Sunday, May 31, 2009

العلاقات الأميركية السعودية عشية زيارة أوباما
مقال بقلم: علاء بيومي

يمكن نشر المقال مع الإشارة إلى مصدره
www.alaabayoumi.com

نص المقال

عشية زيارة الرئيس الأميركي باراك أوباما للمملكة العربية السعودية رأينا أن نتناول بالعرض والتحليل أحدث تقارير خدمة أبحاث الكونجرس – وهي ذراع الكونجرس الأميركي البحثي – عن العلاقات السعودية الأميركية

التقرير الصادر في فبراير الماضي بعنوان "السعودية: خلفية والعلاقات مع أميركا" مكتوب من وجهة نظر أميركية واضحة تتميز بقدر كبير من الصراحة والوضوح في التعامل مع ملفات العلاقة الرئيسية بشكل لا يخلو من ذكاء سياسي ومتعة بحثية إذا صح التعبير

وذلك لأن التقرير أخذ على عاتقة أن يلخص أهم ملفات العلاقات السعودية الأميركية وهي عديدة وهامة وصعبة ومعقدة، ولكنها يتناولها بتوثيق وسلاسة ويقدمها لصانع القرار الأميركي في كلمات بسيطة ومحددة عميقة المعني

أزمة تعريف العلاقة الخاصة

التقرير في جوهره يقول أن العلاقة "الخاصة" القائمة بين أميركا والمملكة مازالت خاصة ومحورية بالشرق الأوسط، فالمملكة هي بمثابة الشريك الرئيسي لأميركا بالمنطقة، وأن العلاقة "الخاصة" – كما توصف داخل أميركا - تقوم على ثلاثة أعمدة (سياسي وأمني واقتصادي)، وأن أحد أعمدة العلاقة - وهو العمود السياسي - يواجه تحدي كبير منذ أوائل التسعينيات، وأن أوباما في حاجة إلى العمل مع المسئولين السعوديين لإعادة بناء العمود السياسي للعلاقة الخاصة بعد ما أصابه من تراجع منذ حرب تحرير الكويت وحتى الآن وخاصة بعد 11-9

ويلخص التقرير بذكاء واقتدار أزمة البعد السياسي للعلاقات السعودية الأميركية في عبارة واحدة تقول أن على القيادات الأميركية والسعودية إعادة تعريف العلاقة المشتركة بينهما في بشكل "يمكنهما الدفاع عنه علنا"، وهذا يعني أن الأميركيين والسعوديين باتوا غير قادرين على حصد الدعم الداخلي لعلاقتهما المشتركة في صورتها الحالية داخل المملكة أو داخل أميركا

فالسعوديون يعارضون سياسية حكومتهم تجاه أميركا، والأميركيون يعارضون سياسة حكومتهم تجاه السعودية، والسياسيون على الطرفين عاجزون عن حصد الدعم لعلاقتهم الخاصة في صورتها الحالية

بهذا نكون وصلنا إلى حجة مثيرة للتفكير يطرحها مؤلف التقرير - كريستوفر بلانكارد - باقتدار في مقدمة تقريره ليشد انتباه القارئ لبقية صفحات التقرير متوسط الحجم (42 صفحة)، وكأنه مؤلف روايات قدير يفاجئ قارئه بعقدة روايته الرئيسية وقمة أحداثها في أول صفحات الرواية لا في وسطها

بلانكارد يقول أن العلاقة "الخاصة" التي تربط أميركا بالسعودية حاليا تعود إلى منتصف الأربعينيات من القرن الماضي حينما أدرك الأميركيون سريعا الأهمية الإستراتيجية للمملكة وتحولوا إلى "الضامن" الرئيسي لأمن المملكة مع انحسار الإمبراطورية البريطانية الاستعمارية

أركان العلاقة الخاصة وأزمة الركن السياسي

ومنذ ذلك الحين قامت العلاقة الخاصة على ثلاثة أعمدة، أولها استراتيجي سياسي بسبب قرب السعودية من أعداء أميركا خلال الحرب العالمية الثانية (اليابان) ثم من أعدائها خلال الحرب الباردة (الإتحاد السوفيتي)، وثانيها عسكري حيث تولت أميركا مهمة بناء القوات المسلحة السعودية وتدريبها وإمدادها بقدر كبير من الأسلحة التقليدية لدرجة ملفتة للنظر - كما سنشرح فيما بعد، وثالثها اقتصادي يرتبط بالطبع بثروة المملكة النفطية

ولكن بمرور الزمن تراجعت العلاقات السياسية لأسباب مختلفة، وتراجع الملف الاقتصادي نسبيا كما يوحي التقرير، وبقى الملف الأمني وكأنه خطر أحمر لا يتخطاه أحد حتى الآن

الملف السياسي تراجع كما يرى التقرير – وهو مكتوب من وجهة نظر أميركية واضحة – لأن المملكة رفعت منذ الستينيات شعارات سياسية إسلامية مما حولها تدريجيا وبسبب ثرائها وموقعها الجيوستراتيجي لأحد أهم مصادر تمويل ودعم الحركات الإسلامية في العالم بالفكر والمال، وقد رحبت أميركا بذلك الدور خلال فترة الحرب الباردة، حيث تحالفت مع المملكة في مواجهة الأنظمة القومية والاشتراكية بالمنطقة، وفي مواجهة المد الشيوعي بشكل عام خاصة في أفغانستان حيث توثقت العلاقة بين المصالح الأميركية والتوجهات الإسلامية للمملكة في محاربة الغزو السوفيتي لأفغانستان

سياسة تبحث عن تعريف جديد

ولكن يبدو أن العلاقة السياسية الإستراتيجية واجهت أزمة مستمرة منذ تفكك الإتحاد السوفيتي لأنها احتاجت لإعادة تعريف، ووجدت أميركا ضالتها في التعاون مع المملكة في تطبيق سياسة احتواء مزدوج لإيران والعراق بعد حرب تحرير الكويت، ولكن يقول التقرير أن العلاقة واجهت تحدي متزايد من نوع جديد عبر التسعينيات، وهو أن الجماعات الإسلامية المدعومة من قبل أشخاص ومنظمات إغاثة وتيارات دينية داخل أميركا مثلت تحدي لأميركا في أماكن عديدة عبر العالم مثل الشيشان والبلقان وفلسطين وكشمير

وزادت المشكلة مع تبني أميركا لمطالب تتعلق بحقوق الإنسان والإصلاح السياسي ضمن ما يسمي بسياسات النظام العالمي الجديد التي تبنتها إدارة الرئيس الأميركي السابق بيل كلينتون، وبالطبع ظل موقف المملكة تجاه إسرائيل مشكلة بالنسبة للعلاقة على الرغم من دعم المملكة ودول الخليج بشكل عام لعملية السلام منذ منتصف التسعينيات وتخليهم عن المقاطعة غير المباشرة لإسرائيل كما يقول التقرير

وبالطبع تعمقت المشكلة مع أحداث 11-9 ومع صعود قوى اليمين الأميركي داخل إدارة الرئيس الأميركي السابق جورج دبليو بوش، وبدأ الكونجرس الأميركي يتحرك لفرض سياسات متشددة ضد المملكة تمثلت بشكل أساسي – كما يرى التقرير – في حرمان المملكة من المساعدات الأميركية

عقاب السعودية بحفنة من الدولارات

وهي نقطة تثير السخرية والتعجب – كما سنرى فيما بعد – وذلك لأن أميركا لا تقدم أي مساعدات تذكر للمملكة العربية السعودية بسبب ثراء المملكة الاقتصادي، وإن كانت أميركا تقدم مساعدات رمزية لمملكة في صورة خصم رمزي على سعر الخدمات التي تقدمها أميركا في مجال تدريب القوات المسلحة السعودية، وهو خصم يتراوح بين 15 ألف دولار أميركي في بعض السنوات إلى مليون دولار في سنوات أخرى، وهي بالطبع أموال غير ذات قيمة إذا قارناها بتكلفة التعاون العسكري بين أميركا والسعودية كل عام، ولكن الكونجرس سعى في السنوات الأخيرة – و مع توتر العلاقة "السياسية" بين أميركا والمملكة – إلى منع تلك المساعدات حتى أنه حرم الرئيس الأميركي أحيانا من القدرة على التدخل لرفع تلك "العقوبات" عن المملكة

وبالطبع المساعدات المقدمة ضئيلة لا تذكر كما ذكرنا من قبل ولكن أهميتها تنبع من رمزيتها ومن كون منعها هو"عقاب" للسعودية يمارسه صانع القرار الأميركي، وهو عقاب لا يتخطى خطوط حمراء سوف نرصدها فيما بعد

تبعات 11-9

المهم هنا أن 11-9 زادت من تراجع الشراكة السياسية لأسباب تتعلق بتراجع دور المملكة الإستراتيجي بالمنطقة بعد انهيار الإتحاد السوفيتي، وبسبب دعم المملكة الشعبي – كما يرى الأميركيون – للحركات الإسلامية، وبسبب 11-9 والتي أثارت الرأي العام الأميركي ضد المملكة وأعطت الفرصة للوبي إسرائيل واليمين الأميركي وجماعات حقوق الإنسان والديمقراطية للتدخل لفرض أجنداتها المختلفة ضد المملكة بواشنطن

عموما اتخذ تردي العلاقات السياسية بين المملكة وأميركا منذ 11-9 عنوانا رئيسيا يخفي تحته القضايا الهامة السابقة، وهو عنوان التمويل الشعبي القادم من داخل المملكة للحركات الإسلامية "العنيفة"، حيث يرى التقرير بوضوح أن الإدارة الأميركية خلال عهد بوش عبرت أكثر من مرة عن اعتقادها أن الحكومة السعودية لا تقدم دعما لتلك الجماعات (فيما عدا داخل فلسطين كما يرصد التقرير في بعض أجزاءه)، وأن الدعم المقدم للجماعات "المتطرفة" يأتي من أفراد ومنظمات إغاثة داخل المملكة، وأن الحكومة السعودية تعاونت بشكل متزيد مع الحكومة الأميركية في وقف هذا الدعم خاصة بعد غزو العراق في منتصف 2003 حيث تعرضت المملكة لسلسلة من الهجمات الإرهابية

ولكن بعض المسئولين الأميركيين المعنيين بتتبع تمويل الإرهاب ظلوا على اعتقادهم بأن التمويل القادم من داخل المملكة للجماعات "الإرهابية" لم يتوقف وأن السعودية مازالت "مصدر تمويل رئيسي" للجماعات "السنية الإرهابية، وقد احتفظ بعض هؤلاء المسئولين بمناصبهم ذاتها داخل إدارة أوباما مثل ستيوارت ليفي مساعد وزير المالية الأميركي لقضايا الإرهاب والاستخبارات المالية والتي دأب على انتقاد المملكة في هذا المجال

والواضح هنا أن مشكلة أميركا الرئيسي هي في الدعم الموجه إلى جماعات مثل القاعدة، وتبقى قضية دعم المملكة للجماعات الفلسطينية المسلحة محل خلاف سياسي أخر، فالتقرير يشير إلى استمرار دعم السعودية على المستوى الحكومي لحكومة حماس في عام 2007 ولجهود المصالحة بين حماس وفتح ولتنظيم المملكة حملات دعم شعبي للفلسطينيين بعد حرب غزة، ولكن يبدو من التقرير أن ملف الجماعات الفلسطينية مختلف بعض الشيء عن ملف جماعات كالقاعدة

عموما المشاكل السابقة أثرت على الركن السياسي للعلاقات السعودية الأميركية كما ذكرنا من قبل وجعلت من الصعب على الحكومة الأميركية الدفاع عن علاقتها بالسعودية داخل أميركا حتى لا تواجه بنقد لوبي إسرائيل واليمين الأميركي وجماعات حقوق الإنسان وبعض قطاعات الرأي العام الأميركي كذلك

والسعودية أيضا تجد صعوبة في الدفاع عن علاقتها مع أميركا داخل المملكة لأنها تواجه نقدي شعبي وضغط من قوي إقليمية تدفع المملكة في اتجاه مواجه أميركا في قضايا يأتي على رأسها القضية الفلسطينية والعلاقة مع إسرائيل

كما تبدو أيضا العلاقة مرشحة لمزيد من التصعيد – كما يشير التقرير – لأن المملكة ترفض التقارب الأميركي الإيراني وتتعامل بحذر شديد مع الحكومة العراقية، وبهذا تصبح مهمة إعادة تعريف العلاقات السعودية الأميركية خلال زيارة أوباما المقبلة للمملكة مهمة صعبة، ولكن حتى لا نتسرع في الحكم ينبغي علينا التوقف أمام محوري العلاقة الآخرين وهما الأمن والاقتصاد

ركيزة الأمن

المثير هنا أن الحديث عن العلاقات السياسية يطغى على التقرير وعلى الجدل الدائر عن العلاقات السعودية الأميركي بشكل عام في الدوائر العامة والإعلامية داخل أميركا والعالم العربي، ولكن التقرير يوضح مدى عمق العلاقة الأمنية حتى أنها تبدو كخط أحمر أمام الكونجرس الأميركي والسياسيين الأميركيين بشكل عام وربما أمام المسئولين السعوديين أيضا

فالتقرير يقول أن أميركا هي "الضامن" أو "الراعي" الرئيس لأمن المملكة منذ منتصف الأربعينيات، وأن أميركا هي من ساعدت السعودية على بناء جيشها من خلال تزويده بالأسلحة ومساعدته على بناء بنيته التحتية وتدريب قواته، وتبدو الأرقام هنا مثيرة للتفكير العميق وربما مفاجئة أيضا

فبالنسبة إلى مبيعات الأسلحة الأميركية للمملكة، يقول التقرير أن السعودية اشترت من الحكومة الأميركية خلال الفترة من عام 1950 وحتى عام 2006 أسلحة قيمتها 62.7 بليون دولار (مع تثبيت سعر الدولار) وهو ما يمثل 19% من مبيعات الحكومة الأميركية للأسلحة خلال الفترة ذاتها، وأن إدارة بوش الثانية (2005-2009) أقرت مبيعات أسلحة للسعودية تقدر بحوالي 16.7 بليون دولار

وفيما يتعلق بخدمات البنية التحتية للقوات المسلحة، اشترت السعودية خدمات من أميركا تقدر بحوالي 17.1 بليون دولار خلال الفترة من 1950 وحتى 2006 وهو ما يعادل 85% من إجمالي مبيعات خدمات بناء الجيوش التي قدمتها أميركا خلال الفترة ذاتها

ولعل النسب الكبيرة السابقة توضح عمق العلاقة الأمنية بين السعودية وأميركا، لذا يشير التقرير إلى دور أميركا في بناء أذرع القوات العسكرية السعودية المختلفة والتي لا تتمتع بقيادة مشتركة كما يشير التقرير

كما يشير أيضا إلى دور أميركا في تدريب تلك القوات، ويقول أن أنشطة التدريب هذه تضمن ليس فقط سيطرة السلاح الأميركي على أسلحة الجيش السعودي ولكنها تضمن أيضا نقل القيم والمبادئ الأميركية إلى قيادات الجيش السعودي

ويقول التقرير أن سيطرة الأسلحة والتدريب الأميركي على الجيش السعودي وجيوش دول الخليج بصفة عامة يضمن عدم استخدام تلك الجيوش ضد حلفاء أميركا الآخرين بالمنطقة وعلى رأسهم إسرائيل، حيث يوضح التقرير أن الأسلحة التقليدية الضخمة التي حصلت عليها السعودية من أميركا تضمن تفوقها على جيرانها الإقليميين كإيران والعراق فيما عدا إسرائيل - والتي تضمن أميركا تفوقها النوعي على جميع دول المنطقة، ولكن التقرير يقول – كما أشرنا – أن حلفاء أميركا لن يتصارعوا مع بعضهم البعض لأن مصدر السلاح والتدريب واحد

لهذا لا يشير التقرير إلى أي مقاومة تذكر من أعضاء الكونجرس لبيع الأسلحة إلى السعودية منذ نهاية أوائل التسعينيات، وقد يحدث أحيانا جدل في السعودية حول أنواع الأسلحة المقدمة للمملكة ومستقبلها وتأثيرها على مسرح العمليات بالشرق الأوسط، ولكن هذا الجدل لم يرتق إلى مستوى التشريعات الحقيقية

وبهذا يبدو الكونجرس مشغولا بمنع السعودية من الحصول على حفنة من الدولارات الأميركية المقدمة للسعودية في صورة مساعدات أو "خصومات" لا تحتاجها السعودية أصلا، ولكنه لا يقترب من العلاقة الأمنية بين البلدين التي تقدر ببلايين الدولارات، مما يوضح مركزية البعد الأمني للعلاقات السعودية الأميركية

ركيزة الاقتصاد

أما بخصوص الاقتصاد فهو العمود الثلاث للعلاقة الخاصة بين البلدين، ويوضح التقرير أن المملكة هي الشريك الاقتصادي الرئيسي لأميركا في الشرق الأوسط تليها إسرائيل، ففي عام 2007 بلغت صادرات السعودية لأميركا 35.6 بليون دولار يسيطر عليها النفط ومشتقاته بالطبع، في حين بلغت واردات المملكة من أميركا 10.4 بليون دولار يسيطر عليها السلاح والماكينات الصناعية والسيارات، وفي العام نفسه بلغت صادرات إسرائيل إلى أميركا 20.8 بليون دولار ووارداتها منها 13 بليون دولار

ويشير التقرير إلى أن الثراء الاقتصادي للمملكة ودور أميركا في تنمية المملكة وبناء بنيتها التحتية وصناعاتها النفطية ظلوا دائما ركائز هامة في العلاقة، هذا إضافة إلى أن السعودية هي ثالث مصدر للنفط لأميركا في الفترة الحالية (وفقا لإحصاءات عام 2007) بعد كندا والمكسيك

ولكن التقرير يشتكي من تركز الاستثمارات الأميركية في المملكة في القطاع النفطي وعدم تخطيها لاستثمارات في مجالات أخرى خاصة وأن المملكة تسعى تنويع اقتصادها سعيا لاحتلال مكانة اقتصادية أفضل

علاقة تقليدية تحتاج إلى تحديث

وهكذا يبدو أن مشكلة العلاقات السعودية الأميركية هي أن أسس تلك العلاقة صيغت في فترة زمنية قديمة للغاية (فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية والحرب الباردة) وأنها تميزت بقدر كبير من التقليدية والاعتماد على مصادر القوة التقليدية، مثل الأمن والسلام والثورة النفطية ومواجهة الشيوعية بسبب موقع المملكة الجيوستراتيجي

وبالطبع تغيرت هذه الأمور أو الظروف اليوم، فأميركا لم تستثمر في المملكة فيما وراء النفط، والحرب الباردة انتهت وتغيرت أهمية المملكة الإستراتجية، والعلاقة الأمنية قائمة ولكنها لا تبدو كافية خاصة وأن المملكة تبدو أنها امتلكت بالفعل ترسانة ضخمة من الأسلحة الأميركية التقليدية

كما يشير التقرير إلى أن المملكة تبدو الآن قادرة على الحفاظ على أمنها الداخلي من التهديدات الداخلية خاصة وأنها نجحت في مواجهة خطر القاعدة منذ منتصف عام 2003، وإن كانت مازالت تواجه مشاكل داخلية مثل ضعف الانفتاح السياسي وغياب المؤسسات الديمقراطية بالإضافة إلى التنافس المحتمل بين أعضاء الأسرة الحاكمة على السلطة وانتقال الحكم، ولكن تحدي الانفتاح السياسي لا يمثل خطرا أمنيا، والتنافس على الحكم هو بيد الأسرة الحاكمة ذاتها

أما فيما يتعلق بالتهديدات الإقليمية، فيشير التقرير إلى أن المملكة لا تبدو معنية بمواجهة عسكرية مع إسرائيل فكلاهما يعتمد على السلاح الأميركي، وأن المملكة تقاوم الضغوط التي تمارس عليها من أطراف إقليمية للدخول في مواجهة سياسية مع إسرائيل وتضغط على أميركا في اتجاه دفع عملية السلام والتي تجمع عليها جميع دول الخليج، وتحتفظ المملكة أيضا بعلاقات دعم قوية مع الفلسطينيين وهو أمر يزعج أميركا ولكنه لا يمثل تهديد كبيرا للعلاقة

أما مخاوف السعودية الرئيسية في الفترة الحالية فتكمن في العراق وإيران، فالسعودية تخشى – كما يرى التقرير – من إيران ومن الانفتاح الأميركي المحتمل عليها في عهد أوباما ومن صعود الشيعة في العراق ومن إمكانية عودة العراق كقوة إقليمية مسلحة وكقوة نفطية كبرى تنافس المملكة وكبار الدول المنتجة للنفط على زعامة الأسواق النفطية

وفي اعتقادي أن نظرة التقرير لمخاوف المملكة الإقليمية خاصة من إيران والعراق غير مفهومة في ظل الترسانة السعودية الضخمة من الأسلحة الأميركية والتواجد العسكري الأميركي في المنطقة، ولكن تبدو هنا أن مساعي إيران النووية تقلب المعادلة الإقليمية رأسا على عقب وتزيد من حاجة دول الخليج للضمانة الأمنية الأميركية

وبهذا يبدو أن الأمن يعود ويطل برأسه من جديد ويرغم المملكة والخليج وأميركا على علاقات أمنية وثيقة قد لا تتماشى مع العلاقات الاقتصادية والسياسية بين الطرفين، فالتقرير نفسه يقول أن الاستثمارات الأميركية - التي تتركز في النفط - لا ترتقي لطموحات السعودية التي تريد الترقي لمرتبة اقتصادية أعلى

ويشير التقرير أيضا إلى أن العاهل السعودي المملك عبد الله بن عبد العزيز يعمل على فتح بلاده على الشرق سياسيا واقتصاديا منذ عام 2005

هذا يعني إننا أمام علاقة أمنية تبدو تقليدية صيغت في فترة زمنية قديمة، وأمام علاقات سياسية واقتصادية قديمة أيضا، وأن السياسية باتت عنوان الخلاف بين السعودية وأميركا يليها الاقتصاد ثم الأمن والذي يبدو وكأنه حجر الزاوية في العلاقة حاليا

ولكن التعاون الأمني وحده والعلاقات الاقتصادية القائمة لم تعد كافية لتبرير العلاقة علنا كما يرى التقرير، ولهذا سوف تستمر المعارضة الشعبية للعلاقات السعودية الأميركية داخل وخارج أميركا حتى يجد مسئولي البلدين تعريفا جديدا لها

نحو تعريف أكثر نضجا ومرونة

وفي اعتقادي أن هذا التعريف لن يكون سهلا أو تقليديا، فيبدو أن البلدين في حاجة إلى علاقة أكثر نضجا وحداثة ومرونة، وأن أمام الدولتين كثيرا من القضايا العالقة، كما أن المملكة في مساعيها لتولي مكانة دولية أكبر سوف تتعرض لمزيد من الضوء السياسي المسلط على سياساتها الداخلية والخارجية المختلفة ومن بينها قضايا كالإصلاح السياسي والديمقراطية وحقوق الإنسان

بقى أن نشير إلى أن التقرير الذي عرضناه في المقال الحالي يعبر عن الرؤية والمصالح الأميركية بالأساس تجاه السعودية، والتي لا تعبر بالضرورة عن الموقف السعودي تجاه العلاقات الهامة، وهو موقف يحتاج إلى وقفة خاصة ونظرة مستقلة ليس موضعها المقال الحالي

---

لقراءة النص الكامل للتقرير، يرجى زيارة

http://www.fas.org/sgp/crs/mideast/RL33533.pdf

Wednesday, May 27, 2009


إسرائيل الأخرى: رؤية من الداخل

عرض بقلم: علاء بيومي

يمكن نشر المقال مع الإشارة إلى مصدره
www.alaabayoumi.com

نص المقال

الكتاب الراهن يحتوي على بعض الأفكار الهامة والمفيدة عن إسرائيل من الداخل، ولكنه وللأسف لا يرتقي إلى الوعود التي قطعها المؤلف على نفسه في مقدمة كتابه لسبب رئيسي هو ضعف منهج الكتاب نفسه

فالكتاب الصادر عن الدار العربية للعلوم ومركز الجزيرة للدراسات في أبريل الماضي يبدأ بمقدمة في غاية الوضوح والأهمية تتحدث عن "فجوة كبيرة" في متابعة العرب لما يجري يوميا داخل إسرائيل، وأن العرب في حاجة إلى تخطي المعرفة "الإعلامية والصحافية" اليومية عن إسرائيل إلى "معرفة العمق والجوهر"، كما يقول "أن العالم العربي يفتقر إلى كثير من المعلومات المباشرة عن إسرائيل، فما هو متوفر إلى الآن ما هو إلا من باب العموميات"

فصل أول محبط

ولكن سرعان ما يصاب القارئ بقدر من خيبة الأمل خاصة بعد الانتهاء من قراءة الفصل الأول من الكتاب (الاقتصاد الإسرائيلي.. حاضرا ومستقبلا) والذي قد يدفع القارئ المتسرع إلى اتخاذ قرار بعدم إكمال الكتاب بسبب ضعف بنية هذا الفصل، والذي يقول أن الاقتصاد الإسرائيلي يعاني من ارتفاع تكاليف الأمن وزيادة نفقات الحرب، وأنه يتوجه منذ بداية التسعينيات بخطى سريعة نحو الخصخصة والتي زادت من الفجوة بين الغني والفقير في إسرائيل بشكل كبير يصب في غير صالح فلسطيني الداخل بشكل أساسي

كما يقول أن إسرائيل "تعمل جاهدة إلى بسط سيطرتها بل هيمنتها على موارد وثروات المنطقة برمتها"، وذلك ضمن ما يسمى "بمشروع الشرق الأوسط الجديد"، وخير مثال على ذلك انتقال قطاعات صناعية من إسرائيل إلى الأردن - على رأسها قطاع الغزل والنسيج - وتنامي التجارة بين البلدين، لذا يحذر مؤلف الكتاب - جوني منصور - من أن إسرائيل اخترقت المقاطعة العربية الاقتصادية لها، وأن الاختراق سيتواصل إلى "أصغر مصلحة وورشة اقتصادية في العالم العربي" وهو تحذير يبدو خطابيا ومبالغا فيه بشكل واضح

ثم يركز المؤلف – جوني منصور - في بقية الفصل على ظاهرة الفقر وتفاقمها في إسرائيل باعتبارها أزمة إسرائيل "الحقيقية" حيث وصلت معدلات الفقر في إسرائيل في عام 2006 إلى 20.2%، ويتناول بعض الخطط الحكومية لمعالجة الفقر من خلال تشجيع الإنتاج ومعالجة ظاهرة الفقر لدى فلسطيني الداخل واليهود المتدينين، وتقليص عدد العمال الأجانب بإسرائيل

وللأسف يترك الفصل الأول قارئه بعدد من الأسئلة يفوق ما قدمه من إجابات، فهو لا يساعدك على معرفة حجم الاقتصاد الإسرائيلي أو طبيعة القطاعات الرئيسية المكونة له أو حتى حجم الناتج القومي الإسرائيلي ونصيب الفرد منه، وهي معلومة يؤجلها المؤلف - لسبب غير مفهوم – حتى الفصل الثاني عشر من الكتاب والذي يتحدث عن تراجع دولة "الرفاه" في إسرائيل

ولا يمدك الفصل الأول كذلك بإحصاءات ضرورية عن وزن قطاعات الاقتصاد الإسرائيلي المختلفة ولا عن طبيعة النخب المسيطرة على تلك الصناعات وعلاقتها بالجيش والحروب التي يشير إليها المؤلف، كما لا يسعف القارئ أيضا بمعلومات عن طبيعة صناعة القرار الاقتصادي، فهل هو متروك كلية لرجال الأعمال؟ أم أنه يتم مناصفة بالتعاون مع الحكومة؟ أو غير ذلك من الأسئلة التي كنت تنتظر الإجابة عنها في دراسة علمية عن الاقتصاد الإسرائيلي

وبسبب كثرة الأسئلة غير المجاب عليها قد يشعر القارئ بالإحباط ويتوقف عن قراءة الكتاب، ولكن القرار بالتوقف قد يحول بين القارئ وبين تقييم الكتاب تقييما أمينا، وقد يحرمه أيضا من بعض الأفكار المفيدة الواردة في الكتاب، والتي سوف نشير إليها تباعا

مشكلة منهج

عموما مشاكل الفصل الأول تتكرر كثيرا عبر صفحات الكتاب (232 صفحة) وفصوله الأربعة عشر وتشعرك بأن المؤلف يقع في فخ "العموميات" الذي حذر منه في مقدمه كتابه، ومع الاستمرار في قراءة الكتاب تشعر بالحيرة لأنه يحتوي على أفكار جيدة عن إسرائيل من الداخل وموقع عرب 48 فيها وموقف الإسرائيليين منهم، ولكن للأسف تعاني تلك الأفكار من سوء العرض والتنظيم إذا صح التعبير

فالكتاب يبدو وكأنه مجموعة من المقالات الطويلة نسبيا والتي تتمتع بقدر من العمق التحليلي الذي قد لا يتوافر في المقالات الصحفية بالضرورة نظرا لقصر الأخيرة النسبي، فالمقالات الطويلة التي يقوم عليها الكتاب تسمح لمؤلفه جوني منصور - وهو باحث متخصص في الشأن الفلسطيني - بأن يقدم قدرا كبيرا من الأفكار التحليلية المفيدة، ولكنه للأسف يقدمها بلا ناظم بحثي واضح

فأنت تشعر أنك أمام مجموعة من المقالات المجمعة في كتاب وليس أمام بحث علمي بالمعنى المعروف والقادر على التعامل مع العمق والجوهر من منظور تحليلي كما توحي مقدمة الكتاب، وأبرز دليل على ذلك أن الكتاب لا يحتوي على خاتمة تلخص أهم نتائجه، كما أنه لا يحتوي على مقدمة منهجية توضح تقاسيم الكتاب البحثية وعلاقة فصوله بعضها ببعض

أكثر من ذلك تبدو فصول الكتاب مبعثرة بعض الشيء، فالكتاب يبدأ بفصل أول عن الاقتصاد تتبعه فصول عديدة ذات طابع سياسي، ثم يعود الكتاب مرة أخرى في الفصلين الثاني عشر والثالث عشر وقبل الأخير من الكتاب ليتحدث عن دولة الرفاه وعن التعليم في إسرائيل، وكنت تتوقع أن يتم دمج الفصول الثلاثة المتعلقة بالاقتصاد والسياسات الاجتماعية والتعليم سويا، ولكن للأسف لا يحدث ذلك لسبب غير مفهوم

كما كنت تتوقع أيضا أن يركز الكتاب بشكل مباشر وفي جزءه الأكبر على القضايا غير السياسية وغير الدولية المتعلقة بإسرائيل، وذلك مثل الاقتصاد والظروف الاجتماعية والتعليم والتطورات الدينية والثقافية داخل إسرائيل والتي قد تغيب عن القارئ العربي خارج إسرائيل بسبب التركيز الصحافي المتزايد على سياسات إسرائيل الخارجية تجاه الأطراف العربية المختلفة

ولكن للأسف لا يقوم الكتاب بذلك بل يركز بالأساس على قضايا السياسة وعلى علاقة إسرائيل بالأطراف العربية المختلفة - والتي يجيد المؤلف الحديث عنها بوضوح كما يظهر خلال الكتاب، وفي الحقيقة هذا أمر لا يعد عيبا في حد ذاته، فالكاتب يتحدث عن هذه القضايا من منظور داخلي، يشعرك بأنه متابع لما يدور داخل إسرائيل ويعيش معاناة عرب الـ 48، كما يشعرك أيضا بأنه قادر على تقديم الجديد بهذا الخصوص

ويبدو في الواقع أن الكتاب يركز في ثلاثة أرباعه تقريبا على القضايا السياسية والخارجية في حين يدفعك عنوان الكتاب ومقدمته إلى أن تتوقع أن يعطي المؤلف مزيد من الاهتمام المباشر لقضايا داخلية كالاقتصاد والتعليم والثقافة والدين البعيدة نسبيا عن التغطية الصحفية اليومية لإسرائيل في الإعلام العربي

أضف إلى ذلك مشكلة أخرى تتعلق بعملية صناعة القرار في إسرائيل، فكنت تتوقع أن يساعدك كتاب يتحدث عن إسرائيل من الداخل على فهم عملية صناعة القرار في إسرائيل وطبيعة النخب المسيطرة عليها والتفاصيل الدقيقة لذلك، أو أن يساعدك على معرفة أسماء نخب ومؤسسات هامة داخل إسرائيل تؤثر على تلك السياسات ولا يعرف عنها القارئ العربي الكثير، ولكن للأسف تدور أحدث الكتاب حول هيئات ومؤسسات معروفة مثل الحكومة وقيادات الجيش وتكتلات ضخمة مثل اليهود الغربيين واليهود الشرقيين واليهود المتدينين وعرب 48 والبدو وهي بدون شك هيئات وتجمعات هامة، ولكنها تشعرك أحيانا كثيرة بأنها كيانات معروفة ومتداول أسمائها

المفارقة هنا هي أن الكتاب مليء بالإحالات والمراجع إلى أفكار مثقفين إسرائيليين ومراكز بحثية إسرائيلية وأطروحات لمفكرين إسرائيليين يقول المؤلف أنها هامة ومؤثرة، ولكن للأسف يتنقل المؤلف بين تلك المصادر بسرعة مفرطة ولا يتوقف ليشرح لك طبيعة هذا المركز البحثي أو سبب أهميته أو علاقته المباشرة بعملية صناعة القرار، فهو يكتفي غالبا بالقول بأن الأطروحات التي يتعامل معها هامة ومؤثرة، ولكنه لا يقول لماذا؟، وربما تلخص هذه النقطة مشكلة الكتاب الرئيسية، وهي غياب التقسيمات المنطقية التي تبنى عليها الدراسات البحثية

فالكتاب يبدو وكأنه كتب كمجموعة مقالات متفرقة – لا تخلو من أفكار هامة - جمعت سويا في كتاب، وأنه يعاني بوضوح من غياب منهج جامع يقسم الكتاب إلى أبواب واضحة يوفر كل منها نظرة تحليلية مفصلة لطبيعة الظاهرة التي يتعامل معها المؤلف تربط بين الأصل والفرع وبين النتائج والمقدمات

أفكار الكتاب الرئيسية

لذا تبدو أفكار الكتاب والتي لا تخلو من أهمية وجدية بدون رابط في كثير من الأحيان سوى كونها تدور حول عدد من الأفكار الكبرى الرئيسية والهامة التي يعنى بها المؤلف، حيث يرى جوني منصور أن اتفاقية أوسلو التي تقوم عليها عملية السلام الحالية أهملت عرب 48 ولم تضعهم على طاولة المفاوضات، في حين أن إسرائيل من الداخل تبحث عن تسوية شاملة تشمل عرب 48 والدول العربية المحيطة بها، فإسرائيل من الداخل تعيش مرحلة استقطاب متزايد بسبب نمو التيارات اليمينية العلمانية منها والمتدينة والتي تدفع البلد في اتجاه الفصل العنصري المقنن، وتأجج خوف الإسرائيليين الديمغرافي من عرب 48 لذا تبحث إسرائيل عن اتفاقية سلام تساعدها على التخلص من عرب 48 وتساعدها على تبادل الأراضي مع الدول العربية المحيطة بها

فإسرائيل – كما يرى المؤلف – لن تتخلى عن أجزء من هضبة الجولان تسيطر على منابع المياه هناك، لذا فهي تسعى إلى اتفاقية سلام تسمح بتعويض دمشق عن بعض أراضي الجولان هضبة التي سوف تحتفظ بها إسرائيل في مقابل تنازل لبنان لسوريا عن بعض الأراضي ضمن تسوية شاملة مع إسرائيل تشمل أيضا تبادل أراضي بين الأردن وإسرائيل وسوريا والسلطة الوطنية الإسرائيلية

وحتى يحدث هذا الأمر تعيش إسرائيل من الداخل حالة استقطاب طبقي متزايد وعنصري حاد ومتزايد، فالمجتمع الإسرائيلي مقسم بطبيعته لطبقات تستعلي على بعضها بعضا، فاليهود الغربيون يعتلون القمة يليهم اليهود الشرقيون واليهود المتدينون وفي أسف السلم يأتي عرب 48 ثم البدو

وتبدو طبقية إسرائيل مدعومة بالسياسة والاقتصاد معا، فاليهود الغربيون يسيطرون سياسيا واقتصاديا على إسرائيل، واليهود الشرقيون يحاولون اكتساب مزيد من المزايا من الحكومة الإسرائيلية من خلال التشدد والتحرك نحو اليمين وهو أمر يأتي على حساب العرب بالأساس، وعلى حساب الطبقات الفقيرة كاليهود المتدينين والعرب والبدو

والحكومات الإسرائيلية تبدو عاجزة عن التعامل مع الصراعات الطبقية في إسرائيل، فهي تعاني من عدم الاستقرار ومن قصر العمر ومن قضايا الفساد التي تلاحق السياسيين الإسرائيليين تباعا ومن الانشغال بقضايا الأمن والحرب، وهي أسباب تحول مجتمعة بين اتخاذ مواقف حاسمة ضد صراع النخب الإسرائيلية والاستقطاب الإسرائيلي المتزايد داخل إسرائيل

الصهيونية الجديدة

الاستقطاب المتزايد أضعف الصهيونية التقليدية والتي يمثلها حزب العمل الإسرائيلي والتي كانت تدعو إلى بوتقة صهر إسرائيلية تذيب الفوارق بين الجماعات اليهودية المشكلة لإسرائيل بالأساس، وتسعى إلى السلام مع الفلسطينيين في دولة خاصة بهم مع رفض حق العودة إلى الأراضي التي تسيطر عليها إسرائيل حتى تبقى إسرائيل دولة يهودية

ولكن بوتقة الصهر هذه فشلت أمام الصهيونية الجديدة والتي تميل إلى اليمين والتشدد والعنصرية، فقد تمسكت الجماعات اليهودية المختلفة المكونة لإسرائيل بخلفياتها الأخرى علمانية كانت أو دينية وعجزت عن الاتفاق على تعريف واحد للهوية اليهودية، كما رفضت الجماعات اليمينية المتشددة الاعتراف بوجود شعب فلسطيني يعيش في داخل أو خارج إسرائيل على الرغم من اقتراب الحكومات الإسرائيلية على الاعتراف بالشعب الفلسطيني وبدولة خاصة به

في المقابل تقوم الصهيونية الجديدة المدعومة بتيارات يمينية أميركية وغربية على مبدأ القوة والقوة فقط من خلال التشدد داخليا ضد عرب 48 وتعبئة إسرائيل في اتجاه مواجهات خارجية متجددة، لذا يرى المؤلف أن الصهيونية الجديدة المسيطرة حاليا لن تقبل بأي تسوية مع الفلسطينيين، وإن اقتراب تلك التسوية يزيد من تشدد الصهيونية الجديدة ضد عرب الداخل لأنه يدفع اليمين الإسرائيلي إلى التفكير في أسئلة صعبة مثل مستقبل دولته والانصهار الفاشل بين الجماعات اليهودية المختلفة داخل إسرائيل ووضع عرب إسرائيل أنفسهم

ويقول جوني منصور أن الضغوط التي يشعر بها الصهاينة الجدد تزيد لأسباب ديمغرافية نابعة من تراجع الهجرة اليهودية إلى إسرائيل حتى وصلت إلى هجرة سلبية (تاركة لإسرائيل) منذ عام 2005، وأن ذلك يعود لانصهار يهود الخارج في مجتمعاتهم الغربية لأسباب اجتماعية وثقافية، وتراجع أعداد اليهود الشرقيين بشكل كبير وكانوا في الماضي يشكلون مصدرا رئيسيا للهجرة إلى إسرائيل، في حين يتركز حاليا اليهود المقيمون خارج إسرائيل في الدول الغربية بالأساس، ونظرا لأن إسرائيل تميل ثقافيا إلى الغرب ولتفضيل اليهود المقيمون في إسرائيل الهجرة إلى الغرب ولكون اليهود الغربيون يمثلون رافدا مهما للدعم السياسي والمالي في إسرائيل فإن الهجرة العكسية من إسرائيل إلى الغرب تبدو وكأنها التوجه السائد في المستقبل

أضف إلى ذلك التناحر الداخلي بين الجماعات اليهودية ذاتها والتي تغلب مصالحها الفئوية على المصلحة العامة وتعاني من تراث تاريخي يسوده الاستقطاب والتمييز المتبادل

في ضوء ما سبق تزيد العنصرية الداخلية ضد عرب 48، حيث يرى المؤلف أن إسرائيل تتحرك ثقافيا وأيدلوجيا نحو لفظهم ورفض وجودهم خاصة وأن نسبتهم في إسرائيل يتوقع لها الزيادة من الخمس حاليا إلى الربع في عام 2025 كما يوضح الكتاب في فصله الرابع (المسألة الديمغرافية.. تهديد أم وهم)، وهو من أفضل فصول الكتاب وأكثرها تماسكا نظرا لما يحتوي عليه من إحصاءات واضحة عن أعداد عرب 48 وتطورهم والأفكار المطروحة ضدهم والتي تدور في مجملها على ضرورة التخلص منها ضمن أي تسوية سلمية مستقبلية شاملة بهدف الحفاظ على إسرائيل يهودية نقية، وذلك على الرغم من عدم الإعلان على أي خطط سياسية لتهجير عرب 48 من إسرائيل حتى الآن كما يوضح المؤلف

إيران

على الساحة الخارجية يبدو تركيز إسرائيل الأساسي منصب على مواجهة إيران والتي تعتبرها إسرائيل الخطر الأكبر عليها في الوقت الراهن، وهنا يتنبأ المؤلف بنجاح أن تعجز إسرائيل على توجيه ضربة عسكرية لمنشئات إيران النووية في أواخر عهد حكومة الرئيس الأميركي السابق لأن حكومة بوش رفضت ذلك، ولكنه يتنبأ بأن توجه إسرائيل مثل تلك الضربة إلى إيران "في فترة قريبة"، أو في أوائل العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين كما يرى المؤلف

ويتضح من التنبؤ السابق أن المؤلف انتهي من كتابة دراسته - المنشورة في أبريل 2009 - في منتصف عام 2008 تقريبا فأحدث تاريخ يحتوي عليه الكتاب هو يوليو 2008 في حين تدور غالبية أحداث الكتاب الهامة في نهاية عام 2007 وأوائل عام 2008 كما يظهر من التواريخ المذكورة في الكتاب، لذا يبدو الكتاب قديما بعض الشيء مقارنة بتاريخ صدوره

وتظهر هذه القضية بوضوح فيما يتعلق بالشأن الأميركي فهو يتحدث عن إدارة الرئيس الأميركي السابق جورج دبليو بوش باعتبارها الإدارة الأميركية "الحالية" ولا يشير إلى الانتخابات الرئاسية الأميركية السابقة (2008) إلا إشارة عابرة باعتبار أن عام 2008 هو عام "انتخابات" أميركية وأن تلك الانتخابات ستقود إلى رئيس أميركي جديد في حاجة إلى فترة لدراسة ملف إيران النووي

لذا لا يتناول الكتاب مواقف مرشحي الرئاسة الأميركية الرئيسيين تجاه عملية السلام ولا يتعامل معهم أصلا مما يعطي الانطباع مجدد بتراجع الإطار الزمني للكتاب مقارنة بتاريخ صدوره

أفكار هامة تحتاج إلى عرض أفضل

في النهاية بقى لنا أن نشيد بالأفكار الجيدة المطروحة داخل الكتاب والتي تشعرك بأن مؤلفه يتحدث من داخل إسرائيل نفسها وليس من خارجها كحال غالبية الكتابات المتعلقة بإسرائيل، فهو يتحدث كمتابع للشأن الإسرائيلي من الداخل ويتنقل بين الملفات الرئيسية العديدة المعنية بإسرائيل مثل اقتصادها وحال التعليم والعدالة الاجتماعية بداخلها ومواقف الإسرائيليين المختلفة تجاه سوريا وإيران والتسوية مع الفلسطينيين وعرب 48 والعلاقة مع أميركا والدولة الغربية

الأفكار السابقة جميعها أفكار هامة تناولها الكاتب بجدية واقتدار ولكن طبيعة منهج الكتاب ذاته أعاقت المؤلف ووضعته في موضع وسط بين البحث العلمي والكتاب الصحفية مما قد يرهق قارئ الكتاب ويشعره بأن المؤلف لديه الكثير ولكنه بحاجة إلى أسلوب أفضل لعرض أفكاره الهامة

Tuesday, May 19, 2009

إيران: أين نحن اليوم؟
تقرير مقدم إلى لجنة العلاقات الدولية بمجلس الشيوخ الأميركي في الرابع من مايو 2009
بقلم: علاء بيومي

يمكن نشر المقال مع الإشارة إلى مصدره
www.alaabayoumi.com

نص المقال

أبرز ما ورد في هذا التقرير الصادر عن لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ الأميركي في مطلع الشهر الحالي هو تأكيده على الطبيعة السياسية لمشكلة إيران النووية، فهو يؤكد أن أصل المشكلة سياسي وأن حالها سياسي أيضا

فالتقرير - والذي اعتمد على معلومات استخباراتية غير سرية - يؤكد أن إيران لا تمتلك القدرة على إنتاج سلاح نووي حتى الآن وإن كانت تقترب منها تدريجيا، وأنه لا توجد "أدلة" تثبت أن إيران تسعى لإنتاج سلاح نووي أو أن قادة إيران "أمروا" بإنتاج هذا السلاح

كما يؤكد أيضا أنه لو قررت إيران الإعلان عن كافة جوانب برنامجها النووي وإخضاعه للرقابة الدولية مع التمسك بحقها في تطوير الوقود النووي - والذي يكفله لها كونها أحدى الدول الموقعة على اتفاقية حظر انتشار الأسلحة النووية - فإن ذلك لن يبدد مخاوف خصومها وعلى رأسهم إسرائيل

وهنا يوضح التقرير أن إنتاج سلاح نووي يتطلب التحرك على ثلاثة مستويات ضرورية، أولها إنتاج اليورانيوم عالي التخصيب والذي يمكن أن يمثل المادة المتفجرة داخل القنبلة النووية، وحتى الآن تمتلك إيران كمية من اليورانيوم منخفض التخصيب – حوالي طن أو أكثر. وهي كمية كافية لإنتاج قنبلة لو قررت إيران ذلك، وسوف يستغرق تحويل اليورانيوم منخفض التخصيب إلى يورانيوم عالي التخصيب عدة أسابيع وفقا لبعض التقديرات، وبعد ذلك تبدأ عمليه تحويل اليورانيوم عالي التخصيب إلى قلب القنبلة النووية، وهي عملية صعبة تكنولوجيا تستغرق ستة أشهر

وهذا يعني أن تحويل اليورانيوم منخفض التخصيب الذي تمتلكه إيران إلى مادة قنبلة نووية يحتاج إلى أكثر من ستة أو سبعة أشهر على أقل تقدير، كما يحتاج إلى تحويله إلى يورانيوم عالي التخصيب ثم إلي مادة سلاح نووي، وهذا بالطبع وفقا لأكثر التقديرات مبالغة في قدرة إيران النووية كما يبدو من التقرير

أما المكون الثاني فهو الرأس النووية ذاتها، وقد كشف معلومات استخبارتية حصلت عليها أميركا في عام 2004 أن إيران لديها تصميم دقيق لرأس نووية، وقد نفت إيران هذه المعلومات، وتؤكد معلومات استخبارتية أخرى أن إيران توقفت عن تطوير الرأس النووي في أواخر عام 2003 ولا تتوافر أدلة حتى أواخر عام 2007 - على أقل تقدير - تثبت أن إيران استأنفت بناءها للرأس النووية

أما المكون الثالث فهو السلاح القادر على حمل الرأس النووية، وهنا يرى التقرير أن إطلاق إيران لقمر صناعي في فبراير الماضي يعزز قدرتها في هذا الصدد خاصة مع سعيها لتطوير ترسانتها من الصواريخ الباليستية بعيدة المدى

وهذا يعني أن مكونات القنبلة النووية ثلاثة وهي الوقود والرأس وأداة التوصيل، وأن إيران بعيدة تكنولوجيا حاليا عن إنتاج العناصر الثلاثة مجتمعة، وأنه لا توجد أدلة تثبت أصلا سعي إيران لامتلاك العناصر الثلاثة مجتمعة من أجل بناء قنبلة نووية

المؤكد هنا – وفقا للتقرير – هو أن إيران دولة موقعة على اتفاقية حظر الانتشار النووي مما يعطها الحق في تطوير الطاقة النووية لأغراض سلمية وهو ما تؤكد عليه إيران، ولكن هذا لا يعني أن إيران بريئة تماما في سلوكها كما يرى التقرير

إذ يشير التقارير إلى أن برنامج إيران لتطوير الوقود النووي بدأ في نهاية الثمانينات خلال حربها مع العراق، وكشف عنه في عام 2002 بعدما حصلت جماعات معارضة إيرانية على معلومات بشأنه على الرغم من تكتم إيران عليه، وتحت الضغط أوقفت إيران برنامجها النووي في نهاية عام 2003 وربما يكون لذلك علاقة بالغزو الأميركي للعراق خلال تلك الفترة وفقا للتقرير

ومع تخبط الدور الأميركي في العراق عادت إيران لتطوير الوقود النووي في نهاية عام 2005، وخلال تلك الفترة وبعدها ثبت لوكالة الطاقة الذرية أن إيران تخفي معلومات عن برنامجها النووي وعن مواقع تطوير هذا البرنامج المنتشرة حول إيران، وأن إيران أيضا لا تتعاون مع المجتمع الدولي في الكشف عن برامجها النووية، وهو أمر دفع الوكالة إلى رفع شكواها إلى مجلس الأمن في فبراير 2006، الذي بدأ في إقرار عقوبات على إيران في شهر ديسمبر 2006 تلتها عقوبات أخرى

كما يرى التقرير - والذي اعتمد في إعداده على مقابلات ومعلومات قدمتها الاستخبارات الأميركية والإسرائيلية واستخبارات دول أخرى – أنه بات من المؤكد أن إيران حققت تقدما ملحوظا في تخصيب وقودها النووي وأنها تمتلك حاليا 4000 آلاف طارد مركزي وهو الجهاز المستخدم في تخصيب اليورانيوم، وأنها قادرة على إضافة 1600 طارد مركزي إضافي إذا قررت ذلك، وأن إيران تسعى لامتلاك مزيد من التكنولوجيا النووية وإلى تفادي العقوبات الدولية المفروضة عليها بهذا الخصوص

ولكن التقرير يؤكد - في الوقت ذاته - على عدم وجود دليل يثبت أن سعي إيران لتخصيب اليورانيوم يعني سعيها لامتلاك سلاح نووي، فاليورانيوم المخصب وحده لا يكفي لإنتاج مثل هذا السلاح والذي يحتاج مكونات أخرى كتحويل اليورانيوم إلى مادة سلاح نووي، والرأس النووية وأدوات التوصيل، كما يحتاج إلى قرار سياسي يأمر ببناء سلاح نووي، كما ذكرنا من قبل

هذا يعني أن جوهر المشكلة مع إيران سياسي، فالمشكلة هي أن إسرائيل وبعض جيران إيران والدول الغربية تشك في نوايا إيران، وتتبنى أسوأ الفروض في التعامل معها، وترى أن برنامج إيران للطاقة النووية هو مقدمة لبرنامج تسلح نووي

ويقول التقرير أن تلك الدول لن ترضى عن إيران حتى لو كشفت جميع المعلومات المتعلقة بنشاطها النووي بشرط الاستمرار في برنامجها السلمي، وذلك لسببين، أولهما إن امتلاك القدرة على تخصيب اليورانيوم يمثل خطوة هامة على طريق إنتاج القنبلة النووية، فالتقرير يرى أن إيران قادرة على إنتاج سلاح نووي تدريجيا إذا قررت ذلك.
أما السبب الثاني وهو الأهم فهو أن خصوم إيران يشكون فيها لدرجة لا يتعايشوا فيها مع إيران تمتلك القدرة على تخصيب اليورانيوم حتى لو تم ذلك تحت أعين المجتمع الدولي، فهو يقول أن الإسرائيليين ينظرون نحو إيران من منظور "أسوأ الفروض"

وهذا بالطبع يضع صانع القرار الأميركي في موقف صعب، فالتقرير يؤكد على أن "هجوم إسرائيل (على إيران) سوف يهدد مصالح أميركا وبلدان أخرى في المنطقة"، وأن حل مشكلة برنامج إيران هو حل سياسي يقع في يد قادة إيران أنفسهم، فهم القادرون على اتخاذ قرار برفض المضي قدما في إنتاج سلاح نووي

لذا يبرز التقرير سعى إدارة أوباما إلى الدخول في محادثات مباشرة مع إيران بخصوص برنامجها النووي، كما يقول في خاتمته أن أميركا تحتاج إلى حل دبلوماسي مع إيران لأن ذلك سوف "يفتح الباب لعلاقات أميركية إيرانية أفضل في قضايا مثل التطرف في الشرق الأوسط، وتسهيل خروج القوات الأميركية من العراق، وجلب الاستقرار لأفغانستان، ويمكن أيضا أن تمنع قيام سباق للتسلح النووي بالشرق الأوسط"

وبهذا يتبنى التقرير في خاتمته نبرة دبلوماسية تعكس نظرته لمشكلة إيران النووية كمشكلة سياسية بالأساس

----

للإطلاع على نص التقرير، يرجى زيارة

Monday, May 11, 2009

الكويت: الأمن والإصلاح وسياسة أميركا

بقلم: علاء بيومي

يمكن نشر المقال مع الإشارة إلى مصدره
www.alaabayoumi.com

نص المقال

سيطرت مفاهيم الأمن والإصلاح السياسي وتبعات الأزمة الاقتصادية على أحدث تقارير خدمة أبحاث الكونجرس عن الكويت

حيث ركز التقرير - الصادر في شهر أبريل الماضي - على الأوضاع السياسية بالكويت والتي تسيطر عليها – وفقا للتقرير – ثلاثة صراعات سياسية أساسية تشكل المشهد السياسي هناك، وهي الوضع داخل الأسرة الحاكمة، والصراع بين الحكومة ومجلس الأمة الكويتيين، والتوتر بين السنة والشيعة بالكويت

الإصلاح السياسي

أولا: "صراع على الحكم" بين فرعي الأسرة الحاكمة (الجابر والسالم) والذي زاد بعد أن اختار أمير الكويت الحالي الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح أحد أفراد عائلة الصباح كولي للعهد وهو الشيخ نواف الأحمد الجابر الصباح متخطيا قاعدة التناوب بين فرعي الصباح والسالم مما أشعل التوتر بين طرفي العائلة منذ ذلك الحين كما يرى التقرير

ثانيا: الصراع بين السلطة التنفيذية والسلطة التشريعية والذي أدى إلى حل مجلس الأمة الكويتي لثلاثة مرات في عهد الأمير الحالي والذي تولى الحكم في يناير 2006

ويقول التقرير أن الفصل بين منصبي ولي العهد ورئيس الحكومة منذ يوليو 2003 ساهم في زيادة التوتر بين السلطتين حيث يصر أعضاء البرلمان أحيانا على استجواب رئيس الوزراء وهو ما يتعارض مع التقاليد السياسية في البلاد

لذا توقع التقرير المختصر أن يقوم أمير الكويت بتعيين ولي العهد الحالي في منصب رئيس الوزراء بعد الانتخابات المقبلة المقرر عقدها في 19 مايو الحالي حتى يتمكن من الحد من الأزمة المستمرة بين السلطتين التشريعية والتنفيذية والتي عطلت قرارات كويتية كبرى بما في ذلك إقرار حزمة مالية تنشيطية كبرى تقدير بخمسة مليارات دولار أميركي كان من المقرر تمريرها لمواجهة تبعات الأزمة الاقتصادية الدولية على الكويت

ويشير مؤلف التقرير - الباحث كينيث كاتزمان - إلى أن الانتخابات الكويتية المتعاقبة لم تؤد إلى تغيير يذكر في الخريطة الانتخابية الكويتية فيما عدا صعود التيارات الإسلامية وزيادة عدد النواب الشيعة في مجلس الأمة الكويتي، كما يعطي التقرير الانطباع بين الصراع بين السلطتين التشريعية والتنفيذية هو في حقيقته صراع غير مبرر نابع من رغبة كل طرف في تأكيد سلطته وصلاحياته في مقابل الطرف الأخر

ثالثا: الصراع بين السنة والشيعة، حيث يقدر التقرير نسبة شيعة الكويت بحوالي 30% من السكان ويقول أنهم مازالوا يشتكون من "التمييز الرسمي" والذي يظهر في الحد من فرص تلقيهم للتعليم الديني وفي شعورهم بعدم رغبة الحكومة في السماح ببناء مساجد شيعية

ويشير التقرير إلى أن التوتر الشيعي السني يطفو على السطح أحيانا كما حدث في فبراير 2008 حين حضر بعض القادة السياسيين الشيعة سرادق عزاء لعماد مغنية القيادي في حزب الله، وكما حدث في نوفمبر 2008 حين اعترض نواب سنة بمجلس الأمة الكويتي على زيارة رجل ديني شيعي إيراني رأى النواب أنه أساء للسنة

ولا ينسى التقرير الإشادة بتوسع الكويت في منح الحقوق السياسية للنساء ولأبناء المجنسين ومنح العمال الأجانب حقهم في الانضمام لاتحادات

العراق

يقول التقرير أن العراق كان وما يزال "مصدر القلق الخارجي الرئيسي" بالنسبة للكويت، ويوضح أن الكويت بعد استقلالها في عام 1961 كانت أول دولة خليجية تقيم علاقات مع الإتحاد السوفيتي، وأن الكويت لم تكن "قريبة" بشكل خاص من أميركا حتى بدأت الحرب العراقية الإيرانية

وهنا يتناول التقرير سلسلة أحداث تاريخية ساهمت في إحداث التقارب الأميركي الكويتي يأتي على رأسها بالطبع الغزو العراقي للكويت وقيادة الولايات المتحدة لحرب عاصفة الصحراء في 1991 والتي مولتها الكويت بمبلغ 16 بليون دولار أميركي، وفي نهاية عام 1991 عقدت الكويت اتفاقية دفاع مع أميركا (غير معلنة الشروط) لمدة عشر سنوات جددت في عام 2001 لعقد إضافي

ومنذ 1991 والكويت تستضيف قوات أميركية على أراضيها وتقدم تسهيلات للعمليات العسكرية الأميركية في العراق، وهي تسهيلات زادت بدرجة كبيرة خلال الغزو الأميركي للعراق في عام 2003 حيث أغلقت الكويت – كما يشير التقرير – "النصف الشمالي من أراضيها" لتأمين الغزو كما سمحت باستخدام مطاراتها وموانيها من قبل القوات الأميركية، وقدمت حوالي ربع مليار دولار أميركي مشاركة منها في تحمل تكاليف العمليات العسكرية

ويقول التقرير أن الدعم الذي قدمته الكويت لأميركا خلال غزو العراق دفع الولايات المتحدة لتصنيف الكويت كدولة "حليف رئيسي خارج الناتو" وهو تصنيف لا تندرج تحته دول خليجية أخرى غير البحرين

وتقول الدراسة المختصرة أن الكويت مازلت تستضيف على أراضيها حوالي 50 ألف جندي أميركي من المشاركين في العمليات العسكرية في العراق، وأنها تعد "مخرج" رئيسي للقوات الأميركي في العراق ضمن خطة الانسحاب التدريجي من العراق التي تتبناها إدارة الرئيس الأميركي الحالي باراك أوباما

ويقول التقرير أن العراق مازال يسيطر على سياسة الكويت الخارجية حتى بعد زوال صدام حسين، فالكويت مازلت تخشى تبعات صعود حكومة شيعية في العراق على الأقلية الشيعية داخلها، وعلى علاقتها بإيران، وكذلك لكون "حزب الدعوة" الحاكم في العراق سبق وأن شارك في عمليات عدائية ضد الكويت في الثمانينات

ويرى التقرير أن مخاوف الكويت السابقة لم تمنعها من تقديم معونات إنسانية للشعب العراقي تقدر بحوالي نصف مليار دولار أميركي منذ الغزو، ومن تعيين سفير "شيعي" بالعراق، السفير علي المؤمن

أما فيما يتعلق بملف التعويضات والديون، فيقول التقرير أن الملف ملتبس ففي الوقت الذي أعلنت فيه الكويت عن نيتها إسقاط جزءا كبيرا من الديون المتراكمة على العراق (25 مليار دولار) فأنها لم تسقط تلك الديون رسميا حتى الآن

كما أن الكويت مازلت تطالب العراق بسداد التعويضات التي أقرتها الأمم المتحدة بعد الغزو، وتقدر بحوالي 41 مليار دولار تلقى منها الكويتيون حوالي 13 بليون دولار فقط، وإن كانت الكويت قد وافقت في عام 2003 على تخفيض نسبة عوائد النفط العراقي المخصصة لدفع تلك التعويضات من 25% إلى 5% فقط

الاقتصاد

أخيرا يشير التقرير إلى أن الخلاف السياسي بين الحكومة ومجلس الأمة الكويتيين عطل مشاريع اقتصادية هامة مثل تمويل حزمة حوافز مالية حكومية ضخمة في ظل الأزمة المالية، والموافقة على مشروع حكومي تبلغ قيمته 8.5 بليون دولار يسمح للشركات الأجنبية بالتنقيب عن النفط في حقول الكويت الشمالية، وهو مشروع يعترض عليه مجلس الأمة الكويت ويرى أنه يمس بسيادة الكويت، كما يقول التقرير أن الحكومة الكويتية تراجعت عن مشاريع دولية عملاقة في نهاية عام 2008 بسبب تبعات الأزمة الاقتصادية الدولية، وأن الاقتصاد الكويتي مازال يتعمد على النفط كمصدر أساسي لتمويل الحكومة (75% من الدخل) وللصادرات الكويتية (90%)

وجدير بالذكر أن "خدمة أبحاث الكونجرس" هي مركز أبحاث ممول حكوميا تباع للكونجرس الأميركي يعكف على إعداد تقارير ودراسات حول القضايا الهامة صانع القرار الأميركي

---

للإطلاع على نص التقرير، يرجى زيارة

http://assets.opencrs.com/rpts/RS21513_20090403.pdf

Wednesday, May 06, 2009

الكونجرس الأميركي يدرس التمويل الإسلامي
تحليل بقلم: علاء بيومي

يمكن نشر المقال مع الإشارة إلى مصدره
www.alaabayoumi.com

نص المقال

أشادت دراسة أعدها مركز أبحاث الكونجرس الأميركي عن "التمويل الإسلامي" بالبنوك الإسلامية لكونها "أكثر صلابة في مواجهة التراجع الاقتصادي العالمي والأزمة المالية الدولية مقارنة بالبنوك التقليدية"، وأشارت الدراسة إلى اعتقاد كثير من المراقبين بأن "التمويل الإسلامي يمثل عجلة للتعافي من الأزمة المالية الدولية"، كما توقعت الدراسة بأن "تعزز صناعة البنوك الإسلامية مكانتها في السوق الدولي في ظل بحث المستثمرين والشركات عن مصادر بديلة للتمويل" خلال الأزمة الراهنة وفي المستقبل

الدراسة المختصرة الصادرة عن "خدمة أبحاث الكونجرس" وهي الذراع البحثي للكونجرس الأميركي سعت إلى توعية أعضاء الكونجرس بطبيعة التمويل الإسلامي، وبحجم نموه دوليا خلال السنوات الأخيرة، وبانتشاره في الأسواق الأوربية والأميركية، وببعض المخاوف السياسية التي تثار حوله ليس بسبب طبيعته الاقتصادية ولكن بسبب "الأفكار النمطية السلبية" المنتشرة عن التمويل الإسلامي لدى معارض التمويل الإسلامي في أميركا والدول الغربية

تعريف بالتمويل الإسلامي

لذا بدأت الدراسة الصادرة في أوائل العام الحالي تحت عنوان "التمويل الإسلامي: نظرة عامة وقضايا سياسية" بالتأكيد على تحريم التمويل الإسلامي للربا وللعقود غير واضحة المعالم والمخاطر وكذلك للاستثمار في الصناعات الضارة بالمجتمع من وجهة نظر الإسلام مثل الخمور والإباحية والقمار

كما أبرزت حرص التمويل الإسلامي على الربط بين الأرصدة المالية والأرصدة الحقيقة وعلى رفض اعتبار النقود أرصدة في حد ذاتها

وذكرت الدراسة المختصرة أن التمويل الإسلامي موجود منذ السبعينيات وأن حجم سوقه الحالية يتراوح بين 800 بليون وترليون دولار أميركي، وأنه ينمو حاليا بمعدلات سريعة تتراوح ما بين 10-15% سنويا

وأشار التقرير إلى أن أسواق التمويل الإسلامي الأكبر عالميا تتواجد في منطقتي الخليج وجنوب شرق أسيا، وأن إيران تعتبر السوق الأكبر للتمويل الإسلامي (40% من حجم السوق تقريبا) تليها السعودية وماليزيا والكويت والإمارات وفقا لتقديرات عام 2007

كما أبرز التقرير توسع التمويل الإسلامي في أوربا وفي أميركا، حيث أسس في بريطانيا في عام 2004 سلطة الخدمات المالية بالمملكة المتحدة (FSA) والتي منحت ترخيص لأول بنك إسلامي ببريطانيا وهو (IBB)، كما تم أيضا الترخيص لأول بنك استثمار إسلامي، وهو البنك الأوربي للاستثمار الإسلامي

وفي أميركا أقرت داو جونز في عام 1990 أول مؤشرات للاستثمار الإسلامي في الأسهم الموفقة للشريعة الإسلامية، كما ظهرت عدة شركات معنية بالاستثمار الإسلامي وبالتمويل العقاري

الأزمة الاقتصادية الدولية

ويشير التقرير إلى الضوء الإيجابي الذي سلط على صناعة التمويل الإسلامي خلال الأزمة الاقتصادية الراهنة نظرا لتجنب البنوك الإسلامية المضاربة على المشتقات المالية التي أدت إلى الأزمة المالية الراهنة، لذا بدت البنوك الإسلامية أكثر صلابة في مواجهة الأزمة، كما نظر البعض إلى التمويل الإسلامي كمخرج للتعافي، وتوقعوا لصناعة التمويل الإسلامي مزيد من النمو وتعزيز المكانة في السوق الدولي

ولكن الدراسة تؤكد في نفس الوقت على أن البنوك الإسلامية لم تكن معزولة عن الأزمة لأنها تعمل ضمن النظام المالي العالمي، فعلى سبيل المثال تمتلك البنوك الإسلامية استثمارات كبيرة في قطاع العقارات والتي تأثرت بشدة خلال الأزمة، كما أن تراجع الاقتصاديات الخليجية بفعل الأزمة أثر بدوره على البنوك الإسلامية

ويشير التقرير - في هذا الصدد - إلى الصكوك الإسلامية، ويقول أنه حجم سوقها الدولي يقدر حاليا بحوالي 80 بليون دولارـ وأنها نمت بمعدل يفوق خمس مرات في الفترة من 2004-2—7، ولكن إصدار الصكوك الإسلامية تراجع لأقل معدلاته في السنوات الثلاثة الأخيرة خلال عام 2008

ففي عام 2008 تراجعت مبيعات الصكوك الإسلامية الجديدة إلى 15.8 بليون دولار فقط مقارنة مع 46.7 بليون دولار في عام 2007

مخاوف سياسية

ينتهي التقرير برصد بعض المخاوف المتعلقة بالتعامل مع التمويل الإسلامية وغالبيتها سياسية، حيث يقول أن التعامل بالتمويل الإسلامي مازال يحتاج إلى توحيد القوانين في ظل تنوع تفسيرات الشريعة الإسلامية وتنوع نظم التمويل الإسلامي المعمول بها في الدول الإسلامية

ولكنه يقول أن منتقدي التمويل الإسلامي يخشون من وجود "روابط محتملة" بين المؤسسات الإسلامية و"شبكات التمويل الإرهابية"، ويخشون أيضا من استخدام بعض الدول للتمويل الإسلامي كوسيلة للهروب من العقوبات الاقتصادية الأميركية والدولية

ولكن التقرير يشير أيضا إلى أن مساندي التمويل الإسلامي يؤكدون على أن المخاوف الأمنية المثارة حوله نابعة من "قلة الفهم" ومن "الأفكار النمطية السلبية"، وعلى أن "دمج التمويل الإسلامي للقيم والأخلاق في العمل المالي هو تطور إيجابي خاصة في ضوء فضائح الشركات الاقتصادية الأميركية الأخيرة"

وجدير بالذكر أن خدمة أبحاث الكونجرس هي مركز أبحاث تابع للكونجرس الأميركية وممول حكوميا، ويعمل المركز على إعداد تقارير تتميز بقدر كبير من الحيادية والعلمية حول القضايا التي تثير اهتمام أعضاء الكونجرس وصانعي القرار في الولايات المتحدة بما يعدم عملية اتخاذ القرار

---

للإطلاع على نص الدراسة

http://assets.opencrs.com/rpts/RS22931_20090209.pdf

Sunday, May 03, 2009

تبعات الأزمة الاقتصادية على مكانة أميركا الدولية
قراءة في التقرير الاستراتيجي لعام 2009
الصادر عن معهد الدراسات الوطنية الإستراتيجية
التابع لوزارة الدفاع الأميركية
تحليل بقلم: علاء بيومي

يمكن نشر المقال مع الإشارة إلى مصدره
http://www.alaabayoumi.com/

نص المقال

يقدم مركز الدراسات الوطنية الإستراتيجية التابع لوزارة الدفاع الأميركية في تقريره الاستراتيجي الدولي لعام 2009 الصادر بعنوان "دور أميركا الأمني في عالم متغير" قراءة هامة في تبعات الأزمة الاقتصادية الدولية الراهنة على مكانة أميركا الإستراتيجية عبر العالم

تراجع اقتصادي واستراتيجي واضح

حيث يرى التقرير – في فصله الأول - أن الأزمة الاقتصادية العالمية الراهنة والتي وقعت في جزء كبير منها بسبب إتباع أميركا لسياسات مالية غير مسئولة تركت بالفعل أثارا سلبية على مكانة أميركا الإستراتيجية الدولية يصعب تقدير تبعاتها رغم توافر مؤشرات عديدة عليها

صعوبة التقدير تعود إلى أن الأزمة الاقتصادية الأميركية قادت لأزمة اقتصادية دولية مستمرة حتى الآن من شأنها وقف نمو الاقتصاد العالمي لأول مرة منذ الحرب العالمية الثانية، ولا أحد يعرف حاليا متى ستنتهي أزمة أميركا أو العالم الاقتصادية، في حين يوقن الجميع بأن الخروج من الأزمتين لن يكون سهلا

أما السبب الثاني لصعوبة تقدير تبعات الأزمة الاقتصادية على مكانة أميركا الدولية فهو صعوبة تعريف مصادر القوة الاقتصادية ذاتها والتي تعتمد على مؤشرات عديدة مثل سعر العملة الوطنية وحجم احتياطي الدولة من العملات الأجنبية وحجم صادراتها ومستوى التضخم بل ومؤشرات أخرى عديدة مثل مستوى التعليم والتقدم التكنولوجي والسمعة الدولية

لذا يرى التقرير أن الأزمة ساهمت في تراجع مكانة أميركا الدولية بصفة خاصة والدول الغربية بصفة عامة أمام الدول الأسيوية الصاعدة وعلى رأسها الصين والهند ودول جنوب شرق أسيا النامية اقتصاديا، ولكن هذا التراجع الواضح قد لا يفسح المجال على المدى القصير أو بالضرورة أمام قوة اقتصادية أخرى كالصين على سبيل المثال لكي تحتل مكانة أميركا الاقتصادية الدولية، فاستمرار صعود تلك الدول على المدى الطويل يتوقف على عوامل عديدة، وهذا يعني أن الأزمة الاقتصادية ساهمت في تراجع مكانة أميركا الاقتصادية والدولية بشكل واضح ولكنه نسبي يصعب تقديره إذا حاولنا فهم تأثيره على المدى البعيد

الأبعاد الإستراتيجية للقوة الاقتصادية

ويؤكد التقدير في بدايته على العلاقة بين الاقتصادي والإستراتيجي مؤكدا على أن القوة الاقتصادية هي أساس القوة الإستراتيجية، لأن القوة الإستراتيجية تستمد مواردها الأساسية من جيش قوي وميزانية دفاع ضخمة، وبالطبع يحتاج بناء جيش قوي لثروة هائلة تموله

هذا يعني أن تراجع مكانية أميركا الاقتصادية سوف يؤدي تباعا إلى تراجع نفقاتها العسكرية مما يؤشر بأفول نفوذها الاستراتيجي

هذا إضافة إلى أن القوة الاقتصادية ذاتها هي جزء هام من مكانة الدولة الإستراتيجية، فهي تعني سمعة دولية قوية لأميركا واعتماد دولي على عملتها وسوقها ومؤسساتها المالية وسياساتها الاقتصادية وأيدلوجيتها الاقتصادية السياسية وتدفق رؤوس الأموال الأجنبية على الاستثمار في أميركا ومن ثم دعم نموها الاقتصادي والحفاظ عليه

أخطاء أميركا المالية وبداية الأزمة

ويترتب على ذلك أن أميركا خسرت جزءا هاما من مكانتها الدولية خلال الأزمة الاقتصادية الأخيرة، لأنها عبرت عن فشل أميركا في قيادة العالم اقتصاديا، خاصة وأن الأزمة الاقتصادية الدولية بدأت في أميركا ذاتها وبسبب سياسات مالية خاطئة أتبعاتها أميركا على مدى أكثر من عقد من الزمن وأهدرت كثيرا من أرصدتها وأرصدة العالم المالية

ويقول التقرير أن الأزمة الاقتصادية ظهرت لسببين رئيسيين، أولهما غياب الرقابة المالية من قبل الحكومة الأميركية على مؤسساتها المالية كالبنوك ومؤسسات الإقراض والتأمين والتي أسرفت في منح قروض لا تغطيها أرصدة حقيقية سعيا منها للاستفادة من الفائدة التي تجنيها من الإقراض، حتى باتت تجارة القروض نفسها وما ينتج عنها من أرباح هائلة لا تغطيها أرصدة حقيقية محركا هاما للاقتصاد الأميركي والدولي

ويقول التقرير أن حجم الأرصدة المالية العالمية الحالية بلغ 167 ترليون دولار أميركي في حين أن إجمالي الناتج القومي العالمي لا يتعدى 48 ترليون دولار أميركي فقط، وهذا يوضح الفارق الشاسع الذي يفصل بين حجم الأرصدة المالية الدولية وحجم الاقتصاد الدولي الحقيقي، ويعود هذا الخلل في جزء كبير منه إلى نمو عالم الإقراض والسندات المالية والتي لا تخضع لرقابة حقيقية خاصة في دول كأميركا والتي تمثل أكبر محرك للاقتصاد العالمي

ويقول التقرير أن الشركات المالية الأميركية استثمرت جزءا هاما من أموالها في سوق العقارات الأميركية التي صعدت أسعارها إلى عنان السماء بسبب التساهل في شروط الإقراض، حيث أصبح قطاع العقارات القائم على قروض فاسدة محركا هاما لنمو الاقتصاد الأميركي، وبالطبع ومع استمرار ارتفاع الأسعار المبالغ فيه وعجز المستهلك الأميركي على الاستمرار في الشراء أو تسديد ديونه، بدأت بعض المؤسسات المالية الأميركية تشعر بالأزمة وتحاول تغطية ديونها بأرصدة حقيقية من خلال بيع أسهمها

ومع توافر تلك الأسهم وامتداد الشعور بالأزمة انهارت أسعار الأسهم وانتشرت الأزمة من مؤسسة مالية كبرى لأخرى حتى أطاحت الأزمة ببعض أكبر المؤسسات المالية الأميركية والعالمية على الإطلاق وبات من الصعب التدخل لعلاج الأزمة من خلال سياسات اقتصادية تقليدية مثل خفض سعر الفائدة وال1ي يساعد على تشجيع الاقتراض ومن ثم الدفع بحركة الاقتصاد من جديد

وذلك لأن المستهلك الأميركي فقد الثقة في القروض والاقتراض أصلا، ولم يعد أمام الحكومة الأميركية حلا سوى التدخل لشراء أسهم تلك الشركات وهو حل مكلف للغاية يعيد تشكل فلسفة الحكم والسياسة والاقتصاد في أميركا، كما أنه مكلف ماليا لأنه يحتم على الحكومة شراء أسهم شركات تتهاوي والاستمرار في ذلك حتى تستقر الأسعار المتهاوية عن نقطة ما قد لا يصل لها السوق الأميركي قبل عام 2011 كما يرى التقرير

أما السبب الثاني للأزمة الاقتصادية الدولية فهو أن دول مثل الصين واليابان ودول شرق أسيا ودول الشرق الأوسط امتلكت خلال الفترة ذاتها فوائض مالية ضخمة بسبب الادخار أو الدخول في فترة نمو اقتصادي غير مسبوقة أو بسبب ارتفاع صادراتها من المواد الخام كالنفط، وللأسف توجهت تلك الدول بفوائضها المالية للاستثمار في القطاع المالي الأميركي والذي در عليهم في البداية أرباح عالية للغاية

وبهذا غذت فوائض أسيا عجلة القروض الأميركية الفاسدة، ورحبت أميركا بتلك الأموال في ظل سياسات مالية غير مسئولة لتمويل عجز ميزانيتها والحفاظ على عجلة الإقراض وسوق العقارات والاستهلاك بمعدلات غير مسبوقة، وبذلك تحول السوق الأميركي الضخم وعجز الميزانية الأميركية وإقبال الأميركيين على شراء العقارات والاستهلاك إلى عجلة لتمويل نمو الاقتصاد العالمي

ومع توقف تلك العجلة سادت الأزمة الاقتصادية العالم وبات من المتوقع أن يتراجع نمو اقتصاد أميركا والدول الغربية بنسبة تتراوح بين 2-3% العالم الحالي، وأن يتوقف نمو الاقتصاد العالمي هذا العام لأول مرة منذ الحرب العالمية الثانية وأن يتراجع نمو الصين وغيرها من دول العالم التي تحتفظ بفوائض مالية ضخمة هذا العالم وربما لسنوات قادمة مع استمرار الأزمة الاقتصادية الدولية

تبعات الأزمة على مكانة أميركا الاقتصادية

ترتب على ما سبق تعرض أميركا للمشاكل الاقتصادية التالية

أولا: خسارة 15 ترليون دولار أميركي تبخرت مع انهيار الشركات المالية والاقتصادية والبنوك الأميركي التي أفلست بفعل الأزمة، وهي بدون شكل أموال ضخمة ضاعت على الاقتصاد الأميركي

ثانيا: تراجع قيمة الدولار الأميركي بنسبة 23% في المتوسط أمام العملات الأجنبية في الفترة من 2001 – 2008

ثالثا: خلال الفترة نفسها وصل عجز الميزانية الأميركية إلى 6%

رابعا: تراجع نصيب الدولار كمصدر للاحتياطات النقدية الدولية بنسبة 8%، وهي نسبة كبيرة لأن الدولار يمثل العملة الرئيسية الدولية، وقد ترتب على ذلك تراجع نصيب الدولار بين العملات الرئيسية المسيطرة على التجارة الدولية

خامسا: تراجع الادخار الأميركي لأسوأ معدلاته في 75 عاما، في المقابل زاد الاستهلاك بمعدلات غير مسبوقة

سادسا: نتيجة لذلك لجأت الشركات الأميركية المنهارة إلى بنوك ومؤسسات مالية أسيوية خلال الأزمة المالية من أجل الحصول على قروض تخرجها من أزمتها، حيث تمتلك تلك الدول ثلثي الاحتياطي النقدي العالمي البالغ 7.2 ترليون دولار، حيث تمتلك الصين وحدها 2 ترليون دولار أميركي من الاحتياطات النقدية

تبعات الأزمة على مكانة أميركا الإستراتيجية

ويقول التقرير أن الخسائر الكبيرة السابقة الظاهرة في المدى المنظور من شأنها أن تترك تبعات بعيدة المدى على مكانة أميركا الإستراتيجية عبر العالم، ومن تلك التبعات ما يلي

أولا: تراجع ثقة العالم الاقتصادية في أميركا وفي قدرة أميركا على قيادة العالم من خلال سياسات مالية واقتصادية سليمة خاصة وأن الأزمة الاقتصادية العالمية بدأت في أميركا نفسها بسبب سياسات مالية غير المسئولة وضعف رقابة الحكومة الأميركية وتأخر تدخلها لعلاج مشاكل الأسواق المالية

ثانيا: ضعف ثقة العالم في الأدوات المالية الأميركية مثل صناديق التحوط وغيرها من الأدوات المالية الأميركية الجديدة

ثالثا: تراجع هيبة أميركا بعد لجوءها ولجوء أكبر شركاتها للاقتراض من دول أسيا الثرية

رابعا: تراجع مكانية المؤسسات المالية الأميركية الوطنية والمؤسسات الاقتصادية الدولية التي أسستها أميركا بعد الحرب العالمية الثانية مثل صندوق النقد والبنك الدوليين، فلم تعد الدول الفقيرة في حاجة للاقتراض من صندوق النقد وتحمل شروطه الصعبة في الوقت الذي يمكنها فيه الاقتراض من دول أسيا الصاعدة، وعلى المنوال نفسه سوف تتراجع ثقة تلك الدول في نصائح البنك الدولي وسياسته في مجال التنمية القائمة على مفاهيم أميركية وغربية

كما ستطالب الدول الصاعدة بدور أكبر في المؤسسات الدولية كالأمم المتحدة، وسوف تتراجع مكانة الدولة الغربية وتجمعاتها كمجموعة الثمانية أمام مكانة تجمعات أخرى كمجموعة العشرين التي تضم الدول الصاعدة اقتصاديا

خامسا: من الممكن أن تستخدم الدول الأجنبية المقرضة لأميركا أموالها لأغراض إستراتيجية، من خلال استثمارها في قطاعات تكنولوجية أميركية حساسة كتلك المرتبطة بالإنتاج العسكري، أو من خلال استخدام بنوكها وشركاتها الاقتصادية بالتنسيق مع استخباراتها لإلحاق أضرار اقتصادية بالغة بأميركا

سادسا: يمكن لأن تؤدي الأزمة الاقتصادية لنزعات أميركية داخلية انعزالية تطالب بفرض سياسات حمائية تحمي الاقتصادي الأميركي من الداخل، خاصة وأن هناك بوادر سياسية لتلك السياسات داخل الكونجرس الأميركي ذاته، ومن شأن فرض تلك السياسات إثارة مزيد من الشكوك الدولية في الاقتصاد الأميركي، وهروب رؤوس الأموال الأجنبية، وتدهور السمعة المالية الأميركية كأكبر أسواق العالم الرأسمالية الحرة، كما من شأنها أيضا الإضرار بالصناعات الأميركية وبقدرتها التنافسية

وتقول الدراسة أن الأميركيين يشعرون حاليا بنسبة عالية من عدم الثقة في قدرتهم التنافسية تعزز تلك المشاعر الحمائية، وأن تلك النسبة وصلت إلى 72% من الأميركيين في ديسمبر 2007

سابعا: كل ما سبق يصب في تراجع الرأسمالية الغربية والقيم الليبرالية كنموذج سياسي واقتصادي وأيدلوجي، وهذا يعني تراجع إيمان العالم بالأفكار والقيم الغربية وقدرتها على تحقيق النمو الاقتصادي وتحسين مستوى المعيشة لمواطنيها، وتراجع النفوذ الأيدلوجي الأميركي والغربي عبر العالم

خاتمة

في نهاية التقرير يدعو مؤلفوه إدارة الرئيس الأميركي الحالي باراك أوباما إلى إدراك أهمية البعد الاقتصادي في الإستراتيجية الأميركية، وإلى بذل جهود مضاعفة لإقناع الأميركيين بالعزوف عن نزعتهم الانعزالية الحمائية في الوقت الراهن، وإلى بث ثقتهم في أنفسهم في تلك الظروف الصعبة وتشجيعهم على الانخراط مجددا في الاقتصاد العالمي

ويرى التقرير أن صعود القوى الاقتصادية الجديدة يمثل فرصة بقدر ما يمثل تحدي للقوة الاقتصادية الأميركية على المدى البعيد لأنه سوف يعني توسع الأسواق العالمية ورفع الضغوط المفروضة على السوق الأميركي حاليا كأكبر الأسواق الاستهلاكية في العالم، كما أنه سوف يوجد مزيد من الفرص للتجارة والتمنية الاقتصادية للدول النامية والفقيرة وكذلك لنمو الاقتصاد العالمي

أما فيما يتعلق بعلاج الأزمة الأميركية العالية فيؤكد التقرير على أهمية المرونة والقدرة على التكيف في علاجها، لأن علاجها لن يكون سهلا على المستوى الأميركي والعالمي وقد يستغرق حتى منتصف العقد القادم

----

للإطلاع على نص التقرير، يرجى زيارة

http://www.ndu.edu/inss/index.cfm?secID=8&pageID=126&type=section