في احتياج المصريين لبعضهم البعض: المسلم والقبطي واليساري والليبرالي
بقلم: علاء بيومي
تصور أنك تعيش في مجتمع من الأتقياء المخلصين المنتمين لديانتك أنت وحدك، هذه الديانة النقية الصائبة التي لا يأتيها الباطل، مجتمع لا يدخله كافر أو ملحد أو ضعيف الأيمان، مجتمع خالص بلا شائبة، ماذا سيحدث؟ ببساطة وبدون تردد سوف ينهار المجتمع، فسوف يفقد مزايا كثيرة جدا لا توجد في أي مجتمع عادي خلقه الله تعالي، ولو فكرت للحظة لوجدت أنه الله تعالي لم يخلق مجتمع بهذه الصورة وقد أخبرنا مرارا أنه لن يخلقه على وجه هذه الأرض، ولعل في ذلك حكمة.
مجتمع الأتقياء المخلصين الطاهرين المنزهين سوف يكون مجتمع آلي بلا رحمة، فلماذا ترحم وليس بينكم ضعيف، وسوف يتحول تباعا لمجتمع خامل جاهل ضعيف منهزم، فلماذا يتعلم الناس بعد أن وصولوا لكي هذا النقاء والتقوى، وأين الاختبار، وأين الامتحان والتجربة والخطأ والتحدي، ففي مجتمع النقاء والأطهار لن تولد أفكار جديدة وقد تنتفي الحاجة للمعرفة أو الكتب.
فالأفكار الجديدة تولد من التحدي والمشاكل والنقائص البشرية، أما في مجتمع الأنقياء فكل الصغائر تتلاشى وتختفي، ولا تبقى حاجة لفكر أو تجديد أو تغيير، وهذا يعني تدريجيا نهاية المجتمع وضعفه واندثاره، فهو أشبه بالزواج داخل الفصيلة الواحدة، أو من نفس العائلة، فهو زواج إذا ما استمر فترة طويلة محكوم عليه بالمرض والضعف والوباء والموت.
هذا يعني أن المصريين يحتاجون بعضهم البعض، وأن بدون الأخر سوف أتلاشى وأضعف وأموت، المسلم في حاجة للقبطي لكي يعلمه معنى الأقلية والرحمة والعيش في مجتمع لا يدين بديانتي، ولكي يعلمه التواصل مع أبناء الأديان الأخرى، والاجتماع على كلمة سواء، وتجربة الإسلام في التعامل مع الأقليات، كما أنه سفيره لأبناء ديانته من المسيحيين في باقي دول العالم وبعضهم بناء نماذج حضارية أنتج أفكار متقدمة ساهمت في تطوير البشرية.
المسيحي يحتاج المسلم لكي يعلمه قيم العدل الراسخة في الإسلام وقيم التسامح، ولكي يشعره بأهمية هويته الدينية وينشط فيه ملكاته المختلفة كجماعة تعيش أقلية وسط أغلبية كبيرة تنتمي لديانة أخرى، وفي الحقيقة تبدو الأقليات الدينية محظوظة في أحيان كثيرة أكثر من الأغلبية.
فحين يعيش الإنسان كأقلية في مجتمع لا ينتمي لديانته يشعر بالحاجة لفهم دينه بشكل أعمق وفهم هويته وفهم كيفية تطبيق هويته بأفضل أسلوب يضمن له التواصل مع الأخر (الأغلبية) والحفاظ على هويته بلا إفراط ولا تفريط، وهو تحدي رائع يفتقده من عاش كل عمره كأغلبية في مجتمعه، ولهذا تجد بعض المسلمين ممن هاجروا للغرب يعودن إلى الشرق بعد أن اكتشفوا هويتهم الإسلامية بشكل جديد وعميق لم يكونوا بالغية لو عاشوا وماتوا في نفس مدنهم وقراهم التي ولدوا فيها.
هذا يعني أن المصري المنتمي لتيار ديني كالسلفية أو المصري اليساري أو الليبرالي في حاجة للمصري المنتمي للإخوان ليتعلم منه خبرته في العمل الخيري وفي التواصل مع الناس من خلال الفعل لا القول فقط، وليتعلم منه خبرة بناء جماعة أيدلوجية استمرت بنجاح لأكثر من 80 عاما.
المصريون يحتاجون السلفيين لتذكيرهم بأن الشعب المصري متدين، وأن الدين يهم الناس، وأن عليهم الوصول إلى جميع المصريين وخاصة الشباب منهم والتقرب منهم والاستماع لأفكارهم واحتياجاتهم.
السلفي والإخواني والمسيحي المتدين يحتاج الليبرالي لكي يعلمه عن التعددية والتسامح وحقوق الإنسان والديمقراطية واقتصاد السوق وخبرات شعوب أخرى نجحت في بناء مجتمعات متقدمة.
المصريون جميعا في حاجة للمصري الاشتراكي لكي يعلمهم عن حقوق العمال وعن العدالة الاجتماعية وعن النقابات والحركات العمالية والمساواة.
فلكل تيار خبراته ومزاياه الفردية التي لا يقدرها إلى من حاول التعلم والاستفادة والعمل فوجد التحدي قائما وأنه في حاجة لآخرين سبقوه في خبرة وعلما.
بمعني أخر أن المصري في احتياج لأخيه المصري المختلف عنه فكريا، لأنه لولا وجوده لفقدنا الكثير من قدرتنا على فهم أنفسنا وعلى الشعور بالتحدي والحاجة للتعلم وتطوير الذات.
ولهذا – وكما ذكرنا من قبل – لم ولن يخلق الله تعالي مجتمع على قلب رجل واحد، ففي الاختلاف رحمة، ولو شاء الله لخلقنا أمة واحدة، إنما جعلنا شعوبا وقبائل لنتعارف.
لذا تذكر دائما أنك في حاجة لأخيك المختلف عنك قبل المتشابه معك، فلو الاختلاف لما فهمت نفسك، ولما شعرت بالحاجة للتعلم والكفاح والعمل.
إذا من أين يأتي الخلاف والصدام والتشدد ورفض الأخر؟ يأتي أحيانا كثيرة من الجهل، فعندما تجهل الأخر وتجهل القدرة على فهم نفسك والآخرين والاستفادة منهم تتحول بشكل لا أرادي لشخص عدواني خائف من داخلك، وشاعر بالعجز والقهر ولكنك ترفض الاعتراف بهما، وتفضل في المقابل مهاجمة الأخر وتحويله إلى شيطان يتحمل كل عيوبك وعيوبه وعيوب الآخرين.
الجهل أيضا ينشر الشائعات والفتن والأكاذيب، فكل مقال أو خبر في صحيفة يتحول إلى وثيقة لإدانة الأخر المختلف عنك، حتى لو كانت هذا المقال مغلوط كتبه عدو لك، وعدو له، لنشر الفتن والمحن ولإضعافكما سويا.
الجهل أيضا يعني سوء الخلق وعدم التحلي بآداب الحوار، فتارة نسخر من بعضنا بعضا، وتارة نكذب، وتارة نذم ونشتم، وتارة نخون الأخر ونتهمه بالعمالة والتقصير، وفي الحقيقة أكثر الأخطاء التي رأيتها شائعة بين الناس هي أخطاء اللسان، وكأن حفظ اللسان وحسن الخلق هو التحدي الأصعب أمام البشر.
نحن لا ننفي سوء النوايا أو دور الاستبداد أو وجود أصحاب الضمائر الضعيفة بين المصريين بمختلف توجهاتهم، أو أن هناك من يسعى للوقيعة بين المصريين عن قصد، فهناك في أي مجتمع دعاة النميمة والفتن، ولكن يعز علينا أن نرى شباب ومثقفين يزكون نار الخلاف بين المصريين تارة بداعي المزاح، وتارة بداعي الدفاع عن مصر أو عن الدين، مع أن القيم المسلمة والمسيحية والليبرالية والاشتراكية اختلطت على أرض مصر منذ آلاف ومئات وعشرات السنين، وبات يصعب فصلها عن بعضها بعض.
فهل برلمان مصر المرتقب أو انتخاباتها أو صناديق الاقتراع التي ننتظرها أو دستورها، هل هي إسلامية فقط أم ليبرالية أو اشتراكية أم قبطية، أين يمكن أن نضع الحد ويأخذ كل منا ما يخصه، هل الانتخابات فكرة إسلامية أم أنها غير ذلك؟ هل التصويت فكرة دينية أم علمانية؟ هل هناك مرشح متدين خالص وأخر علماني لا شائبة فيه؟ إلى متى سوف نستمر في التقسيم والسلخ والانسلاخ والبحث عن النقاء المستحيل.
No comments:
Post a Comment