Tuesday, August 08, 2006

تناول الإعلام الأمريكي لدور لوبي إسرائيل في الأزمة الراهنة


مقال بقلم: علاء بيومي

الناشر:
الجزيرة نت، 8 أغسطس 2006، حقوق الطبع والنشر محفوظة للناشر

نص المقال

منذ اندلاع الهجمات الإسرائيلية على لبنان سعت بعض وسائل الإعلام الأمريكية المختلفة لمحاولة الوقوف على حجم الدور الذي يلعبه اللوبي الموالي لإسرائيل في حشد الدعم الرسمي والشعبي الأمريكي لإسرائيل، وتثير القراءة المتأنية لتناول الإعلام الأمريكي لهذه القضية الهامة بعض الملاحظات الأساسية حول دور اللوبي المذكور في حشد الدعم الأمريكي لإسرائيل خلال الأزمة الراهنة وحول قدرة وسائل الإعلام الأمريكية على كشف حجم ونفوذ لوبي إسرائيل خاصة في أوقات الأزمات

وسائل الإعلام اليهودية كمصدر للمعلومات

الملاحظة الأولى في هذا الصدد تتعلق بقدرة بعض وسائل الإعلام اليهودية الأمريكية على كشف ما يقوم به لوبي إسرائيل أكثر من وسائل الإعلام الأمريكية الليبرالية أو المحايدة، وقد يعود ذلك إلى حجم العلاقات والاتصالات التي تمتلكها وسائل الإعلام اليهودية داخل المنظمات المساندة لإسرائيل نفسها بما يمكنها من الحصول على معلومات مباشرة منها، في حين تفتقر وسائل الإعلام المحايدة لمثل تلك المصادر خاصة ولو كانت تلك الوسائل معروفة بتعاطفها مع الجانب العربي مما سيفقدها بالطبع تعاون مسئولي لوبي إسرائيل

ويحضرنا هنا التقرير الذي أصدرته وكالة "جيوش تلغراف" اليهودية في الثالث عشر من يونيو لصحفي يدعى تشانان تيجاي حول تحركات المنظمات الموالية لإسرائيل بشكل فوري لدعم إسرائيل بعد ساعات قليلة من إقدام حزب الله على خطف الجنود الإسرائيليين، حيث أشار بيان الوكالة إلى أن "سيل من البيانات الصحفية صدر في وقت متزامن تقريبا عن المنظمات اليهودية الأمريكية لدعم إسرائيل" خلال ساعات قليلة من توارد أنباء اختطاف الجنود الإسرائيليين

كما أشار بيان الوكالة إلى حديث دايفيد هاريس المدير التنفيذي للجنة اليهودية الأمريكية – وهي أحد أكبر المنظمات السياسية اليهودية الأمريكية – عن قيام منظمته بالاتصال بعدد من رؤساء الدول السفراء لضمان دعمهم لإسرائيل، كما قامت اللجنة بحث أعضائها على الاتصال بممثليهم في الكونجرس لضمان دعمهم لإسرائيل.

أما عصبة مكافحة التشويه فقد أسرعت لشراء أربع إعلانات بصحفية إنترناشيونال هيرالد تربيون واسعة الانتشار في أوربا لترويج وجهة النظر المساندة لإسرائيل في الأوساط الأوربية، هذا إضافة إلى الإعلانات التي تنوي العصبة نشرها في الصحف الأمريكية

كما تحدث البيان نفسه عن دور أعضاء الكونجرس اليهود وأعضاء الكونجرس المساندين لإسرائيل في إصدار عدد من البيانات الفورية الداعمة لإسرائيل

المثال الثاني هو مقال نشرته مجلة فوروارد اليهودية الأسبوعية في الثامن والعشرين من يوليو لصحفية تدعى جينيفر سيجل يتحدث عن استهداف المنظمات الموالية لإسرائيل للنائبة الأمريكية سينثيا ماكيني (ديمقراطية من ولاية جورجيا) في الانتخابات التشريعية الحالية لإسقاطها بسبب مواقفها الناقد لإسرائيل، حيث أشار المقال إلى سعي لجان العمل السياسية المساندة لإسرائيل للتبرع لخصم ماكيني بما يمكنه من شراء دعاية انتخابية أكبر للفوز على ماكيني، كما تحدث المقال بتفصيل عن مساعي اللوبي المتكررة لإسقاط ماكيني خلال السنوات الأخيرة

وسائل الإعلام المتعاطفة مع الموقف العربي

الملاحظة الثانية تتعلق بوسائل الإعلام الأمريكية ذات المواقف المتعاطفة نسبيا مع الموقف العربي، وهنا يلاحظ أن هذه الوسائل في العادة أقل نفوذا وانتشارا، ولكن بعضها يحاول بكفاءة وانتظام بيان ما يتعرض له الطرف العربي من ظلم على الرغم من الضغوط التي يتعرض لها أي طرف ينتقد إسرائيل بأمريكا

كما يلاحظ أيضا أن تلك الوسائل – كما ذكرنا من قبل – تفتقر أحيانا للمصادر المباشرة داخل لوبي إسرائيل مما يجعلها تجتهد في تحليل ما يتوافر عن اللوبي من أخبار من مصادر ثانوية

ويجب هنا الإشارة إلى سلسلة تحليلات صدرت عن وكالة أنباء إنتر برس سيرفيس الأمريكية، أولها لصحفي أمريكي يدعى جيم لوب والذي نشر في الثامن عشر من يوليو مقالا يتحدث فيه عن دور المحافظين الجدد وبعض قيادات اليمين الأمريكية المتشدد في دعم وجهة النظر المساندة لإسرائيل، حيث تحدث لوب عن ويليام كريستول رئيس تحرير مجلة ذا ويكلي ستاندارد وهي أكثر مجلات المحافظين الجدد شهرة والذي سعى لتصوير هجمات إسرائيل على لبنان على أنها حرب أمريكية، كما دعا في المقال نفسه إلى اتخاذ مواقف أكثر تشددا من إيران وسوريا

كما تحدث لوب عن تصريحات أدلى بها نوت جينجريتش الزعيم السابق للجمهوريين بمجلس النواب الأمريكي حيث وصف الهجمات الإسرائيلية على لبنان بأنها "مراحل أولية" للحرب العالمية الثالثة

حيث رأى لوب أن مقالات كريستول وتصريحات جينجريتش وأشباههم هي "جزء من حملة مقصودة من قبل المحافظين الجدد وبعض اليمينيين الداعمين لهم لتصوير الصراع الراهن على أنه جزء من صراع عالمي يضع إسرائيل كقاعدة متقدمة للحضارة الغربية، في مواجهة التطرف الإسلامي المنظم والموجه من قبل إيران وشريكها الأصغر سوريا"

المقال الثاني – وليس الأخير - الذي نشرته الوكالة حول القضية ذاتها صدر في السادس والعشرين من يوليو لصحفي يدعى بيل لبركويتز والذي سعى لإبراز ما تقوم به بعض المنظمات المسيحية المتدينة في دعم إسرائيل خلال الفترة الحالية، حيث أشار المقال إلى مؤتمر حاشد نظمته منظمة "المسيحيون المتحدون من أجل إسرائيل" في التاسع عشر من يوليو بواشنطن وبحضور السفير الإسرائيلي لدى واشنطن دانيال آيلون ورئيس الحزب الجمهوري كين ماكميلان للتعبير عن مساندة إسرائيل

حيث أشار المقال إلى أن المنظمة المذكورة أسست منذ ستة أشهر برئاسة أحد قادة التيار الإنجليكي بالجنوب الأمريكي يدعى جون هيج، وأن 3400 مدعو حضروا حفل تأسيس المنظمة المذكورة من شتى أنحاء الولايات المتحدة

كما أشار التقرير إلى أن المنظمة السابقة حثت أعضائها على التوجه إلى الكونجرس لمطالبة ممثليهم بمساندة إسرائيل، كما حرصت على ربط أعضائها بشبكة اتصالات عبر البريد الإلكتروني والفاكس والهاتف لتسهيل عمليه التواصل فيما بينهم بخصوص تطورات الوضع الجاري وما تحتاجه إسرائيل من دعم

دور الإعلام الليبرالي والمحايد

النوع الثالث من الكتابات التي حاولت الوقوف على دور لوبي إسرائيل في حشد الدعم الأمريكي للهجمات الإسرائيلية على لبنان جاء من وسائل الإعلام الأمريكية الليبرالية والتي اتخذت مواقف مختلفة سعى بعضها - انطلاقا من أهداف متنوعة - لتسليط الضوء على لوبي إسرائيل

المقال الأول الذي يحضرنا في هذا الصدد صدر عن جريدة نيويورك تايمز الأمريكية في الثامن والعشرين من يوليو لصحفية تدعى لوري جودستين والتي قارنت سريعا بين اللوبي الإسرائيلي وجهود المنظمات المسلمة والعربية للضغط السياسي لموازنة تأثير لوبي إسرائيل

المقال ذكر أن جهود المنظمات المسلمة والعربية الأمريكية كانت أكثر تنظيما من أي وقت مضى إلا أنها لم تتمكن حتى الآن من ترك تأثير على السياسة الخارجية الأمريكية، في حين أن لوبي إسرائيل يكاد يكون مسيطرا على صناع القرار الذين رفضوا اللقاء بمسئولي المنظمات المسلمة والعربية الأمريكية خلال الأزمة الراهنة خوفا من إغضاب لوبي إسرائيل

كما أشار المقال إلى إجماع قادة الحزبين الأمريكيين الرئيسيين حول مساندة إسرائيل، وإلى ضعف صوت المنظمات اليهودية الليبرالية المعارضة لموقف اللوبي المتشدد في مساندته لإسرائيل، كما أشار المقال إلى إمكانيات لوبي إسرائيل المادية الضخمة والذي نجح في جمع تبرعات تقدر بعشرات الملايين من الدولارات الأمريكية لدعم إسرائيل في حين يخشى المسلمون والعرب التبرع لمنظماتهم الخيرية لإغاثة الشعبين اللبناني والفلسطيني خلال أزمتيهما الراهنة بعض التضييق الأمني الذي تعرضت له المنظمات الخيرية المسلمة والعربية الأمريكية والمتبرعين لها خلال السنوات الأخيرة

ولكن المقال عاد وأكد في نهايته على تصريحات أحد المتحدثين باسم مسلمي أمريكا والذي عبر عن اعتقاده بأن أيام المساندة المطلقة من قبل الساسة الأمريكيين لإسرائيل قد انتهت نظر لوجود أعداد متزايدة من المسلمين الأمريكيين القادرين على وضع ممثليهم موضع المسائلة

المقال الثاني - الواجب الإشارة إليه هنا - صدر عن مجلة ذا نايشن الليبرالية الأمريكية في التاسع والعشرين من يوليو لكاتب يدعى آري برمان بعنوان "قبضة إيباك"، والذي بدأ بالإشارة إلى أن المدير التنفيذي لمنظمة الإيباك وهي أكبر جماعات الضغط السياسي المساندة لإسرائيل أمضي 27 دقيقة في قراءة قائمة بأسماء الشخصيات العامة والتي حضرت حفل الإيباك السنوي الأخير بما في ذلك غالبية أعضاء مجلس الشيوخ وربع أعضاء مجلس النواب وعشرات المسئولين بالإدارة الأمريكية

كما ذكر المقال أن تأثير إيباك على مواقف المسئولين الأمريكيين في الفترة الحالية لا يقتصر على الضغط عليهم سياسيا بل يتعدى ذلك إلى كتابة مشاريع القوانين والقرارات التي يمررونها وعلى رأسها مشروع القرار غير الملزم الذي مرره مجلس الشيوخ الأمريكي في الثامن عشر من يوليو تأييدا لإسرائيل

كما أكد المقال أن قبضة الأيباك القوية باتت تستدعي سخط ومقاومة عدد من أعضاء الكونجرس الراغبين في اتخاذ مواقف متوازنة تجاه الشرق الأوسط والذين باتوا يشعرون بأن الإيباك تهمين بشكل غير سليم على صناعة السياسة الخارجية الأمريكية تجاه الشرق الأوسط، ولكن المقال عاد وأكد على أن معارضة هؤلاء النواب والخبراء للإيباك عاجزة حتى الآن على الإتيان بمفعول نظرا لتنافس القيادات السياسية الأمريكية على إرضاء الأيباك، ونظرا لقدرة لوبي إسرائيل على تشويه سمعة كل من يعارضهم أو يعارض إسرائيل

خاتمة وتقييم

ختاما يمكن القول أن تغطية الإعلام الأمريكي السيارة لدور لوبي إسرائيل في حشد الدعم الأمريكي لإسرائيل خلال فترات الأزمات – كالفترة الحالية – تتميز بالضعف والعجز عن تحديد الدور الكامل للوبي نظرا لعدة أسباب على رأسها الهجوم الشرس الذي يتعرض له كل من يحاول نقد إسرائيل أو تسليط الضوء على دور اللوبي المساند لها داخل أمريكا

ولعل عاصفة النقد التي تعرض لها تقرير "لوبي إسرائيل" الصادر مؤخرا للأكاديميين الأمريكيين البارزين ستيفن والت وجون مارشيمير دليلا على ذلك، وهي فكرة أبرزها مقال نشرته جريدة سياتل بوست إنتليجنسير في السابع والعشرين من يوليو الماضي لكاتب يدعى روبرت جاميسون تحت عنوان "الباب يغلق بقوة في وجه من ينتقد إسرائيل"، حيث عبر جاميسون عن ضيقه الشديد بسعي لوبي إسرائيل للحد من النقاش والجدل حول سياسات إسرائيل بشكل يضر بقدرة الأمريكيين على فهم الصراع الجاري ووضع حل له

كما يفسر الأمر السابق كيف توفر وسائل الإعلام اليهودية الأمريكية أحيانا معلومات عن لوبي إسرائيل وأنشطته أكبر من المعلومات التي توفرها المصادر المحايدة والتي تخشى من أن توصم بالعداء للسامية أو لإسرائيل، هذا إضافة إلى توغل مسئولي لوبي إسرائيل في العديد من المؤسسات السياسية والمدنية مما يمثل تحديا إحصائيا أمام أي وسيلة إعلام موضوعية، ناهيك عن السرية التي يفرضها لوبي إسرائيل على عمله

ولكن هذا لا يجب أن يمنعنا من تقدير جهود وسائل الإعلام الأمريكية السابقة - على الرغم من محدوديتها - نظرا لدورها في توعية المواطن الأمريكي بما يجري من حوله ولو بشكل تدريجي

-----

مقالات ذات صلة

إسرائيل-حماس-حزب الله: الصراع الراهن

لوبي إسرائيل وسياسة أمريكا الخارجية

أزمات بوش ومستقبل علمية السلام

صناعة اللوبي الأمريكية: حقائق وأرقام

تأثير المال على الانتخابات الأمريكية

أقدم لوبي ضد الدول الإسلامية في أمريكا

No comments: