Saturday, July 29, 2006

إسرائيل-حماس-حزب الله: الصراع الراهن
عرض بقلم: علاء بيومي

الناشر: الجزيرة نت، 29 يوليو 2006، حقوق الطبع والنشر محفوظة للناشر

نص العرض

تنبع أهمية هذا التقرير من صدوره عن خدمة أبحاث الكونجرس وهي مركز أبحاث تابع للكونجرس الأميركي يعكف على إمداد أعضاء الكونجرس بتقارير حديثة عن أهم القضايا المثارة لدى صانع القرار الأميركي بما يمكن أعضاء الكونجرس من بناء قراراتهم على أسس علمية رصينة

كما تتميز تقارير المركز بدقة معلوماتها وبحرص الباحثين القائمين علي تأليفها على الموضوعية القائمة على شرح الرأي والرأي الأخر حتى ولو احتوى ذلك على نقد لسياسات الحكومة الأميركية

أضف إلى ذلك كون التقرير صادر حديثا (في الحادي والعشرين من يوليو الحالي) بهدف تزويد أعضاء الكونجرس بأفضل تحليل ممكن للسياسة الأميركية تجاه الأزمة الناجمة على الهجمات الإسرائيلية على لبنان وعلى الأراضي الفلسطينية

منهج التقرير

يجب في البداية الإشارة إلى أن التقرير الراهن لا يهدف إلى تقييم السياسة الخارجية الأميركية تجاه الهجمات الإسرائيلية على لبنان وعلى الأراضي الفلسطينية من حيث مدى ارتباط هذه السياسة بمصالح أميركا الإستراتيجية، كما إنه لا يسعى لشرح أسباب هذه السياسية وتأثيرها على مصالح أميركا على المدى البعيد، في المقابل يسعى التقرير إلى توعية أعضاء الكونجرس بتفاصيل ما يجري حولهم وبدور الأطراف المختلفة في الأزمة الراهنة بما في ذلك الولايات المتحدة، كما يسعى لتحديد دور الكونجرس وللتنبؤ ببعض التحديات التي قد تواجه أميركا ومن ثم صانع القرار الأمريكي بسبب الأزمة الراهنة في المستقبل المنظور

لذا يبدأ التقرير بتقديم خلفية عن أسباب الصراع الدائر، كما يتحدث عن أطرافه وعن مصالح كل طرف، وعن السياسية الأميركية تجاه كل طرف، وعن الجهود الدبلوماسية المبذولة لاحتواء الأزمة، وينتهي التقرير بالحديث عن دور الكونجرس وبمحالة لاستشراف المستقبل

مساندة أميركية رسمية لإسرائيل

يتحدث التقرير عن مساندة الحكومة الأميركية لإسرائيل بأسلوب وصفي لا يسعى لتقييم تلك المساندة بقدر ما يسعى لإثبات وجودها من خلال الحديث عن تصريحات الرئيس الأميركي القائلة بأن سبب الأزمة الراهنة هو حزب الله وأن هجماته على إسرائيل تمت بإيحاء من سوريا وإيران، كما يشير التقرير في بدايته إلى أن "العديدين في المجتمع الدولي طالبوا بوقف فوري لإطلاق النار، في حين امتنع المسئولون الأميركيين عن مساندة هذا الطلب أو عن المشاركة في دبلوماسية مكوكية، بينما كانت إسرائيل تقوم بحملاتها العسكرية المكثفة لإضعاف حزب الله"

كما يتحدث التقرير عن وحدة الكونجرس خلف موقف الرئيس الأميركي في الأزمة الراهنة، كما يشير إلى أن مشاريع القرارات المختلفة التي طرحت في الكونجرس الأميركي أجمعت على مطالب أربعة وهي "دعم دولة إسرائيل"، و"دعم حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها"، ودعم "حق إسرائيل في إتخاذ الفعل المناسب لردع العدوان" عليها، ومطالبة الرئيس الأميركي بالاستمرار في تقديم "الدعم الكامل لإسرائيل في الوقت الذي تمارس فيه إسرائيل حقها في الدفاع عن نفسها في لبنان وغزة"

ويجب هنا الإشارة إلى أن بعض أعضاء مجلس النواب الأميركي قدموا مشاريع قرارات مغايرة تطالب بوقف فوري لإطلاق النار، كما تطالب الإدارة الأميركية بالمشاركة في مفاوضات متعددة الأطراف بدون قيود مسبقة من أجل إحلال السلام في الشرق الأوسط

وكما ذكرنا من قبل لا يشرح التقرير أسس السياسة الأمريكية تجاه إسرائيل، كما أنه لا يقيمها من حيث تأثيرها على المصالح الإستراتيجية الأمريكية، لكن ذلك لا يعني أن التقرير خال من النقد للسياسة الأميركية والإسرائيلية، إذ يحتوي التقرير على نقد نابع من سعيه لشرح وجهات النظر المختلفة تجاه الصراع الدائر، الأمر الذي يجعل التقرير – إذا تمت قراءته بعناية – مصدرا لعدد من الحجج الهامة الناقدة للسياسة الأميركية الداعمة لإسرائيل

خلاصة الحجج السابقة والتي يمكن قراءتها بين سطور التقرير هي أن الدعم الأميركي لإسرائيل قائم على عدد كبير من المتناقضات والتي من شئنها تقويض إستراتيجية أميركا الرامية لمكافحة الإرهاب وتقويض الدور الأمريكي في إحلال السلام بالشرق الأوسط هذا إضافة إلى تعقيد مواقف أطراف الصراع الدائر بالشرق الأوسط

تناقضات السياسة الإسرائيلية

التناقض الأول ينبع من صعوبة تحقيق الأهداف الإسرائيلية ذاتها والساعية إلى "تدمير قدرة حزب الله على مهاجمة أهداف إسرائيلية"، حيث يرى التقرير أن الهدف السابق لن يتحقق من خلال الهجمات الجوية الإسرائيلية وحدها، كما أن تدمير قدرات حزب الله الهجومية يتطلب مشاركة قوات برية ولو محدودة في عمليات داخل الحدود اللبنانية، أكثر من ذلك يرى التقرير أن نجاح العمليات العسكرية الإسرائيلية لن يحول دون عودة حزب الله بسبب طبيعته التنظيمية وبسبب ما يتمتع به من دعم محلي، ويستعبد التقرير إمكانية أن تقوم إسرائيل بغزو واسع للبنان على غرار غزو عام 1982، وهو غزو لو تحقيق قد لا يقود إلى القضاء الكلي على حزب الله

كما يقول التقرير في مكان أخر أن إسرائيل تأمل في أن يقود هجومها على لبنان إلى دفع مزيد من اللبنانيين إلى الضغط على حزب الله لتغيير ممارساته والاستجابة لمطالب إسرائيل، ولكن التقرير يعود ليشير إلى أن الآمال الإسرائيلية السابقة تخاطر بتقوية الروابط المشتركة بين الفصائل اللبنانية في معارضتهم للتصرفات الإسرائيلية

التناقض الثاني يكمن في أن السياسات الإسرائيلية والمساندة الأميركية لها يفقدان أميركا وإسرائيل معا الدعم الدولي المطلوب لوضع حل دولي مناسب للأزمة، حيث يرى التقرير أن مبادرة حزب الله بالهجوم على إسرائيل أعطت إسرائيل "فرصة لحصد التعاطف والدعم الدولي"، ولكن التقرير يشير إلى أن السياسات الإسرائيلية سرعان ما جلبت نقد المجتمع الدولي بما في ذلك الأمم المتحدة والإتحاد الأوربي وأطراف دولية أخرى عديدة، والتي رأت أن السياسات الإسرائيلية لا تتناسب مع حجم التحدي الذي تعرضت له إسرائيل

كما يشير التقرير في مكان أخر إلى أن "غالبية الحكومات الأوربية تعتقد أن أميركا قريبة أكثر من اللازم من إسرائيل، بشكل يعيق عملية السلام والاستقرار الدولي"، كما يضيف التقرير موضحا أن بعض المراقبين الأوربيين باتوا يؤمنون بأن "أميركا فقدت تأثيرها في المنطقة بسبب حرب العراق ودعمها لإسرائيل والذي عقد قدرة أمريكا" على أن تلعب دور الوساطة لدى الدول العربية

تناقضات السياسة الأميركية

إضافة إلى ما سبق يرى التقرير أن موقف الإدارة الأميركية تجاه عدد من الدول العربية الرئيسية المعنية بالصرع الدائر متناقض ويأتي على رأس الدول لبنان ذاتها، إذ يشير التقرير إلى أن الولايات المتحدة تدعم لبنان سنويا بمعونات اقتصادية تقدير بحوالي 35 مليون دولار سنويا في المتوسط منذ عام 2000، وهي مساعدات تأتي ضمن إستراتيجية الإدارة الأميركية لنشر الديمقراطية، هذا إضافة إلى العلاقات السياسية الإيجابية التي تربط الحكومة اللبنانية بأميركا، وتوجه الشعب اللبناني الإيجابي نحو الغرب خلال الحرب الباردة، والوجود الملحوظ للأقلية اللبنانية الأميركية، في المقابل تدعم أميركا الهجمات الإسرائيلية على لبنان بحجة أنها تخدم سياسة أمريكا الساعية لمكافحة الإرهاب، وهي هجمات من شأنها إضعاف الديمقراطية اللبنانية النامية، مما يضع أهداف الإدارة الأميركية الإستراتيجية في موقع التناقض مع بعضها بعضا

يأتي بعد ذلك السياسة الأميركية تجاه سوريا، حيث يشير التقرير إلى أن أميركا ضغطت على سوريا للخروج من لبنان ولخفض نفوذها داخله، في الوقت الذي تطلب فيه أميركا من سوريا التدخل لممارسة النفوذ على حزب الله لوقف هجماته على إسرائيل، هذا إضافة إلى موقف الإدارة الأميركية الرامي إلى تغيير النظام السوري في الوقت الذي قد تجد فيه أميركا نفسها مضطرة للتعامل مع سوريا لعلاج الأزمة الراهنة كما يشير التقرير في إحدى صفحاته على لسان أحد المحللين

أضف إلى ما سبق تناقض الموقف الأميركي تجاه عملية السلام الإسرائيلية الفلسطينية، حيث يشير التقارير إلى المنحي البطيء الذي اتخذته الإدارة الأميركية تجاه مفاوضات الإسلام الإسرائيلية الفلسطينية على الرغم من تحذير حلفاء أميركا من أن غياب التقدم في مفاوضات السلام قد يؤدي لصعود الجماعات المتشددة، وعلى الرغم من ذلك استمرت الإدارة الأميركية في سياستها الداعمة للموقف الإسرائيلي وفي عدم الضغط لتنفيذ أي من مبادرات السلام التي أطلقتها، حتى أن الإدارة لم تعين مبعوث دائم للسلام بالشرق الأوسط كما فعلت الإدارات السابقة

أما بالنسبة لموقف حكومات الدول العربية وعلى رأسها مصر والسعودية والأردن والتي اتخذت موقفا أوليا حمل حزب الله تبعات الوضع الراهن بسبب مبادرته الهجوم على إسرائيل والتي اعتبرته تلك الحكومات بمثابة مغامرة غير محسوبة، فيرى التقرير أن موقف تلك الحكومات قابل للتغيير في حالة استمرار الهجمات الإسرائيلية لفترة طويلة، وتشدد الموقف الأميركي المساند للسياسات الإسرائيلية، وتحت ضغوط الرأي العام العربي المعارض للهجمات الإسرائيلية، وحرص الحكومات العربية على إيجاد "حل سريع للصراع" يجنب لبنان مزيد من الخسائر البشرية ومزيد من الدمار بالبنية التحتية

هناك أيضا تعارض إضافي داخلي نابع من أن الهجمات الإسرائيلية قد تعد خرقا لقوانين صادرات الأسلحة الأميركي التي تفرض استخدام الأسلحة الأمريكية عن تصديرها لدول أخرى في أغراض دفاعية، وهنا يشير التقرير إلى أن إسرائيل وضعت نفسها في أكثر من مرة في موقف خارق لتلك القوانين، ولكن التقرير أيضا أشار إلى أن الإدارة الأميركية لن تقدم في غالب الأمر على تنفيذ تلك القوانين ضد إسرائيل إرضاء للمطالب المحدودة المنادية بذلك

دور الكونجرس واستشراف المستقبل

بالإضافة إلى موقف الكونجرس الأميركي المساند لإسرائيل، يشرح التقرير لأعضاء الكونجرس بأنهم قد يطالبون في المستقبل بزيادة المساعدات الأمريكية لإسرائيل للمساعدة في تكلفة إعادة أعمار ما دمره القصف الإسرائيلي، كما يشير أيضا إلى أن الكونجرس قد يطالب بفرض عقوبات على حزب الله أو حماس أو سوريا أو إيران في المستقبل المنظور ردا على الأزمة الراهنة

أما بالنسبة للمستقبل فيخشى التقرير من أن يؤدى الصراع الراهن إلى تهديد مصالح أميركا في حالة تطوره في واحد من السيناريوهات الثلاثة التالية

أولا: توسع الحرب لبلدان أخرى بالشرق الأوسط بسبب امتداد الحرب لسوريا أو نشوب صراعات بين الطوائف اللبنانية أو ثورة الفلسطينيين بالضفة الغربية، وهي عوامل قد تزيد فرصة وقوعها كلما طالت مدة الصراع الراهن كما يرى التقرير

ثانيا: تعرض أميركا لهجوم على أراضيها من قبل حزب الله أو جماعات شرق أوسطية أخرى، وهنا يشير التقرير إلى اعتقاد بعض المسئولين الأمنيين الأميركيين بأن حزب الله لا يهدف لمهاجمة أميركا، ولكن التقرير يدعو في نفس الوقت للحذر وإلى تنبه سلطات تنفيذ القانون الأميركية في الفترة الراهنة

ثالثا: يخشى التقرير من أن تقود الأزمة الراهنة لارتفاع أسعار النفط بسبب نشوب صراعات تؤثر على تدفق أمن الخليج وهو مصدر 22% من الاستهلاك العالمي اليومي للنفط، أو إقدام دولة أو أكثر على إعلان حظر جزئي أو كلي على صادراتها النفطية مما قد يؤثر على أسعار النفط بالارتفاع في هذه الفترة الصعبة

------

مقالات ذات صلة

U.S. Support of Israel Harms Mideast

لوبي إسرائيل وسياسة أمريكا الخارجية

الرأي العام الأمريكي والسياسة الخارجية: قراءة في استطلاعات حديثة


أزمات بوش ومستقبل علمية السلام

صناعة اللوبي الأمريكية: حقائق وأرقام

No comments: