Wednesday, January 04, 2012

حتى لا ننسى من صنعوا الثورة في مصر ولماذا صنعوها
قراءة في كتاب يوميات الثورة المصرية


شعرت بالذنب وتأنيب الضمير وأنا أقلب صفحات كتاب عن يوميات الثورة المصرية لأني اكتشفت أن زحمة الأحداث وضجيج القوى السياسية كادا ينسياني الثورة ومن قاموا بها ولماذا.

الكتاب الصغير (160 صفحة) والصادر عن مركز الجزيرة للدراسات في منتصف العام الماضي يتميز بميزة كبيرة للغاية، وهو أنه مكتوب بأيادي شباب أصحاب موهبة قد لا نسمع عنهم كثيرا ولكنهم كانوا جزء من الحدث نفسه ويروون بأنفسهم كيف شاركوا هم وزملائهم في صناعة الثورة وقيادتها.

الكتاب يعود بك – عن قصد أو بشكل تلقائي - إلى ذلك العالم الجميل – عالم أسابيع الثورة المصرية الثلاثة الأولى – الذي أذهل العالم وكدنا ننساه في ساحة الصراع الدائم بين المجلس العسكري والقوى السياسية والفلول على كل شيء في مصر تقريبا.

عموما هذه ليست محاولة لتجريم الحاضر أو الانسحاب منه، ولكنه محاولة فقط للتذكير بذلك العالم الجميل وكيف بناه من بنوه، وأهم مشاهده ودروسه.

يدمي الكتاب قلبك بقصص المعارك التي خاضها الشباب في يومي 25 و28 يناير للوصول إلى ميدان التحرير، والذي شاهده الكثيرون منها على شاشات الفضائيات ممتلئا بالثوار، الكتاب يقول أن الوصول إلى التحرير والحفاظ عنه كان هدفا تحقق بعد معارك مضنية مات فيها عشرات من خيرة الشباب، وكيف أن الصفوف الأمامية من هؤلاء الشباب واجهت الرصاص الحي والرصاص المطاطي والخرطوش الموجه للصدور والعيون، وكيف استهدفتهم القناصة بضوء أخضر يتبعه بلحظات رصاصات قاتلة، وكيف تعرضوا للقتل عن قرب من رجال أمن اندسوا بينهم في ملابس مدنية وأسلحة نارية، وكيف تعرضوا للطعن بأسلحة البيضاء من بلطجية أطلقوا عليهم وكيف سحقتهم عربات الشرطة.

يحدثك الكتاب أيضا عن قصص المستشفى الميداني وكيف حمل أخ أخيه مسرعا لإنقاذه يعتقد أنه جريح فيكتشف أنه يحمل جثة أخيه، وينهار في نوبة بكاء وضحك، فهو يضحك فرحا بأن أخاه بات شهيدا، ويبكي لأنه لا يعرف ماذا سيقول لوالديه ولأنه لم يثأر لأخيه بعد، ويحدثك أيضا عن المواد الحارقة التي كانت تلقى على المتظاهرين من أعلى المباني والكباري الرئيسية، وعن استهداف الأطباء أنفسهم الذين تبرعوا لإسعاف الجرحي وناموا في العراء لأسابيع.


يحدثك الكتاب أيضا عن خيانة مؤسسات الدولة للثوار الشباب الأبرياء، فسيارات الإسعاف كانت تحمل رجال أمن دولة لاختطاف الثوار، والمستشفيات كانت تقبض عليهم إذا وصولوا إليها وتربطهم بأساور حديدية في الأسرة قبل حتى تقديم أبسط العلاج لجروحهم النازفة، لذا مات بعضهم من جسور بسيطة تسممت بعد أن خافوا الذهاب للمستشفيات خوفا من القبض عليهم، هذا ناهيك عن الأربعاء الدامي، وكيف تركهم الجميع يذبحون أمام أعينهم وأعين كاميرات العالم.



ويتحدث الكتاب في بدايته عن مقتل خالد سعيد وسيد بلال والهجوم الدامي على كنيسة القديسين وعن انتخابات 2010 وكيف شعر الشباب بالمهانة وانتهاك الكرامة والخوف على مستقبل مصر، وكيف غامر بعضهم بتنظيم أنفسهم والتواصل والدعوة للثورة والتظاهر وكيف خططوا للثورة وللمظاهرات ولقيادة المتظاهرين ولمواجهة قمع الشرطة وللتواصل مع الإعلام لنقل الحقيقة وللتفاوض أيضا مع عمر سليمان وأحمد شفيق والمجلس العسكري.

الكتاب يقول أن من كانوا في التحرير كانوا شباب لا يسيطر عليهم أحد، وأنه لما حاول عمر سليمان الحوار معهم ثبت له بالدليل القاطع أن الشباب الثائر لا يخضع لسيطرة قيادات بعينها، وأن وسطه شباب يقوم بأدوار قيادية فريدة من نوعها وأن هذا الشباب موحد في ائتلافات ثورة ويعرف بعضه جيدا.

ومن أهم خصائص هذا الشباب والتي تطل بشكل متكرر عبر صفحات الكتاب هي كونهم تجمعات عابرة للأيدلوجيات، فقد كانوا اتحادات شبابية عابرة لكل الجماعات القائمة على الساحة المصرية الآن من 6 أبريل وإخوان وحملة البرادعي والاشتراكيين والليبراليين وكفاية والجمعية الوطنية للتغيير، وأن الفروق الأيدلوجية بينهم لم تظهر خلال أسابيع الثروة ولم تمثل أي عائق يحول بين تعاونهم.

باختصار الكتاب يذكرك بروح الثورة ويضعك في تواصل مباشر مع بعض أهم صناعيها، ويذكرك بما فقدناه أو نسيناه أو ننساه كثيرا في الفترة الأخيرة، وهم الشهداء والشباب وتخطي المصالح الأيدلوجية الضيقة، والله أعلم.


بقلم: علاء بيومي 

No comments: