قراءة أولية في تقرير الدابي ومغزاه
انتهيت من قراءة النص الكامل لتقرير الفريق محمد الدابي - رئيس
بعثة مراقبي جامعة الدول العربية في سوريا – عن عمل بعثته بسوريا خلال الفترة من
24 ديسمبر 2011 إلى 18 يناير الحالي، وأعتقد بعد قراءة أولية للتقرير أنه لا يحتوي
على ما يدين المعارضة السورية بقدر ما يدين النظام السوري ويبرز محدودية دور
البعثة ويكشف الحاجة لحل أشمل للأزمة السورية.
فالتقرير يشير لعدد من القضايا الهامة التي يجب أخذها بعين
الاعتبار حين الحكم عليه.
أولها طبيعة مهمة المراقبين العرب كبعثة لمراقبة ما يجري
على الأرض لا لتقديم حل شامل أو للتفاوض أو حتى لتقديم تصور لحل الأزمة.
ثانيا: التقرير يشير بوضوح إلى أن البعثة لم تكن مؤهلة بشكل
كافي لقيام بمهمتها المحدود السابقة لأسباب عديدة بسبب الظروف الأمنية الصعبة وعدم
التأهيل الكافي وغياب المعدات وعدم تعاون الحكومة السورية ومخاوف المعارضة.
ثالثا: التقرير يقول بوضوح أنه عمل البعثة يأتي ضمن مبادرة
عربية أكبر تهدف إلى إيجاد مخرج للأزمة السورية وأن عدم تحقيق تقدم على صعيد
المبادرة الأشمل لابد وأن يحد من قدرة البعثة على إنجاز مهمتها المحدودة كمراقبين.
رابعا: يتحدث التقرير في أكثر من موضع عن محاولة الحكومة
السورية التدخل في عمل بعثته والحد من قدرتها على التحرك وسعادة المعارضة
بالمراقبين ومخاوفهما مما قد يحدث لها بعد تركهم مدنهم وقراهم، كما يتحدث أيضا عن اعتداءات
تعرضت لها البعثة وضغوط سياسية وإعلامية هائلة.
خامسا: البعثة دخلت سوريا بعد تسعة أشهر منذ بداية الأزمة
وبعد وقوع آلاف الضحايا وتعرض آلاف غيرهم للقتل والتعذيب وحدوث انشقاقات في الجيش
السوري، ومن ثم يصعب أن نتصور بعد ما سبق عدم لجوء بعض فئات المعارضة السورية إلى
التسلح والعمل العسكري، وخروج بعضها عن سيطرة الحكومة والمعارضة معا، فهذا للأسف
ما يحدث في الصراعات المسلحة طويلة الأمد وخاصة التي تستهدف المدنيين والسكان على
نطاق واسع، فالعنف يقود إلى عنف مضاد، ولك أن تتصور ما يمكن أن يحدث لشعب يتعرض
لما يعانيه الشعب السوري لتسعة أشهر كاملة، وهنا يقول التقرير:
"ثبت للبعثة وجود عنصر مسلح غير مخاطب بالبروتوكول، وهو لاشك تطور ظهر على
الأرض نتيجة الاستخدام المفرط للقوة من جانب القوات الحكومية قبل انتشار البعثة عند التصدي للاحتجاجات التي طالبت بسقوط
النظم".
بمعني أخر يقول التقرير أن الاستخدام المفرط للقوة من جانب
قوات النظام هو السبب في ظهور تلك الجماعات وتصاعد دوامة العنف والعنف المضاد في
سوريا.
لذا أكد التقرير في توصياته على "ضرورة التعجيل
بالعملية السياسية" أو بالحل السياسي والأكبر، وهو بالطبع أمر يخرج عن اختصاص
وسيطرة بعثة المراقبين العرب المحدودة.
لذا نقول أن بعثة المراقبين العرب ذات طبيعة ومهمة محدودة
ولا يجب تحميلها ما لا تطيق، والأصل هو التركيز على الحل الأشمل للأزمة وهل يتمثل
في العمل مع النظام لإيجاد حل للأزمة!؟ أو العمل من خارجه كما تطالب فئات واسعة من
المعارضة الثورية داخل البلاد وخارجها بعد كل الانتهاكات التي ارتكبها النظام
السوري!؟ أما تقارير البعثة ودفاعها عن مهمتها وطبيعتها وما يمكن أن تقوم به، فيجب
وضعها في مكانها الصحيح بلا تقليل أو مبالغة، فهي بعثة دخلت سوريا بعد تسعة أشهر
من أزمة طاحنة ولم تمتلك حتى إمكانات كافية للقيام بمهمتها المحدودة - كما يقر
التقرير نفسه، ودفاع الدابي عن بعثته وتقريره ودوره لا يجب أن يشغلنا عن الصورة
الأكبر والأشمل.
التقرير ليس حجة على المعارضة السورية كما أراه، ولكنه دعوة لإيجاد حل شامل وعاجل
يحقن دماء الشعب السوري ويوقف معاناته خاصة وأن القتل لم يتوقف خلال وجود البعثة هناك،
وبعد تدهور الأوضاع وزيادة دائرة العنف بعد توقف عمل المراقبين - كما تنبأ التقرير
نفسه، والله أعلم.
علاء بيومي
No comments:
Post a Comment