إيران: أين نحن اليوم؟
تقرير مقدم إلى لجنة العلاقات الدولية بمجلس الشيوخ الأميركي في الرابع من مايو 2009
بقلم: علاء بيومي
يمكن نشر المقال مع الإشارة إلى مصدره
www.alaabayoumi.com
نص المقال
أبرز ما ورد في هذا التقرير الصادر عن لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ الأميركي في مطلع الشهر الحالي هو تأكيده على الطبيعة السياسية لمشكلة إيران النووية، فهو يؤكد أن أصل المشكلة سياسي وأن حالها سياسي أيضا
فالتقرير - والذي اعتمد على معلومات استخباراتية غير سرية - يؤكد أن إيران لا تمتلك القدرة على إنتاج سلاح نووي حتى الآن وإن كانت تقترب منها تدريجيا، وأنه لا توجد "أدلة" تثبت أن إيران تسعى لإنتاج سلاح نووي أو أن قادة إيران "أمروا" بإنتاج هذا السلاح
كما يؤكد أيضا أنه لو قررت إيران الإعلان عن كافة جوانب برنامجها النووي وإخضاعه للرقابة الدولية مع التمسك بحقها في تطوير الوقود النووي - والذي يكفله لها كونها أحدى الدول الموقعة على اتفاقية حظر انتشار الأسلحة النووية - فإن ذلك لن يبدد مخاوف خصومها وعلى رأسهم إسرائيل
وهنا يوضح التقرير أن إنتاج سلاح نووي يتطلب التحرك على ثلاثة مستويات ضرورية، أولها إنتاج اليورانيوم عالي التخصيب والذي يمكن أن يمثل المادة المتفجرة داخل القنبلة النووية، وحتى الآن تمتلك إيران كمية من اليورانيوم منخفض التخصيب – حوالي طن أو أكثر. وهي كمية كافية لإنتاج قنبلة لو قررت إيران ذلك، وسوف يستغرق تحويل اليورانيوم منخفض التخصيب إلى يورانيوم عالي التخصيب عدة أسابيع وفقا لبعض التقديرات، وبعد ذلك تبدأ عمليه تحويل اليورانيوم عالي التخصيب إلى قلب القنبلة النووية، وهي عملية صعبة تكنولوجيا تستغرق ستة أشهر
وهذا يعني أن تحويل اليورانيوم منخفض التخصيب الذي تمتلكه إيران إلى مادة قنبلة نووية يحتاج إلى أكثر من ستة أو سبعة أشهر على أقل تقدير، كما يحتاج إلى تحويله إلى يورانيوم عالي التخصيب ثم إلي مادة سلاح نووي، وهذا بالطبع وفقا لأكثر التقديرات مبالغة في قدرة إيران النووية كما يبدو من التقرير
أما المكون الثاني فهو الرأس النووية ذاتها، وقد كشف معلومات استخبارتية حصلت عليها أميركا في عام 2004 أن إيران لديها تصميم دقيق لرأس نووية، وقد نفت إيران هذه المعلومات، وتؤكد معلومات استخبارتية أخرى أن إيران توقفت عن تطوير الرأس النووي في أواخر عام 2003 ولا تتوافر أدلة حتى أواخر عام 2007 - على أقل تقدير - تثبت أن إيران استأنفت بناءها للرأس النووية
أما المكون الثالث فهو السلاح القادر على حمل الرأس النووية، وهنا يرى التقرير أن إطلاق إيران لقمر صناعي في فبراير الماضي يعزز قدرتها في هذا الصدد خاصة مع سعيها لتطوير ترسانتها من الصواريخ الباليستية بعيدة المدى
وهذا يعني أن مكونات القنبلة النووية ثلاثة وهي الوقود والرأس وأداة التوصيل، وأن إيران بعيدة تكنولوجيا حاليا عن إنتاج العناصر الثلاثة مجتمعة، وأنه لا توجد أدلة تثبت أصلا سعي إيران لامتلاك العناصر الثلاثة مجتمعة من أجل بناء قنبلة نووية
المؤكد هنا – وفقا للتقرير – هو أن إيران دولة موقعة على اتفاقية حظر الانتشار النووي مما يعطها الحق في تطوير الطاقة النووية لأغراض سلمية وهو ما تؤكد عليه إيران، ولكن هذا لا يعني أن إيران بريئة تماما في سلوكها كما يرى التقرير
إذ يشير التقارير إلى أن برنامج إيران لتطوير الوقود النووي بدأ في نهاية الثمانينات خلال حربها مع العراق، وكشف عنه في عام 2002 بعدما حصلت جماعات معارضة إيرانية على معلومات بشأنه على الرغم من تكتم إيران عليه، وتحت الضغط أوقفت إيران برنامجها النووي في نهاية عام 2003 وربما يكون لذلك علاقة بالغزو الأميركي للعراق خلال تلك الفترة وفقا للتقرير
ومع تخبط الدور الأميركي في العراق عادت إيران لتطوير الوقود النووي في نهاية عام 2005، وخلال تلك الفترة وبعدها ثبت لوكالة الطاقة الذرية أن إيران تخفي معلومات عن برنامجها النووي وعن مواقع تطوير هذا البرنامج المنتشرة حول إيران، وأن إيران أيضا لا تتعاون مع المجتمع الدولي في الكشف عن برامجها النووية، وهو أمر دفع الوكالة إلى رفع شكواها إلى مجلس الأمن في فبراير 2006، الذي بدأ في إقرار عقوبات على إيران في شهر ديسمبر 2006 تلتها عقوبات أخرى
كما يرى التقرير - والذي اعتمد في إعداده على مقابلات ومعلومات قدمتها الاستخبارات الأميركية والإسرائيلية واستخبارات دول أخرى – أنه بات من المؤكد أن إيران حققت تقدما ملحوظا في تخصيب وقودها النووي وأنها تمتلك حاليا 4000 آلاف طارد مركزي وهو الجهاز المستخدم في تخصيب اليورانيوم، وأنها قادرة على إضافة 1600 طارد مركزي إضافي إذا قررت ذلك، وأن إيران تسعى لامتلاك مزيد من التكنولوجيا النووية وإلى تفادي العقوبات الدولية المفروضة عليها بهذا الخصوص
ولكن التقرير يؤكد - في الوقت ذاته - على عدم وجود دليل يثبت أن سعي إيران لتخصيب اليورانيوم يعني سعيها لامتلاك سلاح نووي، فاليورانيوم المخصب وحده لا يكفي لإنتاج مثل هذا السلاح والذي يحتاج مكونات أخرى كتحويل اليورانيوم إلى مادة سلاح نووي، والرأس النووية وأدوات التوصيل، كما يحتاج إلى قرار سياسي يأمر ببناء سلاح نووي، كما ذكرنا من قبل
هذا يعني أن جوهر المشكلة مع إيران سياسي، فالمشكلة هي أن إسرائيل وبعض جيران إيران والدول الغربية تشك في نوايا إيران، وتتبنى أسوأ الفروض في التعامل معها، وترى أن برنامج إيران للطاقة النووية هو مقدمة لبرنامج تسلح نووي
ويقول التقرير أن تلك الدول لن ترضى عن إيران حتى لو كشفت جميع المعلومات المتعلقة بنشاطها النووي بشرط الاستمرار في برنامجها السلمي، وذلك لسببين، أولهما إن امتلاك القدرة على تخصيب اليورانيوم يمثل خطوة هامة على طريق إنتاج القنبلة النووية، فالتقرير يرى أن إيران قادرة على إنتاج سلاح نووي تدريجيا إذا قررت ذلك.
أما السبب الثاني وهو الأهم فهو أن خصوم إيران يشكون فيها لدرجة لا يتعايشوا فيها مع إيران تمتلك القدرة على تخصيب اليورانيوم حتى لو تم ذلك تحت أعين المجتمع الدولي، فهو يقول أن الإسرائيليين ينظرون نحو إيران من منظور "أسوأ الفروض"
وهذا بالطبع يضع صانع القرار الأميركي في موقف صعب، فالتقرير يؤكد على أن "هجوم إسرائيل (على إيران) سوف يهدد مصالح أميركا وبلدان أخرى في المنطقة"، وأن حل مشكلة برنامج إيران هو حل سياسي يقع في يد قادة إيران أنفسهم، فهم القادرون على اتخاذ قرار برفض المضي قدما في إنتاج سلاح نووي
لذا يبرز التقرير سعى إدارة أوباما إلى الدخول في محادثات مباشرة مع إيران بخصوص برنامجها النووي، كما يقول في خاتمته أن أميركا تحتاج إلى حل دبلوماسي مع إيران لأن ذلك سوف "يفتح الباب لعلاقات أميركية إيرانية أفضل في قضايا مثل التطرف في الشرق الأوسط، وتسهيل خروج القوات الأميركية من العراق، وجلب الاستقرار لأفغانستان، ويمكن أيضا أن تمنع قيام سباق للتسلح النووي بالشرق الأوسط"
وبهذا يتبنى التقرير في خاتمته نبرة دبلوماسية تعكس نظرته لمشكلة إيران النووية كمشكلة سياسية بالأساس
----
للإطلاع على نص التقرير، يرجى زيارة
يمكن نشر المقال مع الإشارة إلى مصدره
www.alaabayoumi.com
نص المقال
أبرز ما ورد في هذا التقرير الصادر عن لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ الأميركي في مطلع الشهر الحالي هو تأكيده على الطبيعة السياسية لمشكلة إيران النووية، فهو يؤكد أن أصل المشكلة سياسي وأن حالها سياسي أيضا
فالتقرير - والذي اعتمد على معلومات استخباراتية غير سرية - يؤكد أن إيران لا تمتلك القدرة على إنتاج سلاح نووي حتى الآن وإن كانت تقترب منها تدريجيا، وأنه لا توجد "أدلة" تثبت أن إيران تسعى لإنتاج سلاح نووي أو أن قادة إيران "أمروا" بإنتاج هذا السلاح
كما يؤكد أيضا أنه لو قررت إيران الإعلان عن كافة جوانب برنامجها النووي وإخضاعه للرقابة الدولية مع التمسك بحقها في تطوير الوقود النووي - والذي يكفله لها كونها أحدى الدول الموقعة على اتفاقية حظر انتشار الأسلحة النووية - فإن ذلك لن يبدد مخاوف خصومها وعلى رأسهم إسرائيل
وهنا يوضح التقرير أن إنتاج سلاح نووي يتطلب التحرك على ثلاثة مستويات ضرورية، أولها إنتاج اليورانيوم عالي التخصيب والذي يمكن أن يمثل المادة المتفجرة داخل القنبلة النووية، وحتى الآن تمتلك إيران كمية من اليورانيوم منخفض التخصيب – حوالي طن أو أكثر. وهي كمية كافية لإنتاج قنبلة لو قررت إيران ذلك، وسوف يستغرق تحويل اليورانيوم منخفض التخصيب إلى يورانيوم عالي التخصيب عدة أسابيع وفقا لبعض التقديرات، وبعد ذلك تبدأ عمليه تحويل اليورانيوم عالي التخصيب إلى قلب القنبلة النووية، وهي عملية صعبة تكنولوجيا تستغرق ستة أشهر
وهذا يعني أن تحويل اليورانيوم منخفض التخصيب الذي تمتلكه إيران إلى مادة قنبلة نووية يحتاج إلى أكثر من ستة أو سبعة أشهر على أقل تقدير، كما يحتاج إلى تحويله إلى يورانيوم عالي التخصيب ثم إلي مادة سلاح نووي، وهذا بالطبع وفقا لأكثر التقديرات مبالغة في قدرة إيران النووية كما يبدو من التقرير
أما المكون الثاني فهو الرأس النووية ذاتها، وقد كشف معلومات استخبارتية حصلت عليها أميركا في عام 2004 أن إيران لديها تصميم دقيق لرأس نووية، وقد نفت إيران هذه المعلومات، وتؤكد معلومات استخبارتية أخرى أن إيران توقفت عن تطوير الرأس النووي في أواخر عام 2003 ولا تتوافر أدلة حتى أواخر عام 2007 - على أقل تقدير - تثبت أن إيران استأنفت بناءها للرأس النووية
أما المكون الثالث فهو السلاح القادر على حمل الرأس النووية، وهنا يرى التقرير أن إطلاق إيران لقمر صناعي في فبراير الماضي يعزز قدرتها في هذا الصدد خاصة مع سعيها لتطوير ترسانتها من الصواريخ الباليستية بعيدة المدى
وهذا يعني أن مكونات القنبلة النووية ثلاثة وهي الوقود والرأس وأداة التوصيل، وأن إيران بعيدة تكنولوجيا حاليا عن إنتاج العناصر الثلاثة مجتمعة، وأنه لا توجد أدلة تثبت أصلا سعي إيران لامتلاك العناصر الثلاثة مجتمعة من أجل بناء قنبلة نووية
المؤكد هنا – وفقا للتقرير – هو أن إيران دولة موقعة على اتفاقية حظر الانتشار النووي مما يعطها الحق في تطوير الطاقة النووية لأغراض سلمية وهو ما تؤكد عليه إيران، ولكن هذا لا يعني أن إيران بريئة تماما في سلوكها كما يرى التقرير
إذ يشير التقارير إلى أن برنامج إيران لتطوير الوقود النووي بدأ في نهاية الثمانينات خلال حربها مع العراق، وكشف عنه في عام 2002 بعدما حصلت جماعات معارضة إيرانية على معلومات بشأنه على الرغم من تكتم إيران عليه، وتحت الضغط أوقفت إيران برنامجها النووي في نهاية عام 2003 وربما يكون لذلك علاقة بالغزو الأميركي للعراق خلال تلك الفترة وفقا للتقرير
ومع تخبط الدور الأميركي في العراق عادت إيران لتطوير الوقود النووي في نهاية عام 2005، وخلال تلك الفترة وبعدها ثبت لوكالة الطاقة الذرية أن إيران تخفي معلومات عن برنامجها النووي وعن مواقع تطوير هذا البرنامج المنتشرة حول إيران، وأن إيران أيضا لا تتعاون مع المجتمع الدولي في الكشف عن برامجها النووية، وهو أمر دفع الوكالة إلى رفع شكواها إلى مجلس الأمن في فبراير 2006، الذي بدأ في إقرار عقوبات على إيران في شهر ديسمبر 2006 تلتها عقوبات أخرى
كما يرى التقرير - والذي اعتمد في إعداده على مقابلات ومعلومات قدمتها الاستخبارات الأميركية والإسرائيلية واستخبارات دول أخرى – أنه بات من المؤكد أن إيران حققت تقدما ملحوظا في تخصيب وقودها النووي وأنها تمتلك حاليا 4000 آلاف طارد مركزي وهو الجهاز المستخدم في تخصيب اليورانيوم، وأنها قادرة على إضافة 1600 طارد مركزي إضافي إذا قررت ذلك، وأن إيران تسعى لامتلاك مزيد من التكنولوجيا النووية وإلى تفادي العقوبات الدولية المفروضة عليها بهذا الخصوص
ولكن التقرير يؤكد - في الوقت ذاته - على عدم وجود دليل يثبت أن سعي إيران لتخصيب اليورانيوم يعني سعيها لامتلاك سلاح نووي، فاليورانيوم المخصب وحده لا يكفي لإنتاج مثل هذا السلاح والذي يحتاج مكونات أخرى كتحويل اليورانيوم إلى مادة سلاح نووي، والرأس النووية وأدوات التوصيل، كما يحتاج إلى قرار سياسي يأمر ببناء سلاح نووي، كما ذكرنا من قبل
هذا يعني أن جوهر المشكلة مع إيران سياسي، فالمشكلة هي أن إسرائيل وبعض جيران إيران والدول الغربية تشك في نوايا إيران، وتتبنى أسوأ الفروض في التعامل معها، وترى أن برنامج إيران للطاقة النووية هو مقدمة لبرنامج تسلح نووي
ويقول التقرير أن تلك الدول لن ترضى عن إيران حتى لو كشفت جميع المعلومات المتعلقة بنشاطها النووي بشرط الاستمرار في برنامجها السلمي، وذلك لسببين، أولهما إن امتلاك القدرة على تخصيب اليورانيوم يمثل خطوة هامة على طريق إنتاج القنبلة النووية، فالتقرير يرى أن إيران قادرة على إنتاج سلاح نووي تدريجيا إذا قررت ذلك.
أما السبب الثاني وهو الأهم فهو أن خصوم إيران يشكون فيها لدرجة لا يتعايشوا فيها مع إيران تمتلك القدرة على تخصيب اليورانيوم حتى لو تم ذلك تحت أعين المجتمع الدولي، فهو يقول أن الإسرائيليين ينظرون نحو إيران من منظور "أسوأ الفروض"
وهذا بالطبع يضع صانع القرار الأميركي في موقف صعب، فالتقرير يؤكد على أن "هجوم إسرائيل (على إيران) سوف يهدد مصالح أميركا وبلدان أخرى في المنطقة"، وأن حل مشكلة برنامج إيران هو حل سياسي يقع في يد قادة إيران أنفسهم، فهم القادرون على اتخاذ قرار برفض المضي قدما في إنتاج سلاح نووي
لذا يبرز التقرير سعى إدارة أوباما إلى الدخول في محادثات مباشرة مع إيران بخصوص برنامجها النووي، كما يقول في خاتمته أن أميركا تحتاج إلى حل دبلوماسي مع إيران لأن ذلك سوف "يفتح الباب لعلاقات أميركية إيرانية أفضل في قضايا مثل التطرف في الشرق الأوسط، وتسهيل خروج القوات الأميركية من العراق، وجلب الاستقرار لأفغانستان، ويمكن أيضا أن تمنع قيام سباق للتسلح النووي بالشرق الأوسط"
وبهذا يتبنى التقرير في خاتمته نبرة دبلوماسية تعكس نظرته لمشكلة إيران النووية كمشكلة سياسية بالأساس
----
للإطلاع على نص التقرير، يرجى زيارة
No comments:
Post a Comment