امنعوهم: لماذا تستمر أميركا في عدم فهم الهجرة
عرض بقلم: علاء بيومي
الناشر: الجزيرة نت، 14 أغسطس 2006، حقوق الطبع والنشر محفوظة للناشر
نص العرض
هذا الكتاب سهل الأسلوب خطير المضمون موجه بالأساس للشعب الأميركي ولكنه في ذات الوقت يحتوي على أفكار ومعلومات عديدة وهامة تتعلق بالمهاجرين المسلمين والعرب بأميركا وموقف الأميركيين منهم
الكتاب من تأليف ميشيل واكر وهي باحثة وصحفية أمريكية متعاطفة مع المهاجرين وهو صادر عن مطابع بابليك أفاريز وهي مطبعة أميركية مقرها نيويورك تتميز بنشر كتب جادة سهلة الأسلوب تمس أهم القضايا المثارة لدى الرأي العام الأميركي من منظور متوازن بين اليسار واليمين مما يجعل ما تنشره المطبعة من كتب يستحق المتابعة خاصة وأن المطبعة لا تصدر سوى عدد محدود من الكتب الجديدة كل عام مقارنة بالمطابع الأمريكية الكبرى
أسطورة الخلفيات الأوربية
خطورة مضمون الكتاب تكمن في أنه يثبت عبر صفحاته أن كثير من الأفكار الرئيسية المنتشرة لدى الأميركيين - بما في ذلك المثقفين منهم - عن الهجرة هي أساطير كبرى خطيرة، وعلى رأس هذه الأساطير الأسطورة القائلة بأن موجات الهجرة الأوربية إلى أميركا في أواخر القرن التاسع عسر وأوائل القرن العشرين كانت أكثر قابلية للاندماج في المجتمع الأميركي مقارنة بالهجرات الحالية بحكم الخلفية الأوربية لمهاجري أوائل القرن العشرين
إذ تذكر مؤلفة الكتاب - في فصله الثاني - أن 63% من الإيطاليين الذين هاجروا لأمريكا في الفترة ما بين عامي 1902 و1923 عادوا لبلادهم، هذا إضافة إلى نسبة 46.5% من النمساويين، ونسبة 48% من الفرنسيين، ونسبة 46% من اليونانيين
وتتحدث المؤلفة بإسهاب في الفصول من الأول وحتى الثالث من الكتاب عن حياة المهاجرين الأوربيين لأميركا في أوائل القرن العشرين وكيف أنها لم تكن حياة سهلة بأي مقياس من المقاييس وكيف تعرض هؤلاء المهاجرين لتمييز مستمر بحكم أنه قادمين من بلاد جنوب وشرق ووسط أوربا والتي كان ينظر إليها في أميركا من قبل الطبقات الأمريكية الإنجليزية والألمانية المسيطرة على أنها شعوب أقل ذكاء وكفاءة، وهي نظرة عبر عنها كبار القادة الأمريكيين بما في ذلك رؤساء أميركا أنفسهم كويدرو ويلسون الذي ذكر في أحد المناسبات أن "المهاجرين من جنوب إيطاليا والنمسا وبولندا هم أقل الطبقات البشرية بما يفتقروا إليه من ذكاء ومبادرة
إضافة للتمييز عانى هؤلاء المهاجرون من البعد عن بلادهم والشوق لشعوبهم وأوطانهم في ظل بعد المسافة وبطء وسائل الاتصال والمواصلات، لذا عاد 36% من المهاجرين الذين هاجروا إلى أميركا بين عامي 1901 و1920 إلى أوطانهم، كما عمدت أعداد كبيرة من المهاجرين إلى البقاء في أمريكا فترة قصيرة لجمع الثروة لكي يرسلوها لأوطانهم الأم، ففي الفترة من 1900 إلى 1906 أرسل المهاجرون حوالات بريدية تقدر بحوالي 12.3 مليون دولار من نيويورك إلى أوطانهم الأم، وهي كمية هائلة من الأموال في ذلك الوقت
في المقابل توضح المؤلفة - في الفصل الثالث من الكتاب - أن نسبة المهاجرين الذين عادوا إلى أوطانهم من بين المهاجرين الذين دخلوا أميركا بين عامي 1971 و1990 لم تتعدى 23% وهي نسبة أقل بـ 13% من مهاجري أوائل القرن العشرين، أضف إلى ذلك أن مهاجري الفترة الحالية أعلى من حيث المستوى التعليمي وأكثر رغبة على الاندماج والتأقلم بالحياة الأميركية بحكم قدرتهم على تعلم اللغة الإنجليزية وبحكم قدرتهم على التواصل مع شعوبهم الأهم من خلال وسائل الاتصال والمواصلات الحديثة مما يقلل شعورهم بالغربة
معاناة الأميركيين الألمان
الأسطورة الثانية التي يتحداها الكتاب هي الأسطورة القائلة بأن الثقافة الأمريكية هي في جذورها ثقافة أنجلوساكسونية، وهنا تقول المؤلفة ميشيل واكر أن الأميركيين نسوا ما حدث خلال الحرب العالمية الأولي، فأميركا تتذكر حاليا معاناة الأجانب كاليابانيين خلال الحرب العالمية الثانية ولكنهم نسوا معاناة الألمان خلال الحرب العالمية الأولى
حيث تذكر المؤلفة في مقدمة الكتاب أن المطابع الألمانية في أمريكا كانت أكثر عددا من نظيرتها الإنجليزية حتى الحرب العالمية الأولى، وتقول في الفصل الثاني أن سبب تردد أميركا في دخول الحرب العالمية الأولى هو مواطنيها الألمان الذين فضلوا الحياد حتى لا تحارب أمريكا بلدهم الأم في مقابل الأميركان الإنجليز الذي طالبوا دخول الحرب مساندة لبريطانيا
وعندما مالت الكافة لصالح الأميركان الإنجليز كان ذلك نتاجا لدخول أميركا لمرحلة عرقية وإثنية جديدة شهدت تضييقا شديدا على حقوق أصحاب الأصول الألمانية – من مواطنين وأجانب – داخل أميركا، إذ انتشرت جرائم الكراهية التي يشنها الغوغاء والمتحيزين ضد الألمان ومنعت بعض الولايات الأميركية الألمان من التجمع ومن الحديث بلغة غير الإنجليزية، كما انتشرت الشائعات عن الألمان – بدعم من الحكومة الأميركية أحيانا لمواجهة الدعاية الألمانية – والتي ادعى بعضها أن الألمان يحولون الجثث إلى صابون ويقتلون الأطفال الرضع، حتى وصل الأمر إلى صدور قوانين تحد من حركة وحريات البالغين الألمان وتفرض تسجيل المئات منهم لدى السلطات الأمريكية، وانتهى الأمر باعتقال أكثر من ستة آلاف ألماني بمعسكرات اعتقال تتفشى فيها الأوبئة والأمراض حتى نهاية الحرب العالمية الأولى
وهنا تظهر أحد أهم مزايا الكتاب الراهن، إذ تستخدم المؤلفة منهج المقارنة التاريخية لكشف معاناة المهاجرين لأميركا خلال الفترة الحالية من خلال مقارنتها بمعاناة المهاجرين في أوائل القرن العشرين، وتوضح المؤلفة في أكثر من موضع بالكتاب التشابه في المرحلتين خاصة على مستوى الظروف العالمية، ففي أوائل القرن العشرين – كما هو الحال حاليا – مر العالم بدرجة غير مسبوقة من درجات العولمة تمثلت في تغير أدوات الإنتاج وانتشار التصنيع في أميركا وهجرة ملايين المهاجرين إليها للعمل في اقتصادها العملاق في وقت مرت فيه أمريكا بتغيرات اقتصادية واجتماعية ضخمة بسبب تغير نمط الإنتاج، ولما طغت الدعاوى الثقافية على الحقائق الاقتصادية ورفض الأميركيون التعامل مع الحقائق والتحديات الاقتصادية والإنتاجية التي تواجههم مفضلين الانخراط في دعاوى الفروق الثقافية والعرقية والتمييز ضد الأجانب، كان ذلك إيذانا بدخول أمريكا والعالم مرحلة كساد ضخمة ومدمرة، فلما أغلق الأميركيون أبوابهم تجاه العمال والبضائع الأجنبية عاملتهم دول العالم بالمثل مما قاد تدريجيا إلى الكساد الكبير الذي ضرب الاقتصاد الأميركي بشدة في أواخر العشرينات من القرن العشرين، كما ساعدت العزلة الأمريكية الدولية على صعود النازية والفاشية والتحضير تدريجيا للحرب العالمية الثانية
من هو الأميركي
تتحدث المؤلفة باستفاضة في الفصل الرابع عن ثقافة العداء للمهاجرين التي انتشرت في أميركا خلال النصف الأول من القرن العشرين والتي قادت إلى اعتقال أكثر من ستة آلاف ألماني خلال الحرب العالمية الأولى وإلى اعتقال أكثر من مائة ألف ياباني خلال الحرب العالمية الثانية وإلى غلق أبواب أميركا أمام المهاجرين للعمل واللاجئين هربا من الاضطهاد على حد سواء
وتقول المؤلفة أن هذه الثقافة ناقضت المعني الحقيقي لأمريكا كفكرة، فأمريكا كفكرة تقوم على مبدأ قدرة المجتمع الأميركي كمجتمع جديد من تمكين المهاجرين المشكلين له – وجميع الأميركيين فيما عدا الهنود الحمر مهاجرون – من العيش في مجتمع يحترم خصوصياتهم ويمكنهم من تحقيق ذاتهم واستغلال أفضل طاقاتهم في مجتمع حر
وهنا تذكر المؤلفة عبارة محورية تكررها على مدى الكتاب في مواضع عديدة وهي أن الأميركيين يجيدون الحديث عن قيمهم وفعل عكسها، فالأميركيون يحرصون على النظر لأنفسهم على أنهم شعب مفتوح متسامح مرحب بالآخرين ويحترم الخصوصيات، ولكنهم في نفس الوقت – وخاصة في أوقات الأزمات – تتناقض تصرفاتهم من تلك القيم تناقضا واضحا صريحا دون الانتباه لذلك
وتقول ميشيل واكر أن معاناة المهاجرين في فترة ما بين الحربين العالمتين وقبلهما كانت تجسيدا لذلك التناقض، إذ هاجم الأميركيين الفكرة الأميركية ذاتها عندما سعوا لأمركة المهاجرين وفرض الانصهار عليهم من خلال حركات ثقافية معادية للمهاجرين بشكل واضح وقوانين تأثرت بتلك الحركات، إذ هاجمت تلك الحركات المنظمات العرقية والإثنية التي أنشئها المهاجرون لكي تساعدهم على تسريع الاندماج في المجتمع الأمريكي بشكل يحمي خلفياتهم الثقافية، وكان المفترض أن هذه المنظمات هي تجسيد للفكرة الأميركية ذاتها ولكن الحركات المعادية للمهاجرين هاجمتها
كما تم إغلاق الباب أمام الهجرة من خلال وضع سقف سنوي عليها، كما رفع شعار "الوحدة الوطنية" كمبدأ للاندماج بدلا من شعار "التسامح" الذي تقوم عليه الفكرة الأميركية، كما تم التضييق على حقوق وحريات المهاجرين، وترك الحبل على الغارب للسلطات الحكومية للتجسس على المهاجرين وإحصائهم واعتقالهم
طغيان الثقافة على الاقتصاد والسياسة
الأسطورة الثالثة التي تتحداها ميشيل واكر تتكون من عدد كبير من الأفكار النمطية السلبية المنتشرة عن المهاجرين داخل المجتمع الأميركي والمتعلقة بشكل أساسي بدورهم الاقتصادي داخل المجتمع، حيث ترى المؤلفة أن كثير من الأفكار الشائعة عن المهاجرين بأميركا حاليا ليست مبنية على حقائق علمية ولكنها مبنية على انطباعات قائمة على دوافع ثقافية وموقف معادي من المهاجرين أكثر من اعتمادها على دراسات علمية رصينة ترصد أثر الهجرة على الاقتصاد والمجتمع الأميركيين
ولإثبات كذب تلك النظريات تفرد المؤلفة مساحات واسعة من الفصول من الخامس وحتى الحادي عشر من كتابها تذكر فيها - على سبيل المثال لا الحصر - أن الأفكار الشائعة عن المهاجرين بأميركا تتجاهل أن 50% من العاملين في مجالات البحث العلمي والتطوير في أميركا هم من المهاجرين وأن ربع الأطباء والممرضين هم من المهاجرين، وأن 60% من أرباح صناعة تكنولوجيا المعلومات الأميركية هي من التجارة مع دول خارجية، وأن أميركا تجني أرباح من اندماج الاقتصاد العالمي يقدرها البعض بحوالي ترليون دولار سنويا، هذا إضافة إلى القوة الشرائية للمهاجرين بالسوق الأميركي وإلى إن وجود المهاجرين بأمريكا يساعد الاقتصاد الأمريكي على النمو ويوفر الكفاءات المطلوبة حتى لا يتم تصدير الوظائف خارج أمريكا
في المقابل ترى المؤلفة أن المهاجرين في أميركا يتعرضون اليوم لمثلث تحديات يعيد للذاكرة أزمة المهاجرين في أوائل القرن العشرين، الضلع الأول لهذا المثلث هو بيروقراطية إدارة الهجرة الأميركية العقيمة التي تعاقب المهاجرين بأساليب مختلفة وتحمي رجال الأعمال، والضلع الثالث هو قوى العولمة التي تمثل تحدي للمواطن الأميركي وتهدد وظيفته إذا ما لم يطور نفسه وترسل 1.2 مليون مهاجر لأميركا سنويا، أما الضلع الثالث فهو أحداث الحادي عشر من سبتمبر التي أحيت مشاعر التمييز ضد المهاجرين بأميركا بصفة عامة وضد المهاجرين المسلمين والعرب بصفة خاصة
خاتمة
في مقابل ما سبق تنصح الكاتبة الأميركيين بالعودة إلى النقاش العقلاني حول قضية الهجرة، وتنادي بإصلاح سياسات الهجرة بشكل يحد قليلا من مستويات الهجرة - خاصة غير الشرعية منها - ويحترم الثقافة الأنجلوساكسونية كجوهر للهوية الأميركية مع تجديد الثقة في العقيدة المدنية الأميركية التي تؤكد على الحرية وعلى احترام حقوق وخصوصيات الجماعات المكونة لأميركا
------
مقالات ذات صلة
العرب وتحديات الهوية الوطنية الأمريكية بعد 11/9
أمريكي 50%: الهجرة والهوية الوطنية في عصر الإرهاب
الأمريكي المتوسط: البحث غير العادي عن أكثر مواطن عادي بالأمة
دور الإسلام في تشكيل الهوية الأمريكية من وجهة نظر صموئيل هنتينجتون
حاضر الهوية المسلمة الأمريكية
الناشر: الجزيرة نت، 14 أغسطس 2006، حقوق الطبع والنشر محفوظة للناشر
نص العرض
هذا الكتاب سهل الأسلوب خطير المضمون موجه بالأساس للشعب الأميركي ولكنه في ذات الوقت يحتوي على أفكار ومعلومات عديدة وهامة تتعلق بالمهاجرين المسلمين والعرب بأميركا وموقف الأميركيين منهم
الكتاب من تأليف ميشيل واكر وهي باحثة وصحفية أمريكية متعاطفة مع المهاجرين وهو صادر عن مطابع بابليك أفاريز وهي مطبعة أميركية مقرها نيويورك تتميز بنشر كتب جادة سهلة الأسلوب تمس أهم القضايا المثارة لدى الرأي العام الأميركي من منظور متوازن بين اليسار واليمين مما يجعل ما تنشره المطبعة من كتب يستحق المتابعة خاصة وأن المطبعة لا تصدر سوى عدد محدود من الكتب الجديدة كل عام مقارنة بالمطابع الأمريكية الكبرى
أسطورة الخلفيات الأوربية
خطورة مضمون الكتاب تكمن في أنه يثبت عبر صفحاته أن كثير من الأفكار الرئيسية المنتشرة لدى الأميركيين - بما في ذلك المثقفين منهم - عن الهجرة هي أساطير كبرى خطيرة، وعلى رأس هذه الأساطير الأسطورة القائلة بأن موجات الهجرة الأوربية إلى أميركا في أواخر القرن التاسع عسر وأوائل القرن العشرين كانت أكثر قابلية للاندماج في المجتمع الأميركي مقارنة بالهجرات الحالية بحكم الخلفية الأوربية لمهاجري أوائل القرن العشرين
إذ تذكر مؤلفة الكتاب - في فصله الثاني - أن 63% من الإيطاليين الذين هاجروا لأمريكا في الفترة ما بين عامي 1902 و1923 عادوا لبلادهم، هذا إضافة إلى نسبة 46.5% من النمساويين، ونسبة 48% من الفرنسيين، ونسبة 46% من اليونانيين
وتتحدث المؤلفة بإسهاب في الفصول من الأول وحتى الثالث من الكتاب عن حياة المهاجرين الأوربيين لأميركا في أوائل القرن العشرين وكيف أنها لم تكن حياة سهلة بأي مقياس من المقاييس وكيف تعرض هؤلاء المهاجرين لتمييز مستمر بحكم أنه قادمين من بلاد جنوب وشرق ووسط أوربا والتي كان ينظر إليها في أميركا من قبل الطبقات الأمريكية الإنجليزية والألمانية المسيطرة على أنها شعوب أقل ذكاء وكفاءة، وهي نظرة عبر عنها كبار القادة الأمريكيين بما في ذلك رؤساء أميركا أنفسهم كويدرو ويلسون الذي ذكر في أحد المناسبات أن "المهاجرين من جنوب إيطاليا والنمسا وبولندا هم أقل الطبقات البشرية بما يفتقروا إليه من ذكاء ومبادرة
إضافة للتمييز عانى هؤلاء المهاجرون من البعد عن بلادهم والشوق لشعوبهم وأوطانهم في ظل بعد المسافة وبطء وسائل الاتصال والمواصلات، لذا عاد 36% من المهاجرين الذين هاجروا إلى أميركا بين عامي 1901 و1920 إلى أوطانهم، كما عمدت أعداد كبيرة من المهاجرين إلى البقاء في أمريكا فترة قصيرة لجمع الثروة لكي يرسلوها لأوطانهم الأم، ففي الفترة من 1900 إلى 1906 أرسل المهاجرون حوالات بريدية تقدر بحوالي 12.3 مليون دولار من نيويورك إلى أوطانهم الأم، وهي كمية هائلة من الأموال في ذلك الوقت
في المقابل توضح المؤلفة - في الفصل الثالث من الكتاب - أن نسبة المهاجرين الذين عادوا إلى أوطانهم من بين المهاجرين الذين دخلوا أميركا بين عامي 1971 و1990 لم تتعدى 23% وهي نسبة أقل بـ 13% من مهاجري أوائل القرن العشرين، أضف إلى ذلك أن مهاجري الفترة الحالية أعلى من حيث المستوى التعليمي وأكثر رغبة على الاندماج والتأقلم بالحياة الأميركية بحكم قدرتهم على تعلم اللغة الإنجليزية وبحكم قدرتهم على التواصل مع شعوبهم الأهم من خلال وسائل الاتصال والمواصلات الحديثة مما يقلل شعورهم بالغربة
معاناة الأميركيين الألمان
الأسطورة الثانية التي يتحداها الكتاب هي الأسطورة القائلة بأن الثقافة الأمريكية هي في جذورها ثقافة أنجلوساكسونية، وهنا تقول المؤلفة ميشيل واكر أن الأميركيين نسوا ما حدث خلال الحرب العالمية الأولي، فأميركا تتذكر حاليا معاناة الأجانب كاليابانيين خلال الحرب العالمية الثانية ولكنهم نسوا معاناة الألمان خلال الحرب العالمية الأولى
حيث تذكر المؤلفة في مقدمة الكتاب أن المطابع الألمانية في أمريكا كانت أكثر عددا من نظيرتها الإنجليزية حتى الحرب العالمية الأولى، وتقول في الفصل الثاني أن سبب تردد أميركا في دخول الحرب العالمية الأولى هو مواطنيها الألمان الذين فضلوا الحياد حتى لا تحارب أمريكا بلدهم الأم في مقابل الأميركان الإنجليز الذي طالبوا دخول الحرب مساندة لبريطانيا
وعندما مالت الكافة لصالح الأميركان الإنجليز كان ذلك نتاجا لدخول أميركا لمرحلة عرقية وإثنية جديدة شهدت تضييقا شديدا على حقوق أصحاب الأصول الألمانية – من مواطنين وأجانب – داخل أميركا، إذ انتشرت جرائم الكراهية التي يشنها الغوغاء والمتحيزين ضد الألمان ومنعت بعض الولايات الأميركية الألمان من التجمع ومن الحديث بلغة غير الإنجليزية، كما انتشرت الشائعات عن الألمان – بدعم من الحكومة الأميركية أحيانا لمواجهة الدعاية الألمانية – والتي ادعى بعضها أن الألمان يحولون الجثث إلى صابون ويقتلون الأطفال الرضع، حتى وصل الأمر إلى صدور قوانين تحد من حركة وحريات البالغين الألمان وتفرض تسجيل المئات منهم لدى السلطات الأمريكية، وانتهى الأمر باعتقال أكثر من ستة آلاف ألماني بمعسكرات اعتقال تتفشى فيها الأوبئة والأمراض حتى نهاية الحرب العالمية الأولى
وهنا تظهر أحد أهم مزايا الكتاب الراهن، إذ تستخدم المؤلفة منهج المقارنة التاريخية لكشف معاناة المهاجرين لأميركا خلال الفترة الحالية من خلال مقارنتها بمعاناة المهاجرين في أوائل القرن العشرين، وتوضح المؤلفة في أكثر من موضع بالكتاب التشابه في المرحلتين خاصة على مستوى الظروف العالمية، ففي أوائل القرن العشرين – كما هو الحال حاليا – مر العالم بدرجة غير مسبوقة من درجات العولمة تمثلت في تغير أدوات الإنتاج وانتشار التصنيع في أميركا وهجرة ملايين المهاجرين إليها للعمل في اقتصادها العملاق في وقت مرت فيه أمريكا بتغيرات اقتصادية واجتماعية ضخمة بسبب تغير نمط الإنتاج، ولما طغت الدعاوى الثقافية على الحقائق الاقتصادية ورفض الأميركيون التعامل مع الحقائق والتحديات الاقتصادية والإنتاجية التي تواجههم مفضلين الانخراط في دعاوى الفروق الثقافية والعرقية والتمييز ضد الأجانب، كان ذلك إيذانا بدخول أمريكا والعالم مرحلة كساد ضخمة ومدمرة، فلما أغلق الأميركيون أبوابهم تجاه العمال والبضائع الأجنبية عاملتهم دول العالم بالمثل مما قاد تدريجيا إلى الكساد الكبير الذي ضرب الاقتصاد الأميركي بشدة في أواخر العشرينات من القرن العشرين، كما ساعدت العزلة الأمريكية الدولية على صعود النازية والفاشية والتحضير تدريجيا للحرب العالمية الثانية
من هو الأميركي
تتحدث المؤلفة باستفاضة في الفصل الرابع عن ثقافة العداء للمهاجرين التي انتشرت في أميركا خلال النصف الأول من القرن العشرين والتي قادت إلى اعتقال أكثر من ستة آلاف ألماني خلال الحرب العالمية الأولى وإلى اعتقال أكثر من مائة ألف ياباني خلال الحرب العالمية الثانية وإلى غلق أبواب أميركا أمام المهاجرين للعمل واللاجئين هربا من الاضطهاد على حد سواء
وتقول المؤلفة أن هذه الثقافة ناقضت المعني الحقيقي لأمريكا كفكرة، فأمريكا كفكرة تقوم على مبدأ قدرة المجتمع الأميركي كمجتمع جديد من تمكين المهاجرين المشكلين له – وجميع الأميركيين فيما عدا الهنود الحمر مهاجرون – من العيش في مجتمع يحترم خصوصياتهم ويمكنهم من تحقيق ذاتهم واستغلال أفضل طاقاتهم في مجتمع حر
وهنا تذكر المؤلفة عبارة محورية تكررها على مدى الكتاب في مواضع عديدة وهي أن الأميركيين يجيدون الحديث عن قيمهم وفعل عكسها، فالأميركيون يحرصون على النظر لأنفسهم على أنهم شعب مفتوح متسامح مرحب بالآخرين ويحترم الخصوصيات، ولكنهم في نفس الوقت – وخاصة في أوقات الأزمات – تتناقض تصرفاتهم من تلك القيم تناقضا واضحا صريحا دون الانتباه لذلك
وتقول ميشيل واكر أن معاناة المهاجرين في فترة ما بين الحربين العالمتين وقبلهما كانت تجسيدا لذلك التناقض، إذ هاجم الأميركيين الفكرة الأميركية ذاتها عندما سعوا لأمركة المهاجرين وفرض الانصهار عليهم من خلال حركات ثقافية معادية للمهاجرين بشكل واضح وقوانين تأثرت بتلك الحركات، إذ هاجمت تلك الحركات المنظمات العرقية والإثنية التي أنشئها المهاجرون لكي تساعدهم على تسريع الاندماج في المجتمع الأمريكي بشكل يحمي خلفياتهم الثقافية، وكان المفترض أن هذه المنظمات هي تجسيد للفكرة الأميركية ذاتها ولكن الحركات المعادية للمهاجرين هاجمتها
كما تم إغلاق الباب أمام الهجرة من خلال وضع سقف سنوي عليها، كما رفع شعار "الوحدة الوطنية" كمبدأ للاندماج بدلا من شعار "التسامح" الذي تقوم عليه الفكرة الأميركية، كما تم التضييق على حقوق وحريات المهاجرين، وترك الحبل على الغارب للسلطات الحكومية للتجسس على المهاجرين وإحصائهم واعتقالهم
طغيان الثقافة على الاقتصاد والسياسة
الأسطورة الثالثة التي تتحداها ميشيل واكر تتكون من عدد كبير من الأفكار النمطية السلبية المنتشرة عن المهاجرين داخل المجتمع الأميركي والمتعلقة بشكل أساسي بدورهم الاقتصادي داخل المجتمع، حيث ترى المؤلفة أن كثير من الأفكار الشائعة عن المهاجرين بأميركا حاليا ليست مبنية على حقائق علمية ولكنها مبنية على انطباعات قائمة على دوافع ثقافية وموقف معادي من المهاجرين أكثر من اعتمادها على دراسات علمية رصينة ترصد أثر الهجرة على الاقتصاد والمجتمع الأميركيين
ولإثبات كذب تلك النظريات تفرد المؤلفة مساحات واسعة من الفصول من الخامس وحتى الحادي عشر من كتابها تذكر فيها - على سبيل المثال لا الحصر - أن الأفكار الشائعة عن المهاجرين بأميركا تتجاهل أن 50% من العاملين في مجالات البحث العلمي والتطوير في أميركا هم من المهاجرين وأن ربع الأطباء والممرضين هم من المهاجرين، وأن 60% من أرباح صناعة تكنولوجيا المعلومات الأميركية هي من التجارة مع دول خارجية، وأن أميركا تجني أرباح من اندماج الاقتصاد العالمي يقدرها البعض بحوالي ترليون دولار سنويا، هذا إضافة إلى القوة الشرائية للمهاجرين بالسوق الأميركي وإلى إن وجود المهاجرين بأمريكا يساعد الاقتصاد الأمريكي على النمو ويوفر الكفاءات المطلوبة حتى لا يتم تصدير الوظائف خارج أمريكا
في المقابل ترى المؤلفة أن المهاجرين في أميركا يتعرضون اليوم لمثلث تحديات يعيد للذاكرة أزمة المهاجرين في أوائل القرن العشرين، الضلع الأول لهذا المثلث هو بيروقراطية إدارة الهجرة الأميركية العقيمة التي تعاقب المهاجرين بأساليب مختلفة وتحمي رجال الأعمال، والضلع الثالث هو قوى العولمة التي تمثل تحدي للمواطن الأميركي وتهدد وظيفته إذا ما لم يطور نفسه وترسل 1.2 مليون مهاجر لأميركا سنويا، أما الضلع الثالث فهو أحداث الحادي عشر من سبتمبر التي أحيت مشاعر التمييز ضد المهاجرين بأميركا بصفة عامة وضد المهاجرين المسلمين والعرب بصفة خاصة
خاتمة
في مقابل ما سبق تنصح الكاتبة الأميركيين بالعودة إلى النقاش العقلاني حول قضية الهجرة، وتنادي بإصلاح سياسات الهجرة بشكل يحد قليلا من مستويات الهجرة - خاصة غير الشرعية منها - ويحترم الثقافة الأنجلوساكسونية كجوهر للهوية الأميركية مع تجديد الثقة في العقيدة المدنية الأميركية التي تؤكد على الحرية وعلى احترام حقوق وخصوصيات الجماعات المكونة لأميركا
------
مقالات ذات صلة
العرب وتحديات الهوية الوطنية الأمريكية بعد 11/9
أمريكي 50%: الهجرة والهوية الوطنية في عصر الإرهاب
الأمريكي المتوسط: البحث غير العادي عن أكثر مواطن عادي بالأمة
دور الإسلام في تشكيل الهوية الأمريكية من وجهة نظر صموئيل هنتينجتون
حاضر الهوية المسلمة الأمريكية
No comments:
Post a Comment