Saturday, July 11, 2009

انتخابات إيران الرئاسية: تقرير لخدمة أبحاث الكونجرس
بقلم: علاء بيومي

يمكن نشر المقال مع الإشارة إلى مصدره

www.alaabayoumi.com

نص المقال

يتوخى التقرير الحالي - وهو أول تقارير خدمة أبحاث الكونجرس (الذراع البحثي للكونجرس الأميركي) عن الانتخابات الرئاسية الإيرانية الأخيرة - الحذر في تفسير تبعات الانتخابات على النظام السياسي الإيراني أو علاقته مع أميركا، وذلك على عكس ما ينشره البعض عن الموقف الأميركي والغربي تجاه ما يدور بإيران

أسباب الحذر الأميركي - الطاغي على التقرير – متعددة، ويأتي في مقدمتها طبيعة خدمة أبحاث الكونجرس الأميركي ذاتها كمؤسسة بحثية تقوم على تزويد صانع القرار الأميركي بالمعلومة الموثقة والجوانب المختلفة من الصورة وتاريخ الموقف الأميركي تجاه القضايا المختلفة ثم يترك لصانع السياسة الأميركي القرار

لذا تخرج تقارير المركز في كثير من الأحيان في صورة حيادية ترصد الواقع والنظريات المختلفة (والمتعارضة أحيانا) الساعية لتفسيره بدقة ولا تنشغل كثيرا بترجيحها أو باتخاذ موقف معين، وهذا لا يعني أن تقارير المركز محايدة تماما فهي تدور أولا وأخيرا في فلك المصالح والقيم الأميركية، والتي تتعامل معها تقارير المركز كمسلمات بغض النظر عن عدالتها

السبب الثاني للحذر هو ضعف المعرفة الأميركية بما يدور في إيران – كما يوضح التقرير، فهو يصف المؤسسات الإيرانية وعملية صناعة القرار هناك "بالمركزية" وبأنها "غامضة" غير شفافة، ويقول أيضا أن تقييد السلطات الإيرانية لحرية الصحافة والإعلام والمعلومات خلال الأحداث الأخيرة يحد من القدرة على فهم ماذا حدث بالضبط في إيران

ثالثا: يبدو من التقرير أن أميركا لم تتنبأ بالإضرابات التي حدثت بعض إعلان نتائج الانتخابات، ويقول أن البعض توقعوا إحجام الإصلاحيين عن المشاركة في الانتخابات كما حدث في الماضي، وهذا يعني أن ردة الفعل الغاضبة بعد إعلان النتائج لم تكن متوقعة مما يترتب عليه صعوبة تفسيرها، فكيف يمكن لمحلل تفسير ظاهرة لم يتوقعها أو ينتظرها فور وقوعها، لذا يأخذ مؤلف التقرير (كاسي أديس) خطوة إلى الوراء ويلتقط أنفاسه بهدوء وروية، ويكتب بشكل متأني يستعرض فيه خلفية المرشحين والأجواء التي دارت فيها الانتخابات ورود الفعل الغاضبة بعد إعلان الانتخابات وموقف المؤسسات الرسمية الإيرانية المختلفة منها

رابعا: ينظر التقرير إلى النظام الإيراني نظرة مركبة ويشير إلى بعض مؤسساته الرئيسية مثل المرشد والرئيس والحرس الثوري، ويقول في خاتمته أن البعض يرى أن الضغوط التي مورست على النظام الإيراني خلال الانتخابات الأخيرة قد تدفع المرشد الأعلى للثورة الإسلامي علي خامنئي إلى التخلي عن رئيس الجمهورية أحمدي نجاد (التقرير صدر في 22 يونيو 2009) والتضحية به تحت الضغط، وهذا يعني أن ذهاب نجاد لن يحل مشاكل إيران لأنه سيبقي على خامنئي وعلى الحرس الثوري وقياداته وعلى عناصر النخبة السياسية التي انحازت لنجاد خلال الانتخابات

وهنا يؤكد التقرير المختصر في إحدى أفكاره الرئيسية على شعور المعارضة الإيرانية (موسوي والإصلاحيين) بأن المؤسسة الإيرانية الرسمية (المرشد والحرس الثوري ومؤسسات الدولة الإيرانية) انحازت لأحمدي نجاد في الانتخابات وقدمت له وسائل مختلفة من الدعم، ويشير التقرير إلى أن نجاد فاز على أقرب منافسيه (مير حسين موسوي) بحوالي 11 مليون صوت وفقا للنتائج المعلنة مما يعزز قول خامنئي ومساندي نجاد بأن الأخطاء التي حدثت خلال العملية الانتخابية لا تعني عدم فوز نجاد، فالفارق بين نجاد وأقرب منافسيه واسع للغاية بشكل يصعب تزويره أو على الأقل إخفاءه، وهذا يعني أن شكوى معارضي الانتخابات الرئيسية نابعة من شعورهم بميل النظام السياسي الرسمي وعلى رأسه خامنئي والحرس الثوري ومؤسسات الدولة لصالح أحمد نجاد مما يعمق الفجوة بينهم وبين الفئات المعارضة بالأساس

خامسا: يتضح من التقرير أن عين أميركا الأساسية هي على تأثير الانتخابات على سلوك إيران التفاوضي مع أميركا وليس على النظام السياسي الإيراني نفسه، فالواضح من لغة التقرير أن تغيير النظام السياسي الإيراني هي قضية ليست من بين أهداف إدارة أوباما خلال الفترة الحالية على الأقل، كما أنها عملية صعبة وطويلة المدى وغير معروفة العواقب، وهنا يشير التقرير إلى أن الضغوط الداخلية على خامنئي قد تدفعه إلى التشدد ضد أميركا والغرب كما ترى بعض النظريات وليس العكس

لذا يبدو أن أمام الأميركيين هدف واضح وقريب المدى وهو المفاوضات الأميركية الإيرانية والتي يريد الأميركيون التأثير عليها بغض النظر عن طبيعة الرئيس الإيراني، وكأن لسان حال التقرير يقول أن رحيل نجاد لن يغير النظام فسوف يبقى خامنئي والحرس الثوري ومؤسسات النظام الإيراني المختلفة، بل أن مزيد من الضغط على النظام قد يدفع خامنئي إلى مزيد من التشدد ورفض المهادنة

سادسا: يجب الإشارة إلى موقف إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما نفسها، والذي يبدو أقرب إلى لغة التقرير الحذرة، فالتقرير يقول أن موقف أوباما - ومن وراءه وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون - تميز بما يلي

رفض الظهور بمظهر الصامت أمام استخدام النظام السياسي الإيراني للعنف في قمع المتظاهرين حتى لا يظهر بمظهر من يمنح ضوءا أخضرا لاستخدام العنف ضد المتظاهرين في إيران

رفض الظهور بمظهر المتدخل في شئون النظام الإيراني الداخلية لأن إدارة أوباما لا تتبنى سياسية تغيير النظم كأسلوب للتعامل مع إيران، ولأن إدارة أوباما لا تريد أن تمنح النظام السياسي الإيراني فرصة للتشدد في موقفه التفاوضي، وكذلك لشعور البعض داخل الإدارة بأن تدخل أميركا سوف يؤلب المشاعر القومية الإيرانية ضدها ويوحد الإيرانيين ويعيد تجميعهم ضد التدخل الأميركي

شعور أوباما – كما ذكر في حديث صحفي أدلى به في 16 يونيو لوسائل إعلام أميركية – بأنه لا يوجد فارق بين نجاد وموسوي من "وجهة نظر الأمن القومي الأميركي"، وهو تصريح عرض أوباما للنقد من قبل معارضي نجاد ومساندي المعارضة الإيرانية في واشنطن، ولكن يتضح هنا أن عين أوباما هي على المشروع النووي الإيراني بالأساس بغض النظر عن الرئيس الإيراني الحاكم

أكدت إدارة أوباما على عزمها المضي قدما في سياسة الحوار أو التقارب مع إيران والتي تبنتها الإدارة قبل الانتخابات

ولا ينسى التقرير الإشارة إلى أن الكونجرس الأميركي كان أكثر وضوحا في موقفه الداعمة للمعارضة الإيرانية والمعارضة لاستخدام العنف ضدها من خلال بعض القرارات التي مررها

في النهاية يمكن القول أن لهجة التقرير الحذرة تتعارض مع لهجة المؤسسات الأميركية التي تعاملت بشكل أكثر جراءة من الأحداث في إيران من حيث تفسيرها والتنبؤ بتبعاتها أو حتى الاحتفال بها من قبل معارضي النظام الإيراني وهم كثر داخل واشنطن، ولعل هذا الحذر نابع من طبيعة أبحاث "خدمة أبحاث الكونجرس" الرصينة نسبيا، وموقف إدارة أوباما الهادئ من الأحداث وهو موقف كان يصعب تصوره في ظل إدارة رئيس أميركي أخر غير أوباما

بقى لنا أن نشير أن التقرير الحالي لا يكفي وحده لتفسير الموقف الأميركي تجاه ما جرى ويجري في إيران بعد الانتخابات، ولكنه وبدون شك يقدم صورة مهمة وأساسية يجب الوعي بتفاصيلها وفهمها

----

للإطلاع على النص الكامل للتقرير، يرجى زيارة الوصلة التالية

No comments: