Saturday, January 25, 2014

دولة القمع التي يكرسها النظام الجديد في مصر

مقال بقلم علاء بيومي، منشور على موقع مصر العربية في 25 يناير 2014

لست في حاجة لأن تصدقني، فقط اطلع على تقرير منظمة العفو الدولية الصادر منذ أيام عن أوضاع حقوق الانسان في مصر بمناسبة مرور ثلاثة سنوات على الثورة المصرية.

التقرير الواقع في 40 صفحة من القطع الكبير اختار له مؤلفوه بعناية عنوان "خريطة طريق القمع" لكي يوجهوا للسلطات الراهنة في مصر رسالتين، أولهما أن خارطة الطريق التي اقترحوها في 3 يوليو الماضي للتحول الديمقراطية تحولت لخريطة طريق للقمع وانتهاك حقوق الانسان وإهدار كل القيم التي قامت الثورة من أجلها.

أما الرسالة الثانية أو الوجه الأخر للصورة فهو أن السلطات تكرس ما يمكن تسميته بدولة "القمع" وهي دولة قائمة على أذرع ثلاث كما سماهم التقرير، وهي القوانين المجحفة بالحقوق والحريات والمؤسسات الأمنية التي لا تخضع لأي رقابة سياسية والقضاء المتواطئ من انتهاكات الانتظام، وهي معا تمثل الأعمدة الرئيسية لتطبيق القانون في أي مجتمع، ولكنها للأسف تحولت في ظل الانقلاب لأدوات قمعية، ومع اجتماعهم معا تصبح فرص الحياة الديمقراطية الكريمة صعبة للغاية.

(1) قوانين القمع

التقرير يقول أن القوانين التي تقرها الحكومة الانتقالية تعاني من مشكلتين على الأقل، أولهما أنها قمعية، يعني لا تراعي حقوق وحريات الناس، فالسلطات مثلا تقر قانون للتظاهر يعطي لوزارة الداخلية حق الموافقة على المظاهرات التي تخرج بالأساس اعتراضا على قمعها، وتعطي للداخلية الحق في مزيد من القمع، مع أن القوانين الدولية تحصر دور الداخلية في حماية المظاهرات وعدم التعرض لها إلا في أضيق الحدود وبما يضمن سلامة المتظاهرين بالأساس.

أما العيب الثاني في القوانين الصادرة من السلطات الانقلابية، فهي أنها تعطي الأولوية للقمع كذلك، فأولوية الحكومة الانقلابية تكمن في الحد من التظاهر، وفي الحد من حرية المنظمات الأهلية، ولكنها مثلا لا ترى أن العدالة الانتقالية أولوية، حتى أن التقرير يقول أن وزير العدالة الانتقالية المعين من الانقلاب أضطر  "العمل لشهور تقريبا بدون أي تفويض واضح، مكتب مخصص، موظفون أو موارد أخرى".

يعني رفضوا حتى أن يعطوا للوزير مكاتب وموظفين وليس صلاحيات فقط، حتى أن الرجل نفسه خرج منذ أسابيع يقول أن العدالة الانتقالية ليست أولوية في الوقت الراهن.

مثال أخر على إهدار قيمة القانون هو إعلان الاخوان جماعية إرهابية، حيث يقول التقرير:

"تخشى العفو الدولية من أن قرار (إعلان الاخوان منظمة إرهابية) مدفوع بدوافع سياسية بهدف الموافقة على مزيد من القمع في حق الاخوان، حيث فشلت السلطات في تقديم أي دليل قائم على حقائق يربط بين الاخوان المسلمين وأي هجوم إرهابي وقع منذ 3 يوليو 2013.

مفوض الأمم المتحدة لحماية حقوق الانسان يؤكد أنه في حالة مواجهة الارهاب لا يجب منع جماعة بحجة كونها إرهابية إلا إذا أقرت بوضوح في وثائقها التأسيسية أنها تنوي استخدام وسائل إرهابية لتحقيق أهدافها، وفيما عدا ذلك لا يمكن حظرها إلا بناء على دليل على أنشطتها قائم على الحقائق ولا يجب أن يصدر قرار الحظر إلا من خلال هيئة قضائية مستقلة مع السماح دوما باستئناف قرار الحظر أمام هيئة قضائية."

وهذا يكشف بوضوح أن حكومة الانقلاب الشرعية لم تراع المعايير القانونية الدولية في إعلانها المسيس لأنه لا يقوم على أدلة من ناحية وليس صادرا من هيئة قضائية من ناحية أخرى، ومع ذلك يستمر العمل به إهدارا لمعنى القانون.

(2) سلطات أمن فوق المحاسبة

الضلع الثاني في مثلث دولة القمع بمصر حاليا هو قوات الأمن التي تعمل في حصانة شبه تامة عن أي محاسبة سياسية أو قانونية.

فالقوات المسلحة التي ارتكبت بعض عناصرها انتهاكات واضحة في حقوق الثوار منذ ثورة يناير 2011 لم تحاسب حتى الآن والدستور الجديد (ديسمبر 2013) يعطيها حصانة من القضاء المدني، إذا يجعل القضاء العسكري الرقيب الوحيد عليها، وهنا يذكر التقرير:

"الدستور الذي تم تبنيه حديثا في مصر يرسخ حصانة الجيش فيما يتعلق بأي انتهاكات لحقوق الانسان يرتكبها، وذلك من خلال منح المحاكم العسكرية سلطة قضائية مستمرة على القضايا الجرائم المتصلة القوات المسلحة"

أما عناصر الشرطة فلا تحاسب، وتقدر العفو الدولية عدد الذين قتلوا منذ الثورة بحوالي 1400 مصري، ناهيك عن عدد سجناء الرأي والمعتقلين السياسيين الذين يقدر بالآلاف وتقارير عن حوادث تعذيب ومعاملة سيئة للمعتقلين ... ألخ.

كل هذا والشرطة لا تحاسب، ويقول التقرير أن كل الانتهاكات التي قامت بها الشرطة منذ 3 يوليو لم تؤدي إلى توجيه اتهام قانوني لأربعة من عناصرها في حادثة اعتداء على معتقلين في سيارة ترحيلات لسجن أبو زعبل مما أدى لمقتل 37 شخصا، ويتم أيضا التحقيق مع عنصرين أخرين للشرطة بسبب اتهامات متعلقة بحقوق الانسان والتعذيب.

الأدهى من ذلك وأمر أن السلطات أعطت للشرطة صلاحيات إضافية من خلال قانون التظاهر رغم أن المشكلة الأساسية والتي تعاني منها مصر قبل وبعد الثوري هي في عجز الشرطة المستمر عن الالتزام بمعايير الحقوق والحريات في عملها.

(3) القضاء المتواطئ

كل هذا يحدث والنظام القضائي لا يتحرك لمساعدة المتضررين من متظاهرين سلميين وضحايا للقمع، بل على العكس ترى العفو الدولية أن القضاء يوفر الضلع الثالث للقمع في مصر، فالسجون مليئة بالمعتقلين السياسيين، والقضايا يتم تحريكها ضدهم بسرعة كبيرة حيث تلحق لها عقوبات ضخمة بسبب أفعال ترتبط في أحيان كثيرة بالتعبير السلمي عن الرأي، في حين أن الأصل هو الافراج عنهم كمتعقلين سياسيين، في الوقت نفسه يترك عناصر الأمن والضالعين في انتهاكات بلا أدنى محاسبة.

بل أن القضاء بات يستهدف بعض المعارضين بتهم كإهانة القضاء، حيث يستخدم التقرير
مصطلح "التحرش القضائي" لوصف الملاحقة القضائية لبعض قادة الرأي والعمل السياسي المعارضين للانقلاب، ويقول أن هدفه إثبات عزم السلطات على قمع أي معارضة لهم بغض النظر عن خلفيتها السياسية

أضف إلى ذلك عدم وقوف القضاء لحماية حقوق المعتقلين، حيث يوضح التقرير حجم المأساة القائمة في المعتقلات، حيث يتم إلقاء المعارضين والتظاهرين وربما بعض المارة في السجون ويتم تجديد الحبس الاحتياطي، ليمكثوا في المعتقلات فترات طويلة دون أدنى أدلة تثبت تورطهم في جرائم وبلا تهم واضحة، حيث تقول المنظمة أن كثير من التهم الفضفاضة التي توجه للمعتقلين السياسيين في مصر لا ترقى لتعريفات القوانين الجنائية الدولية، وبعض الاعتقال يخضعون لظروف سجن غير إنسانية، ويحرمون من حقوقهم القانونية، فالنيابة تذهب للتحقيق مع المعتقلين داخل معتقلاتهم نفسها وفي غياب المحامين، ويتم تحدد مواعيد جزافيه للمحكمات في غياب المحامين.

الخلاصة

خلاصات عديدة يمكن أن نخرج بها من التقرير.

أولا: هذا رأي خبراء الحقوق والحريات الدوليين، وهو حجة قوية في وجه داعمي الانقلاب، تثبت بالأدلة وبالقوانين الدولية ومعايير حقوق الانسان أن الانقلاب قمعي ظالم ويسير بمصر نحو القمع رغم ادعاءاته زائفة.

ثانيا: أننا أمام دولة قمع متكاملة الاركان يلعب فيه الجاني دور القاضي والمشرع والشرطي، فيخنق ضحيته ويهدم معنى العدل والدولة.

ثالثا: أن مؤسسات الدولة المنوطة مهمة تطبيق القانون تبدو المنتهك الأول للقانون مهدرة معنى القانون والدولة من أساسيهما.

رابعا وأخيرا، أن مصر لا تستحق ذلك، والثورة المصرية ومن سقطوا من أجلها شهداء لا يستحقون ذلك، ومسار السلطات الراهنة في مصر يعاند كل هؤلاء ولا يبالي بدفع مصر مجددا نحو دولة القمع السياسي والصدام والفشل.

والله أعلم، ما رأيكم!؟ 

Friday, January 17, 2014

مصر: خسائر الانقلاب في معركة الاستفتاء


1) وداعا لادعاء الديمقراطية

وسائل الإعلام الدولية خرجت تقول أن الاستفتاء هو عودة للثورة المضادة وأن الجيش برعاية الديكتاتوريات في المنطقة يريد أن يعود بمصر لعهد مبارك.

(أنظر مقال صادر اليوم 17/1 لمحرر العلاقات الدولية بالفينانشيال تايمز دايفيد جارنز بهذا المعنى ... محررو بلومبرج نشروا مقال في 15 يناير بعنوان "مصر ستندم على دستورها الجديد)

2) الفشل في تنظيم انتخابات حرة ونزيهة

وسائل الإعلام الدولية مليئة بالتحذيرات للمنظمات الدولية القليلة التي بعثت مراقبين للمراقبة على الاستفتاء بعدم إضافة أي شرعية على ما حدث، الجميع يدرك أنها لم تكن عملية اقتراع حرة أو نزيهة، المعارضة لم تحصل على أي حرية والصناديق لم تخضع لرقابة المعارضة.

في أي مرة أخرى سيعقد فيها النظام الحالي – لو استمر - تصويتا فسينظر له العالم نظرة شك من البداية لأن التجربة باتت تقول أن النظام لا يؤمن بحرية أو نزاهة العمليات الانتخابية.

(محرر التلجراف البريطانية للشئون الدولية دايفيد أوبراين كتب مقالا في 13 يناير بعد عودته من القاهرة يقول أن الطريقة التي نظم بها الاستفتاء (عار). محررو الواشنطن بوست وصفوا ما يحدث "بالديمقراطية المزيفة" في مقال لهم في 14 يناير مطالبين المراقبين الدوليين بالحذر من منحه أي شرعية).

3) مقاطعة الشباب

التحالف المعادي للانقلاب يزداد بشكل طبيعي، حتى الإعلام الداعم للانقلاب يعترف بإحجام مشاركة الشباب وبعضهم يحذر من أن الشباب ينتظر لحظة انفجار جديدة.


4) خروج السيسي للصدارة

بعد أن فض ادعاء إدارة المشهد من الخلفية، ومع خروج قائد الانقلاب للصدارة سيتحمل جزء أكبر من المسئولية وستزداد النظرة السلبية له في الداخل والخارج سوءا، وسيتحمل تدريجيا المسئولية الأكبر المصير السيء الذي يقود إليه البلاد.

5) ضغوط على شركاء الانقلاب في الخارج

مصر لا تسير للديمقراطية التي تحتوي الجميع التي طالب بها المجتمع الدولي، والإعلام الدولي بدأ في الحديث أكثر عن دور دول كالإمارات والسعودية في رفض جهود الشراكة السياسية في مصر.

فشل التحويل السياسي في مصر وما قد يترتب عليه من اضطرابات يضع مزيد من المسئولية على الدول الإقليمية التي تعيق التوصل لحل معقول للأزمة.

(أنظر مقال منشور على موقع بلومبرج في 16 يناير بهذا الخصوص)

6) سقوط نخب العسكر

والتي أيدت الانقلاب وروجت للدستور وبعضها تحول لمروجين للقمع وحكم العسكر، وتراجع قادتهم عن حتى منافسة السيسي في الانتخابات الرئاسية، انبطاحهم أمام العسكر فاضح.

7) غباء الانقلاب

يتضح كل يوم أكثر وبلا مجهود، الانقلاب يقوم بالقبض على الصحفيين الأجانب والنشطاء المعروفين والمعارضين الذين نزلوا للحشد بلا، نتيجة الاستفتاء والذي سيحصل على تأييد يفوق 90% ستضاف لأدلة غباء النظام، لأن هذه النسب لا توجد في النظم المحترمة.

والله أعلم، ما رأيكم!؟

المصادر المذكورة أعلاه بالترتيب:

http://www.ft.com/intl/cms/s/0/70e95c20-7eca-11e3-8642-00144feabdc0.html?siteedition=intl

لمتابعة مزيد من تحليلاتنا اليومية عن الشأن المصري، يرجى متابعة صفحتنا على فايسبوك أو تويتر