Wednesday, August 02, 2006

ملامح الجيل الأميركي الحاكم
بقلم: علاء بيومي

الناشر:
الجزيرة نت، 2 أغسطس 2006، حقوق الطبع والنشر محفوظة للناشر

نص المقال

هل يمكن رسم صورة لملامح الجيل الأميركي الحاكم تساعدنا على فهم نظرته لنفسه ولأميركا وللعالم ومن ثم سياساته؟ سؤال صعب يجب الاقتراب منه بحرص حتى لا يقع الكاتب في مغبة التعميم أو تغليب الانطباعات الشخصية على التحليل الموضوعي، لذا رأينا أن نعتمد في هذا المقال منهجا يتتبع أراء عدد من الكتابات الأميركية المعنية بالقضية الهامة على أمل أن تقودنا تدريجيا إلى ملامح الصورة المنشودة

جيل ولد ليحكم العالم

الدراسة الأولى الواجب الإشارة إليها هي كتاب "عقيدة جورج دبليو بوش" للكاتب الأميركي ستيفين مانسفيلد والصادر في عام 2004، وهو كتاب يسعى إلى تحديد معالم شخصية الرئيس الأميركي جورج دبليو بوش نفسه والأحداث الفارقة في حياته، لذا يتحدث مانسفيلد عن جيل بوش وهو الجيل الذي ولد بعد الحرب العالمية الثانية، حيث يرى مانسفيلد أن لحظة ولادة هذا الجيل ميزته إذ جعلته جيلا ولد ليجد بلده تقود العالم، جيلا لم يمر بتحديات موجعة كالكساد الكبير الذي ضرب أميركا والعالم في نهاية العشرينات أو الحروب العالمية التي هزت أوربا والعالم، جيلا مرفها ولد وسط وفرة هائلة من الموارد، ووسط أفكار لا تضع حدودا على طموحاته

لذا يتعجب الكاتب البريطاني أناتول ليفين - مؤلف كتاب "تشريح القومية الأمريكية" الصادر في عام 2005 - من مشاعر الأميركيين الوطنية والتي تتميز بدرجة عالية من الثقة في النفس ورفض مراجعة الذات والمبالغة في الوطنية مقارنة بشعوب الدول الغربية والمتقدمة، وهي ظاهرة أدهشت ليفين البريطاني ودفعته للبحث عن أسبابها، ومن بين الأسباب التي رصدها صغر عمر أميركا وعدم مرورها بحروب أو أزمات كبرى دفعت شعبها لمراجعة نظرته لذاته ولبلده وللعالم

ضعف مراجعة الذات

ويقول البعض أن الستينات مثلت لحظة اضطر فيها الشعب الأميركي لإعادة التفكير في ذاته وفي مؤسساته الكبرى بسبب فيتنام وبسبب انتشار الحركات الليبرالية، وهي فكرة يركز عليها كتاب "النزعة العسكرية الأميركية الجديدة" الصادر في عام 2005 لآندرو باسفيتش - أستاذ العلاقات الدولية الأميركي - والذي يسعى لتتبع أسباب تراجع عقدة فيتنام وتلاشيها تدريجيا من عقل المواطن وصانع القرار الأميركي مما أوصل أميركا تدريجيا لغزو العراق

المثير هنا أن باسيفيتش لا يتهم مجموعة أو مؤسسة أو فئة معينة بالمجتمع الأميركي فهو يرى أن عودة النزعة العسكرية الأميركية هي نتاج لجهود جماعات عديدة بداية من السينما الأميركية التي مجدت الجنود والعنف، ومرورا بقادة الجيش وسياستهم التي ركزت على مفهوم الحروب السريعة النظيفة وحولت الحرب لعمليات جراحية تشاهد عبر شاشات التلفاز، ورؤساء أميركيين ليبراليين مثل بيل كلينتون وجمهوريين مثل رونالد ريجان والذين مجدوا الجيش، وانتهاء بالجماعات الدينية التي جعلت من الجيش مصدرا للوطنية ونموذجا للأخلاق داخل المجتمع الأميركي

كما يشير باسيفيتش إلى دور بعض النخب المسيطرة على تشكيل وصناعة السياسة الخارجية الأميركية في الفترة الحالية وعلى رأسها المحافظون الجدد، حيث يخصص باسيفيتش الفصل الثالث من كتابه للحديث عنهم وعن خصائصهم الفكرية والحركية

إعادة تشكيل العالم

وهنا يظهر مفهوم الجيل من جديد، حيث يرى باسيفيتش أن فهم أفكار وسياسات المحافظين الجدد يتطلب النظر إليهم على أنهم جيلان وليسوا جيلا واحدا، الجيل الأول هو الجيل المؤسس ويضم أشخاص مثل إيرفينج كريستول الملقب بالأب الروحي للمحافظين الجدد ونورمان بودهورتز المحرر السابق لمجلة كومنتاري، وهو جيل تبلور في ستينات القرن العشرين وجاءت أفكاره كرد فعل للظروف التي مر بها العالم في النصف الأول من القرن العشرين، لذا ظل هذا الجيل يؤمن دائما بأن للقوة حدود، أما الجيل الثاني فقد ترعرع في ثمانينات وتسعينات القرن العشرين وهو يضم أولاد الجيل الأول ومن هم في أعمارهم، وهو جيل صعد للسلطة في فترة أصبحت فيها أمريكا القطب الأوحد بالعالم مما جعل هذا الجيل مشغولا بفكرة استخدام القوة الأمريكية لإعادة تشكيل العالم على صورة ترضيه، ونسو تحذير آبائهم من المبالغة في استخدام القوة

الفكرة السابقة ترد بشكل مشابه في كتاب "ثورة المحافظين الجدد" الصادر في العام الماضي للمؤرخ اليهودي الأمريكي موري فريدمان، والذي يشير إلى أن الجيل الأول من المحافظين الجدد نشأ في أحياء نيويورك الفقيرة لآباء مهاجرين يشعرون بالغربة في أمريكا بعد أن هاجروا إليها هاربين من التمييز الذي تعرضوا له في أوربا

لذا أمن أبناء هذا الجيل بأن لأميركا دور في حماية العالم من شرور النازية والشيوعية والأيدلوجيات المتطرفة، ولكنهم ظلوا جيلا محافظا يخشى الإفراط في استخدام القوة كما يخشى المشاريع الكبرى والأهداف البعيدة التي يصعب تحقيقها

أما أبناء الجيل الثاني فقد ولدوا بعد أن أصبح آبائهم جزءا من النخبة السياسية الأميركية المسيطرة، وأصبحوا هم تباعا الأبناء المدللين لتلك النخبة واسعة النفوذ، واقتصرت مهامهم على البحث في سبل استخدام الثروة والقوة والنفوذ التي بناها الجيل الأول

ولعل هذا السبب هو أحد الأسباب الرئيسية التي دفعت أحد أنبغ تلاميذ الجيل الأول من المحافظين الجدد - وهو الكاتب الأمريكي الشهير فرانسيس فوكوياما - إلى الخروج عن الجيل الثاني وإعلان نقده لهم في كتابه الصادر أوائل في العام الحالي بعنوان "أميركا على مفترق طرق" والذي خصص فوكوياما أجزءا كبيرة منه للحديث عن أفكار المحافظين الجدد ومعانيها الحقيقية ولإعلان أسباب نقده لأفكار وسياسات الجيل الراهن من المحافظين الجدد باعتبارها انحرافا عن أفكار آبائهم الأصلية

وعلى رأس الأفكار المنسية فكرة "الهندسة الاجتماعية" والتي رفضها الجيل الأول وتبناها الجيل الثاني، حيث يرى فوكوياما أن الجيل الأول من المحافظين الجدد والذي رفض النظم الشمولية ظل دائما يخشى من تدخل الدولة في مشاريع كبرى لإعادة بناء المجتمعات في الداخل أو الخارج، أما الجيل الثاني فلم يدرك هذه الحقيقة كما ظهر في حرب العراق التي شنها الجيل الثاني معتقدا أنه قادر على إعادة تشكيل العراق – بل والشرق الأوسط – على صورة ترضيه

فئات الجيل الحاكم

يجب هنا الإشارة إلى أن المحافظين الجدد ليسوا الفئة الأمريكية الوحيدة التي تحكم أمريكا حاليا، إذ تتسع النخبة الأمريكية الحاكمة لثلاثة فئات أخرى إضافية على الأقل يحددها كتاب "حكم أمريكا" تاريخ القوة والثروة في بلد ديمقراطي" والصادر في العام الماضي عن مطابع جامعة هارفرد الأميركية لعدة مؤلفين، حيث يرى مايكل ليند الباحث في معهد نيو أمريكان فاوندايشين الأمريكي – في الفصل قبل الأخير من الكتاب - أن النخبة الأمريكية الحاكمة في أمريكا حاليا تتكون من أربعة فئات رئيسية تضم أثرياء الجنوب الأمريكي، وقيادات اليمين الأميركي المتدين، وقيادات الحزب الجمهوري، والمحافظين الجدد

ويقول ليند أن التحالف بين الجماعات الأربعة بدأ في التبلور منذ السبعينات كرد فعل على انتشار الحركات الليبرالية الجماهيرية في المجتمع الأمريكي خاصة في أوساط الشباب خلال الخمسينات والستينات، وهي حركات شنت هجوما واسعا على مختلف فئات المجتمع الأمريكي التقليدية كالدين والأسرة والثقافة الأمريكية الغربية، مما اشعر الجماعات الأمريكية المحافظة بخطر كبير يهددها جعلها تشن ما يسميه الكتاب بالثورة المضادة لاستعادة مقاليد السيطرة داخل المجتمع الأميركي ومؤسساته الحاكمة

حيث عارض أثرياء الجنوب مطالبة الليبرالية بالحقوق والحريات المدنية، ورفض رجال الدين هجوم الليبراليين على الدين، وعارض المحافظون الجدد موقف الليبرالية "المتسامح" تجاه الاشتراكية وهجومهم على القيم والمؤسسات السياسية الأميركية، أما الحزب الجمهوري فكان بمثابة الوعاء السياسي لالتقاء تلك الجماعات لإعادة رسم الخريطة السياسية لأميركا

كما يذكر ليند أن المحافظين الجدد تميزوا بكونهم جزءا من نخب مساندة لإسرائيل صعدت في دوائر صنع السياسة الخارجية الأميركية بشكل ملحوظ خلال النصف الثاني من القرن العشرين مما جعلها تحول نظر أميركا ومصالحها الإستراتيجية إلى أجزاء مختلفة من العالم يأتي على رأسها الشرق الأوسط والعالم الإسلامي، في حين أن النخب الأميركية الأنجلوساكسونية التي سيطرت على السياسة الخارجية الأميركية في الفترات السابقة كانت ترى أن أوربا وأمريكا اللاتينية هي الساحات الرئيسية للسياسة الخارجية الأميركية

الإفراط في استخدام القوة وتآكل الديمقراطية الأميركية

تقودنا الأفكار السابقة إلى طرح سؤال هام حول ما إذا كانت ملامح الجيل الأميركي الحاكم السابق شرحها تنطبق على موقفه من العالم ومن السياسة الخارجية الأمريكية فقط؟ أم أنها تنطبق أيضا على نظرته للسياسة الداخلية الأميركية

وقد نجد الإجابة على السؤال السابق في دراستين هامتين، أولهما كتاب "أمة اليمين: قوة المحافظين في أميركا" الصادر في عام 2004 للصحفيين البريطانيين إدريان ولدريدج وجون مايكلثويت، والذي يعد بمثابة موسوعة متميزة عن أسباب صعود ونمو اليمين الأميركي

المثير هنا هو أن الكتاب يشرح أسباب قوة اليمين وجماعاته المختلفة وكيف أصبح اليمين يتمتع بالسيطرة على الكونجرس بمجلسيه وبالسيطرة على البيت الأبيض وعلى عدد كبير من مراكز الأبحاث الأميركية بواشنطن وعلى عدد متزايد من وسائل الإعلام، حيث يطرح المؤلفان سؤالا هاما حول حدود هذه القوة والعوامل التي قد تقود إلى تقويضها، ويجيبان على السؤال السابق إجابة مفاجئة، حيث يريان أن القوة ذاتها قد تمثل عاملا رئيسيا لتراجع اليمين في أمريكا إذا أفرطت النخبة الحاكمة في تقدير واستخدام قوتها

الكتاب الثاني - هو كتاب "الثورة الديمقراطية وتآكل الديمقراطية الأمريكية" والصادر في العام الماضي لأكاديميين أمريكيين هما جاكوب هاكر وبول بيرسون - يكاد يؤكد أن النخبة الأميركية الحاكمة وقعت في الخطأ السابق في تعاملها مع الداخل قبل الخارج

إذ يركز المؤلفان على الداخل بالأساس ويؤكدان على أن الجيل المسيطر على مؤسسات اليمين الأمريكية والحزب الجمهوري بالغ في استخدام قوته بشكل أضر بالديمقراطية الأميركية ذاتها، حيث بالغ هذا الجيل في الاعتماد على قواعده الجماهيرية المتشددة دينيا وأيدلوجيا، كما بالغ في إسكات الأصوات المعارضة له داخل الحزب الجمهوري ذاته قبل الحزب الديمقراطي، كما بالغ في إضعاف رقابة المؤسسات السياسية الأميركية على سياساته الجديدة كخفض الضرائب لمصلحة الأثرياء، كما بالغ في إهمال المهادنة والتفاوض، بل بالغ أحيانا في إهمال القانون الأمريكي ذاته كما ظهر في فضائح الإدارة وبعض رموز الجمهوريين في الكونجرس والتي تكررت في الشهور الأخيرة

خاتمة

أخيرا بقى لنا أن نوضح أن الرسم الموضوعي لملامح الجيل الأميركي الحاكم يتطلب الإشارة إلى وجود أصوات معارضة داخل الحزب الجمهوري واليمين الأمريكي لسلطة وتصرفات هذا الجيل وهي أصوات في ازدياد خاصة بعد أخطاء الإدارة الأميركية في العراق، كما يجب الإشارة إلى أن المقال الراهن ركز بالأساس على النخب اليمينية الحاكمة ولم يتناول النخب اليسارية والتي تستحق دورها من الاهتمام على الرغم من أنها لا تحكم في الفترة الحالية وإن كانت تمتلك قدرا كبيرا من النفوذ والسيطرة على الرأي العام والسياسة بأمريكا يستحق الاهتمام والدراسة المتعمقة

-----

مقالات ذات صلة

حكم أميركا: تاريخ الثروة والقوة في دولة ديمقراطية

الثورة الجمهورية وتآكل الديمقراطية الأمريكية

ثورة المحافظين الجدد: المثقفون اليهود وتشكيل السياسة العامة

أمة اليمين: قوة المحافظين في أمريكا

النزعة العسكرية الأمريكية الجديدة

تشريح القومية الأمريكية

عقيدة جورج دبليو بوش

No comments: