Saturday, July 29, 2006

إسرائيل-حماس-حزب الله: الصراع الراهن
عرض بقلم: علاء بيومي

الناشر: الجزيرة نت، 29 يوليو 2006، حقوق الطبع والنشر محفوظة للناشر

نص العرض

تنبع أهمية هذا التقرير من صدوره عن خدمة أبحاث الكونجرس وهي مركز أبحاث تابع للكونجرس الأميركي يعكف على إمداد أعضاء الكونجرس بتقارير حديثة عن أهم القضايا المثارة لدى صانع القرار الأميركي بما يمكن أعضاء الكونجرس من بناء قراراتهم على أسس علمية رصينة

كما تتميز تقارير المركز بدقة معلوماتها وبحرص الباحثين القائمين علي تأليفها على الموضوعية القائمة على شرح الرأي والرأي الأخر حتى ولو احتوى ذلك على نقد لسياسات الحكومة الأميركية

أضف إلى ذلك كون التقرير صادر حديثا (في الحادي والعشرين من يوليو الحالي) بهدف تزويد أعضاء الكونجرس بأفضل تحليل ممكن للسياسة الأميركية تجاه الأزمة الناجمة على الهجمات الإسرائيلية على لبنان وعلى الأراضي الفلسطينية

منهج التقرير

يجب في البداية الإشارة إلى أن التقرير الراهن لا يهدف إلى تقييم السياسة الخارجية الأميركية تجاه الهجمات الإسرائيلية على لبنان وعلى الأراضي الفلسطينية من حيث مدى ارتباط هذه السياسة بمصالح أميركا الإستراتيجية، كما إنه لا يسعى لشرح أسباب هذه السياسية وتأثيرها على مصالح أميركا على المدى البعيد، في المقابل يسعى التقرير إلى توعية أعضاء الكونجرس بتفاصيل ما يجري حولهم وبدور الأطراف المختلفة في الأزمة الراهنة بما في ذلك الولايات المتحدة، كما يسعى لتحديد دور الكونجرس وللتنبؤ ببعض التحديات التي قد تواجه أميركا ومن ثم صانع القرار الأمريكي بسبب الأزمة الراهنة في المستقبل المنظور

لذا يبدأ التقرير بتقديم خلفية عن أسباب الصراع الدائر، كما يتحدث عن أطرافه وعن مصالح كل طرف، وعن السياسية الأميركية تجاه كل طرف، وعن الجهود الدبلوماسية المبذولة لاحتواء الأزمة، وينتهي التقرير بالحديث عن دور الكونجرس وبمحالة لاستشراف المستقبل

مساندة أميركية رسمية لإسرائيل

يتحدث التقرير عن مساندة الحكومة الأميركية لإسرائيل بأسلوب وصفي لا يسعى لتقييم تلك المساندة بقدر ما يسعى لإثبات وجودها من خلال الحديث عن تصريحات الرئيس الأميركي القائلة بأن سبب الأزمة الراهنة هو حزب الله وأن هجماته على إسرائيل تمت بإيحاء من سوريا وإيران، كما يشير التقرير في بدايته إلى أن "العديدين في المجتمع الدولي طالبوا بوقف فوري لإطلاق النار، في حين امتنع المسئولون الأميركيين عن مساندة هذا الطلب أو عن المشاركة في دبلوماسية مكوكية، بينما كانت إسرائيل تقوم بحملاتها العسكرية المكثفة لإضعاف حزب الله"

كما يتحدث التقرير عن وحدة الكونجرس خلف موقف الرئيس الأميركي في الأزمة الراهنة، كما يشير إلى أن مشاريع القرارات المختلفة التي طرحت في الكونجرس الأميركي أجمعت على مطالب أربعة وهي "دعم دولة إسرائيل"، و"دعم حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها"، ودعم "حق إسرائيل في إتخاذ الفعل المناسب لردع العدوان" عليها، ومطالبة الرئيس الأميركي بالاستمرار في تقديم "الدعم الكامل لإسرائيل في الوقت الذي تمارس فيه إسرائيل حقها في الدفاع عن نفسها في لبنان وغزة"

ويجب هنا الإشارة إلى أن بعض أعضاء مجلس النواب الأميركي قدموا مشاريع قرارات مغايرة تطالب بوقف فوري لإطلاق النار، كما تطالب الإدارة الأميركية بالمشاركة في مفاوضات متعددة الأطراف بدون قيود مسبقة من أجل إحلال السلام في الشرق الأوسط

وكما ذكرنا من قبل لا يشرح التقرير أسس السياسة الأمريكية تجاه إسرائيل، كما أنه لا يقيمها من حيث تأثيرها على المصالح الإستراتيجية الأمريكية، لكن ذلك لا يعني أن التقرير خال من النقد للسياسة الأميركية والإسرائيلية، إذ يحتوي التقرير على نقد نابع من سعيه لشرح وجهات النظر المختلفة تجاه الصراع الدائر، الأمر الذي يجعل التقرير – إذا تمت قراءته بعناية – مصدرا لعدد من الحجج الهامة الناقدة للسياسة الأميركية الداعمة لإسرائيل

خلاصة الحجج السابقة والتي يمكن قراءتها بين سطور التقرير هي أن الدعم الأميركي لإسرائيل قائم على عدد كبير من المتناقضات والتي من شئنها تقويض إستراتيجية أميركا الرامية لمكافحة الإرهاب وتقويض الدور الأمريكي في إحلال السلام بالشرق الأوسط هذا إضافة إلى تعقيد مواقف أطراف الصراع الدائر بالشرق الأوسط

تناقضات السياسة الإسرائيلية

التناقض الأول ينبع من صعوبة تحقيق الأهداف الإسرائيلية ذاتها والساعية إلى "تدمير قدرة حزب الله على مهاجمة أهداف إسرائيلية"، حيث يرى التقرير أن الهدف السابق لن يتحقق من خلال الهجمات الجوية الإسرائيلية وحدها، كما أن تدمير قدرات حزب الله الهجومية يتطلب مشاركة قوات برية ولو محدودة في عمليات داخل الحدود اللبنانية، أكثر من ذلك يرى التقرير أن نجاح العمليات العسكرية الإسرائيلية لن يحول دون عودة حزب الله بسبب طبيعته التنظيمية وبسبب ما يتمتع به من دعم محلي، ويستعبد التقرير إمكانية أن تقوم إسرائيل بغزو واسع للبنان على غرار غزو عام 1982، وهو غزو لو تحقيق قد لا يقود إلى القضاء الكلي على حزب الله

كما يقول التقرير في مكان أخر أن إسرائيل تأمل في أن يقود هجومها على لبنان إلى دفع مزيد من اللبنانيين إلى الضغط على حزب الله لتغيير ممارساته والاستجابة لمطالب إسرائيل، ولكن التقرير يعود ليشير إلى أن الآمال الإسرائيلية السابقة تخاطر بتقوية الروابط المشتركة بين الفصائل اللبنانية في معارضتهم للتصرفات الإسرائيلية

التناقض الثاني يكمن في أن السياسات الإسرائيلية والمساندة الأميركية لها يفقدان أميركا وإسرائيل معا الدعم الدولي المطلوب لوضع حل دولي مناسب للأزمة، حيث يرى التقرير أن مبادرة حزب الله بالهجوم على إسرائيل أعطت إسرائيل "فرصة لحصد التعاطف والدعم الدولي"، ولكن التقرير يشير إلى أن السياسات الإسرائيلية سرعان ما جلبت نقد المجتمع الدولي بما في ذلك الأمم المتحدة والإتحاد الأوربي وأطراف دولية أخرى عديدة، والتي رأت أن السياسات الإسرائيلية لا تتناسب مع حجم التحدي الذي تعرضت له إسرائيل

كما يشير التقرير في مكان أخر إلى أن "غالبية الحكومات الأوربية تعتقد أن أميركا قريبة أكثر من اللازم من إسرائيل، بشكل يعيق عملية السلام والاستقرار الدولي"، كما يضيف التقرير موضحا أن بعض المراقبين الأوربيين باتوا يؤمنون بأن "أميركا فقدت تأثيرها في المنطقة بسبب حرب العراق ودعمها لإسرائيل والذي عقد قدرة أمريكا" على أن تلعب دور الوساطة لدى الدول العربية

تناقضات السياسة الأميركية

إضافة إلى ما سبق يرى التقرير أن موقف الإدارة الأميركية تجاه عدد من الدول العربية الرئيسية المعنية بالصرع الدائر متناقض ويأتي على رأس الدول لبنان ذاتها، إذ يشير التقرير إلى أن الولايات المتحدة تدعم لبنان سنويا بمعونات اقتصادية تقدير بحوالي 35 مليون دولار سنويا في المتوسط منذ عام 2000، وهي مساعدات تأتي ضمن إستراتيجية الإدارة الأميركية لنشر الديمقراطية، هذا إضافة إلى العلاقات السياسية الإيجابية التي تربط الحكومة اللبنانية بأميركا، وتوجه الشعب اللبناني الإيجابي نحو الغرب خلال الحرب الباردة، والوجود الملحوظ للأقلية اللبنانية الأميركية، في المقابل تدعم أميركا الهجمات الإسرائيلية على لبنان بحجة أنها تخدم سياسة أمريكا الساعية لمكافحة الإرهاب، وهي هجمات من شأنها إضعاف الديمقراطية اللبنانية النامية، مما يضع أهداف الإدارة الأميركية الإستراتيجية في موقع التناقض مع بعضها بعضا

يأتي بعد ذلك السياسة الأميركية تجاه سوريا، حيث يشير التقرير إلى أن أميركا ضغطت على سوريا للخروج من لبنان ولخفض نفوذها داخله، في الوقت الذي تطلب فيه أميركا من سوريا التدخل لممارسة النفوذ على حزب الله لوقف هجماته على إسرائيل، هذا إضافة إلى موقف الإدارة الأميركية الرامي إلى تغيير النظام السوري في الوقت الذي قد تجد فيه أميركا نفسها مضطرة للتعامل مع سوريا لعلاج الأزمة الراهنة كما يشير التقرير في إحدى صفحاته على لسان أحد المحللين

أضف إلى ما سبق تناقض الموقف الأميركي تجاه عملية السلام الإسرائيلية الفلسطينية، حيث يشير التقارير إلى المنحي البطيء الذي اتخذته الإدارة الأميركية تجاه مفاوضات الإسلام الإسرائيلية الفلسطينية على الرغم من تحذير حلفاء أميركا من أن غياب التقدم في مفاوضات السلام قد يؤدي لصعود الجماعات المتشددة، وعلى الرغم من ذلك استمرت الإدارة الأميركية في سياستها الداعمة للموقف الإسرائيلي وفي عدم الضغط لتنفيذ أي من مبادرات السلام التي أطلقتها، حتى أن الإدارة لم تعين مبعوث دائم للسلام بالشرق الأوسط كما فعلت الإدارات السابقة

أما بالنسبة لموقف حكومات الدول العربية وعلى رأسها مصر والسعودية والأردن والتي اتخذت موقفا أوليا حمل حزب الله تبعات الوضع الراهن بسبب مبادرته الهجوم على إسرائيل والتي اعتبرته تلك الحكومات بمثابة مغامرة غير محسوبة، فيرى التقرير أن موقف تلك الحكومات قابل للتغيير في حالة استمرار الهجمات الإسرائيلية لفترة طويلة، وتشدد الموقف الأميركي المساند للسياسات الإسرائيلية، وتحت ضغوط الرأي العام العربي المعارض للهجمات الإسرائيلية، وحرص الحكومات العربية على إيجاد "حل سريع للصراع" يجنب لبنان مزيد من الخسائر البشرية ومزيد من الدمار بالبنية التحتية

هناك أيضا تعارض إضافي داخلي نابع من أن الهجمات الإسرائيلية قد تعد خرقا لقوانين صادرات الأسلحة الأميركي التي تفرض استخدام الأسلحة الأمريكية عن تصديرها لدول أخرى في أغراض دفاعية، وهنا يشير التقرير إلى أن إسرائيل وضعت نفسها في أكثر من مرة في موقف خارق لتلك القوانين، ولكن التقرير أيضا أشار إلى أن الإدارة الأميركية لن تقدم في غالب الأمر على تنفيذ تلك القوانين ضد إسرائيل إرضاء للمطالب المحدودة المنادية بذلك

دور الكونجرس واستشراف المستقبل

بالإضافة إلى موقف الكونجرس الأميركي المساند لإسرائيل، يشرح التقرير لأعضاء الكونجرس بأنهم قد يطالبون في المستقبل بزيادة المساعدات الأمريكية لإسرائيل للمساعدة في تكلفة إعادة أعمار ما دمره القصف الإسرائيلي، كما يشير أيضا إلى أن الكونجرس قد يطالب بفرض عقوبات على حزب الله أو حماس أو سوريا أو إيران في المستقبل المنظور ردا على الأزمة الراهنة

أما بالنسبة للمستقبل فيخشى التقرير من أن يؤدى الصراع الراهن إلى تهديد مصالح أميركا في حالة تطوره في واحد من السيناريوهات الثلاثة التالية

أولا: توسع الحرب لبلدان أخرى بالشرق الأوسط بسبب امتداد الحرب لسوريا أو نشوب صراعات بين الطوائف اللبنانية أو ثورة الفلسطينيين بالضفة الغربية، وهي عوامل قد تزيد فرصة وقوعها كلما طالت مدة الصراع الراهن كما يرى التقرير

ثانيا: تعرض أميركا لهجوم على أراضيها من قبل حزب الله أو جماعات شرق أوسطية أخرى، وهنا يشير التقرير إلى اعتقاد بعض المسئولين الأمنيين الأميركيين بأن حزب الله لا يهدف لمهاجمة أميركا، ولكن التقرير يدعو في نفس الوقت للحذر وإلى تنبه سلطات تنفيذ القانون الأميركية في الفترة الراهنة

ثالثا: يخشى التقرير من أن تقود الأزمة الراهنة لارتفاع أسعار النفط بسبب نشوب صراعات تؤثر على تدفق أمن الخليج وهو مصدر 22% من الاستهلاك العالمي اليومي للنفط، أو إقدام دولة أو أكثر على إعلان حظر جزئي أو كلي على صادراتها النفطية مما قد يؤثر على أسعار النفط بالارتفاع في هذه الفترة الصعبة

------

مقالات ذات صلة

U.S. Support of Israel Harms Mideast

لوبي إسرائيل وسياسة أمريكا الخارجية

الرأي العام الأمريكي والسياسة الخارجية: قراءة في استطلاعات حديثة


أزمات بوش ومستقبل علمية السلام

صناعة اللوبي الأمريكية: حقائق وأرقام

Monday, July 24, 2006

U.S. Support of Israel Harms Mideast

Alaa Bayoumi, East Valley Tribune, AZ, July 23, 2006.

In his book “Failed States,” Noam Chomsky writes that, “Pursuit of total security by one state . . . entails the insecurity of others, who are likely to react.” Chomsky was talking about the foreign policy of the Bush administration, but the same analysis fits Israel today.


The Bush administration, under the influence of the neocons, and Israel, under Ehud Olmert’s right-wing Kadima Party, are pursuing a strategy of total security that is destabilizing the whole Middle East, if not the whole world, and spreading insecurity among other nations.

After 9/11, the Bush administration adopted a strategy of “preemptive” and “unilateral” action that sought to change regimes around the world and to reshape entire regions, particularly the Middle East, in order to win a vaguely defined “global war on terror.”

Five years later, al-Qaida’s top leaders are still free. Afghanistan’s transformation from turmoil to normalcy is more uncertain than any other time. Iraq is on the edge of civil war and has become a main training ground for terror. World public opinion’s opposition to our policies is unprecedented. And, competition and disagreement among world powers are souring over the access to oil resources and markets, pushing prices to alltime high.

An article by Philip Gordon, a senior fellow at the Brookings Institution, published in the July issue of Foreign Affairs has declared “the end of the Bush revolution.”

Unfortunately, the uncertain end of the Bush revolution did not come free of charge. The administration’s aggressive unilateral policies and its vague threatening moral rhetoric have increased the proliferation of the weapons of mass destruction.

The Bush revolution also hurt the Middle East more than any other area. Today, Arab democracy is in retreat. The destinies of Iraq and Somalia are uncertain. Most frightening of all, the Middle East could be on the verge of a region-wide war.

The Bush administration’s one-sided support for Israel’s governments has ended the peace process. We have supported Israel’s unilateral withdrawal from the Gaza Strip, its refusal to negotiate with any Palestinian partner, and its brutal siege on the Palestinian civilian population. Today, our core Arab allies, such as Egypt and Saudi Arabia, are shying away from even talking about the peace process.

More dangerously, the current Israeli government under Ehud Olmert is pursuing a strategy of total security that could lead to an open multinational war in the Middle East.


Israel has launched an all-out war on two peoples in response to the kidnapping of a handful of its own soldiers. Israel itself holds thousands of innocent Palestinian and Lebanese people — men, women and children who have been in Israeli jails for many years.

If our government does not act to stop Israel’s aggressive actions, America will lose the support of the great majority of the Arab people and governments.

What we need now is an immediate cease-fire and an international conference to which all major parties to the conflict and world powers should be invited. This conference should work on establishing a new security system for the Middle East that offers mutual security assurances for all countries, announces the Middle East as a nuclear weapons-free zone, encourages the spread of democracy and human rights in the Arab world, finds a just and peaceful solution of the Arab-Israeli conflict, encourages cooperation in fighting terrorism, and builds clear channels of communication among all countries in the Middle East. If guaranteed by the world major powers, such channels could prevent future conflicts.

--- END ----

Sunday, July 16, 2006

سياسة أميركا لنشر الديمقراطية بالشرق الأوسط: معضلة الإسلاميين
عرض بقلم: علاء بيومي

الناشر: الجزيرة نت، 17 يوليو 2006، حقوق الطبع والنشر محفوظة للناشر


نص العرض

تـنبع أهمية هذا التقرير من رافدين أولها كونه صادرا عن "خدمة أبحاث الكونجرس" وهي هيئة أبحاث غير حزبية تابعة للكونجرس الأميركي أسست في عام 1914 للعمل على إمداد أعضاء الكونجرس بالأبحاث العملية التي يحتاجونها لبناء قرارتهم

أبحاث الهيئة موجهة بالأساس لأعضاء الكونجرس بناء على طلباتهم، لذا يتم تجديدها بإستمرار، كما تتميز بقدراتها العلمية الكبيرة وبموضوعيتها وبعدم ترددها في نقد سياسات الحكومة الأميركية وبسعيها للوصول إلى الحقائق ولتوعية أعضاء الكونجرس بما يجري حولهم وبما يمكنهم القيام به

الرافد الثاني هو موضوع التقرير نفسه والذي يشغل الرأي العام العربي والأميركي، إذ يحاول التقرير أن يشرح لأعضاء الكونجرس حقيقة الإلتزام الأميركي بنشر الديمقراطية في العالم العربي، وتأثر هذا الإلتزام بأحد أهم الظواهر السياسية العربية وهي ظاهرة صعود الحركات الإسلامية وإستفادتها سياسيا من التحولات الديمقراطية التي جرت ببعض الدول العربية مؤخرا، وما إذا كان صعود الحركات الإسلامية في العالم العربي بصفة عامة - وفي فلسطين بصفة خاصة - سوف يثني أميركا عن الالتزام الذي قطعته على نفسها بخصوص نشر الديمقراطية في العالم العربي، وحقيقة موقف الجماعات الإسلامية تجاه السياسة الأميركية كما يراه المسئولون والخبراء في واشنطن، وما يمكن لأعضاء الكونجرس فعله في ضوء ما سبق

كما يحاول التقرير عبر صفحاته تحديد طبيعة ومستقبل موقف أميركا الحالي من الجماعات الإسلامية غير العنيفة في العالم العربي في ضوء الظروف السياسية المستجدة بالمنطقة، ولا يتعرض التقرير لسياسة أمريكا تجاه الجماعات الإسلامية المسلحة

تعريف الجماعات الإسلامية

يحاول التقرير – في بدايته - أن يشرح لأعضاء الكونجرس طبيعة الجماعات الإسلامية العربية، حيث يذكر أنها صعدت في المرحلة التالية لهزيمة النظم القومية في عام 1967 رافعة شعار تطبيق الشريعة الإسلامية في مختلف جوانب حياة المجتمعات العربية بدرجات مختلفة مستفيدة من الخلفية الإسلامية المتدينة والإجتماعية المحافظة للمجتمعات العربية، وبمرور الوقت باتت تلك الجماعات تمثل قوى المعارضة الجماهيرية الرئيسية بعدد كبير من الدول العربية

ويصف التقرير علاقة الجماعات الإسلامية غير العنيفة بالنظم العربية بأنها علاقة "غامضة"، وذلك لأن الدول العربية عادة ما "تعظم من تهديد الإسلاميين لإستقرار الدولة"، ولكنها في نفس الوقت للجماعات الإسلامية بممارسة ما يسميه التقرير "بالمعارضة المحدودة" لتخفيف الضغوط التي تتعرض لها النظم العربية في أوقات الأزمات الإقتصادية والسياسية الداخلية والضغوط الدولية الكبيرة، كما يرى التقرير أن بعض الحكومات العربية تستخدم صعود المعارضة الإسلامية "المحدودة" بهدف "منع جماعات المعارضة العلمانية من تحدي الحزب الحاكم"

علاقة أمريكا بالإسلاميين

يقول التقرير أن علاقة أميركا بالإسلاميين في الشرق الأوسط قامت منذ عام 1979 على أساس معارضة صعودهم لما سيترتب عليه من تحدي لمصالح أميركا وعلى رأسها حماية إسرائيل والنفط والتعاون العسكري مع دول المنطقة، وإنطلاقا من هذا الموقف ركزت أميركا في ضغوطها الإصلاحية على الحكومات العربية على قضايا تحرير الإقتصاد وتحرير التجارة بدلا من قضايا الديمقراطية وحقوق الإنسان، وفي المقابل اكتفت النظم العربية – كما يرى التقرير - بإجراء إصلاحات ديمقراطية "رمزية" بهدف "تشتيت الإنتباه الدولي الموسمي لنقص الحريات السياسية"

ويقول التقرير أن الرؤية السابقة إستمرت مسيطرة على السياسة الأميركية تجاه الديمقراطية العربية حتى أحداث الحادي عشر من سبتمبر حيث بدأ الرئيس الأميركي جورج دبليو بوش في إستخدام مبدأ يرى أن قيام "شرق أوسط ديمقراطي سوف يكون أقل هشاشة أمام قوى التطرف"، وبهذا أصبح نشر الديمقراطية في العالم العربي أحد ركائز الحرب على الإرهاب، حيث رأي بوش أن نشر الديمقراطية وإشراك الشعوب المسلمة والعربية بما في ذلك قوى المعارضة في الحياة السياسية سوف يسحب البساط تدريجيا من تحت أقدام الجماعات العنيفة والراديكالية وسوف يزيد قوى المعارضة العربية واقعية

وجاءت الحرب على العراق لتؤكد الالتزام الأميركي بنشر الديمقراطية في العالم العربي حيث استخدم بوش مبدأ نشر الديمقراطية لتبرير الحرب على العراق موضحا أن الحرب تصب في النهاية في صالح الديمقراطية العربية ومن ثم في صالح الحرب على الإرهاب

ويقول التقرير أن إدارة بوش قطعت على نفسها التزاما يصفه التقرير بأنه "التزام خطابي" بتغيير "الوضع القائم" في الشرق الأوسط، وسعت الإدارة لتطبيق هذا الالتزام من خلال عدة أساليب أساسية، يأتي على رأسها

إعطاء قضية الإصلاح العربي مزيد من الموارد والأهمية

الدبلوماسية الثنائية والاستمرار في مطالبة المسئولين العرب بالإصلاح عند اللقاء معهم

التصريحات الرسمية المطالبة بالديمقراطية العربية والقادمة من كبار قادة الإدارة كخطاب وزيرة الخارجية كونداليزا رايس بالجامعة الأمريكية بالقاهرة في يوليو 2005

إطلاق عدد من البرامج والمبادرات الأمريكية والدولية لدعم برامج نشر الديمقراطية في العالم العربي مثل مبادرة الشراكة الشرق أوسطية والتي تدعم من خلالها الخارجية الأمريكية بعض منظمات المجتمع المدني العربية، ومبادرة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا التابعة لمجموعة دول الثمانية والساعية لدعم الليبرالية السياسية والاقتصادية بالشرق الأوسط

المعضلة وكيفية التعامل معها

يقول التقرير أن التزام الإدارة بنشر الديمقراطية في العالم العربي بدأ يواجه "معضلة" تمثلت في أن إستمرار الضغط من أجل الديمقراطية قد يدعم صعود الجماعات الإسلامية سياسيا، وهي جماعات معارضة في أغلب مواقفها للسياسات الأميركية، كما أن صعودها سوف يؤثر سلبيا على علاقة أميركا بالنظم العربية مما سوف يؤثر على تعاونها في الحرب على الإرهاب، وقد ترتب على هذه المعضلة ظهور "جدل جاري وقوي حول قضية التعامل مع الجماعات الإسلامية (الشرق أوسطية)" في واشنطن وحول ماذا كانت "المخرجات السياسية" لأي عملية "إصلاح سياسي حقيقي" بالشرق الأوسط سوف تكون "مفضلة" لصانع القرار الأميركي

ويقسم التقرير هذا الجدل إلى ثلاثة مواقف رئيسية وهي مواقف قادمة من مراكز الأبحاث الأميركية ومن المسئولين بواشنطن على حد سواء، ويلاحظ هنا أن التقرير تعامل مع الخبراء ومراكز الأبحاث بأهمية لا تقل عن أهمية مواقف مسئولي الإدارة، وقد يعود ذلك إلى غموض موقف الإدارة مما دفع التقرير إلى التركيز على أراء الخبراء الساعية لشرح مواقف المسئولين غير الواضحة، وقد يعود إلى أهمية مواقف الخبراء وإلى أن هؤلاء الخبراء يمثلون عاملا هاما في صياغة الرأي العام والسياسة الأميركية

الموقف الأول يرى أن جميع الإسلاميين "مشكوك فيهم"، وهو موقف خبراء مثل مارتين كرايمر وانيال بايبس كما يسميهم التقرير، والمعروف أن الكاتبين السابقين من أكثر الكتاب المساندين لإسرائيل تشددا، حيث يرى الأول أن "كل الإسلاميين أصوليون معادون للديمقراطية وللغرب بطبيعتهم"، ويرى الثاني أن "تسهيل مشاركة الإسلاميين السياسية" هو نوع من "مساعدة الأعداء"، ويرى أصحاب هذا الاتجاه أن الحل يكمن في تقوية المجتمع المدني والحركات العربية العلمانية

الاتجاه الثاني ينادي بالعمل مع الجماعات السياسية غير العنيفة ويقول التقرير أن هذا الاتجاه يسانده "العديد" من الخبراء والأكاديميين بأميركا، وهو اتجاه يرى أن مشاركة الإسلاميين في الحكم سوف تزيدهم واقعية وسوف تحرم الراديكاليين تدريجيا من الأتباع

التيار الثالث يرفع شعار البراجماتية ويطالب الإدارة الأمريكية بإتباع منهج "التعامل الانتقائي" مع الجماعات الإسلامية غير العنيفة، وعدم الاهتمام بالاتهامات الخاصة بازدواجية المعايير مادامت الانتقائية سوف تخدم مصالح أمريكا بدون الإضرار بعلاقتها مع شركائها الأساسيين بالمنطقة وهم النظم

تحديات الديمقراطية وعلاقة أمريكا بالإسلاميين

بعد ذلك يدرس التقرير ثلاثة حالات وهي المغرب ومصر والأردن كما يحاول أن ينصح الكونجرس بخصوص ما يمكنه القيام به في كل حالة بصفة خاصة وتجاه العالم العربي بصفة عامة، ومن خلال قراءة هذه الحالات والتقرير يمكن القول أن التقرير في مجمله يقود قارئه إلى خلاصتين

الخلاصة الأولى هي أن المساعي الأميركية لنشر الديمقراطية في العالم العربي فقدت الزخم الذي اكتسبته في عهد ولاية بوش الأولى، وهو زخم قد لا يعود في المستقبل المنظور لأسباب مختلفة على رأسها قصر عمر الالتزام الأميركي بنشر الديمقراطية في العالم العربي، وكونه يتناقض مع سياسات أميركية راسخة تعود لعام 1979، ولأن الجدل الراهن حول سياسة نشر الديمقراطية العربية وتأثيرها على صعود الإسلاميين هو جدل ضخم لن يحل بسهولة في وقت تمر فيه الإدارة بتحديات داخلية وخارجية ضخمة

الخلاصة الثانية تتعلق بعلاقة أميركا بالإسلاميين، وهنا يشير التقرير في مغزاه إلى أن هذه العلاقة تمر بتحديات أربعة رئيسية

التحدي الأول هو توقعات الإدارة الأمريكية، فالإدارة تريد جماعات إسلامية وجماعات معارضة عربية لا تعارض سياستها وعلى رأسها تلك الخاصة بفلسطين وبالعراق، وتنظر الإدارة إلى مظاهر معارضة هذه السياسات على أنها رسائل سلبية موجهة ضدها، ومن المعروف أن هذه السياسات تلاقي معارضة قوية داخل أميركا ذاتها وعبر العالم، مما يثير التساؤل حول إمكانية عثور أمريكا على المعارضة العربية التي تنشدها

القضية الثانية تتعلق بموقف الحكومات العربية ذاتها من تعامل الإدارة الأمريكية مع الإسلاميين حيث تعارض الحكومات العربية تقارب الأمريكيين مع الإسلاميين، وهي معارضة تختلف درجاتها باختلاف الدول العربية، فهي أكبر - كما يرى التقرير - في حالة مصر والتي تعارض بقوة اتصال الأمريكيين بالإسلاميين وأقل في حالة المغرب التي سمحت - في بعض الأحيان - لبعض قادة الجماعات الإسلامية المغربية بزيارة أمريكا ضمن برامج ترعاها الخارجية الأمريكية

ويرى التقرير أن قوة معارضة الحكومات العربية لاتصال الأمريكيين بالحركات الإسلامية لا تمنع هذا الاتصال على المستوى غير الرسمي ولكنه تحد منه بشكل كبير على المستوى الرسمي

العامل الثالث يتعلق بموقف الحركات الإسلامية ذاتها، حيث ينظر التقرير إيجابيا لموقف بعض قيادات الحركات الإسلامية بالمغرب والتي اعترفت في تصريحات علنية بالنفوذ الأمريكي وبالحاجة لبناء حوار تعاوني مع المسئولين الأمريكيين حول هذا النفوذ، في حين يعطي التقرير انطباعا بأن بعض الجماعات الإسلامية مازالت تقتصر في علاقتها بالمسئولين الأمريكيين على الاتصالات الفريدة غير الرسمية

العامل الرابع الذي يتواجد عبر التقرير هو القرب من الصراع العربي الإسرائيلي، فالواضح أن قرب أي دولة عربية جغرافيا من الصراع العربي الإسرائيلي ونشاط تلك الدولة في المباحثات الفلسطينية الإسرائيلية يزيد من تعقيد موقف الإدارة الأميركية من الجماعات الإسلامية بتلك الدولة في ظل التزام أمريكا القوي بحماية أمن إسرائيل ونظرا لنشاط اللوبي الموالي لإسرائيل في معارضة علاقة أمريكا بالإسلاميين في العالم العربي كما ظهر في أسماء ومناصب الخبراء الذين عاد إليهم التقرير دون أن يربطهم بلوبي إسرائيل

أما بالنسبة لدور الكونجرس المحتمل فيمكن لأعضاء الكونجرس الضغط على الإدارة لتوضيح سياستها الغامضة تجاه الديمقراطية العربية والإسلاميين، كما يمكنه معارضة المعونات الاقتصادية التي تقدمها أمريكا لبعض الدول العربية ووضع شروط ترتبط المعونات بالإصلاح السياسي، وهي مواقف لن تتبلور في المستقبل المنظور للأسباب التي شرحناها سالفا

------

مقالات ذات صلة

أمريكا على مفترق الطرق: الديمقراطية، القوة، وميراث المحافظين الجدد


لوبي إسرائيل وسياسة أمريكا الخارجية


فشل بناء الأمم الديمقراطية: الإيديولوجيا تقابل التطور

الفرصة: لحظة أمريكا المواتية لتغيير مسار التاريخ

Tuesday, July 11, 2006

الدبلوماسية الأميركية العامة
عرض بقلم: علاء بيومي

الناشر: الجزيرة نت، 6 يونيو 2006، حقوق الطبع والنشر محفوظة للناشر

نص العرض

العرض الحالي يتناول نتائج أحدث تقارير مكتب المحاسبة الأميركي عن جهود الولايات المتحدة لتحسين صورتها في العالم الإسلامي والصادر في أوائل مايو 2006

أهمية التقرير تعود لعدة أسباب يأتي على رأسها أنه صادر عن مكتب المحاسبة الأميركي وهو هيئة أمريكية فيدرالية مستقلة عن الحكومة الأميركية وتعمل بالأساس كأداة في يد الكونجرس الأميركي لتقييم برامج السلطة التنفيذية لتحديد ماذا كانت تلك البرامج تصب في الأهداف التي صممت من أجل تحقيقها وما إذا كانت برامج ناجحة أو غير ذلك

صدور التقرير عن هيئة فيدرالية يعطيه مسحة مصداقية وموضوعية في ظل ما يحتويه من تقييم ونقد لجهود الخارجية الأميركية في مجال الدبلوماسية العامة، خاصة وأن القائمين على إعداد التقرير أكدوا خلاله أنهم سمحوا لمسئولي الخارجية بالإطلاع على تقريرهم والتعليق عليه خلال فترة إعداده

كما يقدم التقرير وصفا علميا دقيقا لحملات الخارجية الأميركية لتحسين صورة الولايات المتحدة في العالم الإسلامي مستفيدا من الأفكار التي يقدمها حقل العلاقات العامة في هذا المجال ومن جهود القطاع الأميركي الخاص في مجال الدعاية والإعلان والعلاقات العامة

لذا يشعر التقرير قارئه بالجهود المختلفة التي يبذلها المسئولون الأميركيون لتحسين صورة بلدهم في العالم الإسلامي، وبسعي هؤلاء المسئولين لبناء جهودهم على أسس علمية وعملية صحيحة، وبرغبة الكونجرس في التأكد من أن الدبلوماسية الأميركية العامة تسير في الطريق الصحيح، وبالتحديات الضخمة التي تواجه الحملة الأميركية

هدف التقرير ومنهجه

من المعروف أن وزارة الخارجية الأمريكية ليست الجهة الوحيدة المسئولة عن تحسين صورة أمريكا في العالم، فبرامج الدبلوماسية العامة وتحسين الصورة موجودة في وزارات وهيئات أمريكية أخرى من بينها وزارة الدفاع، ومجلس أمناء الإذاعات وعنه تصدر محطة سوا وتلفزيون الحرة الأميركيين، والوكالة الأميركية للتنمية الدولية

ويقول التقرير أن الخارجية الأميركية ومجلس أمناء الإذاعات يحوزان معا على الجانب الأكبر من ميزانية أميركيا لتحسين صورتها عبر العالم، إذ يحوزان معا على 1.2 بليون دولار أميركي تحصل منها الخارجية الأميركية على 597 مليون دولار وفقا لميزانية عام 2005، وقد ذهبت 356 مليون دولار من ميزانية الخارجية الأمريكية لبرامج التبادل الثقافي والتي تشمل استقدام زوار وأكاديميين أجانب لأميركا وتعليم الإنجليزية لغير الأميركيين

وهنا يتضح أن هدف التقرير هو تقييم برامج الخارجية الأمريكية في مجال الدبلوماسية العامة الموجهة تجاه العالم الإسلامي، وأن التقرير لا يهدف إلى تقييم السياسة الخارجية الأميركية بشكل عام أو تقييم أثر السياسة الخارجية الأميركية على صورة أميركا، كما أن التقرير لا يهدف إلى تقييم برامج الدبلوماسية العامة التي تقوم بها وزارات أو هيئات أمريكية أخرى غير الخارجية الأمريكية

فالتقرير ينظر بالأساس لحملة العلاقات العامة التي تديرها الخارجية الأمريكية من خلال برامج الدبلوماسية العامة لتحسين صورة الولايات المتحدة في دول العالم الإسلامي ويحاول تقييم هذه الحملة من منظور الحملات التي تديرها الهيئات والشركات الأميركية الخاصة لتحسين صورتها في الأسواق الأميركية والدولية

ولتحقيق هذا الهدف قام المسئولون على إعداد التقرير بإجراء مقابلات مفصلة مع مسئولي الخارجية الأميركية بواشنطن، كما عقدوا حلقات نقاش وإعداد شارك فيها خبراء مسلمون وأمريكيون في مجال الدبلوماسية العامة وتحسين الصورة، كما سافر معدو التقرير إلى ثلاث دول إسلامية هي مصر وباكستان ونيجيريا وقابلوا مسئولي الدبلوماسية العامة بالسفارات الأمريكية هناك للإطلاع عن قرب عما يدور على أرض الواقع

اهتمام أمريكي وتحديات

يؤكد التقرير في أجزاء متفرقة منه على اهتمام كبار مسئولي الخارجية الأمريكية وعلى رأسهم وزيرة الخارجية كونداليزا رايس ومساعدتها لشئون الدبلوماسية العامة كارين هيوز ببرامج الدبلوماسية العامة وبجهود أمريكا لتحسين صورتها في العالم الإسلامي

حيث قامت رايس بإعادة توزيع الدبلوماسيين الأمريكيين حول العالم بهدف زيادة عددهم بالعالم الإسلامي، أما كارين هيوز – وهي مستشارة سابقة للرئيس الأميركي – فجاء تعيينها كمسئولة عن برامج الدبلوماسية العامة كعلامة على حرص الإدارة على هذه البرامج، وقد أعطت هيوز لبرامج الدبلوماسية العامة مسحة من الاهتمام والحرص على النجاح، كما زاد الإنفاق على برامج الدبلوماسية العامة الأميركية بنسبة 21% بين عامي 2004 و2006، وذهبت النسبة الأكبر هذه الزيادة للبرامج الموجه للعالم الإسلامي

على الجانب الأخر يوضح التقرير أن جهود أميركا لتحسين صورتها في العالم الإسلامي تلقى تحديات كبيرة لنوعين من الأسباب، النوع الأول خارج عن إرادة القائمين على برامج الدبلوماسية العامة الأميركية مثل أن خططتهم ومبادراتهم تحتاج لفترة طويلة من التطبيق قبل أن تأتي ثمارها، كما أنهم يدفعون ثمن برامج ورؤى دبلوماسية وضعت في الماضي، ففي أواخر التسعينات قامت الحكومة الأميركية بتقليل أهمية ودور برامج الدبلوماسية العامة وذلك بدمج الهيئة الأميركية للمعلومات بالخارجية الأميركية، وكانت الهيئة ذات خبرة واسعة في مجال الدبلوماسية العامة خلال الحرب الباردة وكان لديها خطط ورؤى مفصلة ولكن الإدارات الأميركية السابقة رأت أن انتصار أمريكا في الحرب الباردة قلل من الحاجة لجهود الهيئة فتم دمجها في وزارة الخارجية وتم التقليل من أهميتها وإضعاف تراثها

هذا إضافة إلى عدم تمكن الدبلوماسيين الأميركيين من لغات العالم الإسلامي حيث يشير التقرير إلى أن 30 % من مناصب الدبلوماسية العامة بالعالم الإسلامي يشغلها موظفون لا يمتلكون القدرات اللغوية المناسبة، كما أن طول مدة بعثات الدبلوماسيين الأميركيين بالعالم الإسلامي تقل في المتوسط عن طولها بدول العالم الأخرى مما يقل من قدرة الدبلوماسي الأميركي على فهم ثقافة البلد المسلم الذي يعمل به وفهم كيفية التواصل مع شعب هذا البلد

عناصر حملة تحسين الصورة

الجزء الثاني من التحديات التي تواجه برامج الدبلوماسية العامة الأميركية بمتناول أيدي القائمين على تلك البرامج ولكنهم عجزوا نسبيا عن تحقيقه، وهو جزء يتعلق بخطة تحسين الصورة الأمريكية في العالم الإسلامي وعناصرها وأسلوب تطبيقها

وهنا يشير التقرير إلى أن أي خطة علاقات عامة ودعاية ناجحة لابد وأن تتكون من عناصر خمسة رئيسية وهي تحديد هدف الإستراتيجية ورسالتها والرسائل الإعلامية التي تريد إيصالها للجمهور المستهدف، وتحديد الجمهور المستهدف بقطاعاته وفئاته المختلفة، وتطوير استراتيجية مفصلة تحدد سبل الوصول إلى الجمهور المستهدف وإقناعه برسالة الحملة، وتطوير خطط مفصلة تضم أهداف الإستراتيجية وجمهورها ورسائلها وتطبيق هذه الخطة بشكل محدد على كل بلد مستهدف، ووجود أليه لمراقبة تطبيق الخطة وتقييمها وتطويرها في المستقبل بناءا على هذا التقييم

وبناء على العناصر السابقة يبدأ التقرير في نقد جهود الدبلوماسية العامة الأميركية القائمة بشكل مفصل، فعلى مستوى هدف الإستراتيجية ورسالتها يقول التقرير أن مسئولي الدبلوماسية العامة بالبعثات الأميركية بالعالم الإسلامي لم تصلهم من واشنطن إستراتيجيات ذات أهداف محددة واضحة، فعادة ما يطلب منهم الحرص على تحسين صورة أميركا والتواصل مع أبناء الشعوب المسلمة بشكل عام دون توضح المقصود بذلك

فيما يتعلق بالجمهور المستهدف ينصح التقرير بالتركيز في جهود الدبلوماسية العامة على الوصول إلى صناع الرأي العام بالعالم الإسلامي نظرا لضعف الموارد وعدم القدرة على القيام بحملات منظمة تهدف إلى الوصول إلى قطاعات واسعة من الشعوب المسلمة، ويشتكي التقرير من أن البعثات الدبلوماسية الأميركية ليس لديها دراسات كافية تساعدهم على تحديد صناع الرأي العام وفئاتهم المختلفة بالبلدان المسلمة

وفيما يتعلق بالخطط المفصلة يقول التقرير أن مسئولي برامج الدبلوماسية العامة بالسفارات الأميركية بالعالم الإسلامي لا يمتلكون خطط علاقات عامة ودعاية وإعلام مفصلة توضح لهم كيفية التعامل مع صناع الرأي العام بالدول الإسلامية لتحسين مواقفهم تجاه الولايات المتحدة، وإنهم عندما سئلوا الدبلوماسيين العاملين بالسفارة الأميركية بنيجيريا عن تواجد مثل هذه الخطط أعطوهم ما ليدهم وهي خطة مكونة من صفحتين تشرح هدف الحملة وأساليبها وميزانيتها

كما يفتقر الدبلوماسيون الأميركيون على أرض الواقع للبحث العلمي المفصل الذي يساعدهم على فهم الرأي العام بالعالم الإسلامي وأسباب عداءه للولايات المتحدة والعوامل المؤثرة على نظرتهم لأمريكا.

خاتمة

الاختلاف أو الاتفاق مع أهداف برامج الدبلوماسية الأميركية العامة وأساليبها وقناعات القائمين عليها لا يجب أن يمنع القارئ من تقدير ما يتم على هذا الصعيد وحرص بعض الجهات الأميركية على إنجاح تلك البرامج من خلال جهود عملية وعلمية منظمة

ونهاية النهاية قد يجد القارئ نفسه مضطرا لسؤال نفسه سؤلا هاما وهو لماذا لا يستفيد المسئولون والمعنيون بالعالم الإسلامي من التقرير في تنظيم حملة مقابلة لتحسين صورة الإسلام والمسلمين في أميركا؟ وهل يمكن للعالم الإسلامي إنتاج تقرير مشابه يقيم جهود تحسين صورة الإسلام والمسلمين بالولايات المتحدة

للإطلاع على النص الكامل للعرض، يرجى زيارة

http://www.aljazeera.net/NR/exeres/FCAB1DB9-2F99-4EA1-AAB4-04D85A27E854.htm

-----

مقالات ذات صلة

تحديات داخلية أمام جهود أمريكا لتحسين صورتها


Friday, July 07, 2006

الخطاب المسلم الأمريكي السائد
بقلم: علاء بيومي

الناشر:
جريدة الحياة، 8 يوليو 2006، حقوق الطبع والنشر محفوظة للنشر

نص المقال

الوقوف على الخصائص المميزة للخطاب السائد في أوساط المسلمين الأمريكيين مهمة صعبة لأسباب مختلفة على رأسها تنوع المسلمين الأمريكيين وانتشارهم عبر الولايات المتحدة والتي هي بلد أشبه بقارة منه بدولة، والندرة النسبية للدراسات الخاصة بمسلمي أمريكا، وهي ندرة ترتبط بحداثة عهد المسلمين الأمريكيين كجماعة متميزة وذات وجود واضح في الدوائر العامة الأمريكية، وهو وجود بدأ في التبلور تدريجيا منذ ستينيات القرن العشرين

هذا إضافة إلى صعوبة مهمة تحديد الخطاب السائد لدى جماعة ما لكونها مهمة نظرية تستدعي الإلمام العميق بثقافة تلك الجماعات وظروفها وبتنوعات فئات الخطاب السائد في أوساطها وفي أوساط الجماعات الفرعية المكونة لها

في المقابل هناك جسد متنامي من الدراسات التي تتناول المسلمين الأمريكيين حاليا والذين بلغ عددهم قرابة سبعة مليون نسمة وباتوا يمثلون محل اهتمام إعلامي وسياسي وشعبي أمريكي متزايد على مدى العقدين الأخيرين بشكل عام ومنذ أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001 على وجه الخصوص

تأتي هذه الدراسات من قبل مراكز الدراسات الإسلامية والعربية بالجامعات الأمريكية، ومن قبل الأعداد المتزايدة من الأكاديميين والكتاب المسلمين المقيمين في الولايات المتحدة، ومن قبل مراكز الأبحاث الأمريكية الخاصة والحكومية والتي باتت معنية بشكل متزايد بالوجود المسلم الأمريكي منذ 11/9 انطلاقا من أجندات فكرية وسياسية متنوعة ومتعارضة

ويستوقفنا هنا دراسة مختصرة وإن كانت متميزة صدرت مؤخرا عن معهد الولايات المتحدة للسلام تحت عنوان "تنوع المسلمين في الولايات المتحدة"، وهي من إعداد قمر الهدى وهو جامعي مسلم عمل في السابق كأستاذ للدراسات الإسلامية بكلية بوسطن الأمريكية ويعمل حاليا كباحث في برنامج الدين وصناعة السلام بمعهد الولايات المتحدة للسلام

أهمية الدراسة – وهي محور هذا المقال – تنبع من ثلاثة أسباب أولها صدورها عن معهد الولايات المتحدة للسلام وهو مؤسسة حكومية مستقلة غير حزبية أنشئها ويمولها الكونجرس الأمريكي بهدف العمل على نشر ثقافة حل الصراعات بالطرق السلمية

صدور الدراسة عن هذه الهيئة الرسمية يعطيها أهمية بحكم أنه يسمح لها بدرجة متميزة من الانتشار والمصداقية وبحكم أنها تأتي ضمن جهود المعهد للبحث عن طرق إيجابية لدمج الإسلام والمسلمين في أمريكا ضمن مساعيه لنشر ثقافة السلام واللاعنف في محيط العلاقات الإسلامية الأمريكية، وقد تبلورت هذه الجهود في مبادرة خاصة يرعاها المعهد تحت عنوان "مبادرة العالم الإسلامي" تركز على البحث عن مثل تلك الطرق الإيجابية

السبب الثاني هو كون المؤلف أكاديميا مسلما مما يبشر بوجود جيل متنامي من الأكاديميين المسلمين المتواجدين بالجامعات ومراكز الأبحاث الأمريكية والمعنيين بدراسة قضايا الإسلام والمسلمين في أمريكا وتقديمها بالشكل والأسلوب المناسبين لصناع القرار والرأي العام بالولايات المتحدة

السبب الثالث وهو الذي دفعنا لكتابة هذا المقال هو أن الدراسة كررت - عن قصد أو دون قصد - ما يعد – من وجهة نظرنا - بمثابة عناصر متكررة أو خصائص مميزة للخطاب المسلم في أمريكا أو للخطاب المسلم الأمريكي

فالدراسة حاولت تغطية أكبر عدد من الأفكار والمعلومات عن مسلمي أمريكا في مساحة صغيرة (19 صفحة من القطع الكبير)، لذا بدأ المؤلف بملخص عام يتحدث عن تعداد مسلمي أمريكا وتنامي رغبتهم في المشاركة في الحياة العامة الأمريكية والاندماج الإيجابي بالمجتمع الأمريكي، ثم تحدث عن تبعات أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001 على مسلمي أمريكا وعلى الجدل الدائر في أوساطهم حول هويتهم الأمريكية، ثم خصص الجزء الأكبر من دراسته للتعريف بمؤسسات مسلمي أمريكا الرئيسية ودور كل منها ومنهجها في تشجيع اندماج المسلمين الإيجابي بالمجتمع الأمريكي

ويقسم قمر الهدى المنظمات المسلمة الأمريكية الكبرى إلى فئات مختلفة وفقا لطبيعة نشاطها، فهناك منظمات معنية بشكل أساسي بالحفاظ على الهوية الدينية والثقافية لمسلمي أمريكا، وفئة ثانية تضم المنظمات المعنية بالحياة العامة والسياسية، وفئات أخرى تضم منظمات نسوية ومهنية أو غيرها من الفئات التي تعبر عن اهتمامات سبعة مليون مسلم أمريكي

وفي خاتمة الدراسة يؤكد المؤلف على حقيقتين أساسيتين أولهما إجماع المنظمات المسلمة الأمريكية الكبرى على إدانة الإرهاب والتطرف وعلى ضرورة السعي لمكافحتهما، وثانيهما سعي تلك المنظمات لتشجيع مشاركة المسلمين الأمريكيين في الحياة العامة الأمريكية على مختلفة المستويات – سواء كانت دينية أو ثقافية أو مهنية أو سياسية – كخير ضمانة لبناء قنوات إيجابية يعبر من خلالها مسلمو أمريكا عن احتياجاتهم ومخاوفهم ومطالبهم ويحققون الاندماج الإيجابي - الذي ينشدونه - في المجتمع الأمريكي

وبدون الإسهاب في تفاصيل الدراسة، رأينا أن نقدم – في بقية هذا المقال - قراءة في أسلوب الدراسة في التعامل مع المسلمين الأمريكيين والذي نعتقد – كما ذكرنا من قبل – أنه يلخص عدد من أهم خصائص الخطاب المسلم الأمريكي والتي نلخصها هنا في ثلاثة خصائص أساسية

الخاصية الأولي هي أن الخطاب المسلم الأمريكي هو خطاب مؤسسات بالأساس، وهذا لا يهمل دور عدد متنامي من الأكاديميين والمفكرين والنشطاء المسلمين، ولكنه يبرز الدور المحوري للمنظمات المسلمة الأمريكية الكبرى، وهي محورية تعود لعدة أسباب مميزة للخبرة المسلمة الأمريكية

على رأس هذه الأسباب طبيعة المجتمع الأمريكي ذاته كمجتمع عملاق يتمتع بحرية سياسية كبيرة وبقوانين تحد من تدخل الدولة في حياة المجتمع وخاصة في حياة الأقليات الدينية، وقد أدى الحد من دور الدولة إلى تقوية المجتمع بسبب الحرية وبسبب حرمان المجتمع النسبي – ضمن النظام الرأسمالي – وحرمان المنظمات الدينية شبة الكامل – ضمن النظام العلماني - من المساعدات الحكومية، لذا اضطرت المؤسسات الدينية - وهي عصب الأقلية المسلمة الأمريكية - إلى الاعتماد على الذات في توفير مواردها، وذلك عن طريق القرب من الجماهير والسعي لتلبية طلباتها وحصد مساندتها ودعمها

هذه الخاصية الهامة فرضت على المنظمات المسلمة الأمريكية عدم النخبوية ودفعتها إلى القرب بأكبر قدر ممكن من الجماهير والتعبير عنها بمصداقية عنها، كما أنها أشعرت الجماهير المسلمة الأمريكية بأن منظماتهم تمثلهم وتعبر عن حاجاتهم وطموحاتهم

أما عملقة المجتمع الأمريكي فقد دفعت مختلف الجماعات الأمريكي سواء دينية أو علمانية أو إثنية أو غير ذلك لمحاولة تعظيم مصالحها من خلال تنظيم أنفسها في شبكة معقدة ومتشابكة من المؤسسات

لذا سعى المسلمون الأمريكيون منذ بداية مرحلة استيطانهم بأمريكا في ستينات القرن العشرين في بناء أكبر عدد من المؤسسات الدينية والثقافية التي تمثلهم، والتي قد يصل عددها الآن إلى أكثر من 2500 مؤسسة غالبيتها مؤسسات دينية وتعليمية وثقافية إضافة إلى أقلية من المنظمات السياسية والمعنية بالحياة العامة الأمريكية

وبمرور الوقت نمى على السطح شبكة صغيرة من المنظمات المسلمة الأمريكية المعنية بالشئون العامة التي باتت تسعى لتمثيل الصوت المسلم الأمريكي خاصة على الصعيد السياسي والإعلامي عبر الولايات المتحدة، وأصبحت هذه المنظمات وأنشطتها وخطابها بابا هاما لفهم الخطاب المسلم الأمريكي والوقوف عليه

كما ساعد نمو المنظمات السياسية بدوره على زيارة رغبة المسلمين الأمريكيين في بناء مزيد منها، لأن احتكاك المسلمين بالحياة السياسية والعامة الأمريكية كشف لهم مدي حاجتهم لمنظمات قوية تمثلهم في المجتمع الأمريكي المليء بجماعات المصالح واللوبيات العملاقة

الخاصية الثانية وهي وجود إجماع شبه كامل في أوساط المسلمين الأمريكيين على ضرورة المشاركة في الحياة السياسية والعامة بالولايات المتحدة والاندماج بالمجتمع الأمريكي، هذا الإجماع تحقق لأسباب مختلفة من بينها دور المنظمات المسلمة الأمريكية وقدرتها على فتح قنوات تواصل مع مؤسسات الدول والمجتمع الأمريكي الرئيسية

فتح هذه القنوات أعطى الجماهير المسلمة الأمريكية شعورا تدريجيا بالأمل وبوجود فرصة للتأثير من خلال أدوات العمل العام المتاحة، وهي قناعة تمثل خطوة محورية على طريق الشعور بالاندماج، لذا تشير أحدث الاستطلاعات الخاصة بتوجهات المسلمين الأمريكيين نحو المشاركة في الحياة العامة الأمريكية – ومن بينها استطلاع أجراه مشروع المسلمين في الساحات العامة الأمريكية التابع لجامعة جورج تاون – إلى أن معدلات الرغبة في المشاركة في مسلمي أمريكا تفوق حاجز التسعين في المائة، وهي بدون شك نسبة مرتفعة تبرهن على وجود الإجماع الذي تحدثنا عنه سابقا

سبب أخر يتعلق بطبيعة مسلمي أمريكا كأقلية تضم نخبة من أصحاب الخبرات القادمين من العالم الإسلامي بحكم قوانين الهجرة الأمريكية التي شجعت هجرة آلاف الطلاب والخبراء المسلمين سنويا لسد حاجات سوق العمل الأمريكي للخبراء المتخصصين، وبمرور الوقت استوطن آلاف المهاجرين المسلمين أمريكا وباتت وطننا لهم، وباتوا بخلفياتهم التعليمية والمهنية العالية أقلية متميزة راغبة في الانفتاح على المجتمع الأمريكي بحكم انفتاح المسلمين الأمريكيين اليومي كأفراد على أرقى مؤسسات المجتمع الأمريكي التعليمية والاقتصادية، ويمكن هنا الإشارة إلى أن متوسط المستوي التعليمي بين المسلمين الأمريكيين يفوق متوسط المستوى التعليمي العام داخل المجتمع الأمريكي

كما يلاحظ هنا أن أحداث الحادي عشر من سبتمبر وتبعاتها القاسية لم تضعف هذا الإجماع، بل يمكن القول أنها قوته، ولكنها مع الأسف قوت – في الوقت ذاته - من نفوذ أقليات أمريكية متحيزة ضد مشاركة المسلمين والعرب النشطة في الحياة السياسية والعامة الأمريكية، ويجب هنا الإشارة إلى أن جهود هذه الجماعات السلبية لن تضر بعجلة اندماج المسلمين الأمريكيين وحدهم فضررها الأكبر سوف يعود على المجتمع الأمريكي ذاته والذي سيخسر تدريجيا إسهامات العديد من المستوطنين المسلمين الأمريكيين وغيرهم من الأقليات الأمريكية التي تعاني من موجات العداء للهجرة والمهاجرين المتزايدة بأمريكا خلال الفترة الراهنة

الخاصية الثالثة والأخيرة ترتبط بالتعددية داخل المجتمع المسلم الأمريكي ذاته، حيث يلاحظ أن التنوع العرقي والإثني واللغوي والمذهبي يمثل أحد أهم خصائص المسلمين الأمريكيين، وهو تنوع يتطلب خطابا يعكسه ويضع حلولا له، ويمكن القول أن المنظمات المسلمة الأمريكية الكبرى باتت حريصة على أن تتبنى هذا التنوع كخطاب وكسياسية داخل بنيتها الداخلية وممثليها، كما باتت القدرة على التعامل مع التنوع تمثل شرطا ضروريا لنجاح المنظمات المسلمة الأمريكية

ويقول البعض أن سعة القارة الأمريكية ساعدت الأمريكيين تاريخيا على التعامل مع التعددية والتنوع، فأمريكا بل واسع مترامي الأطراف ومن لا يعجبه العيش في مدينة ما يمكنه أن يرحل إلى أي مدينة أمريكية أخرى والمدن الأمريكية عديدة، وقد لا يمتلك المسلمون الأمريكيون – وخاصة المهاجرون الجدد منهم – مثل هذه الرفاهية، كما أن الضغوط السياسية والإعلامية التي يخضعون لها قد تزيد من انقساماتهم الداخلية بحكم أن بعض هذه الضغوط تسعى بشكل واضح لفرض رؤى معينة على المسلمين الأمريكيين وتقوية الجماعات المساندة لتلك الرؤى

لكن الضغوط الخارجية لا يجب أن تمنعنا من إدراك أن التعامل مع التنوع هو واجب مفروض على المسلمين الأمريكيين من الداخل قبل الخارج، وأن أفضل سبل التعامل مع هذا التنوع هو تطوير أفكار مسلمة أمريكية جديدة تشرح للمسلمين كيف يتعاملون مع الأخر داخل المجتمع المسلم الأمريكي وخارجه

وفي الخاتمة يمكن القول أن الخطاب السائد في أوساط مسلمي أمريكا حريص على التعبير عن احترامه للتعددية والتنوع والتسامح والحرية كقيم أساسية للمسلمين الأمريكيين، وهي قيم يجب دعمها بتطوير مزيد من الأفكار وبناء مزيد من المنظمات المعنية بحماية هذه القيم ونشرها في أوساط مسلمي أمريكا بصفة عامة وفي المحيط الأمريكي العام بشكل عام خاصة خلال الفترة الراهنة التي تشتد فيها الحاجة لنشر وإعلاء تلك القيم

-----

مقالات ذات صلة

سبل مكافحة الإسلاموفوبيا في البيئة الأمريكية

الإسلام والأمريكي الأسود: نظرة تجاه الإحياء الثالث

مسلمو أمريكا بعد أربع سنوات على 11/9

المسلمون والتعددية الأمريكية منذ 11 سبتمبر

حاضر الهوية المسلمة الأمريكية