Monday, July 27, 2009

هل بات الأكراد يمثلون عبئا على أميركا في العراق!؟
عرض بقلم: علاء بيومي

يمكن نشر المقال مع الإشارة إلى مصدره
www.alaabayoumi.com

نص المقال

بمناسبة انعقاد الانتخابات البرلمانية والرئاسية الكردية في الخامس والعشرين من يوليو الحالي رأينا أن تناول في هذا المقال - بالعرض والتحليل - أحدث تقارير خدمة أبحاث الكونجرس (الذراع البحثي للكونجرس الأميركي) بخصوص أكراد العراق سعيا للوقوف على ملامح الموقف الأميركي من القضية الهامة في ضوء سياسات الإدارة الأميركية الجديدة

أبرز ما وجدنا في التقرير المختصر - الصادر في الثاني والعشرين من يونيو الماضي والذي يسعى إلى توصيف السياسة الأميركية أكثر من تبريرها أو توجيهها - هو ذلك التناقض الواضح بين أمرين، أولهما تعاطف الأميركيين العام مع قضية الشعب الكردي في العراق وخارجه وتقديرهم لتعاون أكراد العراق مع "الاحتلال الأميركي" بعد سقوط نظام صدام حسين، وثانيهما شعور الأميركيين - البادي من التقرير - بالتحديات الجسيمة التي تمثلها سياسات أكراد العراق لمساعي أميركا لتهدئة الأوضاع بالعراق من ناحية أخرى، وذلك لدرجة تدفعك إلى التساؤل حول ما إذا كان الأكراد باتوا يمثلون عبئا على الأميركيين وخططهم المستقبلية في العراق

تعاطف تاريخي وتعاون في إسقاط صدام

التقرير الصادر في الثالث من يونيو الماضي تحت عنوان "الأكراد في عراق ما بعد صدام" أبرز في مقدمته كون الأكراد يمثلون "رابع أكبر جماعة أثنية في الشرق الأوسط، ولكنهم لم يحصلوا أبدا على دولة وطنية" خاصة بهم، وأن مساعيهم للحصول على دولة قومية خاصة بهم بعد الحرب العالمية الأولى باءت بالفشل مما أدى إلى تحولهم إلى "أقليات" في أربعة دول، وهي سوريا والعراق وإيران وتركيا، ولهذا يعيش اليوم 20-25 مليون كردي بالشرق الأوسط بلا دولة تجمعهم

ويتحدث التقرير أيضا عما تعرض له الأكراد من حملات عسكرية مدمرة خلال عهد صدام حسين وتحديدا خلال الحرب العراقية الإيرانية، كما حدث في حلابجة (1988) والأنفال حيث قتل أكراد يقدر عددهم بالآلاف وشرد عشرات الآلاف منهم - وفقا للتقرير

كما يشير التقرير إلى تعاون أكراد العراق مع الأميركيين والذي يعود على أقل تقدير إلى فترة ما بعد حرب تحرير الكويت، حيث انضم "قادة أكراد" إلى "المجلس الوطني العراقي" وهي جماعة معارضة عراقية اتخذت من واشنطن مركزا لها، وبهذا بدأت صفحة جديدة في علاقة أكراد العراق مع الأميركيين ضد نظام الرئيس العراقي الراحل صدام حسين

وتوثق هذا التعاون في عام 2003 ولكنه لم يعط الأكراد كل ما يتمنونه - كما يقول التقرير ومؤلفه كينيث كاتزمان (المتخصص في شئون الشرق الأوسط)، حيث اجتمعت قيادات كردية في شمال العراق في فبراير 2003 للإعداد لفترة "ما بعد صدام"، ولكن هذه الجماعات "شعرت بخيبة الأمل بسبب قرار أميركا تشكيل سلطة احتلال بدلا من تحويل الحكم فورا للعراقيين"، وبهذا بدأت مرحلة جديدة من التنازع المبكر على السلطة بين الأكراد والأميركيين وباقي الجماعات العراقية الأخرى

ويبدو أن هذا النزاع تأجل في البداية لأن الأكراد كما يقول التقرير "دخلوا السياسات الوطنية العراقية في مرحلة ما بعد صدام على قدم المساواة مع عرب العراق لأول مرة" في تاريخهم، بل أنهم – وفقا للتقرير ومؤلفه – فازوا بمكانة سياسية تفوق قوتهم السكانية بسبب تعاونهم مع الأميركيين والجماعات السياسية الشيعية وبسبب تأخر مشاركة العرب السنة في العملية السياسية العراقية بعد الاحتلال

ولكن يبدو أن الأسباب أو العوامل الثلاثة السابقة لم تدم مجتمعة لفترة طويلة، فالعلاقة الإيجابية بالشيعة لم تستمر، والسنة عادوا إلى المشاركة مما عرض الأكراد لتراجع نفوذهم السياسي بشكل مستمر وينذر بدخولهم حقبة من الخلافات السياسية مع القوى العراقية الأخرى يحذر منها التقرير

مشاكل كردية داخلية

هذا لا يعني أن جذور الأزمة الكردية نشأت خلال السنوات القليلة الماضية، فالتقرير ومؤلفه يرسمان صورة معقدة عن ذلك بكثير، فغالبية صفحات التقرير المختصر مليئة بالقضايا الخلافية التي تشوب تاريخ العمل السياسي الكردي بالعراق

فمنذ البداية يقول التقرير أن "الأكراد حصلوا على حقوق وطنية في العراق أكثر من أي بلد أخر حتى قبل سقوط صدام حسين" مشيرا إلى أكثر من اتفاقية تاريخية وقعها الأكراد مع حكومات بغداد تمنحهم حقوق وطنية خاصة مختلفة مثل استخدام اللغة في التعليم الابتدائي (1931)، والاعتراف بالقومية الكردية (1958)، والحكم الذاتي المحدود (1974)

ويشير التقرير هنا إلى المشاكل النابعة من داخل الأحزاب الكردية الكبرى نفسها، والتي دفعتها إلى التحالف مع نظام صدام حسين ودول أجنبية ضد بعضها بعضها، فهو يقول أن صدام حسين نجح في استمالة حزب الرئيس العراقي الحالي جلال طالباني (الاتحاد الوطني الكردستاني) في عام 1984 وخلال الحرب العراقية الإيرانية وإقناعه بالتوقف عن قتاله في الوقت الذي استمر فيه حزب المعارضة الكردي الأقدم والمنافس الرئيسي للاتحاد الوطني وهو الحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة آل بارزاني في محاربة صدام

وتغير الحالي في منتصف التسعينيات بعد نشوب الحرب الأهلية الكردية بين حزبي طالباني وبرزاني، حيث تعاون الأخير مع صدام حسين ضد الأول في عام 1996

وعلى الرغم من تحالف الحزبين مع بعضهما بعضا سياسيا بعد سقوط صدام إلا أن التقرير يشير في نهايته إلى شكوك الأحزاب والجماعات الكردية الأخرى الأصغر في الحزبين خلال الفترة الحالية، فهو يقول أن الحزبين المسيطرين على الحكم في كردستان العراق يطالبان الحكومة المركزية في بغداد بالحصول على حصة أكبر ما عوائد النفط وبسيطرة أكبر على مصادر النفط بالإقليم، وذلك على الرغم من "رفض أهالي الإقليم للدرجة العالية من التحكم في اقتصاد الإقليم من قبل الحزبين الكبيرين" وفقا لبعض المراقبين، والذي يرون أن عائلتي الطالباني والبارزاني "يستخدمان مواقعهما السياسية للاستفادة ماليا، ثم يستخدمان إمكاناتهما المادية في إحكام الدعم السياسي" لحزبيهما، وهذا يعني أن "العائلات المستقلة والأصغر حجما" باتت أقل حظا وقدرة على الاستفادة من موارد الإقليم والتي يطالب الحزبان الكبيران بغداد بزيادتها

وهكذا تبدو الصورة مختلطة بين أقلية كبيرة (15-20% من أهالي العراق كما يقدرها التقرير) ذات حقوق تاريخية وتعاون ممثليها مع الأميركيين بعد احتلالهما العراق من ناحية، وبين السياسات الكردية التي لا تخلوا من صراعات داخلية وتنافس على السلطة من ناحية أخرى، وهي خلافات تزداد في نظر الأميركيين إذا أضفنا بعدا ثالثا للصورة وهو البعد الخاص بالعلاقة ما بين أكراد العراق والجماعات العراقية الأخرى (شيعة وسنة وأقليات كالمسيحيين والتركمان) في عراق "ما بعد صدام حسين"

حقوق ما بعد صدام

يشير التقرير – كما ذكرنا من قبل - إلى أن تعاون الأكراد المبكر مع الأميركيين قبل سقوط صدام ومشاركتهم المبكرة في "إدارة الاحتلال" حجز لهم مكانية سياسية كبيرة، لذا شارك خمسة قادة أكراد (من بينهم جلال طالباني ومسعود بارزاني) في مجلس حكم العراق الذي شكل في يوليو 2003، وشاركوا في الحكومة الانتقالية التي شكلت في يونيو 2004 حيث عين هوشيار زيباري (أحد كبار مساعدي مسعود البارزاني) وزيرا للخارجية رغم "معارضة كثيرا من الشخصيات العراقية" كما يقول التقرير

كما حافظ الدستور الانتقالي (مارس 2004) على شبه استقلالية حكومة كردستان الإقليمية، وأعطاهم الحق في تغيير تطبيق القوانين العراقية الوطنية عند تنفيذها داخل الإقليم وفي الحفاظ على قوات أمن خاصة بهم (البشمركة) والتي يقدر عددها حاليا بحوالي 75-110 ألف مقاتل، كما أعطى الدستور الانتقالي للأكراد حق الفيتو على الدستور الدائم، والذي أقر في أكتوبر 2005 بعدما "اتفق مع غالبية مطالبهم الأكثر أهمية" وفقا للتقرير

الدستور الدائم أعطى الأكراد حكم ذاتي وقبل "بإصرارهم" على "فيدرالية" العراق، وأعترف بمحافظاتهم الثلاثة (حيث يشكلون أغلبية)، وهي دهوك وإربيل والسليمانية "كإقليم" تحكمه "حكومة كردستان الإقليمية" والتي تمتلك حق سلطة تغيير تطبيق القوانين العراقية الوطنية على المناطق الكردية

ولم يعط الدستور الانتقالي أو الدائم للأكراد السيطرة على كركوك الغنية بالنفط، ولكن الدستور الانتقالي سمح للأكراد الذين طردهم صدام من كركوك بالعودة إلى منازلهم

ووفقا للتطورات السياسية والدستورية السابقة شارك الأكراد في الانتخابات العراقية الوطنية في عام 2005 كما عقدوا انتخابات إقليمية بكردستان العراق في العام نفسها، وقد نجح تحالف سياسي بين الحزبيين الكرديين الرئيسين (الحزب الديمقراطي والاتحاد الوطني) في إيصال رئيس الاتحاد الوطني جلال طالباني إلى رئاسة العراق، بينما فضل رئيس الحزب الديمقراطي مسعود بارزاني التركيز على ترسيخ نفوذه داخل الإقليم حيث تولي رئاسة الإقليم، كما تولى أحد أقاربه (نيجيريفان بارزاني) منصب رئيس وزراء الإقليم

كما أحكمت قوات البشمركة سيطرتها على الإقليم، حيث يشير التقرير إلى أن القوات الأميركية حولت السيطرة على محافظات الإقليم الثلاثة في مايو 2007 لقوات أمن عراقية "يغلب عليها" وحدات أمن كردية

الصراع مع بغداد والأقليات

يقول التقرير أن "القوة السياسية" التي حصل عليها الأكراد في عراق "ما بعد صدام" لم ترتق إلى طموحاتهم الرامية إلى "بناء ديمقراطية متعددة الإثنيات تعطي الأكراد حقوق كاملة وتخاطب الانتهاكات التي يرى الأكراد إنهم تعرضوا لها خلال حكم صدام" ولكن تلك "القوة السياسية" ذاتها أشعرت الأقليات العراقية في الشمال العراقي وعرب العراق وجيران العراق بأن الأكراد "يؤكدون على مطالب مفرطة، ويهددون تجانس العراق"

وقد تبلورت الخلافات السابقة حول قضايا جوهرية رئيسية، نلخصها في خمسة قضايا رئيسية

أولا: الصراع مع العرب على السيطرة على عدد أكبر من المجالس المحلية بالمحافظات الشمالية (نينوى وديالي) التي لا تقع ضمن إقليم كردستان العراق لأن إحجام السنة العرب عن المشاركة السياسية في البداية سمح للأكراد بالحصول على مكانة سياسية تفوق قدرتهم التصويتية، وهي مكانة تراجعت نسبيا مع عودة العرب السنة إلى المشاركة خاصة في انتخابات يناير 2009 المحلية التي شهدت تراجع نصيب الأكراد في المجالس المحلية بنينوى وديالى

وتمثل السيطرة على كركوك وبعض مدن ديالي ونينوى جوهر هذا الصراع، فكركوك تطفو على عشر احتياطات العراق النفطية، وهي أيضا موطن أقليات عراقية تركمانية ترى تركيا أنها مسئولة عن حمايتهم

كما أن بعض مدن الشمال هي موطن لأقليات أخرى كالأقلية المسيحية وتخشى تلك الأقليات بالإضافة إلى عرب الشمال (سنة وشيعة) من وجود محاولات أو حملات أمنية كردية سرية لتهجير سكان تلك المدن غير الكردية تمهيدا لضم تلك المناطق لإقليم كردستان

وقد اتخذ التوتر الإثني داخل تلك المدن مظاهر مقلقة خلال العام الماضي مثل فرار آلاف الأسر المسيحية من الموصل في أكتوبر 2008، ومثل قرب دخول القوات الحكومية في صراع مسلح مع قوات البشمركة للسيطرة على إحدى مدن ديالى في أغسطس 2008، وهي مواجهة كارثية لم يحل دون وقوعها سوى تدخل القوات الأميركية بين الطرفين، وفي السياق نفسه يرفض الأكراد مساعي المالكي لتشكيل مجالس قبلية بمدن الشمال خوفا من أن تعمل تلك المجالس ضد عودة السكان الأكراد لتلك المدن

لذا فشلت جهود تحديد مصير مدينة كركوك سواء بالانضمام إلى بغداد أو إقليم كردستان، كما فشلت جهود عقد الانتخابات المحلية العراقية بالمدينة في يناير الماضي

ثانيا: تحالف الأكراد خلال الفترة من 2003 وحتى نهاية 2008 مع حزب الدعوة (حزب رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي) وحليفه المجلس الأعلى للعراق بقيادة عبد العزيز الحكيم مما ساعد المالكي – كما يقول التقرير – ليس فقط على مواجهة "التحديات السياسية" القادمة من العرب السنة، ولكن أيضا على مواجهة التحديات القادمة من جماعات شيعية أخرى (مثل أتباع مقتدى الصدر)، ولكن التحالف بين الطرفين انتهي في أواخر 2008 بسبب شعور الأكراد بأن المالكي لا يستجيب لمطالبهم

لذا يعبر التقرير عن مخاوفه من أن تزداد الفجوة بين الأكراد وعرب العراق في الانتخابات البرلمانية المقبلة (يناير 2010)

ثالثا: رغبة بعض النواب العرب في تقليص حصة الأكراد من عوائد الحكومة العراقية من النسبة المتفق عليها وهي 17% إلى 12%، وهنا يقول الأكراد أنهم سوف يلتزمون بأي نسبة تعادل وزنهم السكاني في حالة انعقاد إحصاء للسكان

ولكن زاد من الأمر تعقيدا توقيع حكومة إقليم كردستان لعقود نفط مع شركات أجنبية في أغسطس 2007 وهو تصرف اعتبرته الحكومة العراقية "غير قانوني"، كما أنه يعزز مخاوف الدول المجاورة للإقليم من وجود نزعات انفصالية لدى قادة الإقليم

رابعا: هناك خلاف حول قوات البشمركة والصلاحيات الممنوحة لحكومة الإقليم في تسليحها، وهنا يشير التقرير إلى أن الحكومة العراقية "لم تعارض" صفقة عقدتها حكومة إقليم كردستان لشراء أسلحة من بلغاريا في نوفمبر 2008 حيث تم تصدير الأسلحة مباشرة لحكومة الإقليم

والواضح من التقرير أن البشمركة تعمل بإمرة قادة الأقليم وتسيطر عليه وتحمي الأكراد أمنيا، ولكنها في نفس الوقت جزء من القوات العراقية مما يعطيها مزايا خاصة تفوق مزايا القوات الأخرى

خامسا: يضاف إلى ما سبق مخاوف جيران العراق نزعات الإقليم "الاستقلالية" ومن نشاط جماعات مثل حزب العمال الكردستاني (الذي يهدد الأتراك) وحزب الحياة الحرة الكردستاني (الذي يهدد الإيرانيين) داخل الإقليم

صمت أوباما

ولا ينسى التقرير – الصادر في أوائل يونيو الماضي - أن يؤكد عبر صفحاته على أن الرئيس الأميركي أوباما لم يدل بأي تصريحات رسمية خاصة بإكراد العراق على الرغم من مخاوف بعض قيادات العراق من تبعات خطط أوباما لتخفيض عدد القوات الأميركية بالعراق وسحبها تدريجيا

ويقول إن إدارة بوش سعت إلى إقناع الأكراد بالتدرج في مطالبهم السياسية حفاظا على الاستقرار

وهكذا تبدو علاقة الأميركيين بأكراد مختلطة بين تعاطف تاريخي وتقدير لتعاونهم السياسي ضد نظام صدام حسين وبعد الاحتلال، وشعور بأن مطالب الأكراد تمثل عبئا إضافيا على الأميركيين في العراق قد يحرم أميركا من تحقيق هدفها الأول حاليا في العراق وهي الحفاظ على أكبر قدر من الاستقرار تمهيدا لسحب القوات لتفريغها لحرب أفغانستان ومهام أميركية أخرى

وهو تناقض يصعب استمراره دون الظهور على السطح في ظل صمت أوباما وسعيه لسحب مزيد من القوات الأميركية تدريجيا من العراق واقتراب موعد انعقاد الانتخابات البرلمانية في العراق (يناير 2010) – والتي قد يتراجع فيها نفوذ الأكراد السياسي مع مشاركة مزيد من العرب السنة في الانتخابات - وزيادة توتر العلاقة بين الأكراد، وهي عوامل سوف تدفع الأطراف السابقة مجتمعة إلى البحث عن حلول وسطية لمطالبهم المختلفة حتى يتجنبا تفجرا غير محدود العواقب للأوضاع

---

للإطلاع على النص الكامل للتقرير، يرجى زيارة الموقع التالي

http://assets.opencrs.com/rpts/RS22079_20090603.pdf

Tuesday, July 21, 2009

المساعدات الأمنية الأميركية للسلطة الفلسطينية: تقرير لخدمة أبحاث الكونجرس
عرض بقلم: علاء بيومي

يمكن نشر المقال مع الإشارة إلى مصدره
www.alaabayoumi.com

نص العرض

يكشف التقرير الراهن الصادر عن خدمة أبحاث الكونجرس الأميركي في الرابع والعشرين من يونيو الماضي حجم التحديات التي تواجه بناء قوات الأمن الداخلية الفلسطينية وفقا لالتزامات اتفاقات أوسلو الموقعة في منتصف التسعينات، وهي تحديات مفروضة من جميع الأطراف المعنية بتلك القوات تقريبا - كما يرى التقرير - بما في ذلك السلطة الوطنية الفلسطينية ذاتها، وأميركا وإسرائيل وحماس والرأي العام الفلسطيني

مهمة القوات

التقرير يقول أن اتفاقات أوسلو طالبت ببناء قوات أمن فلسطينية "داخلية" في غزة و"بعض أراضي الضفة" ضمن سلطات الحكم الذاتي "المحدود" الذي منح للسلطة الوطنية الفلسطينية وفقا لتلك الاتفاقيات كخطوة على طريق بناء دولة فلسطينية عن طريق المفاوضات وفقا لحل الدولتين

ويقول التقرير عبر صفحاته المختلفة (32 صفحة) أن هدف اتفاقات أوسلو والاتفاقات التي تلتها مثل خارطة الطريق (2003) هو إنشاء قوات أمن داخلية فلسطينية مهنية وغير مسيسة تعمل بشفافية تحت إشراف وزير الداخلية الفلسطيني ولا تنحاز إلى أي طرف فلسطيني على حساب طرف أخر لأسباب سياسية أو غير مهنية

فمهمة هذه القوات هو حفظ الأمن العام في الأراضي الفلسطينية والوفاء بالتزامات السلطة الوطنية الفلسطينية على الصعيد الأمني وفقا لعملية السلام، وهنا يشير التقرير إلى خارطة الطريق الموقعة في عام 2003 والتي حددت التزامات السلطة الأمنية فيما يلي

أولا: إعلان وقفا غير مشروط للعنف والإرهاب واتخاذ "جهود واضحة على الأرض للقبض على ووقف والحد من قدرات الأشخاص والجماعات المنخرطة في والتي تخطط لتنفيذ هجمات عنيفة على الإسرائيليين في أي مكان"

ثانيا: ينبغي على قوات الأمن الفلسطينية بداية عمليات مستمرة وفعالة وذات هدف لمواجهة من ينخرطون في العنف و"تفكيك القدرات والبنية التحتية للإرهاب" بما في ذلك "مصادرة الأسلحة غير المرخصة وتوحيد السلطة الأمنية بعيدا عن الارتباط بالإرهاب والفساد"

ثالثا: توحيد جميع منظمات الأمن الفلسطينية في ثلاث هيئات تابعة لوزير داخلية والذي أوصت الاتفاقيات "بتقويته" لكي يتمكن من بناء قوات أمن مستقلة غير تابعة لأحد سياسيا تعمل على تنفيذ التزامات اتفاقات السلام السابقة بحيادية ومهنية

هذا بالنسبة للهدف، أما بالنسبة للتطبيق فيشير التقرير من البداية إلى عدم التزام جميع الأطراف بمتطلبات بناء قوات الأمن الفلسطينية كما حددتها الاتفاقات السابقة

البداية عرفات والإسرائيليون

ففي البداية – كما يشير التقرير ومؤلفه الباحث جيم زنوتي – رفض الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات الالتزام ببناء مؤسسات أمنية فلسطينية تابعة لوزير الداخلية الفلسطينية فقط كما أرادت اتفاقات أوسلو، وفضل بناء "عدة" مؤسسات أمنية واستخباراتية إضافية تابعة له شخصية مثل منظمة الأمن الوقائي الفلسطيني، ويقول التقرير أن "القادة الإسرائيليين تسامحوا مع بناء تلك المنظمات جزئيا لأنهم اعتقدوا بأن طبيعة تلك المنظمات الأقل رسمية سوف تعطي عرفات يد أكثر حرية في تحييد النشاط الإرهابي للجماعات الفلسطينية التي رفضت اتفاقات أوسلو"

وهكذا طغت السياسة على الاتفاقات منذ الوهلة الأولى

دور الأمريكان

أما دور الأميركيين فقد جاء "بعد فترة وجيزة" من إنشاء الحكم الذاتي الفلسطيني في منتصف التسعينيات حيث قدمت أميركا مساعدات إلى السلطة لأغراض "الأمن المدني ومواجهة الإرهاب"، ويقول التقرير أن مخاوف أميركا من أن تتحول القوات الفلسطينية لمصدر تهديد لإسرائيل ومن بناء عرفات قوات أمن تابعة له ومن سيطرة مساعدي عرفات وقادة جيش تحرير فلسطين على القوات الأمنية الفلسطينية دفعت أميركا إلى "السماح" لفاعلين دوليين أخريين خاصة "الأردن ومصر واليابان والإتحاد الأوربي وبعض الدول الأوربية" للعب أدوارا قيادية في تدريب وتمويل القوات

وكما هو متوقع طغى السياسي على الأمني في الدور الأميركي، فقد اقتصرت مساعدات أميركا للقوات الفلسطينية في البداية على المساعدات المالية والمعدات الأمنية غير القتالية (كملابس وسيارات الشرطة على سبيل المثال) وأوكلت إلى الدول الأخرى "المسموح لها" مهام تزويد القوات بالتدريب والأسلحة القاتلة مع "الحفاظ على نفوذها على جهود المساعدات الأمنية الدولية"

وبهذا رفضت أميركا تزويد القوات الفلسطينية بأسلحة قتالية مع أن ذلك من متطلبات عملها خوفا من أن تمثل تلك الأسلحة تهديدا مستقبليا لإسرائيل، وهنا يشير التقرير في أحدى صفحاته إلى أن إسرائيل اعترضت في عام 2008 على توريد سترات واقعة لقوات الأمن الفلسطينية خوفا من أن "السماح للقوات الفلسطينية بامتلاك سترات واقية قد يزيد من رغبتها في مهاجمة إسرائيل"، ولم تسمح إسرائيل بتسليم السترات الوقاية إلى القوات الفلسطينية إلا في أغسطس 2008 بعد تأخير "تسبب في إحباط مزودي المساعدات الأمنية الدولية" وهي الشركة التي تعاقدت معها أميركا لتزويد القوات الفلسطينية بتلك السترات

وعلى نفس المنوال يشير التقرير في هوامشه إلى مثال أخر ورد في تقرير لصحفية جروزاليم بوست (16 يونيو 2009) – يذكره تقرير خدمة أبحاث الكونجرس دون تأكيده أو نفيه - يشير إلى أن إسرائيل رفضت في عام 2009 تزويد القوات الفلسطينية بخمسين عربة نقل جنود روسية مسلحة وأصرت على إزالة رشاشات ثقيلة مركبة على العربات قبل السماح بدخولها على الرغم من إصرار السلطة الفلسطينية على أنها تحتاج الأسلحة لمواجهة حماس وفقا للتقرير الصحفي المقتبس

مساعدات سرية وتعامل انتقائي

وبالطبع لا تعد قضية التسليح المسألة الوحيدة الملتبسة في الموقف الأميركي تجاه القوات الفلسطينية، إذ يشير التقرير في صفحاته الأولى إلى أن إدارة الرئيس الأميركي السابق بيل كلينتون قدمت مساعدات "سرية" إلى منظمات الأمن الفلسطينية التابعة لعرفات تقدر "بعشرات الملايين من الدولارات" بعد زيادة هجمات حماس على إسرائيل في عام 1996 وذلك بهدف "زيادة مهنية هيئات الأمن الفلسطينية والمساعدة على مكافحة الإرهاب"، وهو أمر يتناقض مع اتفاقات السلام والتي تنادي ببناء قوات أمن فلسطينية موحدة وشفافة ولا تعترف منذ البداية بقوات الأمن الخاصة التابعة للرئيس عرفات

وهنا يشير التقرير إلى تقارير أخرى لخبراء دوليين توضح أن التعامل الانتقائي من قبل أميركا والدول المانحة مع هيئات الأمن الفلسطينية لم يكن استثناءا، حيث فضلت تلك الدول "تخطي السلطة الوطنية وآليات المساعدات الدولية الموضوعة لتنسيق المساعدات الأمنية"، والتعامل مباشرة مع الهيئات الأمنية الفلسطينية التي تفضلها مما خلق روحا تنافسية بين تلك الأجهزة وقادتها

وفي هذا السياق يشير التقرير إلى أن الدور الذي لعبته الاستخبارات الأميركية CIA في "رعاية" قادة جهاز الأمن الوقائي الفلسطيني وفي تنسيق الأنشطة الأمنية الفلسطينية الإسرائيلية في أواخر التسعينيات، ويشير التقرير إلى تقارير صحفية أخرى (لم يؤكدها أو ينفها) توضح أن أميركا استمرت في دعمها لجهاز الأمن الوقائي الفلسطيني خلال انتفاضة الأقصى والتي شهدت انهيارا في التعاون الأمني بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية، وأن هذا الدعم "قد يكون مستمرا" حتى الآن وفقا لصيغة التقرير

وبهذا تدخلت الدول المانحة بأموالها وأسلحتها ونفوذها لإعلاء منظمات الأمن الفلسطينية على بعضها بعضا واستخدامها لتحقيق الأهداف التي تراها مناسبة، وهو أمر بعيد كثيرا عن شعارات المهنية والحيادية والشفافية التي رفعتها اتفاقات أوسلو والاتفاقات التي تلتها

نهاية مرحلة (عرفات) وبداية أخرى (عباس)

عموما يقسم التقرير - ومؤلفه الباحث جيم زنوتي - المساعدات الأميركية لأجهزة الأمن الفلسطينية إلى مرحلتين أساسيتين، المرحلة الأولي تمتد منذ قيام الحكم الذاتي الفلسطيني في منتصف التسعينيات وحتى وفاة الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات في عام 2004، والمرحلة الثانية هي مرحلة حكم الرئيس الفلسطيني الحالي محمود عباس (بداية من يناير 2005) والذي نظرت إدارة الرئيس الأميركي السابق جورج بوش إلى انتخابه رئيسا للسلطة الفلسطينية على أنه "فرصة وصلت لتحقيق التقدم على صعيد إصلاح الأمن الفلسطيني" كما يقول التقرير

أهم معالم المرحلة الأولى – وفقا للتقرير – كانت تأسيس أجهزة الأمن الفلسطينية تحت سيطرة عرفات ورجاله وقبول أميركا وإسرائيل بتشكيل عرفات أجهزة أمن تابعة له بل، والتدخل في مرحلة لاحقة لدعم تلك الأجهزة بشكل سري متخطين السلطة الوطنية الفلسطينية ذاتها كما يوضح التقرير

ثم جاءت انتفاضة الأقصى و"توقف" التعاون الأمني الفلسطيني الإسرائيلي رغم المحاولات الأميركية لإحيائه، بل هاجمت إسرائيل البنية التحتية لقوات الأمن الفلسطينية ودمرت "غالبيتها"

ومع مجيء عباس سارعت وزيرة الخارجية الأميركية في ذلك الحين - كونداليزا رايس – إلى تفعيل مساعدات أميركا الأمنية للسلطة من خلال إنشاء مكتب منسق أمني أميركي تابع لوزارة الخارجية الأميركية في 2005، وهو مكتب يهدف إلى "المساعدة على إصلاح وتدريب وتوفير المعدات لقوات الأمن التابعة للسلطة الفلسطينية" بما يسمح لها بالقيام بمهامها المنصوص عليه في خارطة الطريق (2003) بما في ذلك التعاون الأمني مع إسرائيل

وقد تولي رئاسة المكتب منذ نوفمبر 2005 الجنرال الأميركي كيث دايتون ويقع مقر المكتب بالقنصلية الأميركية بالقدس ويعمل به فريق عمل مكون من 34 فردا من بينهم 18 أميركي والبقية من جنسيات أخرى (بريطانيين وكنديين وضابط تركي)

مرحلة حماس

يوضح التقرير - ومؤلفه الباحث جيم زنوتي - أن مهمة دايتون واجهت عقبة كبيرة بعد بدايتها في نوفمبر 2005 فسرعان ما فازت حماس في الانتخابات في الانتخابات التشريعية وشكلت الحكومة الفلسطينية في مارس 2006، وهو أمر مثل تحديا كبيرا لدايتون الذي وجه جهوده نحو نصيحة وتدريب قوات الحرس الرئاسي التابع للرئيس عباس للقيام بمهامها في مراقبة الحدود

واستمر الحال على ما هو عليه حتى سيطرت حماس على قطاع غزة في يونيو 2007 وإعلان عباس تشكيل حكومة جديدة وصفها التقرير بأنها "أكثر اعتدالا" يقودها سلام فياض

ويقول التقرير أن ذلك "فتح الباب أمام الولايات المتحدة لتقديم مساعدات علنية كبيرة القيمة نسبيا تحت إشراف المنسق الأمني"، وهنا يشير التقرير مرة أخرى إلى معلومات صحفية (لا يقرها أو ينفيها) تفيد بأن أميركا "سهلت" إيصال أسلحة من "دول عربية بموافقة إسرائيلية" إلى عباس قبل سيطرة حماس على غزة، وهذا يعني أن أميركا استمرت في سياسة التعامل مع الهيئات الأمنية الفلسطينية التي تفضلها بغض النظر عن اتفاقات السلام التي تريد وضع جميع الأجهزة الأمنية الفلسطينية تحت سيطرة وزارة الداخلية الفلسطينية

ومع انفصال غزة عن الضفة بعد أحداث يونيو 2007 بات مهمة المنسق الأمني الأميركي أكثر علانية ووضوحا، وانعكس ذلك على حجم المساعدات، حيث يشير التقرير إلى أن أميركا توسعت "كثيرا" في تقديم المساعدات الأمنية خاصة مع تخصيص 161 مليون دولار أميركي كمساعدات أمنية، وأقرت ميزانية عام 2009 مساعدات إضافية تبلغ 109 مليون دولار، وطالبت ميزانية 2010 بمساعدات جديدة تبلغ 100 مليون دولار، هذا بالإضافة إلى المساعدات الأمنية المقدمة من الدول الأخرى

القوات الجديدة ونجاح دايتون

ويقول التقرير أن مهمة دايتون منذ ذلك الحين حازت على الإعجاب من قبل المسئولين الأميركيين والإسرائيليين، وذلك لدرجة أن مبعوث السلام الأميركي جورج ميتشل طلب من دايتون مباشرة (كعلامة على التقدير والدعم) البقاء في مهمته خلال عام 2010 تقدير لجهوده وإنجازاته

ويأتي على رأس هذه الإنجازات تدريب أربعة فرق أمنية فلسطينية في مركز تدريب خاص بالأردن خلال الفترة من فبراير 2008 وحتى يونيو 2009 يقدر عدد أعضائها مجتمعة بحوالي 2100 عنصر أمني فلسطيني، وقد ضمت الفرقتان الأولى والثانية قوات من الحرس الرئاسي (400) وقوات الأمن القومي الفلسطيني (700) ، وضمت الفرقتان الثالثة والرابعة قوات من الأمن القومي الفلسطيني بمعدل 500 عنصر لكل فرقة والتي تم تدريبها خلال الفترة من سبتمبر 2008 ويونيو 2009

ويأمل دايتون في تدريب 10 وحدات من الشرطة الفلسطينية بمركز التدريب الدولي المعني بذلك في الأردن بمعدل 500 عنصر لكل وحدة، وهو ما يعني في مجموعه تدريب 5 آلاف عنصر أمني فلسطيني، ويرى التقرير أن تدريب تلك القوات في الأردن يساعد على عزلها عن الضغوط السياسية والنفسية الموجودة بالأراضي الفلسطينية وتدريبها على الحيادية والمهنية

ومن أكبر النجاحات أيضا برنامج إعادة بناء قوات الأمن الفلسطينية والذي تمت تطبيقه منذ بداية عام 2008، فخلال شهري فبراير ومارس 2008 قدمت السلطة الوطنية برنامجا سخيا للتقاعد بهدف تشجيع أعضاء الأمن الفلسطيني القدامى على التقاعد وإحلالهم بعناصر جديدة شابة أكثر حيادية وأقل ولاء للجماعات السياسية المختلفة

وبالفعل نجح البرنامج – كما يرى التقرير - في تشجيع 6 آلاف عنصر على التقاعد، وبهذا بدأت عملية إحلال وتجديد واسعة، وبدأت عملية جذب عناصر جديدة لقوات الأمن الفلسطينية شابة بالتنسيق بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل وأميركا والأردن، حيث يتم فحص أسماء الضباط الجدد وفقا لقوائم وقواعد معلومات توفرها الاستخبارات الداخلية الإسرائيلية (شين بيت) والبوليس الإسرائيلي والحكومة الأردنية والسلطة الوطنية تحت إشراف أميركي، وذلك من أجل العثور على عناصر محايدة لا ترتبط بعلاقات تنظيمية مع الجماعات المسلحة الفلسطينية

وبعد اختيار الضباط ورجال الشرطة الجدد يتم إرسالهم إلى برنامج تدريبي لمدة 19 أسبوع في بيئة بعيدة عن الضغوط تركز على قيم المهنية والحياد وحفظ القانون كما يرى التقرير

وقد تم تدريب أول دفعتين من القوات الجديدة بين سبتمبر 2008 ويونيو 2009 كما أشرنا سابقا، ويقول التقرير تلك القوات لعبت دورا هاما وناجحا نشر الأمن وفرض القانون في مدن مثل الخليل الأكثر اكتظاظا بالسكان في الضفة الغربية والتي تعد معقل حماس بالضفة بعد سنوات من غياب قدرة السلطة من بسط السيطرة على المدينة لسنوات

كما نجحت القوات الجديدة في تعقب عناصر لحماس بالضفة والقبض عليهم أو قتلهم (بما في ذلك قائد قوات حماس في قليقلة والذي حير القوات الإسرائيلية لعشر سنوات)، وفي اكتشاف مخابئ أسلحة لحماس بالضفة، كما حدث في إعلانها عن اكتشاف معمل متفجرات بني تحت مسجد في مدينة قليقلة بالضفة في أبريل الماضي

ويشير التقرير إلى أن الجرائد الأميركية مثل واشنطن بوست امتدحت أسلوب القوات الفلسطينية الجديدة في تعقب عناصر حماس وشبهته في إحدى المناسبات بأنه شبيه بالأنشطة المضادة للإرهاب التي تقوم بها عادة القوات الإسرائيلية في الضفة الغربية، وهو أمر اعتبره التقرير علامة على النجاح

كما وقف القوات الفلسطينية على الحياد حين اشتبك مستوطنون إسرائيليون مع مواطنون فلسطينيون في ديسمبر الماضي، حيث "تجنبت" القوات الفلسطينية أن "يزج بها" في الصدامات

ومن أهم النجاحات أيضا – كما يراها التقرير – قدرة القوات الفلسطينية بما في ذلك القوات الجديدة على الحفاظ على الأمن والانضباط بالضفة الغربية خلال حرب غزة، ويقول التقرير أن خلال الحرب خففت القوات الإسرائيلية من القيود التي تفرضها على حرية حركة القوات الفلسطينية و"تنازلت لها عن المسئولية المباشرة" للتحكم في المظاهرات، وهنا أشاد دايتون بالتعاون بين القوات الفلسطينية والإسرائيلية خلال حرب غزة في تصريحات نقلها التقرير حرفيا يقول فيها

"قوات الدفاع الإسرائيلية شعرت أيضا بعد الأسبوع الأول تقريبا بأن الفلسطينيين موجودون ويمكن الثقة بهم. في الحقيقة، جزء كبير من الجيش الإسرائيلي توجه إلى غزة من الضفة الغربية – فكروا في ذلك لدقيقة – وقائد القوات كان غائبا لثمانية أيام متعاقبة. هذا يوضح نوع الثقة التي وضعوها (الإسرائيليون) في هؤلاء الناس (يقصد الفلسطينيين) الآن"

ويشير التقرير إلى أن النجاحات السابقة دفعت بعض مراكز الأبحاث الأميركية المعروفة بمساندتها لإسرائيل مثل مركز واشنطن لدراسات الشرق الأدنى للمطالبة بزيادة الدعم الأميركي لمكتب ومهمة المنسق الأمني الأميركي وتزويده بمزيد من الأفراد والصلاحيات

عقبات أمام دايتون والتعاون الأمني

الإشادات السابقة لم تمنع التقرير - ومؤلفه الباحث جيم زنوتي - من سرد عدد كبير من المخاوف والشكوك المتعلقة بقدرة دايتون والتعاون الأمني الفلسطيني الإسرائيلي على النجاح

وقد أشرنا في السابق لبعض هذه المخاوف مثل عدم التزام أميركا وإسرائيل والسلطة بالعمل وفقا للاتفاقيات، فالأطراف الثلاثة تفضل التعامل الانتقائي مع الهيئات الأمنية الفلسطينية وتقوية الهيئات القريبة من أهدافها السياسية

هناك مخاوف أخرى لدى أميركا وإسرائيل من أن تستخدم تلك القوات لتقوية طرف سياسي فلسطيني (فتح) على حساب طرف أخر (مثل حماس) وأن تستخدم تلك القوات في الصراع السياسي الداخلي الفلسطيني وهو أمر يتعارض مع معايير المهنية التي يتبناها المنسق الأمني الأميركي ولكنها تتسق أحيانا مع سلوكيات أميركا على الأرض والتي تتدخل – كما أشار التقرير نفسه – لدعم المنظمات الأمنية القريبة منها للعمل ضد الجماعات الفلسطينية المسلحة مثل حماس والجهاد

ويظهر من التقرير أحيانا أن هدف أميركا من ذلك ليس تقوية السلطة كممثل لحركة فتح ولكنه تقوية السلطة الفلسطينية ككيان مستقل يلتزم بمتطلبات اتفاقات السلام ويطبقها ويفصل نفسه عن العناصر المسلحة داخل فتح وحماس وغيرها من الجماعات الفلسطينية، لذا يقول التقرير في معرض حديثه عن مواقف قوات الأمن الفلسطينية الأخيرة أن "عدم رضا" بعض عناصر حركة فتح عن مواقف تلك القوات دفعهم للتعاون مؤخرا مع حماس في الضفة

هناك أيضا عقبة أخرى تتعلق باستمرار الاحتلال الإسرائيلي في الضفة ورفض إسرائيل منح القوات الفلسطينية فرصة (كما يصف التقرير) لإثبات قدرتهم على الحفاظ على الأمن ووقف العنف وحماية إسرائيل والمستوطنين، وبالطبع يساعد طول الانتظار على إضعاف قدرات القوات الفلسطينية التدريبية وزيادة الضغوط النفسية عليها خاصة تلك القادمة من قطاعات الشعب الفلسطينية التي تؤمن "بحق الفلسطينيين المشروع في المقاومة في حالة استمرار احتلال القوات الإسرائيلية والمستوطنين للضفة" كما يقول التقرير

وإن التقرير يؤكد هنا أن الحكم على نجاح العمليات الأخيرة التي قامت بها القوات الإسرائيلية ضد عناصر حماس والجماعات الفلسطينية المسلحة مازال مبكر جدا، وأنه من الصعب المبالغة في قدرة القوات الجديدة على صعيد الحد من نفوذ وقدرات حماس والجهاد والجماعات الأخرى خلال فترة وجيزة

أما أهم المحاذير والمخاوف فهي رفض دايتون نفسه وبعض كبار المسئولين الأميركيين للمبالغة في الاعتماد على المدخل الأمني كمدخل للسلام الفلسطيني الإسرائيلي، فالتقرير يقول أن كبار القادة الأميركيين أدركوا نتيجة لخبرة حربي العراق وأفغانستان أن الأمن وحده لا يكفي كمدخل لحل مشكلات ضخمة مثل المشكلة الفلسطينية فحل تلك المشكلات سياسي بالأساس، ولعل تلك الخبرات هي التي دفعت أميركا إلى الحفاظ على مكتب المنسق الأمني الأميركي تحت إشراف وزارة الخارجية الأميركية (المعنية بالدبلوماسية) ورفض ضمه لمكتب وزير الدفاع الأميركي (المعني بالأمن) خوفا من الزج بأميركا في صراع عسكري جديد، كما دفعت البعض إلى المطالبة بعدم المبالغة في قدرات أو أهداف المبعوث الأمني الأميركي من البداية

وعلى الصعيد نفسه يشير التقرير إلى تحذير بعض الخبراء من أن المبالغة في التأكيد على الحل الأمني وإهمال الحل السياسي من شأنه تقوية حماس وليس إضعافها

ويؤكد التقرير في خاتمته على أن مهمة المنسق الأمني الأميركي في الشرق الأوسط تعاني من نقص التخطيط المستقبلي، فالتقرير يقول أن مهمة المنسق الأمني تتوقف على أسئلة سياسية عديدة وكبيرة غير معروفة الإجابة ولم تعلن إدارة أوباما خططها بخصوصها حتى الآن

فعلى سبيل المثال يتساءل التقرير عن مصير بعثة دايتون في حالة استمرار نتانياهو في مواقفه التي تنادي بسلام اقتصادي مع الفلسطينيين، أو فشل جهود أوباما للسلام، أو تعمق مشكلة الشريعة التي يعاني منها الرئيس عباس، أو اتفاق حماس وفتح على حكومة وحدة وطنية تضم حماس بمواقفها الحالية وهو ما ترفضه أميركا، أو فوز حماس في الانتخابات التشريعية أو الرئاسية المقبلة، وهي جميعها مواقف صعبة ممكنة قد تعيد مهمة المنسق الأمني الأميركي والتعاون الأمني بين الفلسطينيين والإسرائيليين إلى المربع الأول

ولا ننسى التأكيد على أن الآراء الواردة في مقالنا هذا تعكس ما ورد في التقرير الصادر عن خدمة أبحاث الكونجرس الأميركي وهي الذراع البحثي للكونجرس الأميركي، وعلى أنها لا تعكس بالضرورة مواقف كاتب هذه الكلمات والذي حرص على عرض ما ورد في التقرير بأكبر قدر من الحيادية

***

للإطلاع على النص الكامل للتقرير، يرجى زيارة الوصلة التالية

http://assets.opencrs.com/rpts/R40664_20090624.pdf

Saturday, July 11, 2009

انتخابات إيران الرئاسية: تقرير لخدمة أبحاث الكونجرس
بقلم: علاء بيومي

يمكن نشر المقال مع الإشارة إلى مصدره

www.alaabayoumi.com

نص المقال

يتوخى التقرير الحالي - وهو أول تقارير خدمة أبحاث الكونجرس (الذراع البحثي للكونجرس الأميركي) عن الانتخابات الرئاسية الإيرانية الأخيرة - الحذر في تفسير تبعات الانتخابات على النظام السياسي الإيراني أو علاقته مع أميركا، وذلك على عكس ما ينشره البعض عن الموقف الأميركي والغربي تجاه ما يدور بإيران

أسباب الحذر الأميركي - الطاغي على التقرير – متعددة، ويأتي في مقدمتها طبيعة خدمة أبحاث الكونجرس الأميركي ذاتها كمؤسسة بحثية تقوم على تزويد صانع القرار الأميركي بالمعلومة الموثقة والجوانب المختلفة من الصورة وتاريخ الموقف الأميركي تجاه القضايا المختلفة ثم يترك لصانع السياسة الأميركي القرار

لذا تخرج تقارير المركز في كثير من الأحيان في صورة حيادية ترصد الواقع والنظريات المختلفة (والمتعارضة أحيانا) الساعية لتفسيره بدقة ولا تنشغل كثيرا بترجيحها أو باتخاذ موقف معين، وهذا لا يعني أن تقارير المركز محايدة تماما فهي تدور أولا وأخيرا في فلك المصالح والقيم الأميركية، والتي تتعامل معها تقارير المركز كمسلمات بغض النظر عن عدالتها

السبب الثاني للحذر هو ضعف المعرفة الأميركية بما يدور في إيران – كما يوضح التقرير، فهو يصف المؤسسات الإيرانية وعملية صناعة القرار هناك "بالمركزية" وبأنها "غامضة" غير شفافة، ويقول أيضا أن تقييد السلطات الإيرانية لحرية الصحافة والإعلام والمعلومات خلال الأحداث الأخيرة يحد من القدرة على فهم ماذا حدث بالضبط في إيران

ثالثا: يبدو من التقرير أن أميركا لم تتنبأ بالإضرابات التي حدثت بعض إعلان نتائج الانتخابات، ويقول أن البعض توقعوا إحجام الإصلاحيين عن المشاركة في الانتخابات كما حدث في الماضي، وهذا يعني أن ردة الفعل الغاضبة بعد إعلان النتائج لم تكن متوقعة مما يترتب عليه صعوبة تفسيرها، فكيف يمكن لمحلل تفسير ظاهرة لم يتوقعها أو ينتظرها فور وقوعها، لذا يأخذ مؤلف التقرير (كاسي أديس) خطوة إلى الوراء ويلتقط أنفاسه بهدوء وروية، ويكتب بشكل متأني يستعرض فيه خلفية المرشحين والأجواء التي دارت فيها الانتخابات ورود الفعل الغاضبة بعد إعلان الانتخابات وموقف المؤسسات الرسمية الإيرانية المختلفة منها

رابعا: ينظر التقرير إلى النظام الإيراني نظرة مركبة ويشير إلى بعض مؤسساته الرئيسية مثل المرشد والرئيس والحرس الثوري، ويقول في خاتمته أن البعض يرى أن الضغوط التي مورست على النظام الإيراني خلال الانتخابات الأخيرة قد تدفع المرشد الأعلى للثورة الإسلامي علي خامنئي إلى التخلي عن رئيس الجمهورية أحمدي نجاد (التقرير صدر في 22 يونيو 2009) والتضحية به تحت الضغط، وهذا يعني أن ذهاب نجاد لن يحل مشاكل إيران لأنه سيبقي على خامنئي وعلى الحرس الثوري وقياداته وعلى عناصر النخبة السياسية التي انحازت لنجاد خلال الانتخابات

وهنا يؤكد التقرير المختصر في إحدى أفكاره الرئيسية على شعور المعارضة الإيرانية (موسوي والإصلاحيين) بأن المؤسسة الإيرانية الرسمية (المرشد والحرس الثوري ومؤسسات الدولة الإيرانية) انحازت لأحمدي نجاد في الانتخابات وقدمت له وسائل مختلفة من الدعم، ويشير التقرير إلى أن نجاد فاز على أقرب منافسيه (مير حسين موسوي) بحوالي 11 مليون صوت وفقا للنتائج المعلنة مما يعزز قول خامنئي ومساندي نجاد بأن الأخطاء التي حدثت خلال العملية الانتخابية لا تعني عدم فوز نجاد، فالفارق بين نجاد وأقرب منافسيه واسع للغاية بشكل يصعب تزويره أو على الأقل إخفاءه، وهذا يعني أن شكوى معارضي الانتخابات الرئيسية نابعة من شعورهم بميل النظام السياسي الرسمي وعلى رأسه خامنئي والحرس الثوري ومؤسسات الدولة لصالح أحمد نجاد مما يعمق الفجوة بينهم وبين الفئات المعارضة بالأساس

خامسا: يتضح من التقرير أن عين أميركا الأساسية هي على تأثير الانتخابات على سلوك إيران التفاوضي مع أميركا وليس على النظام السياسي الإيراني نفسه، فالواضح من لغة التقرير أن تغيير النظام السياسي الإيراني هي قضية ليست من بين أهداف إدارة أوباما خلال الفترة الحالية على الأقل، كما أنها عملية صعبة وطويلة المدى وغير معروفة العواقب، وهنا يشير التقرير إلى أن الضغوط الداخلية على خامنئي قد تدفعه إلى التشدد ضد أميركا والغرب كما ترى بعض النظريات وليس العكس

لذا يبدو أن أمام الأميركيين هدف واضح وقريب المدى وهو المفاوضات الأميركية الإيرانية والتي يريد الأميركيون التأثير عليها بغض النظر عن طبيعة الرئيس الإيراني، وكأن لسان حال التقرير يقول أن رحيل نجاد لن يغير النظام فسوف يبقى خامنئي والحرس الثوري ومؤسسات النظام الإيراني المختلفة، بل أن مزيد من الضغط على النظام قد يدفع خامنئي إلى مزيد من التشدد ورفض المهادنة

سادسا: يجب الإشارة إلى موقف إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما نفسها، والذي يبدو أقرب إلى لغة التقرير الحذرة، فالتقرير يقول أن موقف أوباما - ومن وراءه وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون - تميز بما يلي

رفض الظهور بمظهر الصامت أمام استخدام النظام السياسي الإيراني للعنف في قمع المتظاهرين حتى لا يظهر بمظهر من يمنح ضوءا أخضرا لاستخدام العنف ضد المتظاهرين في إيران

رفض الظهور بمظهر المتدخل في شئون النظام الإيراني الداخلية لأن إدارة أوباما لا تتبنى سياسية تغيير النظم كأسلوب للتعامل مع إيران، ولأن إدارة أوباما لا تريد أن تمنح النظام السياسي الإيراني فرصة للتشدد في موقفه التفاوضي، وكذلك لشعور البعض داخل الإدارة بأن تدخل أميركا سوف يؤلب المشاعر القومية الإيرانية ضدها ويوحد الإيرانيين ويعيد تجميعهم ضد التدخل الأميركي

شعور أوباما – كما ذكر في حديث صحفي أدلى به في 16 يونيو لوسائل إعلام أميركية – بأنه لا يوجد فارق بين نجاد وموسوي من "وجهة نظر الأمن القومي الأميركي"، وهو تصريح عرض أوباما للنقد من قبل معارضي نجاد ومساندي المعارضة الإيرانية في واشنطن، ولكن يتضح هنا أن عين أوباما هي على المشروع النووي الإيراني بالأساس بغض النظر عن الرئيس الإيراني الحاكم

أكدت إدارة أوباما على عزمها المضي قدما في سياسة الحوار أو التقارب مع إيران والتي تبنتها الإدارة قبل الانتخابات

ولا ينسى التقرير الإشارة إلى أن الكونجرس الأميركي كان أكثر وضوحا في موقفه الداعمة للمعارضة الإيرانية والمعارضة لاستخدام العنف ضدها من خلال بعض القرارات التي مررها

في النهاية يمكن القول أن لهجة التقرير الحذرة تتعارض مع لهجة المؤسسات الأميركية التي تعاملت بشكل أكثر جراءة من الأحداث في إيران من حيث تفسيرها والتنبؤ بتبعاتها أو حتى الاحتفال بها من قبل معارضي النظام الإيراني وهم كثر داخل واشنطن، ولعل هذا الحذر نابع من طبيعة أبحاث "خدمة أبحاث الكونجرس" الرصينة نسبيا، وموقف إدارة أوباما الهادئ من الأحداث وهو موقف كان يصعب تصوره في ظل إدارة رئيس أميركي أخر غير أوباما

بقى لنا أن نشير أن التقرير الحالي لا يكفي وحده لتفسير الموقف الأميركي تجاه ما جرى ويجري في إيران بعد الانتخابات، ولكنه وبدون شك يقدم صورة مهمة وأساسية يجب الوعي بتفاصيلها وفهمها

----

للإطلاع على النص الكامل للتقرير، يرجى زيارة الوصلة التالية