاذيبَ أو حقائق.

سادسًا: يحلّ الدّور المؤسف لسياسيّين يتبنّون مقولات الإسلاموفوبيا ويردّدونها ويدعمونها سياسيًّا وتشريعيًّا، وعلى رأسهم النوّاب: بيتر كينغ Peter King، وسو ميريك Sue Myrick، وآلان وست Allen West، ورينيه آلمز Renee Elmers، وبول برون Paul Broun.

ويقول التّقرير إنّ السياسيّين يدعمون شبكة الإسلاموفوبيا بدرجةٍ كبيرة من خلال "ترويج أساطيرهم على أنّها حقائق، وصياغة حملات لجمع التبرّعات السياسيّة واجتذاب ناخبين جدد بناءً على معلوماتٍ كاذبة عن الإسلام والمسلمين".

ويشير التّقرير إلى عقد النّائب بيتر كينج جلسات استماع في الكونغرس في مارس 2011 بعنوان: "ما مدى راديكاليّة المجتمع المسلم الأميركيّ"، استخدم فيها معلومات مغلوطة من خبراء الإسلاموفوبيا تقول إنّ "80 إلى 85% من المساجد في أميركا يتحكّم فيها أصوليّون إسلاميّون".

خاتمة وتعليق

وفي النّهاية، بقي لنا أن نركّز على أربع خلاصات رئيسة:

أوّلًا: الإسلاموفوبيا في زيادةٍ في الولايات المتّحدة الأميركيّة، وهي الآن أكثر انتشارًا ممّا كانت عليه قبل عشر سنوات مضت، بل إنّها زادت بشكلٍ دراماتيكيّ منذ عام 2008.

ثانيًا: للإسلاموفوبيا تنظيمها الخاصّ، وتتمتّع بشبكةٍ من المنظّمات المتكاملة والمتعاونة في عملها وبميزانيّة ضخمة وخبراء ومناصرين.

ثالثًا: هذه الدّراسة التي نعرضها مفيدة للغاية وحافلة بالأمثلة العمليّة والحقيقيّة وبشرحٍ وافٍ ومحدّد عن أهمّ الفاعلين في شبكة الإسلاموفوبيا.

رابعًا: أهمّية هذه الدّراسة تتطلّب ترجمتها إلى العربيّة وربّما استفادت المؤسّسات العربيّة والإسلاميّة المعنيّة منها في خططها العمليّة لمواجهة خطر الإسلاموفوبيا المتصاعد.

النصّ الكامل للدّراسة موجود على الموقع التّالي:
جذور شبكة الإسلاموفوبيا في أميركا، مركز التقدّم الأميركيّ، آب / أغسطس 2011.

Wednesday, January 04, 2012

حتى لا ننسى من صنعوا الثورة في مصر ولماذا صنعوها
قراءة في كتاب يوميات الثورة المصرية


شعرت بالذنب وتأنيب الضمير وأنا أقلب صفحات كتاب عن يوميات الثورة المصرية لأني اكتشفت أن زحمة الأحداث وضجيج القوى السياسية كادا ينسياني الثورة ومن قاموا بها ولماذا.

الكتاب الصغير (160 صفحة) والصادر عن مركز الجزيرة للدراسات في منتصف العام الماضي يتميز بميزة كبيرة للغاية، وهو أنه مكتوب بأيادي شباب أصحاب موهبة قد لا نسمع عنهم كثيرا ولكنهم كانوا جزء من الحدث نفسه ويروون بأنفسهم كيف شاركوا هم وزملائهم في صناعة الثورة وقيادتها.

الكتاب يعود بك – عن قصد أو بشكل تلقائي - إلى ذلك العالم الجميل – عالم أسابيع الثورة المصرية الثلاثة الأولى – الذي أذهل العالم وكدنا ننساه في ساحة الصراع الدائم بين المجلس العسكري والقوى السياسية والفلول على كل شيء في مصر تقريبا.

عموما هذه ليست محاولة لتجريم الحاضر أو الانسحاب منه، ولكنه محاولة فقط للتذكير بذلك العالم الجميل وكيف بناه من بنوه، وأهم مشاهده ودروسه.

يدمي الكتاب قلبك بقصص المعارك التي خاضها الشباب في يومي 25 و28 يناير للوصول إلى ميدان التحرير، والذي شاهده الكثيرون منها على شاشات الفضائيات ممتلئا بالثوار، الكتاب يقول أن الوصول إلى التحرير والحفاظ عنه كان هدفا تحقق بعد معارك مضنية مات فيها عشرات من خيرة الشباب، وكيف أن الصفوف الأمامية من هؤلاء الشباب واجهت الرصاص الحي والرصاص المطاطي والخرطوش الموجه للصدور والعيون، وكيف استهدفتهم القناصة بضوء أخضر يتبعه بلحظات رصاصات قاتلة، وكيف تعرضوا للقتل عن قرب من رجال أمن اندسوا بينهم في ملابس مدنية وأسلحة نارية، وكيف تعرضوا للطعن بأسلحة البيضاء من بلطجية أطلقوا عليهم وكيف سحقتهم عربات الشرطة.

يحدثك الكتاب أيضا عن قصص المستشفى الميداني وكيف حمل أخ أخيه مسرعا لإنقاذه يعتقد أنه جريح فيكتشف أنه يحمل جثة أخيه، وينهار في نوبة بكاء وضحك، فهو يضحك فرحا بأن أخاه بات شهيدا، ويبكي لأنه لا يعرف ماذا سيقول لوالديه ولأنه لم يثأر لأخيه بعد، ويحدثك أيضا عن المواد الحارقة التي كانت تلقى على المتظاهرين من أعلى المباني والكباري الرئيسية، وعن استهداف الأطباء أنفسهم الذين تبرعوا لإسعاف الجرحي وناموا في العراء لأسابيع.


يحدثك الكتاب أيضا عن خيانة مؤسسات الدولة للثوار الشباب الأبرياء، فسيارات الإسعاف كانت تحمل رجال أمن دولة لاختطاف الثوار، والمستشفيات كانت تقبض عليهم إذا وصولوا إليها وتربطهم بأساور حديدية في الأسرة قبل حتى تقديم أبسط العلاج لجروحهم النازفة، لذا مات بعضهم من جسور بسيطة تسممت بعد أن خافوا الذهاب للمستشفيات خوفا من القبض عليهم، هذا ناهيك عن الأربعاء الدامي، وكيف تركهم الجميع يذبحون أمام أعينهم وأعين كاميرات العالم.



ويتحدث الكتاب في بدايته عن مقتل خالد سعيد وسيد بلال والهجوم الدامي على كنيسة القديسين وعن انتخابات 2010 وكيف شعر الشباب بالمهانة وانتهاك الكرامة والخوف على مستقبل مصر، وكيف غامر بعضهم بتنظيم أنفسهم والتواصل والدعوة للثورة والتظاهر وكيف خططوا للثورة وللمظاهرات ولقيادة المتظاهرين ولمواجهة قمع الشرطة وللتواصل مع الإعلام لنقل الحقيقة وللتفاوض أيضا مع عمر سليمان وأحمد شفيق والمجلس العسكري.

الكتاب يقول أن من كانوا في التحرير كانوا شباب لا يسيطر عليهم أحد، وأنه لما حاول عمر سليمان الحوار معهم ثبت له بالدليل القاطع أن الشباب الثائر لا يخضع لسيطرة قيادات بعينها، وأن وسطه شباب يقوم بأدوار قيادية فريدة من نوعها وأن هذا الشباب موحد في ائتلافات ثورة ويعرف بعضه جيدا.

ومن أهم خصائص هذا الشباب والتي تطل بشكل متكرر عبر صفحات الكتاب هي كونهم تجمعات عابرة للأيدلوجيات، فقد كانوا اتحادات شبابية عابرة لكل الجماعات القائمة على الساحة المصرية الآن من 6 أبريل وإخوان وحملة البرادعي والاشتراكيين والليبراليين وكفاية والجمعية الوطنية للتغيير، وأن الفروق الأيدلوجية بينهم لم تظهر خلال أسابيع الثروة ولم تمثل أي عائق يحول بين تعاونهم.

باختصار الكتاب يذكرك بروح الثورة ويضعك في تواصل مباشر مع بعض أهم صناعيها، ويذكرك بما فقدناه أو نسيناه أو ننساه كثيرا في الفترة الأخيرة، وهم الشهداء والشباب وتخطي المصالح الأيدلوجية الضيقة، والله أعلم.


بقلم: علاء بيومي