Sunday, May 29, 2011

في المهارات السياسية لبديع الإخوان


بقلم: علاء بيومي


أول مرة أشاهد حوار طويل للدكتور محمد بديع المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين في مصر كانت اليوم على الفضائية المصرية، وقد جذبني لمشاهدته حالة الاستقطاب السياسي الأيدلوجي بمصر حاليا وما يثار إعلاميا حول صورة وتصريحات بعض ممثلي الإخوان.

بعد مشاهدة الحوار شعرت بأن أكثر ما لفت انتباهي هو القدرات السياسية التي يتمتع د. بديع، وهذا ليس دعما أو نقدا لأحد، ودعني أوضح لك ما أعنيه.

الرجل تحمل عدد كبير من الأسئلة اللاذعة، ومع ذلك بدا هادئا طوال الوقت وحتى عندما غضب على بعض التشبيهات كتشبيهه من قبل المذيع (الذي أجرى الحوار) بأحمد عز أمين تنظيم الحزب الوطني لم يرفع د. بديع صوته أو يتصادم مع المذيع بشكل منفر، وهذا يعني – لمن اعتادوا متابعة أداء السياسيين في ثقافات مختلفة – أن الرجل يتمتع بقدرات فطرية تجعله يبدو هكذا هادئا حتى في غضبه.

أما أكثر ما لفت انتباهي فهو لغته السياسية، فالرجل يتحدث بخطاب شديد الوضوح والبساطة، وأعتقد أنه خطاب قادر على الوصول إلى أعداد كبيرة جدا من المصريين (خاصة المسلمين منهم) فالرجل يتحدث لغة سهلة للغاية، كما يتحدث بدرجة من الثقافة تجعله مفهوما للإنسان العادي وللمثقف في آن واحد، كما أنه يستخدم استعارات دينية عديدة لابد وأنها تجذب قطاعات واسعة من المصريين المتدينين.

في تصوري، هذا يعني أن الرجل تعود على مدى سنوات طويلة على العمل السياسي الجماهيري في مصر، وأعتقد أن امتلاك جماعة ما لقيادي يتحدث بأسلوب كهذا ليس عملية سهلة أبدا، فهو أمر يحتاج عملية فرز طويلة بين أشخاص يمتلكون قدرات فطرية على التحدث للجماهير كالهدوء حتى في حالة الغضب، وأهم من ذلك يحتاج أشخاص تدربوا على مدى فترة زمنية طويلة للغاية للحديث لأعداد كبيرة من الجماهير داخل ثقافة معينة.

وأقول داخل ثقافة معينة، لأن نجاح د.بديع في الحديث للشعب المصري بلغة يفهمها قد لا يعني بالضرورة نجاحه في الحديث للشعب أجنبي كالشعب الأميركي مثلا، فلكل شعب ثقافته السياسية.

أضف إلى ذلك أن لغة د. بديع بدت لي لغة قيادي جماهيري بامتياز، فالرجل لا يتحدث كمثقف يستخدم في حديثه عددا كبيرا من المصطلحات السياسية التي لا يفهمها المواطن المصري العادي، كما أنه لا يتحدث كمتحدث إعلامي باسم حزب أو جماعة بلغة سريعة وبعدد كبير من الأفكار المتلاحقة، كما أنه أيضا لا يتحدث كسياسي متكبر أو متعالي.

على النقيض تلقى د. بديع عددا كبيرا من الأسئلة اللاذعة وضعته في موضع الدفاع خلال جزء كبير من المقابلة.

على الجانب الأخر شعرت أن د. بديع أفرط بعض الشيء في أمرين: أولهما الحديث عن جماعة الإخوان المسلمين، وثانيهما المصطلحات الدينية الإسلامية.

حديث د. بديع المتكرر عن الإخوان رسخ في ذهن المستمع أنه يمثل جماعة بعينها وحرمه من الظهور بمظهر "السياسي الوطني" الذي يتحدث بضمير "نحن المصريين".

وربما يعود هذا إلى أن الحلقة خصصت لمناقشة مواقف الجماعة، أو أن د. بديع تعود على الحديث كممثل للجماعة بالأساس، أو لأنه شارك في البرنامج بالأساس للدفاع عن جماعته والحديث باسمها، ولكني شعرت أنه أفرط قليلا في ذلك، وأنه كان عليه التوقف أحيانا والحديث كقائد جماهيري مصري يبحث عن أجندة وطنية.

الأمر الثاني هو استخدامه المتكرر لمصطلحات دينية إسلامية، وهو أمر قد يروق للقطاعات المسلمة المتدينة بالشعب المصري، ولكنه قد يشعر المصريين الأقباط والعلمانيين بأن لغة بديع دينية أكثر من اللازم.

عموما وحتى لا أفرط في التحليل يجب أن أقر أني لم أشاهد عدد كافي من أحاديث د. بديع لكي أعلق بدقة على مهاراته في مجال التواصل السياسي – وفقا لمعرفتي المتواضعة بهذا المجال، كما أني لم أشاهد بقية المقابلة (والتي يذاع جزئها الثاني يوم الأحد المقبل)، وقد منعني السبب الثاني من التعليق على خطابه السياسي أو مضمون الأفكار التي تحدث بها.

ولكني رأيت تسجيل بعض ملاحظاتي الأولية على مهارات د. بديع الإعلامية لسبب أساسي وهو الجدل الدائر حاليا وسط المصريين حول القدرات السياسية للقوى المختلفة، وعن بعض الأخطاء الإعلامية التي ارتكبها قادة الأخوان مؤخرا، وهو ما جذبني لمشاهدة مقابلة د. بديع كما ذكرت في بداية المقال.

وقد خرجت بانطباع "أولي" مفاده أن امتلاك أي جماعية سياسية مصرية قيادات جماهيرية تتمتع بمهارات د. بديع عمليه ليست سهلة وقد تستغرق سنوات طويلة لتطوير كوادر خاصة بأي جماعة، وهذا يعني أن منافسة أشخاص يتحدثون بهذه القدرة واللغة ليست عملية سهلة في البيئة السياسية المصرية الراهنة.

عموما هذا ليس دعما أو نقدا لأحد، ولكنه تسجيل لبعض انطباعاتنا الأولية على المشهد السياسي المصري الراهن، والله أعلم.

Saturday, May 28, 2011

كيف نراقب الإعلام المصري؟


بقلم: علاء بيومي

البعض يشتكي من الإعلام المصري الخاص والعام ويرى أنه لا يخدم الثورة ولا مصر، ثم يبادر بكتابة عدد من النصائح والتي تبدو وكأنها خطب عصماء يطالب فيها الإعلاميين المصريين بالتحلي بالقيم الإيجابية والأخلاق الحميدة.

من عمل بالإعلام أو يفهم طبيعة العمل الإعلامي يدرك أن النصائح المباشرة والخطب العصماء لا تجدي مع الصحفي، بل تأتي في الغالب بنتائج عكسية، فهي تقول له إننا أفضل منك، وإن عليك أن تتبنى أفكارنا حتى تكون إعلامي صاحب قيم وتخدم الثورة كما نفهمها، وهذا بالطبع كلام مرفوض من قبل أي صحفي يلتزم بأسس وظيفته التي تسعى للوصول إلى الحقيقة من خلال عرض وجهات النظر المختلفة وتوجيه الأسئلة الصحيحة عن علم ومعرفة.

هذا لا يعني أن الإعلام المصري بلا أخطاء، أحيانا ترى مذيع يخطب في الناس وكأنه تحول إلى ضيف لا مذيع يسأل ويساعد على كشف جوانب الحقيقية بحيادية، تشاهد أيضا صحفيين معروفين بولائهم لنظام مبارك يتم استضافتهم للحديث باسم الثورة، ترى أيضا مقالات تدعي أن فلان من الناس قال شيء ما أو أدلى بتصريح خطير دون أدني إحالة أو استشهاد أو دقة في نقل التصريح.

بعض وسائل الإعلام الإلكترونية تجري استطلاعات للرأي لقرائها ثم تنشر نتائجها وكأنها استطلاعات ذات أدني قيمة علمية، مع العلم أنها لا تقوم على أي أساس علمي وهناك طرق إلكترونية سهلة للغاية تساعد من يريد على التصويت أكثر من مرة إذا أراد، يكفي أن تمتلك جهازي كمبيوتر لتصوت مرتين، وربما تصوت مرة ثالثة من جهاز صديقك.

هذا ناهيك عن نشر عناوين رئيسية ببعض الصحف واسعة الانتشار والتي يشك الناس في دقتها ونواياها.

إذن ما الحل، أحد الحلول البسيطة التي توجد في أي مجتمع ديمقراطي هو منظمات المجتمع المدني المتخصصة في مراقبة الإعلام، والفكرة بسيطة.

كل ما تحتاجه هو مؤسسة يعمل في صحفيين أو أكثر وبعض الباحثين، وتكون مهمتهم مراقبة بعض وسائل الإعلام ولو حتى صحيفة أو فضائية واحدة كبداية، ويتم مراقبة تلك الوسيلة الإعلامية وفقا للمعايير الصحفية المتعارف عليها، ويمكن أيضا جمع معلومات بحثية موثقة عن خلفية الوسيلة الإعلامية ومموليها وتيارها العام.

مثلا إذا أذاعت الوسيلة الإعلامية خبرا خاطئا يتم تسجيله وتصحيحه ونشر التصحيح على الملأ من خلال موقع منظمة مراقبة الإعلام وبيانات تذهب لوسائل الإعلام المختلفة وناشطي المجتمع المدني، وبهذا تتعلم الوسيلة الإعلامية وغيرها أن هناك من يراقبها فتكن حذرة في المرة الأخرى.

ممكن أيضا مراقبة الضيوف وهي يتم تقديمهم بالشكل الصحيح، وهل تتاح الفرصة لوجهة النظر الأخرى، وهل تساعد المقابلات على كشف حقيقة مواقفهم، أم يتم استضافة متحدث رسمي باسم الحزب الوطني على أنه متحدث باسم الثوار!؟

وهكذا، يتم مراقبة مزيد من وسائل الإعلام وتصحيح أخطائها وتوعية المشاهد والرأي العام بطبيعة هذه الوسيلة، وهذا كله من خلال جهود المجتمع المدني، فمصر لا تحتاج وزارة إعلام أخرى أو شرطة إعلام تقول للصحفي أفعل ولا تفعل.

كما أن الإعلام العربي مليء بمقالات تتحدث عن الإعلام بدون أدنى قدر من العمق، فهذا يمتدح قناة لأنها أذاعت أخبار على هواة، وأخر يمتدح مذيعة، وثالث يمتدح تقرير خطابي لا علاقة له بالأخبار، وبذلك تميع المعايير ويختلط الأمر على الناس، ويظن كثيرون أن العمل الصحفي فهلوة وخطابة وصراخ وصراع كما يظن البعض.

إذا أردنا تطوير أي مجتمع فعلينا آلا ننسى تطوير الإعلام، وهذه فكرة بسيطة نتمنى أن تجد من يرعاها في مصر الثورة، وإذا كان هناك من يقوم بمثل هذه الوظيفة ولا نعلم به فأرجو أن يساعدنا على التعرف على جهوده وتوعية الآخرين بدوره إذا أمكن، والله أعلم.

Friday, May 27, 2011





ماذا يريد المصريون؟ ولماذا؟










بقلم: علاء بيومي





الإجابة بإختصار: لا أحد يعرف بدقة ماذا يريد المصريون ولماذا؟ فلا أحد يعرف كم من المصريين علماني أو يدعم الإخوان، أو يفضل عصام شرف أو البرادعي أو حمدين الصباحي أو عبد المنعم أبو الفتوح، لا أحد يعلم من يتعاطف مع مبارك أو الثورة، لا أحد يعرف من يريد دستور قبل الانتخابات أو بعدها أو لا يريد دستور أصلا.

كما إننا لا نعرف لماذا صوت المصريون بنعم على التعديلات الدستورية؟ أو بلا؟ هل لأسباب دينية أم إقتصادية أو سياسية أو لكل ما سبق، ومن صوت بالضبط هل هم سكان المدن أم المتعلمون أو الأثرياء أو الطبقة المتوسطة؟

السبب واضح، وهو غياب استطلاعات الرأي العلمية الدورية الدقيقة، وغياب قواعد البيانات الرسمية المتاحة عن المصريين وسلوكهم التصويتي، فمن المفترض في أي بلد يريد أن يبني دولة ديمقراطية حديثة تعبر بصدق عن رغبات مواطنيه، أن يعرف بدقة وبشكل دوري منتظم ماذا يريد أبناءه، ويكون ذلك من خلال أداة معروفة – وهي استطلاعات الرأي.

وفي ظني أن مصر مليئة باستاذة الرأي العام والسياسية والإحصاء فلماذا لا تتبنى جهة حكومية أو صحفية مستقلة مهمة إجراء تلك الإستطلاعات بشكل دوري خاصة وأن المصريين في أشد الحاجة لها في الفترة الحالية.

فالخلافات تتصاعد حول العلمانية والإخوان والأقباط والسلفييين والدستور والمظاهرات والانتخابات والدستور، والصحف تنشر والخبراء يؤكدون وينفون ويتخاصمون ويتفقون، وعصام شرف يخاطب المصريين والمجلس العسكري يصدر بيانات، الكل يتكلم باسم الثورة والشباب والحكمة والسياسية والدين، ولكن لا أحد يقول لنا بالضبط ماذا يريد المصريون ولماذا؟ لأن لا أحد يعرف بالضبط.

نحن لا نقلل من معرفة خبراء مصر وقاداتها التي نكن لكثير منهم كل احترام وتقدير، ولكن هناك فرق بين الرأي السديد القائم على خبرة عقود، وبين وجود نظام علمي محايد نسبيا يساعدنا جميعا على معرفة ماذا يريد الناس.

وحقيقة لا أعرف كيف يكتب الصحفيون والكتاب بلا أرقام وإحصائيات؟ لماذا لا يؤسس الإخوان أو الوفد أو أي حزب جديد أو قديم أو مركز لصناعة القرار أو ثري مصري نشيط في السياسة مركزا لإستطلاعات الرأي، كيف يمكن أن يخوض الآلاف انتخابات مجلس الشعب وتنظم انتخابات رئاسية بدون استطلاعات رأي.

كيف تسجل مئات الحلقات الحوارية على الفضائيات المصرية العامة والخاصة ويتحدث آلاف الخبراء والنشطاء والسياسيين بدون استطلاعات رأي، لماذا لا يتوقف هؤلاء جميعا ويقولون كفاية، نحن نريد أن نعرف بالضبط كيف يفكر المصريون.

كيف نبني دستورا يعبر عن الشعب، أو برلمانا يمثله، أو مصر ديمقراطية حديثة بدون تفكير علمي وإحصائيات وأرقام وقواعد بيانات، وبدون أن نفكر ونرد على بعضنا بعضا من خلال الأرقام والإحصائيات؟

هل يمكن أن نستعير الديمقراطية بدون روحها العلمية الحديثة؟ وأي ديمقراطية سنستعير في هذه الحالة؟

هذا بيان عاجل لمن يهمه الأمر، والله أعلم.

Thursday, May 26, 2011

لا تصوتوا للبرادعي إذا أردتم ... لكن كونوا بجواره وساعدوه


لا تصوتو للبرادعي إذا أردتم، ولكن حاولوا للحظة تقدير ما يقوم به لمصر والمصريين، فهو يمتلك قدرة تثير الإعجاب على رفع سقف مطالب المصريين السياسية وعلى عدم الرضا بالقليل.

البرادعي لم يشارك في انتخابات 2010 ولا في الحوار مع عمر سليمان، وقد شارك آخرون.

البرادعي لا يبدو مشغولا بالجلوس مع المجلس العسكري أو الحكومة المؤقتة أو في لجان الحوار الوطني.

البرادعي لا يمتلك حزبا سياسيا ولا يسعى لأغلبية برلمانية، ولا يبدو مشغولا بكرسي الرئاسة، وأتمنى - أحيانا - أن ينسحب من سباق الرئاسة حتى يريح نفسه ومنتقديه، ويبقى رمزا للتغيير.

فهو قادر دائما على رفع مطالب المصريين السياسية والمطالبة لهم بالمزيد، فقد طالب بالتغيير الشامل منذ اللحظة الأولى لعودته لمصر، وهو الآن غير راض عن سرعة أو وجهة التغيير، فهو يطالب بخارطة طريق للفترة الانتقالية، وبدستور جديد، وببرلمان أكثر تعددية وتمثيلا للثوار.

لك الحق في أن ترفض بعض مطالبه، لك الحق في آلا تصوت له وأن تصوت لمعارضيه، ولكن عليك فهمه ودعمه لأن برفع سقف مطالب المصريين السياسية يستفيد الجميع، فلو رضي المصريون بالقليل وتراجعوا وعاشوا من أجل الاستقرار لخسروا الكثير.

أنا شخصيا أتمنى أن يحكم مصر رئيس شاب عاش كل حياته داخل مصر مناضلا من أجل مصر والمصريين، شاب قادر على الحديث للمصريين بلغة سهلة تصل إليهم وتشحذ فيهم الهمة وتقودهم إلى الطريق السليم.

ولكن هذا لا يمنعني من محاولة فهم البرادعي وما يقوم به، ولا يمنعني عن تقدير البرادعي بلغته الهادئة وببوصلته السياسية الدقيقة التي لا تحيد عن هدفها في إحداث تغيير جذري وشامل في حياة مصر والمصريين السياسية، ففي لحظات الخلاف والضجيج والصدام يرتقي البرادعي عاليا وينظر من أعلى ليرى بعيدا ويقول لا هذا لا يكفي، نحن لا نسير في الطريق السليم، مصر تستحق أكثر، هذا لا يكفي لمصر والمصريين، نريد المزيد.

لا تصوتوا للبرادعي، ولكن التفوا حوله وتعلموا معه وساعدوه على رفع سقف مطالبنا السياسية المطالبة بالمزيد، قد لا أتفق مع كل مواقف البرادعي، ولكني أقدرها.

Wednesday, May 25, 2011

في احتياج المصريين لبعضهم البعض: المسلم والقبطي واليساري والليبرالي



بقلم: علاء بيومي

www.alaabayoumi.com

تصور أنك تعيش في مجتمع من الأتقياء المخلصين المنتمين لديانتك أنت وحدك، هذه الديانة النقية الصائبة التي لا يأتيها الباطل، مجتمع لا يدخله كافر أو ملحد أو ضعيف الأيمان، مجتمع خالص بلا شائبة، ماذا سيحدث؟ ببساطة وبدون تردد سوف ينهار المجتمع، فسوف يفقد مزايا كثيرة جدا لا توجد في أي مجتمع عادي خلقه الله تعالي، ولو فكرت للحظة لوجدت أنه الله تعالي لم يخلق مجتمع بهذه الصورة وقد أخبرنا مرارا أنه لن يخلقه على وجه هذه الأرض، ولعل في ذلك حكمة.

مجتمع الأتقياء المخلصين الطاهرين المنزهين سوف يكون مجتمع آلي بلا رحمة، فلماذا ترحم وليس بينكم ضعيف، وسوف يتحول تباعا لمجتمع خامل جاهل ضعيف منهزم، فلماذا يتعلم الناس بعد أن وصولوا لكي هذا النقاء والتقوى، وأين الاختبار، وأين الامتحان والتجربة والخطأ والتحدي، ففي مجتمع النقاء والأطهار لن تولد أفكار جديدة وقد تنتفي الحاجة للمعرفة أو الكتب.

فالأفكار الجديدة تولد من التحدي والمشاكل والنقائص البشرية، أما في مجتمع الأنقياء فكل الصغائر تتلاشى وتختفي، ولا تبقى حاجة لفكر أو تجديد أو تغيير، وهذا يعني تدريجيا نهاية المجتمع وضعفه واندثاره، فهو أشبه بالزواج داخل الفصيلة الواحدة، أو من نفس العائلة، فهو زواج إذا ما استمر فترة طويلة محكوم عليه بالمرض والضعف والوباء والموت.

هذا يعني أن المصريين يحتاجون بعضهم البعض، وأن بدون الأخر سوف أتلاشى وأضعف وأموت، المسلم في حاجة للقبطي لكي يعلمه معنى الأقلية والرحمة والعيش في مجتمع لا يدين بديانتي، ولكي يعلمه التواصل مع أبناء الأديان الأخرى، والاجتماع على كلمة سواء، وتجربة الإسلام في التعامل مع الأقليات، كما أنه سفيره لأبناء ديانته من المسيحيين في باقي دول العالم وبعضهم بناء نماذج حضارية أنتج أفكار متقدمة ساهمت في تطوير البشرية.

المسيحي يحتاج المسلم لكي يعلمه قيم العدل الراسخة في الإسلام وقيم التسامح، ولكي يشعره بأهمية هويته الدينية وينشط فيه ملكاته المختلفة كجماعة تعيش أقلية وسط أغلبية كبيرة تنتمي لديانة أخرى، وفي الحقيقة تبدو الأقليات الدينية محظوظة في أحيان كثيرة أكثر من الأغلبية.

فحين يعيش الإنسان كأقلية في مجتمع لا ينتمي لديانته يشعر بالحاجة لفهم دينه بشكل أعمق وفهم هويته وفهم كيفية تطبيق هويته بأفضل أسلوب يضمن له التواصل مع الأخر (الأغلبية) والحفاظ على هويته بلا إفراط ولا تفريط، وهو تحدي رائع يفتقده من عاش كل عمره كأغلبية في مجتمعه، ولهذا تجد بعض المسلمين ممن هاجروا للغرب يعودن إلى الشرق بعد أن اكتشفوا هويتهم الإسلامية بشكل جديد وعميق لم يكونوا بالغية لو عاشوا وماتوا في نفس مدنهم وقراهم التي ولدوا فيها.

هذا يعني أن المصري المنتمي لتيار ديني كالسلفية أو المصري اليساري أو الليبرالي في حاجة للمصري المنتمي للإخوان ليتعلم منه خبرته في العمل الخيري وفي التواصل مع الناس من خلال الفعل لا القول فقط، وليتعلم منه خبرة بناء جماعة أيدلوجية استمرت بنجاح لأكثر من 80 عاما.

المصريون يحتاجون السلفيين لتذكيرهم بأن الشعب المصري متدين، وأن الدين يهم الناس، وأن عليهم الوصول إلى جميع المصريين وخاصة الشباب منهم والتقرب منهم والاستماع لأفكارهم واحتياجاتهم.

السلفي والإخواني والمسيحي المتدين يحتاج الليبرالي لكي يعلمه عن التعددية والتسامح وحقوق الإنسان والديمقراطية واقتصاد السوق وخبرات شعوب أخرى نجحت في بناء مجتمعات متقدمة.

المصريون جميعا في حاجة للمصري الاشتراكي لكي يعلمهم عن حقوق العمال وعن العدالة الاجتماعية وعن النقابات والحركات العمالية والمساواة.

فلكل تيار خبراته ومزاياه الفردية التي لا يقدرها إلى من حاول التعلم والاستفادة والعمل فوجد التحدي قائما وأنه في حاجة لآخرين سبقوه في خبرة وعلما.

بمعني أخر أن المصري في احتياج لأخيه المصري المختلف عنه فكريا، لأنه لولا وجوده لفقدنا الكثير من قدرتنا على فهم أنفسنا وعلى الشعور بالتحدي والحاجة للتعلم وتطوير الذات.

ولهذا – وكما ذكرنا من قبل – لم ولن يخلق الله تعالي مجتمع على قلب رجل واحد، ففي الاختلاف رحمة، ولو شاء الله لخلقنا أمة واحدة، إنما جعلنا شعوبا وقبائل لنتعارف.

لذا تذكر دائما أنك في حاجة لأخيك المختلف عنك قبل المتشابه معك، فلو الاختلاف لما فهمت نفسك، ولما شعرت بالحاجة للتعلم والكفاح والعمل.

إذا من أين يأتي الخلاف والصدام والتشدد ورفض الأخر؟ يأتي أحيانا كثيرة من الجهل، فعندما تجهل الأخر وتجهل القدرة على فهم نفسك والآخرين والاستفادة منهم تتحول بشكل لا أرادي لشخص عدواني خائف من داخلك، وشاعر بالعجز والقهر ولكنك ترفض الاعتراف بهما، وتفضل في المقابل مهاجمة الأخر وتحويله إلى شيطان يتحمل كل عيوبك وعيوبه وعيوب الآخرين.

الجهل أيضا ينشر الشائعات والفتن والأكاذيب، فكل مقال أو خبر في صحيفة يتحول إلى وثيقة لإدانة الأخر المختلف عنك، حتى لو كانت هذا المقال مغلوط كتبه عدو لك، وعدو له، لنشر الفتن والمحن ولإضعافكما سويا.

الجهل أيضا يعني سوء الخلق وعدم التحلي بآداب الحوار، فتارة نسخر من بعضنا بعضا، وتارة نكذب، وتارة نذم ونشتم، وتارة نخون الأخر ونتهمه بالعمالة والتقصير، وفي الحقيقة أكثر الأخطاء التي رأيتها شائعة بين الناس هي أخطاء اللسان، وكأن حفظ اللسان وحسن الخلق هو التحدي الأصعب أمام البشر.

نحن لا ننفي سوء النوايا أو دور الاستبداد أو وجود أصحاب الضمائر الضعيفة بين المصريين بمختلف توجهاتهم، أو أن هناك من يسعى للوقيعة بين المصريين عن قصد، فهناك في أي مجتمع دعاة النميمة والفتن، ولكن يعز علينا أن نرى شباب ومثقفين يزكون نار الخلاف بين المصريين تارة بداعي المزاح، وتارة بداعي الدفاع عن مصر أو عن الدين، مع أن القيم المسلمة والمسيحية والليبرالية والاشتراكية اختلطت على أرض مصر منذ آلاف ومئات وعشرات السنين، وبات يصعب فصلها عن بعضها بعض.

فهل برلمان مصر المرتقب أو انتخاباتها أو صناديق الاقتراع التي ننتظرها أو دستورها، هل هي إسلامية فقط أم ليبرالية أو اشتراكية أم قبطية، أين يمكن أن نضع الحد ويأخذ كل منا ما يخصه، هل الانتخابات فكرة إسلامية أم أنها غير ذلك؟ هل التصويت فكرة دينية أم علمانية؟ هل هناك مرشح متدين خالص وأخر علماني لا شائبة فيه؟ إلى متى سوف نستمر في التقسيم والسلخ والانسلاخ والبحث عن النقاء المستحيل.

شئنا أو أبينا سنعيش ونموت في احتياج إلى كل المصريين فبدونهم لن نتمكن حتى من فهم أنفسنا، والله أعلم.

Saturday, May 21, 2011

Egypt: A new effort to define the political center: The "Mainstream Initiative"

By: Alaa Bayoumi, www.alaabayoumi.com

Some of Egypt's most prominent political Islamist intellectuals are organizing. They launched yesterday an initiative called "Egypt Mainstream," http://www.facebook.com/egyptmainstream. Their success could empower Egypt's political center in a profound and unique ways.

According to media reports and the group's Facebook page, more than 5000 people have supported the initiative so far including Essam Sharaf, Egypt's Interim Prime Minister, and Moataz Abdel Fatah, Sharaf's political advisor. It was also joined by some prominent political intellectuals, some of them are Copts.

The group issued a declaration of principles, http://alshaabyoreed.com/agreement.aspx, that emphasizes freedom and Egyptians' need to believe "in unity that is based on diversity" and that security is attainable in " a prosperous and coherent society and in a just state that fulfills the aspirations of its people."

The group wants to define the mainstream political values that bind Egyptians together with an emphasis on freedom, unity, justice, tolerance, and moderation.

They are basically trying to empower the center of Egyptian politics by redefining its core values in modern terms accepted by a large coalition of Egyptian political groups, which they are hoping to invite.

They are political intellectuals with good understanding of both Islamic and modern political ideologies. They stand politically on the "center right" of Egyptian politics. They are socially conservative, but open to leftist and capitalist political and economic ideas.

If successful, they could counter balance some Islamist groups, such as the Muslim brotherhood and the Salafis, who stand politically on the right of these intellectuals. They would also challenge some hardline Egyptian secular groups who take an elitist and exclusivist stand against any Islamist or conservative groups because of cultural reasons and regardless of practical political reasons.

In other words, the intellectuals could empower the center of Egyptian politics in unique ways. They could make it more attractive to more hardline conservative and secular groups by bridging the gap between the two camps. They could also make the political center and the center right more attractive to young Islamist and Egyptians youth who are becoming more politically active in an unprecedented way and who are looking for political ideas, guidance, and mentorship.

However, the intellectuals are idealists who want to build a political trend that transcends politics. They think of the mainstream initiative as declaration of principles that transcends narrow political interests and that should bring all Egyptians together.