Thursday, December 27, 2007

جون إدواردز بين إعلاء القيم الليبرالية وتجاهل معاناة الفلسطينيين
مقال بقلم: علاء بيومي

الناشر:
الجزيرة نت، 27 ديسمبر 2007

نص المقال

متابعة مواقف جون إدواردز بخصوص الشرق الأوسط تثير علامات استفهام عديدة حول مواقف قيادات الحزب الديمقراطي تجاه قضايانا، وقدرة تلك القيادات على اتخاذ مواقف جريئة تنقذ السياسة الأميركية مما أخطاءها العديدة في التعامل مع المنطقة

مرشح الأمل والفقراء

فمتابعة مواقف إدواردز المختلفة تدفعك لتقدير مواقفه الداخلية الرامية لمساعدة الطبقات الأميركية الفقيرة والضعيفة سياسيا، إذا يفتخر إدواردز بجذوره الفقيرة وبكونه أول من حصل على تعليما جامعيا بأسرته، وأنه تربي بمدينة صغير مهمشة وتعلم بالمدارس الأميركية الحكومية، وبنى نفسه بنفسه حتى صار محاميا شهيرا كون ثروة كبيرة من تخصصه في قضايا التعويضات

ويفضل إدواردز تقديم نفسه كسياسي قادر على الحديث إلى البسطاء بلغة يفهمونها، وكرجل عصامي استطاع النجاح في الحياة العملية دون أن ينسى المستضعفين وقضاياهم، وكرجل صاحب مبادئ غير راغب في السلطة، فإدواردز لم يفكر جديا في السياسة إلا بعد وفاة ولده الأكبر وواد في عام 1996 في حادث سيارة مفاجئ، حيث عاش إدواردز قبل ذلك حياة عادية كمحامي ناجح يكسب الملايين من قضايا التعويضات التي أكسبته شهرة واسعة، ولكن بعد وفاة وواد مر إدواردز بفترة إعادة تقييم لحياته دفعته لعزلة ثم التوجه للعمل العام فتوجه للسياسة، وتركت زوجته – إليزابيث – المحاماة، وأنشئا معا مؤسسة تعليمية خيرية تحت اسم ابنهما المتوفي لتقديم منح دراسية للطلاب الفقراء، كما قررا إعادة الإنجاب من جديد لينجبا ثلاثة أطفال

ورشح إدواردز نفسه لانتخابات مجلس الشيوخ الأميركي في عام 1998 لينجح ويصبح عضوا بمجلس الشيوخ الأميركي بداية من عام أوائل 1999 وحتى استقالته في أواخر عام 2004

حصان أسود الانتخابات الرئاسية

وتشير التقارير أن إدواردز يعتمد في حملاته الانتخابية على ثروته الخاصة وعلى دعم أصدقاءه من المحامين الأثرياء له مما يجعله أقل اعتمادا على أموال جماعات اللوبي، وهو أمر يفتخر به إدواردز والذي يتحدث بشكل متزايد عن رفضه لسيطرة الشركات الكبرى على واشنطن

ومن أهم ما يميز حملات إدواردز الانتخابية جديتها وتنظيمها وقدرة إدواردز على التواصل مع الجماهير مما يجعله قادرا على التقدم بشكل مستمر سياسيا والصعود لأعلى في تلك الحملات، فقد خاض إدواردز معركة الترشيح للرئاسة الأميركية بنجاح كبير في عام 2004، حيث رشح إدواردز نفسه للمنافسة على ترشيح الحزب الديمقراطي للرئاسة الأميركية ولم يمض على وجوده في مجلس الشيوخ أكثر من أربعة سنوات، وعلى الرغم من قلة خبرته السياسية تمكن من التقدم على مرشحين كبار مثل هاورد دين - حاكم ولاية فيرمونت السابق - ووسلي كلارك - الخبير في مكافحة الإرهاب، وصار أهم المنافسين للسيناتور جون كيري والذي فاز بترشيح الحزب الديمقراطي واختار إدواردز نائبا له ليخوض معه الانتخابات الرئاسية، والتي لم تكلل بالنجاح

ويبدو أن التاريخ يعيد نفسه خلال موسم الانتخابات الرئاسية الحالية (2008)، فبعد أن استقال جون إدواردز عن عضوية مجلس الشيوخ الأميركي في 2005 عاد إدواردز إلى الأضواء مجددا بترشيح نفسه للمنافسة على ترشيح الحزب الديمقراطي للرئاسة، وذلك في مواجهة مرشحين أقوياء مثل هيلاري كلينتون وباراك أوباما واللذان يحظيان بشعبية واسعة، ويبدو أن إدواردز يسير بخطى منتظمة نحو الأمام، حيث تظهر الاستطلاعات المختلفة أنه ثالث المرشحين الديمقراطيين من حيث التأييد الجماهيري أو حجم التبرعات التي جمعها، وأن شعبيته في صعود يوما بعد يوم، وأنه قد يصبح حصان الانتخابات الأسود كما حدث في انتخابات عام 2004

أكثر جراءة ويسارية

ويقول البعض أن جون إدواردز العائد للسياسية والحملات الانتخابية يتميز هذه المرة بخطاب أكثر جراءة ويسارية، فليس لدى إدواردز ما يخسره أو يقيده، فإدواردز ليس عضوا بمجلس الشيوخ، كما أنه ثالث المرشحين بعد هيلاري وأوباما مما يدفعه للتشدد في خطابه أملا في جلب الأضواء والمساندين

ويرى البعض أن تشدد أوباما في خطابه اليساري المساند لحقوق الفقراء والمستضعفين يعود لخلفية إدواردز الفقيرة ولظروفه الشخصية وأنه يعكس قيمه الحقيقية، ويرى آخرون أنه محاولة لجذب الأضواء ليس أكثر في مواجهة هيلاري وأوباما الأكثر شعبية

ويشير البعض هنا إلى انضمام جو تريبي مدير حملة هاورد دين الرئاسية (2004) لحملة إدواردز الحالية (2008)، ويرى هؤلاء أن انضمام تريبي لحملة إدواردز - والدعم الكبير الذي يتلقاه من إليزابيث إدواردز كما يعتقدون - له دلالات هامة، فالمعروف عن تريبي يساريته وجماهيريته الواسعة وخطابه الحماسي في مساندة الفقراء والمستضعفين، وأنه لعب دورا في حشد تأييد الديمقراطيين لحملة هاورد دين والذي مال أكثر نحو اليسار ونحو التشدد ونحو معارضة حرب العراق، ويرى البعض أن انضمام تريبي لحملة إدواردز أكد توجهها نحو الخطاب اليساري الأكثر تشددا وحماسة

وينعكس هذا الخطاب على أجندة إدواردز الانتخابية والتي تركز على أربع قضايا أساسية وهي مكافحة الفقر وتوفير الرعاية الصحية لجميع الأميركيين وإزالة الإعفاءات الضريبية التي منحها جورج دبليو بوش للأثرياء والانسحاب من العراق، ويقول إدواردز أنه لديه خطط حقيقية لعلاج القضايا السابقة وخاصة الداخلية منها ويتحدى منافسيه تقديم خطط مشابهة أو مناظرة

ولا ينسى إدواردز انتقاد سياسة بوش الداخلية خاصة على مستوى الحقوق المدنية، ويجب هنا الإشارة إلى أن إدواردز صوت لقانون الوطنية المعني بمكافحة الإرهاب "باتريوت آكت" والذي تعرض لانتقادات واسعة بسبب شموله على بنودا تعد انتهاكا للحريات المدنية الأميركية، ولكن إدواردز عاد وأكد على خطأ تلك الانتهاكات وعلى ضرورة حماية الحريات الأميركية في أوقات الأزمات

مهادنة دولية

يسارية إدواردز على الساحة الداخلية تزامنت مع تبنيه خطابا أكثر مهادنة على المستوى الدولي، حيث يطالب إدواردز بسياسة أميركية أكثر احتراما للحلفاء وتحاورا مع الأعداء وعلى رأسهم كوريا الشمالية وإيران وسوريا، حيث يرى إدواردز أنه كرئيس لأميركا لن يتردد في الحوار مع دولة كإيران، ولن يتردد في فتح باب الحوار مع إيران وسوريا بخصوص العراق وإمكانية أن تقوم الدولتان بدعم استقرار العراق، فهو يرى أن مشكلة السياسة الأميركية حالية هو أنها ترفض الحوار وتلوح العصى الأميركية وحدها ولا تلوح بالجزرة، ويرى أن الحل الأفضل في التعامل مع دول كإيران وكوريا الشمالية هو الدخول في حوار جاد معها، وإغراءها بعدد من الحوافز التي يمكن أن تستفيد منها كالاستثمارات والمساعدات الاقتصادية في حالة تخليها عن برامجها المعارضة للسياسة الأميركية، وذلك مع الإبقاء على جميع الخيارات مفتوحة – بما في ذلك خيار استخدام القوة العسكرية – أمام الرئيس

وينادي إدواردز بسياسة أميركية خارجية تعكس القيم وبالمبادئ الأميركية من خلال احترام المعاهدات الدولية ودعمها، والعمل مع المجتمع الدولي لمكافحة التهديدات الدولية مثل الدول الفاشلة والفقر والإرهاب، ونشر الديمقراطية عبر العالم من خلال بناء مؤسسات المجتمع المدني بالدول النامية ودعم تلك المؤسسات دون الإسراع في عقد انتخابات، وربط المساعدات الأميركية للدول الأجنبية بالتزام تلك الدول بالديمقراطية، وهنا يدعم إدواردز بناء منظمة للأمن والتعاون بالشرق الأوسط تدعم المجتمعات المدنية وتنشر الديمقراطية بالدول العربية على غرار مؤسسة الأمن والتعاون الأوربية والتي عملت على دعم مجتمعات أوربا الشرقية ودفعها نحو الديمقراطية

العراق

وتنطبق مواقف إدواردز اليسارية السابقة على موقفه تجاه العراق، ومن المعروف هنا أن إدواردز أيد قانون استخدام القوة العسكرية ضد العراق وتحدث في أكثر من مناسبة عن الخطر الذي كان يمثله نظام صدام حسين وعن سعيه لامتلاك أسلحة الدمار الشامل وعن ضرورة تغيير النظام العراقي، وهو أمر يندم عليه إدواردز حاليا، ويقول أنه أخطأ فيه وأن الفارق بينه وبين بعض منافسيه مثل هيلاري كلينتون أنه لن يدعم أي قرار لمساندة الحرب ضد العراق بعدما أدرك حقيقة الأوضاع هناك، ويرد عليه البعض هنا بتذكيره بأنه لم يعد عضوا بمجلس الشيوخ الأميركي ولن يطلب منه أحد التصويت مجددا على مشاريع خاصة بحرب العراق

ومن الملاحظ أن إدواردز شكك قبل حرب العراق في قدرة الإدارة الأميركية على التخطيط والاستعداد لفترة ما بعد سقوط النظام العراقي، وينتقد إدواردز حكومة رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي لفشلها في التقدم نحو إيجاد حلي سياسي لمشكلة العراق، ويقول أنه لو أصبح رئيسا فسوف يسحب 40 ألف جندي أميركي من العراق فورا على أن يقوم بسحب غالبية القوات خلال عام أو عام ونصف من توليه الرئاسة، ولكنه يعود ليؤكد على أنه سوف يبقى بعض القوات الأميركية بالعراق لفترة لضمان عدم وقوع حرب مدنية في العراق أو تعرض العراق لاعتداءات من جيرانه، وهو أمر يصفه منتقدي إدواردز بالتناقض

التشدد وإغفال حقوق الفلسطينيين

التناقض بخصوص العراق ليس النقد الوحيد الذي يمكن أن يوجه إلى مواقف إدواردز الخارجية، فالواضح أن أجندة وخطاب إدواردز على مستوى الداخلي تتعارض بحد كبير مع أجندته على المستوى الدولي كلما اقتربنا من بلدان الشرق الأوسط وخصوصا من الصراع العربي الإسرائيلي، فعلى سبيل المثال يبدي إدواردز تشددا واضحا ضد المملكة العربية السعودية متهما إياها بعدم فعل ما يكفي لمكافحة الإرهاب، ويعارض صفقة تذويد المملكة بأسلحة أميركية يقدر ثمنها بعشرين مليار دولار والتي أعلن عنها مؤخرا، ويحث على تقليل اعتماد أميركا على نفط الشرق الأوسط

أما التناقض الأكبر فيتعلق بموقف إدواردز تجاه حقوق الشعب الفلسطيني، إذ لا يفوت إدواردز فرصة لتأكيد التزامه بحماية أمن إسرائيل والتي زارها أكثر من مرة، بترتيب من منظمات لوبي إسرائيل أحيانا، وعلى ضرورة أن تحمي إسرائيل نفسها ضد هجمات الجماعات الفلسطينيين وعلى حق إسرائيل غير المقيد في الرد على تلك الهجمات، وبذلك يحيد إدواردز عن بعض مواقف الديمقراطيين التي كانت تحمل إسرائيل مسئولية متساوية مع الفلسطينيين في وقف دائرة العنف

كما يعلن إدواردز مساندته لأكثر من سياسة يمينية متشددة مثل سياسات الانسحاب الأحادي، وحائط الفصل، وخارطة الطريق، وجميعها سياسات طبقت خلال فترة حكم شارون وبالتعاون مع إدارة جورج دبليو بوش وثبت فشلها لأسباب مختلفة

ويقول إدواردز أنه كرئيس لأميركا سوف يتبنى دبلوماسية نشطة لإحياء عملية السلام وسوف يقوم كرئيس للولايات المتحدة بزيارة المنطقة وإرسال وزير خارجية تكرارا وتعيين مبعوث خلال بالشرق الأوسط من أجل أحياء عملية السلام كما سيقوم بدعم القوى المساندة للسلام داخل السلطة الفلسطينية

ولكن إدواردز لا يقدم شرحا واضحا للخطوات المحددة التي سوف يتخذها مبعوثيه لإحياء عملية السلام، ولا يتحدث عن دور إسرائيل نفسها في إحياء السلام، فهو يكاد يلقى اللوم الكامل على الفلسطينيين ويتناسى حقوقهم، ويرفض الضغط على إسرائيل

وهنا تظهر ازدواجية مواقف قيادات الحزب الديمقراطي في الولايات المتحدة ففي الوقت الذي ينادي فيه بعض هؤلاء بالحقوق والحريات المدنية داخل أميركا وبمساعدة المستضعفين حول العالم، نجدهم يتجاهلون حقوق شعوب العالم العربي لأسباب مختلفة ليس هذا محل تفنيدها

-----

مقالات ذات صلة

ترويض أوباما

إليوت إبرامز: أخر قلاع المحافظين الجدد في الإدارة الأميركية

من يحكم إميركا؟

Wednesday, December 12, 2007

مسلمو وعرب أميركا .. وقفة مع نقد الذات
بقلم: علاء بيومي

الناشر:
الجزيرة نت، 12 ديسمبر 2007

نص المقال

النقد الذاتي عادة من علامات النضج والثقة في النفس يجب تشجيعها لدي أي جماعة أو كيان بشري ما دامت تتم بنية حسنة، وبهدف التجميع لا التفريق، والنصح لا الذم، والتشجيع لا تثبيط الهمة

كما أن مسلمي وعرب أميركا أقلية هامة تفخر بكونها حلقة صلة بين كيانين هائلين – أميركا من ناحية والعالمين العربي والإسلامي من ناحية أخرى، كما تفخر بسعيها للجمع بين أفضل ما يمثله الكيانين من قيم مستفيدة بما تمتلكه موارد بشرية تتميز بالشباب وبالتعليم وبالتعددية وبجذورها العربية والإسلامية الراسخة وبالعيش داخل مجتمع غربي متقدم، وهي ظروف يصعب توافرها في لدى عدد كبير من الجماعات المسلمة أو العربية أو الأميركية الأقل حظا

من هذا المنطلق رأينا أن ننظر في مقالنا هذا داخل المجتمع المسلم والعربي الأميركي ذاته للوقوف على عدد من القضايا المحورية التي تمثل تحديات ضخمة نابغة من داخل مسلمي وعرب أميركا أنفسهم، والتي يجب التوقف أمامها لدورها في التأثير سلبا أو إيجابا مستقبل مسلمي وعرب أميركا كأقلية ذات رسالة هامة كما يؤمن أبناءها

المثير في التحديات التي نود التحديث عنها في مقالنا هذا – كما سنرى تباعا – أنها تمثل ثنائيات ضخمة وتوازنات صعبة أمام المجتمعات المسلمة والعربية بشكل عام عبر العالم، تنعكس على الأقلية المسلمة والعربية الأميركية بشكل واضح، وتحتاج لسنوات وربما لعقود لعلاجها

وقد رأينا هنا أن نسلط الضوء عليها إيمانا بأن الشعور بالمشكلة وتوصيفها توصيفا دقيقا هما أول خطوات علاجها

العلماني في مقابل الديني

الثنائية الأولى هو ثنائية العلمانية في مقابل التدين، فالواضح أن الأقلية المسلمة والعربية في أميركا مرت بمرحلة تدين منذ سبعينات القرن الماضي قادت إلى صعود ما يسمى بالمنظمات والتجمعات المسلمة الأميركية والتي باتت تشكل نسبة لا يستهان بها من مؤسسات وكيانات المسلمين والعرب في أميركا، وذلك على حساب المنظمات الثقافية والعرقية واللغوية التي كانت تمثل تلك الأقليات والتي تراجعت نسبيا خلال الفترة ذاتها

ويعود ذلك لأسباب مختلفة ليس هنا محل الاستفاضة فيها، فهي لا تختلف كثيرا عن أسباب صعود الدين والتدين في العالمين العربي والإسلامي بل وفي العالم الغربي ذاته خلال نفس الفترة، فالتيارات الدينية تعيش مرحلة صعود منذ أربعة عقود عبر العالم، والأقلية المسلمة والعربية الأميركية لا تمثل استثناءا في ذلك

ما هو استثنائي هو أن الخطاب السائد في أوساط المسلمين والعرب الأميركيين خطاب يدعو للوحدة في ظل الضغوط الراهنة، كما يدعو للتعالي عن المشاكل التي قسمت العالمين العربي والإسلامي وعلى رأسها الصراع العلماني - الديني، وللاستفادة من خبرة التعايش الأميركي في هذا المجال، فجزء كبير من التيار الليبرالي السائد في أميركا تيار علماني بالأساس ولكن الكثير من أبنائه تخطو ثنائية العلمانية في مقابل الدين، وباتوا من مناصري حرية العقيدة بغض النظر عن طبيعتها، والتسامح بغض النظر عن الطرف الضعيف، وذلك في مقابل التيارات الأميركية المتشددة والتي تنظر للأخر نظرة سلبية مغلقة بغض النظر عن خلفيتها ولأسباب مختلفة بعضها ديني والأخر علماني وكثير منها عنصري رافض للأخر المختلف بشكل عام

هذا يعني أن بعض الجماعات الأميركية الليبرالية تمثل نموذجا يجب الاستفادة منه في التعايش بين الديني والعلماني، وتوفر دروسا يجب تعلمها من قبل بعض القيادات المسلمة والعربية المتشددة في هذا المجال، فالمعايش لمسلمي وعرب أميركا وهمومهم يصعب عليه آلا يمر يوما من الأيام بعربي أو مسلم علماني ينظر نظرة دونية لأخيه المتدين على أساس أن تدينه يمثل الرجعية والانعزال، وذلك بغض النظر عن الخلفية التعليمية والوظيفية للشخص المتدين ودرجة نشاطه السياسي والمدني

في المقابل ينظر بعض المسلمين والعرب المتدينين المتشددين إلى أخيهم العلماني على أنه الأخر الذي لا ينتمي لملتهم والداعي للانحلال والتفريط، وذلك بغض النظر عن قناعاته الشخصية ومدى نشاطه في دعم حقوق وقضايا مسلمي وعرب أميركا

وينسى الطرفان الظروف والهموم المشتركة التي يمر بها المسلمون والعرب في أميركا، والنموذج الذي تقدمه بعض الجماعات الأميركية الليبرالية في التعايش، وبأن هدف الأيدلوجيات السليمة المختلفة - الديني منها أو العلماني - هو توحيد البشر لا تفريقهم، وتقويتهم لا إضعافهم، وتشجيعهم على الانفتاح والتعايش لا الانغلاق والتحارب

الأبناء في مقابل الآباء

الكل يعلم أن مستقبل المسلمين والعرب في أميركا كأقلية مستقرة مندمجة قوية يتوقف على قدرة الجيل الراهن من قادتهم على الدفع بالجيل الثاني الشاب لمواقع القيادة على مختلف المستويات، وذلك لدرجة أن نجاح المنظمات المسلمة والعربية الأميركية ينظر إليه أحيانا بمعيار قدرة تلك المنظمات على اجتذاب الشباب إليها وتوليتهم مواقع قيادية فيها بأكبر قدر ممكن وفي أقصر فترة زمنية ممكنة، وذلك ضمن معايير أخرى لا تقل أهمية

وكثير ما تسمع الآباء المسلمين والعرب في أميركا يقولون أن السبب الرئيسي لبقائهم في الولايات المتحدة وتحملهم آلام الغربة ومشاكلها وقسوة الحياة بالمجتمع الأميركي الرأسمالي هو حرصهم على ضمان مستقبل أفضل لأبنائهم، وأن يبنوا في أبنائهم ما عجزوا عن تحقيقه، وأن يترجموا ذلك على المستوي الجماعي بمستقبل أفضل للمسلمين والعرب في أميركا وعبر العالم

في المقابل تجد وللأسف أن بعض شباب المسلمين والعرب في أميركا يمتلكون أفكار خرافية إن لم تكن عنصرية عن ماضيهم العربي والمسلم، وعن المهاجرين الجدد والجيل الأول (آبائهم) من مسلمي وعرب أميركا الذي كان سببا رئيسيا في وجدوهم من الأصل

ويعود ذلك لأسباب مختلفة تعود بشكل كبير لعقدة الشعور بالنقص التي يعاني من بعض المسلمين والعرب تجاه كل ما هو أميركي أو غربي وهي عقدة تعود بشكل كبير للماضي الاستعماري وتغذيها التيارات الأميركية والغربية العنصرية التي تحارب الأقليات والمهاجرين والمسلمين والعرب، وهي جماعات تنظر نظرية دونية للأخر وتطالبه بالانصهار لا بالاندماج، وتستخدم أدوات جماهيرية ضخمة ومؤثرة كالإعلام لترويج أفكارها على نطاق واسع وزرعها في عقول وقلوب المقيمين بأميركا بما في ذلك المهاجرين منهم

لذلك تجد أن بعض الآباء المسلمين والعرب لا يتوقفون عن نقد خلفيتهم وأبناء عشيرتهم أمام أبنائهم وبخلع كافة الصفات السلبية عليهم، وبتغذية مشاعر الاستعلاء لدي أبنائهم تجاه كل ما هو مسلم وعربي وأشعارهم بأنهم قادرين على قيادة القطيع المسلم والعربي بأقل جهد وهم مازالوا في مهدمهم، ثم يعود هؤلاء الآباء للتعجب من أن أبنائهم الأميركيين الذي أنفقوا حياتهم في رعايتهم باتوا نقمة عليهم لا نعمة، وباتوا تجسيدا لمشاعر الاستعلاء التي زرعوها فيهم منذ الصغر

ولعل علاج تلك المشكلة يتطلب حلا جماعيا يبدأ من الأسرة، ويقوم على تزويد الجيل الثاني بروافد ثقافية مستمرة تربطه بماضيه المسلم والعربي بشكل متوازن عقلاني لا تبريري ولا استعلائي، روافد تضمن زرع خصال القيادة الجماعية الرحيمة والمتوازنة في أبناء الجيل الثاني من مسلمي وعرب أميركا بشكل يضمن حماية مصالح الجيلين الأول والثاني على حد سواء والأجيال القادمة كذلك

الجماهير في مقابل السلطة

الثنائية الثالثة والأخيرة – التي نود الحديث عنها في مقالنا هذا - تتعلق بقيادات المسلمين والعرب في أميركا وبعلاقة تلك القيادات بالجماهير التي ينبغي عليهم تمثيلها وبقدرتهم على ذلك التمثيل، فقدرة القيادات المسلمة والعربية على القيادة خاصة على المستوي السياسي تتوقف على قدرتها على العمل من داخل المؤسسات الأميركية السياسية الكبرى وعلى أن تتحول بمرور الوقف لجزء لا يتجزأ من تلك المؤسسات، فلا يمكن بناء لوبي مسلم وعربي أميركا قوي اعتمادا على قيادات تربت وترعرعت خارج الولايات المتحدة أو بعيدا على مؤسسات المجتمع المدني الأميركي، فلو أردت أن تبني عيادة طبية ناجحة فعليك أن تحضر العاملين بها من كليات الطب ومعاهد التمريض، وكذلك لو أردت أن تبني لوبي مسلم وعربي أميركي قوي فعليك أن تحضر قياداته من البيت الأبيض والوزارات الأميركية والكونجرس

ولكن بشرط أساسي وهو أن تعبر تلك القيادات عن القواعد الجماهيرية المسلمة والعربية الأميركية وأن تنتمي إليها وتتواضع لها وأن تبحث عنها وعن قضاياها وتمثلها وآلا تستعلي عليها وتتقوي عليها بخلفياتها وخبراتها

والواضح هنا أن الأقلية المسلمة والعربية الأميركية مستهدفة وأن بعض الأقليات الأميركية المتشددة مصرة على تفرقة صفها وشق وحدتها من الداخل من خلال التدخل بموارد إعلامية ومالية وسياسية ضخمة لدعم طرف مسلم أو عربي على أخر، وهي حقيقة لا تخفيها تلك الجماعات والتي تتحدث بشكل متكرر عن رغبها في دعم جماعات مسلمة وعربية أميركية معينة ضد جماعات ومنظمات أخرى انطلاقا من أجندة تلك الجماعات الأميركية المتشددة، والتي تريد أن تصيغ الأقلية المسلمة والعربية الأميركية على شاكلتها بحيث تحولها من خلال قادتها إلى مسخ لا يدعم إلا ما تريده تلك الجماعات، والتي لا تناصر مسلمي وعرب أميركا إلا قليلا، والتي قد تدعم مصالح جماعات ونخب ودول مناهضة لهم في كثير من الأحيان

وبذلك يجد مسلمو وعرب أميركا أنفسهم أمام معادلة صعبة تخيرهم بين الاعتماد على قيادات نجحت في التوغل في المؤسسات الأميركية على حساب بيع نفسها وقضاياها وأبناء جلدتها، وبين الاعتماد على قيادات تعبر عنها وعن قضاياها ولكنها تفتقر للخبرة الكافية التي تؤهلها للدفاع عن تلك القضايا والمصالح بشكل فعال وناجح

حل سهل ممتنع

في نهاية هذا المقال يجب التأكيد على حقيقة هامة تعرضنا لها في بداية هذا المقال وعبر فقراته المختلفة، وهي أن التحديات السابقة لا تقتصر على مسلمي وعرب أميركا وحدهم فهي تحديات تشاركهم فيها أقليات أمريكية أخرى مرت بظروفهم ومعاناتهم بشكل متطابق تقريبا، بل وتشاركهم فيها المجتمعات المسلمة والعربية بدرجة كبيرة، والتي لم تتمكن بعضها من إيجاد حلولا شافية للتحديات الكبرى الثلاثة السابقة

وهذا يعني أن علاج تلك التحديات سيطول، فهي ثنائيات يستحيل حلها بين عشية وضحاها، وقد يعيش مسلمو وعرب أميركا بها لسنوات وربما لعقود، خاصة إذا أخذنا بعين الاعتبار أن علاج مشكلة فرد ما تحتاج لسنوات، فما بالك بعلاج مشكلة جماعة متنامية جديدة متغيرة تحيى ظروف صعبة ومتقلبة كالأقلية المسلمة والعربية في أميركا

كما أن تلك التحديات ليست بغريبة عن مسلمي وعرب أميركا وقادتهم، فهم واعون بها بكل تأكيد، وإنما أردنا من مقالنا هذا المساعدة في التوصيف وتشجيع البحث عن حلول، والحل سهل ممتنع يحتاج إلى تشخيص دقيق حاولنا بدايته في مقالنا هذا، فهو حل يلخص الخبرة المسلمة والعربية الأميركية القائمة على الجمع بين الماضي والحاضر، بين العربي والإسلامي من ناحية والأميركي من ناحية أخرى، بين القدرة على التعلم من التراث العربي والإسلامي والاستفادة من خبرة التعايش الأميركي وعدم الوقوع في فخي التشدد أو التفريط

مقالات ذات صلة

الخطاب المسلم الأمريكي السائد

مسلمو وعرب أميركا بين تبعات 11/9 والثورة اليمينية المضادة

صعود الإسلاموفوبيا بالمجتمعات الغربية: قراءة في أهم المظاهر والأسباب

إسلاموفوبيا أحزاب اليمين الراديكالي الأوربية الجديدة

النخب الغربية وإعاقة اندماج مسلمي الغرب

لماذا رفضت وسائل الإعلام الأمريكية إعادة نشر الرسوم المسيئة للرسول؟